المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحضارمُ.. أساتذتي الكبار


هيثم الحميري
05-18-2012, 02:00 AM
الإقتصادية (العدد 5292)

الحضارمُ.. أساتذتي الكبار

نجيب الزامل

.. ويميل العربُ إلى تسميتهم الحضارمة، وعندي سواءٌ ما دامت تدل على من أعني. الحضارمة شعبٌ لم يظلمهم تاريخـُنا العربي فقط، بل يظلمهم علمُ الأنثروبولوجيا وتاريخ المجتمعات، قاموا وحدهم بأكبر تغييرٍ حضاري على وجه الأرض منذ التاريخ في أقصر مدة، في منطقة تكاد تـُرسَم حدودُها بالمساطير البحرية.. أثـّرَ هؤلاءُ القلة من الناس وبمَعـْلـَمـَةٍ أسطوريةٍ بمئات الملايين من البشر شملت ما لا يقل عن أربع أمم في الشرق البعيد.. ولم أجد فيما قرأتُ أحدا أعاد لهم هذا المجدَ الإنساني الجماعي حتى اليوم.. ولا هم أنفسُهم!
والحضارمُ طيبون ومن أكثر الناس دهاء.. ولكن الدهاء َالحضرمي دهاءٌ قائمٌ غريبٌ شاذٌ من نوعه لا وجود له في غير هذا الشعب، ولو كانت الشعوبُ تقاس عليها اللغات والصفات لكانت هنا كلمة غير الدهاء تنطبق تمام الانطباق ولا نجد إلا هذه الكلمة في العربية، إنه دهاءٌ معتق بالوارثة في التحايل على الظروف من أجل النجاح، وأرجو أن تعتني هنا معي بما أقول، إن دهاء الحضرمي كشعب، وليس كفرد، هو كيفية تسربهم إلى قلوب الناس وعقولهم فيرسمون لأنفسهم الصورة المثلى التي يريدها من في الطرف الآخر مقابلا له في التعامل العملي، دهاء يتكون مع العادات والظروف الجديدة معرفة وتشربا وتداخلا في النسيج، ولكن كل ذلك مغلف بالقماش الكتاني الحضرمي الذي لا يبلى ولا يتغير مع السنين والأحوال والظروف، هل أسميه دهاءً عمليا؟ أم دهاءً طيبا؟ ولكنه يفوق التداخل والانسجام العادي في المجموعات مع المجموعات أو الأفراد في المجموعات، إنها حالة فريدة لم أر - وأنا مهتم صغير بعلم الحضارات - مثلها في كل ما سمعت وقرأت وشاهدت.
رغم عظمة هذا الإنجاز في المسيرة الحضارية، هذا الإنجاز المدرج مواريا في هامش دفتر السجل الحضاري، إلا أن هناك الإنجاز الأكبر للحضارم، التجار العاديون الذين عبروا البحار والجبال والصحاري في سبيل أن يكوّنوا حياة أفضل، وهنا يجب أن أعمل قليلا التفكير في عقلي: لم هاجر الحضارم؟ هل للتجارة؟ ولكن كل الناس يهاجرون للتجارة، بل هناك أمم بعينها تتشتت في الدنيا طلبا للتجارة منهم اللبنانيون والأرمن والصينيون واليهود ويفتحون إمبراطوريات في كل الأماكن وفي كل زمن.. السر أن الحضرمي يعلم أنه من مادةٍ غير قابلةٍ للذوبان، وأنه لا يرتكب خطأ أخلاقيا، ولا يكوِّن مجمعات ضغط، ولا يخرق القانون، أنهم يسيرون خارج مجتمعاتهم كتبا مفتوحة في التصرفات ومعادن لا تصدأ من السلوك والأخلاق "هؤلاء السمرُ الدقاق الأنوف اللامعي العيون بذكاءٍ خفي يأتيك من أعماق الصحراء" :لحظة! هذا الكلامُ ليس من عندي، إنه في وثيقةٍ معلقةٍ في متحف شخصي في سنغافورة في شارع العرب، لإرسالي هولندي. قلت للسيد أحمد باسرور وهو حضرمي جاء أجدادُه هناك: "أعتقد أن هذا المبشرَ كتب أكثر، ولكن لأمر ما أُخفيت هذه الوثائق". ضحك الحضرمي باسرور ولم يقل شيئا غير تلك الابتسامة الصامتة التي يقابلك بها الحضرمي فيعصرك فضولا: هل يقول شيئا؟ أم أنه لا يقول؟!"
إنه الدهاء الحضرمي، هذا الجـِينُ المعتق عبر القرون الذي لا يتغير ولا يتبدل ويبقى الحضرمي باسرور الذي لم ير حضرموت في حياته تماما مثل ابن عمه باسرور في مدينة شبام الآن. كان باسرور يعلم شيئا ولم يقله.. ورحل مريضا وأخذ أسرارا معه من ضمنها وثائق لم يسلمها لأحد.. (على الأقل بحدّ علمي) فالحضرمي يتلبس كاملا المجتمعَ الجديد، ويدخل في كل سِمّ في جداره، وعندما يجتمع الحضارمُ في المساء أو في بيوتهم، وإذا هم ذات الحضرمي الذي بقي في وجدانهم من قرون. عائلة الكاف أو السقاف في سنغافورة أو في جاوة، خذ أي فرد منهم الآن إلى حضرموت، وسيتلفع بالوزرة الحضرمية ويتابع يومه.. وكأن حاجز القرون مجرد معبرٍ للخروج والدخول.
على أن الإنجازَ لم يقف هنا، إنه اختلط مع مكونات التركيب الحضرمي ليصنع معجزة أنثربولوجية ثيولوجية كما يقول مختصو العلم، فهم، غير حال المبشرين و"الجوزويت" الذين انتشروا كالناموس في شرق آسيا، نجحوا نجاحا مبينا في نقل الإسلام من غير أن يدّعوا يوما أنهم دعاة.. أثبت الحضرميُ أن الإسلامَ ينتقل فقط لأنك مسلم.. مسلمٌ كما يجب أن يكون المسلم، في أي حال، في أي ظرف.. ويقول "كوندويني" إيطالي أقام في إندونيسيا حتى مات أوائل القرن العشرين: صعق الناسُ عندما رأوا تاجرا بلا كاهن.. ولما وجدوا (سالمين) موظف (باناجي) يصلي أمامه وكبار التجار في ساحة السوق.
درْسُ الحضارمة الأكبر: كلنا مشروع داعية لو أردنا، وأننا مشروع داعية بلا خطة مرسومة سلفا.. إننا مشروع داعية بأن نمارس الإسلام بصفاته الأساسية الأولى نصلي، نزكي، نتواضع، نبتسم، نحب، ولا نغش في كل مهنةٍ وفي كل رفقة.
ولما سألني الشيخُ الدكتور محمد العوضي في برنامجه التلفزيوني: "كيف أسلم مفكرون ومهنيون أجانب في الشرق بعد نقاشاتٍ جرت معك؟"
قلت له: "أن أكون مسلما بسيطا، كما علـَمني الحضارمُ.. أساتذتي الكبار!"

http://www.aleqt.com/2008/04/07/section_frontpage.html

نديم
05-18-2012, 04:33 AM
اول مره اسمع كلام واقعي وينصف الحضارم
على مستوى الأعلام
اسمع في المجالس وبعض المقابلات الخجوله عن الحضرمي الانسان والتاجر
بكلمات معدوده
ولكن الوضع هنا رائع وفيه قليل من الأنصاف
:
شكرآ من الأعماق على هذه المتابعه الجميله اخي هيثم
بجد اسعدتني هذه المقابله
دمت في سعاده

هيثم الحميري
05-18-2012, 12:34 PM
وشكراً على متابعتك وتعقيبك أخي الكريم
بارك الله فيك

خذني معاك
05-20-2012, 04:17 AM
, - هيـــ الحميري ـــثم ::

- سلمت اناملك على هذا النقل الرائع بروعة وطنيتك

- يا شاعر السقيفة - وأزيدك من البيت شِعراً فيما قال عنهم الشاعر :

خاتــــــمة من الشعر الشعبي الحضرمي :



من حيث ما حطّ القدم للحضرمي يبقى أثر= فيه الأمانة والوفاء والصدق مع بعد النظر

الحضرمي دكـتور ومهندس وعــالم معتبر= الحضرمي موقعه في أعلى تسلسل للتجر

الطيب طبعه والشهامة في بلاده والسفر= الصين تشهد له وتشهد له بالأخلاق المجر

والدين بفضل الله ثم بالحضارم انتشر= في آسيا وافريقيا شرع الحضارم ما قصر

أيضا وفي جـده وفي نجد وفــي الخبر =والعاصمة صنعاء وفي تونس وفي الدوحة قطر

الحضرمي صمته ذهب خالص وكلماته درر= ما يعرف الهذرة ويهرج بالمفيد المختصر
- ارجو أن ينال أعجابكم حبايبي ..

بنت شبامية
05-20-2012, 07:54 AM
كلام منصف ..
يستحق الحضارم اكثر ..
هذا الشعب النبيل .. الكريم العريق ..

هم ان صح التعبير اكثر من يطبق الحديث الشريف ..
( الدين المعاملة ) في حياتهم وشتى تعاملاتهم ..
كذلك .. شعارهم الفعلي ..
( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) .
علاوة على انهم من صناع النجاح ..
استاذنا هيثم الحميري ..
تحياتي وشكري .
http://www.youtube.com/watch?v=IKAsK2aBHHk

الاسد القرشي
05-20-2012, 10:30 AM
مشكور اخوي موضوع اتمنى ان تقرأه الاجيال القادمه والحاليه ليحافظوا على ما اسسه اجدادهم في مغارب الارض ومشارقها

مسكين قلبي
05-20-2012, 01:06 PM
والنّعم في الحضارمة والله
كلنا فخر كوننا منهم
شكرا أستاذ هيثم الحميري
فائق التقدير والاحترام لشخصك الكريم.

هيثم الحميري
06-01-2012, 01:34 AM
أخويّ الكريمين أبو خالد والأسد القرشي
أختيّ الكريمتين بنت شبامية ومسكين قلبي

الحضارة والتاريخ والتراث .. زاخر مثلما تزخر السماء بنجومها , لكن السؤال الأهم الذي يتجدد ويتكرر: أين هو أرشـيفه ؟ .. بمرارة الحسـرة والأسـف لا نجـد من المعنيين بالأمر وأخص بالذكر وزارة الثقافة والسياحة الإهتمام الكامل بالدعم والتحفيز للبحث والتنقيب عن كنوز وجواهر مفقودة .. حصلت على بعض الإصدارات التي صدرت مؤخراً من أخي فضل ناصر بن الشيخ علي مدير عام فرع الوزارة بحضرموت وكلّها لا تتصل بموضوعنا , فإذا كان تاريخ حضرموت الداخلي منتقص ولم يوف حقه , فليس بمستغرب أن يكون تراثها الخارجي مُصادر , إما ماكتب على المستوى المحلي فهو جيد ويشكر لمن أجتهد واستجلى بعضاً من هذه الجوانب.. صلة الإرتباط بوسط أقصى الشرق لم تزل قوية وهناك الكثير من الحضارم هم حلقات وصل بين من أستقر من العائلات هناك منذ مئات السنين بحكم صلة القرابة والرحـم , كما بلغ الحضارم منازل عليا في التجارة ومعهم إخوانهم اليوافع الحضارم وهناك أسماء ـ في الوقت الراهن ـ يشار إليها بالبنان على وجه الخصوص بأندونيسيا والدول الناطقة بالملاي بشكل عام .. إما في الهند مثلاً فقد أنقطع الإتصال والتواصل أو كاد وذلك لأسباب نوع الإرتباط وأهدافه وخاصةً بعد إستقلال الجنوب العربي الذي أعلن فيما بعد باليمن الجنوبي .. حضرموت التاريخ والحضارة مخطوطاتها تعج بالتفاصيل وتنضح بكل أصيل , لكنها ومع الأسف بعضها ألتحف التراب أو الغبار والآخرى ذهبت بأيدي اللصص أو أقتنيت بأبخس الأثمان , وللأسف من يشتري هذه المخطوطات ــ هـم ــ حضارم , ليتهم يهدفون لإخراجها والحفاظ عليها وليس لغير هذا الغرض إنتظار كسبٍ من مزادات الآتية من السنين , لا يوجد هناك توثيق أو صون حقوق .. صدر للبروفيسور إنجسنج هو Engseng Ho المحاضر في علم الإنسانيات في جامعة هارفارد في العام 2006م ــ وهو مستشرق حديث ــ كتاباً أسماه مراقد تريم The Graves of Tarim , يصف فيه حركة الهجرات القديمة للحضارم عبر المحيط الهندي خلال الخمسمائة سنة الماضية إلى الهند وجنوب شرق آسيا ويظهر المؤلف إندماج هذه الثقافات البعيدة كل البعد عن مفهوم المستعمِر والمستعمَر والذي مكّن الحضارم من التكيّف بالمناطق التي حلّوا بها , وقد أدهش ذلك الإمبراطوريات الأوروبية كما وضع المؤلف سِيَرْ بعض الأسر وتاريخها وخاصةً من أهل البيت , وبيّن كيف إن علم التاريخ ودراسة إندماج الثقافات يمكن أن يطرح مفاهيم جديدة لدراسة تاريخ الأديان والهجرات والإمبراطوريات..
لم يقم المؤلف بمجهود كبير , كل مافعله زيارة أقام فيها بعض الوقت في تريم وبعض مدن الداخل وذهب إلى الأماكن حيث الآثار ذات الإرتباط وألتقط الصور وأستشف كل الإجابات على أسئلته من إستطلاعاته الميدانية وإستبيان المواطنين والحديث معهم وإطلاعه على بعض المراجع والمخطوطات المتوفرة!!
ألا يجدر بنا ونحن أصحاب الحق أن نؤلف ونصدر سلسلةً من الموسوعات , ونضع مالم يضعوه وننشئ إرشيفاً متكاملاً لتاريخنا بدلاً أن نضع تاريخنا في إرشيفهم ..!! مثل ذلك أيضاً في شرق إفريقيا التي مازالت أواصر الصلة وثيقة إلى يومنا هذا بين أصل وفرع العائلة في الخارج والداخل..
إما قبل ذلك ــ منذ أكثر من 700 سنة ــ كانت الهجرة إلى دول الشمال الأفريقي , فإبن خلدون الحضرمي الذي ينتهي نسبه إلى وائل بن حجر ولد بتونس حيث أقام أبواه هناك , ومدينة سوسه؛ المدينة الثالثة بالجمهورية التونسية كان إسمها إلى عهدٍ قريب حضرموت.. فهذا المؤرخ والمؤسس لفلسفة التاريخ وعلم الإجتماع الذي يقال عنه أنه فرع فلسفي جديد لم يخطر على قلب أرسطو.. كان يأمل إبن خلدون ممن يأتون من بعده أن يستمروا في البحث , فيتمموا ما فاته من المسائل , وتحقق أمله بالفعل ولكن على أيدي الفلاسفة الغربيين أمثال فيكو وأوجست. تتنافس كل من تونس والمغرب ــ وحتى الأندلس ــ وكذلك مصر بنصب تذكاري وكل بلد تدعي أنه ينتمي إليها , ولد بتونس وعاش في المغرب والأندلس وتوفي في مصر.. وكالعادة في كل اليمن لانرى تكريماً إلا لإسم إبن خلدون على لوحـة لمدرسـة ليس أكثر.. كان علينا أن نأخذ بكيفية تنظيم المجتمع ونظرياته في فلسفة إبن خلدون.. ياترى هل سيكون الحال كما نحن عليه اليوم..؟!!
تحيتي لكل من تفضل مشكوراً بالقراءة , وليت إخواني في هذا الصرح الشامخ أن يثروا مثل هذه المواضيع بما لديهم , وأوجه الدعوة لكل المختصين والمهتمين والباحثين بأن الوقت قد حان لتوثيق مانستطيع في إرشيفنا لتاريخنا الجدير بأن نبذل الغالي والنفيس لأجله..
طابت أوقاتكــــــم,,