المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي

العودة   سقيفة الشبامي > الأدب والفن > سقيفة عذب النغم والفن > سقيفة اعلام ومواهب الفن اليمني
التعليمـــات روابط مفيدة Community التقويم مشاركات اليوم البحث


الفنان محمد مرشد ناجي يتحدث عن ذكريات خاصة

سقيفة اعلام ومواهب الفن اليمني


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-26-2012, 05:09 AM   #1
وادي عمر
مشرف سقيفة الحوار السياسي
 
الصورة الرمزية وادي عمر

الفنان محمد مرشد ناجي يتحدث عن ذكريات خاصة



الفنان محمد مرشد ناجي يتحدث عن ذكريات خاصة
السبت 26 مايو 2012 01:31 صباحاً

الفنان القدير محمد مرشد ناجي بمنزله قبل اشهر من اليوم
محمد مرشد ناجي
محمد مرشد ناجي فنان يمني من مواليد 4 جماد الثاني 6 نوفمبر عام 1929م، ولد في مُديرية الشيخ عثمان التابعة لمحافظة عدن العاصمة الاقتصادية للجمهورية اليمنية. تلقى تعليمه في الكتَّاب (المعلامه). وكان ذلك على يد الفقيه احمد الجبلي. وكانت هذه المعلامه في حافة القحم في مدينة الشيخ عثمان وقد ختم القرآن الكريم في سن مبكرة مما جعل والده يحتفي به واقام له الحفلات احتفاءً بختمه القرآن في هذه السن المبكره.التعليم دخل إلى المدرسة الابتدائية الحكومية في مدينة الشيخ عثمان واستمر إلى أن أتم الصف السابع وقد كان خلالها قد تعرف على الكثير من زملاء الدراسة والمدرسين. ...
اقرأ المزيد الجمهورية نت
حاوره: مهدي علواني المشولي
هي وقفة جميلة.. بل وقفات متعددة في حياة هذا الفنان الأصيل الذي أحب الناس فبادلوه الحب بالحب وفي هذه الوقفات أو المحطات.. نسترجع معه صدى الذكريات الجميلة و«مشاوير» عمر طويل مع الكلمة واللحن والطرب الجميل.. مع أحداث حياة عامرة بالتفاصيل والمواقف المتعددة.. فالحديث مع فنان بحجم «محمد مرشد ناجي» هو حديث ذو شجون.. وعزاؤنا أننا استطعنا أن نخرج منه بشيء حتى ولو كان يسيراً فهو أغنى ومفيد, لأن الحديث مع فنان بحجم المرشدي حتماً ستتشعب مسالكه وتتداخل فيه الفروع والأصول والشاطر من يخرج ولو بالنزر اليسير.. ومع ذلك استطعنا من خلال جلوسنا مع هذا الفنان ذي الذاكرة المتقدة وطوال ثماني ساعات الخروج بأشياء مهمة وتفاصيل لم يكن أحد غيره يعرفها وهي تفاصيل لأحداث ولمراحل متعددة تتجاوز السبعة عقود عاشها هذا الفنان وعاش تفاصيلها, اختلاف اتجاهاتها ومساراتها الفنية والسياسية والرياضية والاجتماعية..

وتعايش مع رموزها وتياراتها المختلفة.. وباختصار فالمرشدي.. الانسان.. الموقف.. والفنان الجميل والمطرب الأصيل.. شخص قلما يجود بمثله الزمان.. وقليل من يمتلك مثل مايمتلك هو من تجارب ثرية في أكثر من مجال.. لهذا كان لصحيفة الجمهورية هذا السبق.. الاقتراب من مخزون هذا الفنان, وذاكرة هذا الانسان الثري بالمعرفة.. وبالجمال والفن الجميل, وبكل عذابات الحياة وسرورها.. وفي هذه المحطات ـ عزيزي القارئ ـ والتي سهل رحلتنا إليها الأستاذمحمد علي سعد رئيس التحريرـ نرحل معاً ولنقف مع هذا الفنان في كل وقفة لنروي عطش فضولنا المعرفي عن حياة هذا الانسان.. ومانحب أن نعرفه عنه وعن العصر الذي عاشه ونغترف من نبع نهره المتدفق بعذوبة وجمال الحياة وعذاباتها وبعذوبة الفن الجميل والطرب الأصيل أيضاً, فإلى منابع الحلقة الأولى من هذا الحوار الجميل:

يقول أبو علي: لن يكون الحديث عن الطفولة طويلاً.. أنا من مواليد 4 جماد الثانية 1348هـ 6 نوفمبر 1929م في مدينة الشيخ عثمان التي كانت حينئذ تابعة لسلطة مستعمرة عدن البريطانية.. لقد كانت طفولة سعيدة ولاسيما بوجود أمي, صومالية الأصل.. واسمها «عورلا عبدي» وفرعها الصومالي- كما يقال- عريق وأصيل إذ أنها من قبيلة يقال إن جذورها عربية وتدعى مجيرتين, لم تعلمنا أمي- أنا وأخوتي- اللغة الصومالية, حتى إذا تحدثت إليها نساء أو رجال من الصومال ترد عليهم بلغة مختلطة من العربية والصومالية.. أخبرتني أنها جاءت إلى عدن طفلة, وعندما كبرت تزوجت من رجل يدعى محمد حسين مسلم هندي الأصل- وكان كاتب عرض حالات معروفاً في مدينة الشيخ عثمان, أنجبت له بنتين وولداً, وطلقت منه, ثم تزوجت من أبي وهو من منطقة معافر”الشويفة” قال إنه ترك قريته هرباً من عذاب الإمامة مخلفاً وراءه زوجته وابنته «نور» وفي عدن جند «سخرة» في الجيش التركي, وقد يكون مجيئه في أثناء الحرب العظمى (1914-1918) والتي سميت فيما بعد بالحرب العالمية الأولى, في أثناء ماكان الترك يحتلون«لحج» وماحواليها حتى مدينة الشيخ عثمان أما بعد جلاء الأتراك من المنطقة فقد تنقل كعامل في أكثر من مكان وفي الأخير استقر في شركة الملح الهندية المقامة في «الحسوة» ورقي بعد ذلك إلى منصب رئيس مجموعة من العمال بلقب «مقدم».. لا أذكر على وجه الدقة السن التي دخلت بها المعلامة «كتاب» الفقيه أحمد الجبلي, وهذا ماأذكره مما يضاف إلى اسمه, وكان مقرها في نفس الحارة التي أسكنها والمسماة حافة القحم «في مدينة الشيخ عثمان» وكان متشدداً حازماً في التعليم ولما ختمت القرآن الكريم, وتماشياً مع العادة المتبعة, أقام لي أبي احتفالاً بهذه المناسبة, كان يقال له الزينة إذ يؤتى بمداحين وبيارق ويقوم المداحون بإنشاد الأناشيد الصوفية المعتادة لمثل ذلك الاحتفال, ويلبس المحتفى به ملابس الرجال من: مشدة «عمامة» وجاكيت «سترة» وفوطة «ازار» ويتمنطق بالسيف ويصطف زملاء المحتفى به عن يمينه وعن شماله ومعهم بعض الناس الكبار في السن, ويتجهون سيراً حتى يصلوا إلى مقام ولي الله «الهاشمي» والعودة إلى المنزل.

المدرسة والأصدقاء

بدأت أعرف نفسي حين دخلت المدرسة الابتدائية الحكومية في الشيخ عثمان, في الصف الأول منها, وكان مدرسنا يدعى أفضل خان «هندي الأصل» وكان خبيراً في تدريس الأطفال, وفي هذا الصف تعرفت على زملائي الذين أصبحوا أصدقائي عندما كبرت: محمد سعيد مسواط, عثمان عبده محمد, سعد قائد, عبدالرزاق معتوق, وفي الصف الثاني والثالث كان مدرسانا محمد أحمد يابلي وسعيد علي فرج وفي الصف الرابع والأخير من المرحلة الابتدائية كان مدرسنا المرح الأستاذ أحمد حسن حنبلة يعاونه مدير المدرسة المربي الفاضل محمد أحمد الباقر, وفي كل صفوف المرحلة الابتدائية كان محمد سعيد مسواط, لنبوغه يحتل على الدوام المركز الأول أما بقية المراكز إلى السبعة فقد كنا نتناوبها نحن الثلاثة مع ثلاثة آخرين, لا أذكر أسماءهم.

أجمل أيام العمر

هذه الفترة تعد من أجمل أيام عمري على الإطلاق, فقد كنت مغموراً بعطف أمي وحنانها فكل طلباتي كانت مستجابة ولاأتجشم مشقة البحث عن النقود لشراء طلباتي المتنوعة وكانت أكثر تلك الطلبات تتعلق بشئون المدرسة ولوازمها, وكان فيض حنانها هو المصباح الذي أنار لي حياتي في أثناء كل تلك الفترة, ولاسيما لأنني كنت أصغر أبنائها, وكان إخوتي من أمي يعيشون معنا, ولم أكن أشعر بقسوة الحياة ومتاعبها, كانت أمي تتحمل المتاعب وتوفر لي ماأطلب من عملها المتمثل في بيع وشراء الأغنام وبيع اللبن والدجاج والبيض وأشياء أخرى لكي أواصل الدراسة وأصبح يوماً «كاتباً» في أية إدارة حكومية.

بين حلم الأم وحنانها

وكانت وظيفة الكاتب عصرئذ تعتبر من الوظائف التي لها مقامها الأول في المجتمع حتى كان من يطلب الزواج من فتاة يسأل أهلها عنه إن كان كاتباً أو غير ذلك.. وكنت ألمس هذه الأمنية لدى أمي بكل وضوح عندما ترهف السمع وأنا أراجع عمل البيت المدرسي على ضوء «الفانوس» أو «النوارة» إذ لم يكن للكهرباء من وجود في الثلاثينيات في الشيخ عثمان لسياسة الادارة البريطانية تجاه هذه المدينة المسماة ضاحية.. ماأريد, وعندما كبرت عرفت أن هذه المزايا الموجودة عند أمي هي موجودة أيضاً لدى المرأة الصومالية في كل مكان.. فهي لاتقف مكتوفة اليدين إزاء عجز زوجها المادي في مواجهة مسئولية الأسرة من كل الوجوه.. لقد كان أبي بأجره اليومي غير قادر على تغطية مصاريف الأسرة المكونة من ستة أشخاص ناهيك عن لوازمه الشخصية من مثل القات وتوابعه كل يوم, ذلك لضرورتها في نظره, وكان كالآخرين يعتقد بأن القات يعطيه شحنة من النشاط المتجدد ويساعده على أداء عمله الشاق وسيره على القدمين حافياً إلى مقر عمله ثم العودة تحت حرارة شمس لاتطاق ولاترحم.

شبح أحمد ياجناه

وفي معظم الأيام كنت أحمل له الغداء لأن عمله يمتد أحياناً إلى مابعد العصر أو المغرب.. وذات يوم وصلت إليه بالغداء فقال: أعطه ذلك الرجل, وكان جالساً في الظل وسألته من هو؟ فنهرني وقال: اعطه وكفى, وقام الرجل فالتهم الغداء بأكمله, أخذت الأطباق ومشيت وتبعني أبي وهمس في أذني قائلاً: ألا تدري ياأهبل من هذا؟ إنه «أحمد ياجناه» وتساءلت من هو أحمد ياجناه؟ قال: اسكت ياولد امش.. وفي البيت «بافهمك» وفي المساء فهمت منه إنه لقب أحمد بن الإمام يحيى حميد الدين, وإن الجن مسخرة لخدمته, ويطيرون به إلى كل مكان يريد ليتعرف بنفسه ماذا يقول رعاياه عنه وأبي منهم, وكان من حظ الرجل قريب الشبه بأحمد ياجناه أن يريحه أبي عن العمل ويقوم بعمله نيابة عنه, ويحصل هو على الأجرة, ويأكل الغداء مدة أيام عديدة.

بداية الأحزان

وذات يوم وأنا في المرحلة الابتدائية الأخيرة, في الصف الرابع عدت من المدرسة ظهراً إلى البيت, ولكن ماإن اقتربت منه حتى رأيت بعض الأقارب والجيران جالسين أمام البيت واجمين والحزن يطل من عيونهم, كنت سعيداً غير عابئ بالحياة ومشاكلها مادام أن شخصاً آخر, أمي, كان يحملها عني, ولكن الصوت الذي كنت أطلقه مترنماً بأحد الألحان, احتبس في حلقي وأنا أرى الناس يشكلون حلقات متعددة, راعني شعور خفي يطفح بالحزن وأنا أمد خطواتي نحو القوم مندهشاً..

وقامت جماعة منهم وانتحت بي جانباً وأخذ أحدهم يمسح على رأسي برفق وحنان وآخر يأخذ من يدي حقيبتي المدرسية وأنا مندهش من كل تلك التصرفات لكن أعقل الجماعة بدد تلك الدهشة حين قذف في وجهي بقنبلة هزت كياني, وبقيت آثارها في نفسي مدة طويلة عندما قال: البقاء لله ياابني وكل انسان مصيره الموت, وأدركت أن أمي قد لحقت بربها لأنها كانت تعاني منذ فترة ألماً حاداً في ساقها.. وتسرب الظلام إلى عيني وسقطت على الأرض فاقد الوعي..

وعندما فتحت عيني رأيت نعش أمي محمولاً على أعناق الرجال يخرج به من المنزل.. لقد بكيت بحرارة وحرقة وأنا أسير كالمذهول خلف نعشها إلى القبر, وعندما وارى القوم جسدها الطاهر, شعرت بوحشة الحياة وكدت أقذف بنفسي إلى جانبها لولا أن شدني بعضهم من يدي بعيداً عن قبرها.. حينئذ شعرت في قرارة نفسي بأني قد ضعت في هذه الدنيا, شعرت أيضاً بأن الحياة قد قست «علي» وأنا مازلت في تلك السن المبكرة, وأنها قد شرعت في الاعداد للمعارك معي, أتممت المرحلة الابتدائية وكنت من الأوائل كما أشرت وكان لدى الحكومة أو ادارة المعارف البريطانية مدرسة متوسطة تسمى«ريسدنسي»- RESIDENCY SCHOOL وكان مقرها هو المبنى الذي فيه المتحف العسكري حالياً في مدينة كريتر تستقبل المختارين من الفائزين الأوائل في المدارس الابتدائية الأربع في المستعمر وهي«ابتدائية مدينة عدن»«كريتر» وابتدائيات: الشيخ عثمان, والمعلا, والتواهي, ووجدت نفسي بين الذين لم يقبلوا في تلك المدرسة بسبب كبر السن” وقبل أصدقائي الذين ذكرتهم وغيرهم.. كنا جميعاً في سن متقارب بل كان بينهم من يكبرني, وكان عندنا في الصف 24 والمقبولون خمسة والبقية يرمون في الشارع, وقس على ذلك نفس الاجراء في الثلاث المناطق الأخرى, إلا أن الوساطات والمحسوبيات كان لها دورها في قبول البعض بصرف النظر عن مستواهم التحصيلي.

لم نكن ندرك إبان ئذ, مرامي السياسة الاستعمارية في التعليم هذا مع أنه قد مضى على حكم الادارة البريطانية لعدن مايقرب من مائة عام وكان الأجانب من «الهنود» غير المسلمين على وجه الخصوص يحتلون الوظائف العالية في البلد ويتحكمون في مصائر أبناء عدن من العرب الذين كان أكثرهم من الكتبة الصغار أو من المدرسين وغالبيتهم في المدارس الابتدائية باستثناء قلة قليلة لاتذكر ساعدتهم ظروف آبائهم المادية على مواصلة التعليم في المدارس التجارية وحتى المدرسة الحكومية المتوسطة, فقد كان الطالب يتخرج منها ليكون كاتباً صغيراً أو مدرساً ابتدائياً لقد كان هذا التجهيل المتعمد في التعليم المحدود هو السبب الذي أطال حكم الادارة البريطانية لعدن مدة طالت أكثر من قرن وثلث, وجعل الأجانب يهيمنون على مقدرات الحياة في المستعمرة عندما كان المستعمر يقذف إلى الشارع بـ80% من الطلاب الفقراء من أبناء عدن.. ولاأكتم القارئ العزيز أنني صعقت في ذلك الحين من نتيجة عدم القبول في المدرسة الحكومية برغم تفوقي وشعرت بالحزن يجثم فوق صدري وأنا أجد نفسي مطروداً في الشارع, ولاسيما بعد أن فقدت الأرضية التي كنت أقف عليها في الحياة ولكن بدد حزني وجود المدرسة التبشيرية في الشيخ عثمان وكانت تسمى KEITHFALCONR MISSION SCHOOL ولهذه المدرسة الفضل الكبير في استيعاب الطلبة الفقراء المطرودين من المدرسة الحكومية وغيرهم.. وعلى ذكر هذه المدرسة التبشيرية ضمتني جلسة بالأستاذ حسين علي الحبيشي المستشار القانوني الأسبق للدولة اليمنية في صنعاء, وتذكرناها فقال: لولا هذه المدرسة ياعزيزي محمد لكنت وزملائي اليوم «نبيع باجية».

خيار رعي الكلاب وبين الخضار والفواكه

دخلت هذه المدرسة إلا أن الحياة, كما قلت, كانت قد شرت في إعداد المعارك معي, وبعد مضي شهر واحد فحسب من التحاقنا بها أعلنت لنا بقرار هيئتها بإغلاقها إلى الأبد في نهاية العام الدراسي بسبب الافلاس الذي أصابها وعدم تدفق أموال معونتها من إرسالية سكوتلندا وكان تلك المفاجأة بالنسبة لي كارثة مروعة, فما أن بدأ الأمل يبزغ من سجف الضباب حتى غاب في خضمها من جديد, وحملت مصابي بين أضلعي وذهبت أضع الخبر بين يدي أبي وكلي تصميم وتحد على مواصلة الدراسة بعد الاغلاق مهما كلفني ذلك من متاعب حتى أحقق أمنيتي, وأمنية أمي بأن أكون كاتباً, أي «كراني» CLERK «بوصف زمان» أي كاتب موظف في ادارة حكومية.

وكان ذلك حلم كل طالب, كما يحلم طالب اليوم وقبله بأن يكون طبيباً أو مهندساً.. الخ.. وأجاب أبي.. يرحمه الله لاتحزن ياولدي فالمدير«حقنا» السيت حسين الهندي محتاج إلى ولد يرعى الطلاب «حقه» مقابل «ست عانات» في اليوم, وماأحوجنا إلى هذا المبلغ وأنت تدري بمسئوليتي العائلية تجاه إخوتك وأجري لايكاد يكفيهم فما رأيك؟ وغضبت طبعاً من كلام أبي, ولكني في ذات الوقت كنت أعلم بضيق حاله ومسئوليته وعدم قدرته على تسديد نفقات الدراسة في المدارس التجارية في «كريتر».. بعد إغلاق المدرسة التبشيرية في الشيخ عثمان, وانسحبت أجر قدمي بجهد جهيد كأنني أخوض في بركة من الطين, ولكني أخذت أروض نفسي على التصبر حتى نهاية العام, عسى أن تحدث معجزة ويلغى قرار إغلاق المدرسة التبشيرية إلى الأبد.. ومضى العام ولم تحدث المعجزة فعدت مرة أخرى إلى أبي أتدبر معه الأمر من جديد, ولكنه كرر لي نفس القول السابق وانصرفت اتدبر الأمر ولاسيما وقد امتلأت نفسي بالتحدي لمواصلة التعليم برغم الواقع المؤلم الذي كنت أعيشه, وبعد تفكير عميق استقرت الرغبة التي لامناص منها, في الالتحاق بالمدرسة التبشيرية في«كريتر» المسماة ST.JOSEPH’S HIGH SCHOOL والمعروفة على المستوى المحلي”مدرسة البادري” وقد تخرج منها الكثيرون من كبار الموظفين في عدن.. وعدت إلى أبي بعد وقت أعلمه بما استقر رأيي عليه برغم علمي بأنه لن يكون في مستطاعه دفع رسوم المدرسة, فضلاً عن الكتب والمواصلات.. الخ وقال: يابني هذا شأنك وقد أمنحك شيئاً يسيراً مما قد لايكفيك حتى للمواصلات.. وعدت من جديد أغوص في التفكير حتى أذني, ولم يتغلب اليأس في نفسي على الأمل.. وتوجهت على الفور إلى أحد الأصدقاء«الأخ محمد هزاع عراسي, وقد يكون الآن قد نسي بيد أن من خلقي ألا أنسى من يقدم لي خدمة في ظرف عصيب شرحت له مشكلتي كاملة, فلم يخذلني بل اشترى لي كل ماأحتاج إليه, من الكتب ثم تحدث إلى خاله عبدالله علي ثابت عراسي الذي أصبح عندما كبرت من أعز أصدقائي ليسمح لي بركوب سيارته التي كان يسوقها, وتنقل فجر كل يوم الفواكه والخضار من مدينة الشيخ عثمان إلى كريتر.

العلم ورحلات الموت

وكان لزاماً علي- وأنا الصبي الذي أصبح بعد وفاة أمه فقيراً معدماً ونخر الوهن جسمه من سوء التغذية- أن أنهض كل يوم في الساعة الثالثة صباحاً لألحق بالسيارة, وأركب فوق صناديق الخضار و«اتشعبط» بالصناديق حتى لاأسقط من أعلى السيارة, وأتعرض للبرد والريح تهب وتخترق عظام جسمي فأبقى أرتعش بعنف وتصطك أسناني من جراء ماأعاني ومن عدم وجود ملابس شتوية تبعث الدفء في جسدي النحيل.. وكنت كل يوم استقر على قمة «حمول» السيارة وأعترك مع صناديق الخضار كي أتجنب الموت فإن احتضنت الكتب وضممتها إلى صدري أشعر بشيء من الدفء ولكن أبقى في نفس الوقت عرضة للسقوط من على السيارة في أثناء سيرها ودورانها في الطريق, لأن الصناديق التي أجلس عليها ليست بالمقعد الآمن فهي تهتز عند كل منعطف, فاضطر إلى أن أضع الكتب بين فخذي وأمسك بيدي الصناديق وحبالها وأبقى مشدوداً حتى لايغلبني النعاس في أثناء هبوب الهواء في تلك الساعة المبكرة من ساعات الفجر الأولى.. ولم يكن الطريق البحري المؤدي إلى سينما 26 سبتمبر موجوداً وكان الطريق المستعمل هو القديم المؤدي إلى خور مكسر, مروراً بالسينما وباب (السلب) الذي يقع قبل بوابة(جبل الحديد) وحين تصل السيارة إلى العقبة على النحو القديم الضيق كانت تكاد تكون المصيبة العظمى، فاضطر أن امتد فوق الصناديق في أثناء مرورها في النفق الضيق كي لايصطدم رأسي بجدارها لعلو (الحمول) وضيق الممر، وكنت أحمد الله على النجاة بعد كل مرور وتهدأ نفسي حين أصل إلى مدينة كريتر وهي تغط في سبات عميق وقد أرهقني مجهود هذه المعارك، هذا ومعدتي تنهش أمعائي من الجوع فأتهالك علي مقعد طويل في المقهى الذي يقع أمام سوق الخضار(الآن حلت محله بقاله) وأضع كتبي تحت رأسي وأنام.. وفي السادسة صباحاً أشعر بيد عامل المقهى توقظني ليبدأ في ترتيب عمل المقهى، فأسحب قدمي إلى أحد المطاعم الشعبية، وأتناول فطوراً يتناسب مع ما أحمله في جيبي من نقود فول وروتي أو خمير وشاهي وأتجه بعدها إلى المدرسة، خالي الوفاض، وأكون أول من يحضر المدرسة وأذهب إلى صفي لأعاود النوم مرة أخرى حتى يحضر الطلبة لأخرج للعب الكرة وفي تلك الأيام كان يدير هذه المدرسة الأستاذ الجليل سعيد مدي وكان مدرسنا للغة الانجليزية في الصف الثاني استاذاً كريماً وضليعاً في اللغة لم أعد أذكر إلا الأول من اسمه جعفر.

كرة.. وعلم.. وفقر

وقبل أن يقرع جرس الدخول إلى المدرسة كنت ألعب مع بعض الطلبة في فناء المدرسة بكرة القدم، ولكم كنت (حريفاً) وماهراً في لعبها.. وكان الأستاذ عبده حزام، وهو أحد المدرسين، معجباً بلعبي بالكرة، وكان يأخذ دور الحكم بيننا وذات يوم كان يقف وسط الملعب وعلى رأسه الطربوش الذي لايفارقه، التقطت الكرة ورفستها بقوة فاتجهت صوب استاذنا عبده حزام وأطاحت بالطربوش من رأسه، وسقط الطربوش بالقرب من الكرة التي كان بعض اللاعبين من الطلبة حولها وبقي الطربوش بين أقدامهم، يرفس مع الكرة من قدم إلى أخرى بين اللاعبين وكان منظراً مضحكاً للمتفرجين، لكن الأستاذ لم يغضب وكانت شفاعتي الوحيدة لديه اعجابه الكبير بلعبي، فقد كان انساناً ودوداً ورحيماً بطلبته للغاية، وكانت الابتسامة لاتفارق شفتيه.. وفي فترة الاستراحة المدرسية كان الطلبة يخرجون بإنشراح من جو الدراسة حيث يتناولون المرطبات والمأكولات الشهية التي تزخر بها ساحة المدرسة إلا أنا فأخرج مطاطئ الرأس لخلو جيبي من النقود وأتسلل من بينهم خفية إلى أنابيب حمام المدرسة، أشرب مائها الساخن ثم أعود إلى الصف للمطالعة قبل دخول الطلبة، إلا في بعض الأيام إذا كان موجوداً صاحبي وأحد المعجبين بمهارتي في الكرة، الأخ/عبدالله معيط، الطالب في الصف الأول وكان من الميسورين لأن أباه كان صاحب بقالة في حي(الصباغين) في الشيخ عثمان، لاسيما إذا كان جيبه عامراً فإنه كان ينتظرني ويملأ بطني بكل مالذ وطاب لأنه الوحيد العارف بحالتي المادية.

أما في بعض أحيان أخرى فكنت إذا صادفته في الصباح وأنا في طريقي إلى أحد المطاعم الشعبية، فإنه يدعوني إلى الفطور معه ويخيرني في نوع الفطور الذي أريد فأقول(الفتة الموز) في(المخبازة) ولعمري ماكنت أعرف(المخبازة) إلا معه لأنها كانت وقتئذ مكلفة للفقير، ومازلت إلى يومنا هذا إذا كانت وجبة غدائي (فتة موز) أتذكره.. ومناسبة ذكر الأخ الشهم عبدالله معيط تدعوني لأحكي حكايته بعد أن كبرنا، وبعد أن لم أره سنوات عديدة بسبب ظروف الحيلة وبعد سكنه عني، وأنا قد أصبحت موظفاً ومطرباً مشهوراً، كما شاءت الظروف أيضاً، ففي احدى حفلاتي الترفيهية التي أحييتها أكثر من مرة للمسجونين في صباح عيد الفطر المبارك بدعوة من إدارة السجن، كان المسجونون يجلسون على الأرض وأنا والفرقة الموسيقية على الكراسي.. وأنا أغني وبصري نحو المسجونين وإذا بي الحظ أن واحداً منهم كان يتوارى خلف صاحبه الذي أمامه كي لا أعرفه، هكذا أحسست، ودفعني فضولي لمعرفة ذلك الشخص وتشاغلت بالنظر إلى آلة العود بعض الوقت وحولت بصري فجأة نحوه فعرفته.. وبعد أن أنهيت الأغنية أومأت إلى الأستاذ خليل محمد خليل، الموسيقي المعروف العامل مديراً للسجن آنذاك وقلت له هامساً راجياً مجيء الأخ عبدالله معيط إلي فقال: ماذا تريد منه، والسجن هو بيته الدائم، قلت: يا أستاذي هذا أخي، فناداه باسمه ودوى تصفيق المسجونين، وقمت من مقعدي استقبله بالأحضان، وأجلسته على كرسي بجانبي حتى نهاية الحفل، وانتحيت به جانباً وناولته عنوان بيتي ورقم تلفوني قائلاً: يا أخي شرفني بالزيارة لأرد لك ولو بعض الجميل، وكل ما تطلبه لتحسين حالك سينفذ على الفور، وأياً كان الطلب لن يساوي وقفة من وقفاتك الكريمة، وكانت هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي رأيته فيها، ولست أدري الآن إن كان حياً أو ميتاً، كان صبياً شهماً يعرف واجب الأخوة دون أن تسأله، كأنه من قبيلة مازن الذين قال فيهم أخو بني ذهل:
لايسألون أخاهم حين يندبهم
في النائبات على ماشاء برهانا

إن مناسبة ذكر الأخ عبدالله معيط لأوفيه حقه على شهامته في محنتي، حولتني من متابعة معاناة الدراسة في مدرسة (البادري) وها أنا أعود لأواصل بعد هذا الاستطراد.. ففي كل يوم بعد انتهاء وقت الدراسة في الظهيرة تبدأ معركة العودة إلى مدينة الشيخ عثمان، وغالباً لم تكن توجد في جيبي أجرة مواصلات العودة فأحمل كتبي وأسير في اتجاه العقبة main pass حافي القدمين تحت حرارة شمس تذيب الجلود، علني أجد سيارة عبارة فيرق قلب صاحبها ويلتقطني من الطريق الطويل، ولكن عدد السيارات وقتذاك كان قليلاً جداً ولاسيما السيارات الخاصة، وأواصل السير إلى أن أصل نقطة التفتيش في (باب السلب) وهناك أقف إلى جانب رجل الشرطة واستعطفه ليسهل لي مهمة العودة في أي سيارة عابرة، ويرق قلب الرجل ويركبني على أية سيارة تمر به على رغم صاحبها أحياناً، وأعود إلى البيت منهك القوى فأتناول الغداء المكون من (الرز والصانونة) بنفس مسدودة، أحاول أن أبحث عن قطعة سمك في الصانونة، وفي أكثر الأحيان لا أجدها وما أن تستقر حبات الأرز في معدتي حتى أهرع إلى ميدان كرة القدم لممارسة هذه اللعبة التي برعت فيها برغم نحافة جسمي، وكنت وصديق الصبا محمد صالح عراسي أحسن لاعبين في مدينة الشيخ عثمان، وكان كل اللاعبين المرموقين يتوسمون لنا مستقبلاً باهراً في كرة القدم.

لكن الرياضة وإن كانت تهمني جداً حتى أن لقب المرشدي قد لصق باسمي من شهرتي في الكرة بين أصدقائي وفي الوسط الكروي، إلا أن معركتي من أجل الدراسة ومواصلتها بالاعتماد على النفس، وقبول التحدي، في هذا الصدد كانت هي الأولى بين كل اهتماماتي، وكنت على اتفاق مع أبي الطيب، ومادمت قادراً على ذلك وكنت مقدراً لظروفه المادية التي توفر لي ولإخوتي من أمي المصاريف اليومية.. وكانت أختي الكبرى مريم التي أخذت مكانة أمي تجيد خياطة الملابس النسوية ومن دخلها نوفر الملابس البسيطة لي ولإخوتي.. وظللت على هذه الحال دونما أي تغيير في مشواري اليومي إلى مدرسة البادري أقاوم بضراوة قسوة الحياة وقد بلغت من التعب منتهاه وساءت صحتي وازداد نحولي فلم أستطع أن أنهي العام الدراسي فالتحقت بكتاب مجموعة كبيرة من أبناء الشيخ عثمان منهم من كانت لي بهم معرفة سابقة، وبقيت في هذا المكتب قرابة عامين كسبنا في أثنائها من الوالد صالح حسن تركي معرفة لا بأس بها في اللغة الانجليزية وهو بالمناسبة جد الموسيقي العزيز المرحوم اسكندر ثابت من جهة أمه، كان على كبر سنه شعلة من النشاط والحيوية، وصاحب لسان سليط كان يهوى الموسيقى: مؤلف أغانٍ ومغنياً وعازفاً على الكمان.

يتبع
الهوامش
1ـ السيت: بمعنى مستر بالانجليزية: أي سيد أو صاحب العمل.
2ـ باب السلب: المركز الرئيسي للشرطة وكان يطلق عليه بالانجليزية اسم BARRIER GATE مازالت المباني التي كان موقعه فيها قائمة حتى الآن وإن لم تعد مركز شرطة.
التوقيع :
[SIZE="4"]
[COLOR="DarkGreen"]
وادي عمر كنز المنى

والمسرة باطوف عاعشبة عشية وبكرة باعيش في قربة اذا سرحت ماسية

يااهل وادي الخير وادي الوفاء

طابت مراعية
[/COLOR
]
[/SIZE
]
  رد مع اقتباس
قديم 09-29-2012, 06:46 PM   #2
وادي عمر
مشرف سقيفة الحوار السياسي
 
الصورة الرمزية وادي عمر


كنا في دار الفنان محمد مرشد ناجي

9/29/2012 المكلا اليوم / نصر باغريب

"أهلاً.. أهلاً.. بالدكتور وبأصحاب جامعة عدن تفضلوا يا مرحبا.. يا مرحبا"، تلك كانت كلمات الترحيب الأولى التي استقبلنا بها الفنان الكبير محمد مرشد ناجي في دارة الواقع بحي ريمي بمدينة المنصورة الباسلة بمدينة عدن، كنا سبعة أشخاص أو نزيد قليلاً، قدمنا لزيارة أحد أعلام مدينة عدن وذاكرتها الحية عن الفن والحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية منذ حقبة الستينيات من القرن الماضي وحتى الآن.
في حضرة المرشدي:
دخلنا الدار حوالي الساعة الرابعة والنصف من عصر يوم أمس، وكان الأخوانة هاشم ومسواط محمد مرشد ناجي بانتظارنا في الباب الخارجي للدار، وقادونا إلى المحضرة "صالة الاستقبال"، حيث وقف المرشدي مرحبا بنا، وبالدكتور عبدالعزيز صالح بن حبتور رئيس جامعة عدن، صاحب المبادرة لهذه الزيارة كما هي عادته دائماً.
رافق الدكتور عبدالعزيز صالح بن حبتور، كل من الدكتور علي السلامي الأستاذ بكلية العلوم الإدارية، والدكتور محمد مارم الأستاذ بكلية العلوم الإدارية، والدكتور علي أبوبكر الأستاذ بكلية العلوم الإدارية، والدكتور محمد طه شمسان مدير عام العلاقات الدولية بجامعة عدن والأستاذ بكلية الطب، والأخ نصر مبارك باغريب مدير عام الإعلام، والأخ محمد جوهري مدير إدارة خدمة المجتمع، والأخ عبدالرحمن باهارون التربوي والإعلامي المعروف، وبحضور أبناء الفنان المرشدي وبعض الضيوف الآخرين.
دخلنا تباعاً خلق بن حبتور وقلوبنا تهفوا لصاحب الدار وجلسنا في المحضرة "صالة الاستقبال الرئيسية في الدار" في حلقة أحاطت بإحكام حول مقصدنا جميعاً - أبوهاشم أو المرشدي كما يحب هو أن نناديه - وأخذتنا عبارات التسليم والسلام والترحيب والسؤال عن الأحوال والصحة مع الفنان أبوهاشم، وماهي إلا هنيهة إلا وقدمت لنا فناجين الشاي العدنية التي أرتشفناها بتلذذ في حين كانت أذاننا تصغي للمرشدي متصدر مجلسنا وهو يشكر حضورنا ووفاء الدكتور عبدالعزيز صالح بن حبتور الذي درج على التواصل مع كل معارفه القدماء وأصدقاءه والاطمئنان عليهم وزيارتهم ولم يقطع الصلة بهم ولم يجحد بحقهم ودورهم الإنساني والوطني.
وفي المحضرة يلج المرء منذ الوهلة الأولى إلى عالم خاص ذو نكهة عدنية خالصة إنه عالم الفنان محمد مرشد ناجي الذي جسده في هذه الصالة الأثيرة إلى نفسه والتي يقضي فيها معظم وقته مع ضيوفه ومحبيه، حيث تعتلي جدرانها صور المرشدي مع كبار الفنانين والشخصيات الوطنية الذين أحبهم وأحتفظ بصورهم معه في أفضل بقعة لديه.
وفيما تتصدر آلة العود مكاناً متميزاً في المحضرة تعبق رائحة البخور العدني في الصالة معلنه ترحيبها بالحضور وتزكي أنوفهم بأطيب الروائح العطرة، إلى جانب "المرشدي" هذا الرجل الذي وهب لنا أعذب الألحان وأجمل الأغاني، ليكتمل المشهد الحضاري المدني الراقي فيما نحن نشاهد في واجهة المحضرة عدد من الميداليات والدروع والشهادات التقديرية التي منحت لأبوهاشم طوال رحلة العطاء الفني له.
بود وتواضع الكبار بادرنا الفنان أبوهاشم بالحديث عن أحوالنا، ثم عن أحوال البلاد التي لم تغب عنه وعن اهتماماته الفنية منذ بداية مشواره الفني، ورغم متاعبه الصحية وبلوغه الثمانين وبضع سنوات من العمر، إلا أن الهم الإنساني العام ظل شغله الشاغل ومحور إهتمامه ومتابعته وتفاعله معه.
أحوال البلاد والعباد:
دارت أحاديثنا عن أحوال البلاد، والأزمة التي تمر بها حالياً وتداعياتها المختلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً، وتأثيرها على أمن الناس واستقرارهم ووضعاهم المعيشية.
تألم المرشدي لمعاناة الناس في عدن وفي عموم البلاد جراء تداعيات الأزمة الحالية وعبر عن مشاعر إنسانية مرهفة تجاه مايواجه الناس من اضطراب في الوضع المعيشي والأمني وتراجع المستوى التعليمي وتضرره جراء نزوح الآلاف من محافظة أبين إلى عدن، أخذ الحديث عن حال البلاد وإعتمالاتها المختلفة حيزاً غير هين من حديثنا في هذا اللقاء الأثير إلى النفس، حتى دعينا الله عز وجل أن يحفظ البلاد وأهله من السوء، وأن يخرج الوطن من هذه الأوضاع وهو ينعم بالأمن والأمان والاستقرار والازدهار.
وأخذنا الحديث بعد ذلك إلى شأن أخر، وعاد بنا القهقري إلى حقبة الزمن المزدهر في عدن، وتنهد المرشدي مراراً وهو يتذكر تلك المرحلة من تاريخنا، تحدث الرجل عن ازدهار الفن والأدب والثقافة والاقتصاد.. حينذاك، وكيف كان الناس في عدن يتسابقون لحضور الحفلات الغنائية التي كان ينظمها الفنان محمد مرشد ناجي وأحمد قاسم، وأبوبكر سالم بالفقيه، ومحمد محسن العطروش، ومحمد سعد عبدالله، وخليل محمد خليل، ورجاء باسودان، والعزاني،وصباح منصر..الخ، وقبلها الفنانين الكبار والرواد عمر محفوظ غابة، والشيخ علي أبو بكر باشراحيل، وألماس، والجراش، وسالم بامدهف، وباشامخة، محمد جمعة خان، وعوض المسلمي، والعازف المكي، والمنلوجست فؤاد الشريف.. الخ، الذين ازدهر فن عدن بهم وازدهروا هم بفن عدن وبيئتها الحضرية والمدنية المنفتحة الرائدة في كل الجزيرة العربية.
حقبة الستينيات المزدهرة:
تحدث فناننا ومضيفنا الكبير الفنان محمد مرشد ناجي مطولاً عن حقبة الستينيات من القرن العشرين، وكيف كانت عدن حاضنة لكل من يقدم إليها من المناطق المحاذية للمدينة والتي أرتبط تاريخ عدن بها، كلحج وأبين وحضرموت، وشبوة، وبقية المناطق والمدن في الجزيرة العربية والمدن البعيدة، وقال أن عدن احتضنت أبناء عمان، ودول الخليج العربي، وتعز، والحديدة، والصومال، والهند، وأثيوبيا، وجيبوتي.. وغيرهم، وقدمت خيرها لكل من قصدها، وفتحت أبوابها لكل طالب رزق أو علم، أو أدب، أو قيم مدنية وحضارة وحرية وإنسانية.
سرد لنا المرشدي كيف شهدت عدن أبان الستينيات ريادة في حرية الرأي والتعبير والصحافة الحرة، وتشكيل التنظيمات والأحزاب السياسية، وازدهاراً اقتصادياً غير مسبوق وسبقت دولاً كثيرة في جعل مينائها حراً أمام التجارة وحركة البضائع على مستوى العالم وبنيت فيها أكبر مصفاة للنفط في الإقليم، ما أدى إلى هجره واسعة من مدن ومناطق متعددة إليها، وأبرزها هجرة أبناء تعز والحديدة، وصنعاء، للعمل فيها وكسب الرزق والتمتع بمدنيتها وتألقها المدني بكل ماتعنية الكلمة من دلالة وسلوك متقدم وإنساني راقي بآفاقه الاجتماعية والثقافية والأدبية والفنية والسياسية والتجارية.. الخ، وكذا هجرات من الهند والصومال والحبشة وجيبوتي وإرتيريا وعمان.. وغيرها.
