أين نحن من الإخلاص لله تعالى ؟؟؟

[جمال العطاس]

الواجب على علمائنا أن لايتكلموا اليوم إلا على الإخلاص وأن يعملوا به وينصحون الآمة ويحثونهم عليه لأن العلم كثير والعمل كذلك , والإخلاص فيهما قليل جدا ونادرا والأدلة على ذلك لاتستعصي على أحد , فعدم وجود الإخلاص أو قلته انما هو لغلبة الباطل والهوى , والدنيا على الآخرة وقد اتفق الناس جلهم على الدنيا عامتهم وعلمائهم , بل وغالب علماء زمننا من هذا الصنف , هداهم الله وهدانا وخلصنا الله واياهم من كل مايبعدنا عن الإخلاص .
فقد بيّن حجة الأسلام الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه ( إحياء علوم الدين ) في الجزء الرابع منه في كتاب النيّة والإخلاص والصدق , فقد بيّن أن ( الناس كلهم هلكى الا العالمون , والعالمون كلهم هلكى الا العاملون , والعاملون كلهم هلكى الا المخلصون , والمخلصون على خطرٍ عظيم )انتهى كلام الغزالي .. ولفظة ( كلهم ) عام مخصوص كما عرفها أهل العلم .
فالأنفس جنحت بها رغباتها إلى مافي الدنيا من زخرف .فقلما تجد من يزهد فيها ويرجع ذلك إلى قلة العلماء الربانيين والعارفين الصالحين المصلحين المتقين , الزاهدين حقيقة لاكذب , بل وللأسف تجد من عوام الأمة وعلمائها من يتمسحون بالأغنياء وأهل الجاه ولو خسروا دينهم , يبيعون دينهم بدنيا غيرهم , وربما أفتوا بحل الحرام من أجل إرضاء أرباب الدنيا والمناصب , ويلوون الأحكام الشرعية لياً , فتجدهم قليلي التحذير من الدنيا , ولاتجدهم يرغّبون في الزهد فيها ليعمل الناس علىإخراجها من قلوبهم وصرف مافي أيديهم بمايرضي الله تعالى , لذلك إطمأن الأغنياء وأهل الوجاهة والمناصب للعلماء الذين على هذه الشاكلة , فتجدهم يقربونهم في صدور المجالس ولو وجد عالم زاهد ويرغّب في الزهد لما سمع له أحد , بل ربما يقف بعض علماء الثروات للرد عليه وجداله بما أوتي من قدرة على التضليل والتدليس وهناك نوع آخر من أولئك الذين يقنّطون الناس من رحمة ربهم , فليس لهم الا أن يخوفون الناس ويرهّبونهم أو تراهم يكفرونهم ويبدعونهم ويشركونهم , ويرى في نفسه انه هو العالم بالأحكام والعالم بالدين والمدافع عن السنة المحمدية المطهّرة , ويزعم أن الناس جلهم مشركين وقبوريين وعبدة للأموات والصالحين ويحكم بهلاكهم . ولايعلم ان فيما رواه مسلم في صحيحه : قال . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
( إذا قال الرجل هلك الناس , فهو أهلكهم ) أي أشدهم هلاكاً .
قال الإمام النووي في شرح الحديث : وذلك إذا قال ذلك على سبيل الإزدراء عليهم , والإحتقار لهم وتفضيل نفسه عليهم , لأنه لايدري سر الله تعالى في خلقه . وقال الخطابي معناه :
لايزال يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول : فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك , فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم , أي أسواء حالا فيما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم , وربما أدّاه ذلك إلى العُجُب بنفسه ورؤيته انه أفضل منهم فيهلك .
هذا كلام الخطابي في كتابه ( معالم السنن ) بل لقد قال أيضا :
فإن الأرض لاتخلو من عارف وعالم وتقي , وإمام رباني وإن كانوا مستورين فلحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى فكم من ولي مستور أفضل من ألف ولي مشهور !!

فأنظروا هدانا الله واياكم . كم من المتحذلقين الأدعياء الجهلة الحمقاء , والذين ينظرون إلى الناس بعين الإستصغار ويظنون انهم حماة للدين وللسنة المطهرة _ حسب زعمهم _وهم بيننا كثير ونقرأ مايكتبون ونسمع مايقولون . انهم يعتقدون أن من خالفهم مبتدعين ومشركين وقبوريين , أنظروا إلى خسران هؤلاء في دينهم , انظروا إلى غرورهم على جهلهم انهم يستحقون الشفقة والعطف . لاشك انهم ممن يحسبون أنفسهم من الذين يحسنون صنعا ...!!! أين هؤلاء من العمل بالإخلاص لوجه الله تعالى ..