حد من الوادي
11-27-2012, 08:54 PM
خارطة اليمن السياسية إذا فشل الحوار
محمد غانم الثلاثاء 2012/11/27 الساعة 08:41:59
عبر الدكتور/ياسين سعيد نعمان، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، في كلام موجز شامل عما كان يدور في خلجي من مخاوف تهدد اليمن في المستقبل القريب، وهي المخاوف التي تحدثت بها لبعض الأصدقاء وبينت لهم بأن الأشهر القليلة المقبلة قد تكون حبلى بالمفاجآت التي قد لا تكون سارة لليمنيين إذا قدر الله وفشل الحوار الوطني.
يقول الدكتور ياسين: "مخاطر الانفصال على اليمن كبيرة، ويمكنه أن يجر الجنوب إلى حروب جهوية، والشمال إلى حروب طائفية، ويجهز على مقومات الدولة"، وهنا اسمح لنفسي للإسهاب في توضيح هذا الكلام الموجز، وليعذرني الدكتور ياسين.
ينقسم المشهد اليمني القائم والذي أفرزته أحداث عام 2011 إلى جزأين، يمثل الجزء الأول "شعب" يلهث وراء لقمة العيش ونادراً ما يتحدث في السياسة وليس بين أفراده أي خصومات حقيقية ولا يهمه في كثير من الأحيان الدخول في المهاترات الدائرة بين النخب السياسية أو القوى التقليدية، اطمئن هذا الجزء الموزع في كل جغرافية اليمن وركن إلى حالة الاستقرار التي انبلجت خلال الأشهر القليلة الماضية، وظن عن جهل وغفلة بأن تلاشي أحداث 2011م وتوفر الخدمات الأساسية هي الحالة المستقبلية الدائمة التي ستكون عليها اليمن، ومن غير دراية – أو لنقل من غير قصد لعدم متابعته لما يقوم به الجزء الثاني من المشهد – يغفل تماماً ما وصلت إليه حالة الاحتقان والمخاطر التي تتهدد اليمن. يمثل الجزء الثاني "النخبة" ممثلة بالقوى السياسية والأطراف المتناحرة في البلد.
يتكون الجزء الثاني من المشهد من كثير من المكونات والتشظيات المتناحرة فيما بينها، ويحمل كل طرف منها مشروع وأجندة تختلف تماماً عن ما تحمله بقية الأطراف الأخرى. ففي شمال الشمال، هناك مجموعة ترى نفسها بأنها تناضل لاسترداد الحق الإلهي الذي سُلب منها ولو بقوة السلاح والدخول في حروب وانتهاك لحقوق الإنسان، ويقابلها من طرف آخر عناصر الإخوان المسلمون (التجمع اليمني للإصلاح) والسلفيين الذين ينكرون عليها ذلك الحق ويرون في مطالبها خروج عن ثوابت وأصول الدين، ولديهم استعداد للدخول في مواجهات معها وأن تطلبت تلك المواجهات حروب وصراعات طاحنة بين الطرفين، فكل طرف يرى بأن المذهب الذي يحمله هو الأصوب والأهدى سبيلا. كما يقف إلى جانب الأخوان والسلفيين تحالف قبائل اليمن الذي صرح رئيسه صادق الأحمر عن استعداد القبائل المنضوية تحت هذا التحالف لردع جماعة الحوثي وكسر شوكتها وردها الى صوابها، والسبب في هذا الاستعداد من جانب تحالف القبائل عدم رضاه عن الأفكار التي ينادي بها الحوثي وعن توسعه الجغرافي المتزايد كل يوم. لكل فعل رد فعل، فالحوثي لن يصمت ولن يقف مكتوف الأيدي تجاه ما قد يتعرض له المشروع الذي ينادي به. فلمن ستكون الغلبة؟ ليست لأحد.
في المحافظات الجنوبية، تعددت مكونات ومسميات الحراك الجنوبي، فهناك فصيل البيض وفصيل باعوم والشنفرة وفصيل النوبة وأنصار العطاس وأنصار علي ناصر محمد ومكون عبد القوي رشاد وغيرها من الجماعات التي تم تفريخها. ولا ننسى المكون الذي تشكل في حضرموت على يد أحد أحفاد السلطان الكثيري والمطالب بانفصال حضرموت. ولكل مكون من هذه المكونات مشروعه ونظرته الخاصة لحل القضية الجنوبية وإن تقاطعت أهداف بعض تلك المكونات عند نقطة ما. فجماعات البيض وباعوم والنوبة والعطاس تطالب بالتحرر والاستقلال أو الانفصال بمعنى آخر عاجلاً أم آجلاً.
يسعى كل طرف من هذه الأطراف جاهداً لإقصاء الأطراف الأخرى ويعتبر نفسه الممثل الوحيد والحصري للقضية الجنوبية، وكل زعيم لا يفكر إلا بذاته وبجماعته، ومستعد للدخول في مواجهات مع الأطراف الجنوبية الأخرى في سبيل تنفيذ مشروعه الخاص بصورة تطغى عليها الذاتية المفرطة.
فشل مشروع الحوار الوطني، وهو العلاج المسكن الذي أفرز الحالة الراهنة، سيؤدي إلى نزع الثقة بين الأطراف التي قبلت الدخول في الحوار، وإلى تخوين بعضها البعض، وإلى تفويت فرصة العبور بالجزء الأول من المشهد وهو الشعب وبالبلد إلى بر الأمان. فشل الحوار معناه الاقتتال بين جماعة الحوثي من جهة والإخوان والسلفيين من جهة أخرى. سيحاول كل طرف الحفاظ على المكتسبات التي يمتلكها على الأرض بل وستزيد أطماعه إلى فرض رؤيته وأفكاره ومذهبه إلى بقية المناطق، وكل ذلك لن يكون سلمياً بل بحد الرماح وسفك الدماء.
التحالف القبلي الذي أعلن صراحةً "الوحدة أو الموت" والاستعداد لقتال كل من ينادي بالانفصال سيقود عملية اجتياح مزعومة للمحافظات الجنوبية لتطهيرها من دعاة فك الارتباط والانفصال والتجزئة-بحسب ما يراه، وهو ما سيتم مواجهته من أبناء محافظة الضالع ولحج، أبناء يافع والصبيحة وغيرهم، وسيفضي ذلك حتماً إلى حرب عبر الحدود- إن صح التعبير.
جماعة البيض ستعلن نفسها الممثل الوحيد للمحافظات الجنوبية وستدخل في مواجهات مع جماعة باعوم ومن دار في فلكه، فباعوم كما يسميه أنصاره هو الزعيم وهو المناضل والمنافح عن القضية الجنوبية وهو الأولى أكثر من غيره بتمثيل الجنوب. سنعود حتماً إلى حالة الثأر السياسي التي كانت سائدة قبل عام 1990م. ستعمل كل جماعة على الثأر لنفسها من الجماعة الأخرى، وستنبري أطراف أخرى مناطقية وجهوية للدفع بنفسها كممثل لأبناء المحافظات الجنوبية والفوز بلحمة الثور المجهز عليه. ولن تسكت بقية الأطراف الأخرى خاصة تلك المنادية بحل القضية الجنوبية على أساس الوحدة والتي ترى بأن أيادي الزعامات التقليدية القديمة قد تلطخت بدماء أبناء المحافظات الجنوبية في الماضي وأنها ليست وصية على أبناء المحافظات الجنوبية، ومن تلك الجماعات الإخوان المسلمين (الإصلاح) والسلفيين ومن يساندهم في رؤيتهم أمثال أنصار الناخبي وعبد القوي رشاد وغيرهم، وستكون الأطراف المتمسكة بالوحدة من جهة أخرى هدفاً للتخوين وللقتل والتشريد.
