حديث الخميس الحلقة الثامنة (( ردة بعض القبائل الحضرمية )) ...!!!

[أبوعوض الشبامي]

.


في هذه الحلقة يجب أن نتجرد من المثاليات ونتناول فترة انتقالية خطيرة ومهمة في تاريخ حضرموت ، ما شاب هذه الفترة من توترات وتغيرات ، نتناولها بكل شفافية وعين مجردة . وهذه الفترة فيما عرفت عند كتاب السيرة والتاريخ ب (( ردة حضرموت )) ..!!! تعالوا نقف عند هذه الاحداث في تلك الحقبة المبكرة من ظهور الاسلام بحضرموت .
في القرن العاشر الهجري بدأ انتشار الإسلام في حضرموت وبدأت الأوضاع نحو الاستقرار تحت من رأسهم على قومهم النبي صلى الله عليه وسلم ، منهم : الأشعث بن قيس على قبلية كندة ، ووائل بن حجر على قبيلة حضرموت ، وقيس بن سلمة بن شراحيل ، على جعف ، وما لبثت هذه الرئاسات الحضرمية التقليدية زمنا يسيرا حتى بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عماله على حضرموت ، ليكونوا رؤساء على هؤلاء الرؤساء ، وأمرهم بأخذ الصدقات من المسلمين بصفتها من الموارد الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي ، وحدد نسبتها على نظام شرعي أقره لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم صرفها على نظام مركزي حيث يصرف على مستحقي القطر الذي يقدم زكاته ، وما فضل منها يصرف على عاصمة الخلافة الإسلامية وفيها بيت مال المسلمين . وكانت المدينة حينها هي عاصمة المسلمين .
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأخذ الجزية من غير المسلمين ، وإصدار الأحكام الإسلامية وتنفيذها والعمل على نشر التعاليم الإسلامية وتعيين مساعدين لهم في مهامهم ووظائفهم .
توفى الرسول صلى الله عليه وسلم / وكان من عماله على حضرموت (( المهاجر بن أبي أمية بن عمر المخزومي القرشي )) شقيق أم سلمة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيل أن المهاجر بن أبي أمية )) قد تخلف عن غزوة تبوك فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاتب عليه ، واستشفعت له أخته ( أم سلمة ) عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره على كندة ، فاشتكى ولم يذهب فكتب الرسول إلى ( زياد بن لبيد بعمله . وقيل ولاه على كندة وقيل ولاه على صنعاء . فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الخليفة أبوبكر ( رضي ) إلى زياد بن لبيد الأنصاري بولاية كندة والصدف إلى ما كان يتولى من حضرموت .
وقيل أنه عليه الصلاة والسلام بعث زيادا بن لبيد الأنصاري عاملا على حضرموت (( القبيلة )) وعكاشة بن ثور على السكاسك والسكون ، والمهاجر على كندة والصدف ، وبعث معاذ بن جبل على الجند والقضاء وتعليم الناس الإسلام وشرائعه ، وقراءة القرآن ، معلما لأهل البلدين اليمن وحضرموت .
وخلاصة القول أنه صلى الله عليه وسلم قسم جنوب الجزيرة العربية إلى خمسة ولايات إسلامية وجعل عليها خمسة رجال من أصحابه وهي على النحو التالي:
1- خالد بن سعيد على صنعاء
2- المهاجر بن أبي أمية على كندة
3- زياد بن لبيد على حضرموت
4- معاذ بن جبل على الجند ومعلما لأهل اليمن الإسلام وشرائع الدين والقضاء بينهم.
5- أبي موسى الأشعري على زبيد والساحل وعدن.
و بهذا التقسيم وزع الرسول صلى الله عليه وسلم مهام عماله في اليمن وحضرموت وتهامة وعدن ، فيما سمي فيما بعد بمصطلح (( المخلاف )) . وهذا التقسيم جاء بغير التقسيم المساحي الجغرافي ، وإنما كان هذا الحساب حسب الانتماء القبلي ، ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم رأى في تلك الحقبة المبكرة من بدايات ظهور الإسلام ، أن هذا هو الحل الإداري والعملي الأنسب لمنطقة شأنها شأن كل جزيرة العرب ، تفتقر إلى البنية الإدارية والسياسية المركزية ، وهي أول محاولة لتوحيد اليمن وحضرموت ضمن مرجعية عقدية مثل الصحابي الجليل معاذ بن جبل قطبها المركزي في الرجوع إليه في الشؤون التشريعية والقضائية بناءا على أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم.

