09-25-2011, 08:15 AM
|
#26
|
مشرف سقيفة التراث
|
اقتباس :
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفارس الهاشمي
[ مشاهدة المشاركة ]
|
نص المقال:
في غرة شعبان سنة 1407 ه نشرت جريدة"العاصمة" اليومية التي تصدر بسيئون ... "
مقالا مًسهباً شائقا ، بقلم السيدة"حسناء" قارن تفيه بينحالة حضرموت قبل خمسين سنة – أي في عصرنا هذا – و بينها
في تلك الآونة ، و هو وحي خيالي نقتطف منه لقراء" الإخاء" ما يأتي قالت:" إن تك سنة ألف و ثلاثمائة وسبع و خمسين
و ما حولها مجهولا عًنا بالعين فإنه معلوم لدينا بالأثر ؛لأننا و إن كنا لم نزل في ذلك العصر كامني نفي أصلاب الآباء
و بطون الأمهاتإلا إن العهد ليسببعيد و( الدحقة خضراء ) كما يقولون ، و الشبابالذين جاهدوا في ذلكالجيل
الرهيبلم يزل منهم اليوم أفراد و قُورون بينظهرانينا يقصون علينا من أنبائه، و يمطرون فينا من أنوائه ما يجعلنا نعلمه
علم اليقين، وهذه ( السينما ) الناطقة تسامرنا ليلياً بما حواه من عاداتو اجتماعيات، و ما وقفبه أفراده -رحمهم الله –
من مواقفسياسية أرغمتهم عليهاظروفالأحوال ، و تطلبتها منهم بيئاتهم المملوءة بالأشواك ، و إذاشئنا أن نزداد دراية
بحياة ذلكالجيل فإن أمامناصحفهم و إن كانتضئيلة ، و مصنفاتهم و إن كانتقليلة ، إلا أنها لم تزلطرية غضّة ، تشرح
لنا الحال بأجلى وضوح وأفصح بيان . و ها تحتمتناولنا أيدينا كتاب" تاريخ الدولة الكثيرية" للأستاذ محمد بن هاشم
و هو شاهد عيان لا يكتبإلا عن يقين و لا ينبئ إلا عن خبرة ، و قد بسط الحالفي الجزء الثالثمن كتابه بسطاً كافياً وافياً
حتى أصبح منهلاً عذباً للوارد ، و مرعىً خصباً للرواد
المعارف:
يرى الناظر في التاريخ أن النسبة بعيدة جداً بين معارفنا و معارفأهل ذلكالجيل ، فقد كانتالأمية فاشيةفي
متحضريهم و عامة في باديتهم ، إذ لا تكاد تجد ستة في المائة من عموم المتحضرين رجالا وً نساءً و واحدفي المائة منسكان
البدو يحسنون القراءة و الكتابة ، أما اليوم فقد انعكسالحال و أصبح من النادر البعيد أن تجد ستة من الأميينأو الأميات
في المائة من المتحضرين ، و أن تجد عشرينفي المائة من عمومسكان البادية ، و ذلكبفضل هذه المدارسالكثيرة التي عمت
القطر كله حاضرته و باديته . و المعارفلدى النساء إذ ذاك نكرة من النكراتالمقصودة و غير المقصودة و لا يعرفللبنات
مدرسة من المدارسو لا كتِّابٍمن الكتاتيب. غير أن " جمعية الأخوة و المعاونة" بدأتتفتتح شبه مدرسةلهن و هي
خائفة تترقبو بعثبعضالناسببناتهمصوبهذه المدرسة بين همسالهامسين و إنكار المنكرين ، و لم يكونوا قط
يحلمون بأن التطور العلمي سيغمر المرأة من فرقها إلى قدمهافي بحر خمسينسنة ، حتى يوصلها إلى ما وصلتإليه اليوم من
الرقي و الثقافة .
يتبجح كتابذلكالعهد بأن فلانة من بناتالسادة الأشرافقد تجمعتفيهاشروط القضاء إلا الذكورة ، و لم يجرِ
بخلدهم – رحمهم الله – أن في مساكنهم اليوم أكثر من العشرممن توفرتفيهن تلكالشروط ، و غيرهن ممن يحملن الأقلام
يستهوين بها العواطفويحرفن بها المبادئ و يقلبن بها الأفكار ، و أخرياتيتربعن منصاتالتعليم و يتقن أفانينالتربية ،
و لا أخاً لهم يصدقون لو قيللهمفي عصرهم أن هذاسيكون بعد مضينصفقرن ، و لكنه قد كان ، و انطلق بنا تياره نحو
الأمام لا يلوي علىشيء .