أبناء محافظة حضرموت الذين يشعرون بالغبن من النظام السابق وشعورهم القديم الجديد بأن الحزب الاشتراكي اليمني عمل على ضم السلطانات التي كانت قائمة في محافظة حضرموت بالوقيعة والدسيسة لبقية المحافظات الجنوبية وقد كانت مستقلة بحد ذاتها، يرون أنفسهم أنهم هم الأحق بحكم محافظتهم واستعادة كيانهم، كيف لا وحضرموت غنية بالموارد وفي رأيهم أنهم هم الأحق بثروات منطقتهم دون غيرهم من الدخلاء! أبناء المحافظات الجنوبية الأخرى، لن يسمحوا لأبناء حضرموت بتطبيق هذه النظرة، فممثليهم – إذا صح التعبير- البيض وعلى ناصر وباعوم أعلنوا فشل اجتماع القاهرة الأول عندما نادى ممثل محافظة حضرموت – أحد أبناء السلطان الكثيري- بوضع قضية حق تقرير مصير حضرموت في الأجندة المزمع مناقشتها في ذلك الحين. وهذا يعني المواجهات بين أبناء حضرموت وبقية أبناء المحافظات الجنوبية الأخرى، وسنعود مرة أخرى للقتل والسحل والتخوين والتخويف وما إلى ذلك.
استجرار الماضي وإعادة بعث ما كان يسمى بالسلطانات لن يكون مقتصراً على حضرموت بل سينسحب الأمر ذاته على مناطق أخرى من المحافظات الجنوبية، مثل أبين وعميدها طارق الفضلي وأبناء يافع العليا ويافع السفلى والعبادلة في لحج، وسيفتح هذا الأمر شهية من يدعون تمثيل السلطنات الغابرة للتوسع إلى مناطق أخرى وهو ما يعني حرب بين المحافظات أو المناطق الجنوبية.
القوى الدولية لن تغمض عينها عما يدور في اليمن، فالكل سيبحث له عن موطئ قدم، ولكل دولة أطماعها ومصالحها، فبإمكانياتها المالية والعسكرية يمكن أن تشتري بعض الجماعات أو الفئات لتنفيذ مشاريعها، فإيران ترغب في تأمين نفسها من الدول الغربية ببسط سيطرتها على مضيق باب المندب بعد أن وضعت حركة السفن والبارجات الحربية في مرمى صواريخها في مضيق هرمز وهددت بإغلاقه أمام الملاحة الدولية متى ما أحست بالخطر، وبالتالي ستعمل على إمداد أي طرف يقدم لها العون بالمال والسلاح بغض النظر عن توجه تلك الأطراف ومقدار قربها من إيران حتى وإن كانت إيران غير مهتمة كثيراً بمصلحة من سيقدم لها يد العون والمساعدة، بقدر اهتمامها هي بمصالحها. ستجد بالتالي الولايات المتحدة والدول الغربية أنها تحت الإرادة الإيرانية، وستعمل على مجابهة النفوذ الإيراني في مضيق باب المندب بتقديم الدعم والمساندة لبعض الجماعات الأخرى في اليمن، هذا إن لم تتدخل بنفسها عسكرياً لتأمين مصالحها في هذه البقعة من العالم. وسنرى بريطانيا قد راودتها أحلامها مرة أخرى بالسيطرة على عدن والبحر العربي.
كما أن السعودية ترى في أن إذا ما أصبحت شوكة جماعة الحوثي قد قويت فإن ذلك يمثل تهديد حتمي لها من خصمها الإقليمي اللدود – إيران- وسبب رئيسي لزوال دولتها. ستجد السعودية نفسها أكثر من أي وقت مضى مضطرة لتقديم الدعم المالي السخي لبعض القبائل المتحالفة معها في الشمال لإيقاف النفوذ الإيراني عسكرياً وبأساليب أخرى.
كل هذا يعني أن تتحول اليمن إلى ساحة حرب مفتوحة داخلية وإقليمية ودولية، إذا ما فشل الحوار الوطني لو سمح الله. وليعذرني الدكتور ياسين نعمان مرة أخرى.
محمد غانم الثلاثاء 2012/11/27 الساعة 08:41:59
عبر الدكتور/ياسين سعيد نعمان، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، في كلام موجز شامل عما كان يدور في خلجي من مخاوف تهدد اليمن في المستقبل القريب، وهي المخاوف التي تحدثت بها لبعض الأصدقاء وبينت لهم بأن الأشهر القليلة المقبلة قد تكون حبلى بالمفاجآت التي قد لا تكون سارة لليمنيين إذا قدر الله وفشل الحوار الوطني.
يقول الدكتور ياسين: "مخاطر الانفصال على اليمن كبيرة، ويمكنه أن يجر الجنوب إلى حروب جهوية، والشمال إلى حروب طائفية، ويجهز على مقومات الدولة"، وهنا اسمح لنفسي للإسهاب في توضيح هذا الكلام الموجز، وليعذرني الدكتور ياسين.
ينقسم المشهد اليمني القائم والذي أفرزته أحداث عام 2011 إلى جزأين، يمثل الجزء الأول "شعب" يلهث وراء لقمة العيش ونادراً ما يتحدث في السياسة وليس بين أفراده أي خصومات حقيقية ولا يهمه في كثير من الأحيان الدخول في المهاترات الدائرة بين النخب السياسية أو القوى التقليدية، اطمئن هذا الجزء الموزع في كل جغرافية اليمن وركن إلى حالة الاستقرار التي انبلجت خلال الأشهر القليلة الماضية، وظن عن جهل وغفلة بأن تلاشي أحداث 2011م وتوفر الخدمات الأساسية هي الحالة المستقبلية الدائمة التي ستكون عليها اليمن، ومن غير دراية – أو لنقل من غير قصد لعدم متابعته لما يقوم به الجزء الثاني من المشهد – يغفل تماماً ما وصلت إليه حالة الاحتقان والمخاطر التي تتهدد اليمن. يمثل الجزء الثاني "النخبة" ممثلة بالقوى السياسية والأطراف المتناحرة في البلد.
يتكون الجزء الثاني من المشهد من كثير من المكونات والتشظيات المتناحرة فيما بينها، ويحمل كل طرف منها مشروع وأجندة تختلف تماماً عن ما تحمله بقية الأطراف الأخرى. ففي شمال الشمال، هناك مجموعة ترى نفسها بأنها تناضل لاسترداد الحق الإلهي الذي سُلب منها ولو بقوة السلاح والدخول في حروب وانتهاك لحقوق الإنسان، ويقابلها من طرف آخر عناصر الإخوان المسلمون (التجمع اليمني للإصلاح) والسلفيين الذين ينكرون عليها ذلك الحق ويرون في مطالبها خروج عن ثوابت وأصول الدين، ولديهم استعداد للدخول في مواجهات معها وأن تطلبت تلك المواجهات حروب وصراعات طاحنة بين الطرفين، فكل طرف يرى بأن المذهب الذي يحمله هو الأصوب والأهدى سبيلا. كما يقف إلى جانب الأخوان والسلفيين تحالف قبائل اليمن الذي صرح رئيسه صادق الأحمر عن استعداد القبائل المنضوية تحت هذا التحالف لردع جماعة الحوثي وكسر شوكتها وردها الى صوابها، والسبب في هذا الاستعداد من جانب تحالف القبائل عدم رضاه عن الأفكار التي ينادي بها الحوثي وعن توسعه الجغرافي المتزايد كل يوم. لكل فعل رد فعل، فالحوثي لن يصمت ولن يقف مكتوف الأيدي تجاه ما قد يتعرض له المشروع الذي ينادي به. فلمن ستكون الغلبة؟ ليست لأحد.
