عبدالله بقشان اول رجل سعودي يدعم الكراسي العلميه بجامعة الملك سعود...

[ابن الشاطئ]

عبد الله أحمد بقشان ومبادراته بتمويل الكراسي العلمية بالجامعات السعودية
د. محمد أبو بكر حميد

مقياس تحضر الشعوب يقاس بمقدار وعيها بأهمية الإنفاق على العلم، فقد عبَّر الشعب السعودي عن هذا الوعي الحضاري بإنفاق عدد من رجال الأعمال المخلصين أفراداً ومؤسسات على عدد من الكراسي العلمية في مختلف مجالات العلم والمعرفة بالجامعات السعودية، وهو حراك نشرته جامعة الملك سعود في الشهور الأخيرة حتى تحول إلى ظاهرة انتقلت عدواها الحميدة إلى كافة الجامعات، وبُذلت في سبيلها - بسخاء - عشرات الملايين.

ورجل الأعمال المعروف المهندس عبدالله أحمد بقشان يستحق كل التقدير لا لأنه أكثر الباذلين ولا لأنه أفضل الباذلين، ولكن لأنه من أصحاب البذل من أجل العلم، وهذا من حقه علينا؛ لأن الوفاء من شيم العرب الأصيلة فإكرام الباذلين في خدمة العلم لا يقل أهمية عن إكرام العلماء.

ذكر معالي مدير جامعة الملك سعود الدكتور عبدالله العثمان بمناسبة الاحتفال بتدشين كرسي عبدالله بقشان لأبحاث التربة الانتفاخية الذي تبرع به لكلية الهندسة بقيمة خمسة ملايين في 11-6-1429هـ. إن المهندس عبدالله بقشان هو أول رجل أعمال سعودي من المواطنين الأفراد يقوم بدعم الكراسي بجامعة الملك سعود. إلى جانب ما قدمته مؤسسات القطاع الخاص في خطوة تاريخية غير مسبوقة جسدت الشراكة المجتمعية الحقيقية في خدمة العلم التي دعت إليها جامعة الملك سعود من خلال ظاهرة الكراسي العلمية.

والحقيقة التي يجب الإشارة إليها أن عبدالله بقشان في سنة 1419هـ، أي منذ عشر سنوات، مول أول كرسي علمي بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ولا يزال يموله إلى الآن وفاء لها لأنه تخرج فيها، وهو كرسي بحث في الاتصالات ثم قام بالمشاركة مع هذه الجامعة بتمويل أبحاث لمشروع حيوي ودقيق خاص بتخفيف نسبة الملوحة في التربة بما يتناسب مع خدمة الإنسان والزراعة في المملكة.

ولم يقتصر دعمه على المجال العلمي فحسب فقد انضم مؤخرا إلى عدد من رجال الأعمال الوطنيين الذين موّلوا عدة كراسٍ في خدمة الشأن الاجتماعي، فكان كرسي عبدالله بقشان لأبحاث العنف الأسري الذي تم التوقيع عليه بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة في 14-6-1429هـ الذي كان إضافة إلى وعي الاقتصاد الوطني بأهمية الاستقرار الاجتماعي والتوافق الأسري وأثره على الأجيال القادمة.

وتمتد هذه المبادرات الواعية التي يمثلها المهندس عبدالله بقشان إلى الاهتمام بالوقف الجامعي فرأيناه قبل شهور يشترك مع صديقه رجل الأعمال المعروف الشيخ محمد حسين العمودي ويقدمان 50 مليون ريال وقفا لخدمة التطور العلمي ومستواه، ويلحقهما بعد ذلك الشيخ بكر بن محمد بن لادن - وهو غني عن التعريف في الأعمال الوطنية الجليلة - فيقدم 25 مليوناً، وبإجمالي هذا المبلغ يكون هؤلاء الرجال قد دشنوا - بصفاتهم الفردية - أول وقف علمي لجامعة سعودية، وبدأوا الخطوة التي تقود إلى خطوات أكبر ترتفع بمستوى (الوقف) في الجامعات السعودية إلى مصاف الجامعات العالمية الكبرى مثل جامعة هارفارد التي تزيد أوقافها عن 35 مليار دولار تليها جامعة يال التي تزيد أوقافها عن 15 مليار دولار تليها جامعات أمريكية وأوروبية أخرى تصل أوقافها إلى مليارات مماثلة مثل ستانفورد وبرنستون وتكساس وكمبردج وإكسفورد، وأعتقد أن الجامعات السعودية ستصل إلى هذا المستوى إذا استمر هذا الاندفاع نحو الكراسي العلمية من رجال الأعمال الواعين بأهمية خدمة العلم ومن المؤسسات الوطنية التي تؤمن بالشراكة المجتمعية في صناعة حضارة حقيقية تضيئها منارات العلم.

وبعد فليس هذا بغريب في دولةٍ تعد أكبر داعم للعلم والتعليم في وطنها وفي عالمها العربي والإسلامي، وقد رسم قادة المملكة العربية السعودية لمواطنيهم القدوة في البذل من أجل العلم والتعليم فكانوا أكثر الباذلين بسخاء وبلا حساب ولا حدود، فالعلم ليس له وطن واحد ولا جنسية واحدة، ومصباح الحضارة عندما يضيء يصل نوره إلى كل مكان، ولهذا فإن المهندس عبدالله بقشان وزملاءه وهم كثر من رجال الأعمال الواعين بالرسالة الحضارية للمملكة العربية السعودية اقتدوا بسلوك قيادتهم الحكيمة فمدوا أياديهم البيضاء إلى خارج الحدود يضيئون مصابيح سعودية هناك تحمل النور وتنشر العلم وتبشر بالحضارة التي انطلقت على يد محمد - صلى الله عليه وسلم- من هذه البلاد المقدسة تحمل رسالة رب العالمين إلى البشرية جمعاء.

ويبقى في النفس عتب على وسائل الإعلام وأصحاب الأقلام إذ لم يأخذ موضوع بذل الملايين من أجل العلم ودعم كرسيه بالجامعات حقه من التقدير، فلم يزد الحديث عنه عن حدود الخبر في الصحف اليومية بل مرت بعض مناسبات هذا البذل الكبير في صمت أو دون تغطية لائقة ربما لأن الباذلين أنفسهم متواضعون ولا يحرصون على الظهور ويؤمنون أن العمل وحده يتحدث عن نفسه وهم على عكس بعض الذين يبذلون أموالهم على اللهو وما لا يعود على الوطن والشعب بفائدة معتقدين أن المجد في تكرار نشر صورهم وأخبارهم تلك في الصحف والمجلات وبقية وسائل الإعلام!!

إن الحديث عن الأعمال الجليلة التي يقدمها نجباء من أبناء الوطن واجب ديني ووطني لأنه مظهر من مظاهر التحضر في هذه البلاد، وإشعار هؤلاء النجباء من رجال الأعمال المخلصين بالتقدير والحديث عنهم بما هو لائق بهم إشاعة للخير وحث لغيرهم على الاقتداء بهم وتقديم مثل ما قدموا أو أكثر منهم، فمثلما أنه ليس من عمل يستشرف بأدائه أصحاب المال أكثر من الإنفاق على العلم، فليس من موضوع يتشرف بالكتابة عنه أصحاب الأقلام ورجال الإعلام أكثر من العلم وتحية الباذلين في سبيله وإشعارهم بالتقدير، فالإعلام الحقيقي صوت صادق للرأي العام وضمير الشعب.

ولهذا رأيت أنه من واجبي - بصفتي إعلامياً وصاحب قلم - أن أحيي المهندس عبدالله أحمد بقشان من منبر صحيفة الجزيرة التي دأبت على الاحتفاء بالأعمال الجليلة وروادها ابتداء بملوك هذه البلاد الميامين ثم الأمراء والعلماء والأدباء إلى دعم رسالة الإعلام الصادق وتعزيزها بريادة كرسي للإعلام بجامعة الملك سعود، وما كل هذا الذي يقدمه الأفراد والمؤسسات في سبيل العلم إلا حلقات من سلسلة ذهبية أصلها ثابت على صدر هذا الوطن ونورها يضيء في كل مكان!



منقول