المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنصار الله، والشريعة، والشرعية .. والاحتلال (للجنوب العربي)


حد من الوادي
06-15-2015, 08:17 PM
الاثنين 15 يونيو 2015 04:09 مساءً
أنصار الله، والشريعة، والشرعية .. والاحتلال

د.سعيد الجريري
صفحة الكاتب
لكي لا تستعيد بشمالها ما خسرته بيمينها في عدن: عن البروتوكولات اليمنية الخاصة بالموقف من الجنوب وسيادته
عبدالرحمن بلخير .. ومضة في ذاكرة المرايا
(في ذكرى الهبة الشعبية )الحلف والحراك كلاهما مدد لحضرموت
اصطفاف مع الاستقلال .. لا فيدرالية مع الاحتلال
لكي لا يقال: ألهاكم التكاثر!
--------------------------


(1)



"أنصار الله" تلك هي الصفة التي حاولت تكريسها في الوعي الجمعي جماعة الحوثي، كأن الله – جلت قدرته – عاجز، ولم يجد في الكون سواهم أنصاراً له من دون خلقه وعباده، وهم بتلك الصفة إنما يبتزون عاطفة في الذات المذهبية العميقة، تسوغ أي فعل أحمق ترتكبه الجماعة، فهي جماعة مسلحة لا غاية لها سوى الانتصار لله، كما تعلن صرختها العتيدة.



و"أنصار الشريعة" تلك هي الصفة التي حاولت تكريسها في الوعي الجمعي جماعة تنظيم القاعدة في اليمن، كأن الشريعة الإسلامية السمحاء، لائذة بغلظتهم وجلافتهم ودمويتهم، وهم بتلك الصفة إنما يبتزون عاطفة في الذات المذهبية العميقة، تسوغ أي فعل خارق للشريعة، فهي تنظيم مسلح لا غاية له سوى الانتصار لشريعة الله، كما هو عنوانه البارز.



أما "الشرعية اليمنية" فيستمد أنصارها مدداً من انتخابات رئاسية توافقية تمت بتكييف سياسي مرجعيته مبادرة إقليمية؛ لذلك فهم يحاولون تكريس تلك الصفة بابتزاز عاطفة في الذات الوطنية العميقة، تسوغ أي خطوة يقدمون عليها، من حيث أن لا غاية لهم سوى الانتصار "للشرعية" التي تتسع حتى للخارجين عليها والمتامرين عليها عسكرياً ومدنياً.



(2)



ثلاثية الانصار تلك، وإن بدت متضادة فكرياً وسياسياً إلا أن هناك صفة جوهرية تجمع بينها، هي الوقوف ضد إرادة شعب الجنوب العربي المحتل، ونضاله التحرري لنيل استقلاله وبناء مستقبله المدني. فالشرعية اليمنية حاملة مخرجات حوارها الوطني وملحقاته، وتعيد إنتاج حرب اليمن على الجنوب بمسمى "الشرعية" نفسه، لكأن "الشرعية" باتت تعني "اليمنية"، في المرادف اللغوي، ولا فرق جوهرياً بين أن يكون رئيس تلك الشرعية يمنياً (صالح 1994)، أو جنوبياً (هادي 2015)، ولذلك كان من السلاسة سياسياً أن يتماهى الأشقاء اليمنيون مع "شرعية هادي" لأنها لا تختلف جوهرياً عن "شرعية صالح"، فكلتاهما تشرعن نفوذهم في الجنوب العربي المحتل، ولعل من المفارقات السياسية أن تخوض شرعية 2015 معركة ضد تحالف الحوثي وصالح اليمني، وقودها المقاومون الجنوبيون، فيما "الشرعية" في نهاية المطاف ستؤدي - كما تعلن "الشرعية" نفسها، إلى تمكين اليمن السياسي الشقيق، من إعادة إنتاج نفوذه في الجنوب العربي المحتل، وبأدوات جنوبية تماماً مثلما حدث في معركة شرعية 1994م!.



(3)



ولأن "أنصار الله" الحوثيين ميليشيات جماعة مذهبية مسلحة دخيلة على النسيج الاجتماعي والمذهبي الجنوبي، لم تجد حاضنة شعبية بالرغم من الاشتغال المنهجي سياسياً على الاختراق وإعادة الاختراق، وإذ كشفت عن تحالفها مع رئيس شرعية 1994 اليمني، فقد ووجهت في الجنوب بمقاومة وطنية حقيقية، كانت مفاجئة للمراقبين السياسيين، وللحوثيين وحليفهم، كما كانت مفاجئة لرئيس شرعية 2015م الذي غادر عدن بغتة، لتواجه الغزاة الجدد عزلاء لكن بثبات المؤمن بقضيته، المدافع عن وطنه وكرامته، فخلخلت بذلك مشروع الشرعيتين: 1994 و2015، ذلك أن مقاومتها المسلحة ليست ملحقة بالمقاومة الشعبية من أجل شرعية يمنية كما يروج الإعلام، ولكنها مقاومة وطنية جنوبية تحررية، تمثل امتداداً للمقاومة السلمية التي تجذرت مفاعليها في أعماق الذات الوطنية الجنوبية.



أما "أنصار الشريعة" القاعديون الذين انفردوا بالمكلا عاصمة حضرموت، فقد اتخذوا لأنفسهم، أو اتخذ لهم من استخدم قوتهم القتالية اسماً بديلاً هو "أبناء حضرموت"، ولعل في اتخاذ ذلك المسمى ما قد يوحي بفرضيات لعل منها أنهم باتوا يخجلون من اسمهم المعلن "أنصار الشريعة"، أو أن هناك مراجعة تمت من قبل الحضارمة المنتمين لذلك التنظيم، فأرادوا أن يكونوا قوة لمنطقتهم في مواجهة متغيرات اللحظة ذات السمة المذهبية. لكن الوقائع على الأرض تنفي تلك الفرضيات، فأولئك هم "أنصار الشريعة" أو القاعدة، وعناصرهم ليست حضرمية فقط، كما بات معلوماً للجميع.



(4)



ثلاثية الانصار: الله، الشريعة، الشرعية، ليس لأي منها مشروع وطني خارج العباءة اليمنية، وهي تستهدف شعب الجنوب العربي مذهبياً وفكرياً وسياسياً، فالحوثيون هم النسخة الجديدة من مدونة الاستخلاف السياسي اليمني على الجنوب وشعبه وسيادته وثرواته، و"أنصار الشريعة" هم النسخة الجديدة من مدونة الاستخلاف العابر للقارات على الجنوب وشعبه وسيادته وثرواته، ولن ينال منهم سوى عسكرة حياته وإقامة حدودهم على المستضعفين، وتسفيه الرأي والفكر الحر، ومناوءة الحياة المدنية والحريات العامة. أما "الشرعية اليمنية" فهي شرعية اقرب الى الافتراضية وتسعى الى إعادة ترويج "وحدة شبعت موتا" بعنوان اتحادي ناعم لن يجني منه الجنوب المحتل سوى تمكين قوى النفوذ اليمنية باتجاهاتها المذهبية والسياسية المختلفة.



(5)



ثلاثية الانصار تلك، تقابلها مقاومة وطنية جنوبية مشتعلة من عدن غرباً إلى شبوة شرقاً، وهناك مقاومة كامنة توشك أن تنفجر في حضرموت والمهرة، إذ لا خيار سوى مقاومة تلك الثلاثية ميدانياً وسياسياً وفكرياً وإعلامياً، لأن أي خيار سوى المقاومة يعد استدراجاً سياسياً إلى فخ قديم، بعد أن أسقطت الحرب أقنعة سميكة عن وجوه قبيحة أدت دورها في التمويه والتضليل في مرحلة النضال السلمي.



وإذا كانت الحرب قد أسقطت "أنصار الله" الحوثيين وحليفهم شعبياً وسياسياً في الجنوب، فإن "أنصار الشريعة" القاعديين، كجماعة مذهبية مسلحة، لن يجدوا مددا شعبياً وسياسياً في حضرموت كما في الجنوب عامة، لأن مشروعهم، بغض النظر عن ارتباطهم باي من اطراف "الأزمة اليمنية"الداخلية او الخارجية، يتنافى مع منطق العصر ومتطلبات الحياة المدنية، وليست المكلا حالياً سوى رهينة بيدهم كما كانت زنجبار في 2012م، وهي الان مازومة بوجودهم المتعدد الازمات خدميا واقتصاديا وحقوقيا ومدنيا وسياسيا، وعلى "العقلاء" التوصل الى انفراج باقل الخسائر قبل ان تصبح حضرموت هدفا لتحالف دولي ضد الارهاب. أما "الشرعية اليمنية" الحالية فلعل معطيات المعركة قد منحتها قبولاً جنوبيا تكتيكيا على مضض، اذ تم بفاعليتها "القانونية " تدمير قوات عاصفة الحزم ترسانة أسلحة شرعية 1994 وحليفها الحوثي، لكنها إن مضت رموزها الجنوبية في مشروع إعادة يمننة الجنوب العربي، فسكوت المدافع في الجبهة سيعلن بدء المواجهة معها، مع فارق أن المقاومة الوطنية الجنوبية لم تعد سلمية وإنما باتت مسلحة وقدمت قوافل من الشهداء وتملك سجلاً حفلاً بالتضحيات تحت راية تحررية ولا سواها.



(6)

ثلاثية الانصار تلك، لكل منها شرعيتها الخاصة، مثلما ان لكل منها خلاياها النائمة وغير النائمة، لكنها تفتقد الى اي شرعية جنوبية حيث المعركة الحقيقية، من اجل شرعية وطن مستلب، وليس شرعية سلطة كما هو الحال في صنعاء. لكن شرعية المقاومة الوطنية الجنوبية احوج ما تكون الى تنظيم نفسها سياسيا بالتوازي مع الثبات الميداني، لان اي تقدم ميداني ان لم يواكبه تقدم سياسي فان ثمة خشية من تكرار تشظي العلاقة بين الجهدين الميداني والسياسي، كما حدث في المرحلة السلمية، فهما جهدان تكامليان بالضرورة لافشال اي محاولة جديدة لتزييف إرادة الجنوب المحتل او استنساخ تمثيله في اي طاولة اقليميو او دولية من جهة، ومن جهة اخرى لاسقاط اي مشروع لإعادة انتاج الاحتلال وفق "شرعية" اي اتفاق متوقع، في اي لحظة، بين ممثلي تلك الثلاثية، في لعبة الهيمنة والنفوذ.