مقتطفات من محضرة الداعية علي بن زين العابدين الجفري القاها في جمعية المراة الضبيان

[ابن حضرموت]

بين الصورة والحقيقة
كثير من الخلق تمر عليهم أيامهم ولياليهم لهم صور إقبال على الله وقلوبهم غافلة عن حقائقها.. ما الذي يشغل القلب عن سيده؟ ما الذي يشغل القلب عن مولاه؟ من الذي يشغل القلب عن خالقه؟ أم أي شيء في الوجود يستحق أن يكون سبباً يشغلنا عن خالقنا؟ لا وعزته وجلاله.. لا شيء من خلقه يستحق أن يشغل عنه، ولكنها الأوهام.. الأوهام التي تأخذ بالقلوب فتشغلها في ما لا شاغل فيه ولا شاغل للقلوب عن الرب جل جلاله إلا النفس التي بين جنبينا.. فلولا التفاتاتها ولولا مطالبها ولولا رغباتها ولولا إراداتها ولولا ما تمليه علينا ولولا ما تشغلنا به ما انشغلت القلوب عن الحق الذي لا يختفي بل هو ظاهر جل جلاله وتعالت عظمته.. في كل نفس من أنفاسنا الله ظاهر.. في كل عمل من أعمالنا الله ظاهر.. في اللقمة التي نأكلها في الحركة التي نتحركها في الكلمة التي ننطقها قدرته وإرادته وحكمته وتقديره جل جلاله ظاهر في ذلك كله.


ومن أعظم الآفات.. حب التميز الذي عجنت به نفس الإنسان، فإن النفس البشرية جبلت على حب التميز.. وحب التميز له صورة وله حقيقة.. أما صورته فتعلقها بالصور.. وحقيقتها فتعلقها بالحقائق.









صورته التي تعلقها بالصور هي التي شغلت أكثر الناس اليوم، يحب أن يكون طعامه متميزاً.. من نوع فاخر .. يحب أن يكون تميز له في ثيابه.. يحب الإنسان التميز في كلامه.. يحب إذا تكلم أن الكل يصغي إليه، وكل شؤون الإنسان في حب التميز الصوري مربوطة على هذا الحد، وهذا أمر يشاركنا فيه الكافر.. الكافر عنده حب التميز.. يحب أن يتميز في أكله في شربه في لباسه في هيئته في مركبه في سكنه.. هذا النوع من حب التميز هو حب يشاركنا أيضاً فيه السباع..السباع في الغاب فيهم صفات حب التميز على غيرهم ولهذا يبطشون ويضربون ويبغضون ويؤذون ويقتلون، والإنسان الذي يهمل تزكية نفسه وتطهيرها يكون من شأن هذا الإهمال ومن ثمراته أنه يجعل الإنسان محصوراً على الشكل وعلى الصورة، فيعيش وهو متوهم أنه متميز.. وفي حقيقته هو متحيز.. وبمجرد أن يأتي الوقت الذي تسل فيه روحه من جسده يذوب فيه سائر شأن تميزه هذا ويصبح هباء منثوراً، فلا تميز في كفن يلف فيه.. ولا تميز في قبر يوضع فيه..

فكل تميز صوري غاية ما يصل بصاحبه به أن يوصله إلى حد موته أما بعد الموت إلى حدود القبر ينتهي التميز، والساعة التي يهال فيها التراب على الرؤوس.. وتنازل ظلمة الغربة قلوباً لم تعرف سر التميز الحقيقي الباطني.. سيتحسر الإنسان لأن الفرصة الوحيدة لتحققه بحقيقة التميز هي الحياة التي يعيشها في الدنيا..









مبدأ حقيقة التميز المجبولة نفسك على حبه أن يسوقك حب التميز إلى البحث عن حقيقة التميز.. وحقيقة التميز أن تكون صلتك القلبية بالله جل جلاله على قدم الحبيب المصطفى.. صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. وأن تكون صور معاملاتك الظاهرة على قدم الحبيب المصطفى، التميز الذي لا ينتهي في الأكل وهو حقيقة لا صورة لها نيتك في الأكل.. لم تأكلين؟ قالت آكل ليحصل لبدني قوة من هذا الطعام أستعين بها على طاعة الله.. أستعين بها على قيام الليل وصيام النهار.. أستعين بها على فعل الخير والمعروف.. أستعين بها على خدمة زوجي.. على القيام بحق أبنائي.. أستعين بها على طواف أو عمرة إن ذهبت.. أستعين بها على زيارة للحبيب صلى الله عليه وآله وسلم.. أستعين بها على خدمة المساكين والمحتاجين.. أستعين بها على خدمة ربي جل جلاله.. هذه ميزة، الكافر مهما نال من أنواع الطعام.. لو كانت سفرته مثل سفرتك طبق الأصل.. أفخم من سفرتك.. تنتهي الميزة الظاهرة هذه.. لأن الذي يأكل في سفرة قيمة ما فيها 1000 درهم والذي يأكل من سفرة قيمة ما فيها ثلاثة دراهم عند انتهاء هذا الطعام ووصوله إلى البطن سيخرج على مستوى واحد..

لكن حقيقة التميز النية والآله التي تأكلين بها.. غسلك اليدين قبل الطعام ميزة عالية لأن الحبيب كان يغسل يده.. ذكرك اسم الله قبل الطعام ميزة يغفل عنها كثير من الناس في هذا الزمان.. مراعاة أدب الحبيب في الأكل باليمنى وعدم تتابع اللقم وعدم مد اليد إلى اللقمة الأخرى حتى تنتهي من مضغ وبلع ما في فمك.. عدم النظر إلى ما في أيدي الآخرين..








مرض في نفسي.. علاجه أن أعلمها كيف تتميز حقيقة التميز، إذا أردت أن ألبس مرض نفسي يدعوني إلى أن ألبس قيمة كذا وشكل كذا، علاجه أن أصحح نيتي.. لم ألبس؟ ألبس لأستر عورتي.. ألبس لأحتشم كما أمرني النبي صلى الله عليه وسلم.. وأنا ألبس هذا الثوب أتذكر أن قلبي محتاج إلى كسوة كما أن جسدي يحتاج إلى كسوة.. وأني اليوم كاسية وغداً عارية.. وفي اليوم الذي يتعرى فيه جسدي –يوم القيامة- ميزتي أن يكون قلبي قد كسي بكسوة النور وهذا الأمر الذي لا يشاركك فيه إلا من سار على قدم الصلة بالحبيب صلى الله عليه وسلم، الميزة يوم القيامة أني إذا اشتد التعب على الناس وهم عرايا أستظل تحت ظل العرش، هذه الميزة.. هذه الرتبة التي ينبغي أن أعشقها في صلتي، الميزة التي أطلبها عندما ألبس ثيابي أن أترفع وأنزه نفسي أرتفع عن أن تكون هيئتي في لباسي كهيئة كافرة أو فاجرة.. هذه تكشف عضواً منها وهذه تكشف الآخر.. هذه مشغولة بتطويل أو بتقصير لرأسها.. وهذه مشغولة بلون زينة تضعها على وجهها.. وأنا مع إحساني اللباس أبحث عن ميزتي في لباسي وهو خضوعي لربي.. أبحث لي مع هذه الخرقة التي عندما أموت ستذهب ألبس لباس الموت لا ينزعه مني.. أبحث عن لباس الحياء.. أبحث عن لباس الأدب مع الله.. أبحث عن لباس الرحمة.. ألبس ثوب الخشية.. أبحث عن ثوب لألبسه وهو ثوب الوقار.. أبحث عن ثوب لألبسه وهو ثوب المراقبة للرب جل جلاله.. هذه الثياب مهما سطا علي الموت لا يستطيع أحد أن ينزعها مني لأنها حقيقة الميزة.