و كيفلا يكون ذلكو هذه مدارسنا زاهرة زاهية تملا القطر انتشارا وً لا تقصرنظاماً و لا هنداماً عن المدارسالراقية
في هذا العصر، و لم يزل وزير معارفنا السيد ... باذلا أًقصىوسعهفي تعميم الثقافة و تنمية المعارفو قد حدثني بعض
أذكياء المعمرين أنه لم يكن بحضرموتفي منتصفالقرن الماضيو لا مدرسة واحدة حكومية ، و إنما هي أربع أو خمس
مدارسأهلية مضطربة البرامج متباينة الخطط تسبحفي بحار من الفوضىلا حدلها .
والصحافة ليستحينذاك سوى دعابة لطيفة يتسلى بها أصحابها ، لا يقاملها وزن و لا يسمعلهاصوت، و هل
لقارئينا أن يتصور أن جريدة" الإخاء" التي تعد اليوم من كبرياتالجرائد اليومية ، و التي تطبعفي يومه ما يناهز الخمسة
آلافنسخة ، لم تكن تلكالأيام إلا جريدةصغيرة شهرية يكتبمنهاصاحبها بقلمه و بأقلام من يساعده خمسينأوستين
نسخة فقط ، إذ لا توجد و لا مطبعة واحدةفيطول الوادي و عرضه .
المواصلات:
لم يعرفالناسبعدفي ذلكالعصرهذه الطائراتالعمودية الصعود و الهبوط و التي عم اقتناؤها وجه البسيطة
لسرعتها و خفة مؤنتها ، و بُعدها عن الخطر ولهذا تهافتعليها الحضارمة رجالا وً نساءً لاسيما بعد أن افتتح الأستاذ العربي
الكبير السيد ... ورشته بالمكلا و جعل لها فرعا بسيئون ، و يرى الفتيان الحضارمة أنسوقها أسهللهم بكثير منسوق الجوالاتالحديثة الطراز ، و بعد أن كان البريد يصل من جاوى – مهجر الحضارمة السابق – إلى حضرموتفي نحو الشهر
أصبحنا اليوم نتناول بريداً بُعد نقطة عنا في أقربمن الأسبوع ، و أهل ذلكالجيل يهزون رؤوسهم إعجاباً بما وصلوا إليه
من طيّ المسافة من تريم إلى الثغر في يوم واحد علىسياراتهم المنقرضة ، التي لم يبق لدينا منها إلا رسومهافيالصحف
القديمة أو النماذج المعروضةفي دار الآثار ، و لم يعلموا أن أطفالهم الذينفي الأقمصةسيكونون بعد أسرع منهم حركة ،
إذ يرسل أحدهم رسوله إلى الثغر و يقوم هو إلى الاستحمام والصلاة بعده فما يفرغ من صلاته إلا و قد عاد رسوله من
الثغر . و لم تكن تعرفلهم الهواتفالجيبية الأثيرية التي نحملها اليوم في جيوبنا فنخاطببها البعيدين عنَّا ، و إنما كانت
بتريم فقط عند بعضأهل الثراء تليفوناتمن الطراز العتيق المنقرضذواتالأسلاك يتخاطبون بها بواسطة المركز ،
فيضيع وقتهم في تنبيه المركز و إعلامه بالنمرة وفي تنبيه المركز للمطلوبخطابه .
الاقتصاد:
من المتعسربل من المتعذر أن نقارن بينحالتنا الاقتصادية و بينها قبل خمسينسنة ،لأن النقد أصبح غير النقد
و الكسور غير الكسور ، و كانتوحدة النقد عندهم هو الريال النمسوي الذي يسمونه فرنصاوي و ما كان تستعملفي
داخلية القطر هذه الربياتالمتداولة الآن بيننا و لا هذه القراطيسالمالية ، و أول بنكتأسسبهذه الأطرافإنما هو منذ ربع
قرن فقط تقريباً ، ثم تلاه البنك الزراعي . و كانتجاوى وسنقافورا مصدر ثروة ذوي الثراء بحضرموتيتمتعون بمافي
أيديهم و بما يأتيهم منها من غلاتعقاراتهم بها و يصرفونه فيما شاءتلهم أهواءهم من خير أوشر، و البلاد تئن و ترزح
تحتأعباء الفقر المدقع و لا يسمى غنياً من لا يملكإلا عقاراً من أطيانها أو نخيلها إذ لا يتحصل من ذلكعلىشيء
فيه غنى .
و الأمطار تهطلسنوياً أو بعدسنتين، و تسيل الأودية و لكن ذلكيكاد يذهبعبثالأنشئون الري مهملة جدَّ
الإهمال ، فلا سدود و لا ترع و لا قنوات و لا غير ذلكمن وسائل الريِّ كما تراه الآن عاماًفي جميع أنحاء القطر . و من
أجل ذلككانتأسعار المطعوماتلديهم على جانبعظيم من الغلاء و الارتفاع لا يكاد يصدق ابن عصرنا فالحنطة مثلاً
تباع وقتالرخصبثمانية أمداد تريمية بالريال الواحد ، و إنما قلنا تريميةلأن المكيالفي ذلكالعهد لم يوحّد بعدُ توحيداً
عاماً كما هو الآن ، فتريم إذ ذاك بمُدها و بور بمدها وسيئون بمدها وشبام بمدها و هلم جراً . و حضرموتاليومتمد
جاراتها و غير جاراتها بما يصدر منها من الحبوبو الثمار و اللبان و العسل ، كما كانتسابقاً تستمد من الخارج ، و بها
مصانع النسيج بها و إن كانتفي هذا الوقتقليلة لا تفي بحاجة البلاد إلا أن سيرها إلى الأمام يبشرفي المستقبل بالنجاح
و الفوز بمضاهاة كبرياتالمصانع العصرية .
الأخلاقو الاجتماع :
نحن الآن إنما نسير في رد فعلصالح . مما غمر الناشئة بحضرموتمنذ ربع قرن تقريباً من تدهور الأخلاق
و الافتتان بالدعاياتالأجنبية و البوارق الإلحادية رغماً عن اتجاه العالمفي القرن الحادي و العشرين إلى رحابالتدين
الإسلامي و مكارم الأخلاق ، و لكننا – نحن الحضارمة –سرعان ما نثْمَل وسرعان ما نستفيق ، فقدشذذناشذوذا بًعيداً
و لولا أن قد تداركتنا ألطافالبارئ-جلَّ جلاله -بهمة أولئكالمصلحين من أئمة قومنا لرحناضحية ذلكالشذوذ .
و الآن و قد نزع ثانية بعضفتياتنا إلى السفور و حاولنا نبذ التقاليد التي يزعمنها نافيةتماماً للثقافة العصرية وطفقن يهمسن
بما قد مللنه قبلهن المسلماتالناهضاتمعترفاتبحقيقة ما قرره الشرع الإسلامي في نحو الطلاق و تعدد الزوجات،
و نحن ننصح لهذه الفتياتبأن لا يتلاعبن في النار و لا يعدن الفتنة جدعاء بين أبنا الوادي و لا يحسبن الأمرسهلاً مساغاً ،
فالجمهور قد أفاق عن غفلته و نزع عن غيّه و عاد إلى الالتفافحول رأي قوميته و تقاليدها و أحكامشرائعها ، و نحن إذا
التفتنا وراءنا وشخصنا بأبصارنا إلى ما قبل نصفالقرن نرى أن أخلاق أهل ذلكالجيل و آدابهم أقربإلى النزاهة
و الحشمة من أخلاق أهل جيلنا و آدابهم ، و إن كنا اليوم أوسع إدراكاً و أرقى تعليماً منهم ، و أن التمسكمن نساء ذلك
الجيل بالتقاليد القاضية بإفراز النساء عن الرجال و استبشاع خلوة الأجنبية بالرجل كان ذلكسبباً لخفوتالجرائم الجنسية
و خنوسها ، و هي التي يضج مجتمعنا اليوم من تفشيها.
الأغانيو الموسيقى:
و إذا نظرنا إلى الأغاني الشعبية التي يتغنى بهافي الجيل المشار إليه وجدنا الانحطاط يتحوشها من كل نواحيها
و وجدنا أغانينا اليوم أرقى أدباً و أغرز معنىً و أشجى تلحيناً ، و لم يكن لدى المشترحاتاللواتي يغنين للنساء و يطربنهن
في الأفراح إذ ذاك من الأدواتالموسيقية غير الهاجر والمراويسو يزيد مطربوا الرجال ناياً واحداً فوق ذلك، و الظاهر أن
الجمهور حينذاك يُحرم الأوتار و يكره التمتع بها في الحفلاتالعامة كما هو الحال عند متنسكينا اليوم ، و لعل التطور قد
غفل عن أن يلم بالسماع المعروفب( أخدام السقاف) ، فقدظل هذا تحفة أثرية لا تتحول و لا تتبدل منذ مئاتالسنين
حتى الآن ، و كذلكأصواتالري ( الراية) و أصواتالتأبير ( الفخطة) و غيرهما من الأنغام المخصوصة بالمهن ، فهي
لا تزال كما هي منذ جاهلية حضرموت.
السياسة:
في ذلكالوقتالعصيببدأتحضرموتتوحد لها اتجاها منضبطاً نحو وجهة سياسية معينة بعد أن مضىعليها
الردح الطويل و هي تتسكعفي اضطرابسياسيعظيم لا مرمى له و لاشأوٍ ، ففي حوالي سنة 1355 هطفق رجال من
مفكريها و رجال العمل بها يتحفزون للثورة و القضاء على تلكالفتن الفوضية و المظالم العشائرية التي جعلتحضرموت
أتونا جحيمياً ملتهباشروره وشراره من الجور و القتل و الخوفو الاعتداء .
و قام المفكرون و العاملون يفكرون و يعملون و نفوسالشعبقد زهقت و الأكباد قد غاثتمنشد ما لقيته
و ما تلْقاه من المناكر و أكلاتالقوي للضعيفبدون وازع ولا رادع ، و حكوماتالقطر تتكافأ قواها مع قوىالعشائر
المتسلحة اللواتي لا يوجهها روحاجتماعها إلا إلى العصبية الضارة ، بل ربما زادتقوى هؤلاء على قوى الحكوماتالتي
أصبح رعاياهاضعفاء خائفينيتخطفهم الناسمن حول المدن .
و بذل المصلحون جهودهم في إتحاد الحكومتين وجعلهما قوة واحدةضد الباغين و العابثينبأمن القطر لعل
إتحادهما يفيد في كبح جماح الأهواء الصائلة ، لكن كل ذلكلم يغل فتيلا لارتباك الإداراتفي الدوائر الرسمية و خلو الرحبة
عن رجال الأعمال ، و أيضاً بسببتشبع الأدمغة و النفوسبالأنانية و العصبية العاثرة . و خابكل أمل في الإصلاح
و فشلتكل وسيلة ، و الشريستفحل خطره ، و القطر يجود بنفسه آيساً مقهوراً ، وسلاطينه أصبحوا و لا حول و لا قوة
في تعزيز و لا إزهاق باطل، و حكومة عدن تضحكفي أكمامها سخرية و استغراباً من أنفة هذه الحكوماتو كبريائها الذي
يتحيز في جانبمن أدمغتها دون جانب، فقد شاءتأن تخضع لكل ذل و تتحمل كل إهانة تنالها و تنال بلادها من تلك
الشراذم المسلحة ، و لم تشأ أن تستغل معاهدتي سنة 1888 م و سنة 1918 م اللتين لم تعقدا عبثاً و بالأحرى لا تعقدا
لصِالح الطرفالإنجليزي فقط . و هبّالمصلحون من غفلتهم و علموا تفريط الحكومتين نحوهما و خاطبالسلاطين
حكومة عدنفي إسنادهم على إصلاح بلادهم ، وسرعان ما خضعتشوكة الباطل ، و قامتموازين الحق ، و عمّ الأمن
و هدأتالبلاد ، وساء الفاسدين ذلكالإصلاح و كبر على الجامدين ذلكالانقلاب، و أرجفالمرجفون و تكهن
الخراصون وسدّصراخهم الأفق ، بأن هذا هو الاستعمار نفسه تتبعه الحرية الشائنة و الخمر و الفجور و التبشير و الإلحاد .
و الآن و قد مضتعلى هذا الانقلابالسياسيخمسون سنة ، و أصبحتخريطة العالم السياسية غيرها بالأمس،
و تعاقبتعلى حضرموتبرَهٌ متناقضة الألوان ، تكتسيفيها مرة حللاً من الحرير الفضفاضو أخرى نسيجا من أشواك
القتاد ، فنحن الآن إنشكوا منشيء فإنما نشكو من تشبثحكومة عدن بحماية القطر الحضرمي .
بعد أن قدمت لها حكوماتنا المتحدة برنامجها الذي تتطلب به الانضمام إلى الحلف العربي مع حفظ شيء من الحقوق
السياسية لحكومة الإنجليز حفظاً للجميل و تذكاراً للمعروف ... .
هذا ما تخيّرنا نقله من نفثاتالسيدة" حسناء" و هذا هو وحي الخيال المقيد بقيود المقارنات، و المستضيء بقياس
الحاضربالماضي، و المستقبل بالحاضر، فهو إن أخطاء الحقيقة فقد أصاب ظلها ، و إن لم ينلها هي نفسها فانه ينال بخارها ،
. و كل آتقريبو من يعيش يَرَ .
|
شكرا اخي الفارس الهاشمي الف شكر
|
|
|
|
|