المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رئاسة مصر بين الدجل والمسؤولية


وادي عمر
04-17-2012, 08:30 AM
17/04/2012

رئاسة مصر بين الدجل والمسؤولية


تواجه مصر اليوم واحداً من أخطر المنعطفات في تاريخها الطويل والحافل بالمفاجآت والمتغيرات الكبرى, فبعد الثورة الشعبية التي أطاحت بحكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك, ومساهمة الجيش المصري الفاعلة في السيطرة على الموقف وقيادة التحول السياسي نحو بر الأمان وبقدر لا بأس به من التطمين ومنع الخراب الشامل, فإن المرحلة المقبلة والتي ستشمل إجراء انتخابات رئاسية مصرية لأول مرة منذ تأسيس الجمهورية على أنقاض النظام الملكي العام 1953, تحمل ملامحا تتراوح بين الخطر الداهم والتطمينات المشكوك بها, فلم يحدث في تاريخ مصر الحديث أن تمت أية انتخابات لمنصب الرئيس بل إن كل ما تم منذ تعيين مجلس قيادة الثورة للواء الراحل محمد نجيب كرئيس لأول جمهورية مصرية في التاريخ قبل إبعاده واعتقاله وتحديد إقامته بشكل مروع ومأساوي على يد رفاقه من صغار الضباط العام 1955, فإن منصب الرئاسة الأولى كان يتم عن طريق الاستفتاء أو النص والتعيين, فجمال عبد الناصر القائد الفعلي لتنظيم الضباط الأحرار اصبح رئيساً لجمهورية مصر العام 1956 بعد تعيين من مجلس الثورة الذي حل نفسه وبعد استفتاء جماهيري مرتب, واستمر في منصبه الرئاسي حتى رحيله المفاجئ في 28 سبتمبر 1970 ليخلفه نائبه الأوحد وقتذاك وهو الرئيس أنور السادات الذي دخل في معركة سياسية وعسكرية واستخبارية هائلة لتصفية تركة عبد الناصر وليبعد من تبقى من أعضاء مجلس الثورة القديم عن المسؤولية ويتجاهل وجود نائب الرئيس وقتذاك السيد حسين الشافعي ليعين في العام 1975 وبعد حرب أكتوبر 1973 قائد سلاح الجو المصري محمد حسني مبارك كنائب أوحد له سرعان ما خلفه في المنصب بعد مصرع السادات على يد الجماعة الإسلامية في حادث المنصة المعروف في 6 أكتوبر ,1981 ليأتي حسني مبارك بمثابة مفاجأة تاريخية لمنصب لم يكن يحلم به في ظل وجود الكثير من قادة حركة 23 يوليو 1952 ولكنها تقلبات الأقدار والفرص التاريخية وظروف الصدمة والصدفة التي تصنع التاريخ في أحايين كثيرة, وظل مبارك في منصبه الذي يتجدد تلقائيا وكان من الممكن أن تصل عدوى التوريث الرئاسي لمصر لولا تحرك الجماهير المصرية وحالة الانتفاضة الشعبية شبه الشاملة التي غيرت مسار الأحداث وألهبت الشرق بأسره بعد أحداث الربيع العربي الذي لم تنته تقلباته العاصفة بعد بكل تأكيد, لذلك فإن حالة الانتخابات للمنصب الرئاسي المصري تحمل بحد ذاتها تطورات ومفاجآت مذهلة مع إصرار كل من جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي على التنطع للمنصب الرئاسي الأول في مصر وهو ما يشكل بحد ذاته صدمة كهربائية أكثر مفعولا من سياسة الصدمات الكهربائية التي عرف بها وتميز الراحل أنور السادات, فمنصب الرئيس في مصر ليس منصبا بروتوكوليا عابرا, بل إنه منصب محوري يدخل ضمن سياق أخطر مسؤوليات الأمن الوطني والقومي ووصول أطراف غير مسؤولة وبعضها تتميز بالدجل والتاريخ المثير للشبهات يحمل ملامح خطر حقيقية على مستقبل مصر وشعبها, لايكفي للمرشح تغيير ( اللوك ) فقط ولبس البدلة العصرية ونزع العمامة للوصول لمنصب الرئاسة, فالمسألة أخطر من ذلك يكثير, والعملية ليست مجرد لعبة كراسي موسيقية ممتعة بل إنها قيادة دولة محورية بحجم ومكانة وأهمية مصر في الشرق القديم, أما من يحاول فرض سياسة الاجتثاث والمنع وتوجيه الشعب نحو خيارات واحدة فقط لاغير فهو يحصد الفشل الذريع وهو يدلل على ضعفه المتأصل وعلى سياسته العبثية, لندع الجماهير تختار بشفافية ومسؤولية, وليكن معيار الترشيح الأوحد الكفاءة والقدرة على إدارة الأزمات المصرية المعقدة والمتوارثة منذ عقود, فمصر أكبر كثيرا من أن يحتويها وينفرد بها تيار ديني سياسي يحمل خطابه الفكري والتنظيمي ملامح تشظي مصر وتدميرها, فالدجالون لا يبنون الدول والمجتمعات ولا يؤسسون لأي حالات حضارية ولأي انطلاقة فكرية أو اقتصادية, بل يزرعون بذور الفوضى والخراب, مصر ليست حقل تجارب لقوى سياسية دينية مغامرة تحاول التسلل للسلطة من خلال الركوب على معاناة الجماهير ومطالبها الحقة وتحريفها لصالح تأسيس مشروع سلطوي ثيوقراطي يؤسس لدكتاتورية مقدسة جديدة, بصراحة ومن خلال استعراض خارطة الطريق السياسية المصرية يتضح جليا بأن ملامح الصراع القديم بين المؤسسة العسكرية والجماعات الدينية يبدو أنه في طريقه للتجدد وبطريقة عصرية جديدة, فالصدام قادم لا محالة, فعرش مصر الرئاسي لا يتحمل أي حالة دجل جديدة, ورئيس مصر القادم لن يأتي قطعا من بين صفوف الدجالين الذين نعرف وتعرفون, مصر أمام استحقاق صعب وتحول تاريخي وصدام حتمي.

* كاتب عراقي

[email protected]