وادي عمر
08-14-2012, 04:51 AM
الإعجاز العلمي في صدع الأرض
مقالات تاريخ الخبر : 13/08/2012 05:25 اّخر تحديث : 13/08/2012 05:25
أحمد محمد القنور
يقول الحق سبحانه وتعالى: (وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ).
هذه الآية القرآنية العجيبة، تشير إلى صفةٍ شاملةٍ جامعةٍ مانعة، من صفات هذه الأرض التي نعيش عليها، وهي أنها ذاتُ صدعٍ، فما معنى الصدع؟ ولماذا وصف الله سبحانه وتعالى الأرض بأنها ذات صدع؟
(الصدع) لغة: هو الشق في الأجسام الصلبة، وعلمياً: هو كسر في الأرض بحيث تتحرك الأرض على جانبي مستواه حركة أفقية، أو رأسية، أو مائلة.
من المعاني الصحيحة التي فهمها الأقدمون من القسَم القرآني بالأرض ذات الصدع، معنى انصداعها عن النبات والأشجار والأزهار والثمار، أي انشقاقها عنه..
مثل هذا المعنى الصحيح لهذا القسَم القرآني بالأرض ذات الصدع نجده في معظم أمهات كتب التفسير الأخرى..
الشيء الذي يلفت النظر، أنه وقع بين يديّ كتاب تفسير الفخر الرازي -رحمه الله- وقد ذكر في كتابه العظيم هذا، تفسير مجاهد لقوله تعالى: (وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ).
أي الجبلان العظيمان، بينهما شق، وطريق نافذ..! وهذا التفسير هو الأقرب لمعنى هذه الآية الكريمة المعنى العلمي والعصري..
ثبت اليوم، من خلال تقدم تكنولوجيا العلوم، أن الأرض فعلاً ذات صدع، وهو غير الشق الذي يخرج منه النبات والأشجار، والأزهار والثمار، وكل ما تنبت الأرض.. والدليل على ذلك، أن معنى (الصدع) من الناحية العلمية كما قد بيّنا لكم قبل قليل، هو كسر في الأرض، بسبب تحرك الأرض على جانبي مستواه حركة أفقية، أو رأسية أو مائلة.
والدليل الثاني الذي يؤكد لنا صحة تفسير مجاهد لهذه الآية الكريمة، وأن هذا التفسير هو الأقرب لمعنى هذه الآية المعنى العلمي والعصري، أن الله سبحانه وتعالى عندما أراد أن يتحدث عن شقه الأرض لإخراجه النبات، قال في آيات أخرى بهذا المعنى:
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً، وَعِنَباً وَقَضْباً، وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً، وَحَدَائِقَ غُلْباً، وَفَاكِهَةً وَأَبّاً، مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ).
لو أننا فتحنا القرآن الكريم، وقرأنا آياته بتدبرٍ وتمعن، سيتبين لنا أن كلمة (الصدع) لا تستعمل تحديداً لشق الأرض، وإخراج النبات، أما كلمة (الشق) فإنها تستعمل لشق الأرض، لإخراج النبات، والحب، والعنب، والزيتون، والنخيل، والحدائق، والأزهار، والفاكهة بأنواعها.. إلخ. وأيضا كلمة (الشق) تستعمل لتصدع الأرض والسماوات، قال تعالى:
(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا)، وقال تعالى:
(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ)، وقال تعالى:
(وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ).
إذاً أيها الإخوة الكرام، نلاحظ من خلال هذه الآيات الكريمة، أن الفعل (تشقق)، أو (انشق)، يستعمل أيضاً لما هو أعظم من تشقق الأرض، فقد استعمل لانشقاق السماء، ولكن كلمة (صدع) أو (الصدع) لا تكون إلا في حالة واحدة فقط، وهي: تصدع الأرض، سواء أكان هذا التصدع في البر أو البحر، وانفتاقهما عن صدوع كبيرة، قد تصل إلى عشرات الكيلومترات، والحكمة من ذلك حفظ توازن الأرض، وفي هذا دليل على حكمته سبحانه وتعالى، وعلى عظيم قدرته، وإتقانه لخلقه، وعلى فيض إنعامه على عباده سكان هذه الأرض..
