حديث الخميس (( حضـــرمـــوت )) الحلقة الثانية ...!!!

[أبوعوض الشبامي]

.

بئر برهوت وما أدراك ما بئر برهوت

لقد كان لبئر برهوت نصيبا وافيا من تلك الأحاديث والروايات المضطربة لا سبيل إلى الاطمئنان إليها فبعض هذه الأحاديث فيها رائحة الأساطير وبعضها ظاهرة فيها الكذب حتى جاءت اقرب إلى الخيال من الحقيقة .
ونقل من نقل عن الإخباريين أن البئر المعطلة والقصر المشيد اللذان ذكرى في القرآن الكريم انهما بحضرموت ...!!

وجاء في بعض الآثار أن بئر برهوت كانت في حضرموت وانها المأوى والمستقر لأرواح الكفار ، ولا أدري أي بئر هذه تتسع لمليارات الأرواح الكافرة منذ أن خلق الله الكون ؟؟؟
ذلك أنهم عجزوا عن تفسير انبعاث الروائح النتنة الصادرة من هذه البئر فظنوا كل الظن أن أرواح كافرة شريرة تأوي في مستقرها الأبدي في (( قعر )) هذه البئر .

أما السحرة وأصحاب علوم الطلاسم فقد افتتنوا لسر غموض وأساطير هذه البئر (( بئر برهوت )) وزعموا أن ملك ملوك طوائف الجن يقيم على عرشه وسط هذه البئر ومن حوله كبار اعيان الجن يحفون به ويلبون نداء من استعان بهم من ابناء آدم...!!

والحقيقة أن هناك واديا في حضرموت يسمى وادي برهوت ومن المحتمل ان تكون برهوت اسما لأرض واسعة وقد جاء ذكر برهوت في شعر المخضرمين والجاهليين ومن ذلك قول كليب بن اسد بن كلب الحضرمي الذي وفد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه هدية من أمه وهو ثوب من نسيج يدها فقال يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم :

من وشي برهوت تهوي لي غذافره= أتيت ياخير من يحفى وينتعل
شهرين اعملها نصا على وجل= ارجو بذاك ثواب الله يارجل

وقال آخر:

أني تذكرها وغمرة دونها= هيهات بطن قناة من برهوت

إلا أن رواة الاساطير بنيت رواياتهم على تلك المغارة التي يقال لها بئر برهوت والتي جاء في بعض الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن امير المؤمنين علي رضي الله عنه ان بها ارواح الكفار فهي احاديث ليست من الصحة والقوة بالدرجة التي تجعلها جديرة بالاعتماد عليها .

ووادي برهوت موضع معروف والمغارة أو الكهف الذي يطلق عليه اسم البئر ايضا معروف وربما تكون مغارة بركانية قديمة خمدت وانبعثت منها روائح كبريتية نتنة ، أو ربما أن روائح مخلفات آلاف الخفافيش التي تأوي لهذه المغارة سببا في انبعاث الروائح النتنة .

وقد زار مغارة برهوت المستشرق الهولندي فان درملين D.Van Dermeulen والباحثة النمساوي فان ويسمان H.Van Wissman وكان تقرير زيارتهما للمغارة على النحو التالي :

(( تقع هذه المغارة على ارتفاع 300 قدم على سفح الجبل ولها طرق معبد نقر في الصخر ، وكانت الجمال تسلكه لجلب السماد من فضلات طيور الخفافيش ، وتتشعب هذه المغارة الى شعب كما أن في اقصاها منحدرا وان مغارة برهوت كهف جيري ليس به أثر بركاني وأن الروائح النتنة ليست ناتجة عن الكبريت ، بل من تحول الصخور ومخلفات الخفافيش ... ))

ومن الثابت ان اسم برهوت اسم للوادي ويبدو لي انه نسبة الى قبيلة برهوت المشهورة بالشجاعة والقوة والبطش ، وقد استوطنت هذه القبيلة اسفل وادي حضرموت مجاورة لقبيلة حضرموت ، ويطلق الحضارمة على الرجل الذي يندفع للبطش والقوة بأنه رجل (( مبرهت )) أو كما نقول للشخص الذي يظهر شجاعة وتحديا للناس في غير محلها (( اترك عنك البرهتة )) ...!!


ومع الأسف يوجد في عصرنا من هم محسبون على كتابة تاريخ حضرموت ، ولا يزالوا يروجون للأساطير المرتبطة ب (( بئر برهوت )) ولعل كتاباتهم عن برهوت اسلوبا من اساليب التشويق والاثارة ومزج الاساطير بالتاريخ دون دراية علمية أو تمحيص . فهم لا يبتعدون كثيرا عن المؤرخ ابن المقريزي (( توفى سنة845هـ )) الذي جمع ما تلقاه وسمعه من خرافات وأكاذيب عمن لا يثق فيه ، وجعلها ضمن مصنف سماه (( الطرفة الغريبة في أخبار وادي حضرموت العجيبة )) وهو كتاب صنف تصنيفا عاليا من الفنتازيا المكتوبة التي تعتمد على الخيال الواسع ، وتستحق أن تعاد كتابة تلك الروايات والقصص في مسلسلات تأتي بإسقاطات فنتازية تماثل آليات التخيل في الأعمال الفنية التي لاتعتمد على المعيار العلمي .

وعليك أيها القارئ في سقيفة الشبامي أن تستلخص من هذه الروايات الكثيرة المضطربة في تلك المصادر ما تستطيع أن تسميه حقيقة تاريخية ، أو شيئا يشبه الحقيقة ...!!

فإن كثرة الروايات في التاريخ لا تغني شيئا إذا لم تثبت الأبحاث العلمية إنها صحيحة.

وبصرف النظر عن تلك الروايات الكثيرة والمضطربة عن عاد وارض الاحقاف وإرم ذات العماد ، وسلاسل الأنساب ، وعن أطنان الذهب والقصور المشيدة وجنات من من العنب حتى قيل انها كانت تضل الراكب من مأرب إلى حضرموت ، وبصرف النظر عن تلك الروايات فإن الحقيقة هي أن المجتمع الحضرمي كان يتألف من جماعات زراعية متحدة ، وبادية محلية من الرعاة الرحل أو شبه الرحل ، ضمن وحدة لتركيبة السكان في حضرموت ، وتكاد كل جماعة تسير شئونها ضمن نطاق وحدة القبيلة ، أو حدة المستوطنة البشرية لكل مجموعة ، وتتمتع كل قبيلة باستقلالية عن القبيلة الأخرى ، وكل مستوطنة تتمتع باستقلالية عن المستوطنة البشرية الثانية، وكان هذا هو التركيب السكاني في حضرموت منذ بداية ظهور الإسلام ...!!!


.