المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصندوق الاسود البشري


الدمعه الحزينه
02-28-2012, 01:22 AM
الصندوف الأسود البشريًًً
________________________________________



من منا يتمتع بكامل الشفافية مع محيطه، فيقول ما يشاء ويعبر عما يختلج في نفسه للمحيطين به دون مواربة ، أو تجمل ، أو لجم لعنان لسانه وتعتيم على أفكاره ؟.
ففي رحلتنا بين مراحل سنين العمر ، نمر بمحطات ومحطات. نسعد في بعضها ونطير فرحاً، ونريد أن نشرك العالم بأسره معنا في وهج نشوتنا، وتفجر مشاعرنا.
ونحزن في بعض المحطات ونبكي و ننطوي ، ونكتئب، ونتدارى عن الأعين ، ونحاول نسيان ما حصل لنا ، ولا نحبذ أن نشرك معنا أحداً في بؤسنا الموجع.
وعلى مدى هذه الرحلة نقوم بتجميع ذكرياتنا الزاهية السعيدة المحببة للنفس، وتلميعها ، وترتيبها فوق رفوف ضمائرنا ووعينا لنعود لها كلما شعرنا بريح السعادة تهز أوصالنا ، وكلما تعاظم لدينا شعور الأنا، وكلما أجتمع حولنا الأحبة في احتفاليات ودودة.
أما ذكرياتنا المعتمة الحزينة المحبطة، أو المخجلة، أو الرهيبة المزعجة المقززة، تلك الذكريات التي نشعر بها كسياط تلسع مشاعرنا بالذل والخوف. فإننا بلا وعي منا نقوم بطمرها في هوة سحيقة سوداء عمقها عمق صدى التاريخ، وبعدها بُعد المجهول. ونُهيل عليها بكثير من تراب الوهم ، وعجاج التهميش ، والغموض ، والإنكار ، والرفض. فكأننا لا نريد أن تكون تلك الذكريات جزاًء من حقيقة كياننا، ولا هامش في صفحات أحلامنا.
ومع مرور الزمن يتكون لدينا في تلك الحفرة السحيقة السوداء كتل من المعلومات والحقائق بما يشبه ما يحتويه (الصندوق الأسود)، الذي يحتوي على كنه الحقيقة، ولا يمكن الوصول إليه إلا بعد فشل رحلتنا، وتدمير مسارها.
أنها أسرارنا الدفينة التي تمثل جزاًء كبيراً وهام من كنه شخصياتنا، وتطبع على ملامحنا أثارها، وتتحكم في وجهة خطواتنا، و تعيش معنا نستشعرها في نبضنا، و نلمحها في هواجسنا.
هذه الأسرار التي لا يمكن أن تكون جميلة أو مفرحة، بل على العكس فأنها صفحات سوداء لزجة قاتمة في تاريخنا الشخصي.
ولكون هذه الأسرار هامة لدينا فأنها تتجاوز كونها أغراضاً مخزنة فوق رفوف الذكريات. فهي تعيد تكويننا النفسي من الداخل، وتبرز فينا صفات وعادات ولزمات تُعتبر رد فعل مُعاكس ، أو تفاعل لحظي مع نوعية هذه الأسرار.
ويختلف الفرد منا عن غيره من حيث عدد ونوع وكيفية هذه الأسرار التي لا نجرؤ على تذكرها إلا في ساعات الوحدة ، وأماكن الظلمة الكالحة.
وقد يتجرءا البعض منا للبوح ببعض مما يختزنه منها في صندوقه الأسود ، لقريب ، أو صديق ، أو لحبيب، أو لرجل دين أو لطبيب نفسي.
وهنا أيضا يختلف نوع وكم وكيف ما نظهره من مخزون أسرارنا للغير تبعا لحالتنا النفسية في حينها ، ولمقدار الثقة بالمستمع ، ولحجم الشفافية لدينا، ولرغبتنا في الخروج من حالة كآبة طارئة.
وبالمقابل يختلف الأشخاص في قدرتهم على حفظ الأسرار، بل أنه يندر أن تجد من يحفظ السر لفترة طويلة على الرغم من تغير الأحوال وتبدل الأماكن والظروف، وبشكل قطعي.
ومن هذا المنطلق فأننا نكبر ونعيش ونحن في ملحمة جدلية للبحث عمن يمكننا أن نثق بهم لنطلعهم على بعض محتويات صندوقنا الأسود، فنخبرهم ببعض أسرارنا، أو نعطيهم نسخة من مفتاحه.
ومن خلاصة التجارب الإنسانية التي مرت بالبشرية، وتمر بنا، و بغيرنا ممن يتعايشون معنا نكتشف يوماً بعد يوم أن كاتم الأسرار ما هو إلا وهم خيالي لا يتواجد إلا في الأساطير.
لذا فقد عمد البشر من خلال تراثهم المتوارث على تبيان ذلك، وتوضيح استحالة وجود كاتم الأسرار، وأن كُل سر جاوز الاثنين شاع.
كما أضفوا على كلمة السر وهج يجذب الآذان ، وجعلوا البحث عن الأسرار غاية من الغايات . بل أنهم كانوا يفسرون جميع ما يعترضهم من أمور غيبية بأنها أسرار يعرفها البعض وتخفى عن البعض، مما يزيدها غموضاً وتشويقا.
وتبعا للتفرقة المستمرة بين الجنسين، فأن الذكور يدعُون بأن الإناث غير قادرات بطبعهن على حفظ السر وكتمانه، وكأن الذكور قادرين على ذلك !؟.
والسر بطبعه مؤلم ، ثقيل على النفس، كالقيح النابض في قمة الخراج يبحث دوما عن مخرج يتسرب منه . ليستريح حامل السر من عنت حمله والمحافظة عليه بشق الأنفس.
وما نسبة الكآبة والحزن التي تراودان البعض منا ، وتجعلهم يميلون للبكاء إلا كمردود نفسي لما يجول في دواخلهم وفي أعطاف عقولهم الباطنية، ولرغبتهم الأزلية في الفضفضة عما يشعرون به لشخص كتوم يبحثون عنه فلا يجدونه على مر الأيام .
والسعيد منا من يقول بأنه قد وجد ذلك الكاتم الحقيقي للأسرار، والأكثر سعادة منه هو من لا يوجد في صندوقه الأسود ما يخشى من أن يبوح به من أسرار ...!
فيبتهج حتى في وحدته ، وينام قرير العين ، ويضحك ملء فمه، ويتحدث بما يشاء لمن يشاء !!


أنها حقا حياة سعيدة مريحة رغيدة يحياها بلا صندوق أسود !!
__________________
ودمتم بود

روح زايد
02-28-2012, 09:40 AM
يسلمووووووووو تحياتي