الآن..
السؤال هنا: أين الإعجاز العلمي في قوله تعالى: (وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ). ولمَ أقسم الله سبحانه وتعالى بالأرض، وبصفة خاصة من صفاتها وهي أنها ذاتُ صدع؟! وما هي الأهمية التي جعل الله (الصدع) مادة لهذا القسَم الإلهي العظيم؟!
قبل أن نجيب عن هذه الأسئلة التي أثارتها هذه الآية، لا بد من بيان حقيقة دقيقة، وهي أنك لو أردت أن تصف هذه الأرض التي نحيا عليها، بصفةٍ شاملةٍ جامعةٍ مانعة، لما تأتّى لك ذلك، وقد وصفها خالقها سبحانه وتعالى، بوصف معجزٍ موجزٍ بليغ جامع ومانع، فقال:
(وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ).
هذه الآية أيها الإخوة من الآيات الوصفية المبهرة والعظيمة، وهي قسَمٌ عظيم لحقيقة كونية عظيمة ومبهرة من حقائق هذا الكون الرهيب.
هذه الكرة الأرض التي نعيش ونستقر ونعمر ونبني عليها، ماذا كانت في الأزمنة القديمة والسحيقة؟! ماذا كانت قبل 4 مليارات عام؟
العلماء يقولون: إن كرة الأرض كانت في الأزمنة الأولى مؤلفة من قطعة واحدة، ومع مرور ملايين السنين، وبفعل الضغط الهائل في باطن الأرض، تصدعت قشرتها، وتشققت، والصخور كما تعلمون تتصدع، والأحجار تتصدع، بل إن أدق الجزيئات تتصدع.
أدى هذا التصدع الناتج عن الضغط الهائل الكامن في باطنها، إلى تكون وظهور القارات، والجبال، والمحيطات، والبحار، والأنهار المعروفة..
هذا كله حصل عبر أزمان تُقدر بالملايين، ولا تنسَ أن عمر الأرض حسب تقدير أكثر علماء الفلك 4.5 مليارات سنة، فالأرض مرت بمراحل تطور كثيرة قبل أن يخلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ويستخلفه فيها..!
سرّح نظرك بإمعان في نموذج الكرة الأرضية، وتأمله جيداً، سيتبين لك الآتي: تلاحظ أن أميركا الشمالية، وأميركا الجنوبية، يمكن أن تتطابقا مع الشكل المقابل لسواحل أوروبا وأفريقيا، تماماً كما تتداخل أجزاء الألغاز المصورة!
وفي هذا دليل على أن القارات كانت متصلة بعضها ببعض قبل ملايين السنين، ولكن بفعل الضغط الهائل في باطنها تصدعت، وتشققت، وكان نتيجة هذا التصدع ظهور القارات والمحيطات والأنهار والبحيرات المعروفة.
هذه الصدوع تمتد لمئات الآلاف من الكيلومترات طولاً وعرضاً، وبعمق يتراوح ما بين 65 كيلومترا و150 كيلومترا في كل الاتجاهات..!
أريدك أن تتأمل جيداً أيها القارئ الكريم في هذه الصورة التي وضعتها أمامكم، سيتبين لك فيها أن هذه الصدوع التي كونت القارات والمحيطات المعروفة، مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً يجعلها وكأنها صدع واحد، يشبهه العلماء باللحام على كرة التنس، وهذه حقيقة عظيمة لم تكتشف إلا في سنوات سابقة قليلة مع تقدم تكنولوجيا العلوم، وهي تعدد الصدوع وارتباطها واتصالها وكأنها صدع واحد!
والعجيب أن استعمال القرآن الكريم لم يعبّر بالصدع بصيغة الجمع، أي لم يقل (والأرض ذات الصدوع) بل قال: (والأرض ذات الصدع)، وهذا هو الإعجاز العلمي الذي يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه رسول من عند الله.
كيف عرف النبي عليه الصلاة والسلام هذه الحقيقة العلمية الصارخة التي لا يختلف على صحتها اثنان في الأرض؟! والتي لم تُكتشف إلا اليوم، وبعد تطور تكنولوجيا العلوم، والنبي عليه الصلاة والسلام كان أمياً يعيش في صحراء؟!
بالله عليكم هل هذا وصف إنسان عاش في صحراء أمياً لا يقرأ ولا يكتب، والكل شهد له بذالك؟! هل هذا الإنسان الذي علمه محدود، وقدراته محدودة، يستطيع أن يصف الأرض بهذه الكلمة الجامعة المانعة، التي لم تعرف معانيها إلا منذ سنوات قليلة، وهي التي نزلت منذ أكثر من أربعة عشر قرنا؟!
هناك شيء آخر: هذا الصدع كما يقول أستاذنا الدكتور زغلول راغب النجار الأستاذ في علوم الأرض في الجامعات العربية والأجنبية: لازم من لوازم جعل الأرض صالحة للعمران والحياة، فهو شق في الغلاف الصخري للأرض، ولكنه ليس شقاً عادياً، وإنما يتم، كما ذكرت لكم قبل قليل في تعريف الصدع علمياً، يتم عبر حركة إما رأسية، أو أفقية لجزء من الغلاف الصخري للأرض. وذلك لأن الأرض فيها كم كبير من العناصر المشعة التي تتحلل تلقائياً بمعدلات ثابتة، وهذا التحلل يؤدي إلى إنتاج كميات هائلة من الحرارة، ولو لم تجد هذه الحرارة متنفساً سهلاً لها من خلال الصدوع التي هي على وجه الغلاف الصخري للأرض، لانفجرت الكرة الأرضية مثل انفجار القنابل الهيدروجينية والذرية والنووية.
وللتقريب لو أنك وضعت الكستن على الفحم دون أن تثقبها، ما الذي يحصل؟ لا شك أنها ستنفجر كالقنبلة تماماً. فلا بد من ثقبها قبل ذلك ليخرج منها البخار وإلا انفجرت بسبب الضغط الهائل في داخلها، فهذه الأرض لو لم تجد متنفسا لها من خلال الصدوع، التي أكرمنا الله عز وجل بها، لانفجرت هذه الأرض، ولانتهت الحياة عليها.
لذلك يقسم الله تعالى، ليلفت أنظارنا، وقلوبنا، وعقولنا إلى هذه الحقيقة الكونية المبهرة والرائعة، التي لم يستطع العلماء أن يدركوا أبعادها، وكنهها، إلا بعد الحرب العالمية الثانية، واستمرت دراستهم لهذه الحقيقة لأكثر من عشرين سنة متواصلة (من 1945 إلى 1965)، حتى استطاعوا أن يرسموا هذه الصدوع بالكامل، والقرآن الكريم كان قد سبق إدراكهم لها منذ ألف وأربعمائة واثنين وثلاثين عاما قال تعالى:
(وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ).
سؤال أخير نجيب عنه، ثم نختم: ما هو الهدف من ذكر هذه الحقيقة الجيولوجية في القرآن الكريم؟
الجواب نجده كما يقول الأستاذ عبدالدائم الكحيل في هذه الآية:
(إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ)، أي أنكم أيها الملحدون المشككون بصدق هذا القرآن، وبصدق من أنزل عليه القرآن، أنتم أيها الملحدون عندما تكتشفون هذا الصدع، وتعتبرونه من أهم الظواهر الجيولوجية على سطح الأرض، وتعترفون بأنه لم يكن لأحد علم بهذا الصدع من قبل، وأنه من أسرار الكون الخفية، ثم يأتي كتاب الحقائق الكونية الكبرى، وهو القرآن الكريم، ليذكر لكم هذا الصدع بدقة وإيجاز عجيب في آية عظيمة واحدة هي قوله تعالى: (وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ)، عندما تدركون ذلك، فلابد أن تدركوا أن هذا القرآن، الذي يذكر هذه الحقائق ليس بكلام بشر، بل هو قول خالق البشر، قولٌ فصل، أنزله الذي يعلم أسرار السموات والأرض، (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ).
والحمد لله رب العالمين.
مقالات تاريخ الخبر : 13/08/2012 05:25 اّخر تحديث : 13/08/2012 05:25
أحمد محمد القنور
يقول الحق سبحانه وتعالى: (وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ).
هذه الآية القرآنية العجيبة، تشير إلى صفةٍ شاملةٍ جامعةٍ مانعة، من صفات هذه الأرض التي نعيش عليها، وهي أنها ذاتُ صدعٍ، فما معنى الصدع؟ ولماذا وصف الله سبحانه وتعالى الأرض بأنها ذات صدع؟
(الصدع) لغة: هو الشق في الأجسام الصلبة، وعلمياً: هو كسر في الأرض بحيث تتحرك الأرض على جانبي مستواه حركة أفقية، أو رأسية، أو مائلة.
من المعاني الصحيحة التي فهمها الأقدمون من القسَم القرآني بالأرض ذات الصدع، معنى انصداعها عن النبات والأشجار والأزهار والثمار، أي انشقاقها عنه..
مثل هذا المعنى الصحيح لهذا القسَم القرآني بالأرض ذات الصدع نجده في معظم أمهات كتب التفسير الأخرى..
الشيء الذي يلفت النظر، أنه وقع بين يديّ كتاب تفسير الفخر الرازي -رحمه الله- وقد ذكر في كتابه العظيم هذا، تفسير مجاهد لقوله تعالى: (وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ).
أي الجبلان العظيمان، بينهما شق، وطريق نافذ..! وهذا التفسير هو الأقرب لمعنى هذه الآية الكريمة المعنى العلمي والعصري..
ثبت اليوم، من خلال تقدم تكنولوجيا العلوم، أن الأرض فعلاً ذات صدع، وهو غير الشق الذي يخرج منه النبات والأشجار، والأزهار والثمار، وكل ما تنبت الأرض.. والدليل على ذلك، أن معنى (الصدع) من الناحية العلمية كما قد بيّنا لكم قبل قليل، هو كسر في الأرض، بسبب تحرك الأرض على جانبي مستواه حركة أفقية، أو رأسية أو مائلة.
والدليل الثاني الذي يؤكد لنا صحة تفسير مجاهد لهذه الآية الكريمة، وأن هذا التفسير هو الأقرب لمعنى هذه الآية المعنى العلمي والعصري، أن الله سبحانه وتعالى عندما أراد أن يتحدث عن شقه الأرض لإخراجه النبات، قال في آيات أخرى بهذا المعنى:
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً، وَعِنَباً وَقَضْباً، وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً، وَحَدَائِقَ غُلْباً، وَفَاكِهَةً وَأَبّاً، مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ).
لو أننا فتحنا القرآن الكريم، وقرأنا آياته بتدبرٍ وتمعن، سيتبين لنا أن كلمة (الصدع) لا تستعمل تحديداً لشق الأرض، وإخراج النبات، أما كلمة (الشق) فإنها تستعمل لشق الأرض، لإخراج النبات، والحب، والعنب، والزيتون، والنخيل، والحدائق، والأزهار، والفاكهة بأنواعها.. إلخ. وأيضا كلمة (الشق) تستعمل لتصدع الأرض والسماوات، قال تعالى:
(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا)، وقال تعالى:
(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ)، وقال تعالى:
(وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ).
إذاً أيها الإخوة الكرام، نلاحظ من خلال هذه الآيات الكريمة، أن الفعل (تشقق)، أو (انشق)، يستعمل أيضاً لما هو أعظم من تشقق الأرض، فقد استعمل لانشقاق السماء، ولكن كلمة (صدع) أو (الصدع) لا تكون إلا في حالة واحدة فقط، وهي: تصدع الأرض، سواء أكان هذا التصدع في البر أو البحر، وانفتاقهما عن صدوع كبيرة، قد تصل إلى عشرات الكيلومترات، والحكمة من ذلك حفظ توازن الأرض، وفي هذا دليل على حكمته سبحانه وتعالى، وعلى عظيم قدرته، وإتقانه لخلقه، وعلى فيض إنعامه على عباده سكان هذه الأرض..
الآن..
السؤال هنا: أين الإعجاز العلمي في قوله تعالى: (وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ). ولمَ أقسم الله سبحانه وتعالى بالأرض، وبصفة خاصة من صفاتها وهي أنها ذاتُ صدع؟! وما هي الأهمية التي جعل الله (الصدع) مادة لهذا القسَم الإلهي العظيم؟!
قبل أن نجيب عن هذه الأسئلة التي أثارتها هذه الآية، لا بد من بيان حقيقة دقيقة، وهي أنك لو أردت أن تصف هذه الأرض التي نحيا عليها، بصفةٍ شاملةٍ جامعةٍ مانعة، لما تأتّى لك ذلك، وقد وصفها خالقها سبحانه وتعالى، بوصف معجزٍ موجزٍ بليغ جامع ومانع، فقال:
(وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ).
هذه الآية أيها الإخوة من الآيات الوصفية المبهرة والعظيمة، وهي قسَمٌ عظيم لحقيقة كونية عظيمة ومبهرة من حقائق هذا الكون الرهيب.
هذه الكرة الأرض التي نعيش ونستقر ونعمر ونبني عليها، ماذا كانت في الأزمنة القديمة والسحيقة؟! ماذا كانت قبل 4 مليارات عام؟
العلماء يقولون: إن كرة الأرض كانت في الأزمنة الأولى مؤلفة من قطعة واحدة، ومع مرور ملايين السنين، وبفعل الضغط الهائل في باطن الأرض، تصدعت قشرتها، وتشققت، والصخور كما تعلمون تتصدع، والأحجار تتصدع، بل إن أدق الجزيئات تتصدع.
أدى هذا التصدع الناتج عن الضغط الهائل الكامن في باطنها، إلى تكون وظهور القارات، والجبال، والمحيطات، والبحار، والأنهار المعروفة..
هذا كله حصل عبر أزمان تُقدر بالملايين، ولا تنسَ أن عمر الأرض حسب تقدير أكثر علماء الفلك 4.5 مليارات سنة، فالأرض مرت بمراحل تطور كثيرة قبل أن يخلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ويستخلفه فيها..!
سرّح نظرك بإمعان في نموذج الكرة الأرضية، وتأمله جيداً، سيتبين لك الآتي: تلاحظ أن أميركا الشمالية، وأميركا الجنوبية، يمكن أن تتطابقا مع الشكل المقابل لسواحل أوروبا وأفريقيا، تماماً كما تتداخل أجزاء الألغاز المصورة!
وفي هذا دليل على أن القارات كانت متصلة بعضها ببعض قبل ملايين السنين، ولكن بفعل الضغط الهائل في باطنها تصدعت، وتشققت، وكان نتيجة هذا التصدع ظهور القارات والمحيطات والأنهار والبحيرات المعروفة.
هذه الصدوع تمتد لمئات الآلاف من الكيلومترات طولاً وعرضاً، وبعمق يتراوح ما بين 65 كيلومترا و150 كيلومترا في كل الاتجاهات..!
أريدك أن تتأمل جيداً أيها القارئ الكريم في هذه الصورة التي وضعتها أمامكم، سيتبين لك فيها أن هذه الصدوع التي كونت القارات والمحيطات المعروفة، مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً يجعلها وكأنها صدع واحد، يشبهه العلماء باللحام على كرة التنس، وهذه حقيقة عظيمة لم تكتشف إلا في سنوات سابقة قليلة مع تقدم تكنولوجيا العلوم، وهي تعدد الصدوع وارتباطها واتصالها وكأنها صدع واحد!
والعجيب أن استعمال القرآن الكريم لم يعبّر بالصدع بصيغة الجمع، أي لم يقل (والأرض ذات الصدوع) بل قال: (والأرض ذات الصدع)، وهذا هو الإعجاز العلمي الذي يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه رسول من عند الله.
كيف عرف النبي عليه الصلاة والسلام هذه الحقيقة العلمية الصارخة التي لا يختلف على صحتها اثنان في الأرض؟! والتي لم تُكتشف إلا اليوم، وبعد تطور تكنولوجيا العلوم، والنبي عليه الصلاة والسلام كان أمياً يعيش في صحراء؟!
بالله عليكم هل هذا وصف إنسان عاش في صحراء أمياً لا يقرأ ولا يكتب، والكل شهد له بذالك؟! هل هذا الإنسان الذي علمه محدود، وقدراته محدودة، يستطيع أن يصف الأرض بهذه الكلمة الجامعة المانعة، التي لم تعرف معانيها إلا منذ سنوات قليلة، وهي التي نزلت منذ أكثر من أربعة عشر قرنا؟!
هناك شيء آخر: هذا الصدع كما يقول أستاذنا الدكتور زغلول راغب النجار الأستاذ في علوم الأرض في الجامعات العربية والأجنبية: لازم من لوازم جعل الأرض صالحة للعمران والحياة، فهو شق في الغلاف الصخري للأرض، ولكنه ليس شقاً عادياً، وإنما يتم، كما ذكرت لكم قبل قليل في تعريف الصدع علمياً، يتم عبر حركة إما رأسية، أو أفقية لجزء من الغلاف الصخري للأرض. وذلك لأن الأرض فيها كم كبير من العناصر المشعة التي تتحلل تلقائياً بمعدلات ثابتة، وهذا التحلل يؤدي إلى إنتاج كميات هائلة من الحرارة، ولو لم تجد هذه الحرارة متنفساً سهلاً لها من خلال الصدوع التي هي على وجه الغلاف الصخري للأرض، لانفجرت الكرة الأرضية مثل انفجار القنابل الهيدروجينية والذرية والنووية.
وللتقريب لو أنك وضعت الكستن على الفحم دون أن تثقبها، ما الذي يحصل؟ لا شك أنها ستنفجر كالقنبلة تماماً. فلا بد من ثقبها قبل ذلك ليخرج منها البخار وإلا انفجرت بسبب الضغط الهائل في داخلها، فهذه الأرض لو لم تجد متنفسا لها من خلال الصدوع، التي أكرمنا الله عز وجل بها، لانفجرت هذه الأرض، ولانتهت الحياة عليها.
لذلك يقسم الله تعالى، ليلفت أنظارنا، وقلوبنا، وعقولنا إلى هذه الحقيقة الكونية المبهرة والرائعة، التي لم يستطع العلماء أن يدركوا أبعادها، وكنهها، إلا بعد الحرب العالمية الثانية، واستمرت دراستهم لهذه الحقيقة لأكثر من عشرين سنة متواصلة (من 1945 إلى 1965)، حتى استطاعوا أن يرسموا هذه الصدوع بالكامل، والقرآن الكريم كان قد سبق إدراكهم لها منذ ألف وأربعمائة واثنين وثلاثين عاما قال تعالى:
(وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ).
سؤال أخير نجيب عنه، ثم نختم: ما هو الهدف من ذكر هذه الحقيقة الجيولوجية في القرآن الكريم؟
الجواب نجده كما يقول الأستاذ عبدالدائم الكحيل في هذه الآية:
(إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ)، أي أنكم أيها الملحدون المشككون بصدق هذا القرآن، وبصدق من أنزل عليه القرآن، أنتم أيها الملحدون عندما تكتشفون هذا الصدع، وتعتبرونه من أهم الظواهر الجيولوجية على سطح الأرض، وتعترفون بأنه لم يكن لأحد علم بهذا الصدع من قبل، وأنه من أسرار الكون الخفية، ثم يأتي كتاب الحقائق الكونية الكبرى، وهو القرآن الكريم، ليذكر لكم هذا الصدع بدقة وإيجاز عجيب في آية عظيمة واحدة هي قوله تعالى: (وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ)، عندما تدركون ذلك، فلابد أن تدركوا أن هذا القرآن، الذي يذكر هذه الحقائق ليس بكلام بشر، بل هو قول خالق البشر، قولٌ فصل، أنزله الذي يعلم أسرار السموات والأرض، (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ).
والحمد لله رب العالمين.