صنعاء مدينة تحتضر ( بقلم : صادق أمين )

[حد من الوادي]

صنعاء مدينة تحتضر ( بقلم : صادق أمين )

التاريخ: الأربعاء 09 سبتمبر 2009
الموضوع: كتابات حرة


صنعاء – لندن " عدن برس " خاص : 9 – 9 – 2009
صنعاء، أقدم عاصمة في العالم وواحدة من أقدم المدن في الأرض، يرجح المؤرخ محمد حسين الفرح بدء السكن فيها الى بداية عصر ما بعد انحسار طوفان نوح عليه السلام، أي الى م اقبل أكثر من تسعة ألاف عام.

صمدت صنعاء على مدى تلك العصور السحيقة امام مختلف الأزمات والغزوات والمحن، صمدت امام الأحباش والأتراك واستعصت على المستعمرين. صنعاء التي تغنى بها وببساتينها الشعراء القدامى ودندن على تلك الاشعار عمالقة الغناء اليمني، من منا لا يتذكر المرشدي أبو على يصدح بـ : عرج بصنعاء حيث الحسن أسس مقامه والفن مد الظلال، ما مثل صنعاء كلا ولا أهلها، صنعاء حوت كل فن الى آخر أبيات القصيدة المشهورة.

صنعاء ألان مدينة تحتضر وعلى وشك الانهيار المحتوم في بضع سنين، طبعاً من المفترض هنا ان نضيف جملة اعتراضية وهي: الا إذا تكاتفت الجهود و و و...لا أستطيع إضافة هذه الجملة لقناعتي الشخصية بأنها عديمة الجدوى، ليس لأن صنعاء ستموت موتاً طبيعياً مثل ماهو حال كثير من المدن التاريخية ولكن لعلمي بأن القتلة جاثمون على صدرها مثلما هم جاثمون على بقية الوطن وهم – أي القتلة – كالسرطان في مراحله المتأخرة لا يجدي معهم شيء سوى الاستئصال المؤلم أو انتظار الموت المحتوم.


الزائر لصنعاء الآن لفترة قصيرة أو طويلة لن يخطئ القتلة وسيرى عملية القتل البطيء تمر يومياً أمام عينيه، للأسف في حالات كهذه لا ينفع فيها سوى النجاة بالنفس والولد، إذ لا فائدة من النداء أو الاستغاثة. يعاني سكان صنعاء من جملة من المشاكل المزمنة التي لا يمكن معها العيش بشكل طبيعي لأحد في هذا العصر، فالكهرباء ألان تطفأ 12 ساعة باليوم في العاصمة وخلال شهر رمضان المبارك، بمعدل ساعتين بساعتين، انقطاعات مثل هذه لا تؤثر على المزاج فقط ولكن على الاقتصاد والأعمال والمستشفيات والعيادات والمدارس وكل شيء فالكهرباء تماماً مثل الدم الذي يسري في العروق ويغذي الجسم بالأكسجين والغذاء. مشكلة صنعاء الأولى قبل الكهرباء هي مشكلة الماء، فصنعاء ترتفع 2000 متر فوق سطح البحر في بيئة جبلية مما يعني ان كثرة الاستهلاك الغير متوازن مع البيئة سيؤدي الى هبوط مستوى منسوب المياه والحاجة الى حفر آبار عميقة جداً للوصول الى المياه الجوفية، مع الاستهلاك العشوائي والمتخلف للمياه لسقي نبتة القات وانعدام أي خطوات جادة لايجاد حلول مع صعوبتها سيستيقظ أهالي صنعاء يوماً بدون ماء وبدون وايتات لجلب الماء لنضوب الآبار وبدون قات لتلهية العقول التي اعتادت على التلهي عن المشاكل وايجاد الحلول.


صنعاء تشهد عمليات هجرة واسعة اليها من الأرياف والمحافظات الأخرى وهذه من مساوئ المركزية الشديدة فعدد سكان صنعاء الان يقارب الاثنين مليون نسمة – والعدد في ازدياد - في اجواء من الظلام والجفاف والبطالة كلهم ينهشون لحم هذه المدينة التي ابتليت بنظام بدائي أذاقها الويلات، زادت في صنعاء الى حد المبالغة نسبة الشحاتين والطلابين واللصوص، فلا تقف عند إشارة مرور أو عند باب مسجد أو بقالة أو تقطع شارع الا وتجد اربعة أو خمسة اشخاص – نساء ورجال وأطفال – يلاحقوك بوابل من الأدعية المصطنعة، لا تكاد ترى اماكن تجمعات وازدحام الا واللوحات التحذيرية من اللصوص في كل جانب. كل هذا يحدث وقد يقول قائل انه يحدث في دول اخرى تعاني نفس المشكلات، لكن أنظمة تلك الدول لا تعاني من نفس مشكلات النظام اليمني.


النظام في اليمن مثال للمكابرة والغرور والفشل المريع، لا توجد اي بوادر حل لمشكلة المياه أو القات أو الفقر أو البطالة أو الفساد، كل ما هنالك نظام متعفن غارق بالفساد لا يهمه ما يحدث أو سيحدث بالبلاد فأرصدة حكامه ومسؤوليه بالخارج، قبل ايام كانت هناك حلقة نقاش بالإذاعة اليمنية حول ازمة المياه واستضاف البرنامج مسؤلاً رفيعاً أرغد وأزبد عن الدراسات والتصورات والحلول المقترحة ، بعد أكثر من عشرين عاماً من تحذير المنظمات الدولية من خطر المياه الداهم على صنعاء، مازال الصحب الفاشلون في طور وضع الدراسات، الم أقل لكم إنهم قاتلوا صنعاء.


لا اسرد هذا الكلام على سبيل التشفي مما يفعله وفعله النظام بعدن والجنوب، فصنعاء مثل عدن قبلها فتحت أبوابها للجنوبيين مثلما فتحت عدن أبوابها للشماليين في منتصف القرن الماضي، ولكن اسرد هذا الكلام حتى يتسنى لنا رؤية الأمور بشكل أوضح المشكلة تكمن في نظام فاسد عفن وفاشل الى ابعد حد، لا يصلح لإدارة حضانة للأطفال ولمعرفة ان انهيار النظام لابد حاصل، فالجياع في ازدياد والعطشى يتكاثرون ويوماً ما لن يكون هناك قات لإطفاء الغضب الشعبي ولا ماء لإطفاء الحرائق.



[email protected]