المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي

العودة   سقيفة الشبامي > الأدب والفن > سقيفة عذب القوافي
التعليمـــات روابط مفيدة Community التقويم مشاركات اليوم البحث


كن مثل ( إقبال ) همّاً وشعراً

سقيفة عذب القوافي


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-01-2006, 06:02 AM   #1
الدكتور أحمد باذيب
حال قيادي
 
الصورة الرمزية الدكتور أحمد باذيب


الدولة :  المكلا حضرموت اليمن
هواياتي :  الكتابة
الدكتور أحمد باذيب is on a distinguished road
الدكتور أحمد باذيب غير متواجد حالياً
افتراضي كن مثل ( إقبال ) همّاً وشعراً

قراءة في(مملكة البيان) عائض القرني 27/1/1423
10/04/2002


تعريف بالشاعر
هو محمد إقبال ، شاعرهندي الأصل والجنس والمولد ، ولد في البنجاب عام 1877م

لقد أثر في حياته ثلاثة مؤثرات :
أولاً : القرآن الكريم ، حيث كان محمد إقبال يقرأ القرآن من بعد الفجر إلى طلوع الشمس في كل يوم ، ولا يختم المصحف كما قالوا عنه حتى يبله بالدموع .
لقد كان يتأثر تأثراً بالغاً من القرآن لأنه عرف مشارب الجاهلية ، وقرأ الفلسفة ، وقرأ العلوم الأخرى ، وسافر إلى الغرب وذهب وأتى .
الثاني : اطلاعه الواسع على مختلف الثقافات .
يقول عنه الدكتور الشرباصي : أظنه أنه ما وقع كتاب في يد محمد إقبال إلا التهمه كما يلتهم الطعام .
والرجل ذكي ذكاءً إبداعياً .
الثالث : خروجه إلى العالم بمختلف توجهاته ، حيث خرج أولاً من بومباي إلى قناة السويس ، ثم ذهب إلى أوربا واستقر في لندن فترة من الفترات ، ثم ذهب إلى ألمانيا فحضر رسالة الدكتوراه في الفلسفة ودرس هناك في الجامعة ثم عاد يطوي العالم ، فمر بالعالم العربي ، وكان عند تنقله يلقى ترحيباً واسعاً من العالم .
وكان إذا هبط بلداً سمع الناس بقدومه فخرجوا لاستقباله .
كانت محــــادثة البركان تخبرنا
عن جـعفر بن فلاح أروع الخبر

حــتى التقينا فلا والله ما سمعت
أذني بأحسن مما قد رأى بصري

يقول أبو الحسن الندوي في كتابه ( روائع إقبال ) : وجدته شاعر الطموح والحب والإيمان ، أشهد على نفسي أني كلما قرأت شعره جاش خاطري وثارت عواطفي وشعرت بدبيب المعاني والأحاسيس في نفسي ، وبحركة للحماسة الإسلامية في عروقي ، وتلك قيمة شعره وأدبه في نظري . ( طبعة دار القلم صفحة :19)
وأشهد الله على ما شهد عليه أبو الحسن الندوي بأنه يأتيني أمر عجيب إذا قرأت شعره ، وسوف أورد نماذج لشعره في هذه الرسالة .

أما أحواله الشخصية :
فقد كان في معيشة متوسطة تميل إلى الفقر ، من أبوين متدينين .
تربيته :
دخل عليه أبوه وهو يقرأ القرآن بعد الفجر وهو يلاعب أخته الطفلة الصغيرة فقال : يا إقبال اقرأ القرآن كأنه أنزل علي.
قال : فأخذت بهذه الوصية ، وكنت أقرأ القرآن كأنه أنزل علي فتأثر بذلك .
يقول أحد المفسرين المعاصرين : كدت أتوافق أنا ومحمد إقبال في المعاني وربما توافقنا في الألفاظ .
زواجه :
تزوج ثلاث مرات : المرة الأولى لم يوفق فيها وأنجب من زوجته ولداً وطفلتين .
وتزوج الثانية ثم الثالثة .
كان يسكن بيتاً متواضعاً .
كانوا يقولون له : لماذا تسكن هذا البيت ؟
فيقول : أنا أسكن العالم .
وبالفعل كان يسكن العالم .
كان يتبرم بالأوضاع التي يعيش فيها ، فينظر إلى الهنود وإذا هم يعيشون حياة بعيدة عن الإسلام ، وينظر وإذا المسلمون مستذلون بالاستعمار فيتضايق ويقطب جبينه ويحاول أن يثور كالبركان .
عاش ثلاث فترات :
فترة الشباب قضاها في طلب العلم النافع وهو علم مجمل من علم الشريعة ، فليس الرجل مفتياً وليس واعظاً ، وإنما كان عنده علم مجمل ، ونخالفه كطلبة العلم ويخالفه العلماء في الشريعة في بعض القضايا التي سوف أعرض لها .
وأنا لا أعرض محمد إقبال على أنه مفتِ أو أنه من هيئة كبار العلماء ، بل أعرضه عليكم كشاعر عالمي استطاع أن يؤثر بشعره الإسلامي الحي .
أما الفترة الثانية فهي فترة الرجولة حيث عاش إقبال صارخاً في شعبه يريد أن يوحد دولته .
ولذلك هو الذي كان بعد الله سبباً في إقامة دولة الباكستان ، وأهل الباكستان اليوم إذا احتفلوا بعيد محمد إقبال ـ على ملاحظتنا لهذا ـ يخرج ثمانون مليوناً في الشوارع يحملون صور محمد إقبال ويهتفون :

إذا الإيمان ضاع فلا أمان
ولا دنيا لمـــن لم يحي دينا

ومن رضي الحياة بغير دين
فقد جــــعل الفناء لها قرينـا

وأما فترة الشيخوخة فقضاها متأملاً حيث كان يصعد الجبال ويكتب .
يقول الباكستانيون : نحن لا نفهم شعره ، ولكن شعره مترجم ، وربما تكلم بالعربية في بعض القصائد فحرك الأجيال .
يقولون : كان يكتب قصيدة في الليل فتنشر في الصحيفة في اليوم التالي كما يذكر الشرباصي وغيره ، فيخرج الشعب هائجاً مائجاً في الشارع .
وهذا و الله هو الأدب .
وهذا والله هو السحر الحلال .
وهذا والله هو الفيتامين الأمثل للشعوب .
ولذلك ثار الشعب على الإنجليز وأقاموا دولتهم برغم المعارضات .
  رد مع اقتباس
قديم 02-01-2006, 06:03 AM   #2
الدكتور أحمد باذيب
حال قيادي
 
الصورة الرمزية الدكتور أحمد باذيب


الدولة :  المكلا حضرموت اليمن
هواياتي :  الكتابة
الدكتور أحمد باذيب is on a distinguished road
الدكتور أحمد باذيب غير متواجد حالياً
افتراضي كن مثل ( إقبال ) همّاً وشعراً

أولاً : الإيمان في شعر محمد إقبال
قال تعالى نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة إن الذين اءمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً ) ( مريم:96) ، الإيمان الذي يصل بالله .
الإيمان الذي تفتقر إليه الدنيا .
الإيمان الذي من وجده وجد كل شيء ، ومن فقده فقد كل شيء .

أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا
إن نور الله في قلــــــبي وهذا ما أراه

قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا
ورسول الله قاد الركــب تحدوه خطاه

يقول إقبال في بيتين جميلين من قصيدته العجيبة الطويلة ( شكوى دمعة ) أرسلها من عينه يشكو إلى الله حال العالم الإسلامي .
ويشكو من المسلمين بعدهم عن دينهم وعن رسالتهم ، وبين لهم أن اتصال الإيمان بالدنيا أمر مجمع عليه ،وأن الإنسان لا يصلح إلا بالآخرة ، وأن المسجد لا يصلح إلا مع المزرعة ، والمزرعة مع المسجد .
يقول :

إذا الإيــمان ضاع فلا أمان
و لا دنيا لــمن لم يحي دينا

ومن رضي الحياة بغير دين
فقد جعــــل الفناء لها قرينـا

تـساندت الكواكب فاستقرت
ولولا الجـــــاذبيــة ما بقينا

وفـــي التـوحيد للـهم اتحاد
ولن تــــبنـوا العلا متفرقينا

ويقول عن المؤمن والكافر بأن الكافر ضيق ومتخلف وحقير في علم الله وفي الأرض وفي الكون.
ويأتي المؤمن فيجعله علماً وكوناً .
يقول في بيتين جميلين :

إنما الكافـر تـيـهان له الآفـاق تـيهِ
وأرى المؤمن كوناً تاهت الآفاق فيه

يقول : إن الكافر لا تتيه الآفاق فيه بل يتيه هو في الآفاق.
وأرى المؤمن هو الذي تتيه الآفاق فيه .
ويصف مشاعره وأحاسيسه في قصيدة اسمها ( إلى مدينتك يا رسول الله ).
وهي قصيدة قد ترجمها الندوي .
يقول : ( يا رسول الله زرتك البارحة في المنام ... إليك أشكو ظلم الهنود ... وأشكو ماذا فعلوا برسالتك .. إنهم يا رسول الله حولوا رسالتك إلى تمائم ومسابح وإلى رقصات .. إن رسالتك يا رسول الله انبعثت من المدينة فأحيتني وأحيت أمثالي .. لكن رفض الهنود أن يستجيبوا لك يا رسول الله ) .
ثم يصف خروج الرسالة من طيبة الطيبة وذهابها إلى العراق ، ثم إلى الأتراك ، ثم إلى الهنود، وأنها ترتفع بإذن الله لتغطي الدنيا .

من ثراها قد نثرنا النور في دنيا الوجود
وعلى أهدابها صــــغنا مغانِ من خلود

حكمة الإيمان من طيبة سارت للعراق
وسل الأتراك قد ســــار سريعاً للهنود
  رد مع اقتباس
قديم 02-01-2006, 06:05 AM   #3
الدكتور أحمد باذيب
حال قيادي
 
الصورة الرمزية الدكتور أحمد باذيب


الدولة :  المكلا حضرموت اليمن
هواياتي :  الكتابة
الدكتور أحمد باذيب is on a distinguished road
الدكتور أحمد باذيب غير متواجد حالياً
افتراضي ثانياً : كانت قضية إقبال الكبرى أن يُسلم الناس

أرسل رسالة إلى لينين يقول فيها : " اتق الله يا لينين فإنك قصمت ظهر الرأسمالية فأحسنت ، فألحِق بقصمك للرأسمالية لا إله والحياة مادة " .
ودخل على نادر شاه في كابول وكان نادر شاه ملك أفغانستان آنذاك ، وقد كتب رسالة لمحمد إقبال يقول فيها : اقدم إلينا.
فأقبل محمد إقبال فخرج الأفغان يستقبلونه في الشوارع .
فأخذ قبل أن يقابل الملك نسخة من المصحف وقال : يا نادر شاه ! والله لن تعلو بشعب الأفغان حتى تأخذ هذه الوثيقة التي جاءت من الله .
العرب في شعر إقبال :
هو يحب العرب كثيراً ويقول : يا ليتني أجيد اللغة العربية مائة بالمائة . ولو أجادها مائة بالمائة لأبكانا كما أبكى الهنود ، ولأبدع لنا في أدبنا وفي ثرواتنا وجعلنا نعيش أدباً رائداً جميلاً .
ولكن لا زلنا والحمد لله نتمتع بمقطوعاته الجميلة الإيمانية ونسأل الله أن يغفر له .
يقول في قصيدته واصفاً حاله :

إن كان لي نغم الهنود ودنهم
لكن ذاك الصوت من عدنان

يقول : أنا أتكلم بالهندي ولا أعرف العربي ، لكني يا رسول الله أحبك وأموت في حبك وقلبي عربي .
ويقول :

هضبات نجد في مغانيها المها
ومحاور الغزلان ملء تلالها

والمــجد مشتاق وأمة أحمــد
يتـهيأ التاريــــــخ لاسـتقبالها

هكذا انبعاث الأرواح والإيمان والعقائد في أبيات الشعر .
ثم يقول : سبحانك يا رب ، خرج من الصحراء أناس كانوا يعبدون اللات و العزى ومناة ثم أصبحوا يطوفون بالبيت ِلله.

وأصبح عابدو الأصنام قدماً
حماة البيت والركن اليماني

هم جيل الصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا يطوفون بمناة والعزى واللات فأصبحوا يحملون لا إله إلا الله ، والرسالة الخالدة ، ويطوفون بالبيت ِلله رب العالمين.
ويقول في قصيدة له اسمها ( تاجك مكة ):

من ذا الذي رفع السيوف ليـرفع
اسـمك فوق هامات النجوم منارا

كـــــنا جـبالاً في الجبال وربـما
سـرنا عـلى موج البحار بـحارا

لـن تنـس أفريقيا ولا صحراؤها
ســـجداتـنا و الأرض تقذف نارا

وكأن ظــــل السيف ظـل حديقة
خضـراء تنـبت حـولنا الأزهارا

أرواحنا يا رب فــــــوق أكـفـنا
نـرجو ثـوابك مغــنماً وجـوارا

يقول : ما كنا نأتي بأرواحنا في أجسامنا قبل المعركة بل كنا نبيعها إلى الله والثمن الجنة ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) ( التوبة :111)

لـم نـخش طاغوتاً يحاربنا ولو
نـصـــب الـمنايا حولنا أسوارا

نـدعو جهاراً لا إله سوى الذي
خـــــلق الوجود وقـدر الأقـدارا

كـنا نـرى الأصـــــنام من ذهب
فـنهدمـــــها ونـهدم فوقها الكفارا

لو كان غــير الـمسلمين لحازها
كنـزاً وصــــاغ الحلي والدّينارا

يقول : يارب فتح أجدادنا الهند .
فقدّم الكفار لهم الأصنام من ذهب .
فقالوا : لا نريدها وأحرقوها وهدموها فوق رؤوس الكفار .
ويقول :

مـحمود مـثل إياس قام كلاهما
لك بالـعبادة تائبــــــاً مسـتغفراً

العبد والـمولى عـلى قدم التقى
هتفا بذكرك في الوجود وكـبرا

والمقصود من هذين البيتين محمود بن سبكتكين المسلم الذي كان عنده ألف ألف من الأبطال فتح بهم ما وراء نهر سيحون وجيحون ثم قدموا له الأصنام من ذهب كما فعل قتيـبة بن مسلم فرفض وقال : لا والله لا يدعوني الله يوم القيامة : يا مشتري الأصنام، ولكن يدعوني : يا مهدم الأصنام .
فكسرها بفأسه وأحرقها وأتى بالملك فذبحه ونكسه على السطح .
فلذا يقول : ( محمود مثل إياس ) وإياس خادم محمود بن سبكتكين وهو رافع الراية بعده رحم الله الجميع .
ويقول في الحجاز :

آه من ساعة الغضى فـي حجازِ
نغمات مضين لــــي هـل تعود

آذنت عيـــــــشـنا بـبؤس مقيــم
هـــل لـعلم الأسرار قلب جديد

لماذا يحب الحجاز ؟
ألِغبار الحجاز ؟
ألِجبال الحجاز السوداء ؟
لا ..
بل لأن في الحجاز نوراًً انبعث ورسالة خالدة وجماجم الأبطال .
ولأن في الحجاز التوحيد والتاريخ والمشاعر الإسلامية .
وله قصيدة أسمها : ( ناقتي في الحجاز ) وصف فيها نفسه وبكى .
وقال : يا ليتني اعتمر مرة ثانية .
وشرح ديوان المتنبي ، وكان يدور في الليل والنهار يلقي المحاضرات يريد أن يعيد الأمة إلى الله بشعره .
يقول :

يا قلب حسبك لا تفيق صراحة
إلاّ على مــــصباح نور محمد

يقول : لا يفيق قلبي إلا على مصباح نور الرسول صلى الله على وسلم .
ويقول في عالم الإيمان قبل هذا وقد ذكرتها في بعض المناسبات :
( بحثت عنك يا رسول الله : في ألمانيا فما وجدتك ) .
هل سافر صلى الله عليه وسلم إلى ألمانيا ؟
لا ، ولكن إقبالاً درس في ألمانيا الفلسفة فقال : ( وجدت القاطرات والسيارات والشاحنات والطائرات والثلاجات والبرادات وما وجدت من أنزلت عليه الآيات البينات ) ، عليه الصلاة والسلام .
كان إقبال يتفجع على موت المسلمين ، وكان شعره قطعاً من نور وحمماً من براكين وقذائف من زلازل .
كان شعره يترنم به جيش الباكستان أول قيام دولة محمد علي جناح .
حتى إن له بعض المقطوعا ترجمت إلى الإنجليزية وترجمت للروسية ، وله شعر بالعربي وشعر بالبشتو وبالفارسي والأردو ، فهو شاعر على مستوى العالم .
  رد مع اقتباس
قديم 02-01-2006, 06:06 AM   #4
الدكتور أحمد باذيب
حال قيادي
 
الصورة الرمزية الدكتور أحمد باذيب


الدولة :  المكلا حضرموت اليمن
هواياتي :  الكتابة
الدكتور أحمد باذيب is on a distinguished road
الدكتور أحمد باذيب غير متواجد حالياً
افتراضي زيارة إقبال لقرطبة :

ويقول وهو يتفجع على المسلمين وقد زار قرطبة فوقف أمام الجامع وما وجد المسلمين ، ووجد المسجد قد حول إلى حانات من الخمر والعياذ بالله ، ووجد العاهرات وهن في محراب المسجد ، فبكى وجلس عند الباب وأنشد قصيدته الفضفاضة الشهيرة في مسجد قرطبة فقال :

أرى التفــكير أدركه خمـول
ولم تبق الـــعزائم في اشتعال

وأصبح وعظكم من غير نور
ولا سحـــر يطل من المقـال

وعند النـــــاس فلســفة وفكر
ولكن أين تلقين الغـــــــزالي

وجلــجلة الأذان بكل حـــــي
ولكن أين صوت من بــــلال

منائركم علـــت في كل سـاح
ومسجدكم من العــباد خــال

وأما قصيدة " إن الله اشترى" فهو يتكلم بها إلى العالم الإسلامي كله ويخبر بأهل بيعة الرضوان رضوان الله عليهم ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتُلون ويقتَلون وعدا عله حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله ) (التوبة : 111 ).
يقول في مقالة له نثرية : أتيت العرب فوجدتهم يتقاتلون ، وأتيت إلى الأتراك فوجدتهم يصبغون بالبويات أطراف الزجاج ، وأتيت إلى الهنود وإذا هم يبحثون عن الخبز في الأسواق ، فما وجدت من يحمل لا إله إلا الله للعالم .
يعني : الكل مشغول بخبزه وبسيارته ووظيفته .
فقال :

نحن الذين استــيــــقظت بأذانهـم
دنيا الخـــليقة من تهاويل الكــرى

حتى هـــوت صور المعابد سجداً
بجلال من خلق الوجود وصـوّرا

ومن الأُلى دكوا بــــــــعزم أكفهم
باب المدينة يوم غزوة خيبــرا ؟!

أمّن رمـــى نار المجوس فأطفئت
وأبان وجه الصبـح أبيض نيـرا ؟!

ومن الذي باع الحــــــياة رخيصة
ورأى رضاك أعز شيء فاشترى ؟!

إنهم المسلمون ، وهي من أبدع ما قاله في حياته .
أما قصيدته المشهورة لديكم والتي يعرفها غالبكم وهي (شكوى) فقد بدأها بقوله :

حديث الروح للأرواح يسري
وتدركه القلـــــوب بلا عنـاء

هتفت به فــــطار بلا جنــاح
وشق أنينه صــــدر الفضـاء

ومعدنـه رخامــــــــيٌّ ولكن
سرت في لفــظه لغة السماء

هذا محمد إقبال في شكواه يتفجع على المسلمين ثم يقف على معالم إسبانيا بعد رحيل المسلمين من هناك ، ويرى مساجدهم ويرى القرآن ويرى حلقات العلم قد عطلت ، ويرى الفرنجة قد استولوا على معالم الدين هناك فيقول :

قد كان هذا الكون قبل وصولنا
شؤماً لظالمـــــــــه وللمظلـوم

لما أطلّ مـــــــحمد زكت الربا
واهتز في البــــستان كل هشيم

هذا الروض يابس وصوح نبته وماتت أعشابه وذوت أزهاره وماتت أطياره وجف معينه ، فأطل محمد صلى الله عليه وسلم فاهتز الروض واهتزت الأرض وربت وأنبتت من كل زوج بهيج .

لما أطل محمد زكت الربا
واهتز في البستان كل هشيم
  رد مع اقتباس
قديم 02-01-2006, 06:07 AM   #5
الدكتور أحمد باذيب
حال قيادي
 
الصورة الرمزية الدكتور أحمد باذيب


الدولة :  المكلا حضرموت اليمن
هواياتي :  الكتابة
الدكتور أحمد باذيب is on a distinguished road
الدكتور أحمد باذيب غير متواجد حالياً
افتراضي محمد إقبال والحضارة الغربية :

هذا الرجل عرف الحضارة الغربية ودرسها ، فهو يعرفها معرفة تامة .
يقول المودودي : كنا نعظ الناس ونحذرهم من الحضارة الغربية فما يستمعون إلينا لأننا ما سافرنا على الغرب ، فلما أتى محمد إقبال يحذرهم من الحضارة الغربية أنصتوا إليه واستمعوا واتعظوا بما قال .

أنت كنــــــز الدر والياقوت في
لجة الدنيا وإن لم يعرفـــــــوك

محــــــفل الأجــيال محتاج إلى
صوتك العالي وإن لم يسمعوك

في هذه الأبيات يقول للمسلمين وللدعاة خاصة : ليس في العالم إلا أنتم ، فلا يغركم هذا الضجيج والإعلام والفلسفة ، من الذين لا يعرفون القرآن ولا زمزم ولا يتوضؤون ، قد طمسوا عقول الناس وجعلوا الدين خرافة ورجعية ، وعظموا حضارة أولئك الساقطة عما قريب .
ويقول : دخلت ألمانيا فأظلم قلبي ، وانطفأت معالم الروح في نفسي ، ونسيت حلاوة القرآن التي كنت أجدها في البنجاب ، لأن الفتاة العاهرة تجلس بجانبي على كرسي الدراسة ، وكأن الخمر على طاولتي " يعني زميله يضعها على ماصته".
ولمحمد إقبال قصيدة جميلة اسمها (فاطمة الزهراء) يعني بنت الرسول صلى الله عليه وسلم .
يقول فيها :


هي بنت من ؟ هي زوج من ؟ هي أم
من ؟ من ذا يساوي في الأنام علاها

أما أبوهــا فــهو أشرف مـــرسل جبريل بالتوحــــيد قــــد رباهــــــا
وعلي زوج لا تســل عنه ســوى
سـيفــاً غـــــدا بيمينـــــــــــه تيـّاهـا

هذه فاطمة الزهراء قدمها للناس في تعريف بسيط .
أما أبوها فهو أكرم الناس .
وجبريل رباها بالتوحيد .
وعلي زوج لا تسل عنه سوى السيف .
  رد مع اقتباس
قديم 02-01-2006, 06:08 AM   #6
الدكتور أحمد باذيب
حال قيادي
 
الصورة الرمزية الدكتور أحمد باذيب


الدولة :  المكلا حضرموت اليمن
هواياتي :  الكتابة
الدكتور أحمد باذيب is on a distinguished road
الدكتور أحمد باذيب غير متواجد حالياً
افتراضي (إقبال) داعية أينما كان :

مرّ محمد إقبال في سفينة يريد أوربا ، فتوقف بحفظ الله ورعايته في قناة السويس ، فكتب رسالة من القناة إلى فاروق مصر لأنه كان حاكماً آنذاك .
فكتب :" بسم الله الرحمن الرحيم ، من إقبال إلى فاروق مصر : يا فاروق مصر إنك لن تكون كالفاروق عمر حتى تحمل درة عمر ، والسلام" !!
لأن إقبالاً يريد للمسلمين جميعاً أن يخرجوا ويستيقظوا من سباتهم من المحيط إلى المحيط حيث لا تحصره زاوية معينة .
محمد إقبال يقول لابد أن تخرج بدرّتك وبعصاك لتغير العالم .
رحمه الله وغفر له .
  رد مع اقتباس
قديم 02-01-2006, 06:58 AM   #7
لحظه وبس
حال نشيط

افتراضي

تحياتي لك يادكتور على هاذا الموضوع الممتاز
  رد مع اقتباس
قديم 02-01-2006, 09:38 AM   #8
معبد
حال نشيط

افتراضي

مشكور يادكتور باذيب الله يبارك فيك ويوفقك ورحم الله الشاعر الكبير محمد اقبال
موضوع مفيد جدا جدا ..
التوقيع :
عاقل في زمن كله مجانين
  رد مع اقتباس
قديم 02-01-2006, 03:26 PM   #9
باجرش
شاعر السقيفه

افتراضي

اقد امتعتنا يا دكتور بهذا الموضوع وارفاداً له هذه ترجمة لقصيدته


إقبال في مدينة الرسول 'صلى الله عليه وسلم'





ترجمة: أبو الحسن الندوي

مفكرة الإسلام : لقد عاش الدكتور محمد إقبال شاعر الإسلام وفيلسوف العصر –مدة حياته- في حب النبي صلى الله عليه وسلم، والأشواق إلى مدينته، وتغنى بهما في شعره الخالد، وكان في أخريات حياته، كلما ذكرت المدينة فاضت عينه وانهمرت الدموع.

ولم يقدر له الحج، وزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم بجسمه الضعيف، الذي كان من زمان يعاني الأمراض والأسقام، ولكنه رحل إلى الحجاز بخياله القوي، وشعره الخصب العذب، وقلبه الولوع الحنون، وحلق في أجواء الحجاز، وتحدث إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بما شاء قلبه وحبه، وإخلاصه ووفاؤه تحدث إليه عن نفسه، وعن عصره، وعن أمته، وعن مجتمعه.

وقد فاضت في هذا الحديث قريحة الشاعر، وانفجرت المعاني، والحقائق التي كان الشاعر يغالبها ويمسك بزمامها، وينتظر فرصة إطلاقها، وقد رأى أن فرصتها قد حانت، وهذا أوانها ومكانها، فخاطب نفسه بقول الشاعر:



حمامة جرعى دومة الجندل، اسجعي فـأنـت بـمرأى من سعاد ومسمع



فكان شعره في النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه من أبلغ أشعاره وأقواها، وكان حشاشة نفسه، وعصارة علمه وتجاربه، وكان تصويراً لعصره، وتقريراً عن أمته، وتعبيراً عن عواطفه.

لقد قال محمد إقبال هذه الأبيات، وهو يتخيل أنه مسافر إلى مكة والمدينة –شرَّفهما الله- يهوي به العيس، ويسير به الركب على رمال وعساء، يتخيل، بشدة شوقه وحبه، أنها أنعم من الحرير وأن كل ذرة من ذراتها قلب يخفق، فيطلب من السائق أن يمشي رويداً ويرفق بهذه القلوب الخفاقة.

ويحدو الحادي بما لا يفهمه، فتثور أشجانه، وتترنح أعطافه، وتهيج شاعريته، وتنطلق قيثارته بشعر رقيق بليغ.

ثم يسعد بالمثول بين يدي الرسول، فيصلي ويسلم عليه بما يفتح الله به عليه.

وينتهز الفرصة، فيحدثه عن نفسه، وبلاده، والفترة التي يعيش فيها، وعن أمته، وعن الأزمات، والمشكلات التي تعانيها، وما فعل بها الزمان وطوارق الحدثان، وما فعلت بها هذه الحضارة الغربية، والفلسفات المادية، وما فعلت برسالتها والأمانة التي حملتها، وأين هي من ماضيها وخصائصها، يرثي لها تارة ويبكي ويشكرها مرة ويعاتب، ويشكو غربته في وطنه ووحدته في مجتمعه، وضيعة رسالته في أمته.

وقد سمى هذه المجموعة بـ [هدية الحجاز]، كأنها هدية حملها من الحجاز لأصدقائه وتلاميذه، ولا شك أنها هدية مباركة للعالم الإسلامي، ونفحة فائحة من نفحات الحجاز.

يقوم الشاعر بهذه الرحلة الحبيبة، وقد أربى على الستين ووهنت قواه، في سن يفضل فيها الناس الراحة والإقامة، فما باله يسافر وهو شيخ، وقد أضعفه المرض والشيب؟ والسفر إلى الحجاز شاق مضن، وقد نصحه الأطباء، والأحبة بالراحة والهدوء، ولكنه يعصيهم ويطيع أمر الحب، يلبي منادي الشوق ويقول:

[لقد توجهت إلى المدينة رغم شيبي وكبر سني، أغني وأنشد الأبيات في سرور وحنين، ولا عجب فإن الطائر يطير في الصحراء طول نهاره، فإذا أدبر النهار، وأقبل الليل رفرف بجناحيه، وقصد وكره ليأوي إليه، ويبيت فيه].

كأنه يقول:- لماذا تعجبون إذا قصدت المدينة –وهي وكر طائر الروح ومأرز المؤمن- في أصيل حياتي، وفي سن أشرفت فيها شمس الحياة على الغروب، أما رأيتم الطائر إذا جن الليل أسرع إلى وكره.

بدأ محمد إقبال سفره، وهو شيخ مريض، وسارت به الناقة بين مكة والمدينة سيراً حثيثاً، وقد قال لها:

[رويدك يا حبيبتي! فإن راكبك لاغب، ومريض، وكبير السن، فمشت في نشوة وطرب ولم تبال، كأن الصحراء حرير تحت أرجلها].

يسير الشاعر في هذا الركب الحجازي الذي يحدو بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

ويريد الشاعر أن يسجد سجدة على هذه الرمضاء، يدوم أثرها في جبهته طول حياته، ويقترح ذلك على أصحابه وزملائه.

ويملكه الشوق، فيحدو، وينشد أبياتاً من شعر العراقي والجامي يتساءل الناس:

من هذا الأعجمي الذي يغني ويحدو بلغة لا نفهمها، ولكنها نغمة تشجي القلوب، وتملؤها إيماناً وحناناً، حتى يذهل الرجل في هذه الصحراء عن الغذاء والماء؟!

ويلذ الشاعر بكل ما يعتريه في الطريق ولا يستبطئ الوصول، بل يقترح على سائقه أن يأخذ طريقاً أطول، حتى يعيش في هذه الأشواق، وفي هذا الحنين مدة أوسع، وتشتد لوعة الفراق، لأنها زاد العشاق ونزهة المشتاق.

وهكذا يطوي محمد إقبال هذه المسافة في سرور وحنين، حتى يصل إلى المدينة، فيقول لزميله:

تعال يا صديقي! نبك سروراً ونتحدث ساعة، ونرسل النفس على سجيتها فإن لنا شأناً مع هذا الحبيب، الذي أسعدنا به الحظ، بعد طول فراق وشدة اشتياق.

ويقبل على نفسه، فيتعجب كيف اختص، من بين أقرانه، بهذه السعادة، ثم يقول:

[لا عجب فإن المحبين المتيمين أكرم هنا من الحكماء المتفلسفين، يا سعادة الجد، ويا حسن الطالع!! لقد سمح لصعلوك مملوك، أن يدخل على السلاطين والملوك].

ولا يلبث محمد إقبال –وهو في هذا الفيض من السرور والسعادة- أن يذكر أمته المسلمة، والشعب المسلم الهندي،يذكر آلامهما وآمالهما، فيذكر كل ذلك في بلاغة الشاعر، وحقيقة الرائد، وما أجملهما إذا التقتا. يقول:

[إن هذا المسلم البائس، الذي لا تزال فيه بقية من شمم وإباء، وأنفة الملوك وعزة الآباء، لقد فقد مع الأيام، يا رسول الله! لوعة القلب وإكسير الحب، إن قلبه حزين منكسر ولكنه لا يعرف سر ذلك].

[بماذا أحدثك يا رسول الله؟ عن آلامه ورزيئته؟

حسبك أنه هوى من قمة عالية، إنه هبط من تلك العلياء التي وصلت به إليها، وكلما ارتفع المكان الذي يسقط منه الإنسان كان ألمه شديداً، وكانت الصدمة عظيمة، فلطف الله بهذه الأمة المنكوبة، الهاوية من قمة المجد العالية].

[إنه لا يزال الزمان يعاديه، ولا يزال ركبه تائهاً في الصحراء، بعيداً عن غايته ومنزله، حسبك من هذه الأمة، وما يسود فيها من الفوضى والاضطراب، إنها تعيش من غير إمام].

[إن غمده فارغ ككيسه، فهو أعزل فقير، وإن الكتاب، الذي فتح به العالم، وضعه في بيته الخرب، على طاق تراكمت عليه الأتربة، ونسج عليه العنكبوت].

[إنه أصبح، بطول عهده بالمغامرات والبطولات، لا يفهم لغة المغامرين، وإهابة الشجعان المجاهدين، وقد ألف نغمة المغنين، وعاش بين الزفرات والأنين].

وإن عينه فقدت النور، وإن قلبه حرم السرور، إن رزيئته أنه يعيش ولا يعرف لذة الوصال والحضور].

ثم يذكر الفرق بين ماضية العظيم، الذي كان فيه موضع رعاية وعناية واحتفاء، وحاضره القاسي الكالح، وكيف صعب عليه أن يتقشف، ويعتمد على نفسه، ويكدح في الحياة.

وما أبلغ قوله:

[إنه طائر مدلل، كنت تطعمه بيدك، وقد ربيته بالفواكه، فشق عليه البحث عن رزقه وقوته في الصحراء].ويتذكر محمد إقبال فتنة اللادينية التي توجهت إلى العالم الإسلامي، ويعرف محمد إقبال –وهو من كبار علماء الفلسفة والسياسة وعلم الاقتصاد- أن سببها النظر المادي البحت، خواء الروح، وبرودة القلب، وباعثها هو الحياة المترفة الباذخة التي يعيشها كثير من الناس.

ويعتقد أنه لا سبيل إلى محاربة هذه اللادينية، والفلسفة الاقتصادية المادية إلا الحياة التي تقوم على الحب والزهد، والحياة التي كان يعيشها أبو بكر الصديق، المحب الزاهد، فيتمنى للمسلمين هذه الحياة المثالية التي يسيطر عليها الحب والزهد: وإذا وجدت هذه الحياة اضطر الناس إلى تقديرها وإجلالها.

إنه لا يعلل انحطاط المسلمين بالفقر، والضعف في المادة، بل يعلله بانطفاء تلك الشعلة التي التهبت في صدورهم، ويقول:

[إن أولئك الفقراء –المسلمين الأولين- لما عرفوا كيف يقومون أمام ربهم في صف واحد، استطاعوا أن يمسكوا بتلابيب الملوك، ولما انطفأت هذه الجذوة في صدورهم انطووا على نفوسهم، وأووا إلى الزوايا والتكايا].

إنه يستعرض تاريخ المسلمين، فيرى فيه ما يخجل كل مسلم، يرى فيه ما لا يتفق مع الرسالة المحمدية وتعاليمها ومثلها العليا، ويرى فيه من شرك وعبادة لغير الله، وخضوع للجبابرة والطغاة ما يتندى له الجبين حياء.

يذكر [إقبال] ذلك كله ويطرق رأسه حياء وخجلاً، ويقول في صراحة واعتراف، وبلاغة وإيجاز:

[إن جملة القول، ما كنا جديرين بك يا رسول الله].

ويلقي نظرة على العالم الإسلامي، وقد جال في أنحائه، وعرف مراكزه، فيشكو ضعفه وفقره المعنوي، ويقول في إجمال:

'إن المراكز الروحية [الرباطات والزوايا] أصبحت فقيرة، لا تملك غذاء القلب، ولا تحمل رسالة الحب.

والمراكز العلمية [المدارس بمعناها الواسع] طغى عليها التقليد، فهي تردد ما تلقنته في الماضي، في غير إبداع وابتكار؛ وهي كثور الطاحون يدور في دائرة واحدة.

أما أندية الشعر والأدب، فقد خرجت منها كئيباً حزيناً، فليس في نغماتها وأفكارها ما يبعث الروح، ويثير الطموح؛ إنه شعر بارد، يخرج من قلب بارد، وأدب ميت يصدر عن أديب ميت'.

ويقول:

'قد ضربت في مشارق الأرض ومغاربها، فوجدت المدن تغص بالمسلمين الذين يفرقون من الموت، أما المسلم الذي يفرق منه الموت، فلم أرَ له عيناً ولا أثراً'.

ويذكر السر في ضعف المسلمين، وتشتت أهوائهم وخمودهم، فيقول:

'لقد شقّ عليَّ ما أراه من سوء حال المسلمين يوماً، وشكوت إلى ربي، فقيل: ألا تعرف أن هؤلاء يحملون القلوب، ولا يعرفون المحبوب؟! يعني أنهم يملكون مادة الحب، ولكنهم لا يعرفون من يشغلونها به، ويوجهونها إليه.

فقلوبهم تائهة، وعقولهم مضطربة، وجهدهم ضائع وعملهم ضعيف، وحياتهم لا لذة فيها ولا سرور'.

وهي حياة من رُزق القلب وحُرم الحب، أو حياة من عرف الحب، وجهل المحبوب؛ إنها، لا شك، حياة عذاب وشقاء، وحياة حَيرة وضلال.

ولكنه رغم ذلك كلّه غير يائس من المسلمين، وغير قانط من رحمة الله؛ بل ينتقد رجال الدين في يأسهم من المسلمين، وقطعهم الرجاء من نهضتهم، وتعليقهم الأمل بغيرهم، ويقول في عتاب وتألم:

'إن أحوالهم وأحاديثهم تنم على أنهم يائسون من جميع أسباب الخير، وأنهم متشائمون، ينظرون إلى المسلمين، وإلى الحياة بمنظار أسود.

ويقول:

'إن المسلم، وإن كان قد تجرد عن أبهة الملك والسلطان، ولكن ضميره وتفكيره، لا يزالان ضميرَ الملوك وتفكيرهم، وإنه إن قدر له أن يعود إلى مركزه، كان جماله جلالاً، وكانت له سطوة لا تطاق'.

وهنا يقبل محمد إقبال إلى نفسه، فتحكي حكايتها، ويشكو ما يعانيه من أهل عصره ومجتمعه.

يقول:

'إني أستحق العطف والعناية، فإني في صراع عنيف، وحرب دامية، مع عصري المادي'.

ولا شك أن إقبال قضى حياته في صراع مع العصر الحاضر، وقد كفر بالحضارة الغربية والفلسفة المادية، وتحداهما وانتقدهما، وزيفهما في شجاعة وعلى بصيرة وخبرة.

وقد كان مربي جيل جديد،مؤمن بالله، واثق بنفسه، معتد بشخصيته وشخصية الإسلام، كافر بالأسس المادية والتفكير المادي، الذي قامت عليه الحضارة الغربية، وحق له أن يقول:

'لقد أذنت في الحرم، كما أذن بالأمس جلال الدين الرومي، فقد تعلمت منه أسرار الروح والحب، لقد كان ثائراً على فتن عصره، وكنت ثائراً على فتن عصري'.

ويذكر تمرده على العلوم الغربية، وتفلته من شباكها، واحتفاظه بعقيدته، وإيمانه وخصائصه، ويقول بحق وجدارة:

'كنت كطائر يقع على شبكة، فيقرض الحبال، ويأخذ الحب، ويطير بسلام'.

وكذلك كان، فقد ظفر بلب العلوم الغربية ولبابها، ورمى بقشورها، وخرج من حبائلها سالماً.

ثم يقول في افتخار واعتزاز:

'يعلم الله! أني رحلتُ في أعماق هذه العلوم، واكتويت بنارها، من غير أن أرزأ في عقيدتي، وخلقي وصلتي بك، وقد جلست في نارها بشجاعة، وخرجت منها بسلامة، كما كان شأن إبراهيم –عليه السلام- مع نار نمروده'.

وهنا يتذكر الشاعر حياته التي قضاها في أوروبا، بين الكتب الجافة، والفلسفة الدقيقة، والعلم الواسع، والجمال الفاتن، والمظاهر الخلابة؛ فيقول:

'لقد بقيت هذه المدة ذاهلاً عن نفسي، جاهلاً لشخصيتي؛ حتى لما وقع بصري عليّ لم أعرف نفسي'.

ويقول:

'لقد اقتطفت من علوم الغرب شيئاً كثيراً، وتناولت من خمر حانته كأساً دهاقاً، يا له من صداع اشتريته! لقد عشت بين علمائه وفلاسفته، وبين غيده الحسان، يا لها من فترة مظلمة قضيتها من حياتي! حرمت فيها لذة الحب ونعيم القلب.

إن دروس الحكماء قد صدعت رأسي، وكدرت بالي؛ ذلك لأني نشأت في حضانة الحب والإيمان، فلا يناسبني ولا يملأ فراغ نفسي إلا العاطفة والحنان'.

وهنا يقبل الشاعر إلى الطبقة التي تمثل العلم والدين، فينتقد فيها الجفاف، واتساع العلم وتضخمه على حساب العاطفة والحب ولوعة القلب، فيقول:

'إن العالم الديني لا يحمل هماً، إن عينه بصيرة، ولكنها جافة لا تدمع، لقد زهدت في صحبته لأنه علم ولا همّ، وأرض مقدسة ولا زمزم'.

لقد شبهه محمد إقبال بالحجاز، لأنه يحمل علماً كثيراً، وعقلاً كبيراً، ولكنه مع الأسف رمال جافة، وجبال جرداء ليس فيها زمزم؛ ومكة ببيتها وزمزمها، ليست برمالها وبطحائها وجبالها فحسب.فما أفقر العالم الديني الذي يحمل علماً جماً، ولساناً بليغاً، وعقلاً مستنيراً، ولا يحمل دمعة في عينه، ولا لوعة في قلبه، إنه أخذ من الأرض المقدسة خشونتها وصلابتها، ولم يأخذ منها رطوبتها ونداها.

ثم يحكي عن نفسه، ويقول:

'إنني لم أبع نفسي وضميري لأحد، ولم أستعن بأحد في حل مشكلاتي، ذلك لأني اتكلت على غير الله مرة واحدة، فسقطت عن مقامي، وعوقبت بالهوان مئتي مرة'.

ويندفع يشكو عصره ومجتمعه في حزن وألم، فيقول:

'إني أحترق بنار شوقي وحبي، وأستغرب أني خلقت في عصر لا يعرف الإخلاص، ولا يعرف سوى المادة والأغراض؛ في عصر لم يعرف لوعة القلب، ولم يذق الحب. أنا غريب في الشرق والغرب، أعيش وحدي، وأغني وحدي، وقد أتحدث إلى نفسي وأخفف من أشجاني وآلامي'.

ويقول:

'إن إخواني لم يعملوا بما قلت لهم، إنهم لم يجنوا الرطب من نخل شعري، إليك أشكو يا سيد الأمم! من أناس لا ينظرون إليّ إلا كشاعر أو متغزل.

لقد أمرتني يا رسول الله! أن أبلغ إليهم رسالة الحياة والخلود، وأنشدهم بما ينفخ فيهم النشاط والروح، ولكن هؤلاء القساة يقترحون عليّ أن أنوح على الأموات في الشعر، وأنظم تاريخ الوفاة، فأين هذا مما أمرتني به'.

ويشكو، في توجع وحزن عميق، زهد أبناء عصره في العلم الذي كان يحمله، والرسالة التي يقوم بها في شعره، ويقول:

'عرضت قلبي عسى أن يستأسره أحد، فلم أر فيه راغباً ولا له طالباً، وأبحت ثروتي، وما يحويه صدري فلم أر لها مقدراً؛ فليعمر حبك قلبي، وليشغل حديثك لساني، فإني لا أجد في العالم من هو أشد وحدة وأعظم غربة مني'.

ويختم قصيدته بأبيات يوجهها إلى المرحوم الملك عبد العزيز بن سعود –باعتباره ملك الحجاز في عهده- وهو خطاب موجه إلى جميع ملوك العرب، وزعمائهم، وعظمائهم يحذره من الاستعانة بالأجانب، والدول الأوروبية، ويدعوه إلى الاعتماد على الله، ثم على ما عنده.

يقول:

'اضرب خيمتك حيث شئت في الصحراء، ولتكن خيمتك قائمة على عمدك وأطنابك؛ ولا تنس أن استعارة الأطناب من الأجانب حرام'.



منقول من مفكرة الاسلام
التوقيع :
  رد مع اقتباس
قديم 02-02-2006, 07:01 PM   #10
عمر خريص
مشرف سقيفة التراث
 
الصورة الرمزية عمر خريص


هواياتي :  القراءة والكتابة
عمر خريص is on a distinguished road
عمر خريص غير متواجد حالياً
افتراضي

محمد اقبال
شاعر الاسلام العظيم
اخير من اخترت وعرفت به يادكتور أحمد .. أحسنت أحسنت أحسنت
تحياتي لك .
وحجا مبرورا مقبولا ان شاء الله ..
لم أجدك بفندق الهجرة بمكة (204) الدور الثاني
ولا اخفيك اني حانقا على ابو صالح وابو محمد حيث كنت معهم وبيني وبينهم بضع خطوات الا انهم لم يخبروني الا بعد رحيلك .
التوقيع :
وماتوفيقي الا بالله

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر باحرس1970 سقيفة الحوار الإسلامي 19 06-26-2011 11:14 PM
المالكي في ميزان العلماء حسن البار سقيفة الحوار الإسلامي 6 09-20-2010 12:05 AM
إيميلات وهواتف للمشايخ jemy الســقيفه العـامه 0 08-21-2002 12:58 PM
مشاركة فقهاء حضرموت في خدمة الفقه الشافعي (( 2 )) ابن حضرموت سقيفة الحوار الإسلامي 0 08-02-2002 02:22 AM


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas