رجال باب الحارة وذكور وقتنا الحالي !!! ((أبو العز))

[غالي الأثمان]

أدهم سكيك :


.. وأقفل باب الحارة وفتحت أبواب عرت الواقع المرير الذي تحياه حارتنا العربية المعاصرة، وتسمر العرب أمام الشاشات لمتابعة هذا العمل الدرامي، وتساءل الجميع عن سبب جذب عمل درامي لملايين المشاهدين علي مدار أكثر من شهر، وكعادة العرب حكمنا علي الموضوع بسطحية كبيرة، وأرجعنا سبب نجاح المسلسل إلي بساطته ونقله للبيئة الدمشقية القديمة، وكلف بعضنا نفسه بالغوص للأعمق، لنعود ونكتشف أن السبب يعود إلي كفاءة الممثل السوري ونجاحه في تقمص الأدوار، ليتوحد معه المشاهد ويشعر أنه يعرف هذه الشخصية التي تطل عليه من شاشة التلفزيون.
حتي الآن تبدو تحليلاتنا منطقية ومعتادة، ولكن من ينظر من ثقب الأبواب المغلقة، ويفكر فيما وراء باب الحارة سيكتشف المفاجأة، فلقد تعلقنا بهذا المسلسل لأنه قدم لنا ما نفتقر إليه، فقد قدم صوراً رائعة من النبل والشهامة في زمن عز فيه النبل والشهامة، وأظهر رجالا غابوا عن حاراتنا العربية المعاصرة، وقد يظن البعض أن إعجاب نسائنا برجال باب الحارة أمر طبيعي، لكن هذا الإعجاب جاء ليعري الأمراض والعلل التي أصابت مجتمعاتنا، مجتمعاتنا العامرة بالذكور والمفتقرة للرجال، فنساؤنا يحتجن لرجال يعاشرونهن بالمعروف ويتقون الله فيهن، يحتجن لرجال عطوفين جاءوا من زمن لم يكن للذكر صلاحية التجبر علي الأنثي بسبب أسطورة عقيمة زرعها الأهل في نفوس ذكورهم!!
أما ما يحتاج لوقفة تأمل كبيرة هو أن يصل الحال بذكورنا لأن يعجبوا برجال باب الحارة، فالرجل الشرقي عادة ما يحاول أن يهمش نجاح أي رجل آخر يكون محط إعجاب الأخرين، ولكن حدث ما لم يكن متوقعاً فمن رجالنا من أطلق علي نفسه لقب (ابو العز)، وأطلق آخرون علي أنفسهم لقب (العقيد أبو شهاب)، وذلك يدل علي أن رجالنا اكتشفوا - فجأة - وبعد سنوات أنهم مجرد ذكور يفتقرون لنموذج الرجل بداخلهم أولاً وفي حياتهم ثانياً، لم ينجذب ذكورنا لشخصية (العقيد أبو شهاب) إلا لأنهم يفتقدون بحياتهم لشخصية الحاكم العادل الشجــــــاع والمقدام، الذي إن حكم حكم بعدل وإن قاتل قاتل باستبسال في سبيل العيـــــــش بكرامة وعزة نفس..
أعجب ذكورنا بشخصية (أبو العز) لأنهم يفتقرون لذلك الرجل الشجاع الذي يرفض أن تداس كرامته ويهان شرفه، يفتقرون لذلك الرجل الذي يغار علي عرضه وأهله، فمن من ذكور هذا الزمن يتمتع بصفات الرجولة الحقة؟ ومن من ذكورنا تخافه زوجته كما تخاف زوجات باب الحارة أزواجهن إحتراماً لهم ولهيبتهم وليس خوفاً من جبروتهم وبطشهم ولسانهم السليط، ويدهم الأكثر تسلطاً في حاراتنا العربية المعاصرة؟!
واليوم نري الأباء متعطشين لأن يعاملهم أبناؤهم بطاعة وولاء كما يعامل أبناء باب الحارة أهلهم، لكننا في حارتنا المعاصرة ومن باب إعلاء جناح الذل من الرحمة شيدنا لهم دوراً لإيواء كبار السن والعجزة كمقابر مؤقتة! اليوم يحتاج الإبن لأب يخاف عليه ويحرص علي تربيته والحفاظ علي عفته، اليوم تريد عائلاتنا الأم التي تربي وتلم شمل الأسرة والتي تحترم زوجها وأهله، والأب الذي لا يري في طاعة زوجته له ضعفاً ومفتاحاً لاستعبادها، الشباب يفتقرون اليوم لوجود تلك الأنثي التي مهما إشتعلت نار الحب في مشاعرها لا تخلع ثوب العفة والحياء والخجل حتي في غرفة نومها مع من أحله الله لها.
العائلات متعطشة لوجود الأب الذي يسعي لتوفير البيئة والأجواء السليمة لتربية أبنائه، الأب الذي يزرع في أولاده حب الخير وإحترام الكبير، الأب الذي يحترم زوجته وأصهرته، الأب الذي يقدس جاره ويمد له يد العون.. ويسامح من أساء له طالما أنه مجرد عبد لخالق من صفاته الغفور الرحيم..
.. فعلاً أقفل باب الحارة وفتحت أبواب وأبواب أمام سكان الحارة العربية المعاصرة، وخرج من هذه الأبواب سؤال عن مصير ذكورنا، فلقد اكتشفنا ـ وما أندر الاكتشافات في حارتنا العربية المعاصرة ـ أنه ليس كل من صنفوه ذكراً في شهادة ميلاده أصبح رجلاً، وليس كل الأزواج الذكور رجالاً وإلا لكان الفأر بشاربيه سيد الرجال!