أحقاً هو ، أبغض الحلال ؟

[ابن سيناء]

أحقاً هو ، أبغض الحلال ؟
إني اتجهت وحيثما كنت ، وكيفما ناقشت وجدت على الألسنة ، أو صادفت في الكتب والصحف والمجلات مقولة عجيبة مضمونها : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " ، تروي على انها حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم سبحان الله ، أيشرع الله شيئاً ثم يبغضه ؟ إن ذلك لهو العجب العجاب ، أتنزل سورة كاملة اسمها سورة الطلاق ، تنظم أموره ، وتوضح غامضه ، وتفصل مجمله وتبين أحكامه وتعقب على كل تشريع فيه بما يليق به من تعقيب أو تفصيل ،ويوجه في ذلك كله الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إعظاماً للأمر وتبياناً لأهميته فينادي النبي صلى الله عليه وسلم في صدر السورة : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء …. الآية } ثم يأتي من يقول : { إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق } .

إن هذا الحديث المشتهر على ألسنة الناس ، قد ضعفه علماء الحديث ، ولم يصححوا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن من روج هذه المقولة العجيبة في أذهان الناس أنهم رأوا للطلاق بلايا ورزايا يشيب لهولها الولدان ، ولا يرون مما شرع له الطلاق شيئاً ، ذلك أنه أخذ مبتوراً عما أريد به ، وأريد له ، وعمل به من لا يحتاج إليه ، ولم يشرع له ، وأعرض عنه وتركه من احتاج إليه وأنزله الله له نعمة وأي نعمة ‍‍
لقد أنزله الله نعمة لا تعدلها نعمة ، فكم من بيوت تعيش جحيماً مروعاً وشقاء لا ينتهي ، فيجيئ الطلاق فيلمس القلبين المجروحين لمسة الشفاء فيكون الطلاق راحة بعد العناء ، وأمنا وسكينة بعد الخوف والشقاء ودواء ممن علم الداء فأنزل له الدواء ، وعلاجاً للأرواح ليصلها بالله وهي أحوج ما تكون إليه ، فيذكرها به ، ويهديها بعدها حتى تصل إلى شاطئ الراحة والسلام .

فإن جاء في مثل تلك الحال من ينصح الزوجين بعدم الطلاق رغم استنفاد كافة الوسائل الشرعية التي رتبها – سبحانه – زاعماً أن ( الطلاق أبغض الحلال إلى الله ) فقد ظن من حيث لا يدري أن استمراء الداء قد يجيئ بالعافية ، وأعطى الضوء الأخضر لحياة دائمة الشقاء ، وحكم على أحد الزوجين أو كليهما بالعذاب مدى الحياة ، غافلاً عن أن الحكيم العليم الذي يعلمه من خلق وهو اللطيف الخبير ، شرعه لمثل هذه الأحوال .
وإنك واجد في المجتمع بيوتاً ، قد اشتعل فيها أوار الخلاف وعلا فيها لهيب الشقاق ، وغدت جحيماً لا يطاق ، وعندها يتحتم الطلاق فيأتي من ينصح الزوجين أو أحدهما بعدم الطلاق ، بزعم المحافظة على الأطفال غافلاً عن أن الأطفال هم الضحية الأولى .

بلى ، إن هذا الجحيم الذي يعيش فيه الصغار ، تحت وابل الشجار طول الليل وأثناء النهار ، فلا يصحون إلا على شجار ، ولا ينامون إلا عليه ، إن هذا الجحيم كفيل بأن يفتت أصلب الناس عوداً ، ويشل أعظم العقول عبقرية وذكاء ، ويفضي بالقلوب والأرواح إلى التلف .

نعم ، إن براعم تنبت في مثل هذه الأجواء المروعة وصغاراً تربوا وسط هذا الجحيم ، هم بذرة الجريمة والانحراف في كل مجتمع .
نعم شرع الله الطلاق لمثل تلك الحالات المستعصية التي فشلت في حلها كل الوسائل التي شرعها الله لعلاج الأمر قبل أن يستفحل .