"نسيم الرُّبى".. ديوان العشق والجمال والوفاء..للشاعر والملحن المخضرم الاستاذ عبدالله حسين العيدروس

[باشراحيل]

"نسيم الرُّبى".. ديوان العشق والجمال والوفاء..

للشاعر والملحن المخضرم الاستاذ عبدالله حسين العيدروس

صدر للملحن والشاعر الغنائي السيد الاستاذ عبد الله حسين العيدروس ديوانه الشعري الاول "نسيم الربى" والذي ضم بين دفتيه ينبوع متدفق من قصائده الغنائية العابقة بعطر البيئة والفن والجمال والتاريخ، يروي هذا الينبوع نفس كل محب وعطش كل مهتم بالشعر الغنائي الخصب لهذا الشاعر اللامع والذي لازال يسكن في الذاكرة ويطل على الوجدان بإطلالات تراثه الحي باعتباره صاحب تجربة غنائية استثنائية لها عشاقها الذي يهيمون بها صباح مساء، وسيعيشون مع نسائم ديوانه العاطر تجربة اخرى مقروءة هي المخزون الوثائقي المكتوب للتجربة الغنائية المسموعة.

تجربة الحب والعشق

وعلى الرغم من ان الشاعر طرق كافة ابواب الشعر وأغراضه الاخرى كما ظهر بجلاء في ديوانه إلا ان تجربة الحب والعشق والغزل تظل في نهاية المطاف هي التجربة الساطعة التي تحتل جل صفحات ديوانه الغنائي بما تتضمنه من التعبير عن عواطف القلب ومشاعر الهوى وعذاب الوجد وذكريات الماضي والحنين الى أيامه الخوالي وغيرها من المشاعر التي وحدت الناس في تفاعل احاسيسهم مع الحالة التي يعبر عنها الشعر ويؤثر بها في مشاعرهم من خلال همساته الشعرية ونصائحه للمحبين والعشاق وذلك لأن شعره الغنائي في اجماله عصارة تجربة صادقة في الحب والعشق والحنين عاشها الشاعر وترجمها الى ألحان وأشعار رقيقة عذبة ستبقى خالدة ما بقي الابداع الخالد على مر الزمن .

فمن منا لا يعشق روائعه الغنائية كلمات والحانا ولم تهز مشاعره وتلهب أحاسيسه اغنيات مثل : ماطاوعتني نفسي حبيبي انساك، ليه يكذبون الناس، خلي الهوى جاري يا اعز احبابي، خضر العود، عاد المراحل طويلة، لا ترم فيه المطولة آدمي مافيه جود، ظبي سمعون ، عيني سهيرة .. وغيرها.

وشاعرنا من مواليد "وادي عرف" من ضواحي مدينة الشحر عام 1950 م ، تلقى دراسته الابتدائية والمتوسطة وجزء من الثانوية في الشحر واكملها في المكلا ، تربى في احضان اسرة عريقة معروفة بمكانتها الاجتماعية والدينية في مجتمعها الحضرمي.

العيدروس وبن بريك ثنائيا ناجحا

انضم شاعرنا الى سلك التربية والتعليم وعمل مربيا ومعلما طيلة حياته العملية حتى احالته للتقاعد عام 2006م .. ويسجل كاتب هذه السطور لنفسه شرف التتلمذ في المرحلة الاعدادية على يد هذا الاستاذ والتربوي القدير والشاعر الجاد ، ونحسب ان هذا المقال ليس إلا ثمرة يسيره من غراس علمي وثقافي وفير زرعه الاستاذ في وجدان تلميذه .

ويسجل للشاعر نشاطه الثقافي والفني والاجتماعي خارج اطار عمله التربوي وقد قلد منصب رئيس اتحاد الفنانيين والموسيقيين في مديرية الشحر سنوات طويلة وارتبط بصداقات حميمة مع المطربين والموسيقيين والمهتمين بشؤؤن الثقافة والأدب والفن .. وشكل مع صديقة الفنان الكبير محفوظ محمد بن بريك ثنائيا غنائيا ناجحا تجسد في اداء الفنان بن بريك لبكارة اعمال العيدروس الغنائية وإطلاقها الى فضاء الطرب ونشرها بصوته العذب ليتلقاها من بعده ويصدح بها بقية المطربين في حضرموت وداخل الوطن وخارجه فاحتلت اغنياته المكانة اللائقة بها في مدرسة الغناء الحضرمي .. وقد غنى له اضافة الى الفنان محفوظ بن بريك كلا من المطربين كرامة مرسال ، عبد الرحمن حداد، بدوي زبير، سعيد عبد المعين ، مفتاح كندارة ، علي العطاس ، خالد الملا ، عبد المنعم العامري وغيرهم .

نسيم الربى

وفي كلمة توصيفية رائعة عن الشاعر وشعره اتسمت بها مقدمة ديوان العيدروس التي صاغها الاستاذ محمد سالم قطن ببراعة قل نظيرها وضعت شاعرنا في مساره الابداعي والفني الصحيح في تاريخ الاغنية الحضرمية .. لقد لفت نظري واستوقفني اسم الديوان "نسيم الربى" ، حيث استطاع الشاعر ان يختار عنوانا شعريا لديوانه وفي هذا العنوان تلخيص لأصالة تجربة الشاعر وتأكيد لطبيعة البيئة البدوية والريفية والحضرية التي عاشها الشاعر وتأثر بها فانعكست في مرآة ابداعه شعرا وفنا ، بيد ان الشاعر بهذه التسميه ترك "الربى" التي هب نسيمها في هذا الديوان مفتوحة من غير تحديد فيما اذا كانت ربى المدينة، ام ربى القرية، ام ربى الريف، ام ربى الوادي، ام ربى الساحل، ام غيرها من الاحتمالات مثلما ترك "النسيم" مفتوحا أيضا ليتساءل المتلقي هل هو نسيم بارد، ام حار، ام دافئ، أم ماذا ؟! ، تركهما دون تحديد ليجعل منهما عنوانا مفتوحا لجميع الاحتمالات ويبث مختلف الدلالات سواء بسواء مثل ما فعل "ابو قاسم الشابي" في قصيدته "إرادة الحياة" التي كتبها ابان الاحتلال الفرنسي لتونس وذلك عندما قال :

اذا الشعب يوما اراد الحياه .. فلابد ان يستجيب القدر

فالشابي لم يحدد هوية الشعب مع انه كان يريد شعبه في وطنه تونس الذي كان يرزح تحت نير الاحتلال الفرنسي وبإطلاقه هذا جعل من هذه الانشودة نصا مفتوحا وانشودة الخلاص لكل الشعوب التواقة الى الحرية والحياة الكريمة .

ولكن الباحث عن دلالة العنوان من قصائد الديوان سيجد في قصائده الشمعة التي تضئ له الطريق والنور الذي يرشده الى ان النسيم المقصود فقد جاء في قصيدته "حن قلبي الى وادي المسيلة ومسيال سمعون" قول الشاعر :

لا قـد هـب الصبا *** عا سفـوحـه والـربى

تناثرت قطـر الندى *** ترسم البسمة الجميلة

وعلى ضوء ذلك فالنسيم الذي هب على السفوح والربى هو نسيم الصباء المنعش للأرواح والقلوب . اما في قصيدته : "ليه فراقك وبعدك طال يا اعز الاحباب" قال :

راد ياراد واجمع شمل كل المحبين *** في ربى الشحر من بعد الفراق المحين
بعدهم ماهني قلبي ولاعيش لي طاب

وهنا يكشف الشاعر القناع ويرفع الستار عن قصده من الربى كدلالة على (ربى الشحر) مسقط راسه.

خلّـي الهوى جاري

وبالتجوال في بستان ديوان العيدروس الشعري نمر بعبق زهوره وعطوره ووروده وافانين تألقه في كثير من نصوصه الغنائية ، ففي قصيدته "خلي الهوى جاري" التي يحفظها الحضارمة بكل فئاتهم ومراحلهم العمرية صغارا وكبارا وشبابا وشابات والنخبة والعوام .. وفي لحن عذب جميل وصياغة فنية من السحر الحلال قال العيدروس :

انتم على بالي *** ما اقدر تناساكم الى يوم نحشر
من غيركم ثاني *** با يغير احوالي إلا المقدر
والحب ذا باقي ما بيننا البين
** *
في غفوة رقادي *** لا ذكرت احبابي حالي تغير
وبقيت بخيالي *** الليل جــرادي والعين تسهـر
ومسيت في وادي مادريت انا وين

وتبرز اصالة الشاعر وحميد صفاته وسمو اخلاقه وحفظه للعهود والمواثيق مع احبابه وصيانة اسرارهم وعدم تنكره للعشرة والمحبة حتى وان تنكروا الاحباب في قوله :

لازلـت انا باقـي *** عا عهد ميثاقي له ما تنكر
لو جارت ازماني *** او خل تناساني لازلت اذكر
كأس الهوى الهاني وايام عدين
خلي الهوى جاري يا اعز احبابي يا قرة العين

ويتجلى بوضوح في الابيات اعلاه البعد عن التكلف والتلقائية والبساطة في المعنى والصياغة الشعرية .

صوت الاحتجاج على اضغاث احلامهم

وشاعرنا يعود ليؤكد في قصيدة "ليه يكذبون الناس" انه لم يتناس الحب ولم يتخل عنه ولم يقنع من المحبوب او يميل او ييأس منه ولكن عديمي الاحساس من الناس هم الذين يشيعون هذه الاكاذيب وينشرون أضغاث أحلامهم التي ينكرها الشاعر ويضحدها ويؤكد وفاءه للمحبوب باعتبار الوفاء السد المنيع الذي لا يسمح بتسلل الصفات السيئة في علاقات العشق والمحبة كالتناسي او الملل او اليأس فأسمعه بأسلوب عذب فيه من الاستفهام الانكاري وعلو النبرة وصوت الاحتجاج من غير مباشرة أو تسطيح حين يشدو صادحا :

