حضرموت"نجوا من السيول الغاضبة فعاقبتهم السلطة بصندوق إعادة الإعمار..الوجه الآخر لنكبة

[حد من الوادي]

نجوا من السيول الغاضبة فعاقبتهم السلطة بصندوق إعادة الإعمار..الوجه الآخر لنكبة حضرموت

27/10/2009
حسام عاشور ،نيوزيمن:

لمحته بالصدفة ، كان يزاحم عشرات آخرين هم رفاقه المنكوبون يترددون يومياً على مقر صندوق الإعمار، غير أن أحمد سعيد صالح بن طفله البريك، 48 عاماً، كان أكثرهم سخطاً "العزيز دائماً عزيز عمره ما يوطي رأسه وينحني لأحد ويطلب منه شيء، لكن الأمر طال وطول علينا، وماشي بيدنا حيلة" بلهجته البدوية هتف المنكوب بين رفاقه.
البريك بدوي حضرمي أصيل ولد وترعرع في عرمة ودهر بصحراء حضرموت ، وهو الرحال الدائم المشهور بتربية النحل والأغنام والإبل.. والبريك أب لطفلين، وهو أيضاً أحد ضحايا عنف السيول التي اجتاحت محافظتي حضرموت والمهرة فجر الجمعة المشؤومة في 24 أكتوبر من العام الماضي 2008.

والآن البريك صار معدماً قليل الحيلة، وفي باحة مقر صندوق الإعمار ظل صوته يدوي "حرام عليكم، والله العظيم ما هو سوى منكم، أفاء عليكم، هذا لا يرضي الله ولا رسوله، كل واحد يقولك رح عند الثاني ويضيع الوقت وانته من ذا لا ذاك".
منذ 7 أشهر والبريك يواظب على صندوق إعادة الإعمار، تارة مستنجداً وأخرى متوسلاً وثالثة غاضباً، وفي كل زياراته كان يعود منكسراً، وشكا لـ"نيوزيمن" عدم أخذ موضوعه بجدية من قبل المختصين في صندوق إعادة الإعمار.

غير أن المسؤولين في الصندوق أفادوا بأنهم يستقبلون يومياً حالات كثيرة مشابهة لـ"البريك"، لكنها حالات من الصعب التعامل معها، وأصحابها لا يحملون معهم أي وثائق تؤكد أنه متضرر.
يتسلح مسؤولو صندوق الإعمار بكل ما يلزم لتنقية كشوفات الحالات المستحقة للتعويض، وبشأن النحالين ومربي الأغنام برروا رفضهم بعدم وجود آلية متفق عليها لتقييم الضرر ومعرفة المتضرر، وأيضاً لعدم وجود المختصين في هذا الشأن من قبل الصندوق.

فيما البريك ومثله كثير من المتضررين لا يزالون يستعينون لسد رمقهم بصدقات المحسنين وتبرعات الجمعيات الخيرية، على أمل الفرج القادم من صندوق إعادة الإعمار ولجانه المشكلة لتعويض المتضررين من كارثة السيول.
يتحسر ابن الصحراء على الأيام الجميلة التي عاشها قبل أن تقع الكارثة. وطبق روايته لـ"نيوزيمن"، اصطحب زوجته ونحله وأغنامه وإبله إلى منطقة مدودة بمديرية سيئون، واستقر به المقام في إحدى مزارعها.

"جئنا إلى مدودة مع النشِرة –أي الأغنام- وما هن بجم، كلهن 15 رأس فقط، ذلا ترفدناهن ترفاد من بعض من ربعنا مع 90 خلية نحل بعضهن وقعن لي، وبعض عادهن عليّ دين لما اليوم، واثنين من الإبل، الحمد لله بس، كذ نحن منكوبين وعادها جاءت النكبة ونكبتنا".
داهمت السيول الغاضبة المنطقة، جرفت المنازل والمزارع والمواشي، ورجال ونساء وأطفال وقُدر لأبن الصحراء وأسرته أن ينجوا من الكارثة لكنه وقع ضحية آخرى أسمها " صندوق إعادة الإعمار".

"ذهبت إلى مدير عام مديرية سيئون، وسجلت اسمي عنده، وبعد متابعة حصلت على خيمة وقطمة سكر ورز ودقيق وجالون زيت لمرة واحدة فقط، ولم أعط أي شيء آخر بعد ذلك. وقالوا انتظروا. وعندما تم صرف المائة ألف للمتضررين التي وجه بها رئيس الجمهورية، رحنا إلى عندهم قالوا أنتم ماشي لكم أصحاب النحل والأغنام، قلت لهم كيف يصير هذا؟ نحن فقدنا كل مصادر دخلنا الرئيسية، معاد معنا شيء. قالوا المائة ألف بتصرف للمتضررة منازلهم فقط. ولم نعط شيء، قلنا لهم هذا حرام ما هو عدل يا جماعة الخير. وكل مرة نجي إلى الصندوق يقولون عاد كشوفات النحالين والمزارعين ما وصلت، وساعة يقولون أسماؤكم عادها ما طلعت في الكشوفات.. قلنا لهم يا أوجه الخير صرفوا لنا حتى تعويض جزئي، ما حد يسمعك عشان نقدر نصرّف أنفسنا لكنهم رافضين".

ابن الصحراء البدوي الذي اشتهر بتجارة العسل والمواشي أمست أسرته مفككة جراء ظروفه الصعبة، فزوجته الأولى مع طفله أرسلها تقيم عند أقربائه، وطلب منهم أن يتكفلوا بأمر المأكل والمشرب لها وطفلها، فيما زوجته الثانية وطفلها أرجعها لبيت أهلها في منطقة السويري بمديرية تريم، ليصبح هو يشعر بالعجز عن القيام بواجباته تجاه أسرته، ويصب اللعنات على روتين المتابعة في صندوق إعادة الإعمار للحصول على التعويض: "تصدق والله العظيم أن زوجتي مريضة لها كم يوم، وأنا محرج ومقهور ما رحت بها عند الدكتور، لأننا ما عندي فلوس للأكل، فمن وين أجيب فلوس للعلاج ومصاريفه. والمشكلة أننا ما أعرف أحد هنا مقطوع لا أعرف جمعيات ولا أعرف حد. ولأنني بدوي الظاهر ما حد يصدقنا، بالله من يرضى يعيش مبهذل هكذا. تأخروا علينا جم جم جم سنة كاملة لهم، متى بيجي التعويض؟ الله أعلم".

ففي حين لم يتسرب الأمل من فؤاد البدوي وكل المواطنين في التردد على صندوق الإعمار، هناك قرابة 25% من المزارعين المتضررين من الكارثة تمكنوا من إعادة إعمار معيشتهم وإصلاح الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في مزارعهم بمبادرات وجهود شخصية بحتة، في الوقت الذي شكلت فيه لجنة من قبل صندوق إعادة الإعمار من مهندسين زراعيين وممثلين للسلطة المحلية في كل المديريات المتضررة لإعادة حصر الأضرار الزراعية الحصر النهائي المتمثل في الآبار والمضخات والمحركات وقنوات الري الزراعية، والتي ستقوم برفع التقارير النهائية للأضرار في نهاية الشهر الجاري، ليبدأ تعويض المزارعين من شهر ديسمبر المقبل.

ويرى البريك أن كل ما أصابه من وصب ونصب يعد أقل مضاضة على نفسه الحرة من استجداء صندوق إعادة الإعمار. وهذه ليست قصة البريك فحسب، وإنما هي قصة طوابير من المتضررين الصابرين منذ عام من وقوع من الكارثة وهم يتابعون حلقات المسلسل الدرامي الممل مدير رايح ومدير جاي من خلال التعيينات والإقالات المتسارعة لمدراء الصندوق. ويتساءل: هل العيب في ذات المدراء أو في الرأس الذي يقوم بالتعيين والإقالة؟!
في الذكرى الأولى لكارثة السيول.. يتوجه المتضررون إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والمدير التنفيذي لصندوق إعادة الإعمار ومحافظ حضرموت لمناشدتهم النظر في قضيتهم وصرف مخصصات المتضررين من نحالين ومالكي الأغنام والمزارعين الذين فقدوا مصادر دخلهم الرئيسية.