( حب الدنيا رأس كل خطيئه ) !!!!!

[جمال العطاس]

بشاهد التجربة والمشاهدة فإن حب الدنيا يدعو إلى كل خطيئة ظاهرة وباطنة, سيما خطيئة يتوقف تحصيلها عليها فيسكِر عاشقها حبها عن علمه بتلك الخطيئة وقبحها وعن كراهتها وإجتنابها , وحب الدنيا يوقٍع في الشبهات ثم في المكروه , ثم في المحرّم وربما يوقٍع في الكفر بل ان جميع الأمم المكذّبة لأنبيائهم إنما حملهم على كفرهم حب الدنيا فإن الرسُل لمّا نهوا عن المعاصي التي كانوا يلتمسون بها حب الدنيا , حملهم على حبها تكذيبهم فكل خطيئة أصلها حب الدنيا ولاننسى خطيئة إبليس فأن سببها حب الرياسة التي هي من أعلى درجات حب الدنيا , وكذلك كفر فرعون وهامان وجنودهما , فحب الدنيا هو الذي عمّر النار بأهلها , وبغض الدنيا هو الذي عمّر الجنة بأهلها , ومن ثم قيل :
الدنيا خمر الشيطان فمن شرب من هذا الخمر لم يفق من سكرته الاّ في عسكر الموتى خاسراً ونادماً .
وقال الإمام الغزالي ( رحمه الله تعالى ) : قد قال المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .قال :
( حب الدنيا رأس كل خطيئة ) ولو لم يحب الناس الدنيا هلك العالم وبطل المعاش , الاّ انه علم حب الدنيا مهلك وإن ذكر كونه مهلكاً لاينزع الحب من الأكثر إلاّ الأقلين الذين لاتخرب الدنيا بتركهم فلم يترك النصح وذكر مافي حب الدنيا من الخطر ولم يترك ذكره خوفاً من أن يترك ثقة بالشهوات المهلكة التي سلّطها الله على عباده ليسوقهم بها إلى جهنم تصديقاً لقوله تعالى : ( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (السجدة:13) . ( انتهى كلام الغزالي ) .
ومن هنا يجب أن لايؤخذ العلم والقدوة إلاّ عن أقل الناس رغبةً في الدنيا وأقلهم ولعاً في حبها , فإن تارك حبها وأقلهم رغبةً فيها يكون أنور قلباً وأقل إشكالاً في الدين فكيف يؤخذ العلم والقدوة عمن جمع في قلبه ( رأس خطيئات الوجود ) ..
كيف وذلك يمنع من دخول حضرة الله تعالى وحضرة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم , فإن حضرته تعالى كلامه , وحضرة رسوله كلامه أيضا , ومن لم يتخلق باخلاق صاحب الكلام لايمكنه الدخول حضرته , فمن زهد في الدنيا كما زهد المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقد أُهِّل وهُيئ لفهم كلامه , ولو رَغِب العالم العارف في الدنيا , لايؤهل إلى الفهم الحقيقي ولم يستوعب المرادات على الوجه الأتم . ولايفقه الفقه الحقيقي وتجده يفسر المرادات وفق رغباته الدنيوية .
وقد ورد في ( إرشاد الطالبين ) مانصه :
( ... وسمعت نصرانياً يقول لفقيه : كيف تزعم علماؤكم أنهم ورثة نبيهم وهم يرغبون فيما زهد فيه رهباننا ؟؟
قال كيف ؟؟ قال : ( لأنهم يأخذون في إقامة شعار دينهم من تدريس وخطابة وإمامة ونحوها عرضاً من الدنيا , ولو مُنِعوه لعطّلوه , وجميع الرهبان يقومون بذلك مجاناً فأنظر قوة يقين أصحابنا وضعف يقين أصحابكم , فلو صدقوا ربهم أن ماعنده خيرٌ وأبقى لزهدوا في الدنيا كما زهد فيها نبيهم والرهبان )
( انتهى كلام النصراني .. عن إرشاد الطالبين ) ......
وشكى بعضهم لعارف بالله كثرة خواطر الشيطان فقال له :
( طلّق ابنته يهجر زيارتك ) وهي الدنيا فإنه لايمكن ان يقطع رحمه طالما هي في قلبك . فقال له : وهل هو لايأتي إلاّ لمن كانت ابنته عنده ؟؟ قال العارف :
إن لم تكن عنده فهو خاطب لها ومن خطب بنت رجل فتح باب مودته وإن لم يدخل بها .. وكان الربيع بن خثيم يقول :
( أخرجوا حب الدنيا من قلوبكم يدخلها حب الآخرة ) . الحديث رواه البيهقي بسنده عن الحسن البصري مرسلا . كما رواه البيهقي في ( الزهد ) وأبو نعيم في ( الحلية ) وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن المديني أثنى على مراسيل الحسن والإسناد اليه حسن وأورده الديلمي من حديث علي .. !!!!!