من قال اني ياحبيبي تناسيت؟! *** من قال اني عن هواكم تخلّـيت؟!
ما قنعت ما تناسيت *** ما بي ملل او يأس
ليه يكذبون الناس *** ذا طبعهم من سمح ماعندهم احساس
ليه يكذبون الناس

وفي وزن غنائي بديع ورشيق يتسم بالخفة والايقاع الراقص ابدع اغنيته ذات الطابع والروح البدوي الاصيل "عيني سهيرة" ، وقد نسجت بمفردات رقيقة سهلة تتسم بالوضوح والإفصاح ويغذيها الحب بلهب أشواقه وسعير حرمانه نجتزئ منها قوله :

شليت عقلي ياغزال *** في شعب راغب عالخضيرة
حسنك سلبني والجمال *** الــزين اعـمـاني البصيــرة
محلى فنونك والدلال *** من حين تقبل على القطيرة
كم لي وانا ساهر ليال *** طول الدجى نمسي بحيره
من حـب ما يهـداه بال ÷÷* ** في بحر صاري دون بيره
"عيني سهيرة"

ما طاوعتني نفسي

ومن الظلم البين لشاعرنا ان نغادر الحديث عن الشواهد الابداعية في شعره دون الاشارة الى قصيدته الرائعة "عسى عسى الايام تجمعنا معاك" والتي تعد من عيون الشعر الغنائي الحضرمي وقد استهلها بلفظة (ماطاوعتني) التي تدل على الصراع الداخلي النفسي الذي يعانيه الشاعر من فراق محبوبه وبعده عنه ورغم كل ذلك فلازال هذا العاشق الشاعر مستمسكا بعشقة ووجده لمحبوبه باعثا إشراقة الأمل في نفسه باللقاء مهما طال البعد ، والوصال به مهما اشتط المزار ، وفي صبابة ورقة وحب صادق نجتزيء من القصيدة ترنم الشاعر :

ماطاوعتني نفسي *** حبيبي انساك أنساك
لا لا وإيمان حبي *** ما زلت أهواك أهواك
أحبك مهما تباعدنا *** لابد ما الايام تجمعنا
مهما تباعدنا ونسانا الزمن لابد ما القاك
عسى عسى الايام تجمعنا معاك
***
من يوم ماغبت عني *** وعيني ترعاك ترعاك
لان في القلب يسري *** يا زين ذكراك ذكراك
مكانك مازلت شاغلنا *** وبعدك لو طال يتعبنا
لأجلك تحملت عذاب الحب وسرت فوق الاشواك
عسى عسى الايام تجمعنا معك

النضج الموضوعي والفني

لقد وجدت في ديوان "نسيم الربى" طاقة شعرية مذهلة ولغة رقيقة صافية من "السهل الممتنع" ، جنى الشاعر جواهر الفاظه وجمله وتراكيبه الشعرية من بيئته ومن ينابيع اللغة التي سلمت له قيادها بيسر ومرونة ، وتتجسد براعة قصائد الديوان في جملة من الخصائص والصفات التي يتميز بها الشعر والشاعر ومنها :

1- تمكن الشاعر من صياغة مشاعره وأفكاره باقتدار ودون تفاوت في مستوى التعبير الشعري .
2- ينسج قصائده من "السهل الممتنع" باسلوب يخلو من الكلام الغريب والشاذ والنافر .
3- استغلال الشاعر تعدد الاوزان في تنغيم قصائده اضافة الى الحانها ، واختياره الوزن المناسب للقصيدة وفقا للموضوع الشعري.
4- طبع سليم وفطرة تسعفه على اقتناص المعاني العجيبة دون تعب او اجهاد.
5- بروز شخصية الشاعر المستقلة بوضوح من خلال شعره.

وعبدالله حسين العيدروس هو الشاعر الحضرمي الذي تنبض قصائده بحب الساحل والوادي والريف والبادية والحاضرة الحضرمية وترتسم في قصائده ملامح اهلها وسماتهم وهو الشاعر الذي تطل من أشعاره سمة الأصالة ، ويتميز ديوانه "نسيم الربى" بالنضج الموضوعي والفني الذي يكشف عن نهج ابداعي واضح ومحاولة استجلاء تصوير الوجدان والنفس الانسانية في حالاتها المختلفة بتوظيف ذخيرة إيحائية ووجدانية خصبة تتميز بالصدق وصفاء العبارة وإشراق الاسلوب وقوة التأثير .

[سالم علي الجرو]

رحلات قصائد انطلقت من الربى تحملها النسائم بصحبة ثنائي متناغم .
ﻻ عدمناك أستاذنا رياض وﻻ عدمنا تاريخ عطاء لرموز سعاد رائدة الشعر الغنائي

[الشبامي]

تجولنا عبر ريشة المبدع المتألق رياض باشراحيل في ربى ديوان الشاعر الأستاذ عبدالله حسين العيدروس وإستمتعنا بتلك النسائم العطرة!
شكراً لك أخي رياض!

[ابوفضل سالم]

انتقاء رائع وذوق راقي

يعطيك العافيه استاذ ريا ض باشراحيل على الاختيار الموفق

ودمت بخير.