أوبريت كنوز شبام.. بحضرموت

[حد من الوادي]

أوبريت كنوز شبام.. بحضرموت

استطلاع وتصوير ـ سعيد الصوفي

هذا الاوبريت بعد أن تم استعراضه في حفل تكريم مدينة شبام حضرموت بجائزة الاغاخان وصفه وزير الثقافة د.محمد أبوبكر المفلحي بأنه عمل رائع وقال لي حين سألته عن مدى اعجابه بأداء الاوبريت حيث كان متفاعلاً مع كل فقراته قال: لقد تفاجأت بهذا العمل وكنت لا أتوقع أن يخرج بهذا الأداء الجميل والرائع لأن الذين أعدوه لاينتمون إلى فرق موسيقية بل إلى فرق شعبية لاعلاقة لها بالعمل الرسمي في الفنون والموسيقى والرقص

يحكي اوبريت العمارة الطينية «كنوز شبام» عن طريقة البناء الطيني ومايستعمل فيه من أدوات العمل اضافة إلى عدد المنفذين لعمل البناء وجاءت فكرة اعداد هذا الاوبريت مجرد فكرة لا أقل ولا أكثر كما يقول محمد بن عمر بن طالب ـ رئيس فرقة الموسيقى والفنون الشعبية بمديرية شبام حضرموت.

ويضيف بن طالب: لكننا من خلال هذه الفكرة رأينا في هيئة فرقة الموسيقي والفنون الشعبية بالمديرية أن عمل مثل هذا الاوبريت بحاجة ماسة إلى بذل جهود كبيرة لإظهاره واخراجه إلى حيز الوجود بصورة دقيقة وعمل دؤوب تستطيع الفرقة بانجازه وابرازه بعمل متكامل وقال :أن الهيئة الادارية للفرقة استحسنت طرح هذه الفكرة على عدد من أعضائها الذين توجد لديهم معرفة كاملة عن كيفية البناء بالطين والتعرف على الأراجيز وخطوات البناء المرتبطة بعمال البناء فوجدنا أن هناك رغبة من الجميع في التنقيب على شيء مرتبط بهذا العمل، وبعد فترة ليست بقصيرة قمنا بتجميع الكثير من خطوات البناء واستفدنا من معالمة البناء القدامى والذين لهم خبرات وتجارب في هذا العمل.
جمع المعلومات

ومن هنا بدأت الفرقة بتجميع ماتوصلت إليه من المعلومات وبادر كل من له صلة بالموسيقى والشعراء والمخرجين والمنفذين لهذا العمل من أجل تطوير الفكرة لإخراجها قدر المستطاع إلى الواقع وعرضها بالشكل الذي ظهر أمام المشاهدين ضمن هذا الاوبريت.
عمل جماعي

وقد ساهم في اعداد واخراج هذا الاوبريت، كل من فرقة الموسيقى والفنون الشعبية بمديرية شبام بصورة عامة وقد عمل الاستاذ صالح سعيد ودعان على تجميع الاغاني والالحان التراثية فيما عمل أحمد جمعان هويدي على تطويع الاغاني والالحان التراثية للموسيقى والايقاعات بالاضافة إلى المقطوعات الموسيقية، وشارك في الوصف عدد من الشعراء وهم محمد سعيد قحطان، محمد عمر بن طالب، سالم مبارك بن زيلع، وجمعان سالم دعكيك، وتم اخراج الاوبريت من قبل عازف الاورج أحمد جمعان هويدي موسيقى وايقاعات وتولى محمد سعيد قحطان مهمة المخرج المنفذ، تولى الاستاذ ربيع صالح بلسود كتابة التعليقات في الاوبريت.
توثيق التراث الشبامي

ويؤكد بن طالب رئىس الفرقة الموسيقية أن هذا العمل هو بمثابة توثيق لأعمال البناء بدءاً بالساس وانتهاءً ببناء الطابق الأول للبيت الشبامي وقال: لايكاد عمل من أعمال البناء يخلو من الترنيمة أوالرقصة التي تصاحب العمل، فالرجل الشبامي لايستغني عن الغناء والارجوزة وهو يمارس الأعمال الشاقة والمتعبة عل وعسى أن تخفف عنه بعض مايلقى من عناء أعضاء الاوبريت وكل من ساهموا في اعداده ودعمه ونجاحه عملوا جاهدين في نبش هذا التراث الشعبي وألبسوه حللاً جديدة لكي تتعرف عليه الاجيال الحاضرة والقادمة.

وبحسب رئيس فرقة الموسيقى أن الهدف الأول والأخير من هذا الاوبريت هو توثيق بعض ماتم تجميعه في هذه اللوحات التي سمعها وشاهدها الحضور في مهرجان شبام.
واستعرضت اللوحة الأولى من الأوبريت عملية بتريم الحصى العشب، وبدأت ببيت الشعر القديم من التراث:
بومسلّم قال هاشوني«1» رجال اللايمة لي يحبون البقش«2»
والنبي لاحس نفسي باتبيت سالمه عند هزات النمش«3»
بينما المقطوعة التالية وهي من أشعار جمعان سالم دعكيك تقول:
فصل والثاني بغى بروت بتريم «4» الحصى
خرجوا أسهم وساس
بالمخالع«5» الكبيرة يالرجاجيل القوى
بالبصر شده وباس
زيّن النقشة حصاتك خلها تظهر سوى
لكسرها شلك مقاس
أومثيل الظفر شي مدروج وشي ازدوى
خرجوا أركان ساس
بعد حفر الأرض ساس الدار ذلحين استوى
عالمقادير الأساس
بانروس بالمدر الله مع كل من نوى
للبناء فينا حماس.
مرحلة ماقبل البناء

تحكي هذه اللوحة عن مرحلة ماقبل البناء وهي احضار الحجارة الكبيرة من الهضاب المتاخمة للمدينة تم تكسير هذه الحجارة إلى أحجام صغيرة يسهل نقلها إلى مكان المبنى لعمل الساس الاساسي للبيت الشبامي لعل كلمة«تبريم» جاءت من الكلمة العربية الفصحى وهي البرمة«جمع برم» وعاء من الحجر.
بتريم الحصى

وعلى هذا الاساس يكون التبريم هوتطويع الحجارة الكبيرة وتحويلها إلى حجارة بحجم معين وفق مقاسات متعارف عليها.
ويؤكد باصويطين، أمين عام جمعية حماية العمارة الطينية أن البتريم للحصى يُعد عملية شاقة ويحتاج إلى جهد غير عادي عضلي وذهني في آن واحد لتكون الحجارة صالحة وفق المعايير المتعارف عليها بين عمال بناء الساس حتى يبنى البيت على أساس متين وقوي لتبدأ مرحلة البناء بالمدر«اللبن من الطين والقش».
وتعبر اللوحة الثانية من الاوبريت عن «حمل الغارب لجلب الماء لخمر الطين» يقول بيت الشعر القديم:
ليه ياعتشان تسقينا صبر في الحنجره

ماعبر لي في الوريد
وتعني كلمة عتشان، لقب لأحد العمال وتقول المقطوعة الشعرية في هذه اللوحة وهي للشاعر محمد سعيد قحطان:
ياكريم الوجه باطلبك تفتح بابنا
يومنا يعبر سعيد
الغوارب قد حملناها كما شيباننا
عن خطاهم مانحيد
الحمولة ماء وعود الغرب جنب رقابنا
بأسنا والله شديد
لجل خمر الطين واجبنا نشد أصلابنا
النكاسل مايفيد
صاحب المقلب بهمة يشتغل ماعابنا
حصل اللي هو يريد
مقلبه سابح وعشق كم رعه شبابنا
باتطلي في طريد.
اعداد اللبنة

وتحكي هذه اللوحة عن مرحلة اعداد المدر«اللبنة من الطين والقش» وهي المرحلة الأولى وتخصص ساحة لهذه المرحلة وهي ساحة جامع المدينة«شبام» حيث فكر الشباميون في الاستفادة من ماء«البرك» التي يتوضأ منها المصلون وهذا بحد ذاته يعد ترشيداً لاستخدام المياه، فبدلاً من أن تهدر وتسبب ضغطاً على المجاري المفتوحة آنذاك، جاءت فكرة«الحومة» وهو عبارة عن حوض كبير تجمع فيه مياه البرك والجوابي ومن هذا الحوض يحصل العمال على المياه الكافية لخمر الطين«عجنه» فبعد أن يكون الطين المخلوط بالتبل تأتي مهمة حاملي الغوارب لتزويد صاحب المقلب بالماء المطلوب لعجن الطين ثم حمله ووضعه في قوالب خاصة في المرحلة المصاحبة لها وهي مرحلة الضروبة.

بداية الضروبة
وتتحدث اللوحة الثالثة وكذلك الرابعة عن بداية الضروبة إلى تجهيز المدر ونقله إلى موقع البناء وفي هاتين المرحلتين يقول الشاعر محمد سعيد قحطان:

بابدا بالله يجنبنا لمحن
بالرجاجيل النشام
يسبح المقلب معلمنا تهيأ في سهن
للعمل زر الحزام
حملوا له حين خلوا الطين قدامة عكن
شغلوا المفتل دوام
والطبين الجيد بايذبح كليفات السمن
قال ظلوا له قيام
الرعة تعجب وحر الشمس قوة للبدن
مهنة الناس الزعام
الشباميون صنعوا كنز غالي في الثمن
كنز في التاريخ هام
يكفي الانسان لو أسس بجهوده سكن
داخل الصفراء شبام
بلدة التاريخ والآثار من سابق زمن
والتراحم والوئام
ويقول المقطع الثاني للشاعر نفسه:
علينا الشمس غابت وفي المقلب غزارة
بغينا بانثمه وباتجينا البشارة
رجاجيل الضروبة لهم دائم امارة
وبايجيبوا الجمالة وكل شد باره
وتمنينا الضروبة لقينا كل غاية
ملانة بالمدر ساحة الجامع كفاية
ومن دحق السقل والنشر يبغي حماية
ولما تمر يومين بغالة يوم تنشير
وتضربة الشمس يوم ويبغي يوم تحمير
ويتحمل إذا تم ساس الدار في خير
ويبدوا بالبناء به عاحسب المقادير.
تشكيل الطين

وفي هاتين اللوحتين يعني مصطلح الضروبة وهو تشكيل الطين المعجون في قوالب خاصة تسمى المفتل فبعد أن تتجمع كميات كبيرة من الطين المعجون يبرز دور حامل الرعة وهي أداة من الخشب يحملها اثنان تستخدم لحمل الطين المعجون إلى المعلم الذي يقوم بتشكيله في القوالب.
وفي هذا العمل يتبارى حمال الرعة لجلب الطين المعجون حتى لايتوقف المعلم ومما يجدر ذكره أن حاملي الرعوت في ايابهم وذهابهم يرددون الاهازيج والأشعار.
تفاعل هواة الشعر

والجميل في هذا أيضاً أن هواة الشعر في مدينة شبام عندما يمرون في ساحة الجامع ويشاهدون العمال مرددين الأشعار المغناة لايبخلون عليهم ببيت أوبيتين من الشعر.
وهكذا يستمر العمل الجاد والمتواصل حتى يكتمل الطين أو تمتلئ الساحة بالمدر، إلا أن العملية لاتكتمل فعلى حد قول الشاعر«ومن دحق السقل والنشر يبغي حماية».
فالمدر في اليوم الأول من اعداده بحاجة إلى صيانة حتى لايتعرض لأقدام المارة من أطفال أوحيوانات.

وبعد يومين يجف المدر وتبدأ مرحلة التنشير وهي قلعة من الأرض لتضربه الشمس ويصبح قوياً صلباً حينها تأتي مرحلة«التحمير» وهي تجميع المدر في شكل مستطيلات هندسية بديعة إلى أن يحين موعد نقله إلى مكان البناء.
أما اللوحة الخامسة وهي مرحلة بناء الساس بالمدر يقول فيها الشاعر محمد عمر بن طالب:

ياالله بدعوة مجابة
والعرش مفتوح بابه
الساس بالله طرحنا
وابليس منه طردناه
من كل حاسد حميناه
هاتوا مدر للمعلم
من شان بالخيط يعلم
والله بالخير يكرم
لاتطرحون المشدة
كلين يعمل بجهده
خلوه ورده بورده
والفرق خلوه طيب
بالتبل لاخد يخيب
من شان يبقى مصلب
يابخت لي بايحله
مبروك له هو وأهله.
بناء الساس

وتعرض هذه اللوحة اللمسات الأولى في بناء البيت وهي ساس المدر وللشباميين عادات وتقاليد يمارسونها في مثل هذا اليوم.. فالحديث عنها يطول ويصعب تناولها في هذه العجالة.
فالمعلم جاهز وقد وضع الخريطة المقترحة للبناء فمن هذه اللحظة تبدأ أصعب مراحل البناء وأكثرها دقة، فالمقاسات والمقادير والمسافات لابد أن تكون مدروسة دراسة كاملة، فمثلاً كميات التبل التي ستخلط مع الطين المعجون للفرق وهو الطين المستعمل لربط المدر وشد بعضه بعضاً لبنايته، فإذا تأكد المعلم من صلاحية كل هذه المقادير بدأ في عمله بجد واجتهاد واخلاص في وضع الساس.
وفي اللوحة السادسة «مولى المدرونيه»
يقول البيت الشعري القديم:
مولى المدرونيه مولى المدرونيه
مولى المدرونيه لي يعرف الماجوب
وفي هذه اللوحة يقول الشاعر سالم مبارك بن زيلع:
مولى المدر حاضر صبح من البكر
عشرون عبادي رصة على أمتانه
حمل المدر جابر ماقال باخاير
منه الركب تشكي وتصيح سيقانه
ماقال أنا ضاجر من شغله التاجر
لجل السقل صابر ماغمضت أعيانه
أهل الكرام والجود نعمك طبانتنا
يسر وحط العود الطلي في رصانه
الخير جم موجود بايعم جيرانه
اللوحة تتحدث عن نفسها، فالمعلم سابر في عمل وعلى حامل المدر أن يبذل قصارى جهده في احضار كميات المدر المطلوبة حتى لايتوقف المعلم وينعم الجميع بالخير والسعادة إذا أكملوا البناء.
هوامش
ـ هاشوني ـ سرقوني.
ـ البقش ـ الفلوس.
ـ النمش ـ الجنابي.
ـ التبريم ـ التكسير.
ـ المخالع ـ الآلة التي يكسر بها الجص.
ـ عتشان ـ لقب لأحد العمال.
ـ الغوارب ـ جمع غارب وهو الوعاء الذي يوضع فيه الماء لحمله.
ـ المقلب ـ اكوام الطين المراد عجنه بالماء.
ـ الرعة ـ الاداة المستخدمة في حمل الطين المعجون.

لوحات تاريخيه جميله يعطيك العافيه اخي حد من الوادي تسلم وبلاشك جهد يشكرون القائمين على الاوبريت الذي اظهر بعض من تراثنا العريق 000 الف شكر

[ود احمد]

السلام عليكم وجمعه مباركه ياحبايب عليكم جميعا
ونريد منكم خدمه لمن توجد لديه وهو اوبريت كنوز شبام
فيديوا ولكم منا جزيل الشكر والتقدير وخالص تحياتنا واحترامنا وتقديرنا للجميع

[أبو صلاح]

موضوع تراثي من الدرجة الأولى شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .