المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي

العودة   سقيفة الشبامي > الدين والحياه > سقيفة الحوار الإسلامي
سقيفة الحوار الإسلامي حيث الحوار الهادئ والهادف ، لا للخلاف نعم للإختلاف في وجهات النظر المثري للحوار !!
التعليمـــات روابط مفيدة Community التقويم مشاركات اليوم البحث


ˆ~*¤®§(*§السيرة النبوية §*)§®¤*~ˆ°

سقيفة الحوار الإسلامي


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-18-2006, 09:07 AM   #11
عبدالله السقاف
حال نشيط
 
الصورة الرمزية عبدالله السقاف


الدولة :  جـ المملكة العربية السعودية ـدة
هواياتي :  القيادة
عبدالله السقاف is on a distinguished road
عبدالله السقاف غير متواجد حالياً
افتراضي

الصبر على أذى المشركين في المرحلة المكية
الحمد لله الذي منّ على عباده المؤمنين بالأجور والحسنات ، فهم في النعمة شاكرون ينالون أجراً ، وفي الأذى صابرون ينالون أجراً ، إنهم في الخير أبداً - شاكرين وصابرين - ثم إن للصبر قيمة كبيرة ، وموقعا جليلا في الإسلام ، وأكثر أعمال الإسلام وفرائضه لها أجر محدود ، إلا الصبر فإن أجره غير محصور ولا محدود ، قال تعالى : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب}(الزمر: 10)

من أجل ذلك نجد القرآن يحض على الصبر والمصابرة، ويجعل من الصبر ركيزة أساسية، وعاملا حاسما لإقامة الدين في النفس وعلى الأرض ، قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة:153)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران:200) ، ولأجل أن الصبر بهذه المنزلة من الدين ، فقد كان سمة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم ، تجلت بصورة كبيرة في مرحلة الدعوة الأولى - المرحلة المكية - ، فقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، بشتى أنواع العذاب المعنوي والمادي، ولكنهم تجاوزوا كل ذلك بعزيمة لا تقهر، وصبر أكيد.

فقد واجه المشركون الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته بالأذى المعنوي، والدعاية المغرضة ، فقد سخروا منه ومن رسالته، فأشاعوا عنه أنه مجنون{وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}(الحجر:6)، ورموه بالسحر والكذب {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}(صّ:4)، واستهزءوا بأصحابه فقالوا {أ َهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ}(الأنعام: من الآية53)، وجعلوهم مثارا للغمز والضحك {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وإذا مروا بهم يتغامزون} ( المطففين:29 ،30)، وسعوا لتشويه حقيقة القرآن، وإثارة الشبهات حوله، فتارة يقولون : ما هو إلا قصص وأساطير السابقين ، {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الفرقان:5)، وتارة يقولون: تعلمه من علماء البشر كما أخبر القرآن عنهم : {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}(النحل:103)، ومرة أخري يحاولون صد الناس عن سماع القرآن والتشويش عليهم {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (فصلت:26).

أما الأذى المادي ، فقد تجرأ المشركون على شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وضايقوه،وجعلوا يرمون في بيته الأوساخ ، بل إن بعضهم وضع على ظهره الشريف أمعاء وأحشاء الإبل وهو ساجد لله بجوار الكعبة.

أما العصبة المؤمنة ، فقد ذاقت صنوفا من العذاب الشديد ، فمنهم من وضع في الرمضاء تحت شمس مكة المحرقة ، ومنهم من منع الطعام والشراب ، ومنهم من وضع عليه الصخر والحجر، وكان شعاره : أحد - أحد، ومنهم من استشهد تحت وطأة التعذيب، وكانت المحاصرة والمقاطعة في شعب أبي طالب ثلاث سنوات كاملة.

كل هذا ما كان ليصد هذه الفئة المؤمنة عن طريق الحق، بل هي صابرة محتسبة مستعلية بدينها وعقيدتها ، تتخذ من رسولها الكريم صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة ، مستعينة على الأذى بعدة الإيمان الكامل ، ووعد الله للصابرين بالأجر الكبير، لقد كان لصبر هذه الفئة - في الفترة المكية - نتائج كبيرة ، فقد انتصر الدين، وانتشر الحق، وفاضت العدالة ، وأتم الله عليهم نعمته ، وشتت عدوهم ،جزاء صبرهم واحتسابهم .نسأل الله أن يرزقنا صبراً على الحق، وصبراً عن الباطل .
  رد مع اقتباس
قديم 07-18-2006, 09:08 AM   #12
عبدالله السقاف
حال نشيط
 
الصورة الرمزية عبدالله السقاف


الدولة :  جـ المملكة العربية السعودية ـدة
هواياتي :  القيادة
عبدالله السقاف is on a distinguished road
عبدالله السقاف غير متواجد حالياً
افتراضي

إسلام عمر وحمزة رضي الله عنهما

إن الأفق المتلبد بالسحب قد يتولد منه برق يضئ, فقد مرت على المسلمين في مكة أيام غلاظ شداد مظلمة اضطرت فيها جماعات من المسلمين أن تفر بدينها إلى أماكن شتى وبطرق مختلفة، وبقي من بقي يكابد العنت والضيق من شطط المشركين وكيدهم، إلا أن عناصر جديدة دخلت الإسلام جعلت قريشاً تتروى في أمرها قبل أن تقدم على إساءاتها المبيَّتة ضد المسلمين.

ومن هؤلاء الذين أسلموا وكان إسلامهم فتحاً ونصراً للإسلام والمسلمين، وحسرة على المشركينحمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان رجلاً قوياً ذا عزيمة وشجاعة، وسبب إسلامه هو الغضب والحمية لابن أخيه صلى الله عليه وسلم، وخبر ذلك أن حمزة رضي الله عنه كان قادماً من الصيد فلقيته مولاة لعبد الله بن جدعان وأخبرته أن أبا جهل قد سب ابن أخيه سباً قبيحاً وآذاه، فأسرع حمزة وقد تملَّكه الغضب حتى جاء النادي الذي فيه أبو جهل ، وهو جالس بين قومه فوقف حمزة على رأسه وضربه بالقوس فشج رأسه شجة كبيرة وقال له : أتشتمه وأنا على دينه؟ أي تشتم محمداً وأنا أدين بدينه؟، فكان إسلام حمزة رضي الله عنه في بادئ الأمر حمية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنفة أن يهان وهو ابن أخيه ، ثم شرح الله صدره للحق، قال حمزة رضي الله عنه: لما احتملني الغضب وقلت أنا على دينه، أدركني الندم على فراق دين آبائي وقومي وبت من الشك في أمر عظيم لا أكتحل بنوم ، ثم أتيت الكعبة وتضرَّعت إلى الله سبحانه أن يشرح صدري للحق ويذهب عني الريب، فما أتممت دعائي حتى زاح عني الباطل وامتلأ قلبي يقيناً ، فغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا لي بأن يثبتني الله، وقال حمزة حين أسلم أبياتاً من الشعر منها:
حمدت الله حين هدى فؤادي إلى الإسلام و الدين الحنيف
لدين جاء من رب عزيز خبير بالعباد بهـم لطــيف
إذا تليت رسائله علينا تحدر دمع ذي اللب الحصيف
رسائل جاء أحمد من هداها بآيات مـبيَّنة الحـروف

وأبلى حمزة رضي الله عنه في الإسلام بلاءً حسناً، ودافع عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعاً عظيماً إلى أن اصطفاه الله تعالى في الشهداء، وقد شهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( سيد الشهداء حمزة) رواه الطبراني.
وأما الرجل الآخر الذي كان إسلامه كذلك فتحاً ونصراً للمسلمين، وخزياً للمشركين وحسرة عليهم فهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد كان عمر رضي الله عنه من أوائل المحاربين للإسلام والمستهزئين بالمسلمين، وكان معروفاً بحدة الطبع وقوة الشكيمة، وطالما لقي المسلمون منه ألوان الأذى، وصنوف العذاب، قالت زوجة عامر بن ربيعة : ( والله إنّا لنترحل إلى أرض الحبشة وقد ذهب عامر في بعض حاجاتنا ، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف علىَّ وهو على شركه وكنَّا نلقي منه البلاء أذىً لنا وشدةً علينا، فقال : إنَّه الانطلاق يا أم عبد الله؟ قالت: قلت نعم والله لنخرجن في أرض الله، آذيتمونا وقهرتمونا، حتى يجعل الله لنا مخرجاً، فقال عمر صحبكم الله ، ورأيت له رقة لم أكن أراها ثم انصرف وقد أحزنه فيما أرى خروجنا، قالت فجاء عامر بحاجته فقلت يا أبا عبد الله لو رأيت عمر آنفاً ورقته وحزنه علينا، قال: أطمعتِ في إسلامه؟ قلت: نعم، قال : والله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب)، قال ذلك يأساً منه لِمَا كان يرى من غلظته وقسوته على الإسلام، ولكن قلب المرأة كان أصدق من رأي الرجل، فإن غلظة عمر كانت قشرة خفيفة تكمن وراءها ينابيع من الرقة والعطف والسماحة تفجرت بعد إسلامه .

والظاهر أن عمر كانت تتصارع في نفسه مشاعر متناقضة، وهي تقديسه لتقاليد وعادات الأباء والأجداد، واسترساله مع شهوات السكر واللهو، ثم إعجابه بصلابة المسلمين وثباتهم على عقيدتهم، ثم الشكوك التي تراوده في أن ما يدعو إليه الإسلام أجل و أزكى من غيره.

هذا وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بدعاء كان بركة على عمر وتوفيقاً من الله تعالى له، روى الترمذي في سننه من ح*** ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم (اللهم اعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب قال وكان أحبهما إليه عمر ) فاستكان عمر رضي الله عنه للحق وأعلن إسلامه، ولما خلُصت نفسه من شوائبها، وتمحَّصت بالإسلام، كان مدداً عظيماً لجند الله، فازداد المسلمون به منعة وقوة ووقعت في نفوس الكافرين حسرة، قال ابن مسعود رصي الله عنه إن إسلام عمر كان فتحاً، وإن هجرته كانت نصراً، وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنَّا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه)، وروى البخاري عن ابن مسعود كذلك قال مازلنا أعزة منذ أسلم عمر).

وهكذا كان إسلام هذين الرجلين العظيمين فتحاً ونصراً للإسلام، ونصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقوة للمسلمين، ورفعاً لمعنوياتهم، والمتأمل يجد فرقاً هائلاً بين طبيعة المواجهة مع الإسلام في سنيِّه الأولى وبينها في السنة التاسعة وما بعدها حيث انضم عمر بعد حمزة إلى ركب الإيمان ، { وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } (الصف:8)
  رد مع اقتباس
قديم 07-18-2006, 09:10 AM   #13
عبدالله السقاف
حال نشيط
 
الصورة الرمزية عبدالله السقاف


الدولة :  جـ المملكة العربية السعودية ـدة
هواياتي :  القيادة
عبدالله السقاف is on a distinguished road
عبدالله السقاف غير متواجد حالياً
افتراضي

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

غزوة العشيرة
خرج المسلمون من مكة مهاجرين إلى المدينة امتثالا لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بعد أن ذاقوا الأمرين على يد جبابرة قريش وعتاتها ، فكانت هجرتهم نصرا وفتحاً ، نظرا لما كان عليه الحال في مكة من العذاب والذل ، فتركوا أموالهم وديارهم فراراً بدينهم وعقيدتهم .
ولما استقر بهم المقام في المدينة النبوية أصبح الجو مهيأ أكثر من ذي قبل لنشر الدعوة ومواجهة الواقفين في سبيلها ، وكان من أساليب المواجهة التي نهجها النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يسمى بلغة اليوم المواجهة الاقتصادية ، إذ عمد إلى ضرب اقتصاد المشركين عن طريق التعرض لقوافلهم التجارية المترددة بين مكة والشام ، حتى يسترد المسلمون أموالهم التي سلبتها قريش ، ولتشكل هذه المواجهة ضغطا على المشركين ، يرغمهم على تعديل سياستهم في التعامل مع المسلمين .
ووفق هذه الخطة كانت غزوة العشيرة - موضع بناحية ينبع - ، والتي جرت أحداثها في أواخر جمادى الأولى من السنة الثانية للهجرة ، حيث خرج صلى الله عليه وسلم في نحو مائة وخمسين رجلاً من المهاجرين ، معهم ثلاثون بعيرا يتناوبون على ركوبها ، وصاحب اللواء فيهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وكان الخروج في هذه الغزوة اختياريا، فمن شاء خرج ، ومن شاء لم يخرج ، وكان الغرض من الخروج اعتراض قافلة لقريش كانت ذاهبة إلى الشام .
فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم العشيرة وجد قافلة قريش قد فاتته بأيام ، فاستغل صلى الله عليه وسلم فرصة وجوده في تلك الناحية ، فعقد معاهدة عدم اعتداء مع بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة ، ثم عاد إلى المدينة في أوائل جمادى الآخرة ، وكما كانت تلك القافلة سببا في غزوة العشيرة ، كانت كذلك سبباً في غزوة بدر ، وذلك في طريق عودتها من الشام .
لقد كانت غزوة العشيرة من أوائل الغزوات التي غزاها النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الهدف منها - كما بينا - ضرب اقتصاد قريش ، والغزوة وإن لم تحقق هدفها المادي وهو الاستيلاء على القافلة ، إلا أنها - وهو الأهم - قد أدت هدفها المعنوي من إبلاغ رسالة إلى قريش مفادها أننا لن نكون لكم هدفاً سهلا بعد اليوم ، وأننا سوف نواجهكم ما دمتم تقفون عائقا في وجه الدعوة، وسوف نلاحقكم كما تلاحقون المؤمنين وتضطهدونهم ، وإلا فكفوا أيديكم فهو أسلم لكم .
تلك كانت الرسالة ، وهي بلا شك قد وصلت لقريش وفهمتها جيدا ، ومن هنا ندرك حكمة النبي صلى الله عليه وسلم وحنكته العسكرية ، ومدى خبرته في إدارة الصراعات ، كيف لا وهو النبي الموحى إليه من عند الله سبحانه ، نسأل المولى عز وجل أن يعيننا على السير على خطاه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين .

هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
لما ضاقت مكة بأفضل أهلها وخيرهم عند الله، رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه، جعل الله للمسلمين فرجاً ومخرجاً، فأذن لهم بالهجرة إلى المدينة حيث النصرة، وقبول الحق .

وقد أرخ لهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم . الزهري فقال : " مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحج بقية ذي الحجة , والمحرم وصفر ثم إن مشركي قريش اجتمعوا " - يعني على قتله - وقال الحاكم : " تواترت الأخبار أن خروجه كان يوم الاثنين ودخلوه المدينة كان يوم الاثنين " .

وقد أذن الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة , وكان يتردد على بيت أبي بكر كل يوم صباحاً ومساء , لا يكاد يدع ذلك , فلما أذن له بالهجرة جاءهم ظهراً على غير عادته وهو متقنع , فأخبر أبا بكر بذلك . واختياره وقت الظهر لأن الناس تأوي إلى بيوتها للقيلولة فراراً من الحر , وتقنّعه يفيد شعوره بالخطر من حوله , فقد اعتزمت قريش قتله , ولابد أنها ستعمد إلى رصد تحركه . قال تعالى : {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } (الأنفال 30).

مؤامرة لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم
وقد بينت رواية ضعيفة - بسبب الإرسال - قصة اجتماع المشركين على باب الرسول صلى الله عليه وسلم وذره التراب على رؤوسهم .

كما بيّن ابن عباس حصار المشركين لبيته ابتغاء قتله , ومبيت علي رضي الله على فراشه ولحاقه صلى الله عليه وسلم بالغار , ولما علم المشركون ذلك في الصباح اقتصوا أثره إلى الغار فرأوا على بابه نسيج العنكبوت فتركوه . ولكن هذه الرواية لا تصلح للاحتجاج بها وهي أجود ما روي في قصة نسيج العنكبوت على فم الغار ، وقد ورد ح*** ضعيف جداً يفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بات في غار ثور أمر الله شجرة , فنبتت في وجه الغار , وأمر حمامتين وحشيتين , فوقعتا بفم الغار . وأن ذلك سبب صدود المشركين عن الغار . ومثل هذه الأساطير تسربت إلى مصادر كثيرة في الح*** والسيرة . وعلى أية حال فإن ائتمار المشركين لقتله ثابت بنص الآية فلا يبعد أن يحاصروا بيته .

في غار ثور
قالت عائشة رضي الله عنها : ( فبينما نحن يوماً جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة , قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقناً في ساعة لم يكن يأتينا فيها . فقال أبو بكر : فداء له أبي وأمي , والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر . قالت : فجاء رسول الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له , فدخل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : أخرج من عندك . فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله . قال : فإني قد أذن لي في الخروج . فقال أبو بكر : الصحابة بأبي أنت يارسول الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم . قال أبو بكر : فخذ - بأبي أنت يا رسول الله - إحدى راحلتي هاتين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بالثمن . قالت عائشة : فجهزناهما أحث الجهاز , وضعنا لهم سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها , فربطت به على فم الجراب . وبذلك سميت ذات النطاق . قالت : ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور , فكمنا فيه ثلاث ليال , يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر - وهو غلام شاب ثقف لقن - فيدلج من عندهما بسحر , فيصبح من قريش بمكة كبائت , فلا يسمع أمراً يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام , ويرعى عليهما عامر بن فهيرة - مولى أبي بكر - منحة من غنم , فيريحها عليهما حتى تذهب ساعة من العشاء , فيبيتان في رسل - وهو لبن منحتهما ورضيفهما - حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس , يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث . واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل وهو من بني عدي بن عدي هادياً خرّيتاً قد غمس حلفاً في العاص بن وائل السهمي - وهو على دين الكفار - فدفعا اليه راحلتيهما , وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث. )

وتشير رواية صحيحة أخرى إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ركبا ، قال : ( فانطلقا حتى أتيا الغار وهو بثور ) .

موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وثمة رواية حسنة تفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم انطلق إلى الغار من بيته حيث حاصره المشركون يريدون قتله , فلبس علي رضي الله عنه ثوبه ونام مكانه واخترق رسول الله صلى الله عليه وسلم حصار المشركين دون أن يروه , بعد أن أوصى علياً بأن يخبر أبا بكر أن يلحق به , فجاء أبو بكر وعليّ نائم , وأبو بكر يحسب أنه نبي الله صلى الله عليه وسلم , قال : فقال : يا نبي الله ..
فقال له علي : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه .
قال : فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار .
قال : وجعل علي يرمي بالحجارة , كما كان يرمي نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يتضور , قد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه , حتى أصبح .
ثم كشف عن رأسه , فقالوا : إنك للئيم ! . كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضوّر وقد استنكرنا ذلك .
لقد كان غار ثور قد تحدد منطلقاً للهجرة , وضرب الموعد مع الدليل في ذلك المكان , وكان خروج المصطفى والصديق الى الغار ليلاً .

ولا تقوى هذه الرواية على معارضة ما في الصحيح , ولكن يمكن التوفيق بينهما , لأن رواية الصحيح ليست صريحة في ركوبهما من بيت الصديق رضي الله عنه . فإذا افترضنا أن اصطحابهما معاً جرى من بئر ميمون أمكن التوفيق بين الروايتين .

أبو بكر الصديق يضع ثروته في خدمة الدعوة
لقد حمل أبو بكر رضي الله عنه ثروته ليضعها تحت تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقد ذكرت أسماء ابنته أنها خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم . لقد مكث الاثنان في الغار ثلاث ليال وقد تمكن المشركون من اقتفاء أثرهم إلى الغار حيث رأى الصديق أقدامهم فقال :" يا نبي الله , لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا " . قال : ( اسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما ) .
وإلى هذا اليقين التام والتوكل الكامل تشير الآية { ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } ( التوبة 40)

الإعلان عن مكافأة
لقد أخفقت قريش في العثور عليهما , فأعلنت عن مكافأة لمن يقتلهما أو يأسرهما وأرّخت رواية واهية خروج النبي صلى الله عليه وسلم من الغار في ليلة الاثنين لأربع ليال خلون من شهر ربيع الأول , وأدركتهما القيلولة ظهر يوم الثلاثاء بقديد . وهذا التحديد يثير الشك بصحة الرواية فضلاً عن ضعف الإسناد .لقد مضى الاثنان في الطريق الى المدينة وهما يحسان برصد المشركين لهما . قال أبو بكر : " أخذ علينا بالرصد فخرجنا ليلاً "

وبالجملة فإن الهجرة حدث عظيم، وفيه من الفوائد والعبر الكثير الكثير،
  رد مع اقتباس
قديم 07-18-2006, 09:16 AM   #14
عبدالله السقاف
حال نشيط
 
الصورة الرمزية عبدالله السقاف


الدولة :  جـ المملكة العربية السعودية ـدة
هواياتي :  القيادة
عبدالله السقاف is on a distinguished road
عبدالله السقاف غير متواجد حالياً
افتراضي

نظرة في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

إن رباط الأخوة في الإسلام رباط عظيم ولذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم عليه وأكده، وكان من أوائل الأمور التي قام بها بعد وصوله المدينة أن آخى بين المهاجرين والأنصار.

ويبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم استمر يؤاخي بين أصحابه مؤاخاة مواساة وتعاون وتناصح دون أن يترتب على ذلك حق التوارث بين المتآخين ،
وهكذا وردت أخبار تفيد أنه آخى بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي مع أن سلمان أسلم بين أحد والخندق مما جعل الواقدي والبلاذري ينكران ذلك .

وكذلك أنكر ابن كثير مؤاخاة جعفر بن أبي طالب لمعاذ بن جبل لأن جعفراً قدم في فتح خيبر أول سنة 7هـ .

ومثل ذلك مؤاخاة الحتات مع معاوية بن أبي سفيان ؛ لأن معاوية أسلم بعد فتح مكة سنة 8هـ .

وكذلك فإن الحتات قدم المدينة في وفد تميم في العام التاسع للهجرة ، وإذا اعتبرنا المؤاخاة مستمرة إلا ما يتعلق بحق التوارث الذي أبطل بعد بدر فلا موجب لهذا الاعتراض والإنكار الذي أبداه المؤرخون تجاه هذه الروايات .

وكذلك إذا قبلنا وقوع مؤاخاة دون إرث قبل وبعد تشريع المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فإن ذلك سوف يفسر الالتباس الذي وقع فيه ابن إسحق عندما أورد في قائمة المتآخين خبر مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ومؤاخاة حمزة لزيد بن حارثة وكلهم مهاجرون في حين أن سائر الأسماء الأخرى التي وردت في قائمته توضح أن المؤاخاة كانت بين مهاجري وأنصار .

وقد عقب ابن كثير على مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ومؤاخاة حمزة لزيد بأنه لا معنى لهذه المؤاخاة إلا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل مصلحة علي إلى غيره فإنه كان ممن ينفق عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من صغره . وإلا أن يكون حمزة قد التزم بمصالح مولاهم زيد بن حارثة فآخاه بهذا الاعتبار .

ولكن هذا التعليل الذي قدمه ابن كثير غير مقبول لأن المصادر ذكرت مؤاخاة حمزة ابن عبد المطلب لكلثوم بن الهدم وغيره , كما ذكرت مؤاخاة زيد بن حارثة لأسيد بن حضير .

كما أن المؤاخاة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعلي تقتضي التوارث , والنبي لا يورث كما جاء في الح*** , كما أن البلاذري ذكر مؤاخاة علي لسهل بن حنيف .
وكذلك فإن البلاذري ذكر وقوع مؤاخاة بين النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وحمزة وزيد بمكة

ونخلص من ذلك إلى أن هذه المؤاخاة بين النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وبين حمزة وزيد إذا كانت قد وقعت , فإنها مؤاخاة تقتضي المؤازرة والرفقة دون حقوق التوارث وأنها جرت في غير الوقت الذي أعلن فيه نظام المؤاخاة في دار أنس بن مالك .

وأخيراً فإن المؤاخاة التي شرعت بين المؤمنين باقية لم تنسخ سوى ما يترتب عليها من توارث فإنه منسوخ , وبوسع المؤمنين في كل عصر أن يتأخوا بينهم على المواساة والارتفاق والنصيحة ويترتب على مؤاخاتهم حقوق أخص من المؤاخاة العامة بين المؤمنين. والله نسأل ان يؤلف بين المؤمنين ويجعلهم أخوة متحابين متناصرين. والحمد لله رب العالمين.
التوقيع :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس
قديم 07-18-2006, 09:17 AM   #15
عبدالله السقاف
حال نشيط
 
الصورة الرمزية عبدالله السقاف


الدولة :  جـ المملكة العربية السعودية ـدة
هواياتي :  القيادة
عبدالله السقاف is on a distinguished road
عبدالله السقاف غير متواجد حالياً
افتراضي

تشريع الجهاد
شرع الجهاد لأول مرة في العهد المدني ، وقبل ذلك كان المسلمون مأمورين بعدم استعمال القوة في مواجهة المشركين وأذاهم، فكان الشعار المعلن ( كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة ) (النساء :77) . فقد كانت الدعوة في المرحلة المكية جديدة مثل النبتة الصغيرة تحتاج إلى الماء والغذاء والوقت لترسخ جذورها وتقوى على مواجهة العواصف ، فلو واجهت الدعوة آنذاك المشركين بحد السيف فإنهم يجتثونها ويقضون عليها من أول الأمر ، فكانت الحكمة تقتضي أن يصبر المسلمون على أذى المشركين ، وأن يتجهوا إلى تربية أنفسهم ونشر دعوتهم.

فلما قامت للإسلام دولة في المدينة، شرع الله الجهاد دفاعاً عن النفس فقط في أول الأمر: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)(الحج:39) . (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة:190) ثم أذن بمبادرة العدو للتمكين للعقيدة من الانتشار دون عقبات، ولصرف الفتنة عن الناس ليتمكنوا من اختيار الدين الحق بإرادتهم الحرة (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) (البقرة:193) .