وجالت بنا ذاكره المرشدي في تلك الحقبة إلى الإبداع المتفجر في كثير من المجالات بفعل البيئة المنفتحة والمدنية التي أتاحتها عدن لكل من قدم إليها، فأغاني تلك الحقبة لازالت الألسن تلهج بها ولازالت القلوب تجد في كلماتها تعبيراً صادقاً عن مايختلج بها من مشاعر وأحاسيس الحب والهيام، ولم تستطع العقود التي تلت ذاك العقد أن تأتي بأشعار أو أغاني أو ألحان، مثلما جادت بها حقبة الستينيات من القرن العشرين، ولم يستطع الناس في عدن أن ينسوا حتى الآن أسماء أسعدتهم بالكلمة واللحن والأغنية والترنيمة الغائرة في الوجدان مثلما أسعدتهم أغاني محمد مرشد وعطروش وأبوبكر بالفقية، ومحمد سعد، وخليل محمد خليل، ومحمد جمعة خان..ا لخ.
وواصل فناننا الكبير أبو هاشم ومسواط، عرض شريط ذكرياته وحدثنا عن مناكفات أهل السياسة في عدن في الستينيات ومستوى الديمقراطية الراقية التي كانت تمارس، ومناكفات الكُتاب والصحفيين والسياسيين في صحف الأيام وفتاة الجزيرة، والجنوب العربي، والذكرى، والنهضة، واليقظة.. الخ.
وتذكرنا معاً كيف كان المثقفين يناهضون الاستعمار البريطاني في الصحف وحتى في الإذاعة، وكيف تأثر الناس بالثورة المصرية وبجمال عبدالناصر الذي دعم ثورة 14 أكتوبر وفتح معسكراً للتدريب في تعز "في الجمهورية العربية اليمنية حينذاك، وبعد الإطاحة بالحكم الظلامي المتخلف للإمامة وزوال المملكة المتوكلية اليمنية"، لتدريب ثوار 14 أكتوبر، إضافة لتدريب عدد أخر منهم في جمهورية مصر، وقيام الزعيم العربي الخالد بإمداد الثوار بالسلاح من مصر، وخصص برامج كاملة ونشرات إخبارية عن ثورة 14 أكتوبر في إذاعة القاهرة، وإذاعة صوت العرب التي كان لها تأثير كبير على أهالي عدن ومناطق ومدن إتحاد الجنوب العربي وقتذاك، والمحميات الشرقية في شبوة والصعيد والمكلا وسيئون وتريم حتى المهرة.
دور الفن والثقافة:
وتطرق في حديثة إلى دور الفن والمنولوج والشعر والأغنية في مساندة نضال الشعب ضد الاستعمار البريطاني، وكيف كان الفنانون في عدن "وهو من أبرزهم" يسجلون أغانيهم الوطنية والحماسية سراً في عدة استوديوهات سريه بعدن "كأستوديو العزاني الشبواني بالمنصورة بعدن"، ثم يقوموا بتوزيع أشرطة الأغاني والأسطوانات سراً ونشرها بين أوساط المجتمع، وأدت إلى استنهاض همم الشعب ومناضليه وشبابه الثائر وإشعال الحماسة في نفوسهم والتحريض ضد الاستعمار ووجوده، مضيفاً أن الأغنية الوطنية أسهمت كذلك في بلورة أفكار وأهداف الثورة وفضح المستعمر ومخاطر بقائه في البلاد.
وعرج في حديثة المشوق مع الحضور إلى أحوال عدن في حقبة الستينيات ورحل بنا إلى أسواق كريتر وأذواق الناس حينها في اللبس، وإرتداء الناس للملابس الحديثة، فالرجال يلبسون القمصان "شمزان"، والبنطلونات، ذات الماركات العالمية المشهورة حينها كماركة "فان زين" البريطانية، والأحذية الجلدية الفاخرة ماركة باتا، في حين ظهرت في عدن موضة ملابس الشنن للنساء التي غنى عنها الكثير من الفنانين الشعبيين، وماتلى ذلك من تأثر النساء في عدن بملابس الفساتين الأوروبية التي انتشرت كثيراً في المدينة آنذاك.
ووصف لنا كيف كانت عدن تعج بالبضائع والسلع والمواد الغذائية من مختلف أرجاء العالم، وكيف كان السواح يأتون إلى عدن للتبضع وشراء حاجياتهم وشراء الهدايا قبل مغادرتهم للمدينة، وكيف أضحت المدينة حينذاك قبلة لكل من أراد أن يغير حياته ويريد أن يتنسم عبير المدنية والحضارة.
مناخ حرية الرأي:
فقد عرفت عدن حرية العمل الحزبي والسياسي التي تجلت أبهى صورها في حقبة الستينيات من القرن الفارط، فظهر السياسيين وتياراتهم اليمينية واليسارية والدينية والقومية، والاتحادية الفدرالية كنظام سياسي للمحميات الشرقية والغربية ومستعمرة عدن.. الخ، وتعدد وجهات نظر السياسيين تجاه الوجود الاستعماري في الجنوب، فمنهم من طالب بخروج المستعمر بالعنف الثوري والنضال المسلح، ومنهم من أيد إستمرارية دولة إتحاد الجنوب العربي بعد رحيل الاستعمار البريطاني الذي أعلن أنه سيخرج من البلاد في يناير 1968م، ومنهم من رفع شعار النضال السلمي ضد المستعمر حتى جلائه.
وكشف فناننا القدير "المرشدي" بأنه ظهر حينها السياسيين الصادقين والمناضلين الحقيقيين مع قضيتهم بنيل الاستقلال عن المستعر، وظهر كذلك السياسيين الانتهازيين أو أولئك الذين يريدوا ركوب قطار النضال الوطني والاستفادة من الهبة الشعبية العارمة ضد الوجود الاستعماري "وهي ظاهرة لازمت كل الحركات التحررية في العالم كله"، مشيراً أن ثورة الشعب في الجنوب لقيت موازة كبيرة جداً من الزعيم المصري والثورة المصرية التي رفعت أعلامها وصور جمال عبدالناصر في كل المدن بعدن والمحميات الشرقية والغربية آنذاك، وفي كل المظاهرات المنددة بالمستعمر.
ويعود الفضل كل الفضل للشعب في عدن وفي المحميات في الجنوب آنذاك الذين ضحوا وناضلوا حتى نيل الاستقلال الوطني الناجز في الـ 30 نوفمبر1967م، ورفع علم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية في مقر الأمم المتحدة كدولة مستقلة تنظم للمجتمع الدولي، كما يجب الإعتراف بدور الثورة المصرية والزعيم جمال عبدالناصر في دعم الثورة منذ انطلاقتها في 14 أكتوبر1963م حتى تحقيق الاستقلال في 1967م.
مهد العمل النقابي:
فعدن كما يقول مضيفنا وفناننا الكبير أبو هاشم ومسواط كانت مهداً للعمل النقابي في الجزيرة العربية، ففيها تأسست أرقى وأقوى نقابات للعمال ومارست العمل النقابي المدافع عن العمال أكانوا من أهل عدن والمناطق المرتبطة بها تاريخياً وسياسياً أو من المناطق الأخرى التي وفد أبنائها أليها كتعز والحديدة وصنعاء والصومال والهند وجيبوتي وإثيوبيا وعمان.
فنقابة العمال ناضلت لكي يتم إلغاء البطاقة الصفراء "بطاقة العامل الأجنبي" عن أبناء تعز والحديدة وإب صنعاء، ونقابة العمال ناضلت ضد الاستعمار وطالبت بالاستقلال، وتبنت وجهة النظر المضادة للمجلس التشريعي "البرلمان"، وهي أول من رفع شعار الوحدة العربية، ومنها خرج أول من نادي بالوحدة اليمنية لأول مرة في التاريخ وهو النقابي محمد عبده نعمان "أسس بعد ذلك مع المناضل الكبير عمر الجاوي السقاف، حزب التجمع الوحدوي اليمني في عام 1990م"، رغم أن حركة الأحرار اليمنيين التي لجأت إلى عدن لم ترفع شعار الوحدة ولم تتحدث عن الوحدة اليمنية مطلقاً وكان نضالها يقوم على إسقاط أو إصلاح حكم الإمامة في المملكة المتوكلية اليمنية فقط.
ففي مدينة عدن وجدت حركة الأحرار اليمنيين كما هي بقية الحركات الثورية العربية والإقليمية الأخرى البيئة الحضارية والمجتمع المدني والوعي الإنساني الراقي الذي قبل وآزر وأحتضن الجميع، واستوعب العرب والأفارقة والهنود دون تمييز أو انتقاص أو إستعلاء، وأستطاع كل من يلوذ إلى عدن أن يحصل على المأوى الأمن والقبول الكريم والدعم المادي والسياسي من أهل عدن.
ذكر فناننا الكبير المرشدي دور السياسي الكبير وأبو الأحرار والمناضلين محمد علي الجفري في النضال الوطني ضد الاستعمار وفي تأسيس أول حزب سياسي في الجزيرة العربية "رابطة أبناء الجنوب العربي"، وكذا دور السياسي والنقابي المخضرم عبدالله الأصنج وكثير من وجهاء وتجار عدن الذين قدموا الدعم المادي السخي لحركة الأحرار اليمنيين ورموزهم "النعمان، الزبيري، العمري، العيني،.. الخ"، ووفروا لهم كل مايحتاجوه ليقضوا مدة وجودهم في مدينة عدن "حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين"، بيسر وأمان وكرامة وفتحوا لهم صحفهم ليسطروا مايريدوا أن يكتبوه والمنابر والمنتديات لقول كل مايحلوا لهم، وللتعبير عن معارضتهم لحكم الإمامة في المملكة المتوكلية اليمنية حينذاك، - رغم إنهم لم يتطرقوا مطلقاً للاستعمار البريطاني في عدن أو للوحدة بين الدولتين القائمتين وقتذاك "إتحاد الجنوب العربي"، و"المملكة المتوكلية اليمنية" - "وتؤكد ذلك صحيفتهم التي أصدروها بعدن".
تاريخ الأغنية والفن:
تذكر الفنان المرشدي في حديثه معنا عن جزء من حياته كمؤرخ للفن ولتاريخ الأغنية واستعرض لنا عدد من المؤلفات التي كتبها ونشرها ككتاب "أغنيات شعبية" و"الغناء اليمني ومشاهيره"، و"صفحات من الذكريات" و"أغنيات وحكايات"، ومنها قيد النشر ككتابه الأخير الذي عرضه علينا في مجلسه أمس والذي دون فيه كل الأغاني التي غناها طوال حياته.
وبين المرشدي غنى "وأصالة" تراث عدن الغنائي وتأثره وتأثيره بالألوان الغنائية والموسيقية الأساسية والأصيلة في الجزيرة العربية كاللون الغنائي والفني والموسيقي اللحجي والحضرمي واليافعي والشبواني، التي ازدهرت وانتشرت في ظل عدم وجود ملامح لأي لون غنائي أخر في الجزيرة العربية، فمثلاً كان الغناء والموسيقية محرماً في صنعاء حتى عام 1962م.
وعلى ذكر الفن والغناء الذي كان الحديث عنهما هو الغالب في لقاءنا هذا طلبنا من فناننا المرشدي أن يرينا ويسمعنا شيئاً من مكنونه الفني النادر، فما كان منه إلا أن طلب من أبنه هاشم أن يفتح الدولاب الخاص بحفظ الأشرطة والأسطوانات الممغنطة "سيديهات" ويشغل جهازي الفيديو والتلفاز ليرينا ويسمعنا نفائس من هويتنا الفنية، فما كان من الجميع إلا الصمت المطبق والاستغراق في حالة عاطفية من المشاعر الإنسانية السامية والاستمتاع بالصوت الهادر واللحن الحالم المنساب من جهاز التلفاز، وقد كانت المفاجئة إذ إننا استمعنا إلى أغاني لم تذاع من قبل رغم أن الفنان المرشدي غناها قبل نحو خمسة وعشرين مضت، وكان الاندهاش الأكبر أن وسائل الإعلام المحلية (المسموعة والمرئية)، لم تقم ببث هذه الأغاني رغم تأكيد الفنان المرشدي بأنها موجودة في مكتبة تلفزيون عدن الفضائي، وإذاعة عدن، وبدورنا نسأل عن أسباب عدم بث هذه الأغاني في وسائلنا الإعلامية رغم إنها أغاني وطنية خالصة ولاتنتمي إلى أي تيار أو فكر سياسي بعينة.
أغاني لازالت بالأرشيف:
وكان بالإمكان أن يؤدي بث أغاني الفنان المرشدي المحجوبة عن محبيه حتى الآن في إرشيف تلفزيون وإذاعة عدن، إلى تعريف عشاق المرشدي على جانب من أغانية التي تميزت بطابع خاص وهوية متميزة مزجت للفكلور الغنائي من مختلف مناطق البلاد في قالب فني غنائي متفرد جمعت بين التراث والأصالة والمعاصرة التي أضفت اللحن والأداء الجديد لها، مع احتفاظها بروحها القديمة والأصيلة.
فمن منا لايطرب عندما يستمع إلى كلمات فلكلور محافظة أبين "علمسيري على أمسيري، ألا بسم الله الرحمن، ياهلا بك وباهلش وبالجمل الذي حملش"، والأغاني الفلكلورية الجميلة مثل: ليه يا بوي، يا عيدوه.. يا عيدوه، يا غارة الله، يا حبايب، لاوين أنا لاوين، بانجناه، يا بوي أنا شي لله وغيرها من الأعمال العظيمة.
وقد تعامل "أبو هاشم" مع أغلب المقامات الموسيقية الشرقية العربية واستخدمها في أعماله منها: السيكا، النهوند، البيان، الأصد، الهزام، الحجاز، والحجاز كار كورد، وغيرها من المقامات الأخرى، مما يجعله من أبرز الفنانين في بلادنا وأحد مداميك "الغناء التجديدي الحديث"، الذي قدم الموروث والفلكلور الغنائي بكل ألوانه وإيقاعاته المختلفة والمتعددة بأسلوب جميل ومؤثر. وبرؤى ومعالجة فنية حديثة جعله يحتفظ بأصالته وهويته في قالب جديد.
ذاكرة الفن المهملة:
ودون شك فان إعادة بث أغاني الفنان المرشدي المحجوبة سيعبر أيضاً عن شيء من العرفان والتقدير من المجتمع للرجل ولدوره الثقافي والفني والوطني ولتطويره للتراث الغنائي وإبرازه لردح طويل من الزمن، إلى أن ألم تعب سنين العمر بفناننا الجميل ومنعه عن القيام بأي نشاط غنائي منذ أعوام، واستقرّ في بيته، يتابع أخبار الناس والعالم على شاشة التلفزيون، ويحاول أن يدون شيء من هويتنا الفنية متى ماأستطاعت أنامله أن تخطت كلمة أو سطراً في كتاب حياته الزاخرة إن شاء الله.
أن ذاكرة الفنان المرشدي تعد مستودعاً ضخما يصعب في لقاء واحد التجوال في كل أروقتها أو التعرف على كل مكنوناتها، والأمر دون شك ينبغي أن تضطلع به مؤسسات بحثية لاستخراج ماتختزله ذاكرة الرجل، ولعل صفة التوثيق وحفظ التراث والتاريخ ميزة غير موجودة لدى الجهات المعنية في بلادنا ! فهل يعقل أن تغفل كل مؤسسات التوثيق ووسائل الإعلام المختلفة عن الالتقاء بالمرشدي ومحاورته واستخراج كل مخزونه عن الأحداث والوقائع التي عاصرها طوال ثلاثة وثمانون عاماً هي سنوات عمره المديد بإذن الله.
إننا نوجه دعوة عاجلة للمؤسسات البحثية، وإلى قناة عدن الفضائية، وإلى مراكز البحوث في البلاد إلى القيام بدورها في الحفاظ على تاريخ الأمة وتوثيق كل ماتحتويه ذاكرة من عاصر أحداث أمتنا بمختلف جوانبها، كي لايضيع جزء مهم من تاريخها في غياهب اللامبالاة والإهمال، وحتى لايأتي يوم نلوم أنفسنا بأننا لم نستغل شخصيات مهمة أسهمت في مرحلة مهمة من تاريخنا غير المكتوب حتى الآن.
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas