المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي

العودة   سقيفة الشبامي > شؤون عامه > الســقيفه العـامه
التعليمـــات روابط مفيدة Community التقويم مشاركات اليوم البحث


ياغير مسجل أنـّـةٌ من القلب الدامي ،، لمؤلفه/ الاستاذ سالم بن علي الجرو

الســقيفه العـامه


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-03-2007, 12:19 AM   #141
قيس الجفري
حال نشيط
 
الصورة الرمزية قيس الجفري


الدولة :  اليمن ، عدن
هواياتي :  القراءة ، الثقافة
قيس الجفري is on a distinguished road
قيس الجفري غير متواجد حالياً
افتراضي

سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))
شكرا لك
مع تقديري
  رد مع اقتباس
قديم 11-03-2007, 10:25 PM   #142
بلال اليافعي
حال جديد

افتراضي

اريد معرفة عن سيرة الشاعر الكبير يحيى عمر الجمالي
  رد مع اقتباس
قديم 11-04-2007, 10:06 AM   #143
المعاري
حال نشيط

افتراضي

موضوع جميل وأشكرك على هذا : ولا موأخذة أن عنوان الموضوع في الإملاء مكتوب هكدا (أنّة ) أن كان إنّه فبكون هكذا إنّه وإن كان إنت فيكون هكذا إنت وآسف على الأزعاج
التوقيع :
من طلب العلى سهر الليالي
  رد مع اقتباس
قديم 11-09-2007, 08:03 AM   #144
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـ 46 ـ


فتاة جينوه


في أحد فنادق ميلانو [ Executive Hotel ] كانت الإقامة ، وكان بيتر الذي سأله عن موضوع الكتاب الذي يحمله فأجابه كتاب في الأدب العربي: [ Arab literature ] . كان يمازح السيد بيتر موظف الاستقبال ، إفريقي الأصل ، خفيف الظل . سأله ذات ليلة فيما إذا كان يرغب في فتاة حسناء أسوة بالنزلاء العرب فأجابه: سيكون سعيدا لو وجد امرأة مثقفة يجلس وإياها في صالة الفندق وليس في الغرفة . لا يدري هل كانت هي العفوية أم هو سلوك ممنهج عندما تتقدم هيفاء غضّة نصف عارية إلى الزائر التاجر العربي في المعارض؟، فلقد أخبره صديقه الألماني: [ كلاوس ] ، صاحب مكتب تصدير أن أكثر صفقاته المربحة تنفذ ويفتح الاعتماد البنكي في محلات يستحوذن فيها الشقراوات الجميلات على وجدان أحفاد الفاتحين .
في مساء اليوم التالي رنّ جرس الهاتف ، إنه السيد بيتر يريد المقابلة سريعا . نزل إليه فأشار بطرفه إلى فتاة جميلة تبدو في العشرين من العمر تجلس في الصالة وكأنها في انتظار حبيب . علم منه أن الفتاة طالبة جامعية وصلت للتو من جينوة ، وأنها ليست سوقية أو بائعة هوى وإنما هي صاحبة كيف تحتاج إلى المال: [ وقد رأيتك وحيدا بخلاف النزلاء ، يضحك ، فاتصلت بك ] . بائعات الهوى يردن مالا ويعرفن السخي من الرجال في الدفع وهم القادمون من مناطق الثراء . هذه الحسناء تعرض جسدها في مقابل المال لذلك أتت مسرعة عندما غمز إليها الوسيط الأسود . وبالقرب من السيد بيتر جرى التعارف وطال المقام ، فطلبت منه في أدب وتواضع وحركات أنثى الصعود إلى الغرفة [ لنتبادل الحب [ TO MAKE LOVE ] . أوضح لها بأنه لم يطلب من السيد بيتر البحث عن فتاة هوى ، وإنما جاءت منه بادرة أعتبرها كطرفة ، و[ مثلك شابة غضة جميلة يطمح اللاهي في الخلو بها ] ، غير أنه يرغب في مبادلة الحديث هنا في الصالة وسيكون للحديث فوائد ومتعة إذا جرى على أساس التعارف والتعرف ، وأبدا استعداده بدفع المعقول من المال . علم منها أنها لأول مرة تقابل عربي [ أرابو ] ، وقد شك فيما تدّعي ومن حقه أن يشك فقلد شاهد في بومباي وتايلاند ما يعزز يقينه فالابتزاز جار على قدم وساق سواء في غرفة محتشمة أو في غرفة يتعرى فيها الآدمي. تعرف القليل جدا عن العرب والمسلمين من خلال الكتب والمجلات ، فوجدها مفخرة وفرصة بأن يعرفها عن نفسه وعن العرب وديارهم وأخلاقهم وتاريخهم ، منطلق من قناعة وهي: أن معرفة الأوروبي للإنسان العربي معرفة مشبوهة تأسست على التضليل سواء عن طرق الرحالة أو المستشرقين ، وعندما يقصون لأطفالهم بأن عربيا خبّأ نقوده في حفرة وجعل العلامة غمامة ، وعندما عاد لم يجد الغمامة فضاعت نقوده ، فإنهم يهدفون بسبق إصرار إلى المعلومة المشبوهة. كانت أول صدمة له عندما رسم خارطة الجزيرة العربية ، محددا موقع اليمن ليعرفها بأنه [ من هنا يا أيتها الفتاة الإيطالية الجامعية ] . لم تعرف بلاد حمير ومملكة بلقيس وحتى بعض أقطار الجزيرة العربية ، عدا الذي عرفته في الليالي الحمراء كما بدا له من بعض معلوماتها ككلمة: [ خوش ] التي ترددها . فهي إذن تكذب فليس هو أو ل عربي تقابله ، وكم تمنى أن تقرأ هذه الفتاة وغيرها كتب المستشرقين عن البلاد العربية لتعرف أن الحضارة العربية بهرت العديد منهم لدرجة أن ويلفريد تنبأ بأن يتضمن كتاب التاريخ المدرسي في يوم ما قادم صفحات عدّة للحضارة العربية في الوقت الذي لن يذكر فيه إلى جانبها الولايات المتحدة الأمريكية . توسع في الرسم فابتسمت عندما رأت خارطة أوروبا ، وشرح لها عن موقع بلاده وموقع الثروات التي تسببت في رفاهيتهم ، وسألته: كيف ذلك؟ . تجاهل سؤالها لاستحالة إقناعها ولأنه لا يقوى على ترجمة [ كافة أشكاله وألوانه ] باللغة الإنجليزية ، وحتى لو حاول فإنها ركيكة في اللغة . أمدهما السيد بيتر بالأوراق الكافية فتعطلت لغة الكلام وسادت لغة الكتابة . طلبت منه أن يتقابلا في نفس المكان من الليلة التالية ، وحبذا لو صعدا الغرفة ، وفي الغرفة شيطان مارد سيغويه . وافق ولكن في هذا المكان أيتها الفتاة الإيطالية الغضة الجميلة .
وفت بوعدها ، وكان متحمسا لتصحيح العيوب في فهمها الخاطئ عن العرب في الليلة السابقة غير أنه لم يوفق إذ أصابته في الصميم عندما قالت: أنتم تتزوجون الفتيات الصغيرات دون استشارتهن وأعماركم في السبعين إن لم يكن أكثر ، وأسئلة أخرى عن حق المرأة في الميراث [ التركة ] ، كلها تعطي صورة عن همجية العربي فعرف أنها تقرأ الخطأ عن العرب وحاول قدر جهده أن يصحح بعض المعلومات وحشر أنفه فيما لا يعنيه ، تلك هي مسائل الفقه كحق المرأة في الميراث وأخبرها بأن الرجل العربي مسئول عن زوجته وأخته وإن كانتا من كبار الأغنياء وهو فقير في حين أن مجتمعاتكم لا تعير للمرأة اهتمام إلا عندما تكون جميلة. امتدحته وسر لإطرائها لا لأنه يستحق الإطراء بل لأنها لم تكن مجاملة أو منافقة . طلبت منه التواصل مستقبلا عبر الرسائل فكتب لها عنوانه وأرسلت بإخلاص ثلاث رسائل وخاب أملها إذ لم تحصل منه على جواب .
السيد بيتر أفريقي الأصل ، موظف في الاستقبال ، خفيف الظل ، تدرك منذ الوهلة الأولى بأنه متخصص في تسويق اللحم الأبيض للعرب وتقديم خدمات سياحية ، منها حجز مقاعد في ملاهي معينة مقابل عمولة على كل صيد يقع في الشبك . حدثه عن الثري المسن الذي هام في عشق إحداهن وبذل بسخاء ، لمدة ثلاث سنوات ، الشيء الكثير إلا أنها كما قال لم تحتفظ بشيء مما أعطاها غير ساعة ثمينة وجهاز تسجيل والمبلغ الباقي حسنت به أوضاع الأسرة . أطلعه على ما دار من حوار مع فتاة جينوه وقرأ في عينيه استغراب لما جرى ، فكيف بفتاة حسناء ، غضة ناعسة تقضي وقت في حديث هو من شأن المنتديات الأدبية وليس في وقت وفي مكان خصصا للترويح عن النفس ، وأراد أن يقطع الشك باليقين فسأله:
ـ هل أنت متزوج؟
ـ نعم ولدي ولدان وبنت.
بعد اثنا عشر سنة واجه أسئلة من رجل مطلع على بعض أسراره ولكن في الديار العربية ، فقد راسلته فتاة ، حادة الذكاء ، ذات موهبة أدبية خارقة قرأ في رسائلها بعض المعاناة ، أرادت أن تفضفض وتقول ما في نفسها ، وكانت على درجة من الخلق والفضائل . وقف إلى جانبها مسليا تارة ومواسيا تارة أخرى حتى تزوجت . حدث الرجل عنها فسأله:
ـ ما ذا تنوى بها؟
ـ سأساعدها قدر المستطاع .
ـ ما ذا تتمنى منها؟
ـ أتمنى أن تشاركني في دار نشر .
ضحك بسخرية قائلا:
ـ إنهن خلقن لغير ذلك فاغتنم الفرصة ....
في إحدى رسائله إليها ، كتب: [ .... حاولي قدر المستطاع أن تشغلي نفسك بأمور أخرى وإن بدت تافهة ، وعليك أن تقتنعي بأنك امرأة في أحسن الأحوال وعاء إنجاب ومكانك السرير والمطبخ ، وإلا غادري هذا المكان إلى حيث للأدب مكانة..... ] . لكنه لم يخبر أحدا بطالبة كلية الطب التي قدمت مع أمها لشراء غرفة نوم مفردة فتعرفت إليه. حدثته عبر الهاتف عن مشكلتها مع الزوج الهرم الذي اختاره لها أبوها وعن رغبتها في مواصلة دراستها والتمتع بحياة إلى جانب فارس أحلام تحبه ويحبها ، حدثها ـ بالرغم من عدم قناعته بما يقول لها ـ بما تقتضيه الأعراف والتقاليد وأنها تستطيع أن تجعل من الرجل الذي تتزوجها رجل هي التي تزوجته ، وعندما أكد لها بعد حديث طويل أن وراء كل رجل عظيم امرأة ، أجابته:
ـ في ديارنا وراء كل امرأة رجل ظالم .
إن إلمامه باللغة الإنجليزية يكفي لاكتشاف بعض الإخوة العرب في أسبانيا وهم يحتالون على بني جلدتهم . لا وجود للضمير هنا ، فكل قادم من الخليج العربي صيد ثمين أو سمين ، يغرقون فيه أنيابهم الحادة ، إذا اشترى وإذا سهر ، وليس ذاك فحسب ، بل يرسلون بضائع بغير المواصفات التي اتفق عليها.
التوقيع :
  رد مع اقتباس
قديم 11-18-2007, 06:45 AM   #145
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـ 47 ـ

كثيرة هي الخطايا التي يرتكبها قلة ليتعذب منها قوم آخرين.....
لا يجد متعة في العمل ولا حتى في المعيشة ، وهذا الشعور مشترك لدى جميع المكفولين ، ويعود السبب إلى السلطة المخولة للكفيل ، فهو الذي إن شاء أعطى وإن شاء منع فلا عقد شراكة ولا تكافؤ. المكفول مهدد في كل حين ما لم يكن طيعا بالمطلق إلا من رحم ربك وهم كثر ، فالآدمية والضمير لدى بعض الأطباء وهي أيضا لدى بعض الكفلاء ، فبعض الأطباء يرهقون المرضى بالدفع الغير مبرر ، وبعضهم على درجة من النبل والخلق والأمانة وكذلك الكفلاء .
كلما نظر إلى أولاده أوصى نفسه بالصبر ، وكلما رآه كفيله يعمل بهمّة ظن أنه مسرورا به وبعمله والفرق بينهما واضح جدا ، الضمير فقط ، ولو أنه بذل في الحياة ماء وجهه لكان إلى الغنى سهل الطريق كما قال الشاعر العربي ، لكنه رفض العمولات المشبوهة وعمل بإخلاص مع كفيله الذي لم يوفه 10% من حقوقه.
وسط هذه الظروف كان يسير بمفرده حاملا همه والهمّ الأكثر الذي أخذ منه مأخذا فأرهقه وسبب له الأرق: كيف يستطيع التوفيق بين العمل وساعاته الغير محددة والتي تبلغ أحيانا ثلاثة عشر ساعة عبر مسافات ولقاءات مع مصدرين أوروبيين وآسيويين في الفنادق وبين الإشراف على مملكته الخاصة ، وتربية الأولاد الخاضعين لتأثيرات سلبية وخطيرة ، فالشارع خالٍ تماما من أيّ معنى حسن ،ولا تتوقع أي تأثير إيجابي من شارع مزدحم بشباب غائبين رواده ، إذ تسمع بين الحين والآخر عن شرطة في حادثة سكر أو مخدرات أو سرقة أو شذوذ . وليس هو الوحيد الذي يحمل هم تعليم أولاده هنا بل جميع أبناء الجالية الخاضعين لحكومة عدن ، فلا بلاد تحتضنهم ولا بلاد تقبل بهم دون قيود مجحفة .
إن المعجبين ببقاء عادات وتقاليد الجاليات الهندية والباكستانية والعديد من الجاليات المغتربة في نيروبي وجوهانزبيرج وكيب تاون ، إنما يتحدثون عن حال من الاستقرار النفسي والمعيشي والإجتماعي والسياسي في الوطن الأم لدى المغتربين أولئك ، فظلوا مرتبطين وجدانيا بديارهم محافظين على ثقافتهم وخصوصيتهم ، لكن الحضارمة ينطبق عليهم شطر البيت: ( كريشة في مهبّ الريح لا تستقر على حال من القلق ) منذ أن غادروا ديارهم . فالحال السياسي في الديار متقلب أدّى إلى عدم استقرار الحال المعيشي والاجتماعي ، ويكفي أن تعلم بأن كل ما أرسله من مال أيّ مغترب إلى بلاده محفوظا في أصول عدا الذي استنفذ في الاستهلاك ، إلا أموال الحضرمي فهي معدومة ، فحضرموت ابتلعت من الأموال ما يشيد حضرموت ثانية ، مكيفة أرضيتها من رخام تحت الأرض ، لكنها بقيت على حالها إن لم تكن إلى الأسوأ ، فلا عقار ولا زرع يفيد بالرغم من تلك الأموال التي أرسلت إليها من أصقاع الأرض ، وإن من ينظر إلى رسوم المغتربين سيجدها أطلالا إلا أنها تحدثك عن ثراء وعن ذوق رفيع في الهندسة والبناء .
  رد مع اقتباس
قديم 11-18-2007, 06:46 AM   #146
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

_ 48
_
إن عدم استقرار في بقعة يعني أن تختار بقعة أخرى للعيش والاستقرار والبناء ، فما كان من البناء في المهاجر إلا الإعمار الإسمنتي والخرساني أما الإنسان وهم الجيل أبناء المغتربين فكان حظه من البناء سيء في بعض منهم ، ففقد الكثيرون هويتهم وان ارتبطوا ببلاد مسقط رأس الآباء ، فلا لهجة محلية تروق لهم ولا يعون مثلا شعبيا ولا يطربون حتى لإيقاع أغنية ، ويا ليتهم منصهرين في بعض الديار العربية لهان الانفصام ، فهم ليسوا من هؤلاء ولا أولئك.
في توجيه ولده عمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هوية يمنية وخصوصية حضرمية تتداعي ، وأغلب الحضارمة يشكون من هذه الظاهرة ، وهي صحية على كل حال ، فالإنسان ابن بيئته ، يؤثر ويتأثر فتأثر الجيل بالبيئة المحيطة به ، الرافضة له عندما كبر. علم أن ابنه في إدارة المرور فذهب إليه ، ولم يكن الخطأ مروريا وإنما هو صوت رفعه فاستشاط رجل المرور غضبا عندما علم بأنه أجنبي فأوقفه . قدم اعتذاره لرجل المرور وأوعد بأن يؤدب ابنه فأطلق سراحه . وعندما تحدث إلى ابنه كان هذا غاضبا من رجل المرور ، مدّعيا أنه لم يخطئ وهو فعلا لم يخطئ ، وكان صعبا على الأب إقناع ابنه بأن الذي فعلت كان خطأ [ فصوتك ـ يا بني ـ يجب أن يظل صوت أجنبي غريب الديار ، صوت خافت في أدب واحتشام ، وليس كصوت أحد أصدقاءك من أبناء البلد ] ، ففهم ولكن بعد لأي وإلى مطبّ جديد.....
إن من يعي سلامة الإنسان نفسيا وذهنيا يعرف مدى العذاب والضياع الذي كان من نصيب أجيال بعد دهر من اغتراب الأشقياء من بلاد قست عليهم كثيرا ، ولن تبنى مجتمعات بنفوس هزيلة ركيكة أو بذهن شارد .
إنها رحمة من رب العباد ولطفا منه عندما منّ على الحضارمة بالخير الوفير ، فالذين استثمروا المال في الولد ، عاد إلى الأسواق متعلما ، كادرا حفظ نفسه وستره الله ، والذي استثمروا في عقار ، ستر الذرية ، والذين أوتوا عقلا عاشوا به ، ولا يزالون في الصدارة من حيث الأمانة والإخلاص في العمل ، وإن كان بعضهم تأثر بخمول ولا مبالاة أتت من غير المدار الذي ساروا عليه أجداده وآباؤه وإن للمدينة ضريبة ، و[ عن المرء لا تسل وأسأل عن قرينة فكل قرين بالمقارن يقتدي ] .
فراغ يقضيه الشباب المتسكع في الشوارع والأزقة بين مجموعات لا يروحون عن أنفسهم إلا بكرة القدم في الأزقة معرقلين بذلك السير للراجل والعربات ، فيحصلون على الشتم ويردون بأسوأ منه والذين لديهم سيارات يصطحبون أصدقاءهم بعيدا عن الحي في نزهة قد تنتهي بصدمة السيارة أو الحجز في دائرة الشرطة وبين عفو وتعهد بأن لا يعود إلى مثلها أو سجن في قسم الأحداث أو سجن في قسم الإصلاح ينتهي بالإبعاد من البلاد. آباء يخافون طيش المراهقة ، ومخدرات ذهبت بنضارة الشباب ومنهم من يتحدث مع نفسه في هيئة رثّة ومنهم من يذبل وينتهي...
هذا نصيب من لا يحافظ على رعيته ، والذين حافظوا وتابعوا وتقصوا هم في مأمن من هواجس الخوف . أراد السؤال ـ كما هي العادة ـ عن سجل ابنه الدراسي والأخلاقي ، فذهب إلى المدرسة ، وسمع وكيل المدرسة يتحدث إلى ولي أمر طالب ، قائلا: تسأل عن ابنك بعد ثلاثة أيام من غيابه عن المنزل ، أين كنت في اليوم الأول؟ ، فأجاب: علمت من أمه البارحة فقط أنه غائب عن المنزل منذ ثلاث. عاد أدراجه ثم جاء في صبيحة اليوم التالي فسرّ بما سمع وسأل الله دوام الحال ، والحفظ والصون من أيّ مكروه وشكر المدرس وانصرف. لكنه وآباء ثلاثة تعاونوا على البر بعد أن لاحظوا الأنسجام بين صغارهم ، فساعدوهم على تقوية روابط الصداقة البريئة التي استمرت إلى المرحلة الثانوية ، وكانوا لا يفارقون البيوت الأربعة ، وإن ذهبوا فإلى مكان معلوم .
حالة القلق الأخرى هي تلك الكارثة التي جرّت معها كوارث وتداعيات زادت من المعاناة والمكابدة . إنها حرب النفط أو حرب الخليج الثانية التي سببها الغزو العراقي للكويت. هذه الحرب جاءت على حين غرّة وبينت الصدق من الكذب والشك من اليقين واعدو من الصديق، وتحددت المواقف المتباينة بين الحكام العرب في ظل انعدام الثقة ، وجرى العرف أن يدفع الأبرياء قيمة الخلافات كما حدث في اتفاقية كامب ديفيد ، فجميع طلبة اليمن الذين كانوا يدرسون في مصر طردوا بجرة قلم ، وسيدفع أبناء اليمن هنا في نجد القيمة نظرا لموقف حكومتهم من الغزو والذي اعتبر مناصرا لصدام حسين ، وأيا كانت فهي عبء ثقيل على ابن الجنوب . من الإنصاف أن لا ندعي بأن السعودية كانت سبب الكارثة ، كما هي الحقيقة أن لا ندعي بأن حكومة اليمن الموحد الآن كانت السبب. رأت السعودية أن أمنها فوق كل اعتبار ، ورأت الحكومة اليمنية أن صلابة الموقف فوق كل اعتبار ، فكان الضحية بين الكبار اقتلاع جالية بكاملها إلا من وافق بتصحيح أوضاعه ، ويعني تصحيح الوضع أن يتحول من حر طليق يعمل لدى من شاء أينما شاء ، كل من يحمل جواز يمني شمالي ، يتحول إلى مكفول لدى كفيل يعمل لديه فقط ولا يتنقل في المملكة إلا بتصريح من كفيله مختوم من قبل إدارة الجوازات ، أسوة بجالية عدن ، وأن لا تكون مدة الإقامة أربع سنوات بل سنتان أسوة بجميع الوافدين إلى البلاد . رفض الكثيرون هذا الإجراء واختاروا المغادرة النهائية دون حساب لما سيترتب على هكذا مغامرة. إن النزوح كشف ما كان عليه اليمنيون في هذه البلاد من وضع يحسدون عليه. نزحوا بمعدات وآليات تابعة لهم ، وباعوا عمائر ومحلات تجارية عائدة إليهم . ما كان هذا ليعرف لولا الغزو العراقي للكويت ، فكان التستر هو الشائع ، وفوق ذلك خرجوا بممتلكاتهم دون سؤال.
إلى الصدمة سائرين هم الذين يحسنون الظن في الآخرين ، ملزمين أنفسهم بالصدق والوفاء في بعض الديار العربية الثرية . كان ذلك يوم صيف قائظ عندما أخبره صديق بأن أحد الشخصيات المرموقة يبحث عن محاسب يدير له أعماله ، فسر لذلك النبأ وقابل الشخصية المحترمة وباشر عمله وكانت فرصة له بأن يقدم كل ما لديه بصدق وإخلاص وكثير من الاحترام والود ، لاسيما وأن هذا الرجل الطيب تعرض إلى أذى من إداريين وماليين وفنيين تولوا إدارة أعماله فيما مضى . عمل على تحديث الإدارة وفتح المنافذ المغلقة وعمل بجد وإخلاص ، وكان لا يهتم بما يقوله المنتفعون الحساد ، إلا أنه اصطدم عندما استمع الشيخ الكريم بعد سنتين من العمل الشاق إلى من يؤذيه ويقيده بالحرير وعندما صدّق الوشايات الكيدية ، اتهم ـ دون تردد ـ الصادق المجتهد بالقصور وأوجعه بجمل قاسية ، فغادر حزينا غير أن الذكر طيب يبقى لأهله ولو بعد حين ، وذلك ما حدث. في بعض الديار الثرية غلب التزلف والنفاق ، غلب الصدق ، فتجرع الصادقون الصابرون المرارة بعد خسارة المال وبقاء الجاه الموقر وكسب المنافقون المخادعون بعد كسب المال واستبدال الجاه الموقر بجاه محقر عند الذي يدري عن خطايا التزلف والنفاق.
هي الصورة الثابتة التي ما انفكّت راسخة في خيال حر ، تعلق بأمة هيأتها الصحراء والسهول والوديان ومرتفعات الجبال وأعراف أجداد وآباء ، وقبل كل ذلك قرآن مجيد وسنة مطهرة لأن تكون ذات بأس شديد وطموح كبير وعزيمة لا تعرف اللين ، تعيش فوق أرض تمتد من المحيط الأطلسي غربا إلى بحر الخليج العربي شرقا . كان يحلم بأن تكون جنة الله في الأرض ، يتجول فيها وكل من يتكلم لغة الضاد دون عرقلة من عسكري أو ضابط مخفر ، تنعم فيه بخيراتها من نفط وذهب ومعادن أخرى ومما تنبت الأرض على ضفاف نهري النيل ودجلة والفرات ، وراء كل ذلك الدماغ العربي . إلا أن المشهد أبى إلا أن يكون موجعا في كل حادثة وزمان....
  رد مع اقتباس
قديم 11-20-2007, 07:36 AM   #147
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـ 49 ـ


في بلد الزعيم

في لحظة أتت مفاجأة تراكم الماضي في مخيلته ، كيف وهو في طريقه إلى وطنه الثاني: أرض الكنانة . شعر بالتفوق كيف وهو ابن سلالة نظيفة سطرت أمجادا في أصقاع الأرض .
بعد أن أغلقت أبواب الطائرة استعدادا للإقلاع من مطار روما عام 1989 ، رأى في الصورة رجال ، لكنهم يقتاتون على حساب الجياع وهو شرقي بأخلاق الكرم والضيافة الشرقية . شعور ليس كشعور الرجل الأبيض كما ذكر وليام سيبروك ـ أمريكي 1921 في كتابه: [ مغامرات في بلاد العرب ]: ( إن أحد الموظفين الإنكليز في بغداد قد حذرني عندما علم أنني أخطط للإقامة مع قبائل الصحراء ، فقال: إن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يحظى بها الرجل الأبيض بالاحترام هي أن تتشدد في موقفك ، وأن تشعر على الدوام بالتفوق العرقي المتأصل على [ أبناء البلاد ] .
العرب ثلاثة فقط لا غير ، راكب تونسي وشاب سعودي [ كفيله ] وهو ، والباقون سائحون أوروبيون في طريقهم إلى أرض الكنانة للتفرج على معالمها السياحية الشهيرة وقضاء ليالي يدعون أنها جميلة ، لذلك شعر بالتفوق . الرحلة لم يخطط لها ، بل جاءت عرضا إذ لم يجدا رحلة من روما إلى مدينة الرياض إلا عن طريق اليونان ، دمشق ،ثم الرياض أو القاهرة ، الرياض ، ففضلا القاهرة ويلزمهما الانتظار في المطار 24 ساعة . كان يتوسط عبد الله وشاب تونسي يشكو من إطالة أمد حكم الرئيس أبو رقيبة ويشكو من الكبت وتكميم الأفواه ، داعيا إلى الديمقراطية ، وأنه ، أي أبو رقيبة احتكر كل تونس بدون منازع. كل الحوار عبر عن مواجع الأمة لوجود التشابه في المعاناة حتى سئما فساد الصمت . فكر في خريج كلية الحقوق ، التونسي المشرد ومن مثله من الكوادر والكفاءات وحمد الله تعالى على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ، منها الجوار اليمني الخليجي الذي ينفس عن ضائقة ومن بقي في الديار ينفس عنه القات ولكن إلى حين .
عادت به الذاكرة إلى مدينة شبام وإلى المسيرات وصورة جمال عبد الناصر ، وإلى صوت أحمد سعيد ، المعلق السياسي في إذاعة صوت العرب الذي فاجأهم بالأنباء السارة ، بإسقاط طائرات إسرائيلية في حرب 1967 ، فذرفوا دموع الفرح ثم ذرفوا بعدها بأيام ستة دموع الحزن بعد أن تبيّن أن الذي دمر هي الطائرات المصرية وهي رابضة في المطار . نكسة قصمت ظهر مصر والعرب جميعا . غمره شعور بالغبطة وهو يتخيل شوارع القاهرة التي شهدت ازدحاما بأبنائها المحيطين بالزعيم كما رآها في مجلة المصور وآخر ساعة وروزواليوسف في الأعوام هاتيك ، غير أن ساعات الانتظار كما علما ستكون محدودة بحيث لا تسمح لهما بالدخول ، ولكن عبدالله قاسم [ كفيله ] ، الشاب أكد أنها الأربع والعشرون ساعة تكفي لأخذ جولة في مدينة المعتز ، فصدق ما قاله فالسعودي في الغالب يعرف عن مصر أكثر مما يعرف عن بلاده نظرا لتردده على البلد السياحي الساحر. هبطت الطائرة واصطف الركاب ، فقدم عبدالله جوازه واستلمه مختوما مع ابتسامة وعبارة ترحيب من موظف الجوازات ، ودعوه بالشيخ عبد الله باشا وقدم المكفول جوازه فطال الانتظار قليلا غير أن الأمر حسم ، فالمذكور غير مرغوب في دخوله الأراضي المصرية لسبب لا يعلمه . استدعي إلى غرفة أخرى وجرى التحقيق، وعندما أدرك عبد الله أن الساعات ستمضي دون فائدة ألغى التأشيرة ووقف إلى جانب كفيله، وطلبوا منه مغادرة الغرفة فبقي الحالم بمشاهدة عاصمة الزعيم مع الرقيب ، وذات أسئلة قصر البشائر في صنعاء مع قليل من الاختلاف ، فالمعاملة في العاصمة الأم ، صنعاء، كانت ودّية وكل قطر يحتضن أبناءه بدفء . أحد الأسئلة:
كنت بتعمل إيه في إيطاليا؟
- حضرت المعرض الدولي للمفروشات في ميلانو.
- وجاي بتعمل إيه في مصر.
- الرحلة ترانزيت إلى الرياض ، واقترح كفيلي أن نتجول قليلا في شوارع القاهرة حتى يقترب موعد الرحلة إلى الرياض.
ثم حضر آخر وهات يا سؤال...............
تذكر ما حدث لبعض الزملاء الذين كانوا يدرسون هنا من حسن بلاء كرد فعل من الحكومة المصرية تجاه حكومة اليمن الديمقراطية الشعبية التي تمحورت في جبهة الضد بعد لقاء كامب ديفيد ، وهذه العادة متبعة بين الدول الشقيقة ، فكلما نغص أحدهما الآخر انعكس الغضب على الرعية الذين لا حول لهم ولا قوة .
تضامن مع ليبيين في الصالة لا يدري من أين قدموا غير أن المصيبة واحدة ، منعوا من الدخول ولا يدرون بأن يمني متضامن معهم في محنتهم يعاني ذات الحال .
معلومات جوازه تؤكد أنه سافر في ذات الشهر ( سبتمبر ) في الأربع السنين الماضية لحضور المعرض في ميلانو ، وأنه يحمل تصريح بالإقامة من دولة تعرف كيف تقي نفسها ، ولا تعطي تصاريح بالإقامة إلا لمن يستحق ثم أنه يرافق كفيله ، غير أن حفيد الزعيم أبى أن ينظر إليه كعربي شقيق فعامله كعدو. مرّت أربع وعشرون ساعة كانت صعبة للغاية ، تنقل خلالها في ستة مواقع ، إحداها غرفة الحجز بها تلفيزيزن شاهد طائرة الملك حسين ( ملك الأردن ) تهبط المطار ، فكان العناق الحار والحشو في الأخبار كما جرت العادة . آخر دقائق قبيل الإقلاع جاء عسكري أنيق برتبة عالية يعتذر ، فقال له: والله ما كنت أحسب أني سأواجه متاعب في بلد أحبه منذ الصغر... بلد من أحببناه وهو الزعيم الخالد [ أبو خالد ] ، فردّ:
- يرحمه الله..
- [ حملت صورته على رأسي في مسيرات طلابية في حضرموت الأبية التي عادت شقية ، فشقي أبناؤها وأنا أحدهم هنا] ، ثم سرد له مرحلة الغرام والتعلق وعشق طلبة وسكان حضرموت لمصر وزعيمها. [ عرب ثلاثة في الطائرة التي أقلتنا من مطار روما والباقين أوروبيين ، فيدخلون هم أرض عبد الناصر وأحتجز أنا دون سبب . الأوروبيون الذين كانوا يكرهون الزعيم يدخلون بسلام آمنين ، وأقعد أنا وحيدا في غرفة مظلمة كبيرة مستسلما لهجمات البعوض....إلى الفراق يا عزيزي] . ابتسم ، قائلا: ما عليش...حصل خير.

--------------- سالم علي الجرو ---------------

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 11-20-2007 الساعة 07:41 AM
  رد مع اقتباس
قديم 11-20-2007, 08:30 AM   #148
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـ 50 ـ


في الطائرة كان يمازح كفيله ، ويناديه بالشيخ ، معلقا على ما حدث ظنا منه أن رفيقه سيقول جملا مفيدة ناقدة . كان الشيخ الكفيل الباشا يستفزه في دعابة عندما يشير إلى سمعتهم بين الأمم ، أبناء اليمن الجنوبي ، ويصفها بالسيئة ، كل ذلك من باب التسلية والمزاح ، لكن المزاح أحيانا يعبر عن حقائق ، وكان يعلم أن مقاييس كفيله في تقييم الأمور لا تنم عن علم ولا حتى إلمام بما يدور وهذا حظه ، وهل علينا أن نحاسب الأساتذة العظام الذين جعلونا نحب الوطن العربي ونحب قلعة العروبة ، مصر العزيزة ، أو يحاسب هو أساتذته الذين جعلوه كالأطرش في الزفّة . كل يغني على ليلاه.
استاء من المحقق الذي كان غير ودّي معه ، فكان يخاطبه بفوقية وتعالٍ كمتهم قابل لأن يكون صيد ثمين ، موجها إليه أسئلة قاسية لا بأس لو وجهت إلى سياسي يتلاعب بالألفاظ ويحكم المناورة أو إلى محترفي اختطاف الطائرات أو الذين يحملون حقائب مفخخة أو الذين يتاجرون في مادة التي إن تي، ولكنها توجه إلى من ينتظره صغاره في أحد أحياء مدينة الرياض وهنا سر الحزن . العجيب أن المحقق الموظف غير آبه بالأجوبة التي لا تروق له وهي صحيحة ، فهو في شك مريب . لذلك لا يأبه بحقيقة ما يقوله بائس مغترب شبه مشرد يحمل في الحقيبة ملابسه وفرشة أسنان وعلبة شيكولاته لصغاره ، فهو يبحث عن صيد يكبر به أمام مرؤوسيه ، ويعتقد أن كل من يحمل جواز جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مشكوك فيه أي معرض لشبهة الإرهاب ، وهؤلاء ملاحقون على وجه البسيطة. على أن الشك في محله فلقد دأبت حكومة عدن على إعطاء جوازات سفر لغير اليمنيين الذين لهم قضايا مع الاستعمار ومغتصبي الأراضي والأوطان ، استخدموها في مهمات يصفها صاحب الحق بالنضال المشروع ويصفها المغتصب بالإرهاب . لكن الصورة هنا تختلف والبراءة واضحة ولا تحتاج إلى التضخيم الذي لا يدل إلا على قصور في الوعي وفهم المهنة. لو كنت مكانه لحملت مسئولية الممنوع من الدخول كفيله الشيخ عبدالله باشا وأحيانا يقولون: [ البيك ] .
في الرحلة إلى الرياض خفّت النزعة القومية المتأجّجة في ذهنه وأحشائه لا سيّما وأنه سيهبط بعد ساعات في مطار الرياض العاصمة الرائدة لأمة واحد ، هي أمّة الإسلام ، وأدرك أن القومية صرخة اشتدت وقويت وهي الآن في طريق الاضمحلال وأن العهد القادم سيكون للعملاق النائم وهنا تخيل صورة الإمـام حسن البنّا واستعرض تاريخ مؤسس حركة الإخوان المسلمين وكذلك السيد قطب ، لكنه لم يقف على مشروع ، وتذكّر ذاك الرجل ، القصير القامة الذي يحمل سمات جاوية وهو حضرمي . كان لا ينفك عن مصحف بيده وكلما انتهت صلاة جماعة في مسجد عمر بالمكلا أو مسجد الروضة إلا ونهض وهلل وكبّر ، ثم سبّح واستغفر ، ثم قال كلامه المعهود:
كلّه هنــا ..... حل مشاكل مسلمين كلّه هنا ( مشيرا إلى المصحف )
كان الناس ينصتون إليه وكلّهم موقنون بأن ما يقول هذا الرجل صحيحا ، لكن أحدا لم يسأل:
ما هو المشروع المنقذ لهذه الأمة بكامل تفاصيله ، وما هي آليات التنفيذ.

لا له إلا الله محمد رسول الله

شهادة جمعت بين أمة ، قرآنهم واحد وقبلتهم واحدة لكن قلوبهم شتّى. وجميعهم متفقين في أن أوامر الله يجب أن تنفذ ، وأن ينتهوا مما نهاهم عنه رب العزة والجلال ، فالأمر يتعلق بجنة أو نار. يسمعون كل يوم جمعة نص رباني يهز المشاعر وتخشع له القلوب: ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ... ) . يسمعون النص العظيم بصوت خطيب الجمعة 192 مرة في السنة أي 7680 مرة في متوسط العمر . يأمر الله العباد بثلاثة: [ العدل ـ الإحسان ـ التواصل مع ذي القربى ] وينهى عن ثلاثة: [ الفحشاء ـ المنكر ـ البغي ] ، تؤدّي إذا ما طبقت إلى حياة السلام والمحبة ، حياة الدعة والسعادة . إن الرشوة والفساد المالي والإداري والتجسس لحساب الخصم وأكل حق الأجير تعد من الفحشاء والمنكر والبغي التي تضر بالناس في الدنيا ، تقابلها نيران حامية في الآخرة .
لكن ما وتسي تونغ استمع إليه الصينيون وقرءوا مرة واحدة عندما نهى نفسه والصينيين عن الرشوة والفساد ، ولم يؤمن بجنة ولا نار، فأيّ ثواب ينتظر هذا الشيوعي؟ ، وإذا ما قورن بمسلم عاصي فأين نضع هذا وذاك في قوائم المحترمين وغير المحترمين؟ في هذه الدنيا الفانية وكل من عليها فان. وأين الصين الآن وأين أمة الكتاب الواحد واللغة الواحدة والمصير المشترك؟ . وبالرغم من أن ماوتسي تونغ ومن هو على شاكلته لا يؤمنون باليوم الآخر إلا أنهم سيتفاعلون إذا ما علموا بأن امرأة عذبت في هرّة حبستها حتى الموت وأخرى دخلت الجنة بسبب كلب سقته ماء لا من منطلق ديني سيكون تفاعلهم بل من منطلق شعور آدمي لا يتحمل تعذيب نفس.
إنه ومذ كان طالبا في الديار الحضرمية أيام المد الناصري كان يسمع عن: [ صراع بين الحق والباطل]. يقود الباطل العلويون ، هذا ما سمعه منذ الصغر في مسجد قريته ولكنهم نعتوه بالوهابي في المتوسطة بمجرد أن أنكر صوت المزمار والنواح على الميّت ، فسأل عن الوهابية وأدرك أسباب الخلاف بين العلويين وأهل قريته وعلم من المطلعين القلائل في القرية أن الحق يقوده الوهابيون ، وتسلم كتاب صغير عليه اسم الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وذهب به ليفحم مخالفيه ومنتقديه غير أن أحدا من الطلبة لم يهتم بما يقول بل إن البعض ابتعد عنه وكأنما أتى بدين جديد،فشق عليه ذلك .
النشاط الوهابي نشاط إصلاحي ويقول البعض بأنه تجديد وهو الطريق القويم والمنهج السليم لتنقية عقيدة التوحيد ونبذ البدع كما يقول دعاته ، فهم يدعون إلى نقاء وصفاء العقيدة أي خلوها من أيّ مظهر شركي ولا عبادة لغير الله ، لكن آخرين ممن ينتمون إلى فرق أخرى يقولون بغير ذلك ، وعلى وجه التحديد مسألة زيارة القبور التي يرى فيها العلويين نسك بينما يؤكد الوهابيون أن زيارة القبور فيها دعوة لغير الله ومن يدعو غير الله فقد شرك .
كان القوم في البلاد الشقية متآلفين ، يصلون جماعات ، وكل مسجد هو بيت الله ستؤدي الصلاة فيه وظيفتها: [ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ]، بخلاف اليوم ، فإن التآلف لم يعد بذلك الدفء والصدق ، وإن المساجد توزعت ونمطت ، فيختار نفر مسجد دون آخر لأداء الصلاة ، لا لفرق في التهوية أو لقرب المسافة ، وإنما لتفريق بن المساجد وتنميط وهي كلها بيوت الله يتوقف تعميرها على من يذكر اسم الله فيها . وكانوا يجتمعون في السراء: في الأعياد ومناسبة الأفراح ، فرحين يعانق كل منهم الآخر أما اليوم فلا ، واقتصرت المشاركة على ذوي القربى وعلى الأصدقاء. وفي البأساء والضراء وأيام الكريهة فلا تدري من هم أصحاب السراء ومن فيهم أصيب بابتلاء ، إنهم يلتحمون مع بعضهم في تساند وتعاضد . فإن كانت المصيبة تخص القوم تعاونوا على تخفيف وطأتها ، وإن كانت تخص نفر أو فرد شاركوا في التسلية والمواساة والعزاء والتوجع.
كانوا يتوادون فيما بينهم ، خاصة في مواصلة الأرحام ، هم اليوم في ود غير أن المرء يدعو الله بأن يكون نابع من قلب رحيم.
فشيء من الأثر السلبي عائد إلى التقلبات السياسة التي ورثت التباعد والنفور وإلى آثار المدنية ، وهذا لا حول ولا قوة للمرء فيه ، وشيء من عند أنفسهم غير أن الأثر السلبي الخطير الداعي إلى الانقسام هو ذاك الذي يعود إلى حملات منظمة ، هدفها: تثبيت رؤيا جديدة أو نظرية أو مبدأ بدافع مذهبي أو سياسي لغايات بعيدة لأناس بعيدون . فعندما يرفض مسلم الصلاة في مسجد ، سواء فرض أو نافلة أو صلاة على الميت بحجة أن هذا المسجد وهابي ، ويرفض مسلم آخر الصلاة في مسجد آخر بحجة أنه علوي ، فإن هذا الرفض الصغير هو بداية لرفض كبير قادم وماذا نتوقع من تصدع وتشقق وتمزق من ضربة فأس في اللحمة التي دأبت عليها الديار الحضرمية في الداخل والخارج؟. قرأ شاعر شعبي الحال الحضرمي قبل ثمانون عاما ، فصور المشهد:
راحت جهة لحقاف لحمة فأس سرحت بالبرود
راحت مع الصّاحب بلا قيمة ولا سلّم نقود
لم يعرف الوطن العربي ولم تعرف اليمن قط في تاريخها ، خاصة حضرموت فرقة وحال من التمزق كالذي نعايش في هذا اليوم العصيب من تاريخ أمة آخت بين شعوب الأرض وقدمت التضحيات في سبيل الوفاق بين المسلمين ، هي اليوم في ضيق من أمرها: طائفيا ومذهبيا لا تآخي ولا تآلف ولا ود وتنذر الأمور بعواقب سيئة مستقبلا إذا ما أخذ في الحسبان الاستغلال السياسي لهكذا فرقة..

على المستوى الوطني تلوح في الأفق ثقافة جديدة تقوم على التفريق والكراهية تغذيها جهات أو هي نتاج صراعات داخلية غاب عن إدارتها النّضج والعقل الهادىء . لا شعور جماعي كما هو المعهود في البلاد السعيدة بمسئولية المحافظة على التاريخ وسلامة الكيان في إطار تلاحم وطني كذاك الحال التي عرفته اليمن في مراحل تاريخها العريق. أغلب الصراعات السياسية الداخلية الدموية وغير الدموية كانت من أجل بقاء اليمن تاريخ وحضارة وموقع مؤثر في الساحات ، ولن يبلغ ذلك المنى ما لم يتحقق الحلم الكبير .
تحقق الحلم الكبير بعد نضال شاق غير أن كثير من الأحلام نأت ولم تكن الوحدة في المستوى الذي يحسبه المناضلون مكسبا وطنيا ولا قوميا كما هو المرجو بل صارت مغنما . كان الحلم الكبير أن تتحقق الوحدة فكانت وكانت الفرحة إلا أنها رسخت بعد قتال عنيف ترك آثارا سيئة أضاعت كثيرا من الأحلام فحلّت الدموع والحسرات وعند الكثير الندم . تحققت وحدة الأرض ولم تتحقق وحدة الإنسان الذي كان موحد في الأساس منذ الأزل بالرغم من الحدود الجغرافية المفروضة عليه بين شطريه غير أنه تمزّق ـ ويا للأسف ـ بعد تحقيق الحلم الكبير.
ما كانت ستضيع أحلام شعب حي لولا الانشقاق الفوقي والتأثير الإقليمي وما عكسه ذلك على الذهنية اليمنية من شقاق وتنافر في القاعدة تغذيه سياسات لها حساباتها الخاصة لا يدخل فيها الإنسان الموحد ، ومن شروط نجاحها أن يظل الإنسان ممزقا. ما كانت ستضيع أحلام شعب ذكي لو أن القيادات تحملت مسئولياتها التاريخية والإنسانية والأخلاقية . المسئولية التاريخية في أن يبقى اليمن يمن طبيعي، والمسئولية الإنسانية في أن يظل ابن اليمن طبيعي تسيره الأعراف والدين والعادات والأخلاق اليمنية وليس السياسات ، والمسئولية الأخلاقية في عدالة القيادة نحو شعب يسكن فوق مساحة يحسد عليها تمتد غربا من البحر الأحمر إلى حدود سلطنة عمان شرقا.
عندما كانوا طبلة كانوا يعبرون عن أنّة واحدة بصرخة مدوية ضد استعمار بغيض ، بصوت مجلجل هادر، فإذا بها أنّات عندما كبروا ، ولكن لم يستطيعوا التعبير عنها ولو بصوت خافت، وأنّى لهم ذلك والقوم شتّى؟ فما تقوله هنا لا يخدمك هناك. تآكلت الأقوام ، وإن بدت كثرتهم ، فهم [ غثاء كغثاء السيل ] .
مدينة عدن التي كانت تحت الإحتلال البريطاني كانت تستقبل السفن التجارية فتنوعت فيها الثقافات وتعددت اللغات غير أنها بعد طرد الإنجليز تلونت بالدم عندما قتل الثوار بعضهم ، وفي الداخل تداعيات الصراع الطبقي والمذهبي والطائفي.
***
مصر العزيزة أدارت ظهرها........
العراق الصخرة يتفتت.....
فلسطين على فوهة بركان.........
لبنان العقل والعروبة من محنة إلى أخرى...........
سوريا القلعة الأخيرة مهددة........
السودان لا زال يصارع الأمواج....
الصومال في اقتتال دائم........
اليمن.. اليمن.. اليمن.....
كثيرة هي الأنّات في عالم اليوم ....
أكباد تحترق........

------------------- سالم علي الجرو -------------------
  رد مع اقتباس
قديم 11-20-2007, 08:48 AM   #149
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

شكـر

أشكر جميــع الإخوة الذين شرّفوني بقراءة ثرثرتي ، وساهمـوا بردود كانت ولا تزال محل تقدير واحترام

الحلقــة: ( 50 )
هي آخر حلقة ، وأتمنّى على القرّاء أن يشرّفـوني بنقدهم وتصويبهم للرقي بثرثرتي إلى مصاف المقبول في أذهـان القرّاء في هذا الزّمــان.

مع جزيل تحيــاتي

أخوكم/ سالم علي الجــرو
  رد مع اقتباس
قديم 07-30-2008, 05:00 PM   #150
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

لديّ مجموعة قليلة من الكتب النادرة ، أهداهم إليّ صديقي الورّاق: احمد كلاس عيسى أحببت أن أودعها هنـا للحفظ ، أبدؤها بكتاب:

( من كتاب لبّ التاريخ )

( لبّ التاريخ ) ـ ثلاثة أجزاء في مجلّد واحد ـ طبع:المطبعة الحسينية بمصر
{ تأليف محمد أفندي غنيم } ، مدرس اللغةالعربية والتاريخ بالمدارس الأميرية

الجزء الأول: يشتمل على تاريخ: مصر ـ طبع عام 1327هجرية
الجزء الثاني: يشتمل على تاريخ: الأمة العربية والسيرة النبوية ـ طبع عام: 1328هجرية
الجزء الثالث: يشتمل على تاريخ: الإسلام ـ طبع عام: 1328 هجرية.

كنت قد بدأت بكتابتها بعد جهد جهيد في سقيفة التاريخ ، لكنني وجدتها في سقيفة المحذوفات ، ولما أني أحبّ كتابي كمحبّتي لولدي فإنني أرغب في حفظه هنا معتمدا على الله ثم على حرص أخوي: عقيل عثمان صالح بالربيعة.
ودّعتك الله يا كتابي.

رابـــط

سقيفة الشبامي
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اسر ضحايا 13 يناير تقدم اسماء ضحاياها لمجلس الامن والمحكمة الدولية؛؛؛؛؛ الخليفي الهلالي سقيفة الحوار السياسي 11 06-02-2011 02:35 PM
سالم الجرو والتحرش بكتابة التراث الشعبي والتاريخ الحضرمي الدموني تاريخ وتراث 10 04-19-2011 10:18 PM
هل نحتاج لانقلاب ليُصلح الحال سالم محمد باعباد الســقيفه العـامه 49 03-01-2011 07:39 PM
الحضارم السلفيون ابوسعدالنشوندلي سقيفة إسلاميات 0 12-12-2010 02:24 PM


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas