المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إنجاز العام للمحافظين الجدد/ فهمي هويدي


mahdi
01-04-2006, 04:14 PM
المختصر/

السفير / لا نستطيع ولا ينبغي أن نمرر عام 2005 دون أن نسجل لزمرة المحافظين الغلاة القابضين على السلطة في واشنطن إنجازهم التاريخي الذي حققوه على مدار العام، حين أجهزوا على السمعة الأخلاقية والأدبية للولايات المتحدة، بحيث صارت ممارسات الدولة الكبرى نموذجاً للفضائح الكبرى.
سجل الفضائح ليس جديداً، لكنه منسي فقط. ذلك انني ما أن انتهيت من تجميع المعلومات التي توفرت عن الممارسات الاميركية في ما سمي بالحرب على الإرهاب، حتى وجدتني أستل تلقائياً كتاباً لا ينسى كنت قد قرأته قبل سنتين عن <<أميركا والابادات الجماعية>>، جمع فيه الباحث الفلسطيني المقيم في واشنطن منير العكش شهادات مروعة تفوق الخيال، عما فعله المهاجرون الإنكليز الأوائل الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة (كانوا يعتبرون أنفسهم حجاجاً وكتب التاريخ الاميركية تعتبرهم قديسين) حين قرروا أن يستوطنوا الأرض الجديدة، <<مستبدلين شعباً بشعب وثقافة بثقافة>>.
في تقديمه للشهادات المثيرة، ذكر المؤلف أن قصة أولئك الحجاج الإنكليز، الذين أسسوا أول مستعمرة (في بداية القرن السادس عشر)، في ما صار يعرف اليوم في الولايات المتحدة بإنكلترا الجديدة (نيوانغلاند) تعتبر الأصل الأسطوري لكل التاريخ الأميركي... وما زال كل بيت أميركي يحتفل سنوياً في <<عيد الشكر>> بتلك النهاية السعيدة التي ختمت قصة نجاتهم من ظلمة <<فرعون>> البريطاني، و<<خروجهم>> من أرضه، و<<تيههم>> في البر، و<<عهدهم>> الذي أبرموه مع <<يهوه>> على ظهر سفينتهم، ووصولهم في النهاية إلى <<أرض كنعان>>. حتى ان كل تصورات العبرانيين القدامى ومفاهيمهم عن السماء والأرض والحياة والتاريخ، زرعها هؤلاء المستعمرون الإنكليز في أميركا، التي أطلقوا عليها <<أرض الميعاد>> و<<صهيون>> و <<إسرائيل الله الجديدة>>، وغير ذلك من التسميات التي أطلقها العبرانيون القدامى على أرض فلسطين.
أضاف الباحث ان الاميركيين استمدوا كل أخلاق إبادة الهنود (وغير الهنود أيضاً) من ذلك التقمص التاريخي لاجتياح العبرانيين أرض كنعان. فقد كانوا يقتلون الهنود سكان البلاد الاصليون وهم على قناعة بأنهم عبرانيون فضلهم الله على العالمين، وأعطاهم تفويضاً بقتل الكنعانيين (باعتبارهم أصحاب رسالة)... وكانت تلك الإبادة الأكبر والأطول في التاريخ الإنساني الخطوة الأولى على الطريق إلى هيروشيما وفيتنام (وما بعدهما).
انتهى العكش من دراسته إلى أن تلك الخلفية تشكل الأساس لثوابت خمسة رافقت التاريخ الاميركي في كل محطاته، أولها بطبيعة الحال تتمثل في المعنى الإسرائيلي لأميركا، وثانيها عقيدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي والثقافي. ثالثها الدور الخلاصي للعالم. الثابت الرابع هو قدرية التوسع اللانهائي، والخامس هو: حق التضحية بالآخر.
يذهل المرء حين يطالع الشهادات والوقائع التي يحفل بها الكتاب، المستقاة من كم هائل من المصادر، وهي ترسم صورة للإبادة <<الرسالية>> التي قضت على 112 مليوناً من الهنود الحمر، توزعوا على أكثر من 400 شعب وأمة وقبيلة كانت تنتشر في الشمال الاميركي، بحيث لم يبق منهم في إحصاء أول القرن العشرين سوى ربع مليون إنسان فقط. وهو ما سوغ للمؤلف أن يخلص في نهاية المطاف إلى أن <<للولايات المتحدة فضل اختراع ألطف نظام تطهير عرقي على وجه الأرض>>.
وجدت أن ممارسات الحرب على الإرهاب الراهنة هي إلى حد كبير صورة عصرية من الحرب ضد الهنود الحمر، مع اختلاف في التفاصيل والمقاصد. فالثوابت الخمسة موجودة في الحرب الراهنة، من الحضور الإسرائيلي إلى حق التضحية بالآخر، مروراً بعقيدة الاختيار الإلهي والدور الخلاصي للعالم. (تحالف المحافظين مع إسرائيل لا يحتاج إلى دليل، وادعاء الحافز الغيبي والدور الرسالي في غزو الرئيس بوش للعراق وتطهير العالم من شرور الإرهاب وإشاعة الديموقراطية في منطقتنا فقط! ذلك كله بات معلوماً للكافة). وأكثر ما لفت انتباهي في المقارنة أمران، أولهما أن الاميركيين في المواجهتين (ضد الهنود الحمر وضد الإرهاب) احتموا بالادعاء الرسالي والتطهري، للقضاء على الآخر بمنتهى القسوة، ودون أي التزام بمبادئ أو قيم أو أعراف أو حتى قوانين. الأمر الثاني انهم إذا كانوا في حربهم ضد الهنود الحمر استهدفوا استبدال شعب مكان شعب وثقافة محل ثقافة، فإنهم في الحرب ضد الإرهاب اكتفوا بالشق الثاني من المعادلة. وما شعار <<حرب الأفكار>> الذي ردده المتحدثون باسم البيت الأبيض، سوى ترجمة عصرية لفكرة استبدال ثقافة الأمة الإسلامية بثقافة أخرى منزوعة العافية. (التدخل في مناهج التعليم ومراقبة وسائل الإعلام وما سمي بتجديد الخطاب الديني من الوسائل التي اتبعت في هذا الصدد) في الوقت ذاته فإنهم لم يترددوا في قمع الآخر على النحو الذي سنراه تواً، أما حكاية استبدال شعب بآخر، فقد تكفل به الإسرائيليون في فلسطين.
في هذا الصدد ينبغي أن يحسب للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة أو عليهم أنهم دفعونا بممارساتهم دفعاً إلى اكتشاف تلك الصفحات من التاريخ المجللة بالدم والحزن والمرارة، التي ظلت لأمد طويل مطموسة في الذاكرة العربية والإسلامية. في الغالب لأننا لم نكن طرفاً مباشراً فيها. إذ من الثابت تاريخياً أن العرب الذين خضعوا للاستعمار الإنكليزي والفرنسي والإيطالي، لم يعرفوا الاستعمار الاميركي إلا بعد احتلال العراق، وظلوا في أغلب الأوقات حسني الظن بالولايات المتحدة إلى حد كبير، وغير واعين بممارسات الولايات المتحدة سواء في أميركا اللاتينية أو في آسيا (فيتنام والفلبين واليابان) وقد وثق هذا الجانب الكتاب الذي أسهم فيه عدد من الباحثين المرموقين، وصدر في عام 2002 تحت عنوان <<صناعة الكراهية في العلاقات العربية الاميركية>>، وكانت رسالته واضحة في أن العرب كانوا متعاطفين مع الولايات المتحدة بالأساس، ولكن سياساتها المعادية لتطلعاتهم في المنطقة هي التي زرعت في الإدراك العربي بذور التوجس والنفور، الذي تراكم وتحول إلى كراهية في نهاية المطاف.
الذروة كانت في هذا العام الأخير، الذي تتابع فيه اكتشاف الفضائح الاميركية على نحو بدا مدهشاً. إذ ظللنا طول الوقت لا نكاد نفيق من صدمة فضيحة، حتى نفاجأ بفضيحة أخرى أسوأ منها وأتعس. وظل الكذب والغش والتدليس وإهدار آدمية البشر من القواسم المشتركة بين الفضائح جميعها، التي ما تصورنا يوماً ما أنها يمكن أن تصدر عن دول عصرية، فما بالك بالدولة الاعظم، التي تفرض قوامتها على الآخرين، وتعطي العالم دروساً في الاخلاق وحسن السير والسلوك؟
لست أعني فقط أكذوبة امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، التي تذرعت بها الولايات المتحدة لغزو العراق، ولا أكذوبة علاقة نظام بغداد بتنظيم القاعدة، ولا فضيحة سجن غوانتانامو الرهيب، ولكني أعني أيضاً فضائح أخرى من ذات العيار الثقيل، في مقدمتها ما يلي:
السماح بتعذيب المعتقلين في السجون المختلفة، مما أدى إلى وفاة بعضهم في العراق وأفغانستان الصور التي خرجت من سجن أبو غريب، وفضحت أمر المعاملة غير الإنسانية للمحتجزين تعاقد وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) مع مجموعات من المرتزقة لتولي المهام القذرة في العراق وأفغانستان (في العراق وحدها تعمل 50 منظمة للجنود المرتزقة يتقاضى الواحد منهم أكثر من ألف دولار يومياً، وفي لندن مقر لواحدة منها باسم شركة <<ايجيس للخدمات الدفاعية>>. وقعت عقداً للقيام ببعض المهام الدفاعية والهجومية في العراق، قيمته 293 مليون دولار سنوياً حتى سنة 2007 (إقامة سجون سرية في بعض دول شرق أوروبا (بولندا ورومانيا بوجه أخص) لاحتجاز المعتقلين المطلوب التنكيل بهم بعيداً عن سلطان القانون الاميركي إرسال مشتبه فيهم إلى بعض دول الشرق الأوسط لانتزاع المعلومات منهم بواسطة التعذيب الوحشي استخدام المطارات الأوروبية بغير علم دولها لنقل المشتبه فيهم إلى السجون السرية خطف بعض المواطنين من مختلف دول أوروبا بواسطة عملاء المخابرات المركزية وإيداعهم السجون، أو التحقيق معهم ثم إعادتهم مرة أخرى إلى حيث كانوا، وهو ما حدث في ألمانيا واليونان وإيطاليا، التي أصدر قضاؤها أمراً مؤخراً بإلقاء القبض على 22 من عملاء المخابرات الاميركية رتبوا خطف أحد الأشخاص من روما إحراق جثث بعض عناصر حركة طالبان في أفغانستان بعد قتلهم استخدام الفوسفور الأبيض في إبادة المدنيين العراقيين في الفلوجة وغيرها (التلفزيون الإيطالي بث شريطاً أثبت الواقعة بالصور وأقوال الشهود) الكشف عن وثيقة اقترح فيها الرئيس بوش قصف قناة الجزيرة لمجرد أنها تبث مواد لا ترضى عنها الإدارة الاميركية التنصت التجسس أن شئت الدقة على مواطنين اميركيين في داخل الولايات المتحدة بموافقة الرئيس بوش ودون إذن من القضاء، (مما أدى إلى استقالة أحد قضاة المحكمة المختصة احتجاجاً على مسلك البيت الأبيض)، ومراقبة 120 موقعاً يقصدها المسلمون داخل الولايات المتحدة، فيما اعتبر <<مكارثية>> جديدة تهدد الحريات المدنية قيام وزارة الدفاع بالاتفاق مع إحدى الشركات على كتابة مقالات تمتدح السياسة الاميركية، ونشرها في الصحف العراقية والعربية بتوقيع كتاب عرب التواطؤ مع <<الموساد>> الإسرائيلي (باعتراف صحيفة جيروزاليم بوست في 7/12/2005) لمحاكمة خمسة من المثقفين الفلسطينيين على رأسهم الأكاديمي المعروف الدكتور سامي العريان، وتوجيه 52 تهمة لهم، واحتجازهم لحوالى ثلاث سنوات في واحدة من أكبر القضايا في التاريخ الاميركي (تكلفت حتى الآن أكثر من 30 مليون دولار). ولم تستطع المحكمة في فلوريدا إدانة واحد منهم، ورغم براءتهم، فإن السلطات المعنية تصر على احتجازهم.. الخ.
هذه الصدمات توالى إعلانها وتسريب أخبارها على مدار أشهر العام المنصرم. ولا نعرف إن كان ذلك كل الحقيقة أو بعضها، لكن الذي نعرفه جيداً أن تلك حقائق ملأت الصحف الاميركية وأحدثت جدلاً واسعاً وخلافاً عميقاً في الكونغرس، ولم يعد هناك شك في أن وراءها جميعاً عصبة المحافظين الغلاة، وفي الصدارة منهم ديك تشيني نائب الرئيس ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع. ذلك انه ما من جريمة في تلك القائمة الطويلة نشرت أخبارها في الصحف الاميركية إلا وذكر فيها اسم واحد من الاثنين، محركاً ومدافعاً. وإذ وجدت اسماً ثالثاً فثق انه من المعاونين أو المساعدين لأي منهما.
إن نتائج استطلاعات الرأي العام التي أجريت في العالم الإسلامي وفي أوروبا عكست بدرجات عالية من الوضوح مدى الإنجاز الذي حققه أولئك الغلاة، في إذكائهم غير المسبوق لمشاعر كراهية السياسة الاميركية، وأهم من ذلك فقدان الدولة العظمى للثقة والاعتبار، على الصعيدين الأخلاقي والأدبي، ولا تسأل عن السياسي.
هل يكون هؤلاء ممن وصفهم القرآن بأنهم <<يخربون بيوتهم بأيديهم>>؟

شيخ القبايل.
01-04-2006, 05:03 PM
بوركت يا مهدي

الله اكبر ولله الحمد