في المحافظات الجنوبية، تعددت مكونات ومسميات الحراك الجنوبي، فهناك فصيل البيض وفصيل باعوم والشنفرة وفصيل النوبة وأنصار العطاس وأنصار علي ناصر محمد ومكون عبد القوي رشاد وغيرها من الجماعات التي تم تفريخها. ولا ننسى المكون الذي تشكل في حضرموت على يد أحد أحفاد السلطان الكثيري والمطالب بانفصال حضرموت. ولكل مكون من هذه المكونات مشروعه ونظرته الخاصة لحل القضية الجنوبية وإن تقاطعت أهداف بعض تلك المكونات عند نقطة ما. فجماعات البيض وباعوم والنوبة والعطاس تطالب بالتحرر والاستقلال أو الانفصال بمعنى آخر عاجلاً أم آجلاً.
يسعى كل طرف من هذه الأطراف جاهداً لإقصاء الأطراف الأخرى ويعتبر نفسه الممثل الوحيد والحصري للقضية الجنوبية، وكل زعيم لا يفكر إلا بذاته وبجماعته، ومستعد للدخول في مواجهات مع الأطراف الجنوبية الأخرى في سبيل تنفيذ مشروعه الخاص بصورة تطغى عليها الذاتية المفرطة.
فشل مشروع الحوار الوطني، وهو العلاج المسكن الذي أفرز الحالة الراهنة، سيؤدي إلى نزع الثقة بين الأطراف التي قبلت الدخول في الحوار، وإلى تخوين بعضها البعض، وإلى تفويت فرصة العبور بالجزء الأول من المشهد وهو الشعب وبالبلد إلى بر الأمان. فشل الحوار معناه الاقتتال بين جماعة الحوثي من جهة والإخوان والسلفيين من جهة أخرى. سيحاول كل طرف الحفاظ على المكتسبات التي يمتلكها على الأرض بل وستزيد أطماعه إلى فرض رؤيته وأفكاره ومذهبه إلى بقية المناطق، وكل ذلك لن يكون سلمياً بل بحد الرماح وسفك الدماء.
التحالف القبلي الذي أعلن صراحةً "الوحدة أو الموت" والاستعداد لقتال كل من ينادي بالانفصال سيقود عملية اجتياح مزعومة للمحافظات الجنوبية لتطهيرها من دعاة فك الارتباط والانفصال والتجزئة-بحسب ما يراه، وهو ما سيتم مواجهته من أبناء محافظة الضالع ولحج، أبناء يافع والصبيحة وغيرهم، وسيفضي ذلك حتماً إلى حرب عبر الحدود- إن صح التعبير.
جماعة البيض ستعلن نفسها الممثل الوحيد للمحافظات الجنوبية وستدخل في مواجهات مع جماعة باعوم ومن دار في فلكه، فباعوم كما يسميه أنصاره هو الزعيم وهو المناضل والمنافح عن القضية الجنوبية وهو الأولى أكثر من غيره بتمثيل الجنوب. سنعود حتماً إلى حالة الثأر السياسي التي كانت سائدة قبل عام 1990م. ستعمل كل جماعة على الثأر لنفسها من الجماعة الأخرى، وستنبري أطراف أخرى مناطقية وجهوية للدفع بنفسها كممثل لأبناء المحافظات الجنوبية والفوز بلحمة الثور المجهز عليه. ولن تسكت بقية الأطراف الأخرى خاصة تلك المنادية بحل القضية الجنوبية على أساس الوحدة والتي ترى بأن أيادي الزعامات التقليدية القديمة قد تلطخت بدماء أبناء المحافظات الجنوبية في الماضي وأنها ليست وصية على أبناء المحافظات الجنوبية، ومن تلك الجماعات الإخوان المسلمين (الإصلاح) والسلفيين ومن يساندهم في رؤيتهم أمثال أنصار الناخبي وعبد القوي رشاد وغيرهم، وستكون الأطراف المتمسكة بالوحدة من جهة أخرى هدفاً للتخوين وللقتل والتشريد.
أبناء محافظة حضرموت الذين يشعرون بالغبن من النظام السابق وشعورهم القديم الجديد بأن الحزب الاشتراكي اليمني عمل على ضم السلطانات التي كانت قائمة في محافظة حضرموت بالوقيعة والدسيسة لبقية المحافظات الجنوبية وقد كانت مستقلة بحد ذاتها، يرون أنفسهم أنهم هم الأحق بحكم محافظتهم واستعادة كيانهم، كيف لا وحضرموت غنية بالموارد وفي رأيهم أنهم هم الأحق بثروات منطقتهم دون غيرهم من الدخلاء! أبناء المحافظات الجنوبية الأخرى، لن يسمحوا لأبناء حضرموت بتطبيق هذه النظرة، فممثليهم – إذا صح التعبير- البيض وعلى ناصر وباعوم أعلنوا فشل اجتماع القاهرة الأول عندما نادى ممثل محافظة حضرموت – أحد أبناء السلطان الكثيري- بوضع قضية حق تقرير مصير حضرموت في الأجندة المزمع مناقشتها في ذلك الحين. وهذا يعني المواجهات بين أبناء حضرموت وبقية أبناء المحافظات الجنوبية الأخرى، وسنعود مرة أخرى للقتل والسحل والتخوين والتخويف وما إلى ذلك.
استجرار الماضي وإعادة بعث ما كان يسمى بالسلطانات لن يكون مقتصراً على حضرموت بل سينسحب الأمر ذاته على مناطق أخرى من المحافظات الجنوبية، مثل أبين وعميدها طارق الفضلي وأبناء يافع العليا ويافع السفلى والعبادلة في لحج، وسيفتح هذا الأمر شهية من يدعون تمثيل السلطنات الغابرة للتوسع إلى مناطق أخرى وهو ما يعني حرب بين المحافظات أو المناطق الجنوبية.
القوى الدولية لن تغمض عينها عما يدور في اليمن، فالكل سيبحث له عن موطئ قدم، ولكل دولة أطماعها ومصالحها، فبإمكانياتها المالية والعسكرية يمكن أن تشتري بعض الجماعات أو الفئات لتنفيذ مشاريعها، فإيران ترغب في تأمين نفسها من الدول الغربية ببسط سيطرتها على مضيق باب المندب بعد أن وضعت حركة السفن والبارجات الحربية في مرمى صواريخها في مضيق هرمز وهددت بإغلاقه أمام الملاحة الدولية متى ما أحست بالخطر، وبالتالي ستعمل على إمداد أي طرف يقدم لها العون بالمال والسلاح بغض النظر عن توجه تلك الأطراف ومقدار قربها من إيران حتى وإن كانت إيران غير مهتمة كثيراً بمصلحة من سيقدم لها يد العون والمساعدة، بقدر اهتمامها هي بمصالحها. ستجد بالتالي الولايات المتحدة والدول الغربية أنها تحت الإرادة الإيرانية، وستعمل على مجابهة النفوذ الإيراني في مضيق باب المندب بتقديم الدعم والمساندة لبعض الجماعات الأخرى في اليمن، هذا إن لم تتدخل بنفسها عسكرياً لتأمين مصالحها في هذه البقعة من العالم. وسنرى بريطانيا قد راودتها أحلامها مرة أخرى بالسيطرة على عدن والبحر العربي.
كما أن السعودية ترى في أن إذا ما أصبحت شوكة جماعة الحوثي قد قويت فإن ذلك يمثل تهديد حتمي لها من خصمها الإقليمي اللدود – إيران- وسبب رئيسي لزوال دولتها. ستجد السعودية نفسها أكثر من أي وقت مضى مضطرة لتقديم الدعم المالي السخي لبعض القبائل المتحالفة معها في الشمال لإيقاف النفوذ الإيراني عسكرياً وبأساليب أخرى.
كل هذا يعني أن تتحول اليمن إلى ساحة حرب مفتوحة داخلية وإقليمية ودولية، إذا ما فشل الحوار الوطني لو سمح الله. وليعذرني الدكتور ياسين نعمان مرة أخرى.