تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قمة الخرطوم والحنين إلى زمن "اللاءات"


الدكتور أحمد باذيب
04-05-2006, 01:06 AM
ما بين قمة الخرطوم الشهيرة بلاءاتها الثلاث قبل أربعة عقود من الآن وبين القمة الحالية زمن طويل تراوح فيه الموقف العربي بين هوان وضعف ، وبين تماسك وحضور، لكن قمة هذه الأيام لا تبدو مبشرة، وهي التي تأتي في ظل تراجع عربي غير عادي أمام السطوة الأمريكية والغطرسة الإسرائيلية، ومعها التبعية الدولية للخيارات الأمريكية.
لعل أسوأ ما في التراجع العربي الحالي هو غياب مبرراته الموضوعية، أما الأكثر سوءًا فهو كلفته الباهظة المحتملة على الوضع العربي برمته.
على الصعيد الأول تتراجع الدول العربية أمام الولايات المتحدة على رغم الفشل الذريع الذي تواجهه عصابة المحافظين الجدد على مختلف الأصعدة، كما يتبدى ذلك واضحاً في العراق وأفغانستان، فضلاً عن مشروع الإصلاح البائس الذي لم يعرف طريقاً إلى النجاح حتى الآن، إضافة إلى تراجع لغة الاستفراد الأمريكية بالوضع الدولي، الأمر الذي تشهد عليه الاستقلالية النسبية للصين وروسيا، فيما يؤكده تمرد دول أمريكا اللاتينية بالجملة ، وذلك الشعور الإيراني بالقوة حيال مطالب واشنطن بشأن برنامجها النووي.
أما الكلفة الباهظة فتشهد عليها احتمالات الحرب الأهلية التي تهدد بتقسيم العراق كمقدمة للعبث بوحدة الدول الأخرى، فضلاً عن استحقاقات الملف الفلسطيني الذي يجري الاستفراد به على نحو خطير؛ ليس بفرض التهدئة في ظل مسلسل لا يتوقف من القتل والاختطاف والتدمير فحسب، بل بفرض أوضاع بالغة السوء على الأرض من خلال الحل أحادي الجانب في الضفة الغربية، والذي سيلتهم أكثر من نصفها، فيما سيتركها مجرد جزر معزولة عن بعضها البعض، يتحكم الاحتلال بها من كل جانب، والنتيجة هي تحويل حياة الفلسطينيين إلى حياة بائسة لا تترك أمامهم غير التفكير بالهجرة نحو الأردن، إذا توفرت الفرصة.
إلى جانب ذلك، هناك الملف السوري اللبناني وتداعياته الممكنة على البلدين، فيما الأكثر حساسية هذه الأيام هو ملف دارفور السوداني الذي يهدد وحدة هذا البلد ويتركه نهباً للتدخلات الدولية التي قد تفضي إلى ضرب هذه البوابة الإفريقية بالنسبة للعرب، فيما تهدد المصالح القومية لمصر.
في ظل هذا الوضع المعقد والخطير تنعقد قمة الخرطوم، وهي قمة يصعب التعويل عليها في هذه المرحلة لسبب بسيط هو أن تماسكاً عربياً لا يبدو ممكناً إذا لم يسبقه تفاهم مصري سوري سعودي على آليات التعامل مع الملفات الحساسة المشار إليها.
والحال أن لقاءات كثيرة قد عقدت خلال الشهور الماضية قد بشرت بإمكانية نشوء تفاهم من هذا النوع، إلا أن شيئاً عملياً مقنعاً لم ينبثق عنها، في حين يمكن القول إن ما يشبه التفاهم حول الملف السوري اللبناني كان جيداً، على رغم عدم وصوله إلى مستوى يضمن إبقاء لبنان ضمن المعادلة العربية وبعيداً عن عبث واشنطن وباريس بخياراته السياسية.
هناك على أجندة القمة، إضافة إلى الملف السوري اللبناني وملف دارفور، الملف الفلسطيني بعد فوز حماس وتأكيد خليفة شارون ( إيهود أولمرت) على عزمه تنفيذ الانفصال أحادي الجانب عن الضفة الغربية، وفي هذا السياق الأخير الذي لم ينشأ بسبب فوز حماس، كما يمكن أن يردد البعض، لا بد من القول إن من العبث الرد على ذلك عربياً بالضغط على حماس كي تعترف بالدولة العبرية أو بخريطة الطريق، أو وضع ذلك مبرراً لعدم الاعتراف بحكومة حماس أو التلكؤ في دعمها. ولن نتجاوز ذلك إلى مستوى أعلى من التفاؤل بإعلان التخلي عن برامج التسوية القديمة والعودة إلى مطلب تنفيذ القرارات الدولية دون شروط، وهي قرارات تنص على الانسحاب الكامل وإعادة اللاجئين.
أما المسألة العراقية فهي الأكثر إلحاحا في هذه المرحلة، لاسيما في ضوء نذر الحرب الأهلية التي تلوح في الأفق، وفي ظل دعوات الحوار الإيراني الأمريكي التي تستخف بالوضع العربي برمته.
سيكون من الطبيعي والمتوقع أن يأتي ممثلو الوضع السياسي العراقي بمطالب الاعتراف بهم ومنحهم المزيد من الشرعية العربية، مع التأكيد على رفض "الإرهاب" وضرورة محاربته، لكن ذلك لا ينبغي أن يلفت الانتباه عن حقيقة الاستهداف الذي يتعرض له العرب السنة، عماد توازن العراق وحراس وحدته وعروبته وإسلامه ، من دون أن يعني ذلك تجاهلاً للآخرين الأكثر قوة وإمساكاً بالوضع الداخلي.
لا مناص والحالة هذه من إقرار تفاهم عربي إيراني على طريقة معقولة لإخراج العراق من ورطته ، وتأكيد وحدته واستقلاله بعيداً عن السطوة الأمريكية، لاسيما وأن فشل المشروع الأمريكي في العراق هو مطلب عربي إيراني.
نكرر ما قلناه وسنظل نقوله من أن هذا التراجع العربي لا مبرر له، وقد آن الأوان أن تستعيد المحاور الكبرى دورها في لملمة الموقف، لاسيما بعد تراجع موجة الضغوط الأمريكية بشأن الإصلاح، بعد أن تبين لها أن القادمين على قارب الديمقراطية هم ألد أعدائها في المنطقة. وعموماً فإن تجاوز البؤس القائم لن يتم من دون استعادة المحور العربي الثلاثي ( الرياض القاهرة ، دمشق ) لحضوره ودوره.
لا نتوقع الكثير من قمة الخرطوم، لكننا نتمسك برأينا القائل بأن استمرار انعقاد هذا اللقاء العربي الدوري هو بكل المقاييس أفضل من لا شيء، ودليلنا على ذلك هو نزوع واشنطن التقليدي إلى إلغاء أي شكل من أشكال التضامن العربي، أو حتى التذكير بأن ثمة أمة اسمها الأمة العربية، فضلاً عن الأمة الإسلامية.
ياسر الزعاترة 28/2/1427
28/03/2006