المبتسمون

قبع سكر · 06-17-2011, 01:55 PM

المبتسمون

نوال نمشان الدوسري

ستكون الأم قد رفّتك بالدعوات إذا ما تشبّع صباحك بالابتسامة، ووجدت شعاعها يتوّج وجه كل من تقابله في سبيلك إلى العمل، وحتى خلال انهماكك في محيطه، هم مثلك قد قضوا يوماً مشحوناً، وربما بالكاد حصلوا على الراحة الكافية، وكان عليهم النهوض باكراً ومواجهة التزامات لا تكفّ عن التجدد، لكن هذا لم يمنعهم أن يستفتحوا يومهم بعطاء بسيط ترسمه شفافهم، وقلّما يكون منفصلاً عن دماثة وأدب عام ورغبة صادقة في خدمة الآخرين أو التعاون معهم، ابتسامة عفوية هي تلك التي لا تشعر أن من يقف قبالتك يبذل جهداً واضحاً لتنفيذها، أو ينتظر منك ثمناً معيناً لها، أو يحاول أن يترك عن طريقها أثراً ما في نفسك لغاية مستقبلية، بل هي عادة تلقائية تسبق التفكير في ممارستها، ولا تميّز بين الموقف والأشخاص.

قد لا ندرك أن «الصدقة» المترتبة على الابتسامة التي عناها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) تتشابه بالفعل مع أوجه الصدقات المادية في صفة «العطاء» الفعلي، وأن قيمتها تفوق ما نتوقع، وهو ما أثبتته الدراسات العلمية والتي لا نزعم أنها قد استطاعت الاحاطة بكل خصائص الابتسامة وفوائدها، ولكن ما توصلت إليه حتى الآن يستدعي الوقوف والتدبر، فمما توصل إليه العلماء والباحثون أن تأثير الابتسامة يتسلل إلى دماغ من تمنحهم إياها، وبإمكانها توجيه العقل الباطن للآخرين، وإذا استثنينا مسألتي إشاعة السرور وإبعاد التوتر كأمرين مفهومين، يبقى دور الابتسامة في تحفيز الجهاز المناعي للمبتسم واضحاً حسب الدراسات، وتتشابه نتائجها إذا تدرجت لضحكة مقرونة بالمرح لبعض الوقت مع نتائج بعض التمارين الرياضية في المحافظة على لياقة الجسم ورشاقته!

مما لا شك فيه أن هناك مفهوما سائدا عند البعض أن الابتسامة تناقض «الجدية»، ولذا فإن عليك أن تعبس حتى يكاد جبينك يتفطر لكي تثبت للآخرين كم أنت جاد و «مهم»! وهناك من يفسر محاربته إياها بكونها تسقط «هيبته» في نفوس مرؤوسيه أو طلابه أو أهل بيته! ويحاسب نفسه حساباً عسيراً لو أفلتت منه قسراً! وهناك من يتذرع في لجوئه للكآبة الحادة أن الوضع العام لا يسرّ ولا يمنحنا رفاهية الابتسامة، فهل كل هؤلاء يحملون من المهام الجسام والمسئوليات العظام والمقام الأكرم ما يعادل ذرة مما كان يحمله الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، ورغم ذلك كان دائم البِشر والابتسام؟! لا أجد هذه الأسباب مجتمعة إلا ذريعة يتذرع بها البعض بعد أن ضلّوا الطريق إلى الابتسامة الصادقة، وأدمنوا الاكتئاب ونشر الكآبة فيما حولهم! إن الابتسامة حالة عدوى يمكن أن تنتقل بسهولة إلى الآخرين ومنهم، تماماً كما التجهم، لذلك فإن استطعت أن تحيط نفسك بالمبتسمين في رضى، والمستبشرين في صلاح، فافعل! وإن لم تجد فحذار أن تجعل للمكتئبين فرصة سلبك ابتسامتك التي تبدأ نهارك بها، فربما لن يمكنك استعادتها فيما بعد!