المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجنوب العربي و عبدالرحمن السيلاني .. عقلٌ اقتصادي فذ ونزيه يغادرنا


حد من الوادي
07-05-2016, 01:04 AM
الاثنين 04 يوليو 2016 06:05 صباحاً

عبدالرحمن السيلاني .. عقلٌ اقتصادي فذ ونزيه يغادرنا

د.علي صالح الخلاقي‎
صفحة الكاتب
الحرية والاستغلال.. (بين القاف والغين)
الإطاحة بالإحاطة!!
خارج نفسك!!
العميد صالح القاضي.. سيرة زاخرة بالعمل من أجل الوطن
شكراً.. مدير عام المنصورة


حين عرفت بوفاة الشخصية الاقتصادية المعروفة عبدالرحمن السيلاني يوم الأربعاء الموافق 29يونيو2016م في العاصمة المصرية القاهرة بعد معاناة مع المرض، تحسرت كثيراً وتجرَّعت غُصَصَ الحزن والأسى لرحيله في وقت نحن أحوج ما نكون إلى أمثاله من الشخصيات الاقتصادية ذات الحنكة والتجربة، خاصة وقد اقترن اسمه بالنجاح في كل المواقع التي تبوأها، ومع ذلك ما علينا إلاّ أن نرضى بقضاء الله وقدره، وأن ندعو له بالرحمة والمغفرة .

كنت من باب الصُّدفة قبل أيام على وفاته قد عرفت كثيراً عن مناقب ومميزات هذا العقل الاقتصادي الفذ الذي أسهم في بناء دولة الجنوب الفتية بعد اﻻستقلال الوطني وقاد شركة التجارة الوطنية، وظل طوال عقدي السبعينات والثمانينات أحد أبرز مراجع العقل اﻻقتصادي لدولة الجنوب كما شغل العديد من الوظائف بعد الوحدة ومستشارا اقتصاديا وتجاريا لمعظم الحكومات المتعاقبة. فلقد قُيّض لي قراءة ومراجعة مسودة ذكريات المناضل يوسف عبدالله سعد وهو أحد زملاء الفقيد وممن عملوا معه في شركة التجارة الداخلية لسنوات عديدة، وقد تحدث عنه بإنصاف مستعرضاً النجاحات الكبيرة التي حققتها شركة التجارة الداخلية تحت قيادة السيلاني منذ تأسيسها بموجب قانون التأميم رقم 37 لعام 1969م حينما حلت محل مجموعة من الشركات الأجنبية متعددة الأنشطة وذات الأنظمة المالية والإدارية المتباينة، وكان الفقيد قد أكمل دراسته التخصصية بنجاح في القاهرة، وكان خلال سنوات دراسته شعلة من النشاط ورئيساً لرابطة الطلبة اليمنيين، حسب شهادة الأستاذ محمد محسن العمري الذي تعرف عليه هناك عام 1968م. ومنذ عودته إلى الوطن ارتبط اسمه بتأسيس ونجاح تجربة شركة التجارةالداخلية، وكان عليه وهو الشاب المتحمس والمخلص أن يبدأ في تأسيس عمل الشركة من الصفر لتضطلع بمهمتها الجديدة بحيث تغطي مساحة الوطن بخدماتها الاقتصادية، خاصة وأنها لم ترث أية قنوات توزيع تساعدها على تنفيذ مهامها خارج العاصمة عدن، لأن عمل تلك الشركات التي حلّت محلها كان يتمركز في عدن فقط.

ولست هنا بصدد تقييم التجربة الاقتصادية للدولة واحتكارها للنشاط الاقتصادي وتقييد نشاط القطاع الخاص لصالح القطاع العام والتعاوني. لكن الانصاف يقتضي الاعتراف بنجاح رجل الإدارة والاقتصاد المتميز الفقيد عبدالرحمن السيلاني الذي أدار هذه الشركة الوطنية العملاقة بكل حنكة واقتدار وأسهم في وضع لبناتها وصنع نجاحاتها بكفاءة ونزاهة شهد له فيها البعيد والقريب، حتى أضحت هذه الشركة كبرى مؤسسات الدولة الاقتصادية الناجحة، وتمكنت خلال فترة قصيرة أن تستأثر بنسبة 70% من إجمالي واردات الجمهورية، وأن تقدم خدماتها للمواطنين في مختلف المحافظات والمديريات.

ومن مآثر الفقيد السيلاني أنه صاحب فكرة توحيد الأسعار للمواد الغذائية الرئيسية دون أن تتحمل خزانة الدولة أي مبالغ للدعم، وكان صندوق موازنة الأسعار يتحمل فروقات النقل والدعم وهو من ابتكارات السيلاني، وكانت إيرادات الصندوق توفّر من خلال رسوم بسيطة على السلع الأخرى، وحتى مايو 1990م كان الفائض في مدّخرات الصندوق حوالي 30مليون ديناراً، أي ما يساوي 90مليون دولاراً. وهكذا تحملت الشركة أسعار فارق نقل المواد الغذائية والاستهلاكية إلى كل محافظات الجمهورية وجزيرة سقطرى حتى تكون التسعيرة موحدة وثابتة ومستقرة في كل المحافظات والمديريات، فيشتري المواطن كيس البُر في عدن بنفس السعر الذي يشتريه به في سقطرى أو في أقصى المهرة، رغم تكاليف النقل الكبيرة من حيث الشحن والتفريغ وإيجار البواخر والنقل الداخلي ..الخ.

ومن النجاحات التي تُحسب للفقيد وزملائه في قيادة الشركة هو التفكير بتطوير بنيتها وتحسين خدماتها ومواردها، وتم في هذا المجال بناء المستودعات الكبيرة وصوامع الغلال التي توفر مخزونا استراتيجياً للبلاد لثمانية اشهر على أقل تقدير.

وبعد تجربته الطويلة ونجاحاته المتواصلة فقد كان الفقيد من القيادات الجنوبية التي تم اقصائها عن مواقعها إجبارياً بعد حرب احتلال الجنوب عام 94م. ورغم أنه كان حينها يتابع من موقع مسئولية إجراءات إعادة شحن صفقة المواد الغذائية والاستهلاكية التي كانت في طريقها على البواخر إلى عدن وتعذر وصولها بسبب الحرب، فعمل جاهداً على إنزال وتفريغ حمولتها في موانئ جيبوتي والإمارات العربية المتحدة كترانزيت على أساس إعادة شحنها بعد انتهاء الحرب، لكن الحرب انتهت باحتلال الجنوب ونهب وتدمير مؤسساته، ومنها شركة التجارة الوطنية.. وحينما علم السيلاني باستبداله طلب منه بعض القياديين ممن نزحوا بعد الحرب أن يبيع تلك المواد التي تقدر قيمتها بعشرين مليون دولار، فرفض ذلك رغم الحاحهم عليه ومحاولة اقناعه، لكنه أصر على الرفض مبررا ذلك لهم بقوله:" أنني أفنيت زهرة شبابي في بناء هذه المؤسسة العملاقة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه ، وما زلت مسئولاً عنها ولن أسهم في نهبها أو تدميرها".. وهذا دليل نزاهته ونظافة يده رحمه الله، وهذه شهادة أوردها هنا بالنص من مذكرات زميله يوسف عبدالله سعد التي انتهى من كتابتها عام 2014م ويعدها للنشر، ولكن لم يكتب لفقيدنا السيلاني أن يطلع على هذه الشهادة بحقه، ولا على طلب زميله له ولكل قيادات هذه الشركة بتدوين وتوثيق تجربتها المتميزة والناجحة. وأتمنى أن يكون السيلاني قد دوّن ذكرياته عن عمله وتجربته القيادية الناجحة لواحد من أهم المرافق الاقتصادية، ولو فعل ذلك فستكون ذكرياته إضافة غنية لتاريخنا الوطني المعاصر.

أما مصير هذه الشركة الوطنية العملاقة برأسمالها في جميع المحافظات الذي كان يقدر بمليارات الدولارات، فضلاً عن رأسمالها السائل والمتحرك ومبانيها ومستودعاتها وأسطول النقل الذي تمتلكه فقد جاءت عليه وحوش الفيد والنهب بعد اليوم المشئوم 7/7/94م الذي حول الجنوب إلى مسرح للنهب والفيد والقضاء على هوية شعبنا الجنوبي وتدمير مؤسساته التي بناها على مدى عقود من الزمن بعد تضحيات كبيرة.. وتلك جرائم لن ينساها شعبنا لرموز وحدة (الفيد والكيد)..وحان وقت القصاص واستعادة الحق لأهله.



اقرأ المزيد من عدن الغد