وقد التزم المقاتلون المسلمون بضوابط الحق والعدل والرحمة، فسجل التاريخ لهم انضباطهم الدقيق، حيث لم ترد أية إشارة إلى القيام بمجازر، أو سلب الأموال، أو الاعتداء على الأعراض في المناطق المفتوحة مما يقع عادة في الحروب المدنية خلال مراحل التأريخ المختلفة . وقبل ذلك كله لم تفرض العقيدة الإسلامية بالقوة على سكان المناطق المفتوحة ، بل سمح لأهل الكتاب بالمحافظة على أديانهم الأخرى ، ولا زالوا يعيشون بأديانهم حتى الوقت الحاضر بسبب السماحة الدينية.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين للمسلمين ضرورة اقتران النية بالجهاد ، وأن لا يكون الدافع إلى القتال الحصول على الغنائم، أو الرغبة في الشهرة والمجد الشخصي، أو الوطني، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) رواه مسلم

بل لا بد من إخلاص النية لله بأن لا يقترن القصد من الجهاد بأي غرض دنيوي لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وابتغي به وجهه .

وفي الح*** عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تضمَّن الله لمن خرج في سبيله ، لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي ، وإيماناً بي ، وتصديقاً برسلي ، فهو عليَّ ضامن أن أدخله الجنة ، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة ، والذي نفس محمد بيده ما من كلم ـ جرح ـ يكلم في سبيل الله إلا ما جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم ، لونه لون دم ، وريحه مسك ، والذي نفس محمد بيده ، ! لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبداً ، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ، ولا يجدون سعة ، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني ، والذي نفس محمد بيده ! لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ) رواه مسلم.

ومن الصعب تقديم النماذج الكثيرة التي توضح أثر هذه التوجيهات النبوية على نفسية المقاتل المسلم ، ولكن يمكن اختيار نموذجين لمقاتلين من عامة الجند ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين أثناء القتال في غزوة أحد : ( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض ، فسمعه عمير بن الحمام الأنصاري فقال : يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض !؟ قال: نعم فقال بخ بخ ـ كلمة تقال لتعظيم الأمر في الخير ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يحملك على قولك بخ بخ ؟ قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن كون من أهلها . قال : فإنك من أهلها . فأخرج تمرات من قرنه ، فجعل يأكل منهن ، ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ، قال : فرمي بما كان معه من التمر وقاتلهم حتى قتل ) رواه مسلم .
فهذا النموذج الأول.

وأما الثاني : فقد صح أن أعرابياً شهد فتح خبير، أراد النبي صلى الله عليه وسلم أثناء المعركة أن يقسم له قسماً وكان غائبا ، فلما حضر أعطوه ما قسم له ، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما على هذا اتبعتك ، ولكني اتبعتك على أرمي هاهنا ـ وأشار إلى حلقه ـ بسهم فأدخل الجنة . قال : ( إن تصدق الله يصدقك ) قال : فلبثوا قليلا ، ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم بجبته ، وصلى الله عليه ودعا له ، فكان مما قال : ( اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيدا ، وأنا عليه شهيد ) مصنف عبد الرازق
فهذه الرواية شاهد قوي على ما يبلغه الإيمان من نفس أعرابي ألف حياة الغزوة والسلب والنهب في الجاهلية فإذا به لا يقبل ثمنا لجهاده إلا الجنة ، فكيف يبلغ الإيمان إذاً من نفوس الصفوة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! .

أقسام الجهاد
يكون الجهاد بالكلمة ، وبالمال ، وبالنفس ، وفيما يلي تعريف بكل قسم من هذه الأقسام :

الجهاد بالكلمة
إن المقصود بالجهاد بالكلمة هو الدعوة إلى الله تعالى ، ببيان العقيدة والشريعة وتربية الناس وفقها ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وتوجيه النصح للحاكم، وخاصة إذا كان جائراً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ) رواه أبو داود وقال : ( سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ) . أبو داود وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ، وذلك لأن الناس تهاب الظالم ولا تنصحه مما يؤدي إلى الطغيان والانحراف عن الاستقامة والمخالفة لدين الله ، فكان أجر من يسعى إلى تقويم الحاكم الجائر عظيماً ، لأن عودته إلى الاستقامة وطاعة الله تعالى تؤدي إلى إحياء فريضة الجهاد في المجتمع، وتهيئة الأمة روحياً وجسمياً وفكرياً لمتطلباته .

الجهاد بالمال:
حض الإسلام على الجهاد بالمال ، لما له من أثر كبير في تجهيز الجيوش بالسلاح والأدوات والتدريب ، مما يقتضي صرف الأموال الوفيرة ، وتقوم الدولة في الوقت الحاضر بهذا الواجب، فتصرف من الموارد العامة على إعداد الجيوش ، وعند الحاجة، أو نقص الموارد، فيجب على أغنياء المسلمين دعم الجهاد بأموالهم ، قال تعالى : (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (التوبة:41) .
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أفضل ؟ فقال : ( مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله ) رواه البخاري.

الجهاد بالنفس:
يحرص الإسلام على السلم ، ويدعو الناس إلى الدخول فيه ، كما يحرص على هدايتهم ، بالبيان والترغيب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ل علي رضي الله عنه . حين وجهه لقتال يهود خبير : ( لئن يهدي الله بك رجلا خبر من أن يكون لك حمر النعم ) رواه مسلم

ولكن الإسلام يحث أيضا على القتال في سبيل الله لإعلاء كلمة الدين ، أو الدفع عن أرض المسلمين إذا هوجموا من عدوهم ، والجهاد بالنفس من فروض الكفايات إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، إلا عندما تغزى أرض المسلمين فإنه يصبح فرض عين يقوم به كل قادر على القتال، قال تعالى (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات:15).
وخاتمة القول: إن الجهاد شرع في الوقت المناسب، وشرع لإقامة الحق والعدل، ونشر رسالة الإسلام وإزاحة العوائق من أمام هذه الرسالة لتصل للناس أجمعين، والله نسأله أن يرفع راية الجهاد وينصر المجاهدين في كل مكان
  رد مع اقتباس
قديم 07-18-2006, 09:36 AM   #16
عبدالله السقاف
حال نشيط
 
الصورة الرمزية عبدالله السقاف


الدولة :  جـ المملكة العربية السعودية ـدة
هواياتي :  القيادة
عبدالله السقاف is on a distinguished road
عبدالله السقاف غير متواجد حالياً
افتراضي

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

غزوة أحد

وفي شوال سنة 3هـ كانت وقعة أحد . وذلك أن الله تبارك وتعالى لما أوقع بقريش يوم بدر ، وترأس فيهم أبو سفيان ، لذهاب أكابرهم ، أخذ يؤلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين . ويجمع الجموع ، فجمع قريباً من ثلاثة آلاف من قريش ، والحلفاء والأحابيش . وجاؤوا بنسائهم لئلا يفروا ، ثم أقبل بهم نحو المدينة ، فنزل قريباً من جبل أحد . فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم

أصحابه في الخروج إليهم ، وكان رأيه أن لا يخرجوا ، فإن دخلوها قاتلهم المسلمون على أفواه السكك ، والنساء من فوق البيوت ، ووافقه عبد الله بن أبي -رأس المنافقين- على هذا الرأي ، فبادر جماعة من فضلاء الصحابة -ممن فاته بدر- وأشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج ، وألحوا عليه . فنهض ودخل بيته، ولبس لأمته ، وخرج عليهم ، فقالوا : استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج . ثم قالوا : إن أحببت أن تمكث بالمدينة فافعل ، فقال : ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه . فخرج في ألف من أصحابه ، واستعمل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا : رأى أن في سيفه ثلمة ، وأن بقراً تذبح . وأنه يدخل يده في درع حصينة . فتأول الثلمة : برجل يصاب من أهل بيته ، والبقر : بنفر من أصحابه يقتلون ، والدرع بالمدينة ، فخرج ، وقال لأصحابه : عليكم بتقوى الله ، والصبر عند البأس إذا لقيتم العدو ، وانظروا ماذا أمركم الله به فافعلوا . فلما كان بالشوط -بين المدينة وأحد- انخزل عبد الله بن أبي بنحو ثلث العسكر ، وقال : عصاني . وسمع من غيري ما ندري علام نقتل أنفسنا ها هنا ، أيها الناس ؟ فرجع وتبعهم عبد الله بن عمرو -والد جابر- يحرضهم على الرجوع ، ويقول : قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ، قالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع، فرجع عنهم وسبهم . وسأل نفر من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستعينوا بحلفائهم من يهود ، فأبى ، وقال : من يخرج بنا على القوم من كثب؟ . فخرج به بعض الأنصار ، حتى سلك في حائط لمربع بن قيظي من المنافقين -وكان أعمى-، فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين ، ويقول : لا أحل لك أن تدخل في حائطي ، إن كنت رسول الله . فابتدروه ليقتلوه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقتلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصر .

ونفذ حتى نزل الشعب من أحد ، في عدوة الوادي الدنيا ، وجعل ظهره إلى أحد ، ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم . فلما أصبح يوم السبت تعبأ للقتال ، وهو في سبعمائة ، منهم خمسون فارساً ، واستعمل على الرماة -وكانوا خمسين- عبد الله بن جبير . وأمرهم : أن لا يفارقوا مركزهم ، ولو رأوا الطير تختطف العسكر ، وأمرهم : أن ينضحوا المشركين بالنبل ، لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم . وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين . وأعطى اللواء مصعب بن عمير ، وجعل على إحدى المجنبتين ال**ير بن العوام ، وعلى الأخرى : المنذر بن عمرو . واستعرض الشباب يومئذ ، فرد من استصغر عن القتال -كابن عمر ، وأسامة بن زيد ، والبراء ، وزيد بن أرقم ، وزيد بن ثابت ، وعرابة الأوسي- وأجاز من رآه مطيقاً . وتعبأت قريش ، وهم ثلاثة آلاف . وفيهم مائتا فارس ، فجعلوا ميمنتهم : خالد بن الوليد ، وعلى الميسرة : عكرمة بن أبي جهل .

ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه إلى أبي دجانة . وكان أول من بدر من المشركين أبو عامر -عبد عمرو بن صيفي- الفاسق ، وكان يسمى الراهب . وهو رأس الأوس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام شرق به ، وجاهر بالعداوة . فذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول ا لله صلى الله عليه وسلم ووعدهم : بأن قومه إذا رأوه أطاعوه ، فلما ناداهم ، وتعرف إليهم ، قالوا : لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق ، فقال : لقد أصاب قومي بعدي شر . ثم قاتل المسلمين قتالاً شديداً ، ثم أرضخهم بالحجارة . وأبلى يومئذ أبو دجانة، وطلحة، وحمزة، وعلي، والنضر بن أنس، وسعد بن الربيع بلاء حسناً . وكانت الدولة أول النهار للمسلمين ، فانهزم أعداء الله ، وولوا مدبرين ، حتى انتهوا إلى نسائهم ، فلما رأى ذلك الرماة ، قالوا : الغنيمة ، الغنيمة ، فذكرهم أميرهم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يسمعوا ، فأخلوا الثغر ، وكر فرسان المشركين عليه ، فوجدوه خالياً ، فجاؤوا منه . وأقبل آخرهم حتى أحاطوا بالمسلمين فأكرم الله من أكرم منهم بالشهادة -وهم سبعون- وولى الصحابة . وخلص المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجرحوه جراحات ، و**روا رباعيته . وقتل مصعب بن عمير بين يديه ، فدفع اللواء إلى علي بن أبي طالب . وأدركه المشركون يريدون قتله ، فحال دونه نحو عشرة حتى قتلوا ، ثم جالدهم طلحة بن عبيد الله حتى أجهضهم عنه ، وترس أبو دجانة عليه بظهره ، والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك . وأصيبت يومئذ عين قت ادة بن النعمان ، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها بيده ، فكانت أحسن عينيه . وصرخ الشيطان : إن محمداً قد قتل ، فوقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين . فمر أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم ، فقالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : ما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه . ثم استقبل الناس ، ولقي سعد بن معاذ ، فقال : يا سعد ! إني لأجد ريح الجنة من دون أحد ، فقاتل حتى قتل ، ووجد به سبعون جراحة . وقتل وحشي حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، رماه بحربة على طريقة الحبشة .

وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو المسلمين ، فكان أول من عرفه تحت المغفر : كعب بن مالك ، فصاح بأعلى صوته : يا معشر المسلمين ! هذا رسول الله ، فأشار إليه : أن اسكت ، فاجتمع إليه المسلمون ، ونهضوا معه إلى الشعب الذي نزل فيه . فلما أسندوا إلى الجبل أدركه أبي بن خلف على فرس له ، كان يزعم بمكة : أنه يقتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما اقترب منه طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترقوته ، فكر منهزماً . فقال له المشركون : ما بك من بأس ، فقال : والله لو كان ما بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين ، فمات بسرف . وحانت الصلاة ، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً . وشد حنظلة بن أبي عامر على أبي سفيان ، فلما تمكن منه حمل عليه شداد بن الأسود فقتله ، وكان حنظلة جنباً ، فإنه حين سمع الصيحة وهو على بطن امرأته : قام من فوره إلى الجهاد ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الملائكة تغسله . وكان الأصيرم -عمرو بن ثابت بن وقش- يأبى الإسلام ، وهو من بني عبد الأشهل ، فلما كان يوم أحد: قذف الله الإسلام في قلبه للحسنى التي سبقت له . فأسلم وأخذ سيفه ، فقاتل ، حتى أثبتته الجراح ، ولم يعلم أحد بأمره . فلما طاف بنو عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم ، وجدوا الأصيرم -وبه رمق يسير ، فقالوا : والله إن هذا الأصيرم ، ثم سألوه : ما الذي جاء بك ؟ أحدب على قومك ، أم رغبة في الإسلام ؟ فقال : بل رغبة في الإسلام ، آمنت بالله وبرسوله وأسلمت ، ومات من وقته . فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هو من أهل الجنة، ولم يصل لله سجدة قط . ولما انقضت الحرب : أشرف أبو سفيان على الجبل ، ونادى : أفيكم محمد ؟ فلم يجيبوه ، فقال : أفيكم ابن أبي قحافة ؟ فلم يجيبوه . فقال : أفيكم ابن ا لخطاب ؟ فلم يجيبوه ، فقال : أما هؤلاء فقد كفيتموهم ، فلم يملك عمر نفسه أن قال : يا عدو الله ! إن الذين ذكرتهم أحياء ، وقد أبقى الله لك منهم ما يسوءك ، ثم قال : اعل هبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تجيبوه ؟، قالوا : ما نقول ؟ قال : قولوا : الله أعلى وأجل، ثم قال : لنا العزى ، ولا عزى لكم ، قال : ألا تجيبوه ؟ قالوا : ما نقول ؟ قال : قولوا : الله مولانا ، ولا مولى لكم ، ثم قال : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال ، فقال عمر : لا سواء ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار . وأنزل الله عليهم النعاس في بدر وفي أحد ، والنعاس في الحرب من الله ، وفي الصلاة ومجالس الذكر : من الشيطان . وقاتلت الملائكة يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ففي الصحيحين عن سعد ، قال : رأيت رسول الله يوم أحد ، ومعه رجلان يقاتلان عنه ، عليهما ثياب بيض ، كأشد القتال ، وما رأيتهما قبل ولا بعد . ومر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار -وهو يتشحط في دمه- فقال : يا فلان ! أشعرت أن محمداً قتل ؟ فقال الأنصاري : إن كان قد قتل فقد بلغ ، فقاتلوا عن دينكم ، فنزل : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآ ية . وكان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص ، اختبر الله عز وجل به المؤمنين ، وأظهر به المنافقين ، وأكرم فيه من أراد كرامته بالشهادة ، فكان مما نزل من القرآن في يوم أحد : إحدى وستون آية من آل عمران ، أولها : وإذ غدوت من أهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال الآيات . ولما انصرفت قريش تلاوموا فيما بينهم ، وقالوا : لم تصنعوا شيئاً ، أصبتم شوكتهم ، ثم تركتموه ، وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم ، فارجعوا حتى نستأصل بقيتهم . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنادى في الناس بالمسير إليهم ، وقال : لا يخرج معنا إلا من شهد القتال ، فقال له ابن أبي : أركب معك ؟ قال : لا . فاستجاب له المسلمون -على ما بهم من القرح الشديد- وقالوا : سمعاً وطاعة . وقال جابر : يا رسول الله ! إني أحب أن لا تشهد مشهداً إلا كنت معك ، وإنما خلفني أبي على بناته ، فائذن لي أن أسير معك . فأذن له . فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ، حتى بلغوا حمراء الأسد ، فبلغ ذلك أبا سفيان ومن معه، فرجعوا إلى مكة. وشرط أبو سفيان لبعض المشركين شرطاً على أنه إذا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه : أن يخوفهم ، ويذكر لهم : أن قريش اً أجمعوا للكرة عليكم ليستأصلوا بقيتكم ، فلما بلغهم ذلك قالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل . ثم دخلت السنة الرابعة . فكانت فيها وقعة خبيب وأصحابه ، في صفر .
  رد مع اقتباس
قديم 07-18-2006, 09:38 AM   #17
عبدالله السقاف
حال نشيط
 
الصورة الرمزية عبدالله السقاف


الدولة :  جـ المملكة العربية السعودية ـدة
هواياتي :  القيادة
عبدالله السقاف is on a distinguished road
عبدالله السقاف غير متواجد حالياً
افتراضي

فوائد ودروس من غزوة أحد

بعد الانتصار الذي حققه المسلمون في غزوة بدر ، شاء الله أن يمتحن عباده المؤمنين ، ليميز الصادقين من المنافقين ، فكانت غزوة أحد التي حصل فيها ما حصل للرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من الصحابة ، وأنزل الله على إثرها آيات تتلى إلى يوم الدين ، فنزلت ثمان وخمسون آية من سورة آل عمران ، تتحدث عن هذه الغزوة ، ابتدأت بذكر أول مرحلة من مراحل الإعداد للمعركة في قوله تعالى : {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } ( آل عمران 121) ، وانتهت بالتعليق الجامع على نتائج المعركة ، والحكم التي أرادها الله منها فقال سبحانه : { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب } ( آل عمران 179) .
لقد وصفت هذه الآيات المعركة وصفاً دقيقاً ، وسلطت الضوء على خفايا النفوس ، ودخائل القلوب ، وكان فيها تربية للأمة في كل زمان ومكان ، ودروساً تتوارثها الأجيال تلو الأجيال ، وهذه لمحة خاطفة عن بعض الفوائد والحكم الربانية المستفادة من هذه الغزوة العظيمة .
ففي غزوة أحد ظهر أثر المعصية والفشل والتنازع في تخلف النصر عن الأمة ، فبسبب معصية واحدة خالف فيها الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وبسب التنازع والاختلاف حول الغنائم ، ذهب النصر عن المسلمين بعد أن انعقدت أسبابه ، ولاحت بوادره ، فقال سبحانه : { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحُسُّونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم }( آل عمران 152 ) ، فكيف ترجو أمة عصت ربها ، وخالفت أمر نبيها ، وتفرقت كلمتها أن يتنزل عليها نصر الله وتمكينه ؟.
وهذه الغزوة تعلمنا كذلك خطورة إيثار الدنيا على الآخرة ، وأن ذلك مما يفقد الأمة عون الله ونصره وتأييده ، قالابن مسعود : " ما كنت أرى أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أحد { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } " ، وفي ذلك درس عظيم يبين أن حب الدنيا والتعلق بها قد يتسلل إلى قلوب أهل الإيمان والصلاح ، وربما خفى عليهم ذلك ، فآثروها على ما عند الله ، مما يوجب على المرء أن يتفقد نفسه وأن يفتش في خباياها ، وأن يزيل كل ما من شأنه أن يحول بينها وبين الاستجابة لأوامر الله ونواهيه .
ومن الحكم إكرام الله بعض عباده بنيل الشهادة ، التي هي من أعلى المراتب والدرجات ، فأراد عز وجل أن يتخذ من عباده شهداء تراق دماؤهم في سبيله ، ويؤثرون محبته ورضاه على نفوسهم ، قال سبحانه : { ويتخذ منكم شهداء } .
وفي غزوة أحد تأكيد لسنة الله في الصراع بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، فقد جرت سنة الله في رسله وأتباعهم أن تكون الحرب سجالاً بينهم وبين أعدائهم ، فيدالوا مرة ويدال عليهم أخرى ، ثم تكون لهم العاقبة في النهاية ، ولئن انتفش الباطل يوماً وكان له صولات وجولات ، إلا أن العاقبة للمتقين ، والغلبة للمؤمنين ، فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة ، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا .
والجنة عزيزة غالية لا تُنال إلا على جسر من المشاق والمتاعب ، والنصر الرخيص السهل لا يدوم ، ولا يدرك الناس قيمته ، ولذلك قال الله : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } ( آل عمران 142) .
ولا بد أيضاً من الأخذ بأسباب النصر المادية والمعنوية مع التوكل على الله والاعتماد عليه ، فقد ظاهر النبي صلى الله عليه وسلم بين درعين ، ولبس لأْمَة الحرب ، وكافح معه الصحابة ، وقاتل عنه جبريل وميكائيل أشد القتال ، رغم أن الله عصمه من القتل .
ومن فوائد غزوة أحد تمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين ، ومحق الكافرين باستحقاهم غضب الله وعقابه ، وقد جمع الله ذلك كله في قوله : {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ، وتلك الأيام نداولها بين الناس ، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ، والله لا يحب الظالمين ، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين } ( آل عمران 139 - 140 ) إلى غير ذلك من الحكم والفوائد الكثيرة التي لا يتسع المقام لذكرها .
فهذه الغزوة العظيمة تعد نموذجاً حياً لما يمر به المسلمون اليوم من محن وشدائد ، فما أحرانا أن نقف عندها ، ونستفيد من دروسها وعبرها ، وما أحوج الأمة وهي تمر بهذه المرحلة الحرجة في تاريخها ، أن تراجع نفسها ، وتستعيد ذاكرتها
  رد مع اقتباس
قديم 07-18-2006, 09:39 AM   #18
عبدالله السقاف
حال نشيط
 
الصورة الرمزية عبدالله السقاف


الدولة :  جـ المملكة العربية السعودية ـدة
هواياتي :  القيادة
عبدالله السقاف is on a distinguished road
عبدالله السقاف غير متواجد حالياً
افتراضي

عمرة القضاء



أبرم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلح الحديبيَّة مع قريش في أواخر سنة ست للهجرة، على مشهد من الصحابة رضي الله عنهم واستغراب من بعضهم؛ لما تضمنته بنود ذلك الصلح من فقرات بدت للوهلة الأولى أنها ليست في صالح المسلمين.

وكان مما جرى في أثناء هذا الصلح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أَوَ لستَ كنتَ تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ فأجابه: (بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا؟ قال: لا. قال: فإنك آتيه ومطوّف به).

وبالفعل فقد صدق الله رسولَه بما وعد به صحابته، وكتب الله له ولصحابته دخول البيت والطواف به، وأنزل الله بذلك قرآنًا يتلى فقال تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}(الفتح:27).

وتذكُر كتب السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في ذي القعدة من السنة السابعة قاصدًا مكة، وهو الشهر الذي صدَّه فيه المشركون عن دخولها، فاعتمر عمرة القضاء، وتحدثت قريش فيما بينها أن محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه في عسرة وجَهْد وشدة، فصفَّ له المشركون عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه ثم قال: (رحم الله امرأً أراهم اليوم من نفسه قوة) . ثم استلم الركن وخرج يهرول هو وأصحابه.

ولما مضى على دخوله صلى الله عليه وسلم مكة ثلاثة أيام - وهي المدة التي تم الاتفاق عليها مع قريش - أتوا عليًّا رضي الله عنه فقالوا: قل لصاحبك اخرج عنَّا فقد مضى الأجل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم منصرفًا إلى المدينة.

لقد كانت عمرة القضاء تصديقًا إلهيًّا لما وعد الله به نبيه عليه الصلاة والسلام من دخول مكة والطواف بالبيت الحرام، وكانت كذلك تصديقًا لما وعد به النبي صلى الله صحابته الكرام. وكانت العمرة تمهيداً لفتح مكة فيما بَعْدُ. وبيان ذلك: أن مشاهدة قريش للعدد الوفير من الأنصار والمهاجرين وهم محدقون برسول الله صلى الله عليه وسلم في طوافهم وسعيهم وباقي مناسكهم، وما كانوا عليه من حماس ونشاط، لم يكن يتوقعه المشركون، أقول: كان لذلك أبلغ الأثر في نفوسهم، فقد داخلتها الرهبة والهيبة للمسلمين، إذ فوجئوا بأمر لم يكونوا يألفوه، بل لم يكونوا يتوقعوه، يُرشد لهذا المعنى ما رواه مسلم في "صحيحه" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المشركين لما رأوا رمَل المسلمين (والرَمَل هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخُطا) حول الكعبة قال بعضهم لبعض: "هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم ؟! هؤلاء أجلد من كذا وكذا". فلا جرم أن كان لعمرة القضاء - بالشكل الذي تمت به - أثر بالغ في نفوس المشركين، مهَّد لفتح مكة فيما بَعْدُ .

ومن الدلالات التي نخرج بها من هذا الحدث أهمية إعداد المسلمين في كل عصر ومصر للقوة اللازمة، القوة المعنوية والقوة المادية على حد سواء، وإبرازها في الوقت المناسب ليكون للمسلمين هيبة ورهبة في قلوب أعدائهم المتربصين بهم.

اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد، وخذ بيدها لصالح القول والعمل، والله يتولى الصالحين

غزوة ذي أمر


كان النبي صلى الله عليه وسلم في مراقبة دائمة لأعدائه وخصومه الذين يبحثون عن أي فرصة تمكنهم من إلحاق الأذى بالمسلمين، وكان كلما هم هؤلاء الأعداء من الأعراب وغيرهم بمهاجمة المدينة خرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأدبهم وفرق جمعهم، وشتت شملهم، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أنّ جمعاً من غطفان قد تجمّعوا يريدون الإغارة على أطراف المدينة، يتزعمهم دعثور بن الحارث ابن محارب، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في أربعمائة وخمسين رجلاً ما بين راكب وراجل ، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان ذلك في السنة الثالثة للهجرة، وفي أثناء الطريق قبض المسلمون على رجل يقال له جبار من بني ثعلبة فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلم، وصار دليلاً للجيش إلى بلاد العدو، وهرب هؤلاء الأعراب من النبي صلى الله عليه وسلم وتفرقوا في رؤوس الجبال، ونزل صلّى الله عليه وآله وسلّم مكان تجمعهم وهو الماء المسمى بذي أمر فعسكر به قريباً من الشهر، ليُشعِر الأعراب بقوة المسلمين ويستولي عليهم الرعب والرهبة، وقد حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المعجزة، ومن إكرام الله له في هذه الغزوة أمر عجب .
روى ابن اسحق وغيره من أصحاب المغازي والسير، أن المسلمين في هذه الغزوة أصابهم مطر كثير، فذهب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته فأصابه ذلك المطر فبلَّل ثوبه، وقد جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وادي ذي أمر بينه وبين أصحابه، ثمّ نزع ثيابه فنشرها على شجرة لتجف، ثمّ اضطجع تحتها، والأعراب ينظرون إلى كلّ ما يفعل رسول الله، فقالت الأعراب لدعثور -وكان سيّدهم وأشجعهم- قد أمكنك الله من قتل محمّد، وقد انفرد من أصحابه حيث إن غوّث - أي طلب الغوث والنجدة - بأصحابه لم يُغث حتى تقتله، فاختار سيفاً من سيوفهم صارماً، ثمّ أقبل حتّى قام على رأس رسول الله بالسيف مشهوراً فقال: يا محمّد من يمنعك منّي اليوم؟ قال: الله، ودفع جبريل عليه السلام في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام على رأسه وقال: من يمنعك منّي؟، قال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، والله لا أُكثِّر عليك جمعاً أبداً، ثم أعطاه رسول الله سيفه ثمّ أدبر، ثمّ أقبل بوجهه ثمّ قال: والله لأنت خير مني، قال رسول الله: أنا أحقّ بذلك منك، فأتى قومه فقالوا له: أين ما كنت تقول، وقد أمكنك الله منه، والسيف في يدك؟ قال: قد كان والله ذلك، ولكنّي نظرت إلى رجل أبيض طويل دفع في صدري فوقعت لظهري، فعرفت أنّه مَلَك، وشهدت أنّ محمداً رسول الله، والله لا أُكثِّر عليه جمعاً أبداً، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام، ونزلت هذه الآية: {يا أيها الذِين آمَنُوا اذكُرُوا نِعمَةَ الله عَليكُم إذ هَمَ قَومٌ أن يَبسُطُوا إليكم أيديهم فَكَفَّ أيديهم عَنكُم} (المائدة:11).
وهذه القصة ثابتة في الصحيحين بسياق مختلف، وفي غزوة أخري كذلك ، وما في الصحيحين أصح.
ومن هذه الغزوة وما حصل فيها، يتبين لنا أن الله ناصر دينه وجنده، وما على المسلمين إلا أن يبذلوا وسعهم، ويجاهدوا لإعلاء كلمة الله ، والله نسأله أن ينصر المجاهدين في سبيله في كل مكان، إنه ولي ذلك والقادر عليه
  رد مع اقتباس
قديم 07-18-2006, 09:41 AM   #19
عبدالله السقاف
حال نشيط
 
الصورة الرمزية عبدالله السقاف


الدولة :  جـ المملكة العربية السعودية ـدة
هواياتي :  القيادة
عبدالله السقاف is on a distinguished road
عبدالله السقاف غير متواجد حالياً
افتراضي

غزوة حمراء الأسد


بعد انتهاء غزوة أحد التي حدث فيها ما حدث ، من تمحيص للمؤمنين وكشف لحقيقة المنافقين ، بلغ رسول صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان يعد لقتال المسلمين ، فأمر بلالاً أن ينادي بالناس : إنّ رسول الله يأمركم بطلب عدوكم ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في أثر أبي سفيان وهم يحملون جراحهم ، وأمر ألا يخرج معه إلا من شهد القتال في أحد ، وقد ذكر القرآن أحداث هذه الغزوة ، فقال الله في كتابه : {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم}( آل عمران: 172) ، وطلب رسول الله العدو حتى بلغ حمراء الأسد .

كان هدف رسول الله من سيره لحمراء الأسد إرهاب العدو ، وإبلاغهم قوة المسلمين ، وأن الذي أصابهم في أُحد لم يكن ليوهنهم عن عدوهم أو يفل من عزيمتهم .

ومر برسول الله معبد بن أبي معبد الخزاعي ، وهو يومئذ مشرك ، وكان مقيماً بحمراء الأسد ، فقال: يا محمد أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ، ولوددنا أن الله عافاك فيهم ، ثم خرج من عند رسول الله ، حتى لقي أبا سفيان ومن معه بالروحاء ، وقد أجمعوا أمرهم على ملاقاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقالوا : أصبنا حد أصحابه وقادتهم وأشرافهم ، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم ، لنكرن على بقيتهم فلنفرغن منهم ، فلما رأى أبو سفيان معبدا قال: ما وراءك يا معبد؟ قال : محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط ، يتحرقون عليكم تحرقا ، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم ، شيء لم أر مثله قط ، قال : ويلك ما تقول؟ قال : والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل ، قال:فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل شأفتهم ، قال فإني أنهاك عن ذلك ، ووالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتا من شعر ، قال: وما قلت؟ قال قلت :
كادت تُهَدُّ من الأصوات راحلتي إذ سالت الأرضُ بالجردِ الأبابيلِ
تردى بأسـد كرام لا تنـابلـة عند اللقـــاء ولا ميـل معــازيل
فظلت عدوا أظن الأرض مائلـة لما سموا برئيـس غير مخـــذول
فقلت ويل ابن حرب من لقائكـم إذا تغطمطت البطحـاء بالجيـــل
إني نذير لأهل البسل ضاحيــة لكل ذي أربة منهـــــم ومعقـول
من جيـش أحمد لا وخش قنابله وليس يوصف ما أنذرت بالقيـل
فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه عن ملاقاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانية. ومر بأبي سفيان ركْبٌ من عبد القيس ، فقال: أين تريدون؟ قالوا: المدينة ، قال: ولم؟ قالوا : نريد الميرة ، قال: فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها إليه واحمل لكم إبلكم هذه غدا **يبا بعكاظ إذا وافيتموها ؟ قالوا : نعم ، قال: فإذا وافيتموه فاخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه ، والى أصحابه لنستأصل بقيتهم ، فمر الركب برسول الله وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان ، فقال حسبنا الله ونعم الوكيل ، وفي ذلك أنزل الله قوله تعالى : {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}( آل عمران:173) و روى البخاري عن ابن عباس قال : "حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها ابراهيم عليه السلام حين ألقي في النار ، وقالها محمد حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا ، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " .
فبث الله الرعب في قلوب الكفار ، أبي سفيان وأصحابه ، فانصرفوا خائفين وجلين ، وعاد الرسول بأصحابه إلى المدينة .

والذي يُستفاد من أحداث هذه الغزوة وما رافقها من مجريات ، أن الله سبحانه ناصر دينه ، ومؤيد أوليائه ، وأن النصر لا يُحسم بعنصر القوة المادية فحسب ، وإنما هناك عنصر أهم وأجدى ألا وهو عنصر الإيمان بالله والاعتماد والتوكل عليه . ويُستفاد أيضاً - علاوة على ما سبق- أن النصر حليف المؤمنين إذا هيؤوا له أسبابه ، وأعدوا له القوة المعنوية والمادية ؛ فلا شك حينئذ أن الله ناصرهم . وصدق الله القائل في محكم كتابه :{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}(غافر:51).

غزوة المريسيع أو غزوة بني المصطلق

جرت أحداث هذه الغزوة في السنة السادسة من الهجرة ، وسببها أنه لما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحارث بن أبي ضرار - رأس وسيد بني المصطلق- سار في قومه ، وبعض من حالفه من العرب ، يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ابتاعوا خيلاً وسلاحاً ، وتهيّأوا لذلك ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بريدة بن الحصيب الأسلمي ؛ ليستطلع له خبر القوم ، فأتاهم حتى ورد عليهم مائهم ، فوجد قوماً مغرورين ، وقد تألبوا وجمعوا الجموع ، ولقي الحارث بن أبي ضرار ، وكلمه ، ورجع إلى رسول الله فأخبره خبرهم ، فندب رسول الله الناس ، فأسرعوا في الخروج ، وخرج معهم جماعة من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قبلها لقرب السفر ، ورغبة في عرض الدنيا ، واستعمل على المدينة زيد بن حارثة .

وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله إليه ، فخافوا خوفاً شديداً ، وتفرق عنهم من كان معهم من العرب، وانتهى رسول الله إلى المريسيع وهو مكان الماء ، فضرب عليه قبته ، ومعه عائشة وأم سلمة ، و تهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لملاقاة القوم .

وجعل راية المهاجرين مع أبي بكر الصديق ، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فنادى في الناس : قولوا لا إله إلا الله ، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم .

والصحيح من روايات هذه الغزوة أنه لم يكن قتال بين المسلمين والمشركين، وإنما أغاروا عليهم عند الماء ، وسبوا ذراريهم ، وأموالهم ، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيح (أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارّون-المباغتة في القتال- وأنعامهم تسقى على الماء ، فقتل مقاتلتهم ، وسبى ذراريهم ، وأصاب يومئذ جويرية)رواه البخاري ومسلم .
وذكر أصحاب السير أنّ أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها قالت : أتانا رسول صلى الله عليه وسلم ونحن على المريسيع ، فأسمع أبي يقول : أتانا ما لا قبل لنا به . قالت : فكنت أرى من الناس والخيل مالا أصفُ من الكثرة ، فلما أسلمتُ ، وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجعنا ، جعلت أنظر إلى المسلمين ، فليسوا كما كنت أرى ، فعلمت أنه رعب من الله تعالى يُلقيه في قلوب المشركين .

وفي هذه الغزوة وقعت حادثة الإفك في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي قص علينا نبأها القرآن ، وفصلت السنة أحداثها ، وقد تحدثنا عنها في مقال سابق من محورنا هذا .

ولنا أن نستفيد من هذه الغزوة دروساً وعبراً ، نستخلصها من الحوادث المصاحبة لهذه الغزوة ، وخاصة حادثة الإفك التي أظهرت خطر المنافقين وجرأتهم ، حتى نالوا من عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ما ينبغي على المؤمن فعله عند سماع الشائعات من حفظ اللسان وعدم الخوض فيها ، يضاف إلى ذلك الصبر والتحلي به ، وعدم التعجل في الأمور عند الابتلاء أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم
  رد مع اقتباس
قديم 07-18-2006, 09:43 AM   #20
عبدالله السقاف
حال نشيط
 
الصورة الرمزية عبدالله السقاف


الدولة :  جـ المملكة العربية السعودية ـدة
هواياتي :  القيادة
عبدالله السقاف is on a distinguished road
عبدالله السقاف غير متواجد حالياً
افتراضي

حادثة الإفك
ح*** الإفك الذي رميت به أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ما هو إلا حلقة من حلقات التآمر على الدعوة ، ومحاولة تشويه رموزها ، ذلك لأن العدو يعلم أن هذا الدين يقوم على المثال والنموذج والقدوة ، لذلك تتواصل المؤامرات الخارجية والداخلية عليه، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم راجع من إحدى غزواته ، إذ بالمنافقين ومن في قلوبهم مرض يشيعون حرب الشك والريبة والخيانة، وفي أي مكان ؟ ! في عرين الإسلام ومهده ،و يختلقون قصة الإفك لينالوا من بيت النبوة الطاهر ، ومن المعلوم بداهة أن الذين أشاعوا هذه الفرية كانت لهم أهدافهم التي سعوا لها كثيراً والتي منها الطعن في بيت البنوة الشريف، و نشر العدوة والبغضاء بين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه .

ويمكن هنا أن نعرض لمخلص القصة كما وردت في كتب الح*** والسيرة :
خرج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في غزوة بني المصطلق ، وعند الرحيل ليلاً التمست أم المؤمنين قلادة لها فلم تجدها، فذهبت في طلبها ، فحمل الصحابة هودجها - المحل الذي تكون فيه - ووضعوه على البعير ظناً منهم أنها فيه، وكانت خفيفة اللحم ، فلما عادت ظنت أنهم سيفقدونها ويعودون لها، ولكن الصحابة لم ينتبهوا، ونامت في مكان الجيش ، ثم إن صفوان بن المعطل بات في مكان الجيش، فلما رآها عرفها، فأناخ لها راحلته من غير أن يكلمها وأتى بها الجيش. واستغل المنافقون وعلى رأسهم ابن سلول _ كعادتهم_ الواقعة واختلقوا حادثة الإفك بكل أبعادها الإجرامية وحاولوا أن يزرعوا بها الريب في قلوب المؤمنين والصادقين ،وانطلى الأمر على بعض الصحابة مثل حسان بن ثابت و مسطح بن أثاثهو حمنة بنت جحش، ولكن الغالبية من الصحابة كان لسان حالهم ومقالهم كما قال القرآن { وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} (النور:16)

واشتد البلاء على أم المؤمنين الصديقة العفيفة، وكانت مريضة، ولم تعلم بالقصة، إلا أنها شعرت بفتور غير معتاد في حنان النبي صلى الله عليه وسلم. ولما علمت من أم مسطح الخبر، زاد عليها المرض، و استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الذهاب لوالديها، فأذن لها ، ولما اشتد الكرب كانت تتمثل قول نبي الله يعقوب عليه السلام { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (يوسف:18) .

وعاش البيت النبوي بل وعاش كل الصادقين شهراً كاملاً في جو الشائعة المغرضة والحزن يخيم على الناس ، ولكن لكل نبأ مستقر ، والفرج مع الكرب.
فبعد كل ما حصل إذ بالوحي يتنزل من السماء يحمل البراءة الدائمة، والحجة الدامغة الخالدة، تشهد بعفاف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وتفضح كل منافق أثيم، قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفك عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ* لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ* وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا الأخرةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ*وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ* يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الأيات وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالأخرةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ *وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [النور:11ـ 20].

وبعد، فإن حادثة الإفك كانت وراءها حكم جليلة قال تعالى { لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } (النور:11) .
فمن هذه القصة علم الناس من هم المنافقون الذين يعملون على خلخلة المجتمع المسلم والعمل على هز أركانه ،كما علم المسلمون كيف يواجهون مثل هذه الإشاعات، وعلموا أن الله يدافع عن الذين آمنوا ، ويفضح كل خوان كفورٍ .


بيعة الرضوان

بعدما وصل رسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى الحديبية في طريقهم إلى مكة ، وكانوا محرمين ملبين بالعمرة ، بعث عثمان بن عفان سفيراً إلى قريش لبيان هدفه من المجئ ، وأنه لا يريد قتالاً ، وإنما جاء للعمرة ، فاحتجزت قريشٌ عثمان ، وأشيع بين الناس أنه قُتل ، فدعا رسول الله أصحابه إلى البيعة ، فقاموا إليه ملبين دعوته ، ومبايعين له على الجهاد وعدم الفرار ، وبايعته جماعة على الموت ، وكان أول من بايعه أبو سنان الأسدي ، وبايعه سلمة بن الأكوع على الموت ثلاث مرات ، في أول الناس ، ووسطهم ، وآخرهم ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد نفسه ، وقال : هذه عن عثمان ، ولم يتخلف عن هذه البيعة إلا رجل من المنافقين ، يقال له : جد بن قيس .

وقد أخذ رسول الله هذه البيعة تحت شجرة بالحديبية ، وقد أنزل فيها قوله تعالى : {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة }(الفتح: 18) ، وفيه دلالة على صحة إيمان الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان بالحديبية ، وصدق بصائرهم , وأنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة أولياء لله ; إذ غير جائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم ، إلا وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة ، وصدق الإيمان , وقد أكد ذلك بقوله تعالى : { فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم } , وهذا يدل على أن التوفيق يصحب صدق النية , وهو مثل قوله : { إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما}(النساء : 35) .

أما بالنسبة لعددهم ، فيروى عن ابن عباس أنهم : " كانوا ألفين وخمسمائة " , وعن جابر أنهم : " ألفا وخمسمائة " .

وتعتبر بيعة الرضوان فتحاً للمسلمين ، ففي صحيح البخاري عن البراء رضي الله عنه قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكة فتحاً ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية .
وذلك لما ترتب عليها من مصالح وفوائد ، فعندما علمت قريش بتلك البيعة ، ومدى صلابة المسلمين ، وقوتهم ، وصبرهم ، وثباتهم مع قائدهم صلى الله عليه وسلم ، أرسلت إليهم للتفاوض معهم ، وقبول الصلح .

ومما يستفاد من هذه الحادثة قوة العلاقة بين القائد وأتباعه ؛ حتى إنهم بايعوا على الموت ، إضافة إلى سرعة إجابة طلب القائد وعدم التردد ، وأن الصدق في الإيمان سبيل إلى تحصيل رضا الرحمن ، وتأييده .
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas