بين إستدلالات الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتناقضاته

[( masterkey )]

قرأت مشاركة للبعض في السقيفة الدينية .. يضع فيها المشارك بعض الشروحات لكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله .. وكعادة أتباع الشيخ نجدهم يتحدثون عن مؤلفات شيخهم وكأنه كتب سماوية لايأتيها الباطل .. ويصطدم القارئ عندما يرى أن تلك الكتب مشحونة بعبارات التكفير .. وفيها من الأحاديث الضعيفة .. فأتباع الشيخ يبالغون في تقديس مؤلفات شيخهم ويبالغون في تقديس شيخهم نفسه .. في الوقت الذي تجدهم ينكرون على غلاة الصوفية .. وغلاة أتباع المذاهب الأخرى غلوهم في شيوخهم .. فهم ينكرون الغلو في المشائخ ويتناسون غلوهم في شيخهم ومؤلفاته ..

الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه عُرف عنه الإستدلال بأحاديث فيها من العلل الإسنادية والمتنية مالايحصى .. وهذا واضح تماما لكل من يقرأ شيئا من مؤلفاته ككتاب التوحيد أو كشف الشبهات أو حتى مجموعة رسائله .. وإستدلاله بمثل تلك الأحاديث جعل الشيخ محمد يتوسّع في تعريفات الشرك وتقحّمه أبواب التكفير .. فهو قد بناء كل أقواله في الشرك والتكفير على نصوص ( ظنية الدلالة ) أو لمفهومه الخاطئ للنصوص والأحاديث .. فهو ينزل بعض النصوص القرآنية نزلت أصلا في مشركي مكة ولكنه يطبقها على المسلمين وبذلك يخرجهم من الإسلام إلى الكفر ..

والملاحظ أن الشيخ محمد كتب هذا الكتاب وغيره وكأنه يوجهها لمشركين يقرّون بعبادة غير الله تبارك وتعالى .. ولكن الشيخ كعادته يرى بأن كل من يخالفه مشرك ..

أما بخصوص ( حديث معاذ ) الذي أورده الشيخ فهو يتعارض مع النصوص القرآنية والأحاديث الأخرى ( قطعية الدلالة ) .. فظاهر الحديث يدل على أن المسلم عليه أن يتجنّب الشرك بالله فقط .. وإذا لم يشرك بالله فإن الله سيدخله الجنة .. حتى لو هذا المسلم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق .. هذا هو ظاهر الحديث وهذا يتعارض مع نصوص قرآنية أخرى .. فكأن الحديث يقول لنا :

لو قتل بعضكم بعضاً .. أو ظلم بعضكم بعضاً .. أو لو أرتكبتم كل الفواحش .. ولم تشركوا بالله .. فإنكم ستدخلون الجنة من أي بابٍ شئتم . ( ماهذا القول ؟؟ ) .
هذا يدل دلالة قطعية بان الشيخ محمد والكثير من اتباعه لديه فهما خاطئا للكثير من النصوص والأحاديث . وهذا خطأ منهجي ناتج عن إتباع دليل ظني الثبوت والدلالة .. وإهمال أدلة قطعية أخرى أقوى . فلا يجوز لأحد أن يستدل بحديث معارض لنصوص قرآنية صريحة ..

ألا يعارض هذا الحديث هذه الآية الكريمة (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء : 93 ) .. فكيف يستدل الشيخ محمد بهذا الحديث الذي يعارض هذا النص القرآني الصريح ؟؟؟
ألم ينص القرآن الكريم صراحة على تعذيب المسلم الذي يقتل النفس التي حرم الله حتى ولو لم يشرك بالله ؟؟؟ ألا يدخل القاتل المتعمّد النار حتى ولو كان على التوحيد ؟؟

النبي صلى الله عليه وسلم لايناقض القرآن الكريم في أحاديثه .. ولايمكن أن يناقض أحاديثه الأخرى .. فإذا وجدنا حديثا يتعارض مع نصا قرآنيا أو حديثا قطعي الدلالة فعلينا تصحيح فهمنا للحديث على أقل تقدير وعلينا أن ننزه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا التناقض .. قبل أن نقوم بتنزيه البخاري أو غيره . فنبينا صلوات الله وسلامه عليه أحق بالتنزيه من البخاري وغيره(1) ..

لاأريد الإطالة في بيان تعارض متن هذا الحديث مع النصوص القرآنية قطعية الدلالة .. بل أن هذا الحديث لو أسهبت في بيان تناقضات متنه لوصل الأمر إلى المساس بالنبوة وإتهام النبي صلى الله عليه وسلم بمالايليق بمقامه الشريف . والطعن في الصحابة رضي الله عنهم .

أما حديث عبادة بن الصامت الذي إستدل به الشيخ محمد في صحيح البخاري .. فلايجوز نسبة هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأن ما كل حديث صحيح الإسناد نجزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. خصوصا إذا كان ظاهر متن الحديث معارضاً لنصاً قرآنياً كحديث معاذ أوحديث عبادة بن الصامت .. فصحة إسناد الحديث لاتعني صحة المتن .. لأن صحة المتن تتطلب قرائن تتوافق مع نصوص القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة والعقل ولاتتعارض معها .. فظاهر حديث عبادة بن الصامت مخالف للقرآن الكريم .. وكذلك حديث معاذ ..

كما أن حديث عبادة بن الصامت الذي إستدل به الشيخ محمد فيه علة إسنادية فضلا عن تناقض متنه مع القرآن الكريم .. فالحديث يجسد عقيدة ( المرجئة ) فأنظروا كيف يستدل الشيخ محمد بن عبدالوهاب يستدل بحديث يجسد ويخدم عقيدة أهل الإرجاء .. علما أن الشيخ محمد رحمه لايوافق أهل هذه العقيدة .. ولكن جهل الشيخ محمد بهذه العلل الإسنادية والمتنية أوقعه في مثل هذا التناقض العجيب .. وعلة سند حديث عبادة بن الصامت هي :
الحديث رواه البخاري في صحيحه عن صدقة بن الفضل قال : حدثنا الوليد بن مسلم ( الدمشقي المدلس ) وهو علة الحديث ..

والوليد بن مسلم هذا هو شامي دمشقي من موالي بني أمية وهو على عقيدة المرجئة حيث أن بني أمية نشروا عقيدة الإرجاء لتبرير مظالمهم وهو ممن كان يكذب على الإمام الأوزاعي .. وقد أفسد الكثير من أحاديث الأوزاعي .. ولما سئل أحمد عن هذا الحديث قال :
حديث ضعيف ورأي ضعيف ( ذكر ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة الأوزاعي ) ..ثم أن الوليد بن مسلم كما ذكرنا من مرجئة الشام .. ومرجئة الشام أقبح أهل عقيدة الإرجاء وللمزيد عن معرفة المرجئة وتصنيفاتهم راجع كتاب ( نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام للدكتور النشار الجزء الأول ) ..

الخلاصة :
الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه يستدل بأحاديث يجهل الكثير عن إسنادها .. ولايعلم بمخالفتها لنصوص قرآنية صريحة وهذا واضح لمن قرأ مؤلفاته .. وهو ليس من أهل الحديث .. كما أنه يتوسع في تعريفات الشرك والتكفير نتيجة لجهله بعلم الحديث وفهمه الخاطئ لمدلولات النصوص القرآنية والحديثية ..

ومن الغريب حقاً ان الشيخ محمد بن عبدالوهاب تجده متناقضاً حتى في التكفير .. فنجده يكفّر البعض في موضع وينفي أنه كفّره في موضع آخر فهل كان الشيخ محمد ينكر هذا هروباً من الإلزامات أو أنه يستخدم التقية التي ينكرها على الرافضة ؟؟؟ وكلا الأمرين قبيح ومن أمثلة ذلك :

تجد الشيخ محمد ينكر تكفيره لإبن عربي في رسالته لأهل القصيم والتي نشرتها جامعة الإمام محمد بن سعود .. بينما يكفّر من شك في كفر إبن عربي ( أنظر الدرر السنية 2/45)(2) ..

كما أنه أنكر بأنه يكفّر من لم يدخل في طاعته أو يوافقه من علماء عصره ( الدرر السنية 10/128) بينما نجده يرسل رسالة إلى الشيخ أحمد بن عبدالكريم وهو عالم حنبلي نجدي معاصر له يقول له :
( ... طحت على إبن غنّام وغيره وتبرأت من ملة إبراهيم وأشهدتهم على نفسك بإتّباع المشركين ....) ..( أنظر الدرر السنية 10/64) .
وقوله مايلي في رسالته للشيخ سليمان بن سحيم العلامة النجدي الحنبلي :
( نذكر لك أنك أنت واباك مصرّحون بالكفر والشرك والنفاق . أنت وأبوك مجتهدان في عداوة هذا الدين ليلاً ونهارا . أنك رجل معاند ضال على علم . مختار الكفر على الإسلام . وهذا كتابكم وفيه كفركم ) .(الدرر السنية 10/31) . أليس هذا تكفيرا للعلماء الذين ينكره الشيخ ويزعم بانه لم يكفّرهم ؟؟

والتناقضات عند الشيخ محمد بن عبدالوهاب عجيبة فهو يكفّر أهل سدير وأهل الوشم ويكفّر أهل الشام ومصر ويقول : ان الشرك قد ملأ الأرض في عصره (الدرر السنية1/266) .. بينما يقول : ان أكثر الأمة على الدين الصحيح ( الدرر السنية 1/83) .. تناقضات لانهاية لها .

كما أنه يقسّم ديار المسلمين لديار إسلام وديار كفر .. فالبلاد التي تدخل تحت طاعته فهي بلاد إسلام والتي لاتوافقه فهي بلاد كفر بمافي ذلك مكة المكرمة .. فقد كفّر أهل مكة جميعا في الدرر السنية ( 10/86) .. بل زعم بأن أكثر أهل الحجاز ينكرون البعث ( أنظر الدرر السنية 10/43)

وهذا يعتبر من المبالغة في التكفير والتوسّع فيه .. فهل يظن عاقل بان أهل الحجاز ينكرون البعث ؟؟ ان كل المسلمين واليهود والنصارى يؤمنون بالبعث .. أليس هذا من التوسع في التكفير الناتج عن جهل الشيخ محمد بمصاديق الشرك وتعريفات الكفر .. نتيجة للخصومة الشديدة التي تستحوذ عليه ؟؟؟

ختاماً علينا أن نقرأ الأمور كما هي بعيدا عن التقليد الأعمى والتبعية المقيتة والتعصّب المزري .. فإن الأمور واضحة وتراث الشيخ محمد المكتوب يثبت توسّعه في التكفير ولايستطيع إنكار ذلك حتى أشد أتباعه بل خالفه في تعريفاته للكفر والشرك أقرب الناس إليه ..

وفي النهاية فالشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله رجل وداعية يصيب ويخطئ وليست لمن هو أعلم وأورع منه عصمة فكيف به .. علينا أن نقرأ ماكتبه ولسنا ملزمين بأخذ كل مايقول .. ويجب علينا أن نقدّر له محاربته للبدعة والخرافة دون موافقته على توسّعه في تعريف التكفير وتوسّعه في تعريف الشرك الذي خالف فيها النصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة وأقوال المئات من العلماء الذين لم يبلغ إلى درجتهم العلمية .. فرحم الله الشيخ محمد وغفر الله له ..

(1) هذا يدل على أن صحيح البخاري والمنظومة الحديثية بحاجة إلى بحوث جادة من قبل أهل الإختصاص
(2) الدرر السنية في الأجوبة النجدية : جمع الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم النجدي الحنبلي . الطبعة السادسة وهي ( مجموعة رسائل ومسائل علماء نجد الأعلام من عصر الشيخ محمد بن عبدالوهاب )