المرشدي الذي صنع تاريخاً للغناء اليمني .. متى يكرمه الوطن ؟

[باشراحيل]

المرشدي الذي صنع تاريخاً للغناء اليمني .. متى يكرمه الوطن ؟

جدة : رياض عوض باشراحيل

محمد مرشد ناجي وجبل شمسان صنوان .. فهل ممكن لوطننا اليمني ان يتخلى عن جبل شمسان كقمة من قممه وبقعة من أرضه وعضو من جسده وخزينة من خزائن تراثه!! إن كان ذلك ممكناً كان ممكناً له أن يتخلى أيضا عن محمد مرشد ناجي صوت الأرض وقمة فنية شامخة من قمم الوطن ورمز من رموزه والرجل الذي أيقظ بصوته السحري وبثقافته خزائن تراثنا الغنائي بعد سبات وأحياها بعد ممات , ومد يده البيضاء بمحبة خالصة منذ زمن ولا يزال يمدها لشداة الفن والناشئين في عالم الغناء والطرب لمساعدتهم على تجاوز هموم الحياة الفنية ومصاعبها إذ يوجد من تلاميذه أي من شداة الأمس من تبوأ اليوم مراكز فنية مرموقة في ساحة الغناء العربي. وأعترف بفضله رسمياً وشعبياً في تطوير الأغنية العربية ومنهم الفنان ابوبكر سالم بلفقيه وهو أهل لذلك وبلفقيه يعترف بفضل المرشدي في تقديمه لجماهير الغناء في عدن في بداياته الفنية ويشيد بأستاذه .. بيد ان محمد مرشد ناجي الأب الذي احتضن الأبناء والأستاذ الذي ساهم في التكوين الفني لتلاميذه وقدم لهم الدعم والتشجيع اللائقين لدفعهم إلى ساحة الفن ظل ملتصقا بالأرض لم يبرحها متمسكاً بها لم يقو على مغادرتها .
وللمرشدي من صفات اسمه الشي الكثير فقد ارشد الجماهير وعلمها حب الابتهال الى المولى وحب الحياة وحب الجمال وذلك من خلال فنه ومضامين أغنياته مثل عظيم الشأن , أراك طروباً , صادت فؤادي , عليك سموني وسمسموني , دار الفلك دار وغيرها . وعلمها رفض الذل والثورة على الظلم والطغيان من خلال أغنياته على مسيري , ياطير يارمادي , أنا يمني , يابلادي يابلاد العرب , حان الرجوع ياإبن اليمن , أنا الشعب و...غيرها ( لأن النفس التي تفقه جمال الحياة تضيق بها معيشة الأسر والمذلة فتقتحم العوائق والسدود وتنشد السعة والأرتفاع ) كما يقول العقاد .
والمرشدي ليس مطربا ومغنيا فحسب ولكنه أديب وباحث في ميادين تراثنا الغنائي فهو مطرب بين الباحثين وباحث بين المطربين وقد صدرت له عدة مؤلفات منها أغانينا الشعبية الذي طبع مرتين عامي ( 1959-1998م ) , الغناء اليمني القديم ومشاهيره (1983م) , صفحات من الذكريات (2000م) , أغنيات وحكايات (2001م) , وأحسب أن الأخير يعد وثيقة مهمة من الوثائق الفنية لتاريخ الثورة اليمنية ونضال شعبنا الأبي ضد الإمامة والاستعمار . ومن هذا الكتاب نستلهم حقيقة هذا الرمز الوطني والفني إذ فيه من الحقائق والوثائق ما يعبر عن عمق شخصية المرشدي ونضاله الفني وعلاقته بالوطن حاكماً ومحكوماً .
لقد ظل محمد مرشد ناجي كفنان مرهف ومثقف وطني مخلص يعاني من الصراعات الدموية التي حاقت بالوطن ومن معارك الرفاق الذين عصفت بهم رياح الراية الحمراء وعواصف القبلية والحزبية البغيضة وبقي رغم تلك الصراعات والرياح الشديدة متمسكاً بالأرض يعض عليها بالنواجذ يطل من قمته الفنية على آفاقها فيشاهد البرق والصواعق والرعود ويرى الصراع والتفرق والتشرذم ويبصر الليل يرخي بسدوله على جسد الوطن , فيتأمل ويتأمل كثيرا ويقرأ الواقع بحنكة الرائد الوطني وذكاء العبقرية التي تبصر من خلف الحجب وتستشرف المستقبل . وتمتزج أحواله بأحوال بلده ويصدح بالحل الحقيقي لآلام الوطن , الحل السياسي والاجتماعي الذي عبر عنه فنياً وصدح به مردداً :

هات يـدك على يـدي **** تعاهـدني وأعاهدك
وأكون لك على عهدي **** وتكون لي على عهدك
***
هات يـدك أقسم لـك **** ببـلادي وتقسـم لـي
لتكون لي وأكون لـك **** أخلص لك وتخلص لي
***
آلامـنـا وآمـالنــا **** تواسينـا وتجمعـنـا
هات يـدك وعاهدنـا *** قوّتنـا فـي وحـدتنـا
***
ضاع عمري وأنا وحدي ** مابينـك وبيـن شكّـي
لـويـدك علـى يـدي *** ماببكـي ولا باشكـي

منذ زمن بعيد والمرشدي يغرد { هات يدك على يدي } ينادي بالوحدة الوطنية بمفهومها الشامل , وحدة وطنه اليمني ووطنه العربي والإسلامي الكبير ففي الوحدة الخلاص الحقيقي لكل الآلام والهموم والأمراض المزمنة التي تعاني منها امتنا منذ حين .
إن عظمة المرشدي لا تتجسد في غنائه ولا في قيثارته الصوتية التي لا يستطيع أن يقلده فيها أحد ولكنها تكمن أيضا في ارتباطه بنضال شعبه وأمته وتماهيه مع مسيرة وطنه المجيد في كل المحن والظروف الصعبة للتخلص من مراحل الظلام التي تعاقبت على الوطن سعياً نحو إشراقة الفجر . فهو لم يغنِّ انتصارات شعبه ولم يتأس لأنكساراته فحسب بل كان هو من تلك الانتصارات والأنكسارات في الصميم , كان جزءً فاعلاً ولم يكن جزءً منفعلاً , وبهذا يخرج المرشدي عن مهمة المطرب التقليدي الذي يتغنى بأمجاد أمته من بعيد جاعلا بينه وبين الفعل مسافة قد تقصر وقد تطول كثيراً .. إن محمد مرشد ناجي ومحمد سعد عبدالله وأبوبكر سالم بلفقيه في وجدان اليمنيين كأم كلثوم وعبدالحليم وفريد في وجدان المصريين مع اختلاف المناخ والبيئة وقد كرمت مصر مبدعيها بالأوسمة الرفيعة ورحل عنا محمد سعد عبدالله دون منحه ما يستحقه من التكريم اللائق به وكرّم بلفقيه من فخامة الرئيس في الثمانينات وكرم تكريماً عاليا في العام الماضي وبقي الرمز الفني محمد مرشد ناجي لم يكرم بعد بالتكريم الذي تستحقه مكانته الكبيرة ورياداته المتعددة.
إذن متى سنكرمه ؟
أننتظر حتى تتشرف دولة عربية بتقدير أدواره الفنية في الغناء العربي فتأخذ قصب السبق وتكرمه بالتكريم العالي قبل موطنه ؟
الى متى سنظل في غفلة عن الأدوار الطليعية لروادنا وكبار مبدعينا ؟
المرشدي احتضن الوطن وصنع تاريخاً للغناء اليمني وبذلك أصبح جزءً من الوجدان الوطني يعتز به كل مواطن شم عبق الأرض اليمنية والتصق بها .
تحية لمهرجان يافع الذي وضع حجراً في الماء الساكن وكرم هذا العملاق بحسب قامة هذا المهرجان المتواضع .. بيد أنه من حق جماهيرنا وحقنا في هذا الوطن ان نأمل في إنصاف هذا النابغة الفنية ونطمح في تكريم فخامة الرئيس علي عبدالله صالح له بالتكريم الرفيع في اقرب مناسبة وطنية قادمة ولعل الاحتفال بذكرى الوحدة في مايو القادم هو خير مناسبة لتكريم اليمن وقيادة هذا الشعب للذي شدا من أعماق قلبه ( أنا الشعب) .. وبهذا التكريم إن تحقق فإن الوطن حينها سيمد ذراعيه ويفتح صدره لأحتضان هذا الرمز الذي احتضن الوطن بفكره ووجدانه وهمته العالية طيلة حياته وحتى اليوم.
إنها دعوة محبة صادقة لبلدنا وفن بلدنا نطلقها من هذا المنبر الإعلامي للجهات الثقافية والإعلامية في الوطن لمطالبتها برفع مقترح لفخامة الرئيس بالتكريم قبل أن يسحب البساط من تحت أيدينا . وهي دعوة أيضا لأقلامنا الثقافية وكل محبي فناننا الكبير أن يضعوا أقلامهم على الورق ويطلقوا أصواتهم تعبيرا عن حبهم لهذا الفنان وحب الوطن لأبنه البار وغدا نأمل في التكريم اللائق وإن غداً لناظره قريب.