المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نحو استراتيجية أميركية جديدة في الشرق الأوسط - كتاب


وادي عمر
08-08-2012, 10:47 PM
نحو استراتيجية أميركية جديدة في الشرق الأوسط - كتاب


التكيف الاستراتيجي

نحو استراتيجية أميركية جديدة في الشرق الأوسط



بروس و.جنتلسون ( بروفسور السياسة العامة والعلوم السياسية في" جامعة Duke ")

أندرو م. إكسام ( زميل كبير في "مركز الأمن الأميركي الجديد")

ميليسا ج. دالتون ( زميل زائر في " مركز الأمن الأميركي الجديد")

ج. دانا ستاستر ( باحثة في " مركز الأمن الأميركي الجديد")

Center for a New American Security

حزيران، 2012



موجز تنفيذي

ينبغي على الولايات المتحدة إعادة تقويم استراتيجياتها للإنكباب على معالجة التغييرات الكاسحة الجارية عبر الشرق الأوسط. ستركز مقاربة " التكيف الاستراتيجي"على الأزمات في المدى القريب والتي تعتبر الأكثر بروزاً بالنسبة للمصالح الأميركية، كما ينبغي لها أن تجعل من الإصلاح السياسي في المنطقة أولوية وأن تنكب على معالجة التوجهات على المدى الطويل في الوقت الذي تعمل فيه على التخفيف من حدة المخاطر. إن الأزمة الحادة في الشرق الأوسط اليوم تهدد المصالح الأميركية. لكن إذا ما استطاعت الولايات المتحدة معالجة توجهات المدى الطويل بمرونة استراتيجية ودهاء ديبلوماسي، فإنها قد تصبح بمرور الوقت أقل عرضة للتهديدات في المنطقة بشكل هام.

هذا التقرير يستكشف تفاعل وتداخل المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، كما يستكشف الكيفية التي تغير فيها السياق الاستراتيجي في المنطقة والتأثيرات المرافقة لذلك على المصالح الأميركية. وينتهي التقرير بتقديم إطار عمل لتوجيه عملية رسم وصنع السياسات الأميركية. ويحدد إطار العمل هذا الأولويات، بالتركيز على التهديدات الموجودة في المدى القريب كما يركز على التوجهات للمدى البعيد، لمساعدة صناع القرار الأميركيين على خدمة مصالح الأمة وجعلها تسير قدماً.

إن الخطر الحقيقي بالنسبة للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط هو عدم الاستعداد للاعتراف بمدى عمق التغيير الذي حصل في السياق الاستراتيجي ومدى الحاجة لإستراتيجيات تعكس هذا السياق المتغير. لقد استثمرت الولايات المتحدة بشكل مفرط في أكثر الأنظمة اللا ديمقراطية في المنطقة. فقد كانت هذه الاستراتيجية، لسنوات، الاستراتيجية " الآمنة"، لكنها تضع المصالح الأميركية في خطر على المدى الطويل. هذه ليست ملاحظة جديدة، لكن الربيع العربي يجعل هذا الواقع أكثر وضوحاً عن قبل.

وفي حين لا تزال بعض المصالح الأميركية منسجمة وبعضها قد تغير من حيث الأهمية، فإن هناك مصالح أخرى في حال من التوتر والتأزم للمرة الأولى. إذ هناك خمس تطورات إقليمية حصلت تميز السياق الاستراتيجي المتغير: تحول التهديدات الإقليمية، السياسات التحولية للربيع العربي، التغييرات في نطاق وحجم خطر الإرهاب، خليط التعاون والتوترات في العلاقات الأميركية- الإسرائيلية والتوجهات المؤثرة على أمن الطاقة.

نظراً لهذا السياق الإستراتيجي المتطور، نقترح هنا مجموعة من الأولويات لصناع القرار السياسي الأميركيين. إذ ينبغي على الولايات المتحدة، في المدى القريب الإنكباب على معالجة الأزمات التي تهدد، مباشرة وآنياً، مصالح البلاد. هذه الأزمات تشتمل على:



برنامج السلاح النووي الإيراني.

الحروب الأهلية في سوريا واليمن.

التوترات الحديثة بين إسرائيل ومصر، والتي تعرض السلام بينهما للخطر.



في نفس الوقت، ينبغي على صناع القرار السياسي معالجة ثلاث توجهات بحيث يمكنها، بمرور الوقت، إما التوصل إلى تسوية حول المصالح الأميركية وإما التقليل من تعرض أميركا للمخاطر في المنطقة. ينبغي للولايات المتحدة البدء بتكييف سياساتها الآن لتسخير الإمكانات والتخفيف من حدة مخاطر هذه التوجهات على المدى الطويل:



عودة الحياة السياسية للعالم العربي والحاجة الناجمة عن ذلك لإشراك الشعوب العربية، وليس الأنظمة فقط، لمواصلة العمل على إستراتيجية مختلفة ومتمايزة تجاه الإسلام السياسي وجعل الإصلاح السياسي أولوية، إضافة إلى دعم الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي.



التقليل من الاعتماد الأميركي على دول الخليج الفارسي بسبب ثلاث عوامل: الانسحاب الوشيك للجيوش الأميركية في المنطقة، الطلب المخفض على موارد الطاقة الإقليمية والانتقال من توفير متطلبات الأمن الإقليمي إلى تمكين الحكومات المحلية من تولي زمام القيادة للأمن الإقليمي. بإمكان الولايات المتحدة استخدام هذه الفرصة لتكييف العلاقات الأمنية ووضع القوات الأميركية، والضغط على الأنظمة الخليجية للقيام بالإصلاح، في الوقت الذي تستمر فيه بالتخطيط لحالات طارئة تتعلق بإيران وحماية الممرات البحرية لضمان وصول النفط إلى أسواق الطاقة العالمية.



التوترات الأساسية الموجودة في العلاقة الأميركية مع إسرائيل والحاجة المستمرة لإنعاش عملية السلام العربية – الإسرائيلية.



إذا ما تم تولي معالجة هذه التوجهات جيداً، فإن المستقبل قد يبدو أقل تهديداً وخطراً بالنسبة لصناع القرار الأميركيين مما هو عليه في الوقت الحاضر.





مقدمة: استراتيجية أميركية جديدة.. لماذا؟



إن الشرق الأوسط في حالة تحول، والوقت مناسب لإجراء إعادة تقييم أساسي للتوجهات الأساسية هناك، إضافة إلى إعادة تقييم المصالح الأميركية في المنطقة والخيارات السياسية المناسبة لمواصلة هذه المصالح.

لقد سبق للقادة الأميركيين وأن أشاروا، أساساً، إلى نيتهم بتحويل الموارد إلى شرق آسيا، بسحبهم آخر الجنود المتبقين من العراق والخطط المعلنة بسحب الالتزام العسكري الأميركي بأفغانستان بحلول عام 2015. لقد قامت الولايات المتحدة بهذه التغييرات بعد سلسلة من الثورات التي كان يعتقد عدد من العلماء السياسيين والمحللين السياسيين بأنها غير محتملة، لكنها، وفي استعادة للماضي، تبدو أمراً حتمياً.

بعد مرور أكثر من عام من الثورة في المنطقة، يمكننا أن نرى بوضوح بعض الفرضيات الخاطئة التي اعتمدت عليها السياسة الأميركية لسنوات عديدة. وتتضمن هذه الفرضيات الأمور التالية:



أن بإمكان الولايات المتحدة الاعتماد على الأنظمة العربية لأجل التعاون الأمني وإستقرار أسواق النفط والغاز الطبيعي من دون التشديد على الإصلاحات السياسية والاقتصادية.



أن عملية السلام العربية- الإسلامية، حتى لو توقفت، فإنها ستتقدم باتجاه حل الدولتين.



أن العلاقات مع إسرائيل، وبرغم جدليتها، مستمرة بناءً على استشراف استراتيجي موحد.



أن الولايات المتحدة فاعل رئيس في المنطقة ويمكنها محاربة الخصوم والأعداء بشكل فعال.



إن كل هذه الفرضيات بحاجة للمراجعة. فالاضطرابات في البحرين توضح الصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة عندما يشن حكم استبدادي هي متحالفة معه حملة على الطموحات الديمقراطية لشعبه. أما عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين فتحتضر، في الوقت الذي كانت العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تتعرض لضغوطات بسبب المفاهيم والنظرة المختلفة للتهديدات والأولويات. أما إيران ووكلائها فمستمرون بتحديهم للولايات المتحدة.

هذا التقرير يعيد، وبشكل منهجي، درس السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، بدءاً بالمصالح الأميركية وانتهاءً بالتوصيات السياسية التي تعكس تلك المصالح إضافة إلى الطرق التي تغيرت بها المنطقة في السنوات الأخيرة. ونبني تحليلنا حول ثلاث تساؤلات جوهرية:



ما هي المصالح الأميركية في المنطقة؟

ما هي القوة القوى المحركة والدافعة في المنطقة التي تشكل السياق الذي تواصل فيه الولايات المتحدة العمل على مصالحها فيها؟

نظراً لهذه المصالح والسياق الاستراتيجي، ما هي الأولويات والخيارات بالنسبة لصناع القرار السياسي الأميركي؟



إننا نقترح مقاربة " التكيف الاستراتيجي". ففي حين لا يزال عدد من السياسات الأميركية القديمة مناسباً، فإننا نشدد على التكيف إزاء بيئة إستراتيجية تغيرت بشكل كبير ومن المرجح أن تستمر بذلك. إذ هناك، تحديداً، عدد من التهديدات والتحديات المنبثقة من إيران، سوريا واليمن إضافة إلى العلاقات الإسرائيلية- المصرية، التي تتطلب اهتماماً مباشراً من قبل صناع القرار الأميركي. لكن ما هو بنفس القدر من الأهمية هو أن قيام الولايات المتحدة بتكييف سياساتها لتسخير إمكاناتها والتخفيف من مخاطر التوجهات على المدى الطويل في المنطقة، بتوظيفها درجة عالية من المرونة الاستراتيجية والدهاء الديبلوماسي.

قد يصدم مفهوم التكيف نفسه البعض بصفته مفهوم " انحداري"، بما أننا أوصينا في بعض الحالات أن تخفض الولايات المتحدة من التزاماتها في المنطقة.برغم ذلك، إن الفخ الحقيقي بالنسبة للاستراتيجية الأميركية في المنطقة ليس الانحدارية وإنما الإنكار – عدم الاستعداد للاعتراف بمدى عمق تغير السياق الاستراتيجي الحاصل. فعندما تتغير الظروف أو عندما تكون السياسات لا تعمل وتؤدي الغرض منها، فإن البقاء على المسار يعتبر أقل أهمية من الاستعداد للتكيف والقيام بذلك بطرق تعزز الفعالية السياسية. وكما كان هانز مورغينتو، الواقعي البارز، قد حذر مرة قائلاً بأن "مخلفات وسائط الفكر والعمل التي كانت مناسبة سابقاً قد عفا عليها الزمن الآن بسبب واقع اجتماعي جديد يقوض فحسب قوة الأمم العظيمة".



طرق البحث

لقد وظفنا مختلف الطرق والأساليب لاختبار الفرضيات. بدأنا بحثنا هذا في تشرين الثاني 2011 بممارسة تحليل تنافسي لتحديد المصالح الأميركية في المنطقة بشكل أفضل وتحديد الكيفية التي ينبغي فيها للولايات المتحدة وضع الأولويات لتلك المصالح. لقد جندنا فريقين من كبار الباحثين والعاملين وطرح كل من الفريقين نفس الأسئلة. ومن ثم قمنا بحصد الأجوبة المقدمة، مع الإشارة أين تداخلت الإجابات وأين اختلفت.

وفي كانون الثاني وشباط 2012، جمعنا عدداً أكبر من الخبراء لمساعدتنا على التفكير في ثلاث مجالات من مراكز النشاط: أنشطة الجيش الأميركي والاستخبارات الأميركية في الشرق الأوسط، المبادرات الديبلوماسية الأميركية والمقاربات هناك، والفرص الاقتصادية وفرص التنمية في المنطقة. وبسبب الأسئلة ذات الصلة بوضع القوات الأميركية في الخليج الفارسي التي لاحت في الأفق في كل البحث الذي أجريناه، دعونا مجموعة عمل منفصلة في آذار 2012 لاطلاعنا والتفكير بشكل أفضل حول ذلك الموضوع. لقد أشركنا عدداً من الخبراء في المجال الأكاديمي، الحكومة الأميركية، والمنظمات غير الحكومية ( NGOs ) وأكملنا هذه الجهود ببحث وثائقي مكثف ومقابلات مع خبراء وصناع قرار أساسيين.

هذا التقرير لا يحاول الإجابة على كل سؤال سياسي يربك المسؤولين الأميركيين في الشرق الأوسط. رغم ذلك فإن ما نحاول القيام به هو تحديد أهم المخاطر والفرص المنتظرة بالنسبة للولايات المتحدة وصنع توصيات حول الكيفية التي يمكن فيها للولايات المتحدة التخفيف من حدة المخاطر والاستفادة من التوصيات.






المصالح الأميركية في الشرق الأوسط: الاستمرارية والتغيير



إن المصالح الجوهرية للولايات المتحدة محددة، نمطياً، كالتالي:



حماية أمن وسلامة أراضي الولايات المتحدة وحلفائها الرئيسيين ضد هجوم خارجي.

ضمان الازدهار الاقتصادي الأميركي ( المرتبط عادة بالحفاظ على اقتصاد دولي مفتوح).

الحفاظ على " طريقة الحياة الأميركية" – مصلحة تتضمن تعزيز القيم الأميركية والعالمية.



كل هذه المصالح الثلاث تطلعنا على الاهتمامات الأميركية الخمس الرئيسة في الشرق الأوسط، معظمها شكل السياسة الأميركية لعقود.

أما اليوم، فينبغي على الولايات المتحدة إعادة تقييم هذه المصالح في المنطقة في ضوء الديناميكيات المتطورة في الشرق الأوسط.



الردع ، الاحتواء والدفاع إزاء التهديدات الإقليمية: إن التهديدات الجيوسياسية المنبثقة عن الشرق الأوسط، وفي الوقت الذي لا تزال تعتبر هامة، فإنها تعتبر أقل بروزاً مما كانت عليه في فترات سابقة. إن إيران هي الدولة الوحيدة التي تتحدى الولايات المتحدة في المنطقة. نحن نؤكد على أن التهديد الذي تعرضه إيران يتضاءل ويبهت مقارنة بذاك الذي كان للإتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، ويمكن القول بأنه أقل بشكل هام من تهديد عراق صدام حسين.

أنظمة عربية مستقرة: لقد جعلت الولايات المتحدة التعاون الأمني واستقرار أنظمة صديقة في المنطقة، إنما استبدادية، أولوية لها وسيلة لغايات أخرى، كمحاربة الإرهاب واستقرار أسعار النفط في السوق العالمية. هذه الأولويات فاقت هواجس أخرى، كتعزيز الديمقراطية أو حقوق الإنسان، إلى درجة أصبح الاستقرار غاية بحد ذاته. في كل الأحوال، إن الثمن المرتبط بأولوية التعاون الأمني، عبر المنطقة، على حساب الإصلاح السياسي أكبر بكثير اليوم مما كان عليه تقليدياً بالنسبة لصناع القرار السياسي الأميركي. لقد مكنت الحياة السياسية التحولية للربيع العربي الناس وأحزاباً جديدة من المطالبة بأن تسمع الولايات المتحدة وأنظمتهم أصواتهم. أما في المدى الطويل، فإن الاستقرار الإقليمي لن يجد طريقه على حساب الإصلاح السياسي وإنما من خلاله.

مكافحة الإرهاب: وفي حين لم تبدأ جهود مكافحة الإرهاب الأميركية مع هجمات 11 أيلول، فقد تناول صناع السياسة المسألة بداية الهجمات على أن لا تهديد أكثر إلحاحاً من التهديد الذي تشكله القاعدة والمنظمات الإرهابية المتصلة بها العابرة للحدود. وقد تطلبت الجهود المبذولة لتعطيل القاعدة وتفكيكها وإلحاق الهزيمة بها موارد عسكرية واستخبارية هائلة ودفعت الولايات المتحدة إلى تعميق علاقاتها أمع أنظمة متصلبة، كنظام علي عبد الله صالح في اليمن ونظام حسني مبارك في مصر، اللذان أثبتا عدم استقرارهما لاحقاً. أما اليوم، فإن الإرهاب في المنطقة لا يزال يمثل تهديداً جدياً وخطيراً لكنه انخفض نطاقاً وحجماً. فالقاعدة والتابعين لها يشكلون اليوم تهديداً أقل بسبب عوامل مختلفة، بما فيها جهود مكافحة الإرهاب الأميركية، الربيع العربي والأخطاء المرتكبة من قبل القاعدة.

الأمن الإسرائيلي والسلام العربي- الإسرائيلي: ضمنت الولايات المتحدة أمن إسرائيل وبقائها منذ تأسيس إسرائيل، وهي مصلحة تعززت خلال الحرب الباردة حيث سعى كل من البلدين إلى محاربة وكلاء الإتحاد السوفياتي. وقد تقاسمت الولايات المتحدة وإسرائيل بعد الحرب الباردة أعداء جدد حيث حارب البلدان تنظيمات إسلامية تستخدم العنف إضافة إلى أنظمة معادية في طهران ودمشق. ومنذ حرب أكتوبر 1973، كانت مسألة صنع تقدم باتجاه العملية العربية- الإسرائيلية جزءاً لا يتجزأ من الجهود الأميركية لضمان أمن إسرائيل. فقد رعت الولايات المتحدة اتفاقيات السلام بين إسرائيل وكل من الأردن ومصر وقادت، منذ التسعينات، جهوداً دولية لرعاية سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. كما كانت الولايات المتحدة، وبشكل دوري، على طرفي نقيض مع حليفتها الإسرائيلية بخصوص الوسائل المناسبة لتحقيق السلام. رغم ذلك، وفي الآونة الأخيرة، وبينما لا تزال المصالح المشتركة والتعاون قوياً في عدد من المجالات، فقد تزايدت التوترات الأميركية- الإسرائيلية وأصبحت أكثر جوهرية. أما بما يتخطى الافتقار للدفء على المستوى الشخصي بين الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، فإن التباين الموجود في المفهوم للتهديدات والاستراتيجيات إضافة إلى التغيير السياسي في كلا البلدين، مسألتان تضغطان على العلاقة.

امكانية الوصول المستقر إلى النفط بأسعار معقولة:حتى أوائل السبعينات، كان النفط يتدفق بحرية. ومنذ حرب أكتوبر 1973 والحظر الذي قامت به منظمة الدول المصدرة للنفط ( أوبك)، والولايات المتحدة تكرس موارد عسكرية وجهوداً ديبلوماسية أكبر باتجاه ضمان الوصول إلى موارد الهايدروكربون في المنطقة.















أما اليوم ، فإن الولايات المتحدة تصبح أقل اعتماداً أكثر فأكثر على تلك الإمكانية وذلك بفضل الاستهلاك الأميركي المخفض وموارد الطاقة المحلية الجديدة. ومع أن الخليج الفارسي يظل مهماً، لأن الاقتصاد العالمي لا يزال عرضة لانقطاع تدفق النفط والغاز، هذا من جانب ومن جانب آخر لأن النفط يتم تسعيره كسلعة عالمية. في هذه الأثناء، تبع الأزمة المالية التي بدأت في العام 2007 تعافي هش معرض للخطر من جراء أي عجز جدي باستجلاب موارد النفط والغاز من الخليج الفارسي إلى السوق.



السياق الاستراتجي المتطور



التهديدات الإقليمية

هناك عوامل مختلفة ومتنوعة تجعل من الشرق الأوسط أقل أهمية بالنسبة للولايات المتحدة من السنوات الماضية. وبما أن الولايات المتحدة تقلص عملياتها العسكرية في العراق وأفغانستان، وبما أن تهديد الإرهاب الدولي ينحسر، فإنها تعتمد بشكل أقل على الأنظمة الإقليمية لأجل التعاون الديبلوماسي، العسكري والاستخباري. فالتحديات العديدة على المدى القصير ستعيق قدرة الولايات المتحدة على إعادة توازن اهتماماتها للتركيز بشكل أكبر على آسيا ومناطق أخرى ذات أولوية: إيران، التداعيات المحتملة للصراعات في اليمن وسوريا، والقلق بشأن اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر.



إيران

إن إيران هي الدولة الوحيدة التي تشكل تهديداً للمصالح الأميركية في المنطقة. إن عدم استعدادها للإذعان لالتزاماتها بخصوص عدم الانتشار النووي يهدد المصالح الأميركية في الاستقرار الإقليمي، أمن إسرائيل ونظام عدم الانتشار الشامل. في هذه الأثناء، يسهل الدعم الإيراني لمنظمات التطرف والعنف في العراق، لبنان وغزة الإرهاب ويساهم في وجود حالة أكبر من عدم الاستقرار في المنطقة. وتستمر إيران، محلياً، في خنق حركة الاحتجاج اللا عنفية في الوقت الذي تتآمر للقيام بهجمات إرهابية في الخارج. وتسمح القدرات البحرية المحتملة لإيران بتعطيل حركة مرور النفط والغاز عبر مضيق هرمز.

لم يؤد شبح التهديد النووي الإيراني إلى زيادة الهواجس الإسرائيلية فحسب وإنما رفع تلك التي لدى حلفاء أميركا في الخليج الفارسي. إذ تعبِّر الأنظمة الخليجية السنية عن هواجسها بخصوص الدعم الإيراني لجماعات المقاومة العربية الشيعية وكان لدى هذه الأنظمة مخاوف قديمة حول ما تعتبره طموحات الهيمنة لطهران. ونظراً للدعم الإيراني الذي تقدمه لوكلائها في لبنان، العراق واليمن، فإن هناك سبباً وجيهاً للقلق لدى الأنظمة الخليجية. وقد زاد احتمال إمكانية تمكن إيران من تطوير قنبلة نووية بغضون عام من هذه المخاوف بما أن إيران ووكلائها قد يصبحون أكثر جرأة لو حصلت إيران على السلاح النووي. رغم ذلك، وفي بعض الحالات، صوَّرت دول الخليج مجموعات المعارضة المحلية - التي يصدف أنها شيعية بغالبيتها الساحقة – بأنها عميلة لإيران لنزع الشرعية عن دعواتها.

هناك احتمالان طارئان يشملان إيران يمكن أن يزيدا التهديد للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط. الأول سيكون نووية المنطقة وتأثيراتها المزعزعة للاستقرار. فبدفع من البرنامج النووي الإيراني ، يمكن لبلدان أخرى – خاصة السعودية – أن تسعى للحصول على أسلحة نووية، ما يؤدي، وهذا محتمل، إلى سلسلة انتشارات نووية متعاقبة في المنطقة. ويمكن لحرية العمل الأميركية والإسرائيلية أن تصبح مقيدة بسبب منطقة نووية متعددة الأقطاب. إضافة لذلك، إن الافتقار للتواصل والتفاهم بين اللاعبين الأساسيين في المنطقة يمكن أن يزيد من احتمال سوء الحسابات والتصعيد غير المتعمد وصولاً إلى أزمة نووية.

أما الاحتمال الطارئ الثاني فيمكن أن يكون ضربة إسرائيلية أو أميركية لإيران بقصد تأخير وإعاقة تطور البرنامج النووي الإيراني. إن التأثيران الثاني والثالث لضربة كهذه، بالترتيب، وفي الوقت الذي يعتبر الموضوع خاضعاً لتكهنات كثيرة، يمكن أن يعرضا المصالح الأميركية في المنطقة للخطر. فإيران، على سبيل المثال، يمكنها إطلاق صواريخ على السفن الحربية في الخليج الفارسي كما يمكنها استهداف الموظفين الأميركيين العاملين في أفغانستان، الخليج أو الشرق عبر هجمات إرهابية، ما سيثير رد فعل أميركي. بإمكان إيران دعم وزيادة علاقاتها مع حزب الله والمقاتلين الفلسطينيين في الشرق للقيام بضربات ضد إسرائيل – رغم أن لدى كل من هذه الجماعات قيودها المحلية، مما قد يؤثر على الدرجة التي ستتصرف بها لصالح إيران. مع ذلك، فإن هجمات من هذا النوع يمكن أن تثير رد فعل انتقامي إسرائيلي وحتى أميركي. وفي أي حال من الحالين، يمكن أن تتصاعد الظروف من صراع صغير إلى حرب إقليمية أوسع.

تشكل إيران التهديد الأكثر آنية للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، إلا أن عوامل أخرى ستمثل فرصاً ومخاطر جديدة أيضاً بالنسبة للمصالح الأميركية في المنطقة. ومن بين هذه العوامل هناك مسارات لثلاث دول رئيسة هي: سوريا، العراق ومصر.



التهديد الإيراني المنظور

إن احتمال أن تصبح إيران نووية أمر يشكل تهديداً هاماً للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط وينبغي مقابلته برد قوي ومجدِ من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. في كل الأحوال، لا ينبغي للمحللين المبالغة بآنية حصول إيران على قنبلة أو بالتهديد الذي تشكله على الأمن والاقتصادي الحسي للولايات المتحدة. وكانت تقارير إخبارية عديدة قد ضخمت هذا التهديد، عن طريق التركيز، بشكل رئيس، على مدى السرعة التي يمكن فيها لإيران الحصول على قنبلة نووية أو التعامل مع تلك النتيجة على أنها حتمية.

بالواقع، يبدو بأن إيران تواصل العمل على إستراتيجية " التحوط النووي" التي تهدف إلى تطوير قدرة تقنية محلية لإنتاج أسلحة نووية في مرحلة ما وبسرعة إذا ما قرر القائد الأعلى آية الله الخامنئي القيام بذلك. وبحسب رؤساء وكالة الاستخبارات الأميركية، فإنه لم يقرر بعد.

تشتمل استراتيجية التحوط النووي لإيران على جهود معروفة جداً للسيطرة على دورة الوقود النووي، وهي بحوث سرية ذات صلة بالاستخدام المزدوج المتعلق باستخدام السلاح وتطوير صواريخ بالستية متطورة. ونظراً للوقت الذي سيستغرقه إنتاج مادة انشطارية وتخطي العقبات التقنية المرتبطة بالتسلح، ربما يكون لدى إيران القدرة على إنتاج جهاز نووي خام قابل للاختبار في غضون عام تقريباً من قرار القائد الأعلى القيام بذلك.

إن تصميم جهاز يمكن إلقاؤه بفعالية ضد أعداء إيران سيأخذ وقتاً أطول على الأرجح. " إن "اختراقاً" نووياً سوف يتطلب تحويل مخزون اليورانيوم المتدني التخصيب كما سيتطلب تخصيباً أكبر ليورانيوم الأسلحة في " ناتانز" أو " فوردو" (موقعان معلن عنهما)، اللذان يخضعان للمراقبة من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. وسيقوم المفتشون، على الأرجح، بالتقصي حول برنامج التخصيب – أو سيكون على إيران إخراج المفتشين أولاً. وبما أن هكذا عمل وقح يحمل في طياته مخاطر إثارة رد فعل دولي أقوى وتشكيل ائتلاف دولي أوسع حتى، بما في ذلك عمل عسكري محتمل، فمن غير المرجح أن يتصرف الخامنئي إلى حين امتلاك إيران القدرة على بناء عدة أجهزة بسرعة كبيرة أو القيام بذلك بسرية.- الأمر الذي قد يكون على مسافة سنوات من الآن. وقد يحسب الخامنئي بأنه إذا ما طورت إيران عدداً من الأجهزة بسرعة كبيرة أو بسرية ، فإنها قد تزيد من احتمال امتلاكها لقدرة" الضربة الثانية" أو لمخبأ للأسلحة النووية لا يمكن اكتشافه، الأمر الذي يمكن، بدوره، أن يجعل المجتمع الدولي يعيد التفكير بماهية الإجراءات الإضافية التي قد يتخذها ضد إيران.

رغم ذلك، فإن تضخيم التهديد الإيراني يمتد إلى ما هو أبعد بكثير من القنبلة، وقد أكدت المقالات والافتتاحيات على الزوارق البحرية الإيرانية الصغيرة، تهديدات بمحاولة إيران إغلاق مضيق هرمز، علاقات إيران المحرجة والخطرة مع القاعدة، وعلى كشافة إيرانيون يقومون برصد ومراقبة معالم مدينة نيويورك، كما أكدت تلك الاقتتاحيات على الخطاب السياسي حول رد الفعل الانتقامي وجهود عامة " لتهدئة الغرب" لدعم وجهة النظر القائلة بأن التهديد القادم من إيران واسع ولا يمكن إيقافه. بعض هذه المزاعم يستدعي وجود هواجس مشروعة، تحديداً في وقت قد تزيد فيه القدرات اللا متماثلة المتنامية لإيران الرهانات بما يتعلق بسوء الحسابات وسوء الفهم بين سلاح البحرية الأميركية والإيرانية. في كل الأحوال، ينبغي للمحللين وصناع السياسة الحفاظ على معنى مفهوم بما يتعلق بقدرة إيران على تهديد الأمن المادي والاقتصادي للولايات المتحدة – إضافة إلى أمن الشركاء والحلفاء الإقليميين لأميركا.

وفي الوقت الذي تحافظ فيه الولايات المتحدة على معنى لمفهوم بما يتعلق بالتهديد الإيراني ، ينبغي لصناع السياسة أن يظلوا مدركين بأن حليفتهم الإسرائيلية قد يكون لديها تقييم مختلف. فإيران، في نظر بعض الإسرائيليين، تشكل تهديداً آنياً ووجودياً لإسرائيل. مع ذلك، فإن هجوماً إسرائيلياً على إيران سيكون مضراً ومؤذياً للمصالح الأميركية وكذلك الإسرائيلية. وفي حين أنه ينبغي أن تظل القوة العسكرية الملجأ الأخير، فإن الولايات المتحدة فقط، العاملة بظل الظروف الصحيحة، ستكون قادرة على توظيف استخدام القوة ومعالجة المخاطر المرتبطة بذلك بفعالية.



سوريا

سوريا وسط حرب أهلية، ومن الغامض جداً معرفة ما هو الاتجاه النهائي الذي سيكون عليه الوضع هناك. فمن جهة، بإمكان نظام جديد في دمشق قلب توازن القوى الإقليمي بطرق هي لصالح المصالح الأميركية، أي إزالة حليف إيران الأساسي وقطع المزود الأساسي لحزب الله وشريكه. بإمكان نظام جديد أكثر انفتاحاً على مناقشة الخيارات السياسية مع إسرائيل إعادة إحياء عملية السلام الإسرائيلية- العربية، ربما بتشجيع من تركيا. إن تغييراً في قيادة سوريا يمكن أن يساعد أيضاً في التقليل من عودة ظهور العنف في الآونة الأخيرة وربما حتى يحل المأزق السياسي في لبنان. ففي داخل سوريا نفسها، يمكن أن يؤدي تغيير النظام أيضاً إلى وجود عنف وقمع أقل وحرية أكبر للشعب السوري.

من جهة أخرى، إن استمرار الحرب الأهلية أو حتى الاضطرابات الحالية يمكن أن ينتشر أو يجر إليه أجزاء أخرى من الشرق، تحديداً الفئات المذهبية، العشائرية والعائلية. أما مصير المخزون الأساسي للأسلحة الكيميائية فأمر مثير للقلق تحديداً، بما أن النظام الحالي يمكن أن يفقد السيطرة على هذه المادة، وقد تنتهي في أيدي جهات فاعلة غير حكومية مستعدة لاستخدامها في الأزمة الداخلية السورية أو نشرها في أماكن أخرى.لقد بدأت الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين تخطيطاً طارئاً لهذا التهديد. يمكن للنظام الجديد في دمشق أن يكون أكثر عدائية حتى تجاه إسرائيل، بزيادة الدعم للجماعات المسلحة أو التنافس حول مرتفعات الجولان بما يتخطى مجرد الكلام. ليس هناك أيضاً ضمانة بألا يكون النظام الجديد قاسياً وقمعياً كنظام بشار الأسد. في هذه اللحظة ورغم أن المعارضة السورية لا تزال ضعيفة ومنقسمة، فإن هناك سبباً كبيراً للاعتقاد بأن الصراع سوف يستمر لأشهر عديدة أخرى إن لم يكن لسنوات.



العراق

إن العراق، جار سوريا، هو أيضاً على مفترق طرق. فمن غير الواضح كيف ستوجه هذه الدولة الغنية بالنفط ذات الموقع الجيد في الوسط سياساتها أو ما نوع الحكومة التي ستتبناها. فالتوجه الإستراتيجي للعراق – بما فيه ما إذا كان سيصطف مع الولايات المتحدة، دول الخليج الفارسي، إيران أم أنه لن ينحاز لأي منها – سيكون له تأثيرات جيوسياسية ومخاطر هامة وبارزة على المنطقة، الأمر الذي يمثل فرصاً ومخاطر بالنسبة للمصالح الأميركية. إن جغرافية العراق، المتموضع بين الدول العربية، تركيا وإيران، إضافة إلى موارده النفطية الهائلة، قدراته العسكرية المتزايدة والشعور القوي بالعزة والكرامة الوطنية أمور تعرض إلى أنه سيعاود البروز كبلد فاعل وهام.

مع ذلك هناك سبب للقلق بشأن المنحى والاتجاه الذي سيتخذه العراق محلياً ودولياً. فالتوجهات المناهضة للديمقراطية في العراق، بما فيه تزايد الفساد عبر الوزارات وتدخل الحكومة في قضايا محاربة الفساد، إضافة إلى تفاقم التوترات المذهبية أكثر، أمور ينبغي أن تقلق صناع القرار السياسي الأميركي وترفع لديهم مسألة أهمية الإصلاح. إضافة لذلك، انتهت الحرب الأهلية العراقية التي دامت من 2005 – 2007 بنصر حاسم بالنسبة للفئات الشيعية العراقية، لكن التوترات المذهبية لا تزال موجودة. وفي الوقت الذي يتزايد فيه إنتاج النفط العراقي، فإن هذا سيساعد على تنويع المصادر المتوفرة في سوق النفط العالمي، ما يوفر فرصاً مساعدة لتخفيف الضغط على الطلب العالمي على الهايدروكربون. لكن التوترات العربية – الكردية والطموحات الانفصالية الكردية تعيق هذه العملية. كما أن النفط العراقي سيظل عرضة للتهديدات بما يتصل بنقاط الدخول المقيدة إلى الخليج الفارسي.

وفي حين أن بإمكان العراق القوي المساعدة على كبح الهيمنة الإقليمية الإيرانية المتنامية، فإن فشل الولايات المتحدة بعدم تشجيع إعادة التأكيد على الحكم الاستبدادي في العراق سيؤدي إلى التشكيك بجهود الإصلاح الأميركية في أماكن أخرى. وتحتفظ الولايات المتحدة ببعض النفوذ في العراق. فحتى بعد رحيل الجيش الأميركي من العراق، فإن الولايات المتحدة تحتفظ بعلاقات أساسية على كل مستوى في الصفين السياسي والعسكري، الأمر الذي بإمكانها استخدامه لفرض الضغوط لأجل حوار بناء.



التدخل في ليبيا عام 2011 وآثاره

كان تدخل الناتو في ليبيا في آذار 2011 المثال الوحيد الذي وظفت فيه الولايات المتحدة القوة العسكرية كرد سياسي على الربيع العربي. فالولايات المتحدة لم يكن لديها مصالح حيوية في ليبيا، لكن التقاء أربع عوامل دعم قضية التورط العسكري الأميركي. وكان العامل الأول سجل معمر القذافي الوحشي والمؤشرات الموثوقة عن نيته القيام بجزرة تطال 700000 ليبي في مدينة بنغازي التي كانت بيد المتمردين – بما فيه تهديده بأن أي " صرصور" ليبي يحمل السلاح ضد ليبيا سيتم إعدامه". وبدا بأن أعمالاً وحشية على وشك أن ترتكب. العامل الثاني، كان لدى إدارة أوباما هواجس بأنه قد تكون للثورة الليبية، التي حصلت مباشرة بعد ثورتيْ تونس ومصر، تأثيراً سلبياً على الربيع العربي إذا ما فشلت. العامل الثالث، كان لدى إدارة أوباما الدعم الإقليمي والدولي للقيام بتدخل: الدعوة للعمل من قبل الجامعة العربية، قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973، التأييد القوي من قبل الحلفاء الأوروبيين ومشاركة دول عربية في العملية العسكرية وفرا تغطية دولية للمهمة. الرابع، وبرغم الاستخفاف وسوء التقدير حول توقيت ومستوى القوة الضروريان لإنهاء المهمة ، فقد كان لدى المجتمع الدولي استراتيجية عسكرية قابلة للتطبيق بعن طريق العمل بالتعاون مع معارضة ليبية ذات مصداقية، التي استطاعت السيطرة على النصف الشرقي من البلاد إضافة إلى السيطرة على مدينة مصراتة. ولم تتقارب عوامل كهذه بالكامل في حالات أخرى، على الأخص في سوريا.



مصر

في الوقت الذي تختبر فيه مصر تجربة الحكم الديمقراطي، فإنها ستعيد تقييم دورها أيضاً في المنطقة. لقد كانت مصر ريادية في التغيير السياسي والاجتماعي في العالم الناطق بالعربية. فتاريخياً، كانت مصر، بلد الـ 90 مليون نسمة، المركز الفكري والسياسي للشرق الأوسط.

أما الأمر المخيِّم على كل شيء في مصر فهي حالة الاقتصاد الهشة في البلاد. إذ يهبط الاحتياط النقدي لمصر من العملات الأجنبية كل شهر بعد الثورة التي حصلت في شباط 2011، كما هبط الناتج المحلي القومي من 5 بالمئة سنوياً إلى أقل من 2 بالمئة في العام 2011. ومن المتوقع أن يهبط إلى أقل من 1 بالمئة هذا العام. وسوف تتفاقم الظروف الاقتصادية التي سبقت الثورة المصرية، والتي شملت كلفة المعيشة المرتفعة، في حال تخلف مصر عن الدفع أو في حال انخفاض قيمة العملة المصرية.

ويتخوف صناع القرار السياسي الأميركي من أن الضغط كثيراً جداً على المجلس الأعلى للقوات المسلحة وعناصر أخرى في القيادة العسكرية قد يعرض إمكانية الوصول إلى قناة السويس أو أمن إسرائيل للخطر. في هذه الأثناء، تضاربت بعض أعمال المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع المصالح الأميركية، كاعتقال أميركيين عاملين مع منظمات غير حكومية. أما الأعمال الأخرى، كتأخير الانتخابات وإعلان عدم أهلية مرشحين رئاسيين شعبيين، فقد وضعت المجلس العسكري على طرفيْ نقيض مع الشعب المصري المفوض الصلاحيات حديثاً. ورغم أن الانتخابات النيابية والرئاسية الأخيرة قد تجعل نفوذ الجيش المصري يتضاءل ويتلاشى ويمكن أن ترفع دور الخصوم الإسلاميين، كالإخوان المسلمين، فإن الدور الراسخ للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في كل جوانب الدولة والاقتصاد المصري سيجعل منه قوة سياسية في المستقبل المنظور. إذ سيكون من إحدى مهام الحكومة المنتخبة حديثاً التأكيد على السيطرة المدنية على البلاد. إن مصر القوية والديمقراطية ستكون مثالاً قوياً للبلدان الأخرى في المنطقة.

إن مصير معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل هو ما ينبغي أن يقلق صناع السياسة الأميركيين أكثر من أي شيء آخر. فما بين عاميْ 1948 و 1973، خاضت مصر وإسرائيل أربع حروب كبرى كانت لها آثار جيواستراتيجية على الولايات المتحدة. إن معاهدة كامب ديفيد التي جلبت السلام بين الدولتين هي حجر الزاوية للاستقرار الإقليمي كما أنها انتصار للديبلوماسية الأميركية أيضاً. فللمرة الأولى منذ أكثر من 30 عاماً، هناك احتمال قوي بتصدع هذا الاتفاق وفي حين ينظر كثيرون إلى الثورة المصرية نظرة أمل وإعجاب بما يخص المتظاهرين المصريين فإن الإسرائيليين ينظرون إليها بعين الشك. ورغم أن العلاقات بين حكومتيْ حسني ومبارك وإسرائيل كانت، في بعض الأحيان، مجرد سلام بارد، فإنها سمحت بوجود تعاون هام خدم مصالحهما الأمنية المتبادلة. إلا أن الشعبين المصري والإسرائيلي لم يشكلا رابطة أبداً، ولم يُحل مأزق الشعب الفلسطيني على الإطلاق. نتيجة لذلك، فإن معاهدة السلام مع إسرائيل لا شعبية لها أبداً في أوساط المصريين. بالواقع، وفي الخريف الماضي، اقتحم مشاغبون السفارة الإسرائيلية في القاهرة ونهبوها. ولولا تدخل كل من قوات الأمن المصرية والسفارة الأميركية في النهاية، لكان تم قتل أو جرح الديبلوماسيين الإسرائيليين.

ينبغي لصناع السياسة الأميركيين أن يكونوا قلقين بسبب احتمال حصول توتر أكبر في العلاقات بين إسرائيل وحكومة مصرية جديدة حيث أن الأخيرة تحاول أن تكون أكثر تجاوباً مع الشعب المصري العدائي عموماً تجاه إسرائيل. فعقب الهجمات الصاروخية في نيسان 2012 التي أطلقها مسلحون في سيناء على منتجع مدينة إيلات السياحية الإسرائيلية، يشعر الإسرائيليون بقلق متزايد بشأن حدودهم الجنوبية الخطيرة المفاجئة، المتاخمة لكل من قطاع غزة وصحراء سيناء شبه المستقلة. وقبل بضع أسابيع من أعمال الشغب ضد السفارة الإسرائيلية في القاهرة، قتل الجنود الإسرائيليون عدداً من حرس الحدود المصريين بعد هجوم في إسرائيل نفذه مسلحون فلسطينيون تسللوا عبر الحدود. وثار غضب المصريين كما كان متوقعاً. ويصور المراقبون لمصر الآن سيناريو يمكن فيه لإسرائيل القيام بعمليات عسكرية في سيناء ضد المسلحين. أما التأثيرات الاستراتيجية السيئة لدخول عسكري إسرائيلي إلى سيناء فستفوق، بالتأكيد، أية نجاحات تكتيكية قد تحققها إسرائيل.



الحياة السياسية المحلية العربية التحولية

هناك أربع توجهات تشكل الحياة السياسية العربية: استمرار عدم الاستقرار السياسي، تزايد علاقة الإسلام السياسي بالموضوع، الشعوب العربية المتمكنة حديثاً والعوائق الاقتصادية الحادة وهي كلها مسائل تختبر قدرات الديبلوماسيين ومسؤولي الدفاع الأميركيين. إن كل هذه التطورات ستؤثر على المصالح الأميركية.

من المرجح أن تنتشر حالة عدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط وتشتد حدتها في المستقبل المنظور. ففي الأشهر الثمانية عشر الماضية، سقطت الأنظمة في تونس، مصر، ليبيا واليمن، في حين يستمر العنف والثورات اللا عنفية بهز سوريا والبحرين. إن التحديات التي تواجه كل دولة من هذه الدول هي تحديات هائلة. وقد شهد عدد آخر من الأنظمة، بما فيها تلك التي في السعودية، الأردن، المغرب، الإمارات العربية المتحدة والكويت، تظاهرات شعبية. أما الأردن، الحليف الأساسي للولايات المتحدة وإسرائيل، فيبدو معداً ومعبئاً لحالة أكبر من عدم الاستقرار السياسي في العام 2012، مع تغييره لثلاث رؤساء حكومة في أقل من عام ونصف. إن تناوب رؤساء الحكومات هو من أعراض عجز الملك عن تحقيق توازن بين الحفاظ على سلطته وتعزيز الإصلاح.

تواجه الدول الثورية الجديدة في المنطقة صعوبات متشعبة ومتنوعة، إلا أن التحديات تختلف وتتنوع من بلد لآخر. ففي بعض الدول، كما هو الحال في مصر وتونس، فإن بيت القصيد للمشكلة في المستقبل هو في عودة السياسات الانتخابية وإصلاح مؤسسات الدولة. في هذه الأثناء، في ليبيا، حيث لم ينشئ القذافي مؤسسات متينة عمداً، فإن التحدي موجود في تشكيل الدولة. أما التحديات التي تواجه اليمن فتتخطى بكثير التحول السياسي وتمتد لتطال تحديات ديمغرافية على الأمد الطويل، نظراً لأن 45 بالمئة من سكانها هم تحت سن الـ 15 عاماً، إضافة إلى نذير الكوارث البيئية كمصادر المياه المستنفدة. إذ من المرجح أن يصبح اليمن بلداً غير قابل للحكم أكثر فأكثر، حتى في الوقت الذي يبذل فيه قادته المزيد من الجهد لحكمه، الأمر الذي سيطرح شكوكاً أكبر حول قدرة اليمن على أن يكون شريكاً في جهود مكافحة الإرهاب الأميركية. أخيراً، يذكرنا علماء السياسة بأن " الأنوكراسيات" – الحكومات التي لا هي بالديمقراطية ولا بالأتوقراطية بالكامل – تعتبر نموذجاً للنظام الأقل استقراراً والأكثر احتمالاً بالعودة للانزلاق في صراع أهلي. وفي الوقت الذي تنتشر فيه الحكومات "الأنوكراسية" عبر الشرق الأوسط، ينبغي لصناع القرار السياسي التفكير بهذه الحقائق.

أما التوجه الثاني فيتعلق باستمرار قوى الإسلام السياسي بالصعود والبروز عبر المنطقة. ففي تونس ومصر، الأحزاب الإسلامية مهيمنة في البرلمانات الأخيرة المنتخبة. أما في ليبيا وسوريا أيضاً، فهناك بعض الميليشيات الناشطة في مقاومة نظاميْ القذافي والأسد وهي ذات دوافع دينية. وفي المغرب، لبنان، الأردن، والعراق، تعتبر الأحزاب السياسية الإسلامية سمة واضحة للعيان بشدة في المشهد السياسي. ولا يظهر هذا التوجه أي إشارة إلى أنه سيكون معكوساً. بالواقع، وفي نظر بعض الخبراء، فإن " الحركات الإسلامية هي القوة السياسية الأكثر ديناميكية اليوم عبر العالم العربي – وقد تظل كذلك بالفعل في العقد المقبل أو أطول من ذلك". وبالتالي، فإن حماية المصالح الأميركية تتطلب من الولايات المتحدة التفاعل مع أحزاب وقادة كانوا قبل سنوات، فقط، مهملين بصفتهم راديكاليين. في كل الأحوال، لا يزال صناع القرار السياسي حذرين من إشراك قادة سياسيين وقادة رأي على امتداد كامل الطيف الإيديولوجي.

أما التوجه الثالث فيتعلق بالشعوب العربية المفوضة والمتمكنة حديثاً. لقد كان هناك نطاق عربي عام جديد يتطور في الشرق الأوسط منذ منتصف التسعينات على الأقل. وفي حين لا تزال المنطقة مقسمة بالحدود الفاصلة بينها، برز حوار سياسي مشترك – مكنت منه وسائل الإعلام المتنوعة، بدءاً من الجزيرة وصولاً إلى التويتر – بحيث أن شعوب المنطقة تملك حرية التعبير عن رغباتها وإحباطها بطرق لم تعبَّر بها قبل عقدين مضيا. ويأتي قسم كبير من هذا الشعور من الشباب العربي، الذين توسعت الهوة الموجودة بين طموحاتهم ووقائع حياتهم القاتمة المحبطة. فاحتكار الإعلام الذي كانت الأنظمة تتمتع به ذات مرة فقدته لصالح التكنولوجيا ووسائل الاعلام. لم يعد بإمكان وزارات الإعلام أن تشكل ما ينبغي للشعوب معرفته وما لا ينبغي معرفته عن العالم وظروف هذه الشعوب قياساً لشعوب أخرى. إنه أحد العوامل الأساسية الذي جعل الأسد، على سبيل المثال، غير قادر على تكرار " قوانين حماه" من القمع الوحشي الذي قام به والده. لقد استلزم الأمر شهوراً للصحافيين الغربيين وجماعات حقوق الإنسان ليحصلوا على بعض المعلومات حتى حول مجزرة حماه عام 1982. أما اليوم، بالمقابل، فإن المجازر المرتكبة تبث عبر كاميرات الهواتف الخلوية، ما يشعل جدلاً عاماً فورياً – بما فيه داخل الولايات المتحدة – حول الكيفية التي ينبغي أن يرد بها القادة على الصراع.

أما التوجه الرابع فهو أن التحديات الاقتصادية تعزز عدم الاستقرار السياسي ولا يزال الأمر كذلك. فنقاط الضعف الاجتماعية- الاقتصادية المثيرة للقلق التي حُددت قبل عقد مضى من الزمن في "تقرير التنمية البشرية" لا تزال حاضرة في معظم الحالات، لا بل هي أسوأ في حالات أخرى. إذ تستمر " ديناميكيات التهميش المشؤومة" – التي تتوسع فيها اللا مساواة، تتعمق حالة البطالة، يتفشى الفساد، يتراجع الإبداع والابتكار ويتم حرمان المرأة من حقوقها الأساسية والمشاركة الاقتصادية ذات المعنى.

إن عدم الاستقرار السياسي يعطل الاقتصادات الإقليمية أكثر. ففي تونس، وبرغم الانتخابات الناجحة، فقد هبط الاستثمار الأجنبي المباشر 20 بالمئة في خلال الشهور الإثني عشر من بعد الثورة. لقد رحلت 80 شركة من البلد، انحدرت السياحة بنسبة 50 بالمئة ولم يحصل سوى تقدم طفيف جداً في نسبة الـ 20 بالمئة من البطالة في أوساط الخريجين الجامعيين. أما في المغرب، فقد تشكلت مجموعة تطلق على نفسها إسم "الخريجين العاطلين عن العمل"، ما يعكس نسبة بطالة في أوساط الخريجين الجامعيين والتي هي بنسبة مضاعفة عن تلك التي تتبناها الدولة. وفي البحرين، فاقم الانقسام السياسي السني – الشيعي من الانقسام الاقتصادي السني – الشيعي. وفي السعودية والحكومات الملكية الأخرى في أوبك، تم استخدام المكاسب النفطية لتمويل إعانات مالية لشراء هدوء الشعب على المدى القصير. في كل الأحوال، إن بعض المشاريع تطرح تساؤلات حول الاستدامة المالية لهذه الاستراتيجية، مع عجز موازنة محتمل اعتباراً من العام 2014 وحصول اضطرابات سياسية كاحتمالات حقيقية إذا لم تستمر السعودية بشراء سكوت الشعب. ومن المرجح أن تساهم ضغوط كهذه بحصول حالة أكبر من عدم الاستقرار السياسي، ما يعقد أكثر السياق الاستراتيجي الذي تعمل فيه السياسة الأميركية.



الإرهاب

لم تعد القاعدة تشكل لاعباً استراتيجياً في الشرق الأوسط، ما يستدعي التساؤل عن أولوية مصالح مكافحة الإرهاب الأميركية نسبة إلى مصالحها الأخرى في المنطقة. وفي حين أن القاعدة ربما كانت ذات مرة توصف بالمنظمة المركزية المتجانسة، فإنها اليوم أكثر امتيازية ولا مركزية – مع أداء متواضع تماماً لمعظم مناطق الامتياز. وفي خلال عام من مقتل أسامة بن لادن، جهدت القاعدة لتنفيذ عمليات لها في العالم، رغم أن التهديدات للولايات المتحدة الصادرة عن منطقة الامتياز للقاعدة في اليمن، بما فيها المؤامرة التي تم تعطيلها مؤخراً لتفجير طائرة تجارية، لا تزال خطيرة.

هناك عوامل ساهمت بانحدار القاعدة.

أولاً، ورغم أن فرص استفحال القاعدة في اليمن وسوريا لا تزال موجودة، فإن المنظمة عانت من تراجع لا بأس به عبر الشرق الأوسط. كما فشلت حركة تمرد ضد القوات الأميركية والحكومة العراقية الجديدة من العام 2003 وحتى العام 2010. وبحلول عام 2007، تحول حلفاء القاعدة في العراق وانقلبوا ضدها، كما أن الجيشين الأميركي والعراقي اتحدا لتدمير قيادة المنظمة في العراق. وقد فشلت حركة التمرد في السعودية من العام 2003 وحتى العام 2005 أيضاً. وكما يسرد توماس هيغهامر، فقد برز متمردو القاعدة الذين يحاولون الإطاحة بالنظام في السعودية كالأجانب في الوقت الذي كانوا فيه في المنفى في باكستان وأماكن أخرى. أما الطريقة التي خاضت فيها القاعدة هذه الحملات فقد نفذت بكلفة هائلة: فالشعوب الناطقة بالعربية قد تكون هللت للهجمات على المواقع العسكرية الأميركية، إلا أن الهجمات على حفلات الأعراس الأردنية والأسواق العراقية أثبتت، عدم شعبيتها، وبقوة.

ثانياً، نفذت الحكومة الأميركية حملة قوية وشديدة جداً وناجحة بمعظمها ضد قيادة القاعدة، ليس فقط في العالم الناطق بالعربية وإنما في أفغانستان وباكستان خاصة. أما بما يتعلق بتموز 2011، فقد قتلت الطائرات الأميركية من دون طيار أكثر من 1000 مسلح في مناطق القبائل الباكستانية. وكان بن لادن قلقاً بما يكفي على أمن منظمته ورفاقه المسافرين في منطقة القبائل الباكستانية ليفكر ملياً بإخلاء " الملاذ الآمن" المفترض. أم موت بن لادن نفسه لاحقاً، وفي حين أن ذلك أرضى الشعب الأميركي، فإنه يلقي بظلاله على الطريقة التي جعلت بها وكالات الاستخبارات وقوات العمليات الخاصة الأميركية بقية المنظمة تتدهور.

ثالثاً وأخيراً، كان الربيع العربي، التي جاءت فيه الأحزاب الإسلامية إلى السلطة من خلال وسائل سلمية إلى حد كبير، بمثابة الكارثة للقاعدة. فالثورات في تونس وخاصة في مصر أدت إلى التشكيك برواية القاعدة – ما يعني بأن التمرد المسلح والعنف والقهر أمور أساسية للتغيير السياسي والاجتماعي.

مع ذلك فإن الفرص وافرة بالنسبة للقاعدة والمخاطر كثيرة بالنسبة للولايات المتحدة. فالقاعدة – أو على الأقل إحدى امتيازاتها – لا تزال تلقى نجاحاً في اليمن، ولا تزال تحمل نية ضرب الولايات المتحدة، كما ثبت ذلك في مؤامرة أيار 2012 لتدمير طائرة تجارية. إن هجوماً ناجحاً على الولايات المتحدة مصدره اليمن يمكن أن ينتهي على الأرجح بزيادة كبيرة في هجمات الطائرات من دون طيار الأميركية للتخلص من الجناة في اليمن وفي انحراف للسياسة الأميركية والموارد الاستخبارية نحو اليمن – بعيداً عن أولويات إقليمية أخرى. وفي مجهود للقضاء على التهديد المباشر، ستخاطر واشنطن بتحويل اهتمامها عن مشاكل مزمنة، كمصر، سوريا، والعراق، حيث قد تكون في خطر أكبر في المدى الطويل.

كما تمثل الحرب الأهلية في سوريا فرصاً بالنسبة للجماعات الإسلامية السنية المسلحة لملأ الفراغ وتسخير النقمة السنية مع الافتقار للانسجام بين عناصر المعارضة السياسية السورية. إن وجود الأسلحة البيولوجية والكيميائية في سوريا، والتي يمكن أن تسقط في أيدي مجموعات تمرد ذات دوافع دينية موجودة في سوريا، أمر ينبغي أن يقلق الولايات المتحدة، كما ينبغي أن تقلقها الأخبار الواردة عن إطلاق السراح المزعوم للإيديولوجي في القاعدة أبو مصعب السوري من سجن سوري. وكان هناك سابقة حول مسلحين مقاتلين من سوريا يعيثون خراباً في المنطقة قبل خمس سنوات مضت عندما تم إطلاق سراح شاكر العبسي أو هربه من سجنه السوري. وفي صيف 2007، نفذت جماعته المسماة فتح الإسلام معارك ضارية ضد القوى الأمنية اللبنانية في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين وحوله خارج مدينة طرابلس، ما أدى إلى تهجير عشرات آلاف السكان في أسوأ أعمال عنف سياسي شهدها لبنان منذ حرب 2006. في هذه الأثناء، بإمكان شخص إستراتيجي كأبو مصعب السوري المساعدة في ملأ فراغ القيادة الذي تركه موت أسامة بن لادن.



العلاقات الأميركية – الإسرائيلية والسلام الإسرائيلي- الفلسطيني

لا تزال إسرائيل حليفاً حيوياً للولايات المتحدة. فالولايات المتحدة وإسرائيل تتقاسمان مصالح أمنية إقليمية حساسة وخطيرة، كمنع حصول عدوان وأعمال قسرية إيرانية ومحاربة الشبكات الإرهابية العابرة للحدود. فالمكاسب من التعاون العسكري والاستخباري تسير في الاتجاهين: لقد أتاحت التدريبات المشتركة للولايات المتحدة، على سبيل المثال، التعلم من التجربة الإسرائيلية في حرب المدن وفي مجال مكافحة الإرهاب قبل وقت طويل من التحديات التي واجهتها في العراق وأفغانستان. في هذه الأثناء، تستخدم قوات الدفاع الإسرائيلية تكتيكات، تقنيات، وإجراءات طورها الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان. وتتقاسم الولايات المتحدة وإسرائيل شركاء عرب أساسيين، بما فيه الأردن، الذي طورت معه إسرائيل تعاون عسكري، ديبلوماسي، واقتصادي هام بعد معاهدة السلام عام 1994. فالذي يكمن وراء العلاقة الأميركية- الإسرائيلية هو التقارب العميق لديمقراطيتين تملكان قيماً مشتركة ومجتمعات مفعمة بالحياة ذات علاقات وثيقة مع شعوبها وتعاون مكثف بين المجتمعات العلمية، التعليمية، وقطاع الأعمال. وفي حين أن ذكرى الهولوكست قد تتلاشى في ذاكرة البعض، فإن الالتزام الأميركي بدولة إسرائيل التي تحملت تلك الإبادة لا يتلاشى.

مع ذلك، لقد كانت التوترات الأميركية- الإسرائيلية ترتفع بسبب التباينات الكامنة في منظور التهديدات والأولويات – تحديداً بما يتعلق بإيران وعملية السلام. وهذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها هناك توتر في العلاقة. فهذه التوترات قد تتراجع، لكن من غير المرجح أن تنحسر تماماً. إن توترات اليوم أوسع وأعمق، إذ أنها لا تعكس الكيمياء التي ذكرناها آنفاً بين أوباما ونتانياهو فحسب بل أنها تعكس التباينات والخلافات الحادة حول كيفية نظرتهما إلى المنطقة.

وشكك عدد متزايد من الإسرائيليين بفهم الولايات المتحدة لخطورة التهديدات التي يواجهها بلدهم، في الوقت الذي ترتفع فيه الهواجس أكثر فأكثر في الولايات المتحدة بخصوص مدى خدمة الدعم المقدم لإسرائيل للمصالح الأميركية. وكانت هذه التباينات حادة بشكل خاص بما يتعلق بعملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية المتوقفة. ففي السنوات القليلة الماضية قاومت القيادة الإسرائيلية القيام بتنازلات للقيادة الفلسطينية وهي متخوفة، قبل أي شيء، من التهديد الذي تشكله إيران وبرنامجها النووي. في هذه الأثناء، أصر الفلسطينيون على تجميد المستوطنات كشرط مسبق للمحادثات، عقب تأكيد إدارة أوباما على أن التجميد ينبغي أن يكون شرطاً مسبقاً. وفي حين يستمر المسؤولون في إدارة أوباما بالعمل بشكل وثيق مع إسرائيل، فإنهم تحدثوا عن حصيلة فشل صنع تقدم في عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية وتأثيره على المصالح الأميركية. " إن استمرار حالة الأعمال العدائية بين إسرائيل وبعض الدول المجاورة لها يمثل تحديات متمايزة لقدرتنا على الدفع قدماً بمصالحنا في المنطقة"، قال الجنرال ديفيد بيترايوس، قائد القيادة الوسطى الأميركية آنذاك، في تصريح له في شهادته في آذار 2010 أمام " لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ". " إن الغضب العربي بشأن المسألة الفلسطينية يحد من قوة وعمق الشراكات الأميركية مع حكومات وشعوب المنطقة". وفي نفس الشهر، وفي خطاب لها أمام " لجنة الشؤون العامة الأميركية- الإسرائيلية" ووجود نتانياهو إلى جانبها، أكدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على ذلك بقولها بأن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني ليس وحده هو ما يزعزع المصالح الأميركية بتعزيزه المتطرفين الإسلاميين وإنما أيضاً " الكيفية التي يطرح بها قادة في العالم، حتى من بلاد بعيدة عن الشرق الأوسط، القضية على الدوام". وطرح أوباما نقاطاً مشابهة في خطابه في أيار 2011 وقال بأن " الصراع بين الإسرائيليين والعرب قد ألقى بظلاله على المنطقة"، وبأن هذا الصراع قد وصل إلى وضع أصبحت فيه " كلفته أكبر... حيث أنه يعيق عمليات الشراكة التي يمكنها أن تجلب أمناً وازدهاراً وتمكيناً أكبر للناس العاديين". وفي حين أنه لم يكن هناك سوى القليل من التصريحات العامة التي تحمل هذا الطابع في الآونة الأخيرة، فإن هذه الهواجس لا تزال موجودة. ومع وجود حزب كاديما الآن كجزء من الائتلاف الحاكم ورئيسه شاؤول موفاز، نائباً لرئيس الحكومة، قد يكون نتانياهو قادراً، ربما، على اتخاذ موقف أكثر تصالحية في التعامل مع الفلسطينيين حول المستوطنات، رغم أن من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان ينوي القيام بذلك.

كما أن القيادة الإسرائيلية الحالية حذرة بشأن الربيع العربي. وقد عبَّر مكتب نتانياهو على التويتر عن عدم ارتياحه، إذ قال،" إن الشرق الأوسط يمر بثورة إسلامية هي في جوهرها معادية لإسرائيل".في هذه البيئة، إسرائيل قلقة جداً بسبب مبيعات منظومات الأسلحة الأميركية إلى جيرانها العرب، رغم أن هذه المبيعات يتم التركيز عليها إلى حد كبير لتعزيز قدرات الشريك على مكافحة إيران.



أمن الطاقة

يظل الحفاظ على الإمكانية العالمية للوصول إلى موارد الطاقة في الخليج الفارسي مصلحة قومية أميركية. رغم أن المنطق وراء هذا التقييم يتحول الآن. فبينما كانت أزمات أسعار النفط في الماضي مبنية، إلى حد كبير، على عدم استقرار الشرق الأوسط الذي يسبب المخاوف والغموض بشأن إمدادات الطاقة، فإن هناك اليوم طلباً متزايداً أيضاً بسبب النمو الاقتصادي العالمي. وعندما يتحد هذان العاملان الضاغطان، كما يحصل في الأشهر الأخيرة، فإن الذروة في الأسعار قد تكون حادة. لكن حتى في حال وجود استقرار إقليمي، فإن الضغط بسبب الطلب المتزايد يمكن أن ينتهي بزيادة في أسعار النفط بحسب ما هو متصور. وقد نشرت " وكالة الطاقة الدولية" تقريراً يقول بأن الطلب العالمي على النفط سيأتي من بلدان " منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية" في السنوات الخمس المقبلة، ولمدة أطول من ذلك بالتأكيد. ومع حالة عدم الاستقرار المستمرة في الشرق الأوسط والطلب العالمي المتزايد، فإن أسواق النفط ستستمر بكونها عرضة لتذبذب الأسعار وارتفاعها، على الأقل كما كان الحال في الماضي وربما أكثر من ذلك.

إن اعتماد الولايات المتحدة على النفط الخارجي، تحديداً على نفط الخليج الفارسي، ينحدر، حيث أن الولايات المتحدة تحصل على إمكانية وصول أكيدة لموارد النفط في أماكن أخرى. فالولايات المتحدة تستورد اليوم نسبة أقل من مجموع واردات النفط الخارجي كما تستورد أقل من نصف الكمية التي تستهلكها على أساس سنوي. وفي التوقعات للـ 25 سنة المقبلة، ستهبط حصة واردات النفط الصافية وكجزء من مجموع الوقود السائل الأميركي المستهلك من 49 بالمئة في العام 2010 إلى 36 بالمئة في العام 2035. إن دمجاً متزايداً ما بين إنتاج النفط والغاز، والتطوير المتزايد لموارد الطاقة المتجددة ووجود كفاءة أكبر في محركات الطاقة في المركبات الآلية، المباني، محطات الطاقة والمنازل، كلها أمور اتحدت معاً للتقليل من تعرض الولايات المتحدة إلى انقطاع في إمدادات النفط.

إن التعرض المنخفض لانقطاع النفط لا يعزل الولايات المتحدة من تذبذبات السوق أو يحصنها؛ فالصدمات تؤذي، حتى ولو كان الاعتماد الأميركي الكلي على النفط يتضاءل. إن الانقطاع بالإمدادات يمكن أن يكون له تأثيرات بعيدة المدى. فأسعار النفط تضعها الأسواق العالمية وهي لا تؤثر على أسعار البنزين فحسب، وإنما على أسعار السلع التي تتطلب الوقود للنقل. إن الزيادات في كلفة النفط يمكن أن تؤدي إلى تذبذبات في إمدادات الأسمدة الكيماوية التي تؤثر على الدول النامية ذات القطاعات الزراعية الضعيفة. إضافة لذلك، إن أسواق المال تتفاعل بسرعة وبشدة مع أي اضطراب في قطاع النفط. يمكن لأسعار النفط المرتفعة أن تحث المصارف المركزية على رفع نسبة الفائدة في محاولة لدرء التضخم أو كبحه. وبالتالي فإن الولايات المتحدة لها مصلحة في أمن موارد الهايدروكاربون في الشرق الأوسط والتي تتخطى الحاجات المباشرة للمستهلكين الأميركيين.



التكيف الاستراتيجي: الأولويات والتوجهات

الشرق الأوسط يتغير، والولايات المتحدة بحاجة إلى استراتيجية جديدة لحماية مصالحها. إن الاستراتيجية التي نقترحها هي : التكيف الاستراتيجي". وفي حين أن هذا الأمر يحتم إعادة ضبط بعض الالتزامات الأميركية تجاه المنطقة، فإن الأمر متعلق أكثر بمطابقة طرق ووسائل لتناسب السياق الاستراتيجي الجديد.

هناك عناصر استمرارية مع السياسة والنشاطات الأميركية في المنطقة، لكننا نشدد على التغييرات بخصوص البيئة الاستراتيجية وعلى الكيفية التي ينبغي أن تؤثر بها تلك التغييرات على السياسة الأميركية.

إن الأولوية عنصر حاسم للاستراتيجيات الناجحة. في هذا الفصل نحدد ثلاثة أمور ينبغي للولايات المتحدة القيام بها في المدى القريب لدرء التهديدات الأكثر آنية للمصالح الأميركية، وثلاثة أمور ينبغي للولايات المتحدة القيام بها "في الوقت عينه" لضمان انسجام المصالح الأميركية مع السياق الإستراتيجي المتحول. نحن نختار أولوياتنا بناء على المصالح الأميركية إضافة إلى تحليلنا في الفصول السابقة. إن المرونة المطلوبة للانكباب على معالجة الآفاق في المدى القريب والطويل، في آن معاً، هي ما تتسم به استراتيجية التكيف التي نطرحها. ينبغي للولايات المتحدة أن تستعد لمعالجة أزمة في المنطقة إضافة إلى تشكيل الديناميكيات الإقليمية في المستقبل.



الأولويات للمدى القصير

إيران

ينبغي للولايات المتحدة الاستمرار بإستراتيجيتها " المسار المزدوج" المتعلقة بالعقوبات الشديدة زائد الديبلوماسية لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي. وتظل المحصلة الأمثل حلاً يتم التفاوض عليه يوفر الضمانات ضد جهود التسلح والشفافية الكافية للتحقق من تلك الضمانات. ينبغي أن يضمن هكذا حل أيضاً تعزيز نظام منع الانتشار العالمي. فالهدف الأهم يجب أن يكون منع إيران من تطوير أسلحة نووية فعلية. فإذا ما أنهت إيران عملها تسلحها بشكل يمكن التحقق منه، وعملت بصرامة وشفافية ضمن قيود معاهدة منع الانتشار النووي ( NPT) والموافقة على ضمانات تقنية كافية وعمليات تفتيش تدخلية للتقصي ومنع الغش، هذه الخطوات ستكون كافية لمعالجة التحديات الخطيرة المنبثقة عن برنامج إيران، حتى ولو كان هناك بعض التخصيب المحلي المحدود المسموح.

إن مقاربة إدارة أوباما تهدف، وبشكل صحيح ومحق، إلى منع إيران من الحصول على سلاح نووي. إن التوصل إلى تسوية ديبلوماسية لا تزال السياسة الأكثر جاذبية بما أن الحل المانع المستدام الوحيد، الذي لا يصل إلى غزو إيران واحتلالها لإزالة أسس برنامجها النووي، هو حل يختار فيه الإيرانيون التراجع عن الحافة النووية. فمن العام 2006 وحتى 2008، ساعدت إدارة بوش على تنسيق سلسلة من قرارات مجلس الأمن الدولي الهادفة إلى وضع عقوبات اقتصادية متعددة الأطراف على طهران لتشجيعها على الارتقاء إلى مستوى التزاماتها الدولية بظل معاهدة الحد من الانتشار النووي ( NPT). وقد بنت إدارة أوباما على هذه المقاربة من خلال الجهود المبدئية واللاحقة بالانخراط في صياغة إجماع عام دولي لفرض إجراءات ضاغطة أقسى وأشد بكثير. ويبدو بأن عقوبات الطاقة والمالية الغير مسبوقة تؤثر على الحسابات الإيرانية – كما هو ظاهر وواضح باستعداد النظام المتزايد للتفاوض حول برنامجه النووي.

لقد أوضح أوباما بأن السلاح النووي " غير مقبول"، وبأن كل الخيارات – بما فيها القوة العسكرية – لا تزال على الطاولة لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، وبأن الإدارة لا تؤيد سياسة الاحتواء النووي. في نفس الوقت، صرَّح أوباما أيضاً بأنه يفضل حلاً سلمياً، وبأن هناك نافذة فرصة للاستفادة من الضغط غير المسبوق المفروض الآن على إيران للتوصل إلى تسوية ديبلوماسية دائمة.

أما أحدث العقوبات المشددة والمحكمة فلن تحدث قبل صيف 2012. إيران لن تشعر بالتأثيرات الكاملة للعقوبات حتى إلا بعد عدة أشهر مقبلة. ويبدو النظام الإيراني ملتزماً بشدة بإستراتيجية التحوط النووي، إلا أن الكلفة، بما في ذلك الثمن الاقتصادي وخلفية التهديد بعمل عسكري، قد تصل إلى نقطة يمكن أن تكون فيها القيادة الإيرانية مستعدة للتسوية. ينبغي الاستمرار بالعقوبات وأن تكون على نفس الوتيرة مع المفاوضات، فتشدد إلى الحد لضروري لفرض لضغط وترخى إن حصل تقدم بالمفاوضات يسوغ ذلك.

وكخطوة حكيمة، ينبغي للولايات المتحدة إعادة موضعة أصول عسكرية في الخليج الفارسي والمنطقة بناء على الحد الأدنى من المتطلبات لحالة طارئة إيرانية. ونظراً حتى للرهانات الهامة المشتملة في حالات إقليمية طارئة إزاء إيران التي تمت مناقشتها في وقت سابق، فإن تقديرات موثوقة حول التقدم النووي الإيراني تؤشر إلى أن الوقت لا يزال متاحاً للديبلوماسية كي تنجح، بمساندة العقوبات القاسية.

ورغم أن إيران النووية قد لا تكون تهديداً وشيكاً كما يتصور البعض، فإنها مع ذلك تشكل تحدياً هاماً للمصالح الأميركية وتزيد فرص حدوث صراعات إقليمية. لذا، فإن منع إيران من تطوير أسلحة نووية، بدلاً من تبني سياسة ردع واحتواء نووية، أمر ينبغي أن يظل أولوية.

إذا ما فشلت الجهود المانعة، بإمكان الولايات المتحدة، ربما، العمل إلى جانب إسرائيل ودول إقليمية أخرى لمعالجة عدد من المخاطر المرتبطة بإيران النووية والتخفيف من حدتها. ومن بين الخيارات المحتملة لردع إيران النووية واحتوائها، بإمكان الولايات المتحدة القيام بالأمور التالية:



تعديل سياسة تفسيرية إعلانية نووية لإبلاغ إيران الخطوط الحمر الواضحة وبذلك زيادة احتمال الردع الناجح.



توفير ضمانات رادعة واسعة ومساعدات أمنية إضافية، وإعادة موضعة القوات الأمامية المنتشرة لثني إيران عن القيام بعدوان وطمأنة الحلفاء القلقين.





دعم منظومات الإنذار المبكر للولايات المتحدة وشركائها، الدفاعات الجوية والصاروخية البالستية المدمجة، والقدرات لردع والدفاع ضد الهجمات الإرهابية.



تعزيز الجهود الديبلوماسية ، الاستخبارية، العسكرية والاقتصادية لتعطيل العمليات الإيرانية والنشاطات السرية.





المساعدة على تأسيس آليات الحوار الإسرائيلية- الإيرانية- الأميركية، التواصل في الأزمة والسيطرة على التسلح.



تشجيع إسرائيل وإيران لتبني تعهدات متبادلة "على عدم الاستخدام أولاً" إضافة إلى إجراءات السلامة التقنية للتقليل من مخاطر التصعيد بالصدفة.



وفي حين أن استراتيجية الردع والاحتواء القابلة للحياة يمكن تصورها نظرياً، فستكون، عملياً، مهمة الشروع بها معقدة جداً. إن احتواء الإرهاب والتطرف المدعوم إيرانياً صعب أساساً ومن المرجح أن يصبح أكثر صعوبة إذا ما حصلت إيران على السلاح النووي. فضلاً على ذلك، وخلال فترة البداية بعد تطوير أسلحة نووية، من المرجح أن يصطدم الإصرار الإيراني المتنامي بالقلق الإسرائيلي الحاد والشعور المتبادل بالاستهداف، ما يجعل استقرار أية ترتيبات تتعلق بالردع والاحتواء هشة جداً – وسيكون ثمن الفشل باهظاً جداً. ولذلك، فإن تبني سياسة الردع والاحتواء النوويين ليست مستحسنة وينبغي درسها فقط كموقف احتياطي إذا ما فشلت كل الجهود المانعة الأخرى.



العلاقات الإسرائيلية- المصرية

تحافظ الولايات المتحدة على مصلحة قوية لها في أمن إسرائيل وحصول تقدم أكبر بالسلام العربي- الإسرائيلي. وفي حين أن الولايات المتحدة كانت متموضعة بطريقة فريدة لرعاية معاهدة كامب ديفيد الأصلية بين مصر وإسرائيل في العام 1978، فإن الولايات المتحدة متموضعة جيداً لمنع حصول تمزق في اتفاق السلام. وبرغم الجدل والنزاع الدائر حول المنظمات غير الحكومية الممولة أميركياً في مصر في الشتاء الماضي، فإن الولايات المتحدة تتمتع بعلاقات وثيقة مع كل من حكومتيْ مصر وإسرائيل ولديها ثقة المؤسسات العسكرية في البلدين. كما أمضى الديبلوماسيون الأميركيون وأعضاء الكونغرس وإدارة أوباما قسماً كبيراً من الوقت في العام الماضي وهم يؤسسون لعلاقات مع وسطاء السلطة الإسلامية الجديدة في مصر.

بإمكان الولايات المتحدة القيام بأمرين للحفاظ على السلام. أولاً، بإمكان الولايات المتحدة العمل من خلال سفاراتها في البلدين للتصدي لأية أخطاء تتعلق بسوء الفهم والتصور والتي قد تجعل القادة في البلدين يقومون بأمر ما طائش ومتهور. إن قادة إسرائيل لا يثقون أو يعرفون القادة المدنيين الجدد في مصر وقد يفسرون العنف في سيناء أو غزة على أنه يتم بمباركة هؤلاء القادة. في هذه الأثناء، لا يثق قادة مصر المدنيين الجدد بقيادة إسرائيل أو يعرفونها. ينبغي للولايات المتحدة أن تعقد اجتماعات وتسهل لقاءات بين الفاعلين السياسيين والعسكريين من كلا البلدين وتكون مستعدة للقيام بجولات ديبلوماسية مكوكية، أو تسهيل حصول حوار بين الجانبين، للتقليل من تصاعد التوتر إذا ما برزت أزمة ما. ولا بد للبلدين من الاختلاف حول قضايا ذات صلة بحقوق الفلسطينيين، لكن على الولايات المتحدة العمل من خلال قنوات ديبلوماسية لضمان ألا يتسبب العنف في سيناء بصراع متبادل بين الدولتين – العنف الذي كانت تدفع به مجموعة من العوامل الاجتماعية، السياسية والاقتصادية ذات الصلة، إلى حد كبير، إما بإسرائيل أو بقضية الفلسطينيين.

ثانياً، ينبغي للولايات المتحدة أن تحدد لحليفيها الأثمان الاستراتيجية المرتفعى للصراع. إذ ينبغي للولايات المتحدة أن تذكِّر أصدقائها الإسرائيليين بالعواقب الطويلة الأمد للتدخل الإسرائيلي في جنوب لبنان عاميْ 1978 و 1982 والكيفية التي أحدثت فيها عمليات عسكرية محدودة مبدئياً مشاكل أكثر بدلاً من حلها- كإنشاء مجموعات المقاومة اللبنانية المتشددة. ينبغي للولايات المتحدة أيضاً أن توضح للقيادتين المدنية والعسكرية المصرية بأن المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر – والتأييد الأميركي لمصر في المؤسسات المالية الدولية- تعتمد على حفاظ مصر على سلامها مع حليفتها( حليفة أميركا) الرئيسة في المنطقة.



الانكباب على معالجة التهديدات من سوريا واليمن

تواجه الولايات المتحدة تهديدات أمنية على المدى القصير في كل من سوريا واليمن، التي كل تخوض كل منهما حرباً أهلية. وفي حين أن سوريا هي في المراحل الأولى من الحرب الأهلية، يواجه اليمن تهديدات مستمرة لحكومته من الجماعات الإرهابية وحالات التمرد والعصيان المحلية الأخرى.

وفي سوريا، حيث تقول تقديرات الأمم المتحدة بأن أكثر من 9000 مدني قد قتلوا في هجمات للحكومة على المتظاهرين المعارضين للأسد منذ عام حتى الآن، ليس هناك من سبب كبير يدعو لتوقع حصول حل سريع للصراع. في الوقت الراهن تتمتع قوات النظام السورية بمزايا هائلة بما يتعلق بالقوة البشرية والتجهيزات، وليس هناك من سبب يدعو النظام كي يفكر بأنه سوف يخسر. فالأقلية العلوية السورية – التي تتخوف من فقدانها سلطتها السياسية والاقتصادية – لديها دوافع قوية للعمل كمخرب لأية تسوية سياسية محتملة.

ينبغي للولايات المتحدة مواصلة سياسة " الديبلوماسية الإجبارية" للضغط للوصول إلى حل للصراع، بالترويج لحرية وعدالة أكبر للشعب السوري من دون الغرق في مستنقع الحرب الأهلية السورية. وبالعمل مع مجلس الأمن الدولي وائتلاف أصدقاء سوريا، إضافة للعمل من خلال مبادرات واشنطن الخاصة، سوف تستمر سياسة من هذا النوع بنشر استبداد النظام على الملأ وتحاول تثبيت التجانس والضم في المعارضة السورية ( بما في ذلك توفير مساعدات غير فتاكة) وفرض ضغط دولي وعقوبات على مسؤولي النظام لتعزيز حصول انتقال سياسي يتم التفاوض عليه بين المعارضة السورية والحكومة. ينبغي للجهود أن تستمر لإيجاد خليط صحيح للمفاوضات والضغط لحمل روسيا على تخفيف دعمها لنظام الأسد والتوقف بشكل خاص عن استعمال حق الفيتو في عمل متضافر لمجلس الأمن . وبينما ينبغي التحضير للطوارئ العسكرية، في غياب معارضة سورية أكثر انسجاماً وتفويض دولي واستراتيجية قابلة للتطبيق، لا ينبغي للولايات المتحدة الشروع بعمل عسكري. فبظل الظروف الحالية، " سيبدل التدخل العسكري في سوريا دينامية صراع طويل لكنه لن ينهيها، مورطاً الولايات المتحدة في حركة تمرد وحرب أهلية دموية ومطولة.

في كل الأحوال، وفي الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة لتسهيل عملية الانتقال، فإن عليها أيضاً أن تدرك حدود قوتها ونفوذها لدى الفاعلين السوريين، التحضير لأعمال طارئة محتملة لصراع طويل في سوريا والعمل على التخفيف من حدة تأثيرات تلك الحرب على المصالح الأميركية. هذا يعني احتواء الصراع وعدم تشجيع انتهاكات حقوق الإنسان في الوقت الذي يتم فيه السعي لحل الصراع. ولاحتواء الصراع، ينبغي للولايات المتحدة محاربة جهود الآخرين، بما فيها تلك التي لائتلاف " أصدقاء سوريا"، لتسليح وكلاء المعارضة السورية بأسلحة متطورة أو استغلال الوضع بطرق تخدم مصالحهم الوطنية المذهبية أو الضيقة.

ينبغي للولايات المتحدة أن تقلق بشأن نتيجتين محددتين للصراع في سوريا: الإرهاب وانتشار الأسلحة البيولوجية والكيميائية. فأحداث العنف التي جرت عام 2007 بين القوى الأمنية اللبنانية وجماعة فتح الإسلام الإرهابية، بقيادة مسلح متشدد كانت السلطات السورية قد أطلقت سراحه والتي انتهت بتهجير حوالي 30000 لاجئ فلسطيني، هي نذير لنوع العنف الذي قد ينتشر من سوريا. وللتخفيف من حدة اندلاع عنف مذهبي محدود إرهابي في لبنان والبلدان المحيطة، ينبغي للولايات المتحدة توفير المساعدة الأمنية والدعم الاستخباري للأجهزة الأمنية في البلدان المجاورة لسوريا – كما فعلت في العام 2007 بالسلاح والتجهيزات إضافة للدعم الاستخباراتي. لدى الولايات المتحدة علاقات ممتازة مع الأجهزة الأمنية في كل بلد من البلدان المجاورة لسوريا، الأمر الذي يعتبر شيئاً ثميناً في حال حدوث أمور طارئة.

إن انتشار الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية أمر من الصعب للغاية التخفيف منه. فليس هناك من أي بلد مجاور لسوريا لديه مصلحة في عبور أسلحة كهذه لحدوده. لكن السهولة التي كان يتم بها تهريب الناس والسلاح عبر الحدود الدولية خلال الصراعات في كل من سوريا والعراق تظهر مدى سهولة اختراق الحدود السورية مع العراق ولبنان. وقد حافظ كل من لبنان والعراق على علاقاته مع نظام الأسد، وينبغي لكل بلد ممارسة الضغط على النظام لحماية مخزونه من الأسلحة البيولوجية والكيميائية. في هذه الأثناء، ينبغي للولايات المتحدة العمل مع الأجهزة الأمنية لدى كل بلد من البلدان المجاورة لتطوير خطط لوقف حركة أسلحة كهذه وانتقالها إلى خارج سوريا.

أما في اليمن، فقد أسس أتباع القاعدة ملاذاً آمناً لهم هناك وبدؤوا بتوفير الخدمات والحكم برغم تحذيرات القيادة العليا للقاعدة بعدم محاولة الإمساك بالمنطقة وتأسيس إمارة. أما القاعدة في شبه الجزيرة العربية فقد أثبتت مواصلتها المستمرة لجهودها بمهاجمة الولايات المتحدة؛ فمنذ تشكيلها في كانون الثاني 2009، حاولت، بحسب ما قيل، تفجير قنابل على متن طائرات أميركية وشجعت على القيام بأعمال إرهابية في كل من اليمن والولايات المتحدة. وفي الأشهر الأخيرة، تعزز وضع "القاعدة في شبه الجزيرة العربية " بسبب نجاح واجهتها السياسية، أنصار الشريعة، التي يبدو بأنها تعمل بالموازاة مع القاعدة في شبهة الجزيرة العربية وهي الآن تشن حملة تمرد محلية ضد الحكومة اليمنية.

كان يتم وزن الاستراتيجية الأميركية تجاه اليمن بميزان مكافحة الإرهاب. وقد اشتمل هذا على تدريب وحدات مكافحة الإرهاب ضمن الجيش اليمني وعلى برنامج الضربات الموجهة بواسطة الطائرات من دون طيار ضد أهداف القاعدة هناك. ورغم أن هذه الاستراتيجية نجحت في قتل عدد من مسؤولي القاعدة في اليمن، بمن فيهم الداعية أنور العولقي وفهد القوصو، اللذان يعتقد بأنهما مسؤولان عن تفجير المدمرة USS Cole في العام 2000، فإنها فشلت في كبح نمو " القاعدة " في اليمن. فقد تضاعفت قوة القاعدة في شبه الجزيرة العربية " أكثر من ثلاثة أضعاف منذ العام 2009، كما أن تكتيكاتها تحولت بحيث أن القاعدة في اليمن قد بدأت بالإمساك بالأرض في المناطق الريفية الجنوبية من اليمن. ورغم بعض النجاحات على الأمد القصير، فقد أثبتت المبادرات الأميركية عن عدم ملائمتها لمعالجة دوافع الصراع.

أما الاستراتيجية الأكثر شمولية فستكون التشديد أكثر على الإصلاح السياسي والتنمية الاقتصادية لمعالجة الشكاوى التي استثمرتها القاعدة في شبه الجزيرة العربية لتحريك الدعم لها. ومن المفارقات أنه ينبغي للولايات المتحدة أن تكون أكثر نجاحاً في القيام بهذا الأمر في اليمن، حيث تنفق موارد أقل نسبياً عما تنفقه في أفغانستان والعراق، حيث الاستثمار الأكبر للموارد جعل حكومات الدول المضيفة تشعر بالرضا. ينبغي للولايات المتحدة مواصلة هذه الاستراتيجية حتى ولو كانت تضغط على العلاقة الأميركية مع الحكومة اليمنية الجديدة في المستقبل القريب. ففي المناطق الواقعة في المحيط الواقع تحت سيطرة الحكومة اليمنية، استثمرت القاعدة في اليمن ( القاعدة في شبه الجزيرة العربية) وأنصار الشريعة النقص الحاصل في التمثيل السياسي والخدمات الحكومية في محافظات معينة. وباستخدامها القوة والنفوذ المكتسبان من المساعدات العسكرية، ينبغي للولايات المتحدة الدفع باتجاه وجود نظام أكثر شمولاً يمثل الشعوب بشكل أفضل لمكافحة تأثير ونفوذ هذه الجماعات الإرهابية.

ينبغي للولايات المتحدة إبقاء التهديد الذي يشكله المتطرفون المتمركزين محلياً في اليمن في منظورها. فبرغم دمجهم تكراراً مع القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لا يمثل هؤلاء الفاعلين خطراً وجودياً على الولايات المتحدة وليس لديهم سوى قدرة محدودة على استعراض القوة خارج اليمن. ولا ينبغي للولايات المتحدة القيام بضربات جوية ضد منظمة تصرفت كواحدة من حركات التمرد المحلية العديدة الأخرى في اليمن – والتي هي متأصلة الآن في مجتمعات معينة بحيث أن القيام بضربات جوية بأقل ضرر مصاحب ممكن هو أمر مستحيل تقريباً. إن القيام بذلك يمثل خطراً لجهة تحول عدد أكبر من اليمنيين إلى التطرف وتنفير السكان عموماً في وقت بدأت فيه الحكومة تصبح مسؤولة وعرضة للمحاسبة أمام شعبها أكثر فأكثر.

ينبغي للولايات المتحدة الضغط في المستقبل بعملية شاقة تتعلق بإعادة هيكلة الجيش اليمني وفقاً لاتفاقية عملية الانتقال التي أدت بعلي عبد الله صالح إلى التنحي عن السلطة. هذه العملية، التي سبق وبدأت، ستتضمن برامج تدريب، تغييرات في القيادة لكسر احتكار السلطة التي احتفظت بها عائلة صالح وما يرجح أن يكون عملية طويلة الأمد لجعل الجيش مسؤولاً ومحاسباً أمام السلطات المدنية في الحكومة. إن إعادة الهيكلة هذه مطلب مسبق لمواجهة "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" ( في اليمن) بشكل مناسب. أما بما يتعلق بالأشهر الثماني عشر الماضية، فقد أبقت الحكومة اليمنية قواتها المدربة والمجهزة أميركياً لمكافحة الإرهاب مركزة في صنعاء، في حين أن الجيش اليمني الأقل استعداداً استلم مسألة محاربة القاعدة وأنصار الشريعة. وإلى حين وجود إمكانية لنشر قوات عسكرية أكثر قدرة في مناطق تسيطر عليها " القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، فإن الهجمات العسكرية للجيش والإصابات المرتفعة ستثبت قدراً من المسؤولية بالنسبة لقيمتها الإعلامية إزاء القاعدة بالقدر الذي ستثبت فيه قيمتها في مسألة أهداف مكافحة الإرهاب الأميركية واليمنية. أخيراً، ينبغي للولايات المتحدة المساعدة على معالجة الضغوط الاقتصادية على المدى الطويل على اليمن عن طريق المساعدة في الجهود الدولية لإعادة تطوير مرفأ عدن، الذي لديه إمكانية التخفيف من البطالة في صفوف الشباب اليمني. هذه مصالح تتقاسمها الولايات المتحدة مع الحكومة اليمنية، المهددة أيضاً من قبل القاعدة في شبه الجزيرة العربية والتي تدرك الحاجة إلى إصلاحات حكومية واقتصادية، إلا أن الولايات المتحدة قد تحتاج إلى إبقاء الحكومة مركزة على مقاربة واسعة وشاملة لتلبية التحديات التي تواجهها اليمن.



التوجهات على المدى الطويل

وبينما ينبغي للولايات المتحدة تركيز اهتمامها ومواردها على أولويات المدى القصير كما ناقشنا آنفاً، فإن عليها، في نفس الوقت، أن تكيف سياساتها الإقليمية إزاء التوجهات التالية على المدى الطويل: عودة الحياة السياسية إلى العالم العربي، الاعتماد الأميركي المخفض على الخليج الفارسي وتوتر العلاقات الأميركية- الإسرائيلية. إن تصنيف هذه التطورات على أنها توجهات للأمد الطويل لا يعني بأنه ينبغي تجاهلها حتى مرحلة لاحقة. بالأحرى، إن السياسات الأميركية الساعية لتسخير الإمكانات والتخفيف من حدة مخاطر هذه التوجهات الطويلة الأمد ستتطلب انخراطاً وضغطاً مستداماً وسيستلزم الأمر وقتاً قبل أن تعطي هذه السياسة ثمارها. فبتكييف سياساتها مع هذه التوجهات، قد تكون واشنطن قادرة على التقليل من ضعفها وتحقيق مستوى من الاستقرار في المنطقة أكثر ثباتاً وتحملاً.



عودة الحياة السياسية إلى العالم العربي

أول ما اكتسح الربيع العربي المنطقة، كانت المعضلة بالنسبة لصناع القرار السياسي الأميركيين واضحة: لقد أفرطت الولايات المتحدة في الاستثمار في أكثر الأنظمة لا ديمقراطيةً في العالم الناطق بالعربية. برغم ذلك، كان الربيع العربي معادياً للنظام أكثر مما هو معادِ لأميركا. وفي الوقت الذي لا تزال فيه واشنطن مدركة بأن هذه الثورات لا تتعلق بالولايات المتحدة، فإن عليها التركيز أكثر على منع الأنظمة المعادية لأميركا من البروز بدلاً من دعم تلك المؤيدة لأميركا. وفي المستقبل، سيظل من المناسب للولايات المتحدة تبني الاستقرار الإقليمي كغاية وهدف لها. إلا أن على صناع السياسة الأميركيين أن يفهموا بأن إدراك الطموحات الديمقراطية للشعوب العربية هو السبيل المستدام الوحيد نحو استقرار حقيقي.



إشراك الشعوب العربية، وليس الأنظمة فقط

لقد ولت الأيام التي كان فيها الديبلوماسيين الأميركيين والمسؤولين العسكريين يقررون بتكتم مصطلحات النشاطات الأميركية في الشرق الأوسط مع حفنة من الحكومات الملكية العربية والجنرالات. ففي عصر الويكيليكس ووسائل التواصل والإعلام الاجتماعي، أصبحت نتائج السياسة الأميركية أكثر شفافية وأكثر عرضة للنقاش على نطاق واسع من قبل. إضافة لذلك، إذا ما حقق الربيع العربي وعوده، فإن الأنظمة في الشرق الأوسط ستصبح، وعلى نحو متزايد، أكثر تجاوباً مع مصلحة الشعب. عندها لن يكون كافياً تسويق حفنة من مسؤولي النظام في سياسة أو ضمن مبادرة أميركية. ينبغي للولايات المتحدة أن تجعل الشرق الأوسط نموذجاً لما تسميه آن ماري سلاتر " محور الشعب... الحوار مع المدونين في مصر إضافة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة" و " عقد الاجتماعات مع رجال أعمال شباب في تونس، الجزائر والمغرب والتواصل معهم للتمويل والتوجيه". ينبغي للمسؤولين الأميركيين الآن إقناع مجموعة أوسع من قادة الرأي وشرائح أساسية لدى الشعوب العربية بأن العمل مع الولايات المتحدة هو من مصلحة بلدانهم, يجب على الولايات المتحدة أن توسع مقاربتها للتفاعل مباشرة، ومن خلال مجموعة متنوعة من وسائل الإعلام، مع مجموعة واسعة من منظمات المجتمع المدني، الجماعات الدينية، المنظمات النسائية، الجامعات ومجموعات من أصحاب الاختصاص، من بين مجموعات أخرى أيضاً. هنا يأخذ تنافس الأفكار مجراه وهنا تنطوي التكنولوجيا الجديدة على إمكانيات تمكين الشعوب.



ينبغي أن يكون الهدف في إشراك الشعوب العربية ثنائياً. الأول، ينبغي للولايات المتحدة السعي إلى تأسيس علاقات مع وسطاء السلطة الطالعين. ثانياً، ينبغي للولايات المتحدة أن تنقل رسالة مفادها أنها ستدعم الدعوات للإصلاحات السياسية، الاقتصادية والأمنية التي تلبي حاجات وطموحات الشعوب العربية، في الوقت الذي تعزز فيه هذا الهدف في المشاورات الخاصة مع مسؤولي الأنظمة.



لقد سبق وأن بدأت التحولات الهامة تجاه هذا الإشراك المجتمعي الأوسع منذ بدايات الربيع العربي، وقبله حتى في بعض الجوانب. لقد كان الشرق الأوسط بؤرة تركيز هامة لـ " فن الحكم في القرن 21" المشدد عليها في " مراجعة الديبلوماسية والتنمية" التي تصدر عن وزارة الخارجية الأميركية كل أربع سنوات والتي بانت في الالتزام العالي المستوى بقضايا المرأة، الشباب في العالم، المجتمع المدني والديمقراطيات الطالعة، والشراكات العالمية. ينبغي لهذه الجهود المبذولة لإشراك الشعوب إضافة إلى جهود أخرى، بما فيها مقابلات مع محطات تلفزيونية كبرى واجتماعات على نسق اجتماعات دار البلدية، أن تدمج لتكون ضمن الواجبات والمسؤوليات الطبيعية للسفارات والقنصليات. إذ ينبغي للسفراء في مصر والأردن، على سبيل المثال، لعتبار أنفسهم مبعوثين ليس فقط لحكوماتهم وإنما للناس في الشارع. يجب أن يصغوا ويغذوا الرؤى التي يجمعونها ويضموها إلى السياسة الأميركية بحسب ما يروا ذلك مناسباً.

يتم استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي و الـ " e-diplomacy" ( الاعلام الالكتروني) بشكل مكثف أكثر من قبل وزارة الخارجية الأميركية إضافة إلى " الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" ( USAID)، البنتاغون وقنوات رسمية أميركية أخرى. وتجدر الإشارة بوجه خاص إلى الكيفية التي كان السفير الأميركي في سوريا قادراً على الحوار مع سوريين والرد على اتهامات الموالين للنظام السوري من خلال صفحة فايسبوك ناشطة حافظ على وجودها برغم إغلاق السفارة الأميركية في دمشق.



كما جلبت الوزيرة كلينتون هيبتها وكفاءاتها إلى اجتماعات مجالس المدينة، توعية المجتمع الأهلي، مبادرات المرأة وجهود أخرى للحوار مع الشعوب العربية وإشراكها. وفي حين أن هذه الجهود نادراً ما تحل الخلافات والتباينات السياسية وتلقى في بعض الأوقات انتقادات قوية للسياسة الأميركية، فإنها تنقل رسالة التزام بإشراك الشعوب العربية. وينبغي للوزير المقبل البناء على مبادرات من هذا النوع، التكيف والابتكار بحسب ما هو مناسب.

ينبغي للولايات المتحدة أن تكون واقعية بخصوص المدى الذي يمكنها فيه، كحكومة، إشراك الشعوب العربية نظراً لاشتمال الموضوع على طيف واسع من الفاعلين، نظراً لوتيرة وتعقيدات الإعلام الاجتماعي وشبكات الاتصالات المنتشرة وإرث الشك العام العربي بالدوافع الأميركية في الشرق الأوسط. لكن من خلال الشراكات العامة - الخاصة والانخراط المباشر الموجود بين جهات فاعلة خاصة ينبغي للولايات المتحدة أن تشجع الجامعات الأميركية ورجال الأعمال الأميركيين على تأسيس مراكز وفروع مكاتب للانخراط مع الشعوب والمشاركة في المشاريع وقطاع الأعمال في الشرق الأوسط. إذ غالباً ما يعتبر هؤلاء هكذا مبادرات بأنها تصب في مصلحتهم العليا الخاصة. وقد سبق لجامعات أميركية، بحوافز تمويل سخية، أن أسست حرماً جامعياً فضائياً وبرامج تبادل مع دول الخليج الفارسي منذ التسعينات.



ومهما يكن من أمر التقنيات، فإن قيمة الشراكة العامة تعتمد على تدفق التواصل بالاتجاهين – وليس فقط بعث الرسالة الأميركية وإنما، بالواقع وبشكل خاص، تناول ما تفكر فيه الشعوب العربية وتتصوره ومعرفة ماهية طموحاته. قد يكون هذا العنصر هو الأصعب لكنه الأكثر حسماً وحساسية للتغيير في المقاربة الأميركية: فهم ذهنية الشعوب العربية لتكون السياسة الأميركية على علم أفضل بما يجري ويكون هناك تواصل بما يتعلق بالأهداف الأميركية في المستقبل. إنها مقاربة لن تجعل الجهود الأميركية أكثر فاعلية فحسب وإنما ستنقل رسالة مفادها مستوى من الاحترام لشعوب مفوضة الصلاحيات حديثاً.





مواصلة استراتيجية متمايزة تجاه الإسلام السياسي

بينما تنخرط الولايات المتحدة مع الشعوب العربية على نطاق أوسع، عليها أن تكيف سياساتها لمواصلة مقاربة أكثر تمايزاً تجاه الإسلام السياسي. فالإسلام السياسي لا هو بالغير متوافق بطبيعته مع الديمقراطية ولا هو معاد أتوماتيكياً للولايات المتحدة. فمظاهر الإسلام السياسي تختلف من دولة إلى دولة ضمن المنطقة، وينبغي للولايات المتحدة أن تكون حساسة تجاه الفروقات الوطنية بما يتعلق بالأهداف، الاستراتيجيات، الرؤى وقيادة الأحزاب والحركات الإسلامية السياسية التابعة لتلك البلدان. هناك حاجة لتفصيل السياسات كي تعارض الأفراد والجماعات المعادية للقيم الأميركية الذين يهددون المصالح الأميركية، في الوقت الذي تظل فيه منفتحة على الأفراد والجماعات الذين قد يكون الانسجام والتعاون معهم ممكناً برغم الاختلافات الموجودة. وفيما عدا تصدي مجموعة إسلامية بمعارضة صريحة وغير مرنة لمصالح أميركية حيوية في المنطقة – كما يفعل حزب الله بما يتعلق بالأمن الإسرائيلي على سبيل المثال – فإنه ينبغي للولايات المتحدة أن تكون مستعدة للانخراط والحوار ديبلوماسياً من دون شروط مسبقة. وفي كل من تونس ومصر، قد يساعد حتى العمل مع أحزاب معتدلة تلك الأحزاب على تهميش منافسيهم السياسيين السلفيين الأكثر تطرفاً.

ينبغي أن يكون الهدف التأثير في سلوك الجماعات الإسلامية أكثر منه رفض دور الفاعلين الإسلاميين السياسيين تماماً. إن القدرة الأميركية على التأثير وسط ديناميكيات سياسية أوسع وأعمق محدود بطبيعته، كما أن محاولة استبدال حركات سياسية مشروعة لن يؤدي سوى إلى الحد من التأثير أكثر. فبعض القوى، كالجماعات السلفية الطالعة، قد تدفع باتجاه الأصولية. إلا أن الضغط لإنتاج مكاسب اجتماعية- اقتصادية والحفاظ على ائتلاف واسع، بما في ذلك أجيالهم الشابة، يمكن أن يقدم قوى معتدلة بإمكان السياسة الأميركية تعزيزها. هذا الأمر يصف بدقة الوضع في تونس، على سبيل المثال. ينبغي للولايات المتحدة، مع ذلك، أن تدعم بقوة وهدوء حكومة حزب النهضة في جهودها لمكافحة السلفيين حول قضايا كحجم وامتداد" قانون الشريعة الاسلامية". هذه السياسة، رغم أن ليس كل العلمانيين يوافقون عليها، لديها فرص قابلة للتطبيق لجهة تحقيق توازن بين التفضيل الأميركي الطبيعي لليبرالية والوقائع السياسية على الأرض.

سيكون على الولايات المتحدة، في فتحها لحوار مع أحزاب إسلامية سياسية، أن تحكم على أعمال الأحزاب في مقابل خطابهم ( تحديداً بما يتعلق بالإصلاح السياسي والاقتصادي و إسرائيل). سيكون على الولايات المتحدة أيضاً أن تحدد إلى أي مدى ينبغي أخذ كلام الأحزاب بجدية – أو إلى أي حد يمكن للولايات المتحدة تحمل التساهل مع خطاب كهذا من دون تعليق أو القيام برد محدود فقط. وفي المدى القصير، فإن الشراكة مع هذه الأحزاب تنطوي على مخاطر فتح تصدعات في العلاقات الأميركية مع إسرائيل، إضافة إلى مقاومة أنظمة عربية حالية للإصلاح أو التخوف من بروز هذه الأحزاب، بما أن عدداً من هذه الأحزاب يفضل عدم اعتراف الولايات المتحدة بالخصوم الديمقراطيين للنظام الراسخ. في كل الأحوال، الإسلام السياسي واقع في المشهد السياسي العربي ويتطلب من الولايات المتحدة معالجة هذا الخطر إذا ما كانت تريد بناء علاقات مع وسطاء السلطة الطالعين وتأمين مصالحها في المنطقة على المدى الطويل.

أما في حالة مصر، فينبغي للولايات المتحدة أن تكون منفتحة على العمل مع الإخوان المسلمين وذراعهم السياسية، حزب الحرية والعدالة، إلى الحد الذي تظل فيها أعمالهم ( الإخوان المسلمين) منسجمة مع عملية سياسية حرة ونزيهة، وألا تكون سياسة الإخوان في السلطة قمعية بشدة وأن تكون إدارتهم للسلطة ملتزمة باتفاقية كامب ديفيد. إن جهود الشراكة الأخيرة مع الإخوان المسلمين في واشنطن والقاهرة هي خطوات بالاتجاه الصحيح. وفي حين أن رفع قضايا كالمصالح والقيم الأميركية يعتبر أمراً مبرراً، وكونها واضحة بالتحديد حول خطوط حمر تتخطى ما ستغيره السياسة الأميركية، فإنه ينبغي للجهود المبذولة مع الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة أن تستمر لتطوير تفاهم وثقة أكبر إضافة إلى معالجة قضايا محددة. أما الصعوبات التي تضرب هذا التوازن فواضحة وجلية أساساً. ويرسل الإخوان المسلمون رسائل مختلطة، كما في بند برنامج حزب الحرية والعدالة حول " الحاجة لمواجهة الكيان الصهيوني العدواني والتوسعي" من جهة والتطمينات الصادرة عن قادة الإخوان المسلمين / حزب الحرية والعدالة بأنه سيتم احترام كل المعاهدات الموجودة. وتعارض بعض الجهات السياسية الفاعلة هكذا تواصل وفي بعض الأحيان ترفض الفكرة نفسها حول استراتيجية متمايزة. إن جعل هذه العلاقة تعمل وتنجح سوف يستلزم ديبلوماسية ماهرة وإرادة سياسية من الجانبين الأميركي والمصر للحفاظ على رؤية حول العلاقة الشاملة وتجنب ردود الفعل المبالغ بها إزاء كل حادث من الحوادث وإزاء دوامة الأخبار.



أولوية الإصلاح السياسي

ينبغي للولايات المتحدة أن تضع الإصلاح السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط كأولوية عالية ليس فقط لأن هكذا إصلاح ينسجم مع القيم الأميركية وإنما لأن الإصلاح سيعزز المصالح الاستراتيجية الأميركية أيضاً. واليوم، الولايات المتحدة مهتمة بالاستقرار في الشرق الأوسط كما لم تكن من قبل. في كل الأحوال، إن السبيل لاستقرار " طويل الأمد" هو الانكباب على معالجة الشكاوى السياسية والاقتصادية في المنطقة. لا يمكن للولايات المتحدة أن تتحمل بعد الآن، كأولوية، وضع المكاسب القصيرة الأمد المتراكمة بسبب الاعتماد على أنظمة تتعاون حول القضايا الأمنية إنما مترددة بالإصلاح. وكما رأينا خلال الربيع العربي، يمكن لأنظمة أتوقراطية غير محاسبة واقتصادات دولتية أن تكون غير مستقرة في الأساس. وإن أشهر مثالين على ذلك، تونس ومصر، يسلطان الضوء على نتائج رفض القادة القيام بالإصلاح.

سيكون على الولايات المتحدة تحمل بعض المخاطر في الأمد القصير في علاقاتها مع أنظمة إقليمية لتحقيق هذا الهدف. وقد أوضحت أنظمة إقليمية بأنها مترددة بتبني إصلاحات سياسية أساسية – ولديها وسيلتها التي تمارسها في مكافحة النفوذ ( الحقوق الأميركية الأساسية هي المثال الأبرز). في كل الأحوال، وبينما تضع الولايات المتحدة مسألة الإصلاح كأولوية لها على نحو متزايد، فإنها قد تعزز نفوذها وتأثيرها في أوساط الشعوب العربية عن طريق محاربة المفهوم والنظرة لها بأنها تضع العلاقات الأمنية التقليدية كأولوية إلى درجة أنها لن تتصرف أو تتكلم ضد القمع المحلي الحاصل. وبالقدر الذي لا تقوم به هذه الأنظمة بالإصلاح، بقدر ما يكون دوي التعرض الأميركي لتأثيرات سلبية من الدرجة الثانية من سياسات معادية للنظام مخفضاً. إضافة لذلك، سيكون هناك مصداقية أكبر للمزاعم الأميركية، إقليمياً وعالمياً، بأنها قوة لأجل الديمقراطية.

رغم أن الولايات المتحدة قد لا تحب دوماً نتائج الانتخابات الديمقراطية، فإن عليها دعم العمليات السياسية التي لها شرعية داخلية حقيقية في نظر شعوبها. ينبغي للولايات المتحدة أن تحكم على الانتخابات بناء على ما إذا كانت عادلة ونزيهة – وليس الحكم على من يفوز. قد تمثل مصر الاختبار الوشيك جداً لهذا الأمر. ومهما كانت النتيجة، ينبغي للولايات المتحدة أن تصر على عودة المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى ثكناته وأن تتم مأسسة الحكم المدني.

ينبغي أن تكون العلاقات الأمنية الثنائية مشروطة بالإصلاح السياسي. إذ ينبغي لبرامج إصلاح القطاع الأمني الاستمرار بغرس دروس الاحترام للسلطة المدنية وحقوق الإنسان في الجيوش الشريكة التي تتلقى التدريبات من قبل الولايات المتحدة. فبرامج التعليم والتدريب العسكري الدولية لاقت نجاحاً في المساعدة على التحديث والمناقبية المهنية العسكرية. ولدى العديد من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية، البنتاغون، جماعة الاستخبارات والبيت الأبيض علاقات قوية مع نظرائهم العرب والتي بالإمكان استخدامها للضغط لأجل الإصلاح.

قد تدعي بعض الأنظمة الإقليمية – تحديداً تلك التي لديها عدد ضخم من الشيعة – بأن اليد الحاقدة الإيرانية هي التي تقف وراء حالات الاضطرابات المحلية لتحاشي الضغط للإصلاح.

ينبغي للولايات المتحدة أن تكون سريعة للغاية في التحقق من مزاعم النشاط التخريبي الإيراني، تحديداً من أولئك الذين تم تطويعهم من قبل أنظمة إقليمية تخنق جماعات المعارضة السياسية الشيعية. وعن طريق لعب " الورقة الإيرانية"، قد تكون هذه الأنظمة تحاول تشجيع واشنطن على صرف النظر عما يمكن أن يكون أصوات معارضة مشروعة. ينبغي استخلاص الدروس من مصادر متعددة ومستقلة – رسمية وغير رسمية، أميركية ومن مصادر موثوقة غير أميركية- في تقييم مدى التدخل الإيراني.



دعم الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي

تشكل الضغوط الاجتماعية والاقتصادية تحديات هائلة في المنطقة. هناك عدد من المشاكل السياسية المناقشة سابقاً سوف تتلاشى وتضمحل أهميتها إذا ما انهار الاقتصاد المصري – احتمال متميز يحمل عواقب هامة وبارزة. وليس هناك من سياسة اقتصادية محتملة النجاح في مصر إلا إذا كان هناك استقرار سياسي كاف بالنسبة للمستثمرين كي يخاطروا برؤوس أموالهم وللسائحين كي يبدؤوا زياراتهم للبلد مجدداً. وقد أوضح صندوق النقد الدولي هذا الأمر بربطه، صراحة، حزمة المساعدات المالية المقدرة بـ 3.2 مليار دولار باعتبارات الاستقرار السياسي.

أما في الجانب المشرق للموضوع، وبعد عام 2011 القاتم، فهو أن تونس تمثل دليلاً على التقدم الاقتصادي النابع من وضع الاستقرار السياسي المتحسن – مع تزايد نسبة السياحة والإنتاج الصناعي برغم المشاكل الاقتصادية المستمرة.

إذا ما كان بإمكان مصر التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لدعم الجنيه المصري في الحالات الطارئة، فإنه ينبغي على الولايات المتحدة تقديم عرض لتخفيف أعباء الديون بالتنسيق مع المدينين الرئيسيين الآخرين. هذا الأمر يمكن القيام به كما يقترح جون ويليامسون ومحسن خان من " معهد باترسون للاقتصادات الدولية" – إما من خلال " نادي باريس" أو بشكل غير رسمي أكثر من خلال " أصدقاء مصر". فمن أصل 21 مليار دولار من التعهدات حتى الآن، هناك 2 مليار دولار فقط من الولايات المتحدة. فالتعهدات الكبرى هي 4 مليار دولار من السعودية، 4.5 مليار دولار من البنك الدولي و 10 مليار دولار من قطر. وفي حين أن لكل من هذه البلدان قضاياها الثنائية مع مصر، فإن لكل منها أيضاً، كالولايات المتحدة، مصلحة في وجود مصر أكثر استقراراً.

عموماً، الولايات المتحدة بحاجة لدعم الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي عبر المنطقة بطرق تكون مماثلة " للمحور الذي يتطلع اليه الشعب " الذي تم مناقشته في وقت سابق. إن برنامج USAID على سبيل المثال، ينبغي أن يضع في سلم أولوياته الزراعة، الصحة والتعليم، كمجالات يمكن أن تصل فوائدها للناس بشكل مباشر أكثر من غيرها من البرامج. ينبغي للاستثمارات، بما في ذلك الاستثمارات من خلال "شركاء وزارة الخارجية لبداية جديدة"، " شراكة شمال أفريقيا للفرصة الاقتصادية وتعاون الاستثمارات الخاصة عبر البحار"، أن تستهدف تخفيض البطالة البنيوية. إن ملايين الشباب العرب الداخلين إلى سوق العمل من دون وظائف وصفة لعدم الاستقرار السياسي.

برغم تفضيلها الخاص للنيوليبرالية، ينبغي للولايات المتحدة أن تكون جاهزة لدعم استراتيجيات اقتصادية وطنية لا هي بالسوق الحرة بالكامل ولا هي بالدولتية بالكامل أيضاً. ففي توصيف ناثان براون للمبادئ التوجيهية للاستراتيجية الاقتصادية لـ MB ينبغي للولايات المتحدة أن تعثر على الكثير لتعمل عليه: " أولاً، إنها تسعى لحماية حقوق الملكية واقتصاد السوق؛ ثانياً، انها تشعر بأن الدولة لديها التزام قوي لجهة رعاية مواطنيها الأضعف حالاً." هذا برنامج ينبغي للولايات المتحدة أن تكون قادرة على دعمه من حيث المبدأ.



التوجه الاستراتيجي للعراق

إن التوجه الاستراتيجي للعراق – بما في ذلك ما إذا كان سيصطف مع إيران، دول الخليج الفارسي، الولايات المتحدة، أم أنه لن ينحاز إلى أي من هذه الدول – هو ما سيشكل مستقبل الشرق الأوسط. ينبغي على واشنطن الاستمرار بالضغط على بغداد لتبني الإصلاحات السياسية، الاقتصادية، والأمنية لأنها من مصلحة استقرار العراق ما بعد الحرب. فحتى بعد الجيش القتالي الأميركي من العراق، فإن لدى الولايات المتحدة فرصة للمساعدة في توجيه هذا التحول والانتقال. في نفس الوقت، ينبغي للولايات المتحدة أن تدرك بأن القادة العراقيين سوف يسعون لتوازن في علاقات بلدهم مع الولايات المتحدة، إيران ولاعبين إقليميين آخرين. وبالاحتفاظ بهذه الرؤية، ينبغي للولايات المتحدة استخدام علاقاتها الهامة مع كل الأفرقاء في العراق للتصرف كداعِ لعقد اجتماعات، مسهل للأمور، وراع نزيه، ما يوصل، وبوضوح، إلى أن الشراكة الأميركية الطويلة الأمد مع العراق مستدامة فقط في حال أظهر القادة العراقيون التزاماً بتسوية سياسية وصنع تقدم باتجاه إصلاح مؤسساتي سياسي، اقتصادي وأمني. وإذا كان العراق قادراً على تجاوز إغراء الانزلاق مرة أخرى في الحكم الأتوقراطي والحكم المذهبي الشديد المحتمل، فإن بإمكانه البروز كقائد ومؤيد للإصلاح في المنطقة.



الاعتماد المخفض على الخليج الفارسي

على المدى الطويل، قد يصبح الخليج الفارسي أقل أهمية بالنسبة للولايات المتحدة. إذ سرعان ما ستكون حاجة الولايات المتحدة للهايدروكربون من المنطقة أقل بكثير من حاجة القوى الطالعة كالهند والصين، وبإمكان الولايات المتحدة تخفيض اعتمادها أكثر بزيادة قدرتها على إنتاج طاقة غير بترولية. في كل الأحوال، وحتى في حال الاستقرار الإقليمي، فإن الطلب العالمي المرتفع على الطاقة يمكن أن ينتهي في زيادات في أسعار النفط، الأمر الذي سيؤثر على الاقتصاد الأميركي.

إن استقلال الطاقة أمر غير ممكن في عالم مترابط. إلا أن التقليل من نقطة ضعف الطاقة بزيادة القدرة المحلية من خلال خليط من إنتاج الهايدروكاربون وموارد الطاقة المتجددة وتخفيض الطلب المحلي من خلال الحفظ والصيانة والكفاءة أمر ممكن. هذه أخبار جيدة بما يتعلق بالمصالح الأمنية القومية الأميركية لأن من الأفضل التأكيد على قدرة الولايات المتحدة على المواصلة في حال حدوث صراع أو أزمة عالمية أخرى.

وللاستثمار في إمكانية الاعتماد، في الأمد الطويل، بشكل أقل على الخليج الفارسي، ينبغي للولايات المتحدة التسريع بعملية الانتقال من كونها " المزود" الأمني للمنطقة إلى كونها " المعزز" الأمني، وذلك بالعمل بواسطة، مع ومن خلال، جيوش إقليمية لمساعدتها على توفير الأمن لدولها. هذا الأمر قد يمثل فرصتين للولايات المتحدة في المنطقة في المدى الطويل. أولاً، ينبغي على الولايات المتحدة تكييف وضع قوتها وعلاقاتها في الخليج، مقللة بذلك من الاعتماد الأميركي على أنظمة الخليج للحصول على نقطة ارتكاز لإمكانية الوصول للنفط. ذلك يقود إلى الفرصة الثانية: فبينما تعمل الولايات المتحدة على تكييف وجودها في الخليج، سيكون لا يزال لديها مقدار ما من النفوذ ويجب عليها الضغط، وبشكل متزايد، على الشركاء الخليجيين لتبني إصلاحات سياسية واقتصادية. فالولايات المتحدة وشركائها الخليجيين سيستمرون بتقاسم المصالح المشتركة في ضمان وصول البترول إلى الأسواق العالمية، مكافحة الجماعات الإرهابية وكبح طموحات إيران الخبيثة. هذه المصالح المشتركة وحدها ستضمن وجود تعاون دفاعي واستخباراتي وثيق في المدى الطويل.



تكييف وضع القوة والعلاقات الأمنية في الخليج

ينبغي للولايات المتحدة أن تكيف وجود قوتها في الخليج الفارسي. إن عديد القوات الأميركية في الخليج في انحدار أساساً مع انتهاء العمليات القتالية في العراق ومع الانسحاب الوشيك من أفغانستان، كما كان كبار المسؤولين الأميركيين قد أشاروا أساساً إلى نيتهم بتجنب ارتباطات مطولة في المنطقة. في هذا السياق، إن أي انسحاب متهور للقوات الأميركية من الشرق الأوسط، ما عدا خطط الانسحاب المتوقعة من أفغانستان، ستنبه، على الأرجح، القادة الإقليميين للوضع وتزعجهم. رغم ذلك، وبعد العام 2014، وعندما تكون الولايات المتحدة وحلفائها قد انسحبوا من أفغانستان، ينبغي على الولايات المتحدة تخفيض قواتها في الشرق الأوسط تدريجياً، في الوقت الذي تحافظ فيه على قدرة تدفق قابلة للزيادة لأي حالة طارئة تتعلق بإيران. وبتكييف وجود قوة قابلة للزيادة في المنطقة، بإمكان الولايات المتحدة إعادة موضعة حد أدنى من الأصول والموجودات المطلوبة في المنطقة لمعالجة التهديدات في المدى القريب، في الوقت الذي تحافظ فيه على قدرة تدفق خارج المنطقة للرد في حال حدوث أزمة.

إن الحفاظ على وجود قوة قابلة للزيادة يمكن أن يساعد على إزاحة مخاطر تخفيض الوضع العسكري الأميركي في مقابل إيران، في الوقت الذي يقلل فيه أيضاً من الاعتماد على أنظمة الخليج للوصول إلى النفط وتوفير فرص أكبر للولايات المتحدة للضغط على الشركاء الخليجيين لأجل الإصلاح. وفي حين تبقي الولايات المتحدة على خليط من سلاح الجو والبحر و قوات العمليات الخاصة ( SOF ) في المنطقة، فإن بالإمكان إزالة وحدات القوات الأخرى. على سبيل المثال،إن وجود القوات البرية الأميركية في الكويت لا يقدم ولا يؤخر في ردع عدوان إيراني وهو إرث من حقبة تهديد عراق صدام حسين للمنطقة.

ينبغي لسلاح البحرية الأميركية الاستمرار بلعب الدور القيادي في حماية المياه الإقليمية التي تسمح بنقل النفط من الشرق الأوسط. إن تعطيل إمكانية الوصول هذه يمكن أن يهدد الأسواق المالية العالمية كما يهدد التعافي الاقتصادي الهش أكثر مما يهدد الطلب الأميركي على النفط، بما أن اعتماد الولايات المتحدة على النفط والغاز من الشرق الأوسط هو أقل مما كان عليه الأمر في السابق. ومن المرجح أن تعتمد الولايات المتحدة على الوصول إلى مصادر الطاقة الخارجية بعد 10 سنوات من الآن بشكل أقل مما هي عليه اليوم. ورغم أن السياق قد تغير، فإنه يجب على الولايات المتحدة، مع ذلك، حماية المياه الإقليمية الدولية لمنع تعطيل إمدادات النفط والغاز في المنطقة. وبمرور الوقت، ينبغي للولايات المتحدة تعديل وجود قوتها لنشر عدد محدود من الممتلكات والأصول الضرورية لتأمين الممرات البحرية.

وفي حين أن هذه التعديلات تعتبر ذات أهمية تضاف إلى أهمية الحفاظ على بعض الانتشارات العسكرية في المنطقة، كقاعدة الأسطول الخامس في البحرين، فإن هناك حاجة لوضع الإصلاح السياسي على سلم الأولويات حتى هناك ( أنظر النص حول البحرين على الصفحة 32). وفي حين أن أنظمة الدول المصدرة للنفط ( أوبك) تستمد مكاسب وأرباح على المدى القصير من تعطيل الإمدادات النفطية الأمر الذي يسفر عن أسعار أعلى، فإن تكرار التهديدات الصادرة عن إيران أو الكيانات الإرهابية التي تسعى إلى عرقلة طرق النفط ليست في مصلحتها ( أنظمة دول أوبك). فضلاً عن ذلك، فإن الانتشارات العسكرية الأميركية موجهة للتهديدات الشاملة من إيران. هذه المصالح إضافة إلى مصالح أميركية- خليجية أخرى توفر أساساً كافياً للحفاظ على قاعدة عسكرية ضرورية. وبالتالي فإن الولايات المتحدة ليست بحاجة لتلطيف دعواتها للإصلاح السياسي.

ستستمر الولايات المتحدة وشركائها الخليجيين، في المستقبل، بتقاسم المصالح المشتركة في ضمان وصول النفط والغاز إلى الأسواق العالمية، مكافحة الجماعات الإرهابية وكبح طموحات إيران الخبيثة. هذه المصالح المشتركة ستضمن وجود تعاون دفاعي واستخباراتي على المدى الطويل. رغم ذلك، وكما ذكرنا، ينبغي للولايات المتحدة تسريع الانتقال من كونها " مزود" أمني للمنطقة إلى " معزز" أمني للمنطقة. على سبيل المثال، ينبغي للولايات المتحدة زيادة عملياتها جنباً إلى جنب مع شركائها في مجلس التعاون الخليجي ( GCC) وبمرور الوقت تضع أعضاء مجلس التعاون الخليجي في موقع القيادة لهذه العمليات، إضافة إلى بناء تنافس في مجال مكافحة الانتشار النووي، مكافحة القرصنة، ومكافحة الإرهاب من خلال التدريب والخبرة.



الضغط على أنظمة الخليج لتبني الإصلاحات

حيث أن الولايات المتحدة تسعى لوضع الإصلاح في المنطقة في سلم أولوياتها، فإنها ستواجه معركة شاقة في الخليج. ففي نظر عدد من دول الخليج، يشكل الإصلاح السياسي والاقتصادي الأساس تهديداً وجودياً للأنظمة المهيمنة السائدة. وستلاقي الولايات المتحدة متاعب في طرحها للقضية، أي أن مقاومة الإصلاح هو أكبر تهديد لاستقرار النظام، وبأن النفوذ الأميركي محدود في الخليج. وبما أن الولايات المتحدة مستمرة بالاعتماد على دول الخليج لأجل الحصول على قاعدة استراتيجية، فسيكون لدى دول الخليج طريقتهم الخاصة بمكافحة النفوذ.

لتنفيذ سياسة منسجمة وموثوقة لجهة أولوية الإصلاح في المنطقة، ينبغي للولايات المتحدة فرض ضغط أكبر على دول الخليج وينبغي اشتراط مبيعات الأسلحة بشرط القيام بإجراءات الإصلاح السياسي. وفي حين أن الانتقادات الأميركية للقمع الذي تمارسه دول الخليج وإجراءات البطش يمكن أن ترفع حالة التوتر، فقد تعتبر الأنظمة وكذلك حركات المقاربة الأميركية باقتصار الضغط، مبدئياً، على القنوات الخاصة، بمثابة إشارة عن الالتزام الأميركي المحدود بأولوية الإصلاح. وبالتالي فإن الولايات المتحدة ستضعف نفوذها وتقوض مصداقيتها. وفقاً لذلك، فإن التأكيد على الخطوط الحمر وتعزيزها إزاء استخدام التجهيزات الأميركية للقمع السياسي الداخلي سيكون أمراً هاماً، تحديداً لإثبات الالتزام الأميركي بالإصلاح بشكل موثوق. ينبغي أن تكون مبيعات السلاح مشروطة أكثر بالإصلاح السياسي من خلال تنازلات جزئية وآليات أخرى تسمح بمراقبة مستمرة.

هذه القضايا هي الأكثر إلحاحاً في العلاقات مع البحرين ( أنظر النص عن البحرين). أما بخصوص السعودية، فقد كانت ديبلوماسية المال النقدي للرياض، ودعم مبادرات مكافحة الإرهاب والضغط الهادئ إنما الفعال للشركاء العرب أموراً حيوية للدفع بالمصالح الأميركية قدماً في المنطقة لسنوات. مع ذلك، فإن من الصعب بالنسبة للولايات المتحدة أن تتجاهل بأن السعودية اشترت، وبشكل فاعل ومؤثر، الذمم لإحباط محاولة الشعب السعودي ركوب موجة " يوم الغضب" في آذار 2011 عن طريق تقديم حوافز اقتصادية هامة كي لا ينخرط هؤلاء في تظاهرة شعبية. إن القمع السعودي للأقلية الشيعية لديها في المحافظة الشرقية الغنية بالنفط غير مبني بالتأكيد على هواجس النوايا الخبيثة الإيرانية وحدها. وينبغي للولايات المتحدة، عبر الضغط الديبلوماسي المستدام، أن تحمل المسؤولية لأقرب حلفائها حتى عن أعمالهم والتشجيع على إجراءات إصلاحية ذات معنى تتجاوب مع حاجات وتطلعات وطموحات الشعوب العربية.

نحن ندرك التوتر الملازم لكل من مبيعات الأسلحة المشروطة بالإصلاح وبناء قدرة الجيوش الخليجية لتولي زمام القيادة أكثر في مجال الأمن الإقليمي. فإذا كان الإصلاح بطيئاً أو غير موجود، فإن هذا يقيد قدرة أميركا لجهة إعطاء شركائها الخليجيين القدرات والتدريب الذي يحتاجونه لتولي زمام المبادرات الأمنية الإقليمية. وإذا ما تم الضغط عليهم بشكل قاس وكاف بشأن المشروطية، فقد يهدد الشركاء بشراء السلاح من مزودين آخرين – كالروس والصينيين. ستكون الولايات المتحدة بحاجة لأن تكون مستعدة لتقبل هذه المخاطرة – وتقبل خسارة محتملة لنفوذها لدى دول الخليج. لكن حتى لو تحولت بلدان مجلس التعاون الخليجي ( GCC) للتعامل مع شركاء أمنيين آخرين، فإن المصالح الأمنية المشتركة ستضمن، على الأرجح، أن تكون السياسات الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي ووضع قواتها منسجمة إلى حد كبير مع الأهداف الأميركية ومكملة لها.



دراسة حالة: البحرين



تتضارب المصالح الأميركية في البحرين. فمع تمركز الأسطول الخامس التابع لسلاح البحرية الأميركية في المنامة، تعتبر العلاقة الأمنية الأميركية مع البحرين واحدة من أهم العلاقات في الشرق الأوسط. وتتضمن مسؤوليات الأسطول الخامس الأمور التالية: ضمان الأمن للبنى التحتية الأساسية و نقاط النقل لمرور حوالي 33 بالمئة من التجارة النفطية العالمية المنقولة بحراً؛ الشراكة في محاربة الإرهاب؛ عمليات مناهضة القرصنة واعتراض السفن؛ التدريبات والتمرينات؛ دعم العمليات في أفغانستان ( والعراق سابقاً)؛ تقديم المساعدات الإنسانية؛ مساعدة المارينز الذين هم في خطر؛ والعمل كرادع ضد عدوان إيراني محتمل.

خلال الاضطرابات البحرينية في أوائل العام 2011، يمكن القول بأن العلاقات السياسية- العسكرية الأميركية مع المسؤولين البحرانيين كانت عنصراً هاماً في نزع فتيل الأزمة. في كل الأحوال، لقد دأب المسؤولون في إدارة أوباما على القول بأن العنف كان يمكن أن يتصاعد أكثر لو لم يتم توظيف وتسخير العلاقات السياسية- العسكرية. مع ذلك، فقد ارتكبت المنامة انتهاكات في مجال حقوق الإنسان ضد شعبها، وقد انتقد عدد من الخبراء الأمنيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان الإدارة الأميركية لعدم قيامها بشيء يذكر حيال ذلك. كما لم تمنع العلاقات الأميركية القوية مع الرياض السعودية من قيادة قوة تدخل عبرت جسر البحرين بإسم منع إيران من اكتساب النفوذ هناك.

لقد أوضحت مبيعات الأسلحة الأميركية للبحرين المقدرة بـ 53 مليون دولار، والتي عُلقت في تشرين أول 2011، المأزق المحير الذي يجد صناع السياسة الأميركية أنفسهم فيه. ففي عرضها للحزمة، شددت إدارة أوباما على القول بأن السلاح الذي زودت البحرين به هو بقصد الدفاع الخارجي فقط – وليس للاستخدام ضد البحرانيين أنفسهم. وفي حين أن الأمر صحيح فيما يتعلق بقسم كبير من الحزمة، فإن بعض منظومات الأسلحة لها استعمالات داخلية أيضاً. وفي الوقت الذي قام فيه نظام البحرين ببعض التنازلات والإصلاحات، فإنها كانت بحسب معظم الروايات تنازلات وإصلاحات ضئيلة جداً لا ترضي الدعوات المحلية والإقليمية للإصلاح. مع ذلك استمرت إدارة أوباما بالمضي قدماً بتقديم حصص من مبيعات الأسلحة التي تركز على الدفاع الخارجي للبحرين )مكافحة الإرهاب، مكافحة الانتشار النووي والتجهيزات ذات الصلة بالأمن الالكتروني)، مستثنية الغاز المسيل للدموع وبعض المواد ذات الصلة بالأمن الداخلي بغالبيتها، وقسمت الحزمة إلى عناصر كل عنصر منها بقيمة أقل من عتبة المليون دولار التي يتطلبها الإشعار العام والبيان الرسمي الصادر عن مجلس الشيوخ. هذا الأمر لم يضع حداً لا للمعارضة في مجلس الشيوخ ولا للانتقاد الهادئ من قبل مجتمع السياسة الخارجية الواسع – الدولي والوطني.

تظل النظرة السائدة في إدارة أوباما نظرة مؤكدة على الطمأنة والحفاظ على العلاقة مع بعض الديبلوماسية الهادئة والضغط المعتدل والموزون. وقد ورد بأن الجنرال جايمس ماتيس، قائد القيادة الوسطى الأميركية، حمل رسالة في هذا الاتجاه إلى المنامة في شباط 2012. مع ذلك فإن الدليل المتزايد يشير إلى أنه كلما استمر الوضع من دون إصلاح هام، كلما أصبح الوضع أكثر تطرفاً. فقد كانت المعارضة تطلب في ربيع 2011 ما هو أقل بكثير مما تطلبه اليوم، على سبيل المثال. وفي الغالب، لم يكن هناك سوى روابط إيرانية محدودة بالقضية وكان لدى شيعة البحرين هوية بحرينية – عربية وأجندة بحرينية إلى حد كبير، لكن في الوقت الذي تفقد فيه قوى معتدلة مصداقيتها، تكتسب قوى أكثر تطرفاً فرصاً أكبر.

ومع نسبة 75 بالمئة من سكانه الشيعة، الأكثرية الشيعية الأكبر في أي بلد عربي، لن يستطيع البحرين استعادة الاستقرار، ببساطة، من دون القيام بإجراءات سياسية، اقتصادية واجتماعية تكاملية أساسية. ينبغي للولايات المتحدة حث نظام البحرين وإقناعه بوجوب إنهاء حملة العنف، إطلاق سراح قادة المعارضة، فتح حوار سياسي جدي مع المعارضة، رفع القيود عن الإعلام والانترنت وتنفيذ توصيات " لجنة التحقيق المستقلة" ( تقرير بسيوني). هذا الأمر يتطلب ضغطاً أميركياً متزايداً ضمن القنوات العسكرية والديبلوماسية الخاصة إلى الحد الذي تسفر فيه هذه الضغوط عن نتائج، إلا أنه ينبغي أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لأن تكون صريحة وعلنية أكثر إذا لم تسفر الضغوط عن شيء. يجب على الولايات المتحدة أن تعزز وتؤكد على الممنوعات بخصوص استخدام التجهيزات والمعدات الأميركية في القمع الداخلي إضافة إلى التأكيد على الانجازات المرتبطة بإصلاح القطاعين السياسي والأمني لأجل عقد أي صفقات إضافية في مجال مبيعات الأسلحة. ينبغي للولايات المتحدة التحقق من النشاطات التخريبية لإيران المرتبطة بجماعات المعارضة الشيعية؛ وينبغي أن تكون حذرة من لعب البحرين " بالورقة الإيرانية" لتشتيت الدعوات المشروعة للإصلاح من قبل المعارضة الشيعية في البحرين.

إن الضغط لأجل الإصلاح لن يكون مسألة سهلة بما أن القوة الأميركية محدودة. فالنظام البحريني لديه قوته الخاصة، على الأخص تأثيره على قاعدة الأسطول الخامس. وفي قيادتها لقوة التدخل المنبثقة عن " دول مجلس التعاون الخليجي" في البحرين وفي انتقادها العلني تماماً لواشنطن، تكون السعودية قد أوضحت موقفها بوضوح وجلاء. لكن فيما عدا قيام الولايات المتحدة بالضغط بشكل أكبر بكثير لجهة ما ترى بأنه يخدم مصالحها على أفضل نحو وذلك بوضع الإصلاح السياسي في سلم أولوياتها، فإنها تكون تعمل على تقويض قوتها التي تملكها بالفعل. بإمكان واشنطن إرسال هذه الرسالة في نفس الوقت الذي تعمل فيه لأجل تعاون البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي ضد إيران. إن الانكباب على معالجة التهديد الإيراني هو مصلحة مشتركة، وليس تنازلاً لواشنطن.

بإدراكها لهذه الالتباسات والشكوك، ينبغي للولايات المتحدة تسريع وتكثيف الخطط الطارئة بخصوص المكان الذي سيتمركز فيه الأسطول الخامس التابع لسلاح البحرية الأميركية في حال أصبح وجود القوة الأميركية في البحرين قوة لا يمكن الدفاع عنها بسبب انتشار الاضطرابات في البحرين. ينبغي على الولايات المتحدة ألا تنتظر حتى يتدهور الوضع الأمني لتطوير هذه الخطط. في كل الأحوال، إن ثمن وتعقيدات حركة من هذا النوع يجب ألا يساء تقديرها. إن تكوين ومواصفات الأسطول الخامس المعتادة تتضمن مجموعة حاملة طائرات ضاربة، مجموعة استعداد برمائية أو مجموعة ضاربة للتدخل السريع وسفن وطائرات أخرى، مع ما يقدر بـ 25000 شخص يخدمون على متن السفن و3000 من موظفي الدعم يعملون على البر. إن الاستعداد والتحضير لنقل الأسطول الخامس لا يقصد به تحذيراً للشركاء الخليجيين. إنها، وببساطة، مسألة حكمة وتعقل وسط الالتباس والغموض.



توترات أساسية في العلاقة الأميركية مع إسرائيل

إن التوترات الأساسية في العلاقة الأميركية مع إسرائيل تعقد السياسة الأميركية مع إيران، وتجاه الربيع العربي وجهود السلام العربية- الإسرائيلية. هناك عناصر عديدة في العلاقة الأميركية – الإسرائيلية تظل قوية ومفيدة بشكل متبادل، وقد كان هناك توترات سياسية وخلافات سياسية في مراحل مختلفة في العلاقة. وفقاً لذلك، ينبغي للولايات المتحدة البدء بالعمل من خلال التوترات في علاقتها مع إسرائيل وإعادة إحياء عملية السلام العربية- الإسرائيلية لضمان أمن إسرائيل وحماية المصالح الأميركية الواسعة في المستقبل.



العمل من خلال التوترات الأميركية- الإسرائيلية

كي تكون العلاقة الأميركية- الإسرائيلية صلبة ومتينة ومستدامة كما يريدها الفريقين، فإن كلا البلدين بحاجة لفهم نظرتهم المختلفة للتهديدات، إن لم يكن إصلاحها، ومعرفة الأولويات.

بإمكان الولايات المتحدة البدء بالاستمرار بإعادة التأكيد على التزامها الجوهري بأمن وبقاء دولة إسرائيل. وبذلك الخصوص، قام أوباما وكبار المسؤولين في الإدارة الأميركية بخطوات ملموسة عن طريق مساعدة إسرائيل بالحفاظ على تفوقها العسكري النوعي، وينبغي للإدارة الأميركية المقبلة الاستمرار بالقيام بالشيء نفسه. فقد استمرت المساعدات الأمنية بالازدياد وهي تشتمل على 3 مليار دولار للتدريب والتجهيز من خلال " برنامج التمويل العسكري الخارجي"، الذي يشكل حوالي 33 بالمئة من برنامج منتشر لدى 70 بلداً. كما ساهمت الولايات المتحدة أيضاً في برنامج "القبة الحديدية"، وهي منظومة دفاعية مضادة للصواريخ تحمي المراكز السكانية الإسرائيلية من هجمات صاروخية قصيرة المدى. وتتلقى إسرائيل تكنولوجيا متطورة ومعقدة لا تتقاسمها الولايات المتحدة سوى مع أقرب حلفائها وأصدقائها. كما ويتم القيام بتعاون استخباري وتدريبات مشتركة على نحو منتظم.

ينبغي للولايات المتحدة أن تعزز المصالح المشتركة أكثر ليس فقط في مجال السياسة الخارجية والأمنية وإنما في مجال العلوم، التكنولوجيا، المشاريع، التعليم، الثقافة وغيرها من المجالات الأخرى من خلال مبادرات حكومية وخاصة. وتتضمن هذه المبادرات " مؤسسة العلوم والتكنولوجيا الأميركية- الإسرائيلية"، اتفاقيات تعاونية حول الطاقة المتجددة إضافة إلى " مبادرة المشاريع الأميركية – الإسرائيلية" التابعة لغرفة التجارة.

إن تعزيز الثقة الكاملة بين الأميركيين والإسرائيليين سيخلق سياقاً أفضل لحل الخلافات السياسية.

وفي حين تتفق الولايات المتحدة وإسرائيل حول بعض التهديدات والاستراتيجيات، فإنهما تختلفان حول تهديدات واستراتيجيات أخرى. وفي حين أن أيا منهما لا تحمل رؤية واحدة بخصوص التهديد الذي تشكله إيران، على سبيل المثال، فقد كان هناك خلافات بين إدارتيْ أوباما ونتانياهو. فإسرائيل – دولة ذات سيادة تخيم ذكرى المحرقة اليهودية التاريخية على صناع القرار فيها- ستتخذ قرارتها الخاصة بخصوص ما إذا كانت ستقوم بهجوم عسكري استباقي أو وقائي في محاولة لتدمير البرنامج النووي الإيراني، أو إرجاعه إلى الوراء على الأقل. ومن وجهة نظرنا، في هذا الوقت، سيكون الهجوم الإسرائيلي على إيران مضراً بالمصالح الأميركية والإسرائيلية على السواء. وكما ناقشنا سابقاً، فإن استراتيجية المسار المزدوج المتعلقة بالديبلوماسية والعقوبات غير المسبوقة المفروضة ضد إيران لا يزال أمامها الوقت والإمكانية للنجاح. أما في المستقبل، فينبغي للولايات المتحدة أن تتذكر تجنب إرسال إشارات مختلطة يمكن أن تقود إلى سوء حسابات وسوء فهم.

في هذه الأثناء، وبينما تنخرط الولايات المتحدة بالعمل مع الشعوب العربية، وتواصل مقاربة متمايزة تجاه الإسلام السياسي وتضع ال‘إصلاح أولوية في علاقاتها مع الشركاء العرب، فإن من المرجح أن تتزايد هواجس إسرائيل بشأن بروز أنظمة إقليمية يمكن أن تكون عدائية تجاه إسرائيل. وستكون الولايات المتحدة بحاجة لطمأنة حليفتها وبأنها لا تزال ملتزمة بأمن إسرائيل والحفاظ على الأسس الأساسية للاستقرار الإقليمي – على الأخص معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية- حتى عندما تشجع النمو وتشرك وسطاء السلطة الجدد في المنطقة. بالواقع، إن الطريقة الأكثر إلحاحاً التي يمكن للولايات المتحدة وإسرائيل إشراك، وبشكل مشترك، وسطاء السلطة الطالعين والموجودين في المنطقة هي بإعادة إحياء جهود السلام العربية- الإسرائيلية.



إحياء جهود السلام العربية- الإسرائيلية

وكما يصح القول تماما بأن الاستقرار في الدول العربية موجود في الإصلاح السياسي، يصح القول أيضاً بأن أمن إسرائيل لا يمكن أن يكون موجوداً من دون إنشاء دولة فلسطينية. وفي حين أن من غير المرجح أن تكون عملية السلام ذات أولوية عالية خلال سنة الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن التاريخ يبرهن عن أن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني يجد طريقه للعودة إلى المقدمة. ففي الأشهر القليلة الأخيرة فقط، كان هناك تفجر في الأوضاع مع غزة وعلى طول مرتفعات الجولان وفي سيناء والضفة الغربية. كما كان هناك مناورات مستمرة في الحياة السياسية الفلسطينية بين حماس وفتح، وكان هناك حتى فرصاً للتسوية. وكما أن من الصعب اليوم تحريك عملية سلام جدية، فسيكون من الأصعب غداً تحريكها إذا ما أصبح هناك عدد أكبر من المستوطنات، نظراً لإمكانية هذه المستوطنات بجعل السياسات الفلسطينية والعربية متطرفة.

ورغم أن عدداً من المحللين يعلنون بأن عملية السلام ميتة وتم دفنها، فإن حل الدولتين مع تعايش إسرائيل وفلسطين بأمن وسلام كان، ولا يزال، مسألة حاسمة بالنسبة للمصالح الأميركية فالقضية هي كيفية إحياء عملية السلام، وليس إن كان ينبغي إحيائها. فالأمر لا يمكن أن يكون مجرد نفس المفاوضات التي لا نهاية لها. هناك ثلاث عناصر مطلوبة لإعادة إحياء عملية السلام، إضافة إلى حماية معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.

أولاً، ينبغي للإدارة الأميركية المقبلة اتخاذ موقف شامل بما يتعلق باتفاق الوضع النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين بناء على الحدود ما قبل 1967 مع تبادل محدود ومتفق عليه للأراضي، وحق عودة محدود جداً للاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح بشكل هام والقدس عاصمة لكلا الدولتين. هذا الأمر سوف يذهب أبعد مما ذهب إليه أوباما في خطابه في أيار 2011، الذي تعامل، بشكل رئيس، مع عنصر الأرض مقابل السلام. ودعماً لاتفاق الوضع النهائي بناءً على هذه الأسس، ينبغي للولايات المتحدة الالتزام بمساعدات أمنية إضافية لإزالة الهواجس الأمنية الإسرائيلية وتقديم مساعدات أمنية واقتصادية، إلى جانب آخرين في المجتمع الدولي، لدولة فلسطين الجديدة لتعزيز الاقتصاد الفلسطيني أكثر ودعم مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية. إضافة لذلك، ستستمر السياسات الإسرائيلية بتأثيرها على موقف إسرائيل بما يتعلق باتفاق الوضع النهائي.

ومع ضم حزب كاديما إلى حكومة الوحدة الوطنية الإسرائيلية، قد يكون نتانياهو قادراً على تبني موقف أكثر وسطية بخصوص الفلسطينيين والمستوطنات الإسرائيلية.

ثانياً، ينبغي للولايات المتحدة دعم عملية إقليمية متعددة الأطراف، بما في ذلك دولاً عربية، بناءً على مبادرة السلام العربية التي أطلقتها السعودية أو بناءً على محادثات مدريد في التسعينات التي ركزت على قضايا إقليمية كالسيطرة على التسلح، التنمية الاقتصادية الإقليمية والمياه. لا يمكن للمحادثات المتعددة الأطراف أن تحل محل المحادثات الثنائية الإسرائيلية- الفلسطينية، فهي توفر منتدى لمعالجة القضايا التي تؤثر على المنطقة بشكل واسع وبطرق شاملة. بإمكان المحادثات المتعددة الأطراف معالجة التوترات والانكباب على الفرص والخيارات التي لا تتبع الخطوط العربية- الإسرائيلية الخاطئة. فقد تضمنت عملية مدريد، على سبيل المثال، إجراءات كعمليات البحث والإنقاذ والحوادث في البحر إضافة إلى بعض القضايا المتعلقة بالمياه والتعاون البيئي والاقتصادي الإقليمي.

ثالثاً، وهو الأهم، يجب على القادة الفلسطينيين والإسرائيليين أنفسهم الالتزام بحل الدولتين بطرق تتخطى كلمة " لو" والتركيز على " كيفية" ذلك. فالإسرائيليون يشعرون بالمرارة، وهذا مفهوم، بسبب الانتفاضة الثانية إضافة إلى العنف الذي تبع الانسحاب من لبنان وغزة. ليس هناك ضمانة بأن يجلب اتفاق سلام الأمن، فإسرائيل لن يكون لديها أمن إلا إذا كان لديها سلام مع معظم جيرانها المباشرين. أما بالنسبة للفلسطينيين، وفي حين أنه كان هناك تقدم اقتصادي، سياسي وأمني بارز في السنوات الأخيرة، فإنه إن لم يتم اعتبار ذلك باتجاه دولة، وليس بديلاً عنها، فإن خيبة الأمل ستبدأ. وقد أتت عمليات اختراق كبرى من أعمال شجاعة قام بها قادة عرب وإسرائيليون؛ وتشتمل هذه الأعمال على الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس المصري أنور السادات في العام 1977 إلى إسرائيل واتفاق أوسلو عام 1993. وقد ساعدت الولايات المتحدة على خلق الحوافز لهكذا أعمال ومن ثم عززتها، عمقتها ودعمتها. ويمكنها القيام بذلك مجدداً. لكن لا يمكنها أن تفعل للإسرائيليين والفلسطينيين والعرب الآخرين ما لن يفعلوه لأنفسهم.



الاستنتاج

في مواجهة التغييرات الكاسحة في الشرق الأوسط، فإن أسهل شيء يمكن للولايات المتحدة القيام به، بيروقراطياً وفكرياً،هو تدبر أمرها كيفما اتفق، القيام بما كانت تقوم به لعقود، مع تعديلات قليلة على الاستراتيجية. هذا التقرير يحاول أن يبرهن سبب كون أقل مقاومة عبارة عن طريق محفوف بالمخاطر وكيف يمكن خدمة المصالح الأميركية، المباشرة وعلى المدى الطويل، على أفضل وجه ممكن عن طريق مقاربة أسميناها " التكيف الاستراتيجي".

وفي زمن الثورات العظيمة، عندما يمكن أن يطغى على صناع القرار تعقيدات المنطقة، نقدم الأولويات لأجل مواصلة المصالح الأميركية. ينبغي على الولايات المتحدة الرد على التهديدات الواضحة والحالية للمصالح الأميركية في نفس الوقت الذي تقوم فيه بتسخير إمكانات التوجهات على المدى الطويل وتشكيل المنطقة لضمان تلك المصالح نفسها بشكل أفضل. وإذا قامت بذلك بشكل فعال، فإن الولايات المتحدة قد تثبت بأنها أقل عرضة بكثير للتوجهات الموجودة في المنطقة وبأنها في موقع أفضل بكثير لجهة الانخراط بشكل بناء أكثر في المستقبل.

محمد حسان
08-08-2012, 11:16 PM
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .