المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجنوب العربي وثلاثي النكبة " فتاح" سالمين "علي مرحباء


حد من الوادي
11-19-2015, 01:16 AM
قال بأن حكم الترويكا هي الفترة الواعدة في التجربة الجنوبية.. كاتب لبناني يسرد ذكرياته في اليمن الديمقراطي

مصنع الصيغ12196057_906194226095943_135059016955216574_n
العربي الجديد
الأربعاء 2015-11-18 1:13:43 AM
.
يصدر قريباً عن دار رياض الريس للنشر كتاب محاورات مع الكاتب اللبناني فواز طرابلسي عن تجربته الشخصية في حكم اليسار عهد “الجمهورية اليمنية الديمقراطية الشعبية”، أجرتها وحررتها الكاتبة والناشطة اليمنية، بشرى المقطري. تنشر “العربي الجديد” فصلاً من الكتاب.
.
تقديم
زرت عدن أول مرة عام 1970، وغادرتها آخر مرة عام 1993، وبينهما زيارات متعددة بمعدل أربع أو خمس مرات في السنة، في أثناء مسؤولياتي عضواً قيادياً في منظمة العمل الشيوعي في لبنان، ذات العلاقة النضالية الوثيقة مع الجبهة القومية، إلى الحزب الاشتراكي اليمني وسلطة اليسار. خطرت لي فكرة الكتابة عن تجربة حكم اليسار في اليمن في أكثر من مناسبة، خصوصا تحت وطأة الاقتتال بين فريقي الحزب الاشتراكي في يناير/كانون الثاني 1986 الذي سدد الضربة القاضية لحكم اليسار. … أدلي بهذه الشهادة، بعد قرابة عقدين ونصف على انضواء جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجمهورية العربية اليمنية، وانطفاء أول حكم لليسار الماركسي في بلد عربي. بالإضافة إلى حملة متعمّدة لطمس التجربة، شنّها دكتاتور اليمن علي عبدالله صالح، الحاكم اليمني، وأجهزته الأمنية والإعلامية، تخلّى عدد كبير من المسؤولين في اليمن الديمقراطي سابقاً عن تجربتهم، وتنصلوا منها، بل أحجموا حتى عن عناء التأريخ لتلك الحقبة، أو مراجعة أدوارهم فيها، أما أصدقاء التجربة ومستشاروها، فلست أعرف أيا منهم، جازف بالشهادة عليها. …
.349
مجلس الرئاسة
كانت فترة حكم الترويكا الفترة الواعدة في التجربة اليمنية الجنوبية. ثلاثة يكمّل واحدهما الآخر: عبد الفتاح إسماعيل الملهم والمرشد وباني الحزب، وسالم ربيع عربي (سالمين) القائد الجماهيري المهيوب والمبادر، وعلي ناصر محمد رجل الدولة والإدارة. كوّن الثلاثة مجلس الرئاسة الذي حلّ محل مجلس رئاسة خماسي، بعد إقصاء محمد علي هيثم.
.
تعرفت باكراً إلى سالمين وعلي ناصر محمد منذ زياراتي الأولى. ونشأت صداقة حميمة مع الإثنين. يختلف سالمين عن عبد الفتاح اختلافا بيّناً. فتاح يشبهنا، أقصد، نحن جماعة اليسار العربي الجديد. لغته لغة اليسار التي نعرفها في المشرق، يقرأ الكتب التي نقرأ، يجهر بتبني الماركسية-اللينينية، مع أنه مضطر لأن يسمّيها اشتراكية علمية، يقول بمقولات ما بعد 1967 التي نرطن بها، مثل سقوط القيادة البرجوازية الصغيرة لحركة التحرر العربية، والدعوة إلى أن تتولى الطبقة العاملة القيادة، إلخ.
.
سالمين ريفي، حاد الذكاء، شديد الفضول والسعي إلى المعرفة، لكنه متحفظ، يقرأ بنهم ويستفسر عن كل شاردة وواردة، وهو فوق ذلك استثنائي النشاط، وشجاع وعنيد وقائد جماهيري بلا منازع. كنت ألتقيه في كل زيارة، بل أكثر من مرة في الزيارة الواحدة. العلاقة معه عفوية وبسيطة وحميمية. نلتقي في مكتبه مساءً، ونظل نتكلم ساعات، وهو يتناول عشاءه على شكل رغيف خبز. أو يمرّ لأخذي من فندق أو دار ضيافة، خلال النهار، لمرافقته في زياراته الدورية على المزارع والتعاونيات وتجمعات الصيادين أو المشاريع الإنشائية ومعسكرات توطين البدو. ذات مرة، أخذني في دورة على ساحل أبين، ومررنا على أحد العشش، فترجّل من السيارة، وجلس بعض الوقت مع امرأة مسنّةٍ، تقعى قرب تلك العشّة. ثم دعاني وعرّفني على المرأة: هذه أمي. وقيل لي لاحقاً إن والدته من الأحجور، وهم قوم متحدرون من أصل إفريقي، سكنوا ساحل أبين بنوع خاص، وتولوا الزراعة والصيد، وهما مهنتان يأنفهما أبناء القبائل. وفي الأيام التي كنت أزور فيها اليمن، كانت نساء الأحجور يخدمن في دور الضيافة، وقد علمت منهن بعض الأشياء عن قومهن.
.
علي ناصر محمد إداري بالدرجة الأولى، رجل الملفات والخدمات، يسهر لآخر الليل على هموم الإدارة ومشكلاتها. يمرّ ويأخذني من الفندق أو دار الضيافة. نركب بالسيارة وندور. وعلي رجل حذر، يُؤثر أن تتم الأحاديث في السيارة منفردين. عندما يشاهده الناس، يتجمهرون حول سيارته فيوقفها، ويتسلّم من المواطنين عرضحالات مكتوبة على أوراق مستطيلة مطوية. كانوا يسمّونه “علي مرحبا” لكثرة خدماته. و”مرحبا” اليمنية متعددة الاستخدامات تفيد “أهلًا”، قدر ما تفيد “نعم”، و”ماذا تريد؟” “إيش تشتي”، أي تشتهي) و”تكرم”، إلخ. وعلي ناصر هو الشريك الأصغر في الثلاثي. شارك في العمل المسلّح. لكن، لم تكن لديه الشرعية الفدائية القيادية التي يتمتع بها عبد الفتاح أو سالمين، فعبد الفتاح قاد الفدائيين في عدن، وسالمين كان من قادة الفدائيين في لحج والضالع وحالمين، قبل أن يتولى هو أيضا قيادة العمل الفدائي في عدن. بدأ علي ناصر عمله محافظاً للجزر، وترقّى من الوزارات إلى أن تولى رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع، بعد إزاحة محمد علي هيثم، لتطمين من تبقوا من ضباط دثينة.
.
في لحج
مرّة أخذني علي ناصر إلى لحج، وزرنا صاحب حانوت متواضع، تبيّن أنه شيخ قبيلته من مودية. استقبله الرجل بجفاء. وتمنّع عن الخوض في الموضوع الذي أراد علي مفاتحته به في حضوري. ثم طمأنه علي بأني صديق ورفيق و”من أهل البيت”، كما قال. وتبيّن أن الأمر يتعلق بابنة الشيخ، وقد تزوجت على الرغم من إرادة أبيها، وهربت مع زوجها إلى عند علي ناصر، فآواهما. الحوار متوتر: شيخ القبيلة يصرخ في وجه عضو مجلس الرئاسة ورئيس الوزراء وعضو المكتب السياسي في الحزب الحاكم، وهذا يحاول تهدئة روعه، ويسعى إلى إقناعه بأن يزوره في منزله في عدن، لعقد مصالحة مع ابنته وزوجها. غادرنا وشيخ القبيلة لم يقتنع.
.
كان علي ناصر مرجعي في ما يتعلق بالإدارة والسياسات الاقتصادية. الإحصائيات والأرقام عنده. وعنده الخطط والأشواط المقطوعة في تنفيذها. وعنده أيضاً الموقف الموضوعي والحذر في النزاعات. هذا قبل أن يصير هو نفسه موضع نزاع.
.
من سالمين وصالح مصلح وعلي عنتر تعلّمت الكثير عن اليمن. أدخلوا اليمن إلى معارفنا وهمومنا. وكان صالح مصلح وجار الله عمر من أقرب الرفاق والأصدقاء، وهما الثنائي المسؤول عن ملفّ الشمال. كانت علاقتي بعلي عنتر جيدة، لكنها متحفظة، وكنت أداريه، وهو يحذر مني، على اعتباري قريباً من عبد الفتاح. ولكن نوادر “أخ العرب” لا تنسى، قدر ما هي دالّة على التجربة، وأساسها الاجتماعي وقواها.
.
مرة، أخبرنا علي، بحضور صالح مصلح، حكاية تعطي فكرة عن مزاجه، وعن الحنكة الشعبية لديه، مثلما تعطي فكرة عن التديّن الشعبي. مجموعة فدائية خارجة من إحدى القرى في مهمة قتالية بقيادة علي عنتر، ما أن تغادر القرية، حتى تسقط عليها قذيفة بريطانية تردي عدداً من أفرادها بين شهيد وجريح. رأساً يبادر علي لاستيعاب الموقف. يركع إلى جانب أفراد المجموعة المطروحين أرضاً “يا حظهم: رأساً إلى جنات النعيم. ليتنا كنا معهم. مباشرة إلى جنات النعيم. إلى حور العين. ليتنا كنّا معهم”. وظل يردد “حور العين. حور العين. ليتنا كنا معهم”. وصدف أن والد صالح مصلح جالس على صخرة يتأمل المشهد. فقال للمقاتلين: “لا تصدّقوا راعي البغال هذا. لا يوجد شيء بعدما يضعون البلاطة على صدركم. لا حور عين، ولا ولدان مخلّدون؟ هو الله فتّال؟ أستغفر الله العظيم!”.
.
“الأيام السبعة المجيدة”
عند إعلان الاستقلال، اجتاحت جموع ريفية مدينة عدن، واحتلّ قسم كبير منهم الأبنية والشقق والبيوت التي غادرها البريطانيون. كان هناك حقد على عدن، وقد استفحل فيما بعد، بات أكثر تنظيماً، عندما بدأت المسيرات الشهيرة التي عُرفت بـ “الأيام السبعة المجيدة” في أغسطس/آب 1972، وهي كنابة عن سبعة أيام من التظاهرات والمسيرات من الأرياف المحيطة القريبة من عدن، بتحريض وقيادة مقرّبين من سالمين، أمثال علي سالم البيض وعلي صلاح عباد (مقبل)، وقادة ميدانيين شعبيين، أذكر منهم عوض الحامد من لحج. من هتافات المسيرات الأثيرة “سالمين نحن أشبالك/ وأفكارك لنا مصباح”. طالبتْ المسيرات والتظاهرات بمزيد من التخفيض لرواتب الموظفين الحكوميين وبتأميم المنازل وتحرر المرأة. ومن شعارات تلك التظاهرات “واجب علينا واجب/ خفض الرواتب واجب/ واجب علينا واجب/ حرق الشوادر[النقاب] واجب”. لم تخل الأيام من عنف. دخل المتظاهرون الإدارات، وضربوا الموظفين واتهموهم بالبيروقراطية. وأذكر أنني لما تعرّفت، ومحسن إبراهيم، إلى عبد الله باذيب، وقد زارنا في مكاتب “الحرية” في بيروت، كانت أبرز شكاوى رئيس الحزب الشيوعي اليمني هي من التطرف اليساري في الجبهة القومية، وقد فصّل في مخاوف أهالي عدن من اجتياح الريفيين مدينتهم في تلك الأيام.
.
لم تكن مثل هذه الظواهر غريبة في حركات التحرر الوطنية العربية. عرفتْ الجزائر “أياماً” مشابهة، ومثلها عرفت الفترة الأولى من حكم “البعث” في سورية، عندما كان الحكم بيد الثلاثي نور الدين الأتاسي – صلاح جديد – يوسف زعيّن.
.
أنشأ اتحاد العمال، بقيادة خالد الجندي، “المليشيا العمالية” التي أخذت على عاتقها هي أيضا “تطهير الإدارة” من أبناء العهود السابقة، ونصّبت نفسها حَكَماً في أي من الموظفين يجب عزله، ولا يستحق البقاء، وذلك بناء على الانتماء العائلي والاجتماعي والجهوي في معظم الأحوال، لا الكفاءة والخبرة. هو الجموح الريفي إياه ضد المدينة، باعتبارها مركز الاستعمار والامتيازات الاجتماعية ومسكن ملاك الأراضي والتجار والسماسرة والمرابين الذين يستغلّون أبناء الأرياف.
.
انتهى أمر “الأيام السبعة المجيدة” في عدن بتأميم المساكن، وقد فرض نفسه أمراً واقعاً، بعد أن احتل الأهالي المساكن التي كانت مؤجرة للبريطانيين. انقضت “الأيام السبعة المجيدة” وعبدالفتاح في الاتحاد السوفييتي للعلاج، وعند عودته، تلقى موجة الانتقادات عليها، ويبدو أنه تجاوب معها، فنشب أول خلاف بينه وبين سالمين. كان سالمين ذا مَيل صيني، يستلهم الثورة الثقافية الصينية، مؤمناً بدور الجماهير في التحريك الدائم للعملية الثورية، ينحاز إلى الصين في السياسة الخارجية، ولا يثق في السوفييت، ولا هم يثقون به. بالعكس تماماً عن عبدالفتاح، الأميل إلى السوفييت.

حد من الوادي
11-20-2015, 12:01 AM
الجنوب جزء من عالم واسع..

عبدالكريم السعدي
الخميس 2015-11-19 9:58:29 PM
.
*عبدالكريم السعدي
.
والمجتمع الإنساني بدأ قبليا مشاعيا وتطور ووصل إلى ماوصل إليه اليوم ..
.
الحكم بأن الجنوب لن يشهد تطورا إلا إذا خالف سنة الكون وعاد إلى المجتمع القبلي أعتقد أن أصحابه بحاجة إلى مراجعة اطروحاتهم ..
.
الجنوب يعيش مخاض وهو طبيعيا فهو يتطهر من القاذورات ويخرج الناصع من قاعه الذي طمسته مرادفات المتحذلقين ودفنت نفائسه الأقوال المرصوصة التي اول من يجهل معانيها من يتغنون بها .
.
تحدثنا في اطروحاتنا بعد يوليو 94م وقلنا أن عفاش وجمهوريته العربية اليمنية يستهدفون الأخلاق ويضربونها في مقتل وقلنا أن السياسة ممكن إعادتها إلى نصابها والاقتصاد ممكن معالجة اختلالاته إلا الأخلاق فإذا ضربت فنحن نحتاج إلى القضاء على الأجيال التي كانت عرضة لهذا الوباء أو الصبر عليها حتى تزول وتختفي بموت أصحابها وفعلا اختار الجنوبيون الصبر ونحن ماضون في مشوار الصبر حتى ينتهي المتلوثون وسيعود الجنوب كما عهدناه جنوب الأمن والاستقرار جنوب المساواة ولو في الظلم. .
.
وإذا أردنا أن نساهم في إنقاذ الجنوب على كل منا أن يفتح حقيبته وينظر إلى محتوياتها ويسأل نفسه هل هو جدير بكل ماتحمله تلك الحقيبة وهل كل مافي تلك الحقيبة حلالا فيه مرضاة لله واذا وصلنا إلى الإجابة العكس فعلينا التخلص من كل حرام الحقيبة وتطهيرها حينها سيأتي النصر الحقيقي وليس النصر الذي يقودنا إلى الهزيمة. .
.
والحقيبة هنا ليست بالضرورة أن تكون (شنطة الجلد ) أو (الحديد) ولكنها قد تكون أيضا حساب البريد أو حساب البنك أو حساب الموقع السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي الذي يشغله او يمتلكه الشخص منا …!!!

حد من الوادي
11-20-2015, 12:20 AM
كاتب لبناني يتذكر مسلسل إغتيال رؤوساء اليمن “3 – 4”

الحمدي
العربي الجديد
الخميس 2015-11-19 11:18:13 PM
.
بعد مقتلة يناير/كانون ثاني 1986، ظننتُ أن الرسالة إحترقت من ضمن ما احترق في بيت عبد الفتاح ومكتبته، بعد أن قصفته القطعُ البحرية الموالية لعلي ناصر في أحداث يناير، إلى أن أبلغني فضل محسن، صهر عبد الفتاح، وقيادي في الحزب الاشتراكي اليمني، أنه وجد الرسالة في حقيبة سامسونايت، سلمتْ من الحريق في المنزل. طلبت من فضل أن يرسل لي الرسالة. وعندما فاتحته بالأمر في أول لقاء لنا في اليمن، بعد سنوات، إستغرب أنني لم أتسلمها، وكان قد أرسلها إليّ بواسطة السفير اليمني في دمشق.
.
لم أعد أذكر سبب إرسالها إلى دمشق، لكن العجيب أن فضل أرسل الرسالة الأصلية إلى السفارة في دمشق، وأنا قد صرت في باريس أواصل دراستي، ولم يأبه باستنساخ ولو نسخة منها على سبيل الاحتياط. طمأنني فضل على فحوى الرسالة، كما رويتها هنا. ولما أبلغتُ وفاء ابنة عبد الفتاح بأمر الرسالة، قالت: “لا بد أنها كانت في حقيبة السامسونايت تبع أبي، وهي الحقيبة الوحيدة التي سلمت من الحريق، وتوليت بنفسي إخراجها من المنزل”.
.
طلبت من وفاء، وكررتُ الطلب لاحقاً على أخيها عَمْد، وآخرين، آملا بالاستحصال على رسالة خطية من فضل، يؤكد فيها فحوى ما ورد في تلك الرسالة. وما زلت أنتظر. أستطيع أن أستنجد بالصديق أنيس حسن يحيى، أيضاً، لأن ما سمعه مني في تلك الجلسة التي قرأ لنا فيها رسالة عبد الفتاح عن الخلاف مع سالمين هو حرفياً تقريباً ما قلته في رسالتي التي أرسلتها بالصفة الشخصية إلى عبد الفتاح.
.
اغتيال الحمدي في صنعاء
اغتيل العقيد إبراهيم الحمدي، رئيس الجمهورية العربية اليمنية، في صنعاء يوم 11 أكتوبر/ تشرين الأول 1977، وكان قد تسلّم الحكم في انقلاب عسكري في 13 يونيو/ حزيران 1974، ضد رئيس الجمهورية القاضي عبد الرحمن الإرياني. سمّيت حركة الحمدي “حركة تصحيحية” لمسار الجمهورية، بعد الردة المحافظة التي أعقبت انسحاب الجيش المصري بعيد حرب يونيو 1967. جيء بالإرياني إلى الحكم في انقلاب 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967 نفسه ضد المشير عبدالله السلال، وشارك فيه ضباط بعثيون، وتولّى محسن العيني رئاسة الوزراة، واللواء حسين العمري قيادة الجيش. وقد عقد اتفاق سعودي ـ يمني في يونيو 1970، أوقف القتال بين الجمهوريين والملكيين، وقضى بدخول وزراء ملكيين الوزارة، وتأسيس مجلس شورى، ترأسه شيخ مشايخ قبيلة حاشد، عبدالله بن حسين الأحمر. وقد شهدت تلك الفترة نزاعات حدودية بين اليمنيين، خصوصاً عندما تسلّم الشيخ الحجري الموالي للسعودية رئاسة الوزراء. ونشطت العمليات العسكرية من مقاتلي الحزب الديمقراطي الثوري والمقاومين الثوريين، المدعومين من الجنوب، ضد المشايخ والملكيين العائدين.
.
وحّد الحمدي القوات المسلّحة، وحاول بناء دولة مدنية حديثة، وإضعاف مراكز القوى القبلية، وانتزاع الدولة من هيمنة مشايخ القبائل، وخصوصا الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر. وفي خطاب شهير له، أعلن أن مشايخ القبائل يحكمون، ولا يتحمّلون المسؤولية عن أفعالهم. والأهم أن الحمدي انتهج سياسة خارجية مستقلة عن العربية السعودية. تقرّب من اليمن الديمقراطي، وأوقف الحملات الدعاوية ضدها، واستقبل سالمين في صنعاء، وعقد معه اتفاقية وحدوية في قعطبة في فبراير/ شباط 1977، تضمنت تعزيز التعاون الاقتصادي، وتنشيط التبادل التجاري، وتوحيد المناهج الدراسية. ولعلها المحاولة الوحدوية الوحيدة التي نظر إليها على أن الوحدة عملية متدرّجة، وذات نمط اتحادي. اغتيل إبراهيم الحمدي عشية زيارته عدن للمشاركة في احتفالات ذكرى ثورة 14 أكتوبر، وكان متوقعاً أن يعلن فيها عن مزيد من الخطوات التوحيدية بين البلدين.
.
ما معلوماتك عن اغتيال الحمدي؟ وما الأطراف التي شاركت في اغتياله؟
لا معلومات خاصة لديّ. حينها، اتجهت أصابع الاتهام في اغتيال الحمدي إلى نائبه، المقدّم أحمد حسين الغشمي، وإلى تحريض الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، ومن ورائهما العربية السعودية التي أزعجتها نزعة الحمدي الاستقلالية، وإقصاؤه المشائخ الموالين لها، وتوقيعه اتفاقية أمن البحر الأحمر مع إثيوبيا، وخصوصا تقاربه مع الجنوب، وصولا إلى إمكان تحقيق الوحدة بين إقليمي اليمن. وجرى تداول اسم الضابط علي عبد الله صالح، الحاكم العسكري لتعز، بما هو مشارك في جريمة الاغتيال، إن لم يكن منفذّها المباشر. بقصد التمويه والتعريض الأخلاقي، ألقي قرب جثتي الحمدي وشقيقه الذي اغتيل معه، بجثتَي فتاتين فرنسيتين كانتا في زيارة لليمن. وقد نشرت الصحافة الفرنسية هذه المعلومات، ونبذة عن حياة الفتاتين ونظمت أسرتاهما حملة استمرّت سنوات طويلة تطالبان فيها السلطات اليمنية بالتحقيق في ظروف مقتل ابنتيهما، من دون طائل.
.
خلف الحمدي نائُبه في رئاسة الجمهورية، المقدم أحمد حسن الغشمي، الذي حكم أقل من سنة قبل اغتياله يوم 24 يونيو 1978، في مكتبه بانفجار حقيبة ملغّمة، وهو يتسلّم رسالة حملها مبعوث من الرئيس الجنوبي، سالم ربيع علي.
.

عبد الفتاح إسماعيل وفواز طرابلسي
سادت روايتان للحادثة. واحدة تقول بمسؤولية سالمين، وأخرى تقول إن سالمين أرسل مبعوثاً له، وإن خصومه بدّلوا حقيبة المبعوث العادية بحقيبة ملغّمة. ما أعرفه أن اغتيال الغشمي اتخذ انتقاماً لاغتيال الحمدي. والقرار اتخذه سالمين وصالح مصلح. ولست أستبعد أن يكون جارالله عمر، مثلاً، قد شارك في القرار، وهو المسؤول الأول عن الملفّ الشمالي. أعرف أن صالح مصلح من الحنكة والدراية بحيث لن يقدم على عمل بهذه الضخامة، من دون استشارة سالمين ومشاركته. وإنه يصعب أن ينفّذ مثل هذا العمل من دون تقدير عواقبه مع المسؤول الأول عن الوضع في الشمال. وكان منفّذ العملية أحد مرافقي صالح مصلح من الفدائيين، وهو من أقاربه في حدود معرفتي، واسمه مهدي أحمد صالح، ويكنّى “تفاريش” (رفيق بالروسية). وأعرف من صالح ومن جارالله أن مهدي تطوّع للعملية الانتحارية، وهو بكامل وعيه بأن الحقيبة التي يحملها ملغّمة، وأن المقصود أن تنفجر به وبالغشمي معاً.
.
نشبت أزمة عربية ودولية حادة، جرّاء اغتيال رئيس دولة يمنية رئيس دولة يمنية أخرى. قررتْ 15 دولة عربية قطع علاقاتها بحكومة عدن، ودهم خطرُ الحرب بين اليمنيين. درءاً للمضاعفات الدولية والعربية، تقررت التضحية بسالمين، وقد كان اغتيال الغشمي المناسبة المثالية للتخلّص منه، في معمعان الصراعات على توجهات التجربة، ومسألة هوية الحزب وانحيازاته الدولية. فجرى تحميله المسؤولية عن الاغتيال، مع أن صالح مصلح اعترف بمسؤوليته عن العملية، وأبدى على الفور استعداده للاستقالة، وتحمّل أية عقوبات قد تترتب على مسؤوليته عن عملية الاغتيال. بديلا من ذلك، طُرد سالمين من المكتب السياسي في 24 يونيو 1978. وبعد يومين، قرر المكتب السياسي طرده من الحزب. اعتصم سالمين في القصر الجمهوري. وعلى أثر تبادل لإطلاق النار بين القوات الموالية له والقوات المعارضة، اقتحمت الأخيرة القصر الجمهوري (القصر المدوّر، كما يسمّى في عدن)، وقتلت سالمين ومساعديه، جاعم صالح، قائد اتحاد الفلاحين، وعلي الأعور، مدير مكتب الرئيس.
.
الرواية التي أرويها هنا سمعت الشطر الأول منها من محمد سعيد عبدالله الذي أبلغني أن قذائف من القصر الجمهوري تساقطت على مبنى اللجنة المركزية التي كانت مجتمعةً للبحث في مصير سالمين. وكان وفد من اللجنة المركزية يفاوض الرئيس الذي قيل إنه أبدى استعداده للمغادرة إلى إثيوبيا. ولكن، مع سقوط القذائف، انقطعت المفاوضات، وتقرر اقتحام القصر الجمهوري، حيث قتل سالمين وعلي الأعور وجاعم صالح في الاشتباكات، والعهدة هنا على الراوي.
.

فواز طرابلسي في مقيل يمني
الرواية الثانية هي التي رواها لي عبد الفتاح إسماعيل في زيارتي اليمن بعيد سقوط سالمين، وتتعلق بنهاية سالمين. هذا ما سجّلته حرفيا في ملاحظاتي عن لقاء عبد الفتاح خلال زيارتي لعدن، بعيد إعلان تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني بين 18 و22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1978:
.
“عبد الفتاح، كأنه يردّ على رسالتي له حول محاولة استيعاب سالمين، وقد بات في الأقلية الحزبية، أعرب عن مفاجأته أن سالمين وصل إلى حد القيام بالانقلاب العسكري. وأسرّ لنا بأن آخر ما نطق به سالمين المطوّق هو سؤال: هل إن الأمين العام لا يزال على قيد الحياة؟ فردّوا عليه بالرصاص”.
.
وأردف فتّاح “خضنا معركة الشرعية ضد سالمين إلى نهايتها. لكننا لم نقع في الغلطة التي وقع فيها صلاح جديد ونور الدين الأتاسي في سورية، لقد رفدنا معركة الشرعية بالاستعداد العسكري!”.

السوفييت ضد سالمين
سأكتشف لاحقاً ملابسات موقف السوفييت من مسألة إقصاء سالمين.
.
وهذه الآن رواية محمود عشيش الذي جاءنا إلى بيروت في 3 يوليو/ تموز 1978، يروي تفاصيل النزاع مع سالمين. وهذا ما دوّنته عنها في محضر الاجتماع في التاريخ نفسه:
.
“استقدم سالمين لواء باب المندب، وفيه قادة 3 كتائب موالية له، وكانت له مجموعات مسلحة في منازل بعدن. عند بدء الاشتباكات، حاول أحد الضباط الموالين له السيطرة على غرفة عمليات وزارة الدفاع، قتل ثلاثة ضباط وهرب. تمرّد في أبين، زنجبار. استيلاء جماعة سالمين على البلدة.
.
“الحصيلة التحاق 20-25 ضابطا للشمال. 10-20% من القوات المسلحة مع سالمين. اضطرار أعضاء ل. م. إلى تولي مسؤوليات عسكرية لسد الفراغ الناجم عن الفرار إلى الشمال. عدد المعتقلين 120. الضحايا 60 من طرف سالمين، 40 من طرف الحزب، وبين 100 و150 جريحاً”.
.
تقول رواية إن اغتيال سالمين كان مقرراً قبل مقتل الغشمي، وإنه لم يعطِ صالح مصلح الضوء الأخضر، وأنهم حينما اقتحموا القصر لم يطلق النار عليهم، ولم يقاومهم، بل قدم استقالته؟ باختصار، ذهب سالمين ضحية مؤامرة، للتخلص من مركز قوة كان يمثله؟
.
حين يصل الخلاف إلى هذه الدرجة من التباعد والحدة التي بلغها النزاع بين عبد الفتاح وسالمين، لا يستبعد أن يكون الطرفان مستعديَن للقتل والقتال. فلا يعود التوقيت مهمّاً، ولا حتى مَن هو الطرف الذي أطلق الرصاصة الأولى. ما رواه عبد الفتاح أعلاه يؤكد أن الطرفين كانا يتأهبان لمعركةٍ، حتى قبل اغتيال الغشمي. من جهته، لم يكن سالمين مستكيناً هو أيضا. كما هو واضح مما كتبته حينها أعلاه. طبعا كل طرف يرمي المسؤولية على الطرف الآخر. الرواية الرسمية للطرف الرابح هي أن سالمين كان مجهزاً لانقلاب عسكري، وأن الطرف الثاني رد على الانقلاب.

حد من الوادي
11-22-2015, 01:16 AM
شيوعي لبناني يكتب عن حقد أبناء الريف الجنوبي على عدن وحكم الترويكا الماركسية


Google +1 7 1 0 0

شبوه برس - خاص - عدن
الخميس 19 نوفمبر 2015 08:49 صباحاً

صورة تعبيرية من أرشيف شبوه برس


يصدر قريباً عن دار رياض الريس للنشر كتاب محاورات مع الكاتب اللبناني فواز طرابلسي الشيوعي اللبناني المعروف عن تجربته الشخصية في حكم اليسار عهد "الجمهورية اليمنية الديمقراطية الشعبية"، أجرتها وحررتها الكاتبة والناشطة اليمنية، بشرى المقطري.

*- الكاتب الشيوعي طرابلسي أغفل المرور والإشارة إلى الجرائم التي أرتكبت إبان فترة مأ اسماها الأيام السبع وأيام الانتفاضات الفلاحية ومصادرة الأراضي الزراعية وذبح وسحل العلماء والإعدامام الجماعية بارصاص الت ي طالت المشائح والتجار وضباط الجيش والأمن بشكل جماعي وفي السجون ولم يشر المجازر التي أرتكبت في الاطاحة بسالمين وأحداث يناير – "شبوه برس" .

*- والدة الرئيس سالم ربيع علي "سالمين" حرة عربية من أسرة بيت علم في أبين وليس كما أورد الكاتب إنتمائها فئة ألأخدام المهمشة من الأصول الأفريقية – "شبوه برس"

*- علي سالم البيض تزعم مظاهرات تخفيض الرواتب وحرق الشيادر( الحجاب) واجب في عدن 1972م

*- والد صالح مصلح قاسم لم يكن يؤمن ببعث ولا نشور ولا جنة ونار .

سبب النزول
زرت عدن أول مرة عام 1970، وغادرتها آخر مرة عام 1993، وبينهما زيارات متعددة بمعدل أربع أو خمس مرات في السنة، في أثناء مسؤولياتي عضواً قيادياً في منظمة العمل الشيوعي في لبنان، ذات العلاقة النضالية الوثيقة مع الجبهة القومية، إلى الحزب الاشتراكي اليمني وسلطة اليسار. خطرت لي فكرة الكتابة عن تجربة حكم اليسار في اليمن في أكثر من مناسبة، خصوصا تحت وطأة الاقتتال بين فريقي الحزب الاشتراكي في يناير/كانون الثاني 1986 الذي سدد الضربة القاضية لحكم اليسار. ... أدلي بهذه الشهادة، بعد قرابة عقدين ونصف على انضواء جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجمهورية العربية اليمنية، وانطفاء أول حكم لليسار الماركسي في بلد عربي. بالإضافة إلى حملة متعمّدة لطمس التجربة، شنّها دكتاتور اليمن علي عبدالله صالح، الحاكم اليمني، وأجهزته الأمنية والإعلامية، تخلّى عدد كبير من المسؤولين في اليمن الديمقراطي سابقاً عن تجربتهم، وتنصلوا منها، بل أحجموا حتى عن عناء التأريخ لتلك الحقبة، أو مراجعة أدوارهم فيها، أما أصدقاء التجربة ومستشاروها، فلست أعرف أيا منهم، جازف بالشهادة عليها. ... (فواز)

مجلس الرئاسة

كانت فترة حكم الترويكا الفترة الواعدة في التجربة اليمنية الجنوبية. ثلاثة يكمّل واحدهما الآخر: عبد الفتاح إسماعيل الملهم والمرشد وباني الحزب، وسالم ربيع عربي (سالمين) القائد الجماهيري المهيوب والمبادر، وعلي ناصر محمد رجل الدولة والإدارة. كوّن الثلاثة مجلس الرئاسة الذي حلّ محل مجلس رئاسة خماسي، بعد إقصاء محمد علي هيثم.
تعرفت باكراً إلى سالمين وعلي ناصر محمد منذ زياراتي الأولى. ونشأت صداقة حميمة مع الإثنين. يختلف سالمين عن عبد الفتاح اختلافا بيّناً. فتاح يشبهنا، أقصد، نحن جماعة اليسار العربي الجديد. لغته لغة اليسار التي نعرفها في المشرق، يقرأ الكتب التي نقرأ، يجهر بتبني الماركسية-اللينينية، مع أنه مضطر لأن يسمّيها اشتراكية علمية، يقول بمقولات ما بعد 1967 التي نرطن بها، مثل سقوط القيادة البرجوازية الصغيرة لحركة التحرر العربية، والدعوة إلى أن تتولى الطبقة العاملة القيادة، إلخ.
سالمين ريفي، حاد الذكاء، شديد الفضول والسعي إلى المعرفة، لكنه متحفظ، يقرأ بنهم ويستفسر عن كل شاردة وواردة، وهو فوق ذلك استثنائي النشاط، وشجاع وعنيد وقائد جماهيري بلا منازع. كنت ألتقيه في كل زيارة، بل أكثر من مرة في الزيارة الواحدة. العلاقة معه عفوية وبسيطة وحميمية. نلتقي في مكتبه مساءً، ونظل نتكلم ساعات، وهو يتناول عشاءه على شكل رغيف خبز. أو يمرّ لأخذي من فندق أو دار ضيافة، خلال النهار، لمرافقته في زياراته الدورية على المزارع والتعاونيات وتجمعات الصيادين أو المشاريع الإنشائية ومعسكرات توطين البدو. ذات مرة، أخذني في دورة على ساحل أبين، ومررنا على أحد العشش، فترجّل من السيارة، وجلس بعض الوقت مع امرأة مسنّةٍ، تقعى قرب تلك العشّة. ثم دعاني وعرّفني على المرأة: هذه أمي. وقيل لي لاحقاً إن والدته من الأحجور، وهم قوم متحدرون من أصل إفريقي، سكنوا ساحل أبين بنوع خاص، وتولوا الزراعة والصيد، وهما مهنتان يأنفهما أبناء القبائل. وفي الأيام التي كنت أزور فيها اليمن، كانت نساء الأحجور يخدمن في دور الضيافة، وقد علمت منهن بعض الأشياء عن قومهن.
علي ناصر محمد إداري بالدرجة الأولى، رجل الملفات والخدمات، يسهر لآخر الليل على هموم الإدارة ومشكلاتها. يمرّ ويأخذني من الفندق أو دار الضيافة. نركب بالسيارة وندور. وعلي رجل حذر، يُؤثر أن تتم الأحاديث في السيارة منفردين. عندما يشاهده الناس، يتجمهرون حول سيارته فيوقفها، ويتسلّم من المواطنين عرضحالات مكتوبة على أوراق مستطيلة مطوية. كانوا يسمّونه "علي مرحبا" لكثرة خدماته. و"مرحبا" اليمنية متعددة الاستخدامات تفيد "أهلًا"، قدر ما تفيد "نعم"، و"ماذا تريد؟" "إيش تشتي"، أي تشتهي) و"تكرم"، إلخ. وعلي ناصر هو الشريك الأصغر في الثلاثي. شارك في العمل المسلّح. لكن، لم تكن لديه الشرعية الفدائية القيادية التي يتمتع بها عبد الفتاح أو سالمين، فعبد الفتاح قاد الفدائيين في عدن، وسالمين كان من قادة الفدائيين في لحج والضالع وحالمين، قبل أن يتولى هو أيضا قيادة العمل الفدائي في عدن. بدأ علي ناصر عمله محافظاً للجزر، وترقّى من الوزارات إلى أن تولى رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع، بعد إزاحة محمد علي هيثم، لتطمين من تبقوا من ضباط دثينة.

في لحج
مرّة أخذني علي ناصر إلى لحج، وزرنا صاحب حانوت متواضع، تبيّن أنه شيخ قبيلته من مودية. استقبله الرجل بجفاء. وتمنّع عن الخوض في الموضوع الذي أراد علي مفاتحته به في حضوري. ثم طمأنه علي بأني صديق ورفيق و"من أهل البيت"، كما قال. وتبيّن أن الأمر يتعلق بابنة الشيخ، وقد تزوجت على الرغم من إرادة أبيها، وهربت مع زوجها إلى عند علي ناصر، فآواهما. الحوار متوتر: شيخ القبيلة يصرخ في وجه عضو مجلس الرئاسة ورئيس الوزراء وعضو المكتب السياسي في الحزب الحاكم، وهذا يحاول تهدئة روعه، ويسعى إلى إقناعه بأن يزوره في منزله في عدن، لعقد مصالحة مع ابنته وزوجها. غادرنا وشيخ القبيلة لم يقتنع.
كان علي ناصر مرجعي في ما يتعلق بالإدارة والسياسات الاقتصادية. الإحصائيات والأرقام عنده. وعنده الخطط والأشواط المقطوعة في تنفيذها. وعنده أيضاً الموقف الموضوعي والحذر في النزاعات. هذا قبل أن يصير هو نفسه موضع نزاع.
من سالمين وصالح مصلح وعلي عنتر تعلّمت الكثير عن اليمن. أدخلوا اليمن إلى معارفنا وهمومنا. وكان صالح مصلح وجار الله عمر من أقرب الرفاق والأصدقاء، وهما الثنائي المسؤول عن ملفّ الشمال. كانت علاقتي بعلي عنتر جيدة، لكنها متحفظة، وكنت أداريه، وهو يحذر مني، على اعتباري قريباً من عبد الفتاح. ولكن نوادر "أخ العرب" لا تنسى، قدر ما هي دالّة على التجربة، وأساسها الاجتماعي وقواها.
مرة، أخبرنا علي، بحضور صالح مصلح، حكاية تعطي فكرة عن مزاجه، وعن الحنكة الشعبية لديه، مثلما تعطي فكرة عن التديّن الشعبي. مجموعة فدائية خارجة من إحدى القرى في مهمة قتالية بقيادة علي عنتر، ما أن تغادر القرية، حتى تسقط عليها قذيفة بريطانية تردي عدداً من أفرادها بين شهيد وجريح. رأساً يبادر علي لاستيعاب الموقف. يركع إلى جانب أفراد المجموعة المطروحين أرضاً "يا حظهم: رأساً إلى جنات النعيم. ليتنا كنا معهم. مباشرة إلى جنات النعيم. إلى حور العين. ليتنا كنّا معهم". وظل يردد "حور العين. حور العين. ليتنا كنا معهم". وصدف أن والد صالح مصلح جالس على صخرة يتأمل المشهد. فقال للمقاتلين: "لا تصدّقوا راعي البغال هذا. لا يوجد شيء بعدما يضعون البلاطة على صدركم. لا حور عين، ولا ولدان مخلّدون؟ .

"الأيام السبعة المجيدة"
عند إعلان الاستقلال، اجتاحت جموع ريفية مدينة عدن، واحتلّ قسم كبير منهم الأبنية والشقق والبيوت التي غادرها البريطانيون. كان هناك حقد على عدن، وقد استفحل فيما بعد، بات أكثر تنظيماً، عندما بدأت المسيرات الشهيرة التي عُرفت بـ "الأيام السبعة المجيدة" في أغسطس/آب 1972، وهي كنابة عن سبعة أيام من التظاهرات والمسيرات من الأرياف المحيطة القريبة من عدن، بتحريض وقيادة مقرّبين من سالمين، أمثال علي سالم البيض وعلي صلاح عباد (مقبل)، وقادة ميدانيين شعبيين، أذكر منهم عوض الحامد من لحج. من هتافات المسيرات الأثيرة "سالمين نحن أشبالك/ وأفكارك لنا مصباح". طالبتْ المسيرات والتظاهرات بمزيد من التخفيض لرواتب الموظفين الحكوميين وبتأميم المنازل وتحرر المرأة. ومن شعارات تلك التظاهرات "واجب علينا واجب/ خفض الرواتب واجب/ واجب علينا واجب/ حرق الشوادر[النقاب] واجب". لم تخل الأيام من عنف. دخل المتظاهرون الإدارات، وضربوا الموظفين واتهموهم بالبيروقراطية. وأذكر أنني لما تعرّفت، ومحسن إبراهيم، إلى عبد الله باذيب، وقد زارنا في مكاتب "الحرية" في بيروت، كانت أبرز شكاوى رئيس الحزب الشيوعي اليمني هي من التطرف اليساري في الجبهة القومية، وقد فصّل في مخاوف أهالي عدن من اجتياح الريفيين مدينتهم في تلك الأيام.
لم تكن مثل هذه الظواهر غريبة في حركات التحرر الوطنية العربية. عرفتْ الجزائر "أياماً" مشابهة، ومثلها عرفت الفترة الأولى من حكم "البعث" في سورية، عندما كان الحكم بيد الثلاثي نور الدين الأتاسي – صلاح جديد – يوسف زعيّن.

أنشأ اتحاد العمال، بقيادة خالد الجندي، "المليشيا العمالية" التي أخذت على عاتقها هي أيضا "تطهير الإدارة" من أبناء العهود السابقة، ونصّبت نفسها حَكَماً في أي من الموظفين يجب عزله، ولا يستحق البقاء، وذلك بناء على الانتماء العائلي والاجتماعي والجهوي في معظم الأحوال، لا الكفاءة والخبرة. هو الجموح الريفي إياه ضد المدينة، باعتبارها مركز الاستعمار والامتيازات الاجتماعية ومسكن ملاك الأراضي والتجار والسماسرة والمرابين الذين يستغلّون أبناء الأرياف.
انتهى أمر "الأيام السبعة المجيدة" في عدن بتأميم المساكن، وقد فرض نفسه أمراً واقعاً، بعد أن احتل الأهالي المساكن التي كانت مؤجرة للبريطانيين. انقضت "الأيام السبعة المجيدة" وعبدالفتاح في الاتحاد السوفييتي للعلاج، وعند عودته، تلقى موجة الانتقادات عليها، ويبدو أنه تجاوب معها، فنشب أول خلاف بينه وبين سالمين. كان سالمين ذا مَيل صيني، يستلهم الثورة الثقافية الصينية، مؤمناً بدور الجماهير في التحريك الدائم للعملية الثورية، ينحاز إلى الصين في السياسة الخارجية، ولا يثق في السوفييت، ولا هم يثقون به. بالعكس تماماً عن عبدالفتاح، الأميل إلى السوفييت.
*- عن : العربي الجديد


اقرأ المزيد من شبوة برس | شيوعي لبناني يكتب عن حقد أبناء الريف الجنوبي على عدن وحكم الترويكا الماركسية http://shabwaahpress.net/news/32162/#ixzz3sAI1LXbY