الأزمة مع أميركا كشفت أن الشرق الأوسط أهم سوق للصواريخ الكورية الشمالية

[ابن حضرموت]

اذا تلبدت الغيوم في سماء العلاقات بين الولايات المتحدة الاميركية وكوريا الشمالية، فانها ستمطر على الدول العربية والآسيوية عامة.
بعد ان ربط الغرب (واشنطن ولندن) ما بين اسلحة الدمار الشامل والارهاب وبأنهما وجهان لعملة واحدة، ساد الاعتقاد بان التحدي الخطير الذي اقدمت عليه كوريا الشمالية بطرد المراقبين الدوليين ومن ثم انسحابها من المعاهدة الدولية للحد من انتشار الاسلحة النووية، سيجعل التركيز العسكري الاميركي يخف تدريجيا عن جبهة العراق ويتوجه الى احتواء الازمة الكورية. لكن هذا لم يحصل، فالاميركيون يعتقدون انه لو لم تقع عمليات 11 ايلول (سبتمبر) 2001، لما تجرأت بيونغ يانغ على مثل هذا التحدي، ثم انهم متأكدون، انه وبرغم الخطر النووي الذي «تمتلكه» كوريا الشمالية، فانها في الحقيقة تسعى الى استئناف مفاوضات على مستوى عال مع الولايات المتحدة والحصول منها على ضمانات امنية.
وكانت وزيرة الخارجية الاميركية السابقة مادلين اولبرايت ادلت يوم الاثنين الماضي بحديث الى صحيفة «الفيجارو» الفرنسية حذرت فيه من ان الخطر الكوري اشد فتكا من الخطر العراقي، ونددت بتفكير الادارة الاميركية الحالية التي تخطئ في الاولويات. ويقول لي مصدر اميركي يراقب تطورات الاحداث الاخيرة، الشرق اوسطية والكورية، ان ادارة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون بذلت اقصى ما تستطيع من اجل بيونغ يانغ ابتداء من عام 1994، فحصلت على ما اعتبرته «الجائزة الكبرى» عندما توجهت اولبرايت الى عاصمة كوريا الشمالية، واستقبلها بحفاوة الرئيس الكوري كيم ايل يونغ وحضرت عرضا عسكريا وبدت كأنها مستمتعة بـ«السياحة» في كوريا الشمالية.
ويضيف محدثي، ان قصة كوريا الشمالية اكثر تعقيدا مما تبدو عليه، فهي مطوقة بعلاقات تلك البلاد بكوريا الجنوبية واليابان، والدولتان الاخيرتان تشجعان سياسة التصالح مع كوريا الشمالية. ويقول، لا شيء سيصرف الولايات المتحدة عن التركيز على العراق اولا وعلى الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط. ولذلك، وقبل ان تبدأ الدول العربية والدول التي تعارض الحرب ضد العراق في توجيه احتجاجاتها والطلب من واشنطن التركيز على كوريا الشمالية، تراجع واشنطن الاسواق المفتوحة للصواريخ الكورية، ويلفت الى ان ازمة كوريا ليست اخطر من ازمة كشمير والمواجهة «النووية» التي كادت تقع بين الهند وباكستان، ومع هذا اصرت واشنطن على نزع فتيل الانفجار هناك لتواصل استعداداتها المطولة على الحرب ضد العراق.
وقال المصدر الاميركي، ان واشنطن متأكدة من عدم قدرة الدول العربية على المطالبة بـ«قصف» كوريا الشمالية، وذلك بسبب «العلاقة العسكرية» التي تربط بعضها ببيونغ يانغ، واشار الى صفقة صواريخ السكود التي تلقاها اليمن مؤخرا والضجة التي رافقتها بسبب تفتيش السفينة التي كانت «تطمر» الصواريخ بالاسمنت. واضاف ان كوريا الشمالية تسوّق صواريخ السكود الى دول في الشرق الاوسط.
ورغم ان العلاقة «حذرة» بين واشنطن وسيول، فقد اكدت وزارة دفاع كوريا الجنوبية هذا الامر. وذكرت مصادر عسكرية غربية ان كوريا الشمالية تعرض وتبيع نماذج من صواريخ سكود ـ ب (السوفياتية الصنع) انما اكثر دقة الى مصر وايران والعراق وليبيا وسورية واليمن. ويقول محدثي، ان كوريا الجنوبية اكدت لواشنطن ان الصواريخ التي باعتها كوريا الشمالية الى الدول العربية يصل مداها حتى 300 كيلومتر وتستطيع ان تحمل طنا متريا من الوقود. ويتوقع المصدر ان تضاعف بيونغ يانغ تسويقها للصواريخ واسلحة الدمار الشامل في ظل ازمتها مع واشنطن بسبب استئنافها برنامجها النووي، خصوصا ان بيونغ يانغ اشارت الى انها ستضع نهاية للمنع المؤقت على تجارب الصواريخ المتوسطة المدى. ويقول ان كوريا الشمالية ترغب في ان توفر للدول الشرق اوسطية صواريخ سكود ـ ب مستحدثة تحل محل ترسانة الصواريخ القديمة التي كان بدأ انتاجها في السبعينات، والقصد من ذلك ابقاء ثمن الصواريخ رخيصا، وهي تطلب ثمنا لصاروخ سكود ـ سي لا يتجاوز 4 ملايين دولار، كما انها عرضت بيع صواريخ سكود ـ دي التي يصل مداها حتى 700 كيلومتر.
ويقول المصدر انه منذ النصف الثاني لعام 2001، وكوريا الشمالية تبيع الصواريخ الباليستية وما له علاقة بها من مواد ومعدات وخبرة تقنية، الى دول في الشرق الاوسط، وجنوب آسيا وشمال افريقيا، «فهذه التجارة توفر لها اضمن مردود مادي بالعملة الصعبة».
ويعود محدثي الى العام الماضي وصاروخ غوري ـ 3 الذي اطلقته باكستان وبلغ مداه 3 آلاف كيلومتر فيقول، ان ذلك الصاروخ الباليستي تم تصميمه حسب معدات وتكنولوجيا حصلت عليها اسلام اباد من الصين وكوريا الشمالية. ويوضح ان صاروخ غوري ـ 3 الباكستاني يعتمد انظمة الصواريخ الكورية الشمالية تايبو ـ دونغ 1 اضافة الى التعديلات التي ادخلتها كوريا الشمالية على احدث نموذج وهو صاروخ تايبو ـ دونغ ـ 2. وقد صدرت بيونغ يانع المعدات لباكستان عبر الصين. وكانت باكستان انهت تجاربها على صاروخ غوري ـ 3 في نهاية شهر نيسان (ابريل) واطلقته في منتصف شهر ايار (مايو) من العام الماضي.
ويقول المصدر الاميركي، انه طوال العام الماضي ظلت كوريا الجنوبية واليابان تنفيان استمرار كوريا الشمالية في شحن الصواريخ الى دول الشرق الاوسط، وتدّعيان ان السبب يعود الى الجهود الدولية لمنع كوريا الشمالية من نشر اسلحة الدمار الشامل، غير ان واشنطن كانت تعرف العكس، وان كل ما تريده سيول وطوكيو، من عملية النفي، هو انجاح المصالحة مع كوريا الشمالية. ويذكر ان رئيس الاركان الاميركي الجنرال ريتشارد مايرز بحث خلال زيارة الى سيول استمرار بيونغ يانغ في نشر اسلحة الدمار الشامل والصواريخ «لكل طرف مستعد ان يدفع الثمن فورا». وحاولت سيول الدفاع بقولها ان كوريا الشمالية تستورد الاسلحة من دول شيوعية مثل الصين وروسيا وكازاخستان وتصدّر معدات عسكرية الى ايران والعراق ومصر وميانمار، وانها منذ التسعينات تركز على تطوير الاسلحة الموجهة مثل صواريخ رودونغ ـ 1 وتايبو ـ دونغ 1، وتعمل على تصنيع طائرات ميغ ـ 29. غير ان اميركا اصرت على ان كوريا الشمالية لم تتوقف ابدا عن تصنيع وتصدير الصواريخ الباليستية واسلحة اخرى، وانه في شهر نيسان (ابريل) من العام الماضي، وصلت ايران من كوريا الشمالية، 10 زوارق حربية، كما ان ايران حصلت على صواريخ نو ـ دونغ وتنوي الحصول على صواريخ تايبو ـ دونغ.
ويقول محدثي: ان صواريخ رد ـ دونغ او نو ـ دونغ التي يصل مداها حتى 1500 كيلومتر، حصلت عليها ايران وتم تسويقها ايضا الى مصر وليبيا وسورية، وتبحث بيونغ يانغ وطهران مسألة شراء ايران لصواريخ تايبو ـ دونغ ـ 1 التي يصل مداها حتى 4 آلاف كيلومتر.
وكان مساعد وزير الخارجية الاميركي جون ولف ابلغ مؤتمرا دوليا عن السلاح عقد في نيومكسيكو في شهر نيسان (ابريل) الماضي، بان واشنطن عازمة على وقف تصدير اسلحة الدمار الشامل من كوريا الشمالية الى ايران. وينقل المصدر الاميركي ما جاء في الشهادة التي قدمها الادميرال الاميركي توماس فارغو قائد الاسطول الاميركي في المحيط الهادئ (الاسطول السابع) امام لجنة الدفاع في الكونغرس بان كوريا الشمالية تشكل خطرا على شبه الجزيرة الكورية وعلى المنطقة وعلى العالم، وانها ما زالت توفر لزبائنها احدث معدات وتكنولوجيا الصواريخ لديها، واكد انها بصدد تطوير صاروخ قادر على ضرب الولايات المتحدة عام 2007.
ويقول محدثي ان ما يكشفه في هذه المعلومات قد يلفت نظر الدول التي تتعامل مع كوريا الشمالية بضرورة وقف هذه التجارة، لانها ستجلب دمارا على المنطقة، «ذلك ان استمرار كوريا في نشر صواريخها الباليستية عبر الشرق الاوسط يوفر لها زخما ديبلوماسيا وسياسيا في المنطقة الآسيوية، ويوفر لنظامها العملة الصعبة التي يحتاجها، غير عابئة بما يعنيه نقل هذه التكنولوجيا، او عدم الاستقرار الذي يسببه نشر هذه الاسلحة».
ويقول محدثي، انه اضافة الى مسألة بيع الصواريخ الباليستية، فان هناك مشكلة عالقة بين سيول وواشنطن، اذ ان سيول تمنع احد ابرز الفارين من كوريا الشمالية وهو هوانغ جانغ يوب من السفر الى واشنطن، ومنذ عام 199، بعدما لجأ الى سفارة كوريا الجنوبية في الصين، وهو يقيم في سيول ضمن حراسة مشددة، وتمنع عنه الاتصالات مع الخارج. وهوانغ اكثر العارفين بأسرار كوريا الشمالية فهو عاصر كيم ايل ـ سونغ وتبوأ عدة مناصب حكومية وارتبط بمعرفة وثيقة مع الرئيس الحالي كيم ايل يونغ. ويقول محدثي، قد يكون السبب، ان واشنطن منعت هي الاخرى سيول من الاتصال والتحقيق مع سفير كوريا الشمالية في القاهرة جانغ سونغ ـ كيل، الذي لجأ الى الاميركيين قبل اربع سنوات. وكان مسؤولا عن بيع الصواريخ والمعدات العسكرية الى... الشرق الاوسط.