ردة حضرموت

باشر عمال الرسول صلى الله عليه وسلم مهام أعمالهم والقيام بالقضاء بين الناس ، وقد أشار عليه الصلاة والسلام إلى معاذ بن جبل بأن يقضي بما في كتاب الله ، فإن لم يجد شيئا فيما في حديث رسول الله فإن لم يجد فليجتهد برأيه .
وأصبح الرؤساء في حضرموت من عداد الناس المرؤوسين لأولئك النفر الذين عينهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، والزموا بدفع (( العشر )) من أموالهم صدقة تأخذ منهم شأنهم شأن بقية المسلمين . وهم الذين كانوا من قبل يفرضون (( المكس )) والعشر على القبائل الأخرى التي تمر بأراضيهم ، فسكت البعض منهم على مضض ، وأخفى البعض ضغينته على سلبه الرئاسة ، يتحين الفرص لإعلان الردة والتنصل من عهوده التي قطعها على نفسه بالإسلام.
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، حدث الاضطراب ووقع الارتباك بين أوساط أبناء الجزيرة العربية، وكان من نتائجه على الدولة الإسلامية الجديدة الآتي:
- طائفة ارتدت عن الإسلام وعادت إلى عبادة الأوثان.
- طائفة من العرب تبعت مسيلمة الكذاب باليمامة ، والأسود العنسي باليمن ، وكليهما أدعى النبوة قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم .
- طائفة أعلنت التمرد والانفصال، قادتها الزعامات القبلية وكان طبعها وباعثها على هذا هي العصبية القبلية، ونزعة التطلعات للعودة زعامتها التي فقدتها. وأعلنوا بأن لاطاعة لهم لخليفة رسول الله من بعده، وإنهم بإمكانهم القيام بواجبهم الإسلامي دون الخضوع لسلطة قريش عليهم.
- طائفة استمرت على الإسلام ، لكنهم شحوا بمالهم وجحدوا الزكاة ، وتأولوا بأنها خاصة بزمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا نصلي ، ولا نزكي ، وهم الذين ناظر عمرا أبابكر في قتالهم.
- طائفة توقفت تترقب المواقف وتتربص لمن تكون له الغلبة.
ارتد عن الإسلام ممن لم يعي حق الوعي ، ولم يتمكن من فهم مبادئه ، إما نتيجة قصور في مهمة الدعاة أنفسهم ، وتركيزهم على أهمية الصدقة وجباية العشر وإهمال الجوانب العقدية والدعوية ، الأخرى ، أو نتيجة قصر مدة الإسلام بين تلك القبائل ، فقد اسلموا ولم يستوعبوا تعاليم وشرائع الإسلام .
ويبدو لقارئ كتب السيرة والتاريخ الإسلامي ، كيف سلك بعض الولاة المكلفين بجمع الزكاة أسلوبا وطرقا اتسمت بسوء التقدير للواقع الجيوسياسي للمجتمع الحضرمي ، وقصورهم عن فهم الصراعات الداخلية بين مختلف المجاميع السكانية في حضرموت قبل الإسلام.
لقد ساعد على اشتداد الصراعات بين الفئات الحضرمية المختلفة ، ما قام به عمال المسلمين في طريقتهم وأسلوبهم في جمع أموال الصدقات ومن ثم توزيعها ، فقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن توضع صدقة بعض حضرموت في كندة ، وتوضع صدقة كندة في بعض حضرموت ، وبعض حضرموت في السكون ، والسكون في بعض حضرموت ، وقد سبق أنه كان جماعة من بني وليعة قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم مع وفد الأشعث بن قيس ، فقال نفر منهم إنا لسنا بأصحاب إبل ، فإن رأيت أن يبعثوا إلينا بذلك على ظهر ...!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن رأيتم .. قالوا: فإنا ننظر فإن لم يكن لهم ظهر فعلنا ...!
توفى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعرض عليهم زياد بن لبيد عامل الرسول ، أن يأخذوا ما أمر به لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقة ، فأبوا إلا أن يحملها إلى بلادهم على ظهر من عنده، فأبى زياد وحدث بينهم شر كاد أن ينتهي إلى حرب ، واتهموا زيادا بأنه منحاز مع الحضرميين عليهم ، فأبى الحضرميون ولج الكنديون فرجعوا إلى ديارهم وأمسك عنهم زيادا في انتظار قدوم المهاجر .
فلما قدم المهاجر صنعاء كتب إلى أبي بكر ( رضي ) بكل الذي صنع ، وبما يدور في حضرموت ، وكتب إليه أبوبكر ( رضي ) وإلى عكرمة أن يسيرا حتى يقدما حضرموت لقمع المتمردين العصاة وأقر زيادا على عمله.
ويبدو أن المهاجر استند على رواية زياد التي أعطت انطباعا يوحي بأن القضية ليست قضية توفير ظهر لنقل الصدقة وتسليمها ، بل هي بوادر عصيان وتمرد أولت إلى ابعد من ذلك على أنها ردة عن الإسلام ، وما زاد ذلك أن زيادا اغتاظ أشد الغيظ حين جاء من يبلغه ويزعم له بأن بني وليعة ارتدت عن الإسلام وغنت (( بغاياهم )) وخضبن أيديهن ابتهاجا وفرحا بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقد ذكر (( الطبري )) عن كثير بن الصلت قال : (( وكان زياد بن لبيد حين رجع الكنديون ولجوا ولجّ الحضرميون ، ولى صدقات بني عمرو بن معاوية بنفسه فقدم عليهم ، فصدق أول من انتهى إليه منهم وهو غلام يقال له شيطان بن حجر فأعجبته بكرة من الصدقة فدعا بنار فوضع عليها الميسم ، وإذا الناقة لأخي الشيطان بن حجر العداء بن حجر ، وليست عليه صدقة ، وكان أخوه قد أوهم حين أخرجها وظنها غيرها ، فقال العداء : هذه شذرة باسمها .. فقال الشيطان : صدق أخي فإني لم اعطكموها إلا وأنا أراها غيرها . فأطلق شذرة وخذ غيرها فإنها غير متروكة ، فرأى زياد أن ذلك من اعتلال ، وأتهمه بالكفر ومباعدة الإسلام ، وتحرى الشر ، فحمى وحمى الرجلان ، فقال زياد : لا ولا تنعم ولا هي لك لقد وقعت عليها ميسم الصدقة وصارت في حق الله ولا سبيل إلى ردها ، فلا تكون شذرة عليكم كالبسوس . فنادى العداء يا آل عمرو بالرياض أضام واضطهد إن الذليل من أكل في داره... ونادى يا أبا السميط ، فأقبل أبو السميط حارثة بن سراقة بن معد يكرب فقصد زياد بن لبيد وهو واقف فقال : أطلق لهذا الفتى بكرته وخذ بعيرا مكانها فإنما بعير مكان بعير .
فقال زياد : ما إلى ذلك سبيل.
فقال أبو السميط : ذلك إذا كنت يهوديا ؟؟
وعرج إليها فأطلق عقالها ثم ضرب على جنبها فبعثها وقام دونها ))
كانت ملاحظة أبو السميط حارثة بن سراقة بن معد يكرب على النظام الذي طبقه زياد بن لبيد في جمع الصدقة تعني أن زيادا انطلق من ما هو متبع في الشريعة اليهودية فيما يعرف ب (( قانون العشر اليهودي )) وهذه الشريعة كما قد أسلفنا أن كندة كانت تدين بها قبل الإسلام ، وتعمل بها في تقديم النذور ، وكان يهود المدينة وخيبر وهم جيران الأنصار يعملون بنص هذه الشريعة التي جاءت بها التوراة . في سفر اللاوتين رقم (( 33 )) جاء الشيء إلىبقر والغنم فالعاشر من كل ما يمر منها تحت عصا الراعي تكون للرب جيدا كان أم رديئا لا يفحص ولا يبدل ، فإن أبدل يكون هو وبديله مقدسا للرب لايفك )).
فإذا كانت الردة لغة هي الرجوع عن الشيء إلى غيره ، وشرعا قطع الإسلام بنية أو قول أو فعل مكفر ، والردة تختص بالكفر والارتداد فيه وفي غيره .
هنا السؤال : أين هو المفهوم الشرعي للردة من خلال التسجيل التاريخي لوقائع أحداث الشجار الذي وقع بين زياد بن لبيد وبين الفتى الكندي على الناقة (( شذرة )) ؟؟
هل هو اختيار خاطئ أتى عن غير قصد في وقت كان متأزم وحرج؟
أو أن العملية كانت نتيجة سوء الظن في نوايا الطرفين تهدف إلى تفجير التأزم ودفعة إلى حافة الحرب الفاصلة لمآرب سياسية تهدف لاستئصال شقفة كندة وتحطيم كبريائها ونزوعها للملك ؟؟؟
تلك الأسئلة تحتاج إلى أجوبة ووقفات من التمعن والحيادية وفق المنظور الشرعي والتاريخي.. ولنا في الخميس القادم حديث مكمل حول هذا الموضوع (( ردة حضرموت )).
.

[الخليفي الهلالي]

	سقنا كنانة من أطراف ذي يمن ؛؛ عرض البلاد على ما كان يزجيها قالت كنانة : أين تذهبـــون بنا ؛؛ قلنا : النخيل ، فأموها ومن فيها

[أبوعوض الشبامي]

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الخليفي الهلالي [ مشاهدة المشاركة ]

سقنا كنانة من أطراف ذي يمن ؛؛ عرض البلاد على ما كان يزجيها قالت كنانة : أين تذهبـــون بنا ؛؛ قلنا : النخيل ، فأموها ومن فيها

ننتظر من الأخوان (( المهتمين )) بتاريخ حضرموت اضافات حول قضية الردة في حضرموت ...!!!

شكرا للخليفي على المرور ...!!

.

[بن الطيب الشبامي]

نتابع مايخطه قلمك الرائع استاذ ابوعوض
دمت في خير

[أبوعوض الشبامي]

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المقدم [ مشاهدة المشاركة ]

نتابع مايخطه قلمك الرائع استاذ ابوعوض دمت في خير

شكرا للمقدم على المتابعة ...!!



.