حد من الوادي
08-02-2017, 05:28 PM
لقاء حواري بين الأدباء والكُتَّاب والمجلس الانتقالي
الأربعاء 02 أغسطس 2017 09:31 صباحاً
د. قاسم المحبشي
في البدء تجدر الإشارة الى إن الأدب والكتابة ليس مجرد قصة أو قصيدة أو رواية أو مقالة فكرية أو نقدية نقرأها للمتعة والتسلية ثم نتركها وننساها، بل هي روح الثقافة وسداها والأدباء والكُتَّاب هم ألق المدنية وذاكرتها، والثقافة بوصفها ذلك الكل المركب الذي يشكل تفكيرنا وخيالنا وسلوكنا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا تعد الرهان الاستراتيجي لكل تنمية سياسية اجتماعية ممكنة. فضلاً عن كونها مصدراً حيوياً للإبداع والابتكار وتهذيب وتخصيب القيم الأخلاقية والجمالية الإنسانية وتنمية الذوق العامة، وهي مصدر للطاقة والإلهام والتنوع والاختلاف والتسامح ورحابة الأفق والأنوار والتنوير والشعور بالهوية والانتماء .. وغير ذلك من وظائف الثقافة الحيوية وهكذا كانت ومابرحت وظيفة الثقافة في التنمية المستدامة .
وإذا "كانت السياسة في كل الأزمان قد جعلت الناس مجانيين أو متوحشين أو بكلمة واحدة فاقدي العقل" كما قال دوبرية في كتابه المهم( نقد العقل السياسي) فإن الفضل الأول يعود للثقافة بوصفها القوة الإبداعية في التاريخ تشتمل على العلم والفن والأدب إذ هي من إعادة لهم عقولهم وجعلتهم متحضرين، بعد صراع مرير عبر التاريخ بين السيف والقلم والعقل والجسد فانتصر العقل والقلم أخيرا كما تروي قصة الحضارة الحديثة والمعاصرة التي كان للثقافة الدور الرئيس في تأسيس مشروعها المنتصر اليوم في العالم أجمع ! وهكذا باتت العلاقة بين السياسة والثقافة شديدة التكامل والتفاعل والتأثير والتأثر فإذا كانت وظيفة السياسة هي تدبير الشأن العام فإن وظيفة الثقافة هي نقل هذا التدبير من القوة الى الإمكان فلا سياسية ممكنة وقابلة للاستقرار والدوام بدون تنمية ثقافية عقلانية مستدامة للإنسان الذي لا يمكن له أن يكون إنساناً بدون التربية والتعليم والثقافة.
خطرت لي هذه الفكرة صباح اليوم في مقر المجلس الانتقالي الجنوبي في التواهي الذي تكرم رئيسه اللواء عيدروس الزبيدي بدعوتنا للتشاور حول قضايا الهم العام وماذا بمقدور الأدباء والكتاب الجنوبيين فعله في هذه اللحظة الحرجة من حياة مجتمعنا بما يجعله يسير في خطى راشدة الى بر الأمان!
كنا مجموعة من أعضاء اتحاد الأدباء والكتاب مع رئيس الاتحاد الزميل الدكتور مبارك سالمين ورئيس فرع عدن الدكتور عبد يحيى الدباني في حوار صريح مع رئيس المجلس الانتقالي وبعض أعضاء وعضوات المجلس ومنهن زميلتنا الأديبة الدكتورة منى باشراحيل.
في مستهل الجلسة رحب رئيس المجلس بالأدباء والكٌتاب مؤكداً" على الدور التنويري والتوعوي الكبير المنوط بقادة الفكر والمثقفين والأدباء في إعادة صياغة الوعي الجنوبي، وتعزيز قيم المحبة والتسامح في صفوف المجتمع باعتبار ذلك مهمة أصيلة من مهام هذه الطبقة المستنيرة والمثقفة"
ونحن بدورنا شكرنا المجلس على هذه الدعوة الكريمة وما يبديه من اهتمام باتحاد الأدباء والكتاب وبالشأن الثقافي العام وطرحنا وجهات نظرنا بصراحة وشفافية. وأتذكر أنني في لقاء اليوم قد كررت ما سبق وقلته في اللقاء السابق مع الأكاديميين بل وحاولت التركيز حول دور المجلس الأنتقالي بصفته مجلساً يسعى الى الأنتقال بالشعب الجنوبي من الوضع الثوري الى الفعل السياسي المنشود بإسناد ودعم دول التحالف العربي وماذا ينبغي عليه عمله الأن؟ إذ قلت أن الأمر الملح اليوم هو الإسراع في
توفير فرص العيش الكريم للعشرات الالف من الشباب العاطلين عن العمل بفتح مشاريع للاستثمار في مختلف مجالات الفعاليات الاقتصادية المعطلة: الزراعية والسمكية والصناعية والسياحية وكل الممكنات الواعدة بتوفير فرص العمل والإنتاج وفقاً للقاعدة التي تقول: ( كلما أتسعت فرص الحياة والعيش الكريم كلما ضاقت فرص الخراب والتطرف والإرهاب والعكس صحيح). وتكلمت عن النظرية السلوكية في علم النفس التي خلاصتها: أن توفير بيئة صالح للعيش الكريم كفيل بتنمية السلوك القويم أفضل الف مرة من التعليم والوعظ الأخلاقي المجاني!.
وتذكرت تعليق كتبه البارحة أحد أصدقائي الاعزاء عن أن "أول درس يجب تعليمه للأطفال والتلاميذ هو كيف يستخدموا المراحيض وينظفونها" وعقبت بإنه لابد أولاً من توفير المرحاض والماء والصابون في رياض الأطفال والمدارس حتى نعلمهم كيف استخدامه! والأدب والفكر والثقافة لا تجدي نفعاً في ظل غياب الشروط الأولية لتنميتها. بحسب نظرية هرم إبراهام ماسلو في الحاجات الإنسانية الاساسية .
وغير ذلك من الأشياء التي تناولها الزملاء الاعزاء في مداخلاتهم المتسمة بالمسؤولية في حمل أمانة الكلمة والتعبير عن هموم المسحوقين العامة بوصفنا صوت من لا صوت لهم !
وتضمنت مداخلتي برقية حملت إيصال رسالة الاستياء العام من تنسيقية الشباب التي اعلنها المجلس الأنتقالي يوم أمس واثارت ردود افعال سلبية عند قطاعات واسعة من الناشطين والناشطات الشباب وغيرهم! وقد أشعرنا الأخ العزيز عيدروس الزبيدي باهتمامه الصادق بكل الاّراء والانتقادات الهادفة لتصحيح مسار عمل المجلس الأنتقالي في سبيل تهيئة الشروط الممكنة للوصول الى الاستحقاق السياسي المنشود بتعاون وتضامن جميع النخب والفعاليات والحساسيات الاجتماعية المدنية وأغير المدنية الجنوبية !
وهنا أعيد وأختم إن التعليم والتثقيف والتوعية والتوعيظ لوحده لا يكفي لتنظيم السلوك وتقويمه بل لابد من شروط صالحة للعيش المنظم حتى يسود النظام . وأنّا أميل الى تيار المدرسة السلوكية في علم النفس التي خلاصتها : أعطني بيئة صالحة للعيش الكريم أعطيك مجتمع سوي السلوك! ولا توجد أمة تعّلم القيم الأخلاقية والنظام والنظافة كما هو حال الأمة العربية الإسلامية منذ مئات السنين ومع ذلك ها نحن نشوف كيف بلغ الخراب الأعماق! والفعل قبل الوعي والسلوك قبل الوعظ يا صديقي العزيز والشواهد كثيرة : خذ مجموعة من الناس الهمج الى دولة منظمة بقوة القانون مثل الدول الاوروبية ولاحظ كيف تتغير حياتهم في بضع سنوات والعكس صحيح وهذا أمر يطول شرحه. وحينما لا توجد مؤسسات عامة فاعلة فلابد من إنشاءها أو إعادة تأسيسها إذ يستحيل العيش في مجتمع منظم دون مؤسسات العدالة والقضاء والجيش والأمن والتعليم والتربية والثقافة ..الخ ونحن الذين تقع علينا مهمة تشكيل مؤسساتنا ثم تقوم هي بتشكيلنا وتنظيم وترشيد سلوكنا؟ وحاجة الناس الى مثٌل عُليا للفعل والسلوك أكثر ما حاجتهم للمواعظ والتعاليم والتعليمات.
جميع الحقوق محفوظة عدن الغد © {year}
الأربعاء 02 أغسطس 2017 09:31 صباحاً
د. قاسم المحبشي
في البدء تجدر الإشارة الى إن الأدب والكتابة ليس مجرد قصة أو قصيدة أو رواية أو مقالة فكرية أو نقدية نقرأها للمتعة والتسلية ثم نتركها وننساها، بل هي روح الثقافة وسداها والأدباء والكُتَّاب هم ألق المدنية وذاكرتها، والثقافة بوصفها ذلك الكل المركب الذي يشكل تفكيرنا وخيالنا وسلوكنا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا تعد الرهان الاستراتيجي لكل تنمية سياسية اجتماعية ممكنة. فضلاً عن كونها مصدراً حيوياً للإبداع والابتكار وتهذيب وتخصيب القيم الأخلاقية والجمالية الإنسانية وتنمية الذوق العامة، وهي مصدر للطاقة والإلهام والتنوع والاختلاف والتسامح ورحابة الأفق والأنوار والتنوير والشعور بالهوية والانتماء .. وغير ذلك من وظائف الثقافة الحيوية وهكذا كانت ومابرحت وظيفة الثقافة في التنمية المستدامة .
وإذا "كانت السياسة في كل الأزمان قد جعلت الناس مجانيين أو متوحشين أو بكلمة واحدة فاقدي العقل" كما قال دوبرية في كتابه المهم( نقد العقل السياسي) فإن الفضل الأول يعود للثقافة بوصفها القوة الإبداعية في التاريخ تشتمل على العلم والفن والأدب إذ هي من إعادة لهم عقولهم وجعلتهم متحضرين، بعد صراع مرير عبر التاريخ بين السيف والقلم والعقل والجسد فانتصر العقل والقلم أخيرا كما تروي قصة الحضارة الحديثة والمعاصرة التي كان للثقافة الدور الرئيس في تأسيس مشروعها المنتصر اليوم في العالم أجمع ! وهكذا باتت العلاقة بين السياسة والثقافة شديدة التكامل والتفاعل والتأثير والتأثر فإذا كانت وظيفة السياسة هي تدبير الشأن العام فإن وظيفة الثقافة هي نقل هذا التدبير من القوة الى الإمكان فلا سياسية ممكنة وقابلة للاستقرار والدوام بدون تنمية ثقافية عقلانية مستدامة للإنسان الذي لا يمكن له أن يكون إنساناً بدون التربية والتعليم والثقافة.
خطرت لي هذه الفكرة صباح اليوم في مقر المجلس الانتقالي الجنوبي في التواهي الذي تكرم رئيسه اللواء عيدروس الزبيدي بدعوتنا للتشاور حول قضايا الهم العام وماذا بمقدور الأدباء والكتاب الجنوبيين فعله في هذه اللحظة الحرجة من حياة مجتمعنا بما يجعله يسير في خطى راشدة الى بر الأمان!
كنا مجموعة من أعضاء اتحاد الأدباء والكتاب مع رئيس الاتحاد الزميل الدكتور مبارك سالمين ورئيس فرع عدن الدكتور عبد يحيى الدباني في حوار صريح مع رئيس المجلس الانتقالي وبعض أعضاء وعضوات المجلس ومنهن زميلتنا الأديبة الدكتورة منى باشراحيل.
في مستهل الجلسة رحب رئيس المجلس بالأدباء والكٌتاب مؤكداً" على الدور التنويري والتوعوي الكبير المنوط بقادة الفكر والمثقفين والأدباء في إعادة صياغة الوعي الجنوبي، وتعزيز قيم المحبة والتسامح في صفوف المجتمع باعتبار ذلك مهمة أصيلة من مهام هذه الطبقة المستنيرة والمثقفة"
ونحن بدورنا شكرنا المجلس على هذه الدعوة الكريمة وما يبديه من اهتمام باتحاد الأدباء والكتاب وبالشأن الثقافي العام وطرحنا وجهات نظرنا بصراحة وشفافية. وأتذكر أنني في لقاء اليوم قد كررت ما سبق وقلته في اللقاء السابق مع الأكاديميين بل وحاولت التركيز حول دور المجلس الأنتقالي بصفته مجلساً يسعى الى الأنتقال بالشعب الجنوبي من الوضع الثوري الى الفعل السياسي المنشود بإسناد ودعم دول التحالف العربي وماذا ينبغي عليه عمله الأن؟ إذ قلت أن الأمر الملح اليوم هو الإسراع في
توفير فرص العيش الكريم للعشرات الالف من الشباب العاطلين عن العمل بفتح مشاريع للاستثمار في مختلف مجالات الفعاليات الاقتصادية المعطلة: الزراعية والسمكية والصناعية والسياحية وكل الممكنات الواعدة بتوفير فرص العمل والإنتاج وفقاً للقاعدة التي تقول: ( كلما أتسعت فرص الحياة والعيش الكريم كلما ضاقت فرص الخراب والتطرف والإرهاب والعكس صحيح). وتكلمت عن النظرية السلوكية في علم النفس التي خلاصتها: أن توفير بيئة صالح للعيش الكريم كفيل بتنمية السلوك القويم أفضل الف مرة من التعليم والوعظ الأخلاقي المجاني!.
وتذكرت تعليق كتبه البارحة أحد أصدقائي الاعزاء عن أن "أول درس يجب تعليمه للأطفال والتلاميذ هو كيف يستخدموا المراحيض وينظفونها" وعقبت بإنه لابد أولاً من توفير المرحاض والماء والصابون في رياض الأطفال والمدارس حتى نعلمهم كيف استخدامه! والأدب والفكر والثقافة لا تجدي نفعاً في ظل غياب الشروط الأولية لتنميتها. بحسب نظرية هرم إبراهام ماسلو في الحاجات الإنسانية الاساسية .
وغير ذلك من الأشياء التي تناولها الزملاء الاعزاء في مداخلاتهم المتسمة بالمسؤولية في حمل أمانة الكلمة والتعبير عن هموم المسحوقين العامة بوصفنا صوت من لا صوت لهم !
وتضمنت مداخلتي برقية حملت إيصال رسالة الاستياء العام من تنسيقية الشباب التي اعلنها المجلس الأنتقالي يوم أمس واثارت ردود افعال سلبية عند قطاعات واسعة من الناشطين والناشطات الشباب وغيرهم! وقد أشعرنا الأخ العزيز عيدروس الزبيدي باهتمامه الصادق بكل الاّراء والانتقادات الهادفة لتصحيح مسار عمل المجلس الأنتقالي في سبيل تهيئة الشروط الممكنة للوصول الى الاستحقاق السياسي المنشود بتعاون وتضامن جميع النخب والفعاليات والحساسيات الاجتماعية المدنية وأغير المدنية الجنوبية !
وهنا أعيد وأختم إن التعليم والتثقيف والتوعية والتوعيظ لوحده لا يكفي لتنظيم السلوك وتقويمه بل لابد من شروط صالحة للعيش المنظم حتى يسود النظام . وأنّا أميل الى تيار المدرسة السلوكية في علم النفس التي خلاصتها : أعطني بيئة صالحة للعيش الكريم أعطيك مجتمع سوي السلوك! ولا توجد أمة تعّلم القيم الأخلاقية والنظام والنظافة كما هو حال الأمة العربية الإسلامية منذ مئات السنين ومع ذلك ها نحن نشوف كيف بلغ الخراب الأعماق! والفعل قبل الوعي والسلوك قبل الوعظ يا صديقي العزيز والشواهد كثيرة : خذ مجموعة من الناس الهمج الى دولة منظمة بقوة القانون مثل الدول الاوروبية ولاحظ كيف تتغير حياتهم في بضع سنوات والعكس صحيح وهذا أمر يطول شرحه. وحينما لا توجد مؤسسات عامة فاعلة فلابد من إنشاءها أو إعادة تأسيسها إذ يستحيل العيش في مجتمع منظم دون مؤسسات العدالة والقضاء والجيش والأمن والتعليم والتربية والثقافة ..الخ ونحن الذين تقع علينا مهمة تشكيل مؤسساتنا ثم تقوم هي بتشكيلنا وتنظيم وترشيد سلوكنا؟ وحاجة الناس الى مثٌل عُليا للفعل والسلوك أكثر ما حاجتهم للمواعظ والتعاليم والتعليمات.
جميع الحقوق محفوظة عدن الغد © {year}