المبالغة في الشعر وليست مبالغة في البصل .....!!

[أبوعوض الشبامي]

قيل أن الإفراط في الصفة هي (( مبالغة )) ، وقيل أن المبالغة هي أن يذكر المتكلم حالا من الأحوال لو وقف عندها لأجزأت، فلا يقف حتى يزيد في معنى ما ذكره ما يكون أبلغ في معنى قصده، كقول الشاعر العربي:


ونكرم جارنا ما دام فينا .......... ونتبعه الكرامة حيث مالا

هناك مقولة عربية شائعة تقول (( أن أجود الشعر أكذبه )) وأن خير الكلام ما بولغ فيه، إلا أن البعض يرون (( أن المبالغة من عيوب الكلام، ولا يرون من محاسنه إلا ما خرج مخرج الصدق، وجاء على منهج الحق، ويزعمون أن المبالغة من ضعف المتكلم وعجزه عن أن يخترع معنى مبتكرا، أو يفرع معنى من معنى، أو يحلى كلامه بشيء من البديع، أو ينتخب ألفاظا موصوفة بصفات الحسن، ويجيد تركيبها، فإذا عجز عن ذلك كله أتى بالمبالغة لسد خلله، وتتميم نقصه، لما فيها من التهويل على السامع، ويدعون أنها ربما أحالت المعاني فأخرجتها من حد الإمكان إلى حد الامتناع ))

لهذا قال الشاعر العربي

وإن أشعر بيت أنت قائله ........... بيت يقال إذا أنشدته صدقا

ولكني أقول أن خير الأمور أوساطها، وإن كانت المبالغة من أنواع البديع في الشعر .

وهنا استحضر لكم من ذاكرتي انه قبل فترة وجيزة وضع الشاعر (( ابونمر )) مشاركة في هذه السقيفة ، جاءت من شعر دان قديم ونسب ذلك للشاعر بلرجف العكبري ، و قد قمت بتصحيح الأبيات حسب ما سمعتها والأبيات نموذجا من شعر المبالغة في شعرنا الشعبي تقول كلماتها :

من زايد العدّي (1) لقينا قاسم ( 2) النوبه (3) ذهب
والقاع مرمر والمدر فضه وما طينه زباد
والرزق من رب العباد



وللأستماع لهذا الدان تجدونه تحت هذا الرابط :





ووجه الشاعر لي رسالة شكر واستفسار عن الابيات وبقية المساجلة ، ومرت الأيام تتوالى وصدى سؤال الشاعر (( بونمر )) ما برح من ذاكرتي ويوم أمس كنت اتصفح كتابا استعرته من صديق عنوانه (( من الشعر الشعبي الحضرمي )) وهو مجهود جمع من روايات نسبت لراوية اسمه (( محمد عبدالرحمن باني باحارث )) ، ووقفت عند صفحة 93 من الكتاب المذكور وقرأت الاتي :


مدوا عليك الخيط ياقصر المعيـــــن (4) الغنــــــدرا (5) .......... لقوا قبالك (6) ســــاج (7)ما لقوا قبالك باسكيل
ومن زايد العدي لقوا قاسم ذهب في المحضرا (8) والودف (9) من عنبر وعل بو(10) كل من اصله بخيل


وقد قال من جمع واعد الكتاب المذكور ان الرواة اختلفوا في من قال هذه الابيات منهم من نسبها الى الشاعر احمد محمد بكير ، ومنهم من يقول انها للشاعر سعيد فرج باحريز ، ومنهم من يقول انها للشاعر عوض مخارش . وهذه الابيات من شعر الشبواني . ولانستطيع أن نجزم أن شعراء الدان الغياضي من البدو قد سطو على ابيات شعراء الشبواني من الحضر ، أو أن شعراء الشبواني هم الذين سطوا على تلك المعاني الجميلة والصور والأخيلة البديعة التي حملت في ثناياها المبالغة ولكنها مبالغة جاءت في صور بلاغية رائعة . مع العلم ان جميع الشعراء الذين تنسب اليهم تلك الابيات يعدون من المعدمين واشد الناس فقرا في المجتمع الحضرمي ، ومن أين لهم زائد (( العدّي )) ...!!

ذلك الشعر الذي قرأناه إن كان قائله من ابناء الحضر ، أو من ابناء البدو ، فهو شعر جميل ورائع ، وتقترب الصور فيه وتتلاقح الأخيلية وتتفق في المبالغة ، وليس كالشعر الذي نقرأه لبعضهم من اصحاب الميازين الرولكسية حين يقول لافض فوه على لسان (( نصيحـــة مـــن بـــدوي ))


هذي نصيحه من بديـوي للـذي بإيديـه حـل
الشيطنه ما تفيـد والـذري وجـب لازم يبـاد
عز الله إنك ما تبا الـذري لتطبـخ بـه بصـل
لو قد ملكته بـا تـذل كـل الخلايـق والعبـاد

ولا زالت صور البصل تتراء للقارئ في شعر شاعرنا الملهم ( صاحب الميزان الرولكسي ) الذي يبالغ في وزن البصل ... أعني في وزن الشعر وفي اعتقاده أن (( اعذبه بصله )).....!!



.
-----------------------------------------------------------------------------------------
(1) العدّي : الفلوس
(2) قاسم جمعه قواسم و هو العمود الكبير الذي يبنى عليه السقف
(3) النوبة الجمع نوب وهو البناء الذي هو اكبر من الكوت
(4) قصر المعين : الاسم الذي اطلقه سلاطين القعطة على قصر السلطان بالمكلا
(5) الغندرا : الغندر في اللغة هو الناعم
( 6) قبالك : الواحدة قبل والجمع اقبال وقبل بضم القاف والباء وهي الاعواد التي توضع فوق القاسم
(7) ساج : من أنواع الخسب تصنع منه السفن لمقاومته للماء .
(8) المحضرا : الغرفة الكبيرة .
(9) الودف : المواد التي تستخدم لتغطية السقف من شجر أو طين أو غيره .
(10 ) عل بو : يلعن أبو



.