مشاهدة النسخة كاملة : أفكار استراتيجية لمكافحة التحديات الأيديولوجية للأمن القومي الأميركي (1 - 8)
وادي عمر
07-16-2012, 08:52 PM
أفكار استراتيجية لمكافحة التحديات الأيديولوجية للأمن القومي الأميركي (1 - 8)
دوغلاس ج. فيث
وليام أ. غالستون
أبرام ن. شولسكي
أثارت هجمات 11 سبتمبر، التي هزت الأميركيين وجعلتهم يدركون أن الإرهابيين الإسلاميين يعتبرون بأنهم في حرب مع الولايات المتحدة، ردا أميركيا متعدد الأوجه. فالجيش، الاستخبارات، مؤسسات تطبيق القانون، الوسائل المالية والديبلوماسية كلها قد تم تسخيرها لهذا الغرض. ومنذ البداية، قال بعض كبار المسؤولين الأميركيين بأن الحرب على الإرهاب ينبغي أن تشتمل على مجهود جدي لمكافحة الإيديولوجية التي تشكل دافعا لأعداء أميركا الإسلاميين المتطرفين.
في الواقع، لقد قال بعض المسؤولين بأن «معركة الأفكار» ليست مهمة ببساطة وحسب، بل إنها حيوية لأجل تحقيق النصر.
مع ذلك لم يُبذل مجهود جدي من هذا النوع لا من قبل إدارة بوش ولا من قبل إدارة أوباما. وقد أشار معلقون عبر الطيف السياسي إلى أن ما قامت به الحكومة الأميركية على مدى العقد الماضي في مجهودها لمكافحة الإيديولوجيات العدائية كان متواضعا. هذا التعليق هو نتيجة الدراسات التي تمت داخل وخارج الحكومة.
في الحرب ضد الإرهاب الجهادي، لا يمكن للعمل العسكري وتطبيق القانون أن يكونا حاسمين. وكدولة ذات قيمة بحالتها الآن لجهة القبض على الإرهابيين وقتلهم وتعطيل موارد تمويلهم، لن تحقق الولايات المتحدة النصر إلا إذا تمكنت، بداية، من منع الناس من أن يصبحوا أعداء إرهابيين لنا. إن تحدي الأسس الإيديولوجية للتطرف الإسلامي - التشكيك بالمعتقدات التي تدفع بالأفراد لارتكاب الأعمال الإرهابية وتوفير الدعم المالي ووسائل دعم أخرى له - هو المفتاح للتقليل من خطر الإرهاب إلى درجة يتم احتواؤه يوما ما بواسطة طرق فرض القانون العادية.
إن الثورات السياسية الأخيرة في العالم العربي جعلت الهواجس الأميركية بشأن التطرف الإسلامي تتوسع. وإن الانتخابات في مصر وتونس تنبئ بالكثير: ففي حين قد ترغب الولايات المتحدة بالقيام بعمل ما مع القوى العلمانية أو الليبرالية الموجودة ضمن هذه المجتمعات، فإن دعمهم الشعبي و»مؤهلات الشارع» تعتبر محدودة. فبالنسبة للسنوات القليلة التالية، على الأقل، سوف تحدد الأكثرية الإسلامية لهذه البلدان مصير الديمقراطية ومدى معارضة سياساتهم للمبادئ والمصالح الأميركية.
ليس لدى الولايات المتحدة خيار سوى التشجيع على نوع من النقاش الإسلامي الداخلي المتبادل الذي قد يزيد من حدة الانقسامات بين المتشددين المتصلبين والقوى المستعدة لصنع سلامها وديمقراطيتها وتعدديتها.
ففي مصر، هناك بعض إشارات على أن الإخوان المسلمين قد يكونون أكثر ارتياحا بصياغة تحالف حاكم مع الأحزاب الليبرالية منه مع السلفيين، الذين فاجأ عرضهم الانتخابي القوي حتى المراقبين المتمرسين في المشهد المصري.
ربيع تونس ومصر
لقد وسَّعت الثورات السياسية في العالم العربي الهواجس الأميركية بخصوص التطرف الإسلامي. إذ إن الانتخابات في مصر وتونس تخبرنا الرواية نفسها إلى حد كبير: ففي حين قد ترغب الولايات المتحدة بالعمل مع قوى علمانية أو ليبرالية داخل هذه المجتمعات، فإن الدعم الشعبي لهؤلاء و»مؤهلات شارعهم» تعتبر محدودة. وبالنسبة للسنوات القليلة المقبلة، على الأقل، سوف تحدد الأكثرية الإسلامية لهذه البلدان مصير ديمقراطيتها ومدى معارضة سياساتها للمبادئ والمصالح الأميركية. وليس لدى أميركا خيار عدا تشجيع حصول نوع من النقاش الإسلامي الداخلي المتبادل الذي قد يجعل الانقسامات أكثر حدة بين قوى متشددة وقوى مستعدة لصنع سلامها بالديمقراطية والتعددية.
بعد فوز الإسلاميين في الانتخابات الشعبية في تونس، قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لجمهور من الشباب التونسي: «هناك البعض في تونس وفي أماكن أخرى ممن يتساءلون عما إذا كان بإمكان الأحزاب الإسلامية أن تكون منسجمة مع الديمقراطية حقا. حسنا، لقد كان لدى تونس فرصة الإجابة على ذلك السؤال بالإيجاب، ولتبرهن بألا تعارض في ذلك».
بالنسبة لحكمنا على الأمر نقول بأن هذا النوع من الانفتاح على الاحتمالات الديمقراطية هو أساس صحيح بالنسبة للسياسة الأميركية -إلا إذا قدمت الوقائع على الأرض جوابا سلبيا على تساؤل الوزيرة كلينتون. فمن مصلحة أميركا القيام بكل ما يمكنها للتشجيع على إجابة إيجابية، بما فيه من خلال حملة أفكار استراتيجية للنوع الموصوف هنا. إلى جانب أن ليس هناك من بديل عملي حتى الآن.
هواجس الحكومة الأميركية
إن قدرة الحكومة الأميركية على مكافحة الإيديولوجية العدائية من خلال حملة «أفكار استراتيجية» سوف تعطي ثمارها بشكل شامل في مجال الأمن القومي. إن إضعاف الإسلاموية المتطرفة والتأثير على المنظمات الإسلامية لرفض التطرف سيعزز الموقف الأميركي في العالم العربي ويحسن فرص تحقيق أهداف السياسة الخارجية هناك. وفي الوقت الذي تحصل فيه المنظمات الإسلامية على السلطة والقوة، فإن لدى هؤلاء موعد مع الواقع، واقع يصبح فيه هؤلاء مسؤولين عن الحكم والتجاوب مع المطالب الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية الشعبية بظل الظروف والتحديات الموجودة. ومن المرجح أن يكون هذا الوقت هو وقت الفوضى والاضطرابات الفكرية والسياسية بالنسبة لهم، وإن القدرة على التأثير عليهم بعيدا عن الإسلاموية الراديكالية سيكون مكسبا عظيما للسياسة الخارجية الأميركية.
إن تقصير الحكومة الأميركية في هذا المجال سيكون له عواقب، لأن التطرف الإسلامي يبقى مشكلة كبرى للأمن القومي. وبحسب «استراتيجية الأمن القومي» لإدارة أوباما:
ليس هناك من تهديد أكبر للشعب الأميركي من تهديد أسلحة الدمار الشامل، تحديدا الخطر الذي يشكله «مواصلة الحصول على أسلحة نووية من قبل متطرفين يمارسون العنف» وانتشارها إلى دول إضافية. لكن الإرهاب النووي هو أحد الأوجه فقط لخطر أكبر يشكله التطرف الإسلامي. ويبقى التوصيف التالي الأوسع للتهديد الموجود في «الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب» لإدارة بوش، صحيحا:
إن العدو الإرهابي الرئيس الذي تواجهه الولايات المتحدة اليوم هي الحركة العابرة للحدود للتنظيمات والشبكات والأفراد المتطرفين - والداعمين الحكوميين وغير الحكوميين لها - حيث إن الأمر المشترك بين هؤلاء هو استغلال الإسلام واستخدام الإرهاب لغايات إيديولوجية.
لقد قالت إدارة أوباما، «إننا في حرب مع شبكة محددة هي القاعدة، ومع الإرهابيين التابعين لها الذين يدعمون جهود مهاجمة الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا». لكن هذا التعريف للعدو يبدو ضيقا جدا. خذوا مثلا قضية المايجور نضال حسن، الطبيب في الجيش الأميركي، الذي قتل 13 شخصا، بمن فيهم زملاؤه من الجنود، وذلك فيFort Hood في تشرين الثاني 2009. في هذه القضية لا يبدو بأن هناك أي دليل يربط المايجور حسن، «تنظيميا»، بالقاعدة، رغم أنه جزء من «الحركة العابرة للحدود» المذكورة آنفا. إذاً، هناك حاجة لتعريف وتحديد دقيق لـ «التطرف الإسلامي»، تعريف يصف الرؤى- وليس مجرد التنظيمات - التي ينبغي لنا استهدافها ومكافحتها. (القصد من البيان العقائدي المرفق مع هذا التقرير تلبية تلك الحاجة). ويتعامل التقرير الحالي مع الوسائل الإعلامية التي قد يستخدمها المسؤولون الأميركيون لمكافحة الأصولية الإسلامية. إن استخدام وسائل أخرى (على سبيل المثال، النظام المالي، تطبيق القانون، أو العمل العسكري) لمكافحة المعتقدات فقط (وليس الأفعال) يطرح تساؤلات (كآنية التهديد، الاعتبارات القانونية، الخ.) بأننا لا نعالج الأمر هنا. نريد أن نتحدى أفكار الأفراد الذين يقدمون المبرر للإرهاب المرتكب من قبل آخرين، في الوقت الذي لا يؤيدون فيه الإرهاب مباشرة، (مثلا، عن طريق الخطب بأن الغرب معاد للإسلام حتما) لكن هذا لا يعني بأنه سيكون من المناسب استخدام وسائل أخرى عدا الوسائل الإعلامية ضد أولئك الذين يحملون هذه المعتقدات.
هدف هذه الدراسة
في مراجعة لرد الحكومة الأميركية على التحدي الإرهابي الإسلامي، تبرز إحدى النقاط: بالنسبة لكل التقدم الذي حققناه في مهاجمة الشبكات الإرهابية في الخارج وتعزيز الإجراءات الأمنية هنا في الداخل، كان هناك فشل عام في مواجهة «مركز الجاذبية» للتهديد الإرهابي. وتحدد هذه الدراسة الكيفية التي يمكن بها للحكومة الأميركية رفع جهودها لمعالجة هذا الفشل وتغيير الجو الأيديولوجي الموجود في العالم الإسلامي بشكل عام، كما ينكب التقرير بشكل خاص على طرح نوع المنظمات الحكومية وغير الحكومية التي ينبغي إنشاؤها للقيام بهذا المجهود.
لقد تصور واضعو هذه الدراسة بأنه قد تمت دعوتهم إلى «المكتب البيضاوي» وبأن الرئيس تحدث إليهم وقال التالي: «لدينا نجاحاتنا العسكرية وفي مجال تطبيق القانون ضد الجماعات الإرهابية. لكن هذه الجماعات مستمرة باجتذابها لمجندين وداعمين جدد. نحن لم نقم بتلقيح الجماهير الأساسية ضد الأفكار الإرهابية. في نفس الوقت، لا يبدو بأننا في موضع جيد للتأثير على الطريقة التي يتطور بها الوضع السياسي في بلدان كمصر، تونس، وليبيا، وربما في أماكن أخرى في الاضطرابات السياسية الحالية التي تسود الشرق الأوسط. هذا إخفاق قديم في مجال «القوة الناعمة». ما الذي يمكننا القيام به بشأن هذه المشكلة؟ ماذا ينبغي أن تكون عليه مقاربتنا الأساسية؟ هل نحن بحاجة لوكالة حكومية أم لمنظمة غير حكومية للشروع بهذا المهمة؟ وما الذي ستفعله؟».
هذا التقرير، إلى جانب البيان العقائدي المرافق، يمثل ردنا.
أما نقاطنا الأساسية فهي:
•مشكلة الإرهاب ليست مشكلة القاعدة فقط. لا يمكننا حلها بتركيز جهودنا على منظمة واحدة والتابعين لها. إن جوهر المشكلة أيديولوجي.
•الأيديولوجية العدائية هي نسخة متطرفة أو راديكالية للإسلاموية التي يشار لها أيضا بالإسلام السياسي، هي إيديولوجية سياسية تؤكد على إمكاناتها في حل المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية أكثر من تأكيدها على الجوانب الروحية للإسلام، في الوقت الذي تستجدي فيه الهوية والحساسية الإسلامية. ففي نسخها المتطرفة والراديكالية، تبشر الإسلاموية بكون الغرب معاد حتما للإسلام وينبغي محاربته، بما فيه بالوسائل الإرهابية. إن الثورات السياسية الأخيرة في العالم العربي (المشار إليها بشكل جماعي بالربيع العربي) تضع الولايات المتحدة أمام رهانات متزايدة حول كيفية تطور منظمات إسلامية كالإخوان المسلمين في مصر.
•إن مكافحة التطرف الإسلامي مسألة أكبر من دبلوماسية عامة أو اتصالات استراتيجية، وهذه نشاطات تشتمل، وبشكل رئيس، على نقل مسؤولين أميركيين رسائل لجماهير أجنبية. المفتاح هنا هو التحفيز على النقاش في أوساط المسلمين والتأثير عليهم بطريقة تعزز تفسير للإسلام لا يؤكد مشروعية الإرهاب أو يلمح له ضمنا. بمعنى آخر، لا يتعلق جوهر المسألة بما يقوله المسؤولون الأميركيون للمسلمين، بل بما يقوله المسلمون في أوساطهم هم. إن التحدي بالنسبة للمسؤولين الأميركيين هو عدم صياغة رسائل، إنه يتعلق بابتكار طرق لإحداث نقاش والمساعدة في تشكيله ضمن المجتمعات الإسلامية التي ستجعل نفوذ المتطرفين الإسلاميين يتضاءل.
•هناك ضرورة لوجود بعض الموظفين العاملين والمكاتب والترتيبات البيروقراطية للسماح للحكومة الأميركية بتطوير وتنفيذ استراتيجيات لمكافحة التطرف الإسلامي ومحاربة إيديولوجيات معادية أخرى. وفيما عدا أن المسؤولية بتطوير وتنفيذ هكذا استراتيجيات تقع صراحة على فرد أو مجموعة، فإن الديناميكية المطلوبة والاهتمام المستدام لن يظهرا قريبا.
•ستتطلب استراتيجيات كهذه التعاون بين عدد من الإدارات والوكالات المختلفة، بما في ذلك البيت الأبيض، وزارة الدفاع، وجماعة الاستخبارات. في كل الأحوال، ليس هناك من جدول بياني تنظيمي يضمن هكذا تعاون. إن الإستراتيجية المناسبة، إذا ما نفذت بشكل صحيح، لن تأتي إلا إذا طالب الرئيس رؤساء إدارته ووكالته، شخصيا، بجعل تلك الإستراتيجية أولوية لديهم في نطاق مسؤولياتهم التي يتحملونها. إن مهمة كهذه مشتركة بين الوكالات بطبيعتها لا يمكن أن تعمل وتشتغل على طريقة الطيار الآلي، إنها تتطلب قيادة ناشطة، بدءا من الرئيس.
الإيديولوجية كـ «مركز جاذبية» للإرهاب
على خلاف الدول، لا يمكن للجماعات الإرهابية أن تجمع الموارد من خلال الضرائب، ولا يمكنها القيام بتجنيد إلزامي عسكري للقوى البشرية. بل هي تعتمد على جاذبية أيديولوجيتها للفوز بالمجندين والدعم المادي الضروري لعملياتها. فضلاً عن ذلك، لا تملك الجماعات الإسلامية المتطرفة والأفراد الذين يستهدفون الولايات المتحدة (ودولا أخرى) بالإرهاب روابط رسمية فيما بينهم، إذ ليس هناك، تحديدا، سلطة بشرية واحدة معترف بها ومطاعة من قبلهم جميعا. ما يربطهم هي الأيديولوجية: معتقدات مشتركة حول واجباتهم كمسلمين تثير دوامة من العدائية الشديدة تجاه الولايات المتحدة والغرب عموما.
من الصحيح بالطبع القول أن الأيديولوجية وحدها لا يمكنها تفسير سبب انجذاب الأفراد إليها والانضمام إلى مجموعة إرهابية أو دعمها. بإمكان العوامل الاجتماعية أو النفسية التي تحمل صفة الغرابة أن تلعب دورا حاسما وحساسا هنا. لكن في حين أن بإمكان العوامل النفسية أو الاجتماعية أن تفسر سبب شعور شاب بالغربة والنفور والعدائية، على سبيل المثال، فإنها لا يمكنها تفسير السبب الذي جعله يصبح ،دعونا نقول، إرهابيا إسلاميا بدلا من أن يكون شيوعيا أو عضوا في حزب يميني متطرف، أو فردا في شلة من الشباب أو طائفة دينية أخرى.
إنها الأيديولوجية التي تجتذب المجندين والدعم المادي للقضية الإسلامية الراديكالية وتحث أفرادا في الحركة على التصرف والعمل، حتى من دون وجود روابط « القيادة والتحكم» لزعيم الحركة. هذا هو السبب الذي يدعونا للقول بأن أيديولوجية التطرف الإسلامي هي «مركز الجاذبية» للحركة العابرة للحدود التي تشكل العدو الإسلامي لنا. إن الجدل الأيديولوجي القوي الموجود في أوساط المتطرفين الإسلاميين يثبت الأهمية التي يعلقونها هم على الأيديولوجية. ونظرا لأهمية الإيديولوجية للخطر الإرهابي، ينبغي للولايات المتحدة أن تشن «حملة أفكار» ذات هدف نهائي هو نزع الشرعية عن الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة، كما حصل وتم نزع الشرعية عن الأيديولوجيات الفاشستية والشيوعية التوليتارية على نطاق واسع سابقا.
تبقى وسائل مكافحة الإرهاب الأخرى مهمة (كالعمليات العسكرية الهجومية والدفاعية، تطبيق القانون، والنشاطات الاستخبارية). لكن لا يمكن إلحاق الهزيمة بالإرهابيين الإسلاميين مرة واحدة إلا من خلال نزع الشرعية عن أيديولوجيتهم. وإلا فإن بإمكان هؤلاء تجديد أنفسهم حتما.
أما بما يتعلق بالتهديدات ذات الصلة بالإرهاب الصادرة من بلد أجنبي، فإن بإمكان الولايات المتحدة طبعا عدم المخاطرة بالمصالح غير الأيديولوجية لذلك البلد، لكن يظل هناك فائدة في إضعاف الأساس الأيديولوجي للسياساتها العدائية.
الديبلوماسية العامة
على مدى العقد الماضي، أصبح المجهود الرئيس الذي بذلته الحكومة الأميركية لمكافحة الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة موجود تحت عنوان «الدبلوماسية العامة». ذلك المصطلح يشار عادة إلى النشاطات التي تعزز التواصل بين المسؤولين الأميركيين والشعوب الأجنبية (كالبث الإذاعي والتلفزيوني، المواقع الإلكترونية برعاية الحكومة، والمكتبات أو مهرجانات الأفلام في المدن الأجنبية برعاية الحكومة) أو بين مواطنين أميركيين عاديين وشعوب أجنبية (كبرامج تبادل الطلاب وبرامج التبادل العلمي والثقافي، المنح المقدمة لطلاب أجانب للدراسة في مدارس أميركية وبرامج التدريب للاختصاصيين الأجانب).
إن القصد من هكذا أنشطة هو تحسين فهم الشعوب الأجنبية للولايات المتحدة وحثهم على النظر إلى أميركا وسياساتها بإيجابية أكبر. وفي لغة Madison Avenue، هدف مسؤولو وزارة الخارجية في إدارتي كل من بوش وأوباما إلى تحسين صورة أميركا أو «شعارها» في الخارج، خاصة في العالم الإسلامي.
إن الإشارة للشعار كإعلان تجاري ليس مصادفة، فأول وكيل في وزارة الخارجية للشؤون والدبلوماسية العامة، شارلوت بيرز، جاءت من تلك الصناعة. وبحسب كلمات لوزير الخارجية الأسبق كولن باول، «جعلتني أشتري أرز أنكل بينز وبذلك ليس هناك من بأس بالحصول على شخص يعرف كيف يسوِّق لشيء ما».
إن فرضية الدبلوماسية العامة هي أن الشعوب الأجنبية ستؤثر، إذا ما أصبحت أفضل إعدادا وتنظيما بالنسبة للولايات المتحدة، على حكوماتها بطرق تكون مستحسنة وإيجابية للولايات المتحدة - أو، في كل الأحوال، تجعل من الأسهل على تلك الحكومات مواصلة العمل على سياسات مرضية وإيجابية. ومهما كان ذلك المفهوم معقولا ومنطقيا فإنه لا يصل إلى صلب مشكلة الإرهاب الإسلامي الأصولي. فما يحرك الأفراد لارتكاب هكذا أعمال إرهابية ليس المواقف السلبية تجاه الولايات المتحدة.
هناك كثير من الناس لديهم مواقف من هذا النوع مع ذلك فإنهم لا يشكلون تهديدا إرهابيا. الأساس هنا هو تقبل الإيديولوجية الإسلامية الراديكالية التي تبرر الجهاد في شكل الإرهاب ضد الولايات المتحدة وأهداف غربية أخرى، أو تأمر به بالواقع.
عموما، إن التأكيد على تحسين «الشعار» الأميركي يبدو طموحا أكثر من اللازم ومضللا مفرط الطموح، لأنه من غير الضروري بالنسبة للناس أن تحب الولايات المتحدة، أو سياساتها أو شعبها كي يقتنعوا بأن مهاجمة الولايات المتحدة ليس منطقيا ولا مفهوما بالنسبة لهم، ومضللا لأنه يبدو بأنه يفترض أن تكون المواقف تجاه الولايات المتحدة، بطريقة ما، مسألة ذات أهمية جوهرية بالنسبة للشعوب الإسلامية، على قدم المساواة، على الأقل، مع الاعتبارات المتعلقة بمستقبل هذه الشعوب، ونوع المجتمعات التي يعيشون فيها مع أطفالهم.
لم تتول إدارتا بوش وأوباما مهمة نزع الشرعية عن التطرف الإسلامي. إذ غالبا ما تحدث بوش عن تعزيز الديمقراطية والحريات الشخصية في البلدان الإسلامية للتقليل من جاذبية أيديولوجية الإرهابيين. ففي خطابه الافتتاحي الثاني، شرح ذلك بقوله:
طالما أن مناطق العالم كلها تغلي ببطء بمشاعر النقمة والطغيان-المعرضة لأيديولوجيات تغذي الكراهية وتبرر القتل - فإن العنف سوف يتجمع ويتضاعف في شكل قوة مدمرة، ويعبر الحدود الأشد تحصينا، ويرفع من مستوى التهديد القاتل. هناك قوة واحدة في التاريخ يمكنها كسر حالة النقمة والكراهية المسيطرة والسائدة، وتفضح ذرائع الطغاة، وترفع الآمال بالتسامح والحياة اللائقة، وهي قوة حرية الإنسان.
من جهة أخرى، ركزت مقاربة إدارة أوباما على تحسين الظروف الاجتماعية- الاقتصادية، بما فيه حقوق المرأة، في الوقت الذي قللت فيه من أهمية الحرية السياسة. وقد نص خطاب مهم لجون برينان، المستشار الأساسي للرئيس أوباما، على استراتيجية «القوة الناعمة» هذه. ففي حين أنكر أن يكون الفقر أو نقص التعليم سببين للإرهاب فإنه أكد القول بأن:
عندما لا يكون لدى الأطفال أمل بالتعلم، وعندما لا يكون لدى الشباب أمل بالحصول على عمل ويشعرون بأنهم منفصلين عن العالم الحديث، وعندما تفشل الحكومات بتوفير الحاجات الأساسية لشعوبها، عندها سيصبح الناس أكثر عرضة لأيديولوجيات العنف والموت. لذا فإن العنف والتطرف والهجمات الإرهابية غالبا ما يشكلون التجلي القاتل الأخير لعملية طويلة متجذرة بفقدان الأمل، الإذلال، والكراهية.
وتابع برنان مشددا أكثر على القول: لذا، ينبغي لأي مقاربة شاملة أن تنكب على معالجة العوامل الأولية التمهيدية - الظروف التي ساعدت على تغذية العنف والتطرف.. لا يمكننا إخراج أنفسنا من هذا التحدي. نستطيع إخراج كل الإرهابيين الذي نريدهم - قيادتهم وجنودهم في أسفل السلم. لكن إذا ما فشلنا في مواجهة الظروف السياسية، الاقتصادية والاجتماعية الواسعة التي يزدهر فيها المتطرفون، عندها سيكون هناك مجندا آخر في خط أنابيب التجنيد، هجوم آخر يأتي من المصب.
في كل الأحوال، وبما يتعلق بثورات 2011 السياسية المنتشرة على امتداد المنطقة العربية، بدأ مسؤولو إدارة أوباما التأكيد على أن من سياسة الولايات المتحدة القيام بتعزيز الديمقراطية على امتداد العالم الإسلامي. وفي مايو «أيار» 2011 قال الرئيس:
ستكون سياسة الولايات المتحدة تعزيز الإصلاح عبر المنطقة، ودعم عمليات الانتقال والتحول إلى الديمقراطية. ويبدأ ذلك المجهود في مصر وتونس، حيث الرهانات عالية - حيث كانت تونس في طليعة هذه الموجة الديمقراطية، ومصر أيضا شريك قديم وأكبر بلد عربي في العالم. وبإمكان البلدان طرح مثال قوي من خلال انتخابات حرة ونزيهة، مجتمع مدني نابض بالحياة، مؤسسات ديمقراطية فاعلة ومُحاسبة، وقيادة إقليمية مسؤولة. لكن دعمنا ينبغي أن يمتد ليشمل دولا لم تحصل فيها بعد عمليات الانتقال والتحول.(يتبع)
(مركز دراسات الأمن القومي - هادسون)
وادي عمر
07-16-2012, 08:55 PM
أفكار استراتيجية لمكافحة التحديات الأيديولوجية للأمن القومي الأميركي (2 - 8)
تخفيف حدة العداء للأمركة وتغيير مسار "القاعدة"
- واشنطن شجعت الحكومات التي تحترم إرادة شعوبها.. وهذا يتعارض مباشرة مع القاعدة
- أوباما غيَّر مسار خطة بوش.. فبدلاً من الحرب مع "القاعدة" أصبحت الحرب ضد مصداقية التنظيم
- لقد أدركت لجنة العلوم الدفاعية بأنه ينبغي فهم أزمة الإسلام كمباراة أفكار والانخراط بالمنافسة وفقاً لذلك
تقدم هذه الدراسة رؤية الإدارة الأميركية لطرق إدارة ملف الإرهاب العالمي، والمرتبط بالحركات الإسلامية المتشددة، والتي يمثلها الجناح الأكثر تطرفا، وهو تنظيم القاعدة، وتشخيص مواطن الخلل بعد الفشل النسبي في إدارة هذا الملف، وخصوصا بعد فوز التيارات الإسلامية في انتخابات دول الربيع العربي. وتحدد الدراسة الكيفية التي يمكن بها للحكومة الأميركية رفع جهودها لمعالجة هذا الفشل وتغيير الجو الأيديولوجي الموجود في العالم الإسلامي بشكل عام، كما ينكب التقرير بشكل خاص على طرح نوع المنظمات الحكومية وغير الحكومية التي ينبغي إنشاؤها للقيام بهذا المجهود.
دوغلاس ج. فيث
وليام أ.غالستون
أبرام ن. شولسكي
إن الرابط بين سياسة تعزيز الديمقراطية هذه وأهدافنا في مكافحة الإرهاب منصوص عليه في "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب" التي صدرت، كالتالي:
إن تعزيز وجود حكومة تمثيلية متجاوبة، هو من صلب عقيدة السياسة الخارجية الأميركية، ويساهم مباشرة في أهدافنا المتعلقة بمكافحة الإرهاب. فالحكومات التي تضع إرادة شعوبها في المقام الأول، وتشجع التغيير السلمي، هي حكومات تتعارض مباشرة مع أيديولوجية القاعدة. فالحكومات المتجاوبة مع حاجات مواطنيها، تجعل حالة النقمة لدى مواطنيها تتضاءل، كما تجعل الدوافع المرتبطة بالظلم التي تستغلها القاعدة تتلاشى أيضا. إن الحكم الفاعل يقلل من مجال وقوة جاذبية القاعدة، ما يقلل من صداها، ويساهم بالذي تتخوف منه أكثر من أي شيء آخر - عدم الأهمية واللاصلة.
في 9 أيلول 2011، أصدر الرئيس أوباما "الأمر التنفيذي 13854": الذي يعترف ويفوض رسميا قيام "مركز الاتصالات الاستراتيجي لمكافحة الإرهاب - التابع لوزارة الخارجية"، الذي كان قد تم إنشاؤه قبل عام. إن الهدف من المركز هو "تطوير روايات استراتيجية أميركية لمكافحة الإرهاب، واستراتيجيات اتصالات عامة لمواجهة الرسائل المتطرفة وإفقادها المصداقية".
ويسعى المركز إلى تحقيق هذا الهدف، عن طريق توفير صف الحجج لاستخدامها من قبل مسؤولي الحكومة الأميركية في واشنطن والخارج، وعن طريق الحوار مباشرة مع مسلمين على الإنترنت عبر المدونات، ومن خلال المشاركة في منتديات ومواقع الشبكات العنكبوتية الاجتماعية، ونشر أشرطة الفيديو. إن المبررات الأيديولوجية للإرهاب التي تضعها القاعدة والتابعين لها هي هدف المركز. وكما شرح مدير المركز السفير ريتشارد لوبارون:
وفي حين أود أيضا (بالنسبة لأولئك المعرضين لخطر التجنيد من قبل القاعدة) تطوير مفاهيم إيجابية عن الولايات المتحدة، لدعم سياساتنا وتقدير قيمنا، فإن ذلك ليس من مهمة المركز. إن عملنا هو دفع الناس برفق للسير بطريق مختلف، مساعدتهم على التساؤل حول بعض الفرضيات، والمساهمة في بيئة لا يعد فيها العنف خيارا قابلا للحياة أو مقبولا أو فاعلا.
وبينما ينكب المركز على معالجة الجاذبية الأيديولوجية التي تفرضها القاعدة، فإنه يختصر التعاطي مع أيديولوجية التطرف الإسلامي بمستوى أكثر عمقا، فالمركز، تحديدا، لا يعالج المفهوم القائل بأن تحريفا متطرفا ومسيسا لدين الإسلام هو مصدر الأيديولوجية الذي نحن مهتمون بها وقلقون منها. وبشكل مشابه، وتماشيا مع رأي إدارة أوباما بأننا في حرب مع القاعدة والمنتمين لها (بدلا من أن نكون في حرب مع "الحركة الإرهابية العابرة للحدود"، التي حددتها إدارة بوش)، يركز المركز على محاربة "رواية" القاعدة فقط.
مكافحة العدائية
هناك جدل عام دائر في أوساط المراقبين عبر الطيف السياسي، هو أن جهود الحكومة الأميركية بمكافحة الأيديولوجيات العدائية لم تكن فعالة. لقد كان هذا في الواقع الاستنتاج الذي خرجت به دراسات تمت داخل الحكومة وخارجها منذ العام 2001. إن فريق مشروعنا يوافق على ذلك، لكنا نعتقد بأن هذه الأدبيات تعاني من قصور كبير.
تميل الدراسات للخطأ بفهم التحدي الأيديولوجي بصفته، وببساطة، مطلبا لمحاربة معاداة الأمركة عموما أو لدحض الانتقاد لسياسات خارجية أميركية محددة مثيرة للجدل. فغالبا ما تؤطر هذه الدراسات القضية، وبشكل أساسي، بإطار تحدي العلاقات العامة، وليس بإطار مشكلة مكافحة نظرة معاداة شاملة لطريقة حياة الديمقراطيات الليبرالية الغربية.
على سبيل المثال، لقد حددت المشكلة، وإلى حد كبير، مجموعة مرموقة أسسها وزير الخارجية آنذاك كولن باول، لدراسة قضية الدبلوماسية العامة بمصطلحات معارضة "معاداة الأمركة". وبشكل مشابه، يقدم تقريرا لمعهد بركينغز المشكلة على أنه "يقدم رؤية أكثر دقة وإتقانا لأميركا" و"تعزز القيم المشتركة والمناصرين لها". وبالتالي، يوصي ذلك التقرير بمبادرة "لتنفيذ قيم أميركا حول العالم".
ونظرا لهذا التركيز على معاداة الأمركة، من غير المستغرب أن تكون بعض المراجعات لجهود التواصل الاستراتيجي الأميركي قد خرجت بنتيجة هي أن انكباب بعض المسؤولين الأميركيين غالبا يكون على التعامل مع الجماهير الإسلامية من وجهة نظر أميركية، بمصطلحات غريبة عن تلك الجماهير. إن انتقادا كهذا يؤكد وجوب أن يكون جوهر الجهود المبذولة هو التأثير على الأفكار السياسية الحالية في العالم الإسلامي، بحيث يقلل ذلك من قوة عدائية المتطرفين تجاه الولايات المتحدة. على سبيل المثال، لقد أدركت لجنة العلوم الدفاعية أن "الولايات المتحدة منخرطة في نضال جيلي وعالمي حول الأفكار"، وبأنه "ينبغي فهم أزمة الإسلام كمباراة أفكار والانخراط بالمنافسة وفقا لذلك". مع ذلك، يعد تقرير اللجنة القضية بأنه قضية "مصداقية" أميركية، وفتح قناة تواصل"، بدلا من اعتبارها قضية قدرة أميركا على التأثير بالجدل الدائر في العالم الإسلامي.
يتجاهل قسم كبير من الأدبيات الحالية المتعلقة بالاتصالات الإستراتيجية تجربة الحكومة الأميركية أثناء الحرب الباردة، أو يقدم اعترافا مختصرا بها، وخصوصا في السنوات الأولى (أواخر الأربعينيات، أوائل الخمسينيات)، عندما طورت الولايات المتحدة قدرة متينة وقوية على القيام بحملات أيديولوجية من خلال عمليات إعلامية. هذا الفشل بتحليل الكيفية التي ينبغي بها لجهود الحرب الباردة أن تعلمنا ما ينبغي أن تكون عليه النشاطات والاستراتيجيات ذات الصلة بأفكار اليوم يمثل فرصة ضائعة.
أخيرا، لا تعالج الأدبيات المتعلقة بالاتصالات الاستراتيجية، بشكل مناسب وصحيح، المتطلبات التنظيمية والعملية لمجهود حكومي شامل بمكافحة أيديولوجية معادية. فهي تخفق بالاعتراف بوجوب إدارة الحرب الأيديولوجية ضد الأسلمة الأصولية المتطرفة من قبل مسلمين آخرين بالأساس - إذ بإمكان مسلمين اجتذاب مسلمين آخرين بمصداقية أكبر. وبالتالي، تخفق هذه الأدبيات بفهم وجوب قيام الحكومة بتشجيع وتنشيط منظمات غير حكومية مختلفة (مؤسسات، جامعات، مراكز أبحاث، وحتى شركات) على اتخاذ إجراءات، وفي بعض الحالات، إيجاد طرق لدعمها، من دون تقويض استقلاليتها.
إن إحدى مزايا المنظمات الخاصة هي ألا تحمل "وصمة" مشاركة الحكومة الأميركية في مسائل حساسة كهذه. لكن فضلا عن هذا الاعتبار حتى، تقدم هذه المنظمات خبرة وموارد لا بأس بها، وتحتفظ بالقدرة على التصرف بسرعة ومرونة أكبر من الوكالات الحكومية.
مقترحات تنظيمية
بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي، استنتج عدد من القادة الغربيين أن الحروب الأيديولوجية العظيمة للقرن العشرين انتهت بنصر أكيد للديمقراطية الدستورية، الأسواق الحرة، والحرية الفردية. ولم يكن الإنفاق الدفاعي فقط هو الذي انخفض بعد الحرب الباردة، وإنما تقلص عدد المؤسسات التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية لمحاربة انتشار الشيوعية أو تم التخلص منها. ففي العام 1999، تم حل الوكالة الإعلامية الأميركية (USIA)، ونقل عدد من وظائفها إلى وزارة خارجية معترف ودمج أنشطتها بكيان جديد.
لقد حطمت أحداث 11 سبتمبر، وما أعقبها، الوهم والاعتقاد بأنه لم يعد هناك من أعداء أيديولوجيين للديمقراطية الليبرالية، وكشفت أن هناك تهديدات مهمة وبارزة موجودة، ليس فقط بالنسبة للمصالح الأميركية، وإنما لمبادئنا وطريقة حياتنا. وتتفق التقارير والتوصيات العديدة المتعلقة بمكافحة الأيديولوجيات العدائية التي صدرت منذ 11/ 9 - وفقا لمسح جرى أخيرا على الأقل - على أن الحكومة الأميركية ليس لديها بنية لإحداث وتنفيذ خطة فعالة لهذا الهدف. لقد فشلت الآليات المخصصة بالحصول على نتائج مطلوبة، وبعضها أنتج العكس.
بالأحرى، إن الواقع المدهش هنا هو أن لا أحد في الحكومة الأميركية يحمل مسؤولية محاكمة العنصر الأيديولوجي للحملة إزاء إرهابيين إسلاميين متطرفين. وحتى لو قرر الرئيس تعيين مسؤولية كهذه، فهو لا يملك خيارات جيدة جدا.
إذا كان الوضع القائم غير مرض، فما الخيارات؟ خلال العقد الماضي، احتلت ثلاثة مقترحات جدية لترتيبات جديدة داخل الحكومة الأميركية مركز الصدارة:
1- تأسيس وكالة مستقلة جديدة لمكافحة الإيديولوجيات العدائية.
2 - تعزيز قدرة وزارة الخارجية لإدارة مجهود حكومي واسع.
3- إنشاء كيان جديد ضمن "المكتب التنفيذي" للرئيس مفوض لقيادة أنشطة في هذا المجال وليس "التنسيق" فقط. أما الاحتمال الرابع الموصى به من قبل دراسات عديدة، فهو نوع ما من أنواع المنظمات غير الحكومية التي يمكنها الجمع ما بين التمويل العام والخاص، وجلب الموارد الضخمة للمشاريع، المؤسسة العالمية، والأوساط الأكاديمية لتؤثر في هذا التحدي الأيديولوجي.
إن توصيتنا هي وجوب تبني المقترح الثالث، ومساعدة منظمة غير حكومية لهذا الكيان، الأمر الذي سيحل مشاكل مؤسساتية معينة سوف يواجهها الكيان الجديد. وسنشرح لاحقا سبب كون تفوق عيوب المقترحين الأولين مزاياهما، وسبب كون الخيار الثالث الأكثر تقديرا، كما سنشرح ماهية الدور الذي ستلعبه منظمة غير حكومية في جهود مكافحة الأيديولوجيات المعادية.
وكالة القرن الواحد والعشرين
إن القضية المتعلقة بوكالة جديدة مستقلة تعد صريحة ومباشرة. فهي ستلقي الضوء على أهمية مكافحة الأيديولوجيات العدائية، وتضمن التعبير ووضوح الرؤية للقضية في المناقشات المشتركة بين الوكالات. وستنتج كادرا من المتخصصين الذين سيركزون على مهمة واحدة وتتم مكافأتهم على مساهمتهم بذلك - فريق يمكن لرؤساء الوكالة توجيهه ونشره، وفق الضرورة. وهي ستفصل التحدي الاستراتيجي القديم حول تعزيز البدائل للتطرف الإسلامي عن الضغوط التكتيكية للدبلوماسية اليومية.
يشير عقد من الخبرة والتجربة إلى أنه في كل جانب من هذه الجوانب (وأخرى إلى جانبها)، هناك وكالة مستقلة تقدم مزايا ومكاسب مهمة تفوق مكتب موجود ضمن كيان أكبر كوزارة الخارجية.
- بإمكان وكالة جديدة أن تنظم تجنيد وتدريب سلك من الاختصاصيين للقيام بحملات مكافحة الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة (وربما أيديولوجيات عدائية أخرى في المستقبل)، ويتم إعطاؤهم مهنة تفتح الطريق أمامهم وتقودهم إلى مواقع المسؤولية. بإمكان أفراد هذا السلك أن يخدموا في السفارات والقنصليات الأميركية في الخارج، إضافة إلى خدمتهم في مراكز قيادة الوكالة في واشنطن. هذا الترتيب سيزيد فرص التنفيذ المتجانس للبرامج.
- في تطويرها لمناهجها التدريبية، بإمكان هذه الوكالة المساعدة على إطلاق شرارة تطوير البرامج التعليمية في معاهد أكاديمية غير حكومية. إن برامج من هذا النوع ستؤدي إلى تعزيز الخبرة في هذا المجال عموما. إذ بإمكان الوكالة الجديدة رعاية بحوث حول قضايا ذات صلة بالاتصالات الاستراتيجية وبجهود أيديولوجية أخرى.
- ستكون الوكالة الجديدة متموضعة بشكل جيد لتطوير وتنفيذ استراتيجيات طويلة الأمد لحملات الأفكار. وفي حين أنه بالإمكان ضمان التنسيق الشامل مع السياسة الخارجية عن طريق جعل مدير الوكالة الجديدة يرسل التقارير لوزير الخارجية، فإن مستويات العمل ستكون معزولة عن أي محاولات من قبل مكاتب البلد التابعة لوزارة الخارجية لحماية مصالحها الدبلوماسية التكتيكية عن طريق قمع جهود الوكالة الجديدة أو التخفيف منها.
في كل الأحوال، وعلى الرغم هذه المزايا، فإن وكالة جديدة مستقلة من هذا النوع لا تعد المقاربة الفضلى.
ومن الجدير بالذكر أن المراقبين حتى الذين يدركون التأثيرات المؤذية لإلغاء وكالة القرن الحادي والعشرين لا يدعون إلى إعادة إنشائها. ووفق تقرير لـ RAND، هناك "معوقات مهمة" تعترض إعادة تأسيس الوكالة" أولا: إنها تستلزم بعض الوقت، ثانيا: سوف تسلخ الوكالة الجديدة الموظفين العاملين عن المؤسسات الموجودة وتفكك الشبكة الموجودة، وبالتالي ينتهي الأمر بخطوة إلى الخلف وخسارة الوقت قبل اتخاذ الخطوة التالية، ثالثا: من غير الواضح ما إذا كانت وكالة USIA الجديدة ستكون حلا كاملا.
إن عيوب الوكالة الجدية المستقلة لا تنتهي هنا. فحتى مناسبات إعادة التنظيم الحكومي الأكثر توافقاً تتعطل وينتج عنها كلفة مادية وبشرية كبيرة. فقدامى العاملين في "USIA" يذكرون، وهذا شائع، بأن نقلهم إلى وزارة الخارجية انتهى بفقدان الزخم والحيوية التنظيمية اللتين لم تتعاف منهما بعثتهم بالكامل أبدا. وهناك أسباب وجيهة للشك بأن تكون مسألة إعادة التنظيم الجديدة محل توافق وإجماع، ليس فقط لأن وزير الخارجية سيقاومها بشراسة، على الأرجح، بل لأنه ستكون هناك معارضة أساسية وجوهرية لها في مجلس الشيوخ. فبعض المسؤولين والجماعات التي دفعت للتخلص من "USIA" في منتصف التسعينيات سيعارضون إعادة إحيائها مجددا. عموما، إن الجو السياسي لإنشاء وكالة حكومية جديدة لا يمكن أن يكون أقل إيجابية، فكل الضغوط في الاتجاه الآخر.
ومن المحتمل تماما ثبات عدم إمكانية التغلب على هذه العوائق. إذ إن بالإمكان تجاوزها فقط، إذا ما حصل ذلك، بإنفاق الرأسمال السياسي الذي لن يكون متوافرا لمعارك تالية على حساب أولويات وموارد.
في كل الأحوال، إن أهم عيوب تأسيس وكالة مستقلة جديدة موجودة في مكان آخر: فهي توحي لإدارات أخرى بأن حملة الأفكار من مهام شخص آخر بحيث إنه لا داعي لإشغال أنفسهم بها. تلك الرسالة تكون مقبولة لو أن موارد الوكالة الجديدة وامتدادها كافيان لإنجاز العمل. لكن من غير المرجح أن يكون الأمر كذلك، نظرا للوقائع المالية الحالية، إذ لا يمكن شن معركة الأفكار ضد التطرف الإسلامي من المقر الرئيس في واشنطن، وهي تتطلب أيضا وجودا ناشطا وفاعلا على الأرض في عدد من البلدان. وتتطلب المهمة تعاون وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، جماعة الاستخبارات الفاعل للمساعدة على تحريك فرق العمل في البلد وقيادات المقاتلين.
وفي حين أن فكرة "USIA" لها بعض الداعمين المتحمسين، فإن المنتقدين لها عددهم أكبر بكثير، حتى في أوساط أولئك الذين يؤيدون برنامجا أكثر قوة ونشاطا لمكافحة التطرف الإسلامي. ومع كل الأمور التي تم درسها، لا يمكننا تأييد هذا الخيار على أنه الطريق الواعد أكثر من غيره أمامنا.
وزارة خارجية معززة
بالمقابل، يبدو أن تعزيز قدرة وزارة الخارجية يمثل السبيل الذي يلقى أقل مقاومة. فبعد كل شيء، لدى وزارة الخارجية الآن مهمة الدبلوماسية العامة، وقد ورثت قسما كبيرا من "USIA"، فضلا عن ذلك، تتضمن بنيتها التنظيمية، أساسا، وكيل وزير الخارجية للدبلوماسية والشؤون العامة.
ليس هناك من شك كبير، كما هي الحال بين وزارتي الخارجية والدفاع، بأن الخيار السابق سيكون الخيار الأفضل. إذ ينظر إلى الاتصالات الاستراتيجية (خارج العمليات العسكرية)، منطقيا، على أنها وظيفة مدنية لا تتناسب وعمل وزارة الخارجية كوكالة قيادية. كما أنه في حملة الأفكار، غالبا ما ستكون النشاطات الأميركية أقل فاعلية إذا ما نظر إليها على أنها تخدم سياسة الحكومة الأميركية. هذه المشكلة ستتفاقم إذا ما نظر إلى النشاطات على أنها تخدم المصالح "العسكرية" للحكومة بشكل خاص، فضلا عن ذلك، تتضمن هيكلية الاتصالات الاستراتيجية لوزارة الدفاع ثلاثة كيانات منفصلة: مكتب وكيل وزير الدفاع للشؤون السياسية، مكتب مساعد وزير الدفاع للشؤون العامة، وهيئة الأركان. إن التنسيق بين هذه العناصر مرهق ومعقد، عمل يتطلب عمالة مكثفة، وغالبا ما يكون غير قابل للإنجاز، أصعب من مشاكل التنسيق بين الدوائر البيروقراطية داخل وزارة الخارجية.
إلا أن اعتبارات أخرى تشير إلى أن من غير المرجح أن ينتج عن الجهود المبذولة لزيادة قدرة وزارة الخارجية ما هو أكثر من التغيير التدريجي. وتبقى الدبلوماسية العامة بمنزلة الطفل الربيب ضمن وزارة الخارجية. إن تعيينا ما في ذلك المجال لا يعد تعزيزا للمهنة. ففي حين أن بإمكان وكيل وزارة لديه التصميم أن يحقق بعض الأمور المفيدة، كما برهن عن ذلك جايمس غلاسمان في الأشهر الأخيرة من عهد إدارة جورج دبليو بوش، فإن النجاح يتطلب التجذيف عكس التيار في بيئة غير داعمة.
هناك أسباب ثقافية متجذرة بعمق بهذا الأمر، إذ تشدد الدبلوماسية على التعامل مع الحكومات الأجنبية، بما يتعلق بالمصالح المباشرة والعملية - مصالحها ومصالحنا - في حين تتطلب الاتصالات الاستراتيجية وعمليات تغيير الطريقة التي يفكر بها الناس تركيزا على قضايا أيديولوجية. فتصادم المصالح يضفي على الموضوع حزما، أو يتطلب التخفيف من حدته من خلال المساومة، الأمر الذي بإمكان الدبلوماسية الترويج له بسهولة وتعزيزه. في كل الأحوال، لا يمكن التوفيق غالب الأحيان بين الاختلافات الأيديولوجية من خلال المساومة والتسوية.. لذا، فإنها، تقليديا، ليست هدف الدبلوماسية. ووفقا لذلك، يميل مسؤولو وزارة الخارجية إلى مقاربة المشاكل تكتيكيا، التأكيد على ما هو هنا والآن. بالمقابل، تتطلب حملة أفكار استراتيجية مفهوما للأمد الطويل، نظرا لأن عددا من النشاطات لا يمكن أن تثمر إلا بعد فترة تتجاوز السنوات.
هناك مشكلة أخرى بإعطاء وزارة الخارجية مسؤولية القيام بمبادرات الأفكار الاستراتيجية، وهي أن هذه المسؤولية ستتضارب في نهاية المطاف مع متطلبات الدبلوماسية اليومية. فغالبا ما يكون على الدبلوماسيين الأميركيين محاولة العمل بشكل بناء على مسائل عملية مع مسؤولي الدول (السعودية، باكستان، والصين، على سبيل المثال)، التي تعزز أو تمثل وجهات نظر للولايات المتحدة مصلحة في محاربتها. وإذا ما كانت وزارة الخارجية مسؤولة عن الدبلوماسية وعن مكافحة الأيديولوجيات العدائية، فإن الأخيرة، لكونها مشروعا قديما ذا نتائج غير ملموسة، ستكون ثانوية في النهاية إزاء المتطلبات اليومية الضاغطة للدبلوماسية، وستكون هذه النتيجة متماشية مع ظاهرة المعايير المتعلقة باستبعاد الأمر المهم لمصلحة الطارئ.
أما الصعوبة الأخيرة، وفق ما هو محدد عرفا، فهي أن الدبلوماسية العامة تشكل جزءا أو شريحة فحسب من حملة الأفكار الاستراتيجية الشاملة. فبما يتخطى التبادل الثقافي، التواصل بين مواطن ومواطن، المكتبات، والترجمة التي هي مواد الدبلوماسية العامة، سوف تشتمل حملة من هذا النوع على تعزيز أصوات المواطنين الأصليين. هذا تمايز مع اختلاف، فالنقطة هنا هي تطوير أهداف أميركية محددة، وليس بالضرورة تحسين الصورة العامة للولايات المتحدة. والأصوات التي هي بحاجة للقيام بذلك قد لا تكون أصواتا أميركية بغالبيتها الساحقة - وكي تحارب التطرف الإسلامي لا يمكنها أن تكون كذلك. لذا، وفي حين أن بإمكان وزارة الخارجية صنع مساهمات مهمة بما يتعلق باستراتيجية كاملة، فإن الـ DNA البيروقراطية لها، كما كانت، تجعلها غير مناسبة للدور القيادي.
مجلس الأمن القومي
باعتقادنا، إن المقاربة الأفضل ستكون إنشاء كيان جديد في "المكتب التنفيذي" للرئيس يركز على مكافحة الأيديولوجيات العدائية. وسنسمي الكيان الجديد "لجنة مكافحة الإيديولوجية الإرهابية" (CTIC). هناك طرق عديدة لإنشاء هذا الكيان. أما الطريقة الأسهل فستكون من خلال أمر تنفيذي، طريقة كان هناك سوابق عديدة لها. وطريقة تسير، بالتحديد، بموازاة الجدل الدائر حاليا حول مستقبل الحملات الأيديولوجية.
ما إن اشتدت الحرب الباردة أواخر الأربعينيات، حتى فوض الرئيس هاري ترومان وزارة الخارجية لتولي زمام القيادة، بما اصطلح على تسميته آنذاك بـ"الحرب النفسية". وفشلت هذه الخطوة بتحقيق أهدافها، ولأسباب لا تزال موجودة اليوم. ووفقا لما يقوله المؤرخ دوغلاس ستيوارت، فقد كانت وزارة الخارجية "بطيئة بالعمل ومترددة بالارتباط بعمليات سرية قد تضر بسمعة الوزارة إذا ما أصبحت علنية". باختصار، لم تكن وزارة الخارجية مستعدة لإدارة حرب نفسية بطريقة قد تستبدل، أو تجعل طريقة عملها والأهداف الديبلوماسية التقليدية ثانوية. ردا على ذلك، أصدر الرئيس ترومان أمرا تنفيذيا بإنشاء "لجنة الإستراتيجية النفسية" (PSB) ضمن "مجلس الأمن القومي" (NSC). وكانت اللجنة، المشتملة على مسؤولين معينين من قبل وزارتيْ الخارجية والدفاع والـCIA، مسؤولة عن تقديم "تخطيط وتنسيق فعال"، وإدارة "عمليات نفسية" جهود تم تعريفها على أنها مصممة لتعزيز الدفاع الوطني وأهداف السياسة الخارجية، من خلال وسائل أخرى غير الوسائل الإعلامية العلنية. (يتبع)
(مركز دراسات الأمن القومي، هادسون)
وادي عمر
07-18-2012, 12:09 AM
أفكار استراتيجية لمكافحة التحديات الأيديولوجية للأمن القومي الأميركي (3 - 8)
تقدم هذه الدراسة رؤية الإدارة الأميركية لطرق إدارة ملف الإرهاب العالمي، المرتبط بالحركات الإسلامية المتشددة، والتي يمثلها الجناح الأكثر تطرفا، وهو تنظيم القاعدة، وتشخيص مواطن الخلل، بعد الفشل النسبي في إدارة هذا الملف، وخصوصا بعد فوز التيارات الإسلامية في انتخابات دول الربيع العربي. وتحدد الدراسة الكيفية التي يمكن بها للحكومة الأميركية رفع جهودها لمعالجة هذا الفشل، وتغيير الجو الأيديولوجي الموجود في العالم الإسلامي بشكل عام، كما ينكب التقرير بشكل خاص على طرح نوع المنظمات الحكومية وغير الحكومية التي ينبغي إنشاؤها للقيام بهذا المجهود.
دوغلاس ج. فيث
وليام أ. غالستون
أبرام ن. شولسكي
بدأت لجنة "مكافحة الأيديولوجية الإرهابية" عملها في حزيران 1953، عندما تحولت تظاهرة عمالية في برلين الشرقية إلى عنف وشغب ضد نظام ألمانيا الشرقية، المدعوم من قبل السوفييت. ومن بين الإجراءات التي أوصت بها اللجنة، كانت هناك توصية ببذل الجهود لإقناع السوفييت بأن احتمال استمرار المقاومة هو أعلى مما عليه الأمر في الواقع. فالفكرة كانت بأنه إذا ما آمن السوفييت بهذا الأمر، فمن الأرجح أنهم سيلجأون إلى اتخاذ إجراءات قوية وإجبارية، الأمر الذي كان بإمكانه تقويض الاستقلالية والمشروعية المتصورة لحكومة ألمانيا الشرقية.
وكانت "لجنة الإستراتيجية النفسية" (PSB) تجتمع بانتظام، غالبا بحضور الرئيس، وأصدرت تحليلا وتوصيات مفيدة. لكنها قصرت في بلوغ أهدافها المنشودة. ففي غياب التفويض التشريعي، لم تكن سلطة اللجنة تتناسب مع مسؤولياتها، وكانت قدرتها على تحويل الخطط إلى عمل فاعل ومؤثر على الأرض محدودة. وما كان بإمكان رئيس أن يفعله، لم يكن بإمكان الرئيس التالي فعله. فبغضون تسعة أشهر من تسلمه منصبه، أصدر الرئيس أيزنهاور أمرا تنفيذيا ينهي فيه عمل لجنة PSB ونقل بعض وظائفها إلى لجنة جديدة تابعة لمجلس الأمن القومي.
وفي حين أنه قد يكون صحيحا، كما يقول ستيوارت، بأنه "ليس هناك من حل مؤسساتي لمشكلة التعاون المشترك بين الوكالات"، فإننا نعتقد بأنه كان يمكن لمقاربة تشريعية أن تكون أكثر فاعلية قبل ستة عقود مضت، وستكون أكثر فاعلية اليوم. وللقيام بحملة أفكار فعالة، يحتاج الكيان الجديد إلى صفتين افتقرت إليهما لجنة PSB - الحصول على سلطة رسمية من مجلس الشيوخ لحث الإدارات والوكالات المتصلبة على دعم سياسات الرئيس.
وعلى الرغم من سهولة صدور أمر تنفيذي، فإن رجحان الدليل، يدعم المقاربة التشريعية في المجالات السياسية، بما فيها تلك ذات الصلة بالجهود الأيديولوجية، سيكون على واضعي مسودات التشريع الجديد البدء بحل سؤال أولي: عما إن كان ينبغي لمكتب جديد يحارب الأيديولوجيات العدائية أن يكون كيانا قائما بذاته يقدم تقاريره مباشرة للرئيس، أم ينبغي أن يظل ضمن فريق عمل مجلس الأمن الوطني (NSC)؟ ويضرب "مكتب مدير الاستخبارات الوطنية" (ODNI) مثلا عن الخيار القائم بذاته، الذي يقدم مزايا مهمة، بما في ذلك مدير مصادق عليه من قبل مجلس الشيوخ، مكانة متساوية مع تلك التي لوزراء الحكومة في تحديد موازنة اللجان الفرعية، وإرسال تقارير مباشرة إلى الرئيس. في كل الأحوال، وعلى الرغم من هذه المزايا، اصطدم مكتب مدير الاستخبارات الوطنية (ODNI) ببداية قاسية ومترنحة. لقد أنتج بيروقراطية كبيرة جديدة منسوخة بصورة جزئية، وتعده المؤسسات الاستخبارية الموجودة سابقا بمنزلة منافس لها، بدلا من منسق معها.
ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان بالإمكان التخفيف من حدة هذه الصعوبات، أو ما إذا كانت ناتجة عن الهيكلية الأساسية لـONDI.
ورغم أنها دعوة مغلقة، فإننا نوصي بوضع الكيان الجديد - "لجنة مكافحة الأيديولوجية الإرهابية" (CTIC) - ضمن جهاز موظفي مجلس الأمن القومي، على أن يترأسه "نائب مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي" (DAPNSA). ينبغي التوصل إلى عدد من قرارات اللجنة وإبرامها، ضمن عملية لمجلس الأمن القومي، وأن تتم المصادقة عليها من قبل مستشار الأمن القومي، أو في اجتماع لرؤساء اللجنة. كما أن الحصول على مستشار الأمن القومي كمؤيد للجنة الجديدة سيشكل إضافة وقوة كبيرة لتوصيات لجنة CTIC.
يقدم السبيل التشريعي إمكانيات إضافية لتعزيز سيطرة CTIC. ففي تقرير مؤثر، أوصت لجنة العلوم الدفاعية، التي اقترحت إنشاء "لجنة اتصالات استراتيجية" (SCC) مشابهة للجنتنا CTIC، بأن يكون لرئيسها الحق بالموافقة على تعيين موظفين أساسيين ذوي صلة في وزارتي الخارجية والدفاع، وتعيين رئيس لجنة (BBG). إذ سيعمل رئيس SCC أيضا مع مدير "مكتب الإدارة والموازنة" (OMB) في تطوير أولويات موازنة الاتصالات الاستراتيجية.
وبصفتها مسألة سياسات عملية، فقد تثبت استحالة سن قانون تشريعي يعطي DAPNSA سلطة الفيتو ضد خيارات موظفين في وزارات ودوائر ووكالات. لكن في الحد الأدنى، ينبغي تمكين DAPNSA لتولي زمام القيادة لتطوير موازنات للاتصالات الاستراتيجية، والتفاوض مع مدير "مكتب الإدارة والموازنة" (OMB). فمن دون سلطة الموازنة، لن تتطور لجنة CTIC ولن تكون سوى آلية تنسيق أخرى غير فعالة.
بالإمكان توقع مقاومة وزارات ووكالات موجودة لهذا التوغل والغزو لمجال نفوذهم، وقد لا تكون مسألة سن القوانين المتعلقة بهذه السلطات الجديدة أمرا ممكنا. مع ذلك، من الأفضل شن هذه المعارك وخوضها على الجبهة خلال العملية التشريعية، بدلا من القيام بتأسيس كيانات جديدة ذات سلطة غير مناسبة، ما قد يولد حرب خنادق بيروقراطية، بدلا من مداولات ومناقشات مناسبة وتنفيذ فعال.
ينبغي أن يكون من الممكن التخفيف من حدة مخاوف الإدارات والوكالات الموجودة، رغم عدم القدرة على التخلص منها، وذلك عن طريق التوضيح في القانون التمايز الموجود بين حملة أفكار إستراتيجية وبين نشاطات أخرى ذات صلة، وإنما منفصلة عنها. تحديدا: رغم أن CTIC سوف تشمل ممثلين عن وزارة الخارجية وBBG، فإن تمكينها من التشريع القانوني لن "يعطيها سلطة قضائية على نشاطات دبلوماسية تقليدية، وبرامج التبادل الموجودة، العلاقات العامة، أو أنشطة البث الجارية التي توجهها معايير الشرائع الصحافية".
تتضمن الخطوات الإضافية لإنشاء لجنة CTIC فعالة عضوية لأشخاص من ذوي الرتبة ومجال العمل المناسبين. هنا مجددا تكون توصيات "لجنة العلوم الدفاعية" منطقية: ينبغي أن يكون أعضاء اللجنة من رتبة وكيل أو ما يساويها، وأن يمثل وزارتي الخارجية والدفاع، الأمن الداخلي، العدل، رئيس الأركان للرئيس، مكتب الإدارة والموازنة (OMB)، رئيس هيئة الأركان المشتركة، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، ولجنة (BBG). هذه العضوية ستسمح بوجود مقاربة "كل الحكومة" للموضوع، وتضمن أن تكون وجهات نظر البيت الأبيض ممثلة عند الانطلاقة وعند الرسو أيضا.
إضافة لسلطات الانعقاد والتنسيق، ينبغي أن تكون لجنة CTIC قادرة على التخطيط، أو على الأقل المشاركة بالتخطيط، أي العمل على طول الخط مع وكالات في مجالات تقع ضمن مهمتها.
هذه السلطة ستكون امتدادا لسلطتها بالعمل بشكل مشترك مع وكالات تعمل على الخط نفسه في استنباط موازنات حملة الأفكار التي يقومون بها. وفي حين أنه ليس على لجنة CTIC أن تكون منخرطة مباشرة في تنفيذ سياسات الرئيس، فإنه ينبغي أن تكون قادرة على تقسيم وتعيين المسؤوليات بين الوكالات. وبالتالي، ستكون سلطات CTIC مشابهة لتلك التي لـ"مديرية التخطيط العملي الاستراتيجي" - التابعة للمركز الوطني لمكافحة الإرهاب (NCTC) وستتخطى سلطة مركز NCTC بما يتعلق بالتخطيط لخط عمل الوكالات.
في كل الأحوال، يتحمل الموضوع الإشارة إلى أن مركز NCTC لم يمارس، في الواقع، سلطة كبيرة على الوكالات العاملة على هذا الخط.
ككل المجموعات، تحتاج لجنة CTIC إلى آلية لصنع قرارات. ونظرا للوقائع البيروقراطية الروتينية، فإن استثمار تلك السلطة إما في DAPNSA، وإما لدى أكثرية المجلس ستعطي دوافع للمعارضين لوضع نهاية لإدارة لجنة CTIC، أو مقاومة الإذعان لقراراتها. لذا، ينبغي للميثاق الذي يعمل وفقه مجلس الأمن القومي أن يحدد بشكل خاص عملية اجتذاب، والتي يمكن أن تشتمل على مرحلتين. المرحلة الأولى، بإمكان المعارضين جلب الجدل الدائر إلى مستشار الأمن القومي، الذي يمكنه الاختيار ما بين عقد اجتماع لجنة الرؤساء، وأو تقديم قرار مبني على مذكرات صادرة عن المعارضين وعن DAPNSA، على التوالي.
المرحلة الثانية، إذا ما اختار رئيس وكالة لم ينل ردا إيجابيا من مستشار الأمن القومي ذلك، فإن بالإمكان إرجاع القضية إلى الرئيس لاتخاذ القرار.
بإمكان لجنة CTIC تعزيز التنسيق المشترك الفعال بين الوكالات عن طريق عقد الاجتماعات بين أولئك الموجودين في وزارتي الخارجية والدفاع والـ CIA المهتمين بمجموعة بلدان مفترضة. ويمكن لجلسات العمل الإقليمية أن تشمل ممثلين عن السفراء الأميركيين في البلدان في المنطقة وفرق عملهم في البلد (بما فيها مراكز الـ CIA) وقائد المقاتلين ذي الصلة. وبناء على توجيه عام من لجنة CTIC، ستقوم جلسة من هذا النوع بتحليل الوضع في منطقة مفترضة وتطوير خطة شاملة للتعامل معه، إن وجود عدد من المسؤولين ممن سيكونون مسؤولين عن تنفيذ الاستراتيجية الناتجة عن الاجتماع سيسهل "الصفقة" والتنفيذ.
على سبيل المثال، بإمكان جلسة العمل إتباع قالب مشابه لذاك الذي طورته هيئة الأركان المشتركة ويشتمل على الخطوات التالية:
- تعيين الفاعلين الأساسيين في المنطقة بما يتعلق بتطور ونقل أيديولوجية التطرف (على سبيل المثال، المنصات الإعلامية، المدارس، الباحثين، الخطباء).
- تحديد الطريقة التي يتم بها تواصل هؤلاء الفاعلين مع بعضهم البعض لتشكيل شبكة ما (على سبيل المثال، مصادر التمويل أو مدرسة مفترضة أو خطيب ما).
- تطوير خطة عمل لإضعاف الأصوات المعادية ودعم تلك الأصوات المعارضة لها. (في حالات عديدة، ستدعو خطة العمل للتعاون بين الحكومة الأميركية والحكومة الأجنبية ذات الصلة).
- تطوير مقاييس لتقييم فاعلية الأعمال المتخذة بمقتضى الخطة وتقصي التقدم المتصل بتلك المقاييس.
مركز جديد لأبحاث مكافحة الإرهاب
ستعطي الهيكلية المقترحة القسم التنفيذي قدرات يفتقر إليها الآن للتخطيط لحملة منسقة تقوم بها وتنفذها كل الحكومة لمكافحة الأيديولوجيات العدائية. لكن هناك مشكلتين لا يمكن للجنة CTIC حلهما بنفسها. المشكلة الأولى هي أن لدى الحكومة صعوبة في القيام بهذا النوع من التخطيط الطويل الأمد الذي تتطلبه حملة الأفكار.. هذا ينطبق على ما إذا كانت الحكومة تقوم بالتخطيط داخليا، أم انها تحرك مصادر فكرية غير حكومية لمصلحتها. المشكلة الثانية، هي أن العلاقات مع المواطنين الأجانب التي تتطلبها حملة الأفكار قد تثبت استحالة إنشائها أو إدارتها بالنسبة لوزارتي الخارجية والدفاع ووكالات الاستخبارات.
لمعالجة هذه المشاكل، أوصت عدة دراسات بإنشاء منظمة غير حكومية جديدة، والتي سوف تدعى "مركز أبحاث مكافحة الإرهاب" (CCR). سيكون للمركز مجموعة وظائف، بما فيها القيام بأبحاث (في جزء منها من خلال أصول وموجودات داخلية، إنما من خلال عقود مبدئيا)، إشراك القطاع الخاص، صياغة علاقات وروابط مع منظمات غير حكومية ذات الصلة في الداخل والخارج، تحريك وعقد شبكات من الخبراء، تأسيس منشورات رائدة عالية الجودة، وتقديم منح لمواطنين ومنظمات أجنبية. وحسب الطلب، يمكن للمركز أن يقدم الاستشارة للحكومة الأميركية. وبمرور الوقت، يمكن لمركز CCR المساعدة حتى في تدريب كادر من الاختصاصيين، على دراية بالنظرية والأبحاث وعمليات حملات الأفكار، والتي يمكن للإدارات والوكالات الاستخلاص منها.
إن منظمة كهذه سوف تكون في وضع أفضل من الحكومة الأميركية لجهة دعم الأفراد والجماعات الإسلامية التي تعارض، باسم الإسلام، التطرف الإسلامي. وكما نناقش في ورقة العقيدة المرافقة، فإن دعما كهذا يمكن أن يتضمن زمالة دراسية للمنح الدراسية والكتابة، رعاية المؤتمرات وأماكن أخرى للتواصل والتشبيك ضمن شبكة تواصل، وتأسيس برامج (منشورات، بث إذاعي وتلفزيون.. الخ)، للتعبير عن وجهات نظر معتدلة وتقديم الدعم المالي لها، إضافة إلى وسائل أخرى للاستمرار بمزاولة النقاش.
بإمكان منظمة خاصة تقديم هذا الدعم، من دون جعل المتلقين لهذا الدعم داخلين في نطاق المستفيدين المباشرين من الحكومة الأميركية. كما يمكنها المساعدة على تحريك جهود الأفراد والمجموعات الخاصة عبر الولايات المتحدة وفي بلدان أخرى.
أما التقدم الأهم في هذا النوع من الحملات، فيأتي من المفكرين والجماعات الدينية الخلاقة والجريئة - ومن المرجح أن يكون هؤلاء مدعومين ومعترفا بهم من قبل منظمات خاصة أكثر من وكالة حكومية ما. إضافة لذلك، سوف تدعم منظمة كهذه قضية تعزيز الخبرات وتوفر الاستمرارية عبر الإدارات.
هناك نموذجان تنظيميان محتملان لهذا المركز الجديد: شركة أبحاث وتطوير ممولة فيدراليا، كمؤسسة RAND، أو مؤسسة لا تبغي الربح إنما خاصة وممولة من قبل مجلس الشيوخ، كـ NED). ونحن نميل إلى نموذج NED لأسباب عديدة.
أولا: إن عمل RAND مبني على أساس عقود مبرمة مع إدارات ووكالات، ما يعني بأنه يعكس مصالح والحكومة الموجودة وأولوياتها. بالمقابل، تتلقى مؤسسة NED التمويل العام من خلال مخصصات موجودة في بنود قانونية، والذي تصرفه بعدها وفقا لأولويات مطورة داخليا. هذا الأمر يعطي استقلالية ذاتية وقدرة أكبر على التفكير الطويل المدى، وهي صفات وميزات مهمة لـCCR.
ثانيا: إن معظم عمل RAND يقوم به باحثون من الداخل. في حين أن لدى NED فريق عمل صغيرا في المقر الرئيس، فمعظم عملها تقوم به من خلال المنح المقدمة لأفراد ومنظمات، بما فيها الفروع الأربعة الكبرى التابعة لها (يتحكم بها على التوالي، الحزبين الديمقراطي والجمهوري، AFL- CIO، و Chamber of Commerce. هذه هي الكيفية التي ينبغي لـCCR أن تعمل بها أيضا.
ثالثا: إن تركيز RAND على الدراسات والأبحاث، في حين أن تأكيد NED، المدعوم بحجم المنح الكبير لها، على الناحية التشغيلية العملية. هنا مجدداً، يمكن لـ CCR أن تكون على شاكلة NED أكثر من RAND، لأنه، وفق تصورنا لـCCR، سيكون تأكيدها على الناحية التشغيلية. (رغم أنه سيكون لدى CRR عنصر أبحاث كبير، إذ إن أبحاثها ستدعم عملياتها، إضافة إلى دعم تلك التي للحكومة الأميركية).
أخيرا، توفر هيكلية NED استقلالية حقيقية وواضحة للعيان عن الحكومة الأميركية. هذا الأمر حيوي، إذ إن عددا من المتلقين لمنحها لن يقبلوا أو لا يمكنهم أن يقبلوا أموالا مقدمة مباشرة من دائرة أو من وكالة حكومية أميركية. مجددا، نقول بأن نموذج NED هو النموذج المناسب لـ CCR، حيث إنه سيكون من المطلوب وجود درجة من الاستقلالية للأبحاث التي تمولها (وخصوصا إذا ما قام بها مواطنون من جنسيات أجنبية)، كما سيكون مطلوبا حتى وجود درجة أكبر من الاستقلالية للمنح في الخارج لغايات تشغيلية.
وكـNED، بالإمكان دمج CCR في "مقاطعة كولومبيا"، بواسطة مجموعة من المواطنين الأميركيين البارزين، بصفتها مؤسسة لا تبغي الربح وتحكمها هيئة مستدامة من المديرين، مع أعضاء مبدئيين يتم اختيارهم من قبل المؤسسين. أما بنود الدمج، فيمكن أن تحدد أهداف المنظمة على غرار ما ناقشناه أعلاه.
لسبر القياس والتشبيه بين NED وCCR بعمق أكبر، درس فريق العمل العامل على المشروع تقرير تموز 1983 الذي قاد إلى تشكيل NED. فتحت عنوان "الالتزام بالديمقراطية: مقاربة الحزبين الديمقراطي والجمهوري"، صدر التقرير عن "برنامج الديمقراطية" - التابع لـ"المؤسسة السياسية الأميركية (APF)، ترأس فريق عمل من الحزبين السفير وليام إي. بروك ورئيسي اللجنتين الوطنيتين الجمهورية والديمقراطية، فرانك ج. فاهرنكوفت جونيور، وتشارلز ت. مانات، على التوالي. وقد فصل التقرير تاريخ جهود تعزيز الديمقراطية الأميركية، وشدد على أهمية الوصول إلى جهات فاعلة غير حكومية، وضمنه اقتراحا لإنشاء NED، ضافة إلى أربعة فروع تابعة لها.
بعد تأسيسها في العام 1979، عملت قيادة APF على بناء اهتمام حزبي ديمقراطي - جمهوري لإنشاء "منظمة غير حكومية" لتعزيز الديمقراطية (منظمة غير حكومية شبه مستقلة ذاتيا). وما بين عامي 1797 و1982، تزايد الدعم لجهود تعزيز الديمقراطية الأميركية. وكان انتخاب الرئيس ريغان في العام 1980 نقطة تحول في هذا المجال.
في 4 حزيران، 1982، كتب رؤساء APF رسالة للرئيس ريغان قدموا فيها توصية بإجراء دراسة لحل التساؤلات حول تأسيس منظمة غير حكومية لتعزيز الديمقراطية. وكانت حماسة الرئيس ريغان للفكرة واضحة، عندما جعل منها جزءا أساسيا من خطابه الشهير عن الديمقراطية في البرلمان البريطاني في 8 حزيران. وبدأ "برنامج الديمقراطية" بالدراسة في تشرين الثاني التالي.
كانت NED بحد ذاتها ناجحة بشكل لافت في إشراك منظمات غير حكومية في مجهود ذي أهمية استراتيجية كبرى للولايات المتحدة. مع ذلك، هناك بعض الصعوبات التي ينبغي تخطيها إذا ما كان نموذج NED سيعمل هنا كقالب لمركز جديد لمكافحة الإرهاب.
قبل كل شيء، سيكون هناك تداخل مهم بين نشاطات NED والمؤسسة الجديدة. فالنشاطات الحالية لـNED تروج لأفكار تستند إليها الديمقراطية، وتهدف إلى تعزيز المؤسسات التي تجعل الديمقراطية أمرا ممكنا. ويوضح تقرير "مشروع الديمقراطية" أن الجهود الأيديولوجية والمؤسساتية تكمل بعضها البعض. وبالتالي، فإن منظمة جديدة على شاكلة نموذج NED يمكن أن تخلق إرباكا ويقود إلى استنساخ غير ضروري. ينبغي للميثاق التأسيسي لـCCR أن يميز بوضوح ما بين نطاق عمل CCR ومهمته وبين ذاك الذي لـ NED.
ثانيا، والأهم، تقوم NED بمعظم عملها من خلال أربع فروع تابعة لها، تمثل الحزبين السياسيين الكبيرين، الـ AFL-CIO، ومؤسسات المشاريع والأعمال الكبرى. هذه الفروع الأربع التابعة لـNED لها مكانتها الخاصة كمؤسسات خاصة معظم عناصرها من المجتمع المدني الأميركي. لذا، بإمكان NED أن تدعي، وبشكل مقنع، بأنها تمثل وتعمل لمصلحة الولايات المتحدة كمجتمع، بدلا من الحكومة الأميركية. هذه السمة البنيوية تساعد NED على تقديم أنشطتها، على أنها ترويج وتعزيز للمبادئ والقيم المثالية الأميركية، بدلا من الترويج لمصلحة السياسة الخارجية للحكومة الأميركية.
في كل الأحوال، وبالنسبة لـCCR، لن تكون هناك مؤسسات خاصة كهذه موجودة أساسا تعمل بصفتها "فروعا تابعة". فمن البداية، سيكون على المنظمة الجديدة إشراك سلسلة واسعة من جماعات المجتمع المدني - التي تمثل القطاع الخاص، الدين، الأوساط الأكاديمية، وذلك من بين قطاعات أخرى - والقيام بذلك بأسلوب يحفظ واقع ومظهر استقلاليتها عن سيطرة الحكومة.
ومع فرضية إمكانية التغلب على هذه الصعوبات، يقدم إنشاء CCR على هذا المنوال مزايا عديدة. من بين هذه المزايا: القدرة على تحريك موارد القطاع الخاص، المادية إلى حد ما أو التي من النوع المادي، إنما تحريك المصادر الفكرية بشكل خاص، القدرة على القيام بأبحاث عميقة والحفاظ على استمرارية التركيز، بدلا من الرد على الأحداث اليومية والأزمات.. وبذلك، تكون هناك فرصة لبناء رأسمال فكري للمدى الطويل لمكافحة الأيديولوجيات العدائية، القدرة على تشكيل شبكات دولية، كما فعلت NED مع قادة ومنظمات تعزيز الديمقراطية حول العالم، وأخيرا، تقدم رفاهية العمل بإطار غير بيروقراطي نسبيا، حيث تكون هناك مرونة عملية أكبر مما تحققه الحكومة عادة.
وفي حين أن إنشاء منظمة غير حكومية أمر واضح منطقيا (وخصوصا بالمقارنة مع إقامة وكالة جديدة)، فإن الثمن مسألة فيه نظر.
ففي سنوات بدء التشغيل، وربما ما بعدها، ينبغي للجزء الأكبر من التمويل أن يأتي من المخصصات السنوية، وهذه ليست مسألة تافهة في الظروف المالية اليوم. والخبر الجيد هو أن السعر ينبغي أن يكون متواضعا تماما. فالـNED، التي تمنح مكافآت تصل إلى أكثر من 1000 منحة سنويا، وتنخرط في نشاطات أخرى مختلفة، لم يكن لديها موازنة سنوية تتجاوز الـ100 مليون دولار على الإطلاق. لقد كانت تخوض غمار المشاريع والأعمال لأكثر من ربع قرن، كما أنها، فضلا عن ذلك، بدأت بحجم أصغر بكثير. وفي حين أن مهمة CCR ستكون مختلفة تماما، فإن موازنتها الحكومية المنتظمة ينبغي أن تكون في مكان ما في نفس ملعب البيسبول، وينبغي تكثيفها تدريجيا لتصل إلى تلك الحالة المنتظمة.
إن العلاقة بين CCR وCTIC تشكل تحديا. فبصراحة نقول، كلما كانت الأولى مصممة على الاستقلالية أكثر، كلما كانت أقل عرضة للمحاسبة أمام الحكومة، المقصودة بأن تكون المستهلك الرئيس لأبحاثها والمستفيدة من أنشطتها التشغيلية.. فالقضية أكثر من افتراضية. ورغم أن NED ترى نفسها بمنزلة مروجة للمصالح الأميركية على المدى الطويل، فإن أنشطتها التشغيلية تسبب أحيانا حرقة في Foggy Bottom. ولأن أبحاثها لا تتم على قاعدة عقد ما، فإنها تنتج رأسمال فكري لتعزيز الديمقراطية، بدلا من الرد على حاجات محددة من الأبحاث للإدارات والوكالات. (يتبع)
(مركز دراسات الأمن القومي، هادسون)
وادي عمر
07-18-2012, 12:12 AM
واشنطن تكافح شعار "الإسلام هو الحل" إعلامياً
أفكار إستراتيجية لمكافحة التحديات الأيديولوجية للأمن القومي الأميركي (4 - 8)
تقدم هذه الدراسة رؤية الإدارة الأميركية لطرق إدارة ملف الإرهاب العالمي والمرتبط بالحركات الإسلامية المتشددة والتي يمثلها الجناح الأكثر تطرفا وهو تنظيم القاعدة، وتشخيص مواطن الخلل بعد الفشل النسبي في إدارة هذا الملف وخصوصا بعد فوز التيارات الإسلامية في انتخابات دول الربيع العربي، وتحدد الدراسة الكيفية التي يمكن بها للحكومة الأميركية رفع جهودها لمعالجة هذا الفشل وتغيير الجو الأيديولوجي الموجود في العالم الإسلامي بشكل عام، كما ينكب التقرير بشكل خاص على طرح نوع المنظمات الحكومية وغير الحكومية التي ينبغي إنشاؤها للقيام بهذا المجهود.
دوغلاس ج. فيث
وليام أ. غالستون
أبرام ن. شولسكي
إن القدرة على مكافحة الأيديولوجيات العدائية تتطلب دعماً قوياً من المكتب البيضاوي. ففي الوقت ذاته الذي يوقع فيه الرئيس القانون التشريعي لتأسيس CTIC، فإن عليه، أوعليها، إصدار توجيه حول هذه المسألة. يجب أن تحتوي تلك الوثيقة على بيان سياسي رئاسي لما يمكن أن يشير إليه DAPNSA. إذ سيوضح بأن DAPNSA لن يترأس CTIC فقط، وإنما سيترأس لجاناً أخرى بين الوكالات ذات الصلة. وسيتعزز الدور القيادي لـ DAPNSA بالعمل مع "مكتب الإدارة والموازنة" ( OMB) حول موازنة الحكومة لمكافحة التطرف الإسلامي. سيطلب التقرير من CTIC إصدار تقرير إستراتيجي نصف سنوي، سيكون DAPNSA مفوضاً للخروج بمسودة مشتركة مع الإدارات والوكالات ذات الصلة. أخيراً، ستعطي الوثيقة تعليمات للسفراء وقادة المحاربين للعمل مع DAPNSA في الجهود المبذولة لمكافحة التطرف الإسلامي.
لجعل هذه النقطة الأخيرة فاعلة، سيكون على الرئيس التأكيد على قيادته الشخصية مع فريقه للأمن القومي، خاصة مع وزيري الدفاع والخارجية، وضمان العلم بأن حملة مكافحة التطرف الإسلامي هي أولوية عالية وتتطلب التعاون من إدارتيهما مع DAPNSA. وإذا ما اعترض أي من الوزيرين على المجهود أوسمح بتجاهل DAPNSA من قبل فريق البلد أوقادة المقاتلين، فلا يمكن أن يكون هناك مجهود إستراتيجي واسع على نطاق الإدارة. ليس هناك أجهزة تنظيمية تسمح بمجهود كهذا إذا ما بدا الرئيس غير مهتم وكان وزراء الحكومة غير متعاونين.
تعزيز وزارتي الخارجية والدفاع
تتطلب قدرة الحكومة على مكافحة الأيديولوجيات العدائية التزاماً قوياً وواضحاً للعيان من قبل الرئيس – لكن ذلك ليس كافياً. فالمشاكل السلوكية والبنيوية في وزارة الخارجية، وزارة الدفاع والـ BBG ستحتاج للمعالجة، إما من خلال تشريع يثبت CTIC أو من خلال مجهود منفصل ما.
وكما ذكرنا سابقاً، ومنذ حل USIA، كانت الديبلوماسية العامة ربيبة وزارة الخارجية. وقد اقترحت تقارير عدة تعزيز مركز وكيل وزارة الخارجية للديبلوماسية العامة والشؤون العامة، المعروف بـ State / R. نحن نوافق على هذا. إن توفير موارد أكثر لم يكن يتم الالتزام بها لأنشطة كالتبادل الثقافي سيكون أمراً مساعداً ومفيداً، حيث إنه سيزيد سلطة وكيل الوزارة لمراجعة أداء مسؤولي الشؤون العامة، بمن فيهم أولئك الذين يخدمون في السفارات. وللتأثير في الدوائر البيروقراطية الإقليمية القوية، سيكون من المنطقي لكل دائرة من الدوائر أن يكون فيها نائب مساعد الوزير للديبلوماسية العامة أومستشار رفيع لرئيس الدائرة.
إن أكبر مشكلة تواجه وكيل الوزارة ( State/R) هي أنه ينظر الآن إلى تعيينات الديبلوماسية العامة على أنها ضد تعزيز المهنة، مفهوم من غير المرجح أن يتغير طالما أن الديبلوماسية العامة لا تزال في مصاف الدرجة الثانية ضمن نظام الموظفين الشامل. ورغم أننا نتوقع أن يكون هذا الموضوع محل جدل شديد، فإننا نقترح، بمرور الوقت، إحداث نظام منفصل لموظفي الديبلوماسية العامة. وهذا الأمر سوف يزيد من قدرة وكيل الوزارة ( State/ R) على تجنيد مسؤولين واعدين في سن الشباب والاحتفاظ بهم وبناء كادر ماهر وملتزم يحتاجه هذا الميدان.
من المهم أيضاً أن يوسع مكتب وزارة الخارجية للديبلوماسية العامة من مفهومه لها. فإذا كانت وزارة الخارجية تريد لعب دور كبير ومناسب وصحيح في جهود مكافحة التطرف الإسلامي على نطاق الإدارة الأميركية، فينبغي لفكرة الوزارة عن الديبلوماسية العامة أن تمتد لتتخطى إرسال الرسائل – ما يعني أن تتخطى المقترحات حول ماهية عمليات التواصل التي ينبغي لمسؤولي وزارة الخارجية القيام بها مع الجماهير الإسلامية. ينبغي فهم الديبلوماسية العامة لتشمل ليس فقط التواصل وإنما العمليات المطلوبة أيضاً لتضخيم الأصوات الإسلامية التي تنقل أفكاراً مفيدة، ولمكافحة المتطرفين عموماً. هذه العمليات قد تتضمن توفير الموارد، تشغيل التدخل لدى السلطات المحلية، المساعدة على توفير الأمن، تعزيز التواصل والتشبيك بين أفراد ومؤسسات بناءة داخل البلدان وعبر الحدود الوطنية، ونشاطات أخرى أيضاً. ويمكن لكل العمليات من هذا النوع أن تكون عناصر مهمة لحملة الأفكار، لذا ينبغي توسيع مفهوم الديبلوماسية العامة لتشملها.
بالإمكان تأكيد المشكلة المؤسساتية في وزارة الدفاع ببساطة. فبحسب لغة التقرير حول مسح جرى لاحقا، "تشتمل حالياً بنية تنسيق الاتصالات الإستراتيجية لوزارة الدفاع على ثلاث مؤسسات: مكتب وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية، مكتب مساعد وزير الدفاع للشؤون العامة، ومكتب الموظفين المشترك". فإذا ما حاولت أي من هذه المكاتب ممارسة قيادة قوية، فإنها تخاطر بمخالفة صلاحيات المكتبين الآخرين. لمعالجة هذا الوضع، سيكون من المفيد إنشاء مكتب مطابق لذاك الذي لوكيل وزارة الخارجية لشؤون الديبلوماسية العامة والشؤون العامة. ونظراً لحجم وهيكلية وزارة الدفاع، فينبغي ألا يرأس المكتب الجديد وكيل وزارة. نائب مساعد وزير الدفاع DASD، رتبة مساوية لجنرال بنجمتين، ينبغي أن يكون مناسباً لهذا المنصب.
نظراً للدور المهم وللأصول الموجودة لوزارة الدفاع في أية حملة أفكار إستراتيجية على نطاق الإدارة الأميركية، سيكون من المستحسن أن يكون لدينا هناك نقطة وصل لتنسيق النشاطات عبر قيادات المحاربين والارتباط بالعملية المشتركة بين الوكالات برئاسة CTIC الجديدة. إنها مشكلة متأصلة في هيكلية وزارة الدفاع بحيث إن الأصول التشغيلية تعود لقادة المقاتلين في حين أن وظيفة التنسيق بين الوكالات موجودة لدى مكتب وزير الدفاع، وإلى حد ما أقل، في مكتب الأركان المشتركة.
إن المفتاح لجعل نشاط وزارة الدفاع فاعلاً في هذا المجال- قدر الإمكان- سيكون ضمان وجود تواصل أفقي قوي بين موظفي هذه المؤسسات. فقيادات المقاتلين تعمل بقدر كبير من الاستقلالية، ويشكل الأمر أحياناً تحدياً لجهة ربط هذه القيادات بإحكام بالتوجيهات السياسية المطورة داخل "مجلس الأمن القومي" (ما يعني، من خلال عملية مشتركة بين الوكالات)، حيث يمثل وزارة الدفاع مكتب وزير الدفاع والأركان المشتركة. إن المفتاح لصنع هذا الترتيب هو قيادة وزير الدفاع له، العضو في "مجلس الأمن القومي" NSC والمدني الوحيد في وزارة الدفاع الذي تخوله سلطته التشريعية إعطاء الأوامر لقيادات المقاتلين. وإذا لم يوضح الوزير لقادته بأن مكافحة التطرف الإسلامي هو أولوية وبأن وكيل الوزارة ( DASD) لهذا الهدف هو الشخص المعين من قبله لهذا المهمة، فإن وظيفة التنسيق الأفقي ستفشل على الأرجح.
ينبغي للمكتب برئاسة وكيل وزارة الدفاع ( DASD) الذي يعمل كنقطة وصل لحملة الأفكار أن يعمل بشكل وثيق مع مكتب نظير له في الأركان المشتركة، والذي سيكون برئاسة شخص بمستوى نجمتين. والأمر المثالي وجوب أن يكون المكتبان في نفس المكان لجعل عمل الموظفين معاً أسهل، رغم أنه سيكون على كل مكتب إرسال تقريره إلى وزير الدفاع عبر سلسلة قياداته الخاصة به (من خلال وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية ورئيس هيئة الأركان المشتركة، على التوالي).
ينبغي لكل قائد عسكري تعيين ضابط مناسب من نجمتين للعمل كضابط ارتباط مع مكتب وزير الدفاع والأركان المشتركة. إن وضع هذا التواصل الأفقي الحيوي بمستوى نجمتين يُقصد به ضمان حدوث التنسيق على مستوى عال كاف كي يكون فعالاً، إنما ليس عالياً جداً بحيث يشكل، أو يبدو بأنه يشكل، سلسلة القيادة الرسمية (التي بواسطتها يرسل القادة العسكريون تقاريرهم مباشرة إلى وزير الدفاع).
ويجدر هنا التذكير بأنه لإنجاز وظيفتهما، سيتطلب الأمر بالنسبة لهذين المكتبين الموجودين في نفس المقار أن يعبِّر وزير الدفاع عن مقصده حول عمل القادة العسكريين بشكل وثيق معهما بخصوص "عمليات الدعم الإعلامي العسكري" وجهود التوعية الممتدة ( كالمواقع الألكترونية برعاية القيادة).
أما فيما يتعلق بـ BBG، فهي تعاني حالياً من نقطتي ضعف أساسيتيْن. أولاهما، أنها تفتقر لمدير تنفيذي بدوام كامل. بدلاً من ذلك، تجتمع اللجنة العاملة بدوام جزئي، غير المدفوعة الأجر بمعظمها، مرة في الشهر. إن أعضاء اللجنة من ذوي الخبرة ووطنيين، إلا أن تقريراً صدر أخيراً عن "مؤسسة هيريتاج" توصل إلى استنتاج يقول إن "هذه الطريقة ليست بأي حال من الأحوال طريقة لإدارة مؤسسة إعلامية معقدة مع كيانات بث قيمتها تفوق الـ 750 مليون دولار مدفوعة من قبل دافعي الضرائب الأميركيين". إن الترتيب الحالي، تحديداً، يجعل من الصعب صياغة وتنفيذ إستراتيجية بث شاملة ويترك سلطة كبيرة جداً في أيدي إقطاعيات مختلفة ومتنوعة بظل التوجيه الإسمي للجنة. وتوصي "هيريتاج" بتعيين "رئيس ومدير تنفيذي غير متحزبيْن، بدوام كامل مدفوع الأجر، مع توفير الموارد والوقت للانخراط في العمل على تخطيط للمدى الطويل وتنفيذ استراتيجيات للبث الدولي الأميركي". نحن نوافق على ذلك.
المشكلة الثانية ليست بنيوية بقدر ما هي مفاهيمية وأيديولوجية. إذ يتضمن "قانون البث الدولي 1994" الذي أسس BBG، لغة تشير إلى "أعلى المعايير الاحترافية للبث الصحافي"، كالموضوعية، الموثوقية، والتوازن، كما تشير إلى "أهداف السياسة الخارجية الواسعة للولايات المتحدة". هذه الأهداف لا تتضمن دعم تقديم وجهات نظر الحكومة الأميركية فحسب (والمناقشة المسؤولة لها، بما فيه الآراء المعارضة) وإنما تتضمن أيضاً تقديم "قدرة متزايدة تزايداً مطرداً لدعم أهداف السياسة الخارجية الأميركية خلال الأزمات في الخارج". في كل الأحوال، وفي غياب قيادة مركزية قوية، تميل العملية اليومية لخدمات البث باتجاه أحد هذه الأهداف على حساب الأهداف الأخرى – ما يعني باتجاه صحافة من دون العودة إلى أهداف السياسة الخارجية.
نحن ندرك بأنه من دون المصداقية كمصدر لمعلومات موثوقة، لا يمكن للبث الأميركي تحقيق أي من أهدافه المعلنة. في نفس الوقت، ينبغي لهيئة BBG أن توضح لأجهزة البث المختلفة بأنها في القطاع العام وجزء من فريق السياسة الخارجية الأميركية. ينبغي لمدير تنفيذي بدوام كامل أن يكون قادراً على ترجمة هذا المبدأ إلى ممارسة عملية – وينبغي اختيار المدير التنفيذي على أن يكون هذا الهدف موجودا في ذهنه. يستلزم الأمر وجود طاقم العمل الصحيح والبنى المصممة بشكل مناسب وصحيح للحفاظ على سلامة السياسة العامة.
البيان العقائدي
بصرف النظر عن الخيار الذي يتم انتقاؤه، ستتطلب أية مؤسسة جديدة أومؤسسة أعيدت قولبتها فهماً للكيفية التي ينبغي المضي بها قدماً. ولإظهار كيفية تلبية هذا المطلب، حضَّر الفريق البيان العقائدي المرفق بالتقرير. وكون البيان مصمما لتستخدمه الحكومة الأميركية أومنظمة ممولة من قبل الحكومة تحمل مهمة مكافحة الأيديولوجيات العدائية، فإنه يضع المتطلبات لحملة أفكار جدية. ورغم أن لديها قابلية واسعة للتطبيق بخصوص جهود مكافحة الأيديولوجيات العدائية عموماً، فإن العقيدة تركز على التطرف الإسلامي.
إن أحد المبادئ الإستراتيجية لهذا التقرير، ليكون فعالاً، هو أنه ينبغي لرسالة مكافحة التطرف أن تنشأ وتظهر من داخل العالم الإسلامي، قدر الإمكان. ينبغي لتلك الرسالة أن تعكس الطموحات، ويتم التعبير عنها بمصطلحات تجد صداها داخل المجتمعات الإسلامية. وبالتالي فإن القضية الحيوية بالنسبة للمسؤولين الأميركيين "ليست" الرسائل التي يجب عليهم نقلها إلى داخل العالم الإسلامي؛ بل القضية هي الكيفية التي يمكنهم بها محاكاة وتشكيل نقاش بين المسلمين حول الأيديولوجيات المتطرفة التي تروج لها القاعدة، حزب الله، ومنظمات إرهابية أخرى. إن إحداث هذا النقاش هو تحد عملي بالنسبة للمسؤولين الأميركيين، وليس، ببساطة، مسألة إرسال رسائل أوديبلوماسية عامة أوتواصل استراتيجي.
نظراً لهذا الأمر، وكما أشرنا آنفاً، فإن الحوار بين المسلمين، وليس الحوار بين المسلمين وغير المسلمين، أمر ذو أهمية مركزية، وإن انخراط وإشراك المؤسسات والمنظمات الخاصة (على سبيل المثال، الجامعات، مراكز الأبحاث، المؤسسات، التنظيمات الدينية) في جهود الأفكار الإستراتيجية الأميركية أمر حاسم وحساس.
خطوات عملية
إذا كانت الولايات المتحدة تريد مكافحة الأيديولوجية العدائية للإسلاموية المتطرفة، فإنها بحاجة لأن تكون قادرة على شن حملة أفكار استراتيجية. أما في الوقت الحاضر، فإن الحكومة الأميركية ليست منظمة بشكل صحيح ومناسب لهذه المهمة. فليس هناك من مسؤول أو وكالة تتحمل مسؤولية توجيه أوالقيام بمجهود استراتيجي لمكافحة التطرف الإسلامي وابتكار طرق لتشجيع أنشطة المنظمات والمؤسسات الخاصة والتأثير فيها؛ وليس هناك فهم مشترك لما ينبغي أن يتشكل منه مجهود من هذا النوع.
وفي حين أن الخطوات التي حددناها لا تعتبر مثالية، فإن بحثنا ومشاوراتنا جعلانا نقتنع بأنها ستمثل تحسناً بارزاً ومهما يفوق الترتيبات الحالية الموجودة. أما السؤال التالي الأساسي فهوما إذا كانت الإرادة السياسية موجودة – أويمكن إحداثها- للتحرك بهذا الاتجاه.
في الوقت الحاضر، ينبغي الإجابة عن هذا السؤال سلباً. لكن يمكننا تصور حدثيْن، أي منهما لا يعتبر حدثاً بعيد الاحتمال، لكن يمكنهما تحويل الرأي العام باتجاه العمل. الحدث الأول، يمكن لاستمرار النزاع في بلدان كالصومال أن يوفر فرصاً للإسلاميين المتطرفين لتكثيف نشاطاتهم ونشرها في بلدان أخرى. (توفر أفريقيا، تحديداً، أرضاً خصبة لهم). وإذا ما انتشرت الإسلاموية الراديكالية في أفريقيا، فستبحث الولايات المتحدة عن طرق للرد غير الوسائل العسكرية أوالمالية، وقد ينظر إلى مكافحة الهجوم الأيديولوجي على أنها مجموعة خيارات.
ثانياً، وفي حين أن استمرار الاضطرابات في مصر أمر واضح، فإن نتائج الربيع العربي لا تزال موضع شك. فعدم الاستقرار على امتداد الشرق الأوسط والمغرب العربي يرفع احتمالات الظروف التي يمكن للإسلاميين المتطرفين أن يزدهروا فيها، ما يبدد الآمال بديمقراطية لا تزال طرية العود. وفي أسوأ الأحوال، يمكن للمتطرفين أن يمدوا تأثيرهم ونفوذهم ليتجاوزوا بذلك موطئ قدمهم في غزة وجنوب لبنان، ويهددوا أمن الولايات المتحدة وحلفائها. إن أحداثاً كهذه يمكن أن تقنع المشرعين والمسؤولين الأميركيين بالأهمية الملحة المتعلقة ببذل جهود أميركية جدية لمحاربة الإسلاموية المتطرفة في المجال العقائدي.
لا يمكننا أن نتكهن متى تنضج الظروف داخل الحكومة الأميركية والنظام السياسي لإنشاء مؤسسة جديدة مسؤولة عن مكافحة الإيديولوجيات العدائية. نأمل بأن يقدم هذا التقرير حجة واضحة وطريقاً إلى الأمام لتغيير بنيوي وعقائدي نحن على قناعة بأن بلدنا بحاجة له.
حملات الأفكار
نشأت بعض قضايا النظرية الديمقراطية بسبب مناقشة فكرة "حملة أفكار" بمزيد من التفصيل في مسودة بيان العقيدة المرافق للتقرير. ففي مناقشات حملات الأفكار، هناك ثلاثة هواجس على الأقل تميل للظهور وتعكس عدم الارتياح لتنفيذ مجهود من هذا النوع. من الصعب التقييم ما إذا كانت هذه الهواجس لديها تأثير الإعاقة العملية لجهود الحكومة الأميركية بمحاربة الأيديولوجيات المعادية. مع ذلك، فإن واضعي التقرير، وكلهم ممن خدم في الحكومة، قد صادفوا هذه التحفظات في مسار المناقشات المشتركة بين الوكالات. وهذه الهواجس هي :
- لا ينبغي للحكومة الأميركية أن تعمل في مجال توجيه الحملات الأيديولوجية على شعبها، لذا عليها أن تمنع الحملات الموجهة للأجانب من التأثير في الرأي العام الأميركي المحلي. ( يشار لهذا الأمر أحياناً بمشكلة " النكسة").
- يجب على الحكومة الأميركية البقاء خارج الجدل الديني. (هذا يمكن تسميته مشكلة "الفصل بين الدين والدولة")
- رغم أن الواجب يلزم بالحفاظ على "سوق الأفكار" وحمايته، فإنه لا ينبغي على الحكومة الأميركية العمل كممون ومزود للأفكار في ذلك السوق. (هذا يمكن تسميته مشكلة "حرية التعبير").
" النكسة"
كانت النظرة التقليدية هي وجوب أن تكون الجهود الإعلامية للحكومة الأميركية موجهة للخارج. ومهما كانت "البروباغاندا" مناسبة عند توجيهها نحو شعوب أجنبية، فإنها غير مقبولة محلياً.
كانت وجهة النظر هذه منسقة ومنظمة في نظام أساسي، بدءاً بـ "قانون Smith-Mundt عام 1948 والمعزز بـ"التعديل القانوني Zorinsky عام 1985"؛ صفقات تشريعية أخيرة بجهود من قبل وزارة الدفاع. ومن المفهوم أن الكونغرس كان يريد إبقاء الحكومة الأميركية خارج مشروع محاولة إقناع الأميركيين بما يفكرون.
في كل الأحوال، إن عزل الجماهير المحلية عن محاولات التأثير في الرأي العام الأجنبي أمر مستحيل عندما تكون النشاطات الإعلامية منفذة على الإنترنت. ونظراً لأهمية هذا الوسط للإسلاموية المتطرفة، فليس هناك من مجال للجهود الأيديولوجية للحكومة الأميركية كي تتجاهله. وبشكل مشابه، يعتبر التلفزيون أكثر عولمة الآن مما كان عليه في العقود الماضية. وسيكون المكان الرئيس لمناقشة القضايا ذات الصلة بالتطرف الإسلامي قنوات ناطقة باللغة العربية كالجزيرة والعربية. وتلك القنوات متوافرة في العالم، وفي أية حال، غالباً ما تذكر وسائل إعلامية ما تقوله هاتان المحطتان. مجدداً، لن يكون هناك من طريقة لعزل الجماهير الأميركية.
إذن، وفي نهاية المطاف، ينبغي أن تكون قضية جعل الحكومة الأميركية منخرطة في حرب أيديولوجية قوية كفاية بحيث يتقبل الأميركيون احتمال أن تكون لنشاطات من هذا النوع تأثيرات في الداخل كما في الخارج.
انخراط الحكومة في القضايا الدينية
إن السؤال الأكثر جوهرية حتى الآن هو المتعلق بانخراط الحكومة في الجدل الديني. إن مبدأ الحفاظ على الفصل بين الدين والدولة متأصل بعمق؛ إن عدداً من المسؤولين ليسوا مرتاحين مع فكرة إشراك الحكومة الأميركية نفسها في القضايا الدينية.
في هذا الصدد، من المهم الإشارة إلى أنه ينبغي النظر إلى التطرف الإسلامي على أنه أكثر من مجرد مدرسة فكر ديني وببساطة، إنه أيديولوجية وبرنامج سياسي شامل – ما يعني، أنه برنامج يهدف إلى إعادة إنشاء المجتمع من أساسه. فالتطرف الإسلامي مبني على أفكار صدرت وفرضت قسراً من قبل طلائع المتطرفين الذين يفهمون الأفكار أكثر من الناس عموماً وهذا يعتبر أكثر التزاماً بها. وبهذه الطريقة، يماثل التطرف الإسلامي الأيديولوجيات التوليتارية في القرن العشرين. فشعاره – "الإسلام هو الحل"- يعني بأن الإسلام لا يشكل فقط الإجابة لكفاح الفرد للحصول على معنى لحياته، بل يعني الإجابة على مشاكل المجتمع السياسية، الاقتصادية والاجتماعية.
وفي أوساط المسلمين، يتركز الجدل حول الإسلاموية المتطرفة على ما إذا كانت في الواقع التفسير الصحيح للإسلام بالضرورة. وبرغم الأسباب المتعلقة بالفعالية والمصداقية، إلا أن بإمكان المسؤولين الأميركيين التدخل في جدل كهذا لكن بشكل غير مباشر فقط، والنتيجة ستكون أكبر مصلحة للولايات المتحدة. أما إذا كانت الحكومة الأميركية هي التي ستدير حملة الأفكار الاستراتيجية فعلى المسؤولين الأميركيين أن يتقبلوا مسألة هي أن معارضة أيديولوجية الإسلاموية لا تعني معارضة دين الإسلام.(يتبع)
(مركز دراسات الأمن القومي - معهد هادسون)
وادي عمر
07-19-2012, 12:02 AM
المخابرات الأميركية تخوض حرب الأفكار ضد أعدائها
أفكار استراتيجية لمكافحة التحديات الأيديولوجية للأمن القومي الأميركي (5 - 8)
تقدم هذه الدراسة رؤية الإدارة الأميركية لطرق إدارة ملف الإرهاب العالمي، المرتبط بالحركات الإسلامية المتشددة، والتي يمثلها الجناح الأكثر تطرفا، وهو تنظيم القاعدة، وتشخيص مواطن الخلل، بعد الفشل النسبي في إدارة هذا الملف، وخصوصا بعد فوز التيارات الإسلامية في انتخابات دول الربيع العربي، وتحدد الدراسة الكيفية التي يمكن بها للحكومة الأميركية رفع جهودها لمعالجة هذا الفشل، وتغيير الجو الأيديولوجي الموجود في العالم الإسلامي بشكل عام، كما ينكب التقرير بشكل خاص على طرح نوع المنظمات الحكومية وغير الحكومية التي ينبغي إنشاؤها للقيام بهذا المجهود.
دوغلاس ج. فيث
وليام أ. غالستون
أبرام ن. شولسكي
سوق الأفكار الأيديولوجي
إن الوضع الصحيح والمناسب للحكومة الأميركية بما يتعلق بالمسائل الدينية جزء من السؤال الواسع حول علاقة الحكومة بالمعتقدات الفلسفية عموما. وإحدى وجهات النظر هنا هي وجوب محافظة الولايات المتحدة على "سوق الأفكار" وحمايته، لكن من دون الدخول إلى السوق كمشاركة فيه. بالأحرى، وكما كتب جاستس أوليفر ويندل هولمز في كتابه المعارض "Gitlow v. New York"، "إذا ما كان مقدرا في المدى الطويل تقبل المعتقدات المعبر عنها في الدكتاتورية البروليتارية من قبل القوى المهيمنة في المجتمع، فإن المعنى الوحيد لحرية التعبير سيكون وجوب إعطائهم الفرصة وسلوك طريقهم".
أما مضمون كلام هولمز، فهو أنه، ولمصلحة حرية التعبير، أو الحرية عموما ربما، ينبغي للحكومة البقاء خارج المجال الأيديولوجي، للسماح لكل المعتقدات - تلك المتطابقة مع الديمقراطية الليبرالية، وتلك المؤيدة للديكتاتورية أو البدائل الأخرى للديمقراطية الليبرالي - بالتنافس على مستوى اللعب في الميدان ضمن "سوق الأفكار".
في ظل الظروف العادية، لموقف هولمز مزايا واضحة، إذ ينبغي على حكومة ديمقراطية ليبرالية، كقاعدة، أن تتقبل خوض المعارك الفلسفية على أفضل وجه، من دون انخراط الحكومة بها. وصرح توماس جفرسون، معبرا الرؤية الأميركية المتفائلة بجوهرها عندما كتب في "ملاحظات في فرجينيا" يقول "الخطأ وحده يحتاج إلى دعم الحكومة. أما الحقيقة فتصمد لوحدها". إلا أن قناعة جفرسون المليئة بالأمل قد لا تكون صحيحة دائما. فهل يمكن لجفرسون أن يتصور بأنه كان من الممكن لدولة ديمقراطية ليبرالية كألمانيا ذات سوق أفكار واسع، مفتوح وحر جدا، أن تجلب هتلر إلى السلطة من خلال آليات ديمقراطية؟
السؤال بالنسبة لنا هو ما إذا كانت التهديدات الأمنية التي تشكلها الإسلاموية المتطرفة تتطلب من الحكومة نفسها التحرك والانتقال إلى ما هو أكثر من دورها الأساسي كحارس لسوق الأفكار لأميركا والدخول في السوق الأيديولوجي العالمي كمدافع موضوعي عن المبادئ الديمقراطية الليبرالية.
بهذا الخصوص، يعد خطاب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ذي أهمية. ففي شباط 2011، وفي اجتماعات في ميونيخ، دعا كاميرون إلى "لبرلة قوية" تدافع عن المعتقدات الليبرالية:
نحن بحاجة إلى ما هو أقل بكثير من التسامح السلبي (الإسلاموية المتطرفة) الموجود في السنوات الأخيرة وإلى لبرلة قوية أكثر نشاطا وفاعلية بكثير. إن المجتمع المتساهل بطريقة سلبية يقول لمواطنيه، طالما أنكم تطيعون القانون، فإننا سنترككم وشأنكم. إنه يقف محايدا بين قيم مختلفة، لكني أعتقد بأن البلد الليبرالي حقيقة يفعل أكثر من هذا بكثير.. إنه يؤمن بقيم معينة ويروج لها بفاعلية، كحرية التعبير، حرية العبادة، الديمقراطية، حكم القانون، الحقوق المتساوية بصرف النظر عن العرق، الجنس، أو الجنسية. فهو يقول لمواطنيه، هذا ما يحددنا كمجتمع: كي تكونوا منتمين له يعني أن تكونوا مؤمنين بهذه الأمور.
وفي حين أن التعددية الثقافية التي رفضها رئيس الوزراء كاميرون في هذا الخطاب هي أكثر تطرفا من أي شيء مألوف ومعتاد في الولايات المتحدة، فإن مفهومه عن "اللبرلة القوية" ذات صلة بالنسبة لأي ديمقراطية ليبرالية. لا حاجة لحظر الخطاب اللاقانوني (رغم أن هناك في بريطانيا، وأوروبا عموما، جاهزية أكبر لحظر أنواع معينة من الخطاب من ذاك الموجود في الولايات المتحدة، بسبب تاريخ من الاحترام الموجود لـ"القانون المعدل الأول". فبالنسبة لأي ديمقراطية ليبرالية، يعد حظرا كهذا خطوة متطرفة. لكن ذلك ينبغي ألا يمنع الحكومات الديمقراطية الليبرالية من استخدام أساليب أخرى - وليس فرض عقوبات جنائية بالضرورة - لتعزيز وحماية المبادئ التي تقف عليها أنظمة هذه الحكومات.
مكافحة الأيديولوجيات العدائية
هذه الوثيقة يمكن أن تعمل كبيان عقائدي لمنظمة تحمل مهمة مكافحة الأيديولوجيات العدائية. (الأيديولوجية العدائية هي التي تحفز أفرادا أو جماعات على العمل بشكل معاد ضد الأمن القومي الأميركي). إن هدف الوثيقة هو تقديم مقترحات أكثر صلابة ومتانة والموجودة في التقرير المرافق حول مكافحة الأيديولوجيات العدائية.
إن القصد من هذا البيان العقائدي هو أن يكون مستقلا عن البنية الدقيقة المحكمة للمؤسسة المعينة لتولي مهمة مكافحة الأيديولوجيات العدائية، بصرف النظر عما إذا كانت جزءا من الحكومة الأميركية أو القطاع الخاص (حتى لو كان ممولا، إلى حد كبير، من قبل الحكومة الأميركية)، بدلا من ذلك انه يتعامل مع قضايا ستواجهها أي مؤسسة، بصرف النظر عن الكيفية التي تتشكل منها بنيتها أو مكانها بيروقراطيا.
يغطي البيان العقائدي مساحة كبيرة. إذ يقدم التقرير، من بين أمور أخرى، أسبابا جوهرية لوجود المؤسسة كما يقدم مراجعة تاريخية للأيديولوجية التي تسعى المؤسسة لمكافحتها، ويطور المقاربة الإستراتيجية لمهمة المؤسسة، ويوفر أمثلة عن الأنشطة التي قد تبدأ بها المؤسسة.
وفي حين قد يكون لدى المؤسسة تفويضا عاما، فإن وظيفتها الرئيسة، في هذا الوقت، ستكون مكافحة الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة التي تحث وتحرض على الأعمال الإرهابية الموجهة ضد الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها.
تناول التطرف بجدية
قبل أن نناقش الكيفية التي قد تنفذ بها حكومة جديدة أو مؤسسة ممولة حكوميا مهمتها في مكافحة الأيديولوجيات العدائية، من الضروري تبرير المهمة نفسها. ينبغي لتلك المؤسسة أن تظهر سبب أهمية الأيديولوجية في تحديد سلوك الأفراد، الجماعات، أو البلدان، وهي بحاجة لأن توضح السبب وجوب اهتمام الحكومة الأميركية، بما يؤمن به الناس (بمن فيهم المواطنون الأميركيون)، بصفتها معارضة لما يقومون به.
عند التفكير بشأن الأمن القومي، نركز تقليديا على التهديدات التي يمكن لدول أخرى أن تشكلها على أمننا ومصالحنا. وفي التحليل للتهديدات المحتملة، فإننا ننظر إلى نوايا الدول وقدراتها لتحديد ما إذا كان علينا العمل لمحاربتها أو التخفيف من حدتها. لسنا بحاجة للتعامل في هذه الورقة مع التساؤل المطروح حول تقييم قدرات دول أخرى - قواتها العسكرية بشكل رئيس، وإنما بحاجة للتعامل مع موقعها الجغرافي ونقاط قوتها وضعفها الاقتصادية والدبلوماسية. في أي حال، إن تقييم القدرات، عموما، بسيط وصريح نوعا ما.
إنها نوايا الدولة التي غالبا ما يكون من الصعب التأكد منها. بإمكان المرء أن يحاول تحديد النوايا عن طريق ما قد تتطلبه الدولة لحماية أمنها، والدفع قدما بمصالحها المادية. وقد يكون بالإمكان العثور على تصريح واضح لهذه المقاربة تحديدا، وذلك في "الاستخبارات الإستراتيجية للسياسة الخارجية الأميركية" لشيرمان كنت: إذا كان لديك المعرفة بالمكانة الاستراتيجية لبلد ما (مصطلح "كنت" للقدرات الكلية لبلد ما - العسكرية، السياسية، والاقتصادية - للعمل على المسرح الدولي)، فإن معرفة مواطن الضعف لدول أخرى هي طرف في الوضع، عندها أنت في طريق مقبول لتكون قادرا على التكهن "بمسار عملها المحتمل".
يتابع "كنت" فيقول بأن تحليل النوايا يكون أقوى عندما يأخذوا في حسابهم الكيفية التي يقيم قادة بلد ما مكانته، وكيفية تصرف البلد في الماضي.
تعكس رؤية "كنت" عقيدة "الواقعية"، التي تفترض بأن الدول تتصرف على أساس المصالح المادية، وبأن التصريحات الأيديولوجية التي يدلون بها لتفسير أعمالهم (على سبيل المثال، الدفاع أو تعزيز الاشتراكية أو الديمقراطية)، هي مبررات ومسوغات ذات أثر رجعي.
هذه المقاربة، التي تنطوي على وجوب تحديد الأعمال الأميركية كذلك بواسطة المصالح "الشديدة" بدلا من القيم أو الأيديولوجية، كانت مستحسنة، وهذا شائع الأمر، من قبل المختصين بالسياسة الخارجية، بمن فيهم أولئك الذي يشكلون فريق عمل الخدمات الخارجية - التابع لوزارة الخارجية.
مع ذلك، وحتى في الفهم الواقعي، من المعترف به أن العوامل الأيديولوجية تلعب دورا مهما وبارزا بظل بعض الظروف. على سبيل المثال، لقد استثنت النظرية الواقعية التقليدية، عادة، الدول "الثورية" التي تسمح للدوافع الأيديولوجية - على عكس مفاهيم ومبادئ الواقعية السياسية - بتجاوز مواصلة العمل وفق مصالحها المادية. ومما لا شك فيه أن النظرية الواقعية تصر على القول بأن الفصول "الثورية" من هذا النوع هي فصول عابرة ومؤقتة، وبأن هذه الدول تكيف نفسها، حتما، مع النظام الدولي الموجود، ووفقا لذلك، فإنها تواصل العمل على مصالحها الوطنية بشكل تقليدي نوعا ما.
في كل الأحوال، قد تدوم المرحلة "الثورية" عقودا، كما هي الحال في الثورة الفرنسية وحقبة نابليون، وبالتالي يمكنها لعب دور رئيس في تحديد مسار الحياة السياسية الدولية لجيل كامل.
إضافة لذلك، يرى أحد المفكرين الواقعيين، مثل هانز موريغنثو، الأيديولوجية بمنزلة رابط مهم بين الحكومة ومواطنيها. فقد أشار، على سبيل المثال، إلى أن بروز مفهوم "الحرب الكاملة" كان يمكن أن يكون مستحيلا، لولا وجود الأيديولوجيات التي تعطي المواطن العادي رهانا عاطفيا قويا في الصراع، أمر لم يكن لدى المواطن العادي في حروب الأسر الحاكمة في القرن الثامن عشر.
كان لا بد للحرب أن تكون عادلة مع جانب، وظالمة من جانب العدو، لإثارة الحماسة الأخلاقية، دعما لقضية الأول وإثارة المشاعر العدائية ضد الثاني.
فضلا عن ذلك، فإن جاذبية الأيديولوجية ليست بحاجة لأن تكون محدودة بالدولة الثورية نفسها - وعادة لا تكون كذلك. بالأحرى، غالبا ما تكون دولة كهذه قادرة على اجتذاب أفراد في بلدان أخرى على أساس أيديولوجيتها وتلتمس الدعم لهم. قد تقوم الدولة الثورية بمجهود مهم لنشر وتسهيل هذا النوع من الدعم، كما فعل الاتحاد السوفييتي، مثلا، بوسيلة "الكومنترن" (الشيوعية) في الثلاثينيات.
هذا النوع من النشاط يمكن أن يكون مفيدا للدولة الثورية بطرق مختلفة: بإمكان الأتباع والمناصرين الخارجيين تقديم الدعم السياسي لأهداف الدولة الثورية، قد يكونوا مستعدين حتى للانخراط بالتجسس والخيانة لمصلحتها. وبالتالي، وحتى لو كان الإيمان بالثورة يتأرجح محليا، فإن قادة الدولة الثورية قد يتطلعون إلى اجتذاب الأجانب على قاعدة كونها طريقة مفيدة لكسب الدعم في الخارج لمواصلة أهداف "الواقعية السياسية" للدولة.
وفقا لذلك، قد يكون من الصعب فصل "الواقعية السياسية" عن الدوافع الأيديولوجية في السلوك الدولي لدولة ما. إن تحديد المدى الذي تعكسه دوافع عدو محتمل في الواقعية السياسية أو الاعتبارات الأيديولوجية تعد مهمة كبرى في صياغة سياسة دولة تجاه ذلك العدو، وغالبا ما يكون ذلك عرضة لجدل ساخن.
الجهات الفاعلة غير الحكومية
في التعامل مع جهات فاعلة غير حكومية، يكون دور الأيديولوجية أكثر حساسية حتى. فبينما يمكن لدولة فرض الضرائب والحصول على مجندين بوسائل التجنيد الإجباري، فإن مجموعة إرهابية، كالقاعدة، تعتمد على جاذبيتها الأيديولوجية لجهة قدرتها على تجنيد أفراد، جمع التمويل، واجتذاب أشكال أخرى من الدعم. هذا الأمر صحيح عموما في حالة مجموعة تمرد، كـ"طالبان" الأفغانية أو الباكستانية، رغم أنه في بعض المناطق الجغرافية، حيث تمارس مجموعة من هذا النوع سيطرة مادية، قد تكون قادرة على استخدام القهر والإلزام القسري كالدولة.
قد يصدر قادة المجموعات الإرهابية أو التمرد، من وقت لآخر، أحكاما محددة بناء على قاعدة الواقعية السياسية، بدلا من العوامل الأيديولوجية. (على سبيل المثال، قد تختار القاعدة تجاهلا، أو التقليل من أهمية، سوء المعاملة الصينية للمسلمين في "كسينغيانغ"، لأنها لا تريد أن تصبح بكين منخرطة بالكامل إلى جانب الغرب في محاربة التطرف الإسلامي). مع ذلك، فإن من الحاسم بالنسبة للقيادة المحافظة على الجاذبية الأيديولوجية للجماعة، وان أي انحراف عن الأيديولوجية يعرض هذه الجاذبية لخطر الاضمحلال أو تفريخ حالات الانقسام.
ورغم أن الجاذبية الأيديولوجية هي الوسيلة الأساسية التي يمكن بها لجهات فاعلة غير حكومية تجنيد أفراد والحصول على دعم مادي وأشكال أخرى من الدعم، فليس كل عمل يتعلق بالانضمام إلى مجموعة إرهابية أو ارتكاب عمل إرهابي يمكن تفسيره بالأيديولوجية وحدها. فنادرا ما يفسر السلوك الإنساني، هذا إن فسر، بإحالته لمتغير واحد. في كل الأحوال، وفي حين أن العوامل النفسية الخصوصية الغريبة والاجتماعية المختلفة قد تجعل أحد الأفراد عرضة للتجنيد في صفوف الحركة أكثر من غيره، فإنها لا تفسر السبب الذي لأجله يصبح الفرد، دعنا نقول، إسلاميا بدلا من شيوعي أو فاشستي أو عضو في طائفة دينية. أما الأمر ذو الأهمية الأساسية، فيبدو أنه يتعلق بالعملية التي يشكل فيها فرد يشعر بالنفور والانعزال رابطة مع أفراد آخرين ويجد "هوية" داخل هذه المجموعة الصغيرة. لكن من دون الأيديولوجية، يمكن لهذه المجموعة الصغيرة أن تصبح، وبسهولة، مجموعة من المتعصبين لكرة القدم أو مجموعة تافهة من المجرمين.
وفقا للطبيب النفسي الجنائي، مارك سايغمان، فإن الأيديولوجية تلعب "دورا مركزيا" في "الالتزام المستدام" بالإسلاموية الراديكالية: لعبت الأيديولوجية دورا مركزيا أيضا في الالتزام المستدام بهذه النسخة من "الإسلام". ورغم أن الانتماء هو ظاهرة اجتماعية، فإن ازدياد حدة الإيمان والمعتقدات مرحلة تتصف بالمعرفة الشخصية الفعالة عن المذهب الجديد. فالملتمسون لهذه العقيدة يتقبلون تدريجيا المعتقد الجديد، لأنه منطقي في تفسيرهم الجديد للعالم ودورهم فيه. هذا الاكتشاف للتناسب القوي ما بين الأحداث الماضية والتفسير الجديد أمر حاسم لتقبل الالتزام الطويل الأمد للمعتقد الجديد وتعزيزه.
باختصار، وسواء كان من يحمل الأيديولوجية العدائية دولة أم مجموعة فاعلة غير حكومية، فإن لها تأثير على الأمن القومي.. لذا، لا يمكن أن تكون مسألة موضع خلاف بالنسبة للحكومة الأميركية.
دور المخابرات الأميركية
لا ينبغي أن تكون الولايات المتحدة قلقة ومهتمة بالأيديولوجيات العدائية كمسألة أمن قومي فحسب. لقد كانت كذلك في الحقيقة مع أيديولوجيات أخرى في الماضي، أشهرها خلال الحرب الباردة. بالواقع، إن الوضع الحالي للحكومة الأميركية فيه بعض التشابه مع وضعها بداية الحرب الباردة.
بعد الحرب العالمية الثانية، وما إن نشرت الحكومة الأميركية قيم الحرية بصراحة، واجهت اعتراضات تقول بأن القيام بذلك يشكل تدخلا في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى. وأصبحت جهود نشر القيم الأميركية قضية كبرى في بعض الأجزاء من العالم، تحديدا في بلدان أوروبا الغربية، حيث كان الجاذب الأيديولوجي الشيوعي عظيما. أما ما ضاعف من القلق وعدم ارتياح عدد من الأوروبيين الغربيين، فكان ارتباط الولايات المتحدة برأسمالية السوق الحرة، الذي، في أعقاب "الإحباط الكبير" لم يعد يحتفظ بتقدير عال.
بالتالي، وفي حالات، كالانتخابات الإيطالية عام 1948، التي كان يتخوف حينها من مكاسب الحزب الشيوعي القوي، تم بذل الكثير من الجهود الأميركية للتأثير على نتيجة الانتخابات بشكل سري، عبر "مكتب الـ CIA الجديد للتنسيق السياسي".
أما الأمر ذو الصلة تحديدا بالوضع الحالي، في الواقع، فهو أنه في أعقاب الحرب العالمية الثانية كان هناك جدل أوروبي مهم لم يكن بإمكان الحكومة الأميركية التدخل فيه مباشرة - صدام في الدوائر اليسارية بين الشيوعيين والاشتراكيين الديمقراطيين. وكان من مصلحة أميركا جدا أن يتمسك الاشتراكيون بموقفهم في ذلك الجدل الدائر. في هذه الأثناء، كان الاتحاد السوفييتي يمول الشيوعيين. (كانت المساعدات السوفييتية توفر بطريقة سرية، ومن خلال "مجموعات واجهة" مختلفة للحفاظ على الوهم، بأنها لا تشكل تورطا سوفييتيا في الشؤون الداخلية للدول الأوروبية). مع ذلك، فإن تورط الحكومة الأميركية الصريح كان يمكن أن "يلطخ" القوى الديمقراطية ويجعلها أقل فاعلية.
هذا الأمر أدى إلى جهود عمل سرية لـ CIA لتمكين الاشتراكيين الديمقراطيين من شن "نزاع أيديولوجي" ضد الشيوعية. على سبيل المثال، لقد قدمت لهم الـ CIA الموارد للمؤتمرات والمنشورات. هذا الدعم سهل تأسيس هكذا منظمات كـ Congress of Cultural Freedom ونشر مجلات مثل Encounter. وكانت منظمات أميركية - أشهرها رابطة الطلاب الوطنية - مدعومة أيضا بحيث كان يمكنها مواجهة مجموعات مدعومة سوفييتيا في الاجتماعات الدولية.
في الستينيات والسبعينيات، أصبح التورط السري لـ CIA في هذه الأنشطة معروفا علنا، وكانت مجبرة على وضع حد له. وبدأت الحكومة الأميركية آنذاك بتوفير دعم علني لبعض المؤسسات، مثل "راديو أوروبا الحرة" و"هيئة البث الدولي (BIB)" وبعدها، بعد العام 1995، من خلال BBG.
خلال سنوات حكم ريغان، روج فاعلون في القطاع الخاص فكرة المؤسسة الخاصة التي ستعزز القيم الديمقراطية في الخارج. وتبنت إدارة ريغان الفكرة وطورتها، ومرر الكونغرس آنذاك "قانون (NED). إن مؤسسة NED ليست وكالة تنفيذية فرعية.. إنها مؤسسة خاصة لا تبغي الربح، رغم أنها تتلقى مخصصاتها من الحكومة. وهي لا تقوم ببرامج بنفسها، وإنما تمول مشاريع لتعزيز الأفكار والمؤسسات الديمقراطية في الخارج. أما المتلقين لأموال NED فغالبا ما يجدوا الأمر مفيدا ومكسبا كون دعمهم لا يأتي مباشرة من الحكومة الأميركية. ويبرهن نجاح NED عن أن بإمكان مؤسسة خاصة لعب دور هام وبارز في فرض التأثير الأيديولوجي لمصلحة المبادئ الأميركية. (يتبع)
(مركز دراسات الأمن القومي - معهد هادسون)
vBulletin® v3.8.9, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir