المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إيمان ( أبو طالب ) من ذا ينكر


بن سـالم
05-07-2006, 07:33 PM
أقوال أبي طالب المثبته لإيمانه




أما أقوال أبي طالب سلام الله عليه فإليك عقودا عسجدية من شعره الرائق مثبتة في السير والتواريخ وكتب الحديث .

أخرج الحاكم في المستدرك (1) (2 / 623) بإسناده عن ابن إسحاق قال : قال أبو طالب أبياتا للنجاشي يحضه على حسن جوارهم والدفع عنهم ـ يعني عن المهاجرين إلى الحبشة من المسلمين :

ليعـــــلم خــــيار الناس أن محمدا * وزير لموسى والمسيح ابن مريم

أتانـــــا بهـــــدي مثــــل ما أتيا به * فكـــل بأمر الله يهدي ويعصم (2)

وإنكم تـــــتلونه فـــــي كتـــــابــكم * بصدق حـــــديث لا حديث المبرجم

وإنـــــك مـــــا تأتيك منها عصابة * بفـــــضلك إلا أرجعـــــوا بالتــكرم


وقال سلام الله عليه من قصيدة :

فبـــــلغ عـن الشحناء أفناء غالب * لويـــــا وتيـــــما عند نصر الكرائم

لانا سيوف الله والمجــــد كــــلــــه * إذا كان صوت القوم وجي الغمائم

ألم تعـــــلموا أن القـــــطيـعة مأثم * وأمـــــر بـــــلاء قــــاتم غير حازم

وأن سبـــــيـــل الرشد يعلم في غد * وأن نعـــــيم الـــــدهر ليـــس بدائم

فـــــلا تسفــــهن أحلامكم في محمد * ولا تتبعـــــوا أمـــــر الغــــواة الأشائم

تمنيـــــتـــــم أن تقــتـــــلــــوه وإنما * أمانيكـــــم هـــــذي كـــــأحلام نـــــــائم

وإنكـــــم والله لا تقـــتـــــلـــــونـــــه * ولما تروا قطف اللحى والغلاصم (1)

ولم تبصروا والأحياء منكم ملاحما * تحـــــوم عـــليها الطيـــــر بعــد ملاحم

وتدعـــــو بأرحام أواصـــــر بــيــننا * فـــــقد قـــــطع الأرحـام وقع الصوارم

زعـــــمتم بأنا مسلمـــــون محــمدا * ولمـــــا نقـــــاذف دونـــــه ونـــــزاحــم

مــن القوم مفضال أبي على العدى * تمـــــكن في الفرعــــيــن من آل هاشم

أميـــــن حبـــــيب فــي العباد مسوم * بخـــــاتم رب قاهـــــر فـــــي الخـــواتم

يـــــرى النــاس برهانا عليه وهيبة * وما جـــــاهل فـــــي قــــومه مثل عالم

نبـــــي أتـــــاه الــوحي من عند ربه * ومـــــن قـــــال لا يقـــرع بها سن نادم

تطيـــــف بـــــه جــــرثومة هاشمية * تذبـــــب عـــــنـــــه كــــل عــات وظالم

ديوان أبي طالب (ص 32) ، شرح ابن أبي الحديد (3 / 313) (2) .

ومن شعره في أمر الصحيفة التي سنوقفك على قصتها قوله :

ألا أبلـــــغا عـــــني عـــلى ذات بينها * لويـــــا وخـــــصا من لوي بني كعب

ألم تعـــــلموا أنـــــا وجـــــدنا محمدا * رســـولا كموسى خط في أول الكتب

وأن عـــــليـــــه في العـــــباد محــبة * ولا حيـــــف فيــمن خصه الله بالحب

وأن الـــــذي رقشتـــــم فــــي كتابكم * يكون لكم يوما كراغية السقب (3 )

ولا تتبعوا أمر الـــــغــــــواة وتقطعـــوا * أواصــرنا بعـــــــد المـــــودة والقـــرب

وتسجــــلبـــــوا حربا عوانا (2) وربما * أمر عـــــلى مــن ذاقــــه حلـب الحرب

فلسنـــــا وبـــيت الله نسلـــــم أحـــــمدا * لعزاء من عض الزمان ولا كــرب(3)

ولمـــــا تبـــــن منـــــا ومنــكم سوالف * وأيـــــد أتــــرت (4) بالمهندة الشـــهب

بمعـــــترك ضنــــك تـــــرى كـسر القنا * به والضباع العرج تعكف كالشـرب(5)

كـــــأن مجـــــال الخـــــيل فـي حجراته * ومعـــــمعة الأبطـــــال معـــركة الحرب

ألـــــيس أبونا هـــــاشــــم شـــــد أزره * وأوصى بنـــــيه بالطـــــعان وبالضــرب

ولســـــنا نمـــــل الحـــــرب حتـى تملنا * ولا نشتكـــــي مـــــما ينــوب من النكب

ولكنـــــنا أهـــــل الحـــــفائظ والنــــهى * إذا طـــــار أرواح الكمــــاة من الرعب

طـــــواني وقـــــد نامـــــت عيون كثيرة * وســـــامر أخـــــرى قاعـــــد لـم ينوم

لأحـــــلام أقـــــوام أرادوا محـــــمــــدا * بظـــــلم ومـــــن لا يتـــقي البغي يظلم

سعـــــوا سفـها واقتادهم سوء أمرهم * عـــــلى خــــائل من أمرهم غير محكم

رجـــــاة أمـــــور لم ينـــــالوا نظــامها * وإن نشـــــدوا فـــــي كــل بدو وموسم

يرجـــــون منـــــا خـــــطة دون نيـــلها * ضـــــراب وطعن بالوشيج المقوم (1)

يرجـــــون أن نسخـــــي بقـــــتل محمد * ولــــم يختضب سمر العوالي من الدم

كـــــذبتم وبـــــيت الله حـــــتى تفـــلقوا * جـــــماجم تلـــقى بالحميم وزموم (2)

وتقـــــطع أرحـــــام وتـــــنسى حــليلة * حـــــليلا ويغـــــشى محــرم بعد محرم

وينهـــــض قـــــوم بالحـــــديد إليــــكم * يـــــذبون عـــــن أحـــسابهم كل مجرم

هـــــم الأسد أسد الزارتين إذا غـــدت * على حنـــــق لـم تخـــش إعلام معــلم

فيا لبـــــني فـــــهر أفيــقوا ولم تقـــــم * نـــــوائح قتــلى تـــدعي بالتـسدم (3)

على ما مضى من بغيكم وعـــــقوقكم * وغـــــشيانكم فــــي أمرنا كـــل مأتـــم

وظلم نبـــــي جاء يدعو الى الهـــــدى * وأمر أتى من عند ذي العرش قيم(4)

فـــــلا تحـــــسبونا مسلمـــــيه ومثـله * إذا كـــــان فـــــي قــــوم فليس بمسلم

فهـــــذي معـــــاذير وتقـــــدمة لـــــكم * لـــــكيلا تكـــــون الحـــــرب قبل التقدم

ديوان أبي طالب (5) (ص 29) ، شرح ابن أبي الحديد (3 / 312) (6) .

وله قوله مخاطبا للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم :

والله لـــــن يصلـــوا إليك بجمعهم * حتـــــى أوســـد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وابشر بــــذاك وقـــر منك عيونا

ودعوتني وعلمت أنك ناصحـــــي * ولقد دعــوت وكنت ثم أمينا (1)

ولقـــــد عـــــلمت بأن ديـن محمد * من خـــــير أديـــــان البـرية دينا

‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌رواها الثعلبي في تفسيره وقال : قد أتفق على صحة نقل هذه الأبيات عن أبي طالب : مقاتل ، وعبد الله بن عباس ، والقسم بن محضرة ، وعطاء بن دينار .

راجع : (2) خزانة الأدب للبغدادي (1 / 261) ، تاريخ ابن كثير (3 / 42) ، شرح ابن أبي الحديد (3 / 306) ، تاريخ أبي الفدا (1 / 120) ، فتح الباري (7 / 153 ، 155) ، الإصابة (4 / 116) ، المواهب اللدنية (1 / 61) ، السيرة الحلبية (1 / 305 )، ديوان أبي طالب (ص 12) طلبة الطالب (ص 5) بلوغ الارب (1 / 325) ، السيرة النبوية لزيني دحلان هامش الحلبية (1 / 91/ 211 )، وذكر البيت الأخير في أسنى المطالب (ص 6) فقال: عدّة البرزنجي من كلام أبي طالب المعروف. لفت نظر:

زاد القرطبي وابن كثير في تاريخه على الأبيات:

لولا الملامة أو حذاري سبة * لوجــــدتني سمحا بذاك مبينا



قال السيد أحمد زيني دحلان في أسنى المطالب (1) (ص 14) : فقيل : إن هذا البيت موضوع أدخلوه في شعر أبي طالب وليس من كلامه .

قال الأميني : هب أن البيت الأخير من صلب ما نظمه أبو طالب عليه السلام فإن أقصى ما فيه أن العار والسبة ، اللذان كان أبو طالب عليه السلام يحذرهما خيفة أن يسقط محله عند قريش فلا تتسنى له نصرة الرسول المبعوث صلى الله عليه وآله وسلم ، إنما منعاه عن الإبانة والإظهار لاعتناق الدين ، وإعلان الإيمان بما جاء به النبي الأمين ، وهو صريح قوله : لوجدتني سمحا بذاك مبينا ، أي مظهرا ، وأين هو عن اعتناق الدين في نفسه ، والعمل بمقتضاه من النصرة والدفاع ؟ ولو كان يريد به عدم الخضوع للدين لكان تهافتا بينا بينه وبين أبياته الأولى التي ينص فيها بأن دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم من خير أديان البرية دينا ، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم صادق في دعوته أمين على أمته .

ومن شعره قوله قد غضب لعثمان بن مظعون حين عذبته قريش ونالت منه :

أمن تذكـــــر دهـــــر غـــــير مأمـــون * أصبحـــــت مكتـــــئبا تبكي كمحزون

أم من تـــــذكر أقـــــوام ذوي سفـــــه * يغـــشون بالظلم من يدعو إلى الدين

ألا تـــــرون أذل الله جـــــمعـــــكــــــم * إنا غـــــضبـــــنا لعــثمان بن مظعون

ونمنـــــع الضيــــم من يبغي مضيمنا * بكــــل مـــــطــرد فــــي الكف مسنون

ومرهـــــفات كـــــأن المـــلح خالطها * يشـــــفى بها الداء من هام المجانين

حتـــــى تقـــــر رجـــــال لا حــلوم لها * بعـــــد الصعـــــوبة بالأسماح واللين

أو تــــؤمنوا بكتـــــــاب منـــزل عجب * على نبي كموسى أو كذي النون (2)

ومن شعره يمدح النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قوله :

____________

لقـــــد أكـــــرم الله النبي محمدا * فأكرم خلق الله في الناس أحمد

وشـــــق لــــه من إسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد

أخرجه (1) البخاري في تاريخه الصغير من طريق علي بن يزيد ، وأبو نعيم في دلائل النبوة (1 / 6) ، وابن عساكر في تاريخه (1/275) ، وذكره له ابن أبي الحديد في شرحه (3 / 315) ، وابن كثير في تاريخه (1 / 266) ، وابن حجر في الإصابة (4 / 115) ، والقسطلاني في المواهب اللدنية (1 / 518) نقلا عن تاريخ البخاري ، والديار بكري في تاريخ الخميس (1 / 254) فقال : أنشأ أبو طالب في مدح النبي أبياتا منها هذا البيت :

وشق له من إسمه ليجله * ........................


حسان بن ثابت ضمن شعره هذا البيت فقال :

ألم تر أن الله أرسل عبده * بآياتـــه والله أعلى وأمجد

وشق له من إسمه ليجله * .................................

والزرقاني في شرح المواهب (3 / 156) وقال : توارد حسان معه أو ضمنه شعره وبه جزم في الخميس ، أسنى المطالب (2) (ص 14) .

ومن شعره المشهور كما قاله ابن أبي الحديد في شرحه (3) (3 / 315) .

أنـــــت النبــــي محمد * قـــــرم أغــــر مسود

لمســـــودين أكــــارم * طابـــوا وطاب المولد

نعـــم الأرومة أصلها * عمرو الخضم الأوحد

هشـــــم الربـيكة في الجفا * ن وعـــيش مكة أنكد (1)

فجـــــرت بـــــذلك سنــــــة * فيـــــها الخبــــيزة تـــــثرد

ولنـــــا السقـــــاية للحجيـ * ـج بهــــا يماث العنجد (2)

والمأزمان (3) وما حوت * عـــرفاتهــــــا والمسجــــد

أنى تضـــــام ولـــــم أمـت * وأنا الشجـــــاع العـــــربـد

وبطـــــاح مكـــــة لا يـرى * فيـــــها نجـــــيـــــع أســود

وبنـــــو أبـــــيك كأنـــــهــم * أســـــد العـــــرين توقـدوا

ولقـــــد عهـــــدتك صادقــا * فـــــي القـــــول لا يتـــزيد

ما زلت تنطـــــق بالصـــوا * ب وأنـــــت طـــــفل أمــرد

جاء أبو جهل بن هشام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ساجد وبيده حجر يريد أن يرميه به ، فلما رفع يده لصق الحجر بكفه فلم يستطع ما أراد ، فقال أبو طالب :

أفيقــوا بنـــــي غـــالب وانتهوا * عن الغي من بعض ذا المنطق

وإلا فـــــإني إذن خـــــائـــــــف * بوائـــــق فـــــي داركم تلتــــقي

تكـــــون لغـــــيركم عـــــبــــرة * ورب المغـــــارب والمـــــشرق

كمـــــا نــال من كان من قبلكم * ثمـــــود وعـــــاد ومــــــاذا بقي

غـــــداة أتاهـــــم بهــا صرصر * وناقـــــة ذي العـرش قد تستقي

فحـــــل علـــــيهم بهــــا سخطه * مـن الله في ضربة الأزرق (4)

____________

(1) عمرو : أسم هاشم بن عبد مناف . الخضم : كثير العطاء . الربيكة : طعام يعمل من تمر وأقط وسمن .

(2) مات الشيء ميتا : مرسه . ومات الملح في الماء : أذابه . العنجد : الزبيب .

(3) المأزمان : موضع بمكة بين المشعر الحرام وعرفة وهو شعب بين جبلين [ معجم البلدان : 5 / 40 ] . ( المؤلف)

(4) الأزرق : عاقر ناقة صالح .


--------------------------------------------------------------------------------

( 12 )

غـــــداة يعــــض بعــرقوبها * حــســاما من الهند ذا رونق

وأعجـب من ذاك في أمركم * عجــائب في الحجر الملصق

بكــــف الــذي قام مـن خبثه * إلى الصابر الصادق المتقي

فأثبــــته الله فــــي كــــفــــه * عــلى رغمه الجائر الأحمق

أحيمــق مخزومكم إذ غوى * لغــــي الغــــواة ولــم يصدق

ديوان أبي طالب (1) (ص 13) ، شرح ابن أبي الحديد (3 / 314) (2) .

قال ابن أبي الحديد في شرحه (3) (3 / 314) : قالوا : وقد اشتهر عن عبد الله المأمون رحمه الله أنه كان يقول : أسلم أبو طالب والله بقوله :

نصرت الرسول رسول المليك * ببــــيض تــــلألا كلمع البروق

أذب وأحمــــي رســــول الإلـه * حــــماية حــــام عـــليه شفيق

ومــــا إن أدت لأعــــدائــــــــه * دبيب البكار حذار الفـنيق (4)

ولكــــن أزيــــر لهــــم ســاميا * كما زار ليث بغــــيل مضيــق

وتوجد هذه الأبيات مع بيت زائد في ديوانه (5) (ص 24) .

ولسيدنا أبي طالب أبيات كتبها إلى النجاشي بعد ما خرج عمرو بن العاص إلى بلاد الحبشة ليكيد جعفر بن أبي طالب وأصحابه عند النجاشي . يحرض النجاشي على إكرام جعفر والإعراض عن ما يقوله عمرو (6) منها :

____________

(1) ديوان أبي طالب : ص 42 .

(2) شرح نهج البلاغة : 14 / 74 كتاب 9 .

(3) المصدر السابق .

(4) الفنيق : الفحل المكرم لا يؤذي ولا يركب لكرامته جمع فنق وأفناق . (المؤلف) .

(5) ديوان أبي طالب : ص 70 .

(6) ديوان أبي طالب ص 109 وهي مما استدركه محقق الديوان على جامعه .


--------------------------------------------------------------------------------

( 13 )



ألا ليت شعري كيف في الناس جعفر * وعــــمرو وأعــــداء النـبي الأقارب

وهــــل نال إحــسان النجاشي جعفرا * وأصحابه أم عاق عن ذاك شاغـــب

تعــــلم أبيــــت اللعــن (1) أنك ماجد * كــــريم فــــلا يشـــقى إليك المجانب

ونعــــلم أن الله زادك بـــــســــطـــــة * وأسبــــاب خــــير كــــلها بــك لازب

تاريخ ابن كثير (2) (3 / 77) ، شرح ابن أبي الحديد (3/314) .

قال ابن أبي الحديد في شرحه (3) (3 / 315) : ومن شعره المشهور أيضا قوله يخاطب محمدا ، ويسكن جأشه ، ويأمره باظهار الدعوة :

لا يمنعــــنك من حــــق تقـوم به * أيد تصــــول ولا سلـق بأصوات

فإن كفك كفي إن بهم مليت (4) * ودون نفسك نفسي في الملمات

قال ابن هشام (5) : ولما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها ، وتودد فيها أشراف قومه وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مسلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا تاركه لشيء أبدا ، حتى يهلك دونه ، فقال أبو طالب :

خــليلي ما أذنــــي لأول عــــاذل * بصغواء في حق ولا عند باطل

ولمــــا رأيــــت القوم لاود فيهم * وقد قطعوا كل العرى والوسائل

وقــد صارحونا بالعداوة والأذى * وقد طاوعوا أمر العدو المزايل

وقــــد حــــالفوا قـوما علينا أظـنة (1) * يعــــضون غــــيظا خلفــــنا بالأنامـــل

صبــــرت لهـــم نفسي بسمراء سمحة * وأبيض عضب من تراث المقاول (2)

* * *

أعوذ برب النـــــاس مـــــن كل طاعن * عـــــلينا بســـــوء أو ملـــــح بــــباطل

ومـــــن كـــــاشح يســــعى لنا بمعيبة * ومن ملحـــــق فــي الدين ما لم نحاول

وثـــــور ومـــــن أرســـى ثبيرا مكانه * وراق ليـــــرقى فــي حراء ونازل (3)

وبالبـــــيت حــــق البيت من بطن مكة * وبـــــالله إن الله ليـــــس بــغـــــافـــــل

وبالحـــــجر المســـــود إذ يمسحـــونه * إذا اكتـــــنـــــفوه بالضـــحى والأصائل

* * *

كـــــذبتم وبـــــيت الله نـــــترك مــــكـــــة * ونظعـــــن إلا أمـــــركم فـــــي بـــــلابــل

كـــــذبتم وبـــــيت الله نـــــبزى محـــــمدا * ولمـــــا نطاعـــــن دونـــــه ونناضل (4)

ونسلمـــــه حـــــتى نـــــصرع حـــــولــه * ونـــــذهل عـــــن أبنـــــائنا والحـــــلائــل

وينهـــــض قـــــوم بالحـــــديد إليـــــكـــم * نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل (5)

وحـــــتى نـــــرى ذا الظغـن يركب ردعه * من الطعـــــن فعل الأنكب المتحامل (6)

وإنا لعـــــمــــر الله إن جـــــد مـــــا أرى * لتلتـــــبس أسيافـــــنــا بـــــالأمـــــاثـــــل

بكـــــفي فتـــــى مثـــــل الشـهاب سميدع * أخـــــي ثقـــــة حـــــامي الحقـــيقة باسل

____________

شهــــــورا وأيامـــــا وحولا مجرما (1) * عـــــلينا وتـــــأتي حجـــــة بعـــــد قـــــابل

ومـــــا تـــــرك قـــــوم ـ لا أبا لك ـ سيدا * يحـــــوط الذمار غـــــير ذرب مـواكل (2)

وأبـــــيض يستـــــسقى الغمام بوجــــهه * ثمـــــال اليـــــتامى عـــــصمة للأرامـــــل

يلـــــوذ بـــــه الهلاك مـــــن آل هــــاشم * فـــــهم عـــــنده فـــــي رحــــــمة وفواضل

* * *

بميـــــزان قســـــط لا يخـــــيس شعـــيرة * لـــــه شـــــاهد مـن نفسه غير عائل (3)

لقـــــد سفهـــــت أحـــــلام قـــــوم تبـدلوا * بنـــــي خلـــــف قيـــضا بنا والغياطل (4)

ونحـــــن الصمـــــيم مـــــن ذؤابة هاشم * وآل قـــــصي فـــــي الخـــــطوب الأوائــل

وسهـــــم ومخـــــزوم تمـــــالوا وألـــبوا * عـــــلينا العـــدا من كل طمل وخامل (5)

فعـــــبد منـــــاف أمنـــــتم خـــــير قومكم * فـــــلا تشــركوا في أمركم كل واغل (6)

* * *

ألـــــم تعـــــلمـوا أن أبنـــــنا لا مكـــــذب * لـــــدينا لا نعـــــبا بقـــــول الأبـــــاطـــــل

أشـــــم مـــــن الشـــــم البهــــاليل ينتمي * إلى حـــــسب فـــــي حـومة المجد فاضل

لعـــــمري لقـــــد كلفـــــت وجــــدا بأحمد * وأحبـــــبته حـــــب الحبـــــيب المــواصل

فــــــلا زال فــــــي الدنيا جــــمالا لأهلها * وزيــــــنا لمــــــن والاه رب المشــــــاكل

فأصبــــــح فيــــــنا أحــــــمد فــي أرومة * تقــــــصر عــــــنه ســــــورة المتــــطاول

حــــــدبت بنــــــفسي دونــــــه وحــــميته * ودافعــــــت عــــنه بالذرى والكلاكل (1)

فــــأيــــــده رب العــــــبـاد بنــــــصــــــره * وأظهــــــر ديــــــنا حقــــــه غـــــير باطل

هذه القصيدة ذكر منها ابن هشام في سيرته (2) (1 / 286 ـ 298) ، أربعة وتسعين بيتا وقال : هذا ما صح لي من هذه القصيدة . وذكر ابن كثير منها اثنين وتسعين بيتا في تاريخه (3) (3 / 53 ـ 57) ، وفي رواية ابن هشام ثلاثة أبيات لم توجد في تاريخ ابن كثير وقال (ص 57) قلت : هذه قصيدة عظيمة بليغة جدا لا يستطيع يقولها إلا من نسبت إليه ، وهي أفحل من المعلقات السبع ، وأبلغ في تأدية المعنى فيها جميعها ، وقد أوردها الأموي في مغازيه مطولة بزيادات أخر والله أعلم .

وذكرها أبو هفان العبدي في ديوان أبي طالب (4) (ص 2 ـ 12) في مائة وأحد عشر بيتا ولعلها تمام القصيدة .

وقال ابن أبي الحديد في شرحه (5) (3 / 315) بعد ذكر جملة من شعر أبي طالب : فكل هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر ، لأنه إن لم تكن آحادها متواترة فمجموعها يدل على أمر واحد مشترك وهو تصديق محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ومجموعها متواتر كما أن كل واحدة من قتلات علي عليه السلام الفرسان منقولة آحادا ومجموعها متواتر يفيدنا


العلم الضروري بشجاعته ، وكذلك القول فيما روي من سخاء حاتم وحلم الأحنف ومعاوية وذكاء أياس وخلاعة أبي نواس وغير ذلك . قالوا : واتركوا هذا كله جانبا ، ما قولكم في القصيدة اللامية التي شهرتها كشهرة قفا نبك ؟ وإن جاز الشك فيها أو في شيء من أبياتها جاز الشك في قفا نبك وفي بعض أبياتها .

وقال القسطلاني في إرشاد الساري (1) (2 / 227) : قصيدة جليلة بليغة من بحر الطويل ، وعدة أبياتها مائة وعشرة أبيات ، قالها لما تمالأ قريش على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونفروا عنه من يريد الإسلام .

وذكر منها في المواهب اللدنية (2) (1 / 48) ، أبياتا فقال : هي أكثر من ثمانين بيتا قال ابن التين : إن في شعر أبي طالب هذا دليلا على أنه كان يعرف نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يبعث لما أخبره به بحيرا وغيره من شأنه . وقال العيني في عمده القاري (3) : (3 / 434) قصيدة طنانة وهي مائة بيت وعشرة أبيات أولها :

خــــليلي مــــا أذني لأول عاذل * بصغواء في حق ولا عند باطل

وذكر منها البغدادي في خزانة الأدب (4) (1 / 252 ـ 261) اثنين وأربعين بيتا مع شرحها ، وقال : أولها :

خــــــليلي مـــــا أذني لأول عاذل * بصغــــواء في حق ولا عند باطل

خـــليلي إن الــرأي ليس بشركة * ولا نهنه عند الأمور البلابل (5)

ولمــــا رأيت القوم لاود عندهم * وقد قطعوا كل العرى والوسائل

وذكر الآلوسي عدة منها في بلوغ الأرب (1) (1 / 237) وذكر كلمة ابن كثير المذكور وقال : هي مذكورة مع شرحها في كتاب لب لباب لسان العرب .

وذكر منها السيد زيني دحلان أبياتا في السيرة النبوية هامش الحلبية (2) (1 / 88) فقال : قال الإمام عبد الواحد السفاسقي (3) في شرح البخاري : إن في شعر أبي طالب هذا دليلا على أنه كان يعرف نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يبعث لما أخبره به بحيرا الراهب وغيره من شأنه ، مع ما شاهده من أحواله ، ومنها الاستسقاء به في صغره ومعرفة أبي طالب بنبوته صلى الله عليه وآله وسلم ، جاءت في كثير من الأخبار زيادة على أخذها من شعره .

قال الأميني : أنا لا أدري كيف تكون الشهادة والاعتراف بالنبوة إن لم يكن منها هذه الأساليب المتنوعة المذكورة في هذه الأشعار ؟ ولو وجد واحد منها في شعر أي أحد أو نثره لأصفق الكل على إسلامه ، لكن جميعها لا يدل على إسلام أبي طالب . فاعجب واعتبر !

هذه جملة من شعر أبي طالب عليه السلام الطافح من كل شطره الإيمان الخالص ، والإسلام الصحيح ، قال العلامة الأوحد ابن شهرآشوب المازندراني في كتابه متشابهات القرآن عند قوله تعالى : (ولينصرن الله من ينصره) (4) : إن أشعار أبي طالب الدالة على إيمانه تزيد على ثلاثة آلاف بيت يكاشف فيها من يكاشف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويصحح نبوته . ثم ذكر جملة ضافية ومما ذكر له قوله في وصيته :

أوصــــــي بنصــــــر نـــبي الخير أربعة * إبنــــــي عــــــليا وشيــــخ القوم عباسا

وحمــــــزة الأســــــد الحــــامي حقيقته * وجعــــــفرا أن تــــــذودا دونـــــه الناسا

كــــــونوا فــــــداء لكـم أمي وما ولدت * في نصر أحمد دون الناس أتراســـا (1)



ـ 2 ـ

ما ناء به من عمل بار وقول مشكور

أما ما ناء به سيد الأباطح أبو طالب سلام الله عليه من عمل بار وسعي مشكور في نصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلاءته والذب عنه والدعوة إليه وإلى دينه الحنيف منذ بدء البعثة إلى أن لفظ أبو طالب نفسه الأخير ، وقد تخلل ذلك جمل من القول كلها نصوص على إسلامه الصحيح ، وإيمانه الخالص ، وخضوعه للرسالة الإلهية ، فإلى الملتقى . روى القوم :

1 ـ قال ابن إسحاق : إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجرا ، فلما تهيأ للرحيل وأجمع السير هب له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ بزمام ناقته وقال : يا عم إلى من تكلني لا أب لي ولا أم لي ؟ فرق له أبو طالب وقال : والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا . قال : فخرج به معه ، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وتهيأ راهب يقال له بحيرا في صومعة له ، وكان أعلم أهل النصرانية ، ولم يزل في تلك الصومعة راهب إليه يصير علمهم من كتاب فيهم كما يزعمون يتوارثونه كائنا عن كائن ، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون عليه قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يتعرض لهم ، حتى إذا كان ذلك العام نزلوا به قريبا من صومعته فصنع لهم طعاما كثيرا وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا ، وغمامة تظله صلى الله عليه وآله وسلم من بين القوم . ثم أقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة وتهصرت ، يعني تدلت أغصانها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى

____________

(1) في النسخة المطبوعة من متشابهات القرآن تصحيف وتحريف في الأبيات . راجع : 2 / 65 . (المؤلف) .


--------------------------------------------------------------------------------

( 20 )


استظل تحتها ، فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع ، ثم أرسل إليهم فقال : إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ، وأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم ، فقال له رجل منهم : يا بحيرا إن لذلك اليوم لشأنا ما كنت تصنع هذا فيما مضى وقد كنا نمر بك كثيرا ، فما شأنك اليوم ؟ فقال له بحيرا : صدقت قد كان ما تقولون ، ولكنكم ضيوف فأحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم ، فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة .

فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرفها وهي موجودة عنده ، فقال : يا معشر قريش لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا ، فقالوا : يا بحيرا ما تخلف عنك أحد ينبغي أن يأتيك إلا غلام هو أحدث القوم سنا تخلف في رحالهم ، قال : فلا تفعلوا ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم ، فقال رجل من قريش: والات والعز أن لهذا اليوم نبأ. أيليق أن يتخلف ابن عبد الله عن الطعام من بيننا؟ ثم قام إليه فاحتضنه ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم. فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظاً شديداً وينظر الى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده في صفته حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا قام بحيرا فقال له: يا غلام أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما اسألك عنه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تسلني باللات والعزى شيئاً قط، فقال بحيرا: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه. فقال: سلني عما بدا لك. فجعل يسأله عن أشياء من نومه وهيئته وأموره ورسول الله يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته، ثم نظر الى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده. الحديث.

فقال ابو طالب في ذلك:

إن ابن آمنة النبي محمداً * عندي يفوق منازل الأولاد



لما تعــــلق بالــــزمام رحــــمـتـــــــه * والعــــيس قــــد قلصن (1) بالأزواد

فــــارفض مــــن عــــيني دمع ذارف * مثــــل الجــــمان مفــــرق الافــــراد

راعــــيت فيــــه قــــرابة مــــوصولة * وحفظــــت فــــيه وصيــــة الأجـــداد

وأمــــرته بالسيــــر بين عــــمومـــة * بــــيض الوجوه مصالت أنجـــاد (2)

ســــاروا لأبعــــد طيــة معــــلومــــة * فلقــــد تباعــــد طيــــة (3) المرتـــاد

حـــتــــى إذا ما القوم بصرى عاينوا * لا قوا على شرك من المرصاد (4 )

حبــــراً فأخــــبرهم حــــديثاً صـــادقاً * عــــنــــه ورد معــــاشر الحــــســــاد

قــــوم يهــــود قــــد رأوا لمــــا رأى * ظــــل الغــــمام وعن ذي الأكباد (5)

ثــــاروا لقتــــل محــــمد فنــــهاهــــم * عــــنه وجاهــــد أحــــسن التجــــهاد

فثــــنى زبــــيراً من بحــــيرا فانثــنى * فــــي القــــوم بعــد تجاولٍ وبعاد (6)

ونهــــى دريــــساً فانــــتهى عن قوله * حبــــر يوافــــق أمــــره بــــرشــــاد

وقال أيضاً:

ألم ترني من بعد هم هممته * بفرقة حر الولدين حرام (7
بأحــــــمد لمــــا أن شددت مطيتي * برحلــــــي وقــــــد ودعــته بسلام

بكـــى حزناً والعيس قد فصلت بنا * وأخــــــذت بالكفــــــين فضل زمام

ذكــــــرت أبـــــاه ثم رقرقت عبرة * تجود من العينــــــين ذات سجــــام

فقـــلت: ترحل راشداً في عمومة * مواسير في البأساء غير لئــام(1)

فجـــاء مع العير التي راح ركبها * شــآمي الهوى والاصل غــير شآم

فلما هبطنا أرض بصرى تشرفوا * لنـــا فـــوق دور ينــــظرون جــسام

فـجــــــاء بحـــيرا عند ذلك حاشداً * لــــــنا بشــــــراب طيــــــب وطعـام

فقــــــال اجمعوا أصحابكم لطعامنا * فقــــــلنا جمعــــنا القوم غير غلام

يتيــــــم فقــــــال ادعوه إن طعامنا * كثــــــير عــــــليه اليوم غير حرام

فلــــــو لا الـــذي خبرتم عن محمد * لكنــــــتم لديـــــنا ا ليوم غير كرام

فلمــــــا رآه مقبــــــلاً نحـــــو داره * يوقــــــيه حـــر الشمس ظل غمام

حـــــنا رأسه شبه السجود وضمه * إلــــــى نحـــره والصدر أي ضمام

وأقبــــــل ركب يطـلبون الذي رأى * بحــــــيرا مــن الاعلام وسط خيام

فثــــــار اليهم خشيةً لعرامهم (2) * وكــــــانوا ذوي بغــــي لنا وعرام

دريس وتمــــام وقد كان فيهم (3) * زبــــــير وكــــــل القــوم غير نيام

فجــــــاؤوا وقـــد هموا بقتل محمد * فــــــردهم عــنـــــه بحسن خصام

بتأويلــــــه التــــــوراة حـتى تيقنوا * وقــــــال لهــــــم رمتـم أشد مرام

أتبغــــــون قتــــــلاً للنــــــبي محمد * خــــــصصتم على شؤم بطول أثام

وإن الــــــذي نخــــــتاره منـه مانع * سيكــــــفيه منــــــكم كـيد كل طغام

فــــــذلك مــــــن أعــــــلامه وبيانه * وليــــــس نهــــــار واضــح كظلام

____________



ديوان أبي طالب (1) (ص 33 ـ 35)، تاريخ ابن عساكر (2) (1 / 269 ـ 272)، الروض الأنف (3) (ا / 120).

وذكر السيوطي الحديث من طريق البيهقي في الخصائص الكبرى (4) (1 / 84) فقال في (ص 85): وقال أبو طالب في ذلك أبياتاً منها:

فما رجعوا حتى رأوا من محمد * أحاديـــث تجلو غــــم كــــل فواد

وحتــــــى رأوا أحبار كـل مدينة * سجــــــوداً لـه من عصبةٍ وفراد

زبــــيراً وتماماً وقد كان شاهداً * دريساً وهمــــــوا كـــــلهم بفساد

فـــــقال لهم قولاً بحيرا وأيقنوا * له بعـــــد تـــــكذيب وطــــول بعاد

كمــــا قال للرهط الذين تهودوا * وجـــــاهدهم فـــــي الله كل جهاد

فـــقال ولم يترك له النصح رده * فـــــإن لـــــه إرصــــاد كل مصاد

فإنـــــي أخــاف الحاسدين وإنه * لفـــــي الكتـــب مكتوب بكل مداد

استسقاء أبي طالب بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم:

أخرج ابن عساكر في تاريخه في تاريخه (5) عن جلهمة بن عرفطة قال: قدمت مكة وهم في قحط فقالت قريش: يا أبا طالب أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهلم واستسق. فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنه سحابه قتماء وحوله أغيلمة، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بإصبعه الغلام، وما في السماء قزعة (6 )،


فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا، واغدق وأغدودق، وانفجر له الوادي، وأخصب البادي والنادي، وفي ذلك قول أبو طالب:

وأبيض يستسقى الغمم بوجهه * ثمـــال اليتامى عصمة للأرامل

يلــــوذ به الهلاك من آل هاشمٍ * فهم عـــنــده في نعمة وفواضل

وميــزان عدل لا يخيس شعيرةً * ووزان صـــدق وزنه غير هائل

شرح البخاري للقسطلاني (2 / 227)، المواهب اللدنية (1 / 48)، الخصائص الكبرى (86 / 124)، شرح بهجة المحافل (1 / 119)، السيرة الحلبية (1 / 125)، السيرة النبوية لزيني دحلان هامش الحلبية (1 / 87)، طلبة الطالب (ص 42) (1 ).

ذكر الشهرستاني في الملل والنحل (2) بهامش الفصل (3 / 225) سيدنا عبد المطلب وقال: ومما يدل علي معرفته بحال الرسالة وشرف النبوة أن أهل مكة لما أصابهم ذلك الجدب العظيم، وأمسك السحاب عنهم سنتين، أمر أبا طالب ابنه أن يحضر المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو رضيع في قماط، فوضعه على يديه واستقبل الكعبة رماه إلى السماء وقال: يا رب بحق هذا الغلام. ورماه ثانياً وثالثاً وكان يقول: بحق هذا الغلام اسقنا غيثاً مغيثاً دائماً هاطلاً. أن يلبث ساعة طبق السحاب وجه السماء وأمطر حتى خافوا على المسجد، وأنشد أبو طالب ذلك الشعرالامي الذي منه:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمــــال اليتامى عصمة للأرامل

ثم ذكر أبياتاً من القصيدة، ولا يخفى على الباحث أن القصيدة نظمها أبو طالب عليه السلام أيام كونه في الشعب كما مر.



فاستسقاء عبد المطلب وابنه سيد الأبطح بالنبي الأعظم يوم كان صلى الله عليه وآله وسلم رضيعاً يافعاً يعرب عن توحيدهما الخالص، وإيمانهما بالله، وعرفانهما بالرسالة الخاتمة، وقداسة صاحبها من أول يومه، ولو لم‌‌‌‌‍‌ يكن لهما إلا هذان الموقفان لكفياهما، كما يكفيان الباحث عن دليل آخر على اعتناقهما الإيمان.

3 ـ أبو طالب في مولد أمير المؤمنين عليه السلام:

عن جابر بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ميلاد علي بن أبي طالب فقال: «لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبه المسيح عليه السلام، إن الله تبارك وتعالى خلق علياً من نوري وخلقني من نوره وكلانا من نور واحد، ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم عليه السلام في أصلاب طاهرة إلى أرحام زكية، فما نقلت من صلب إلا ونقل علي معي، فلم نزل كذلك حتى استودعني خير رحم وهي آمنة. واستودع علياً خير رحم وهي فاطمة بنت أسد ». وكان في زماننا رجل زاهد عابد يقال له المبرم بن دعيب بن الشقبان قد عبد الله تعالى مائتين وسبعين سنة لم يسأل الله حاجة، فبعث الله إليه أبا طالب، فلما بصره المبرم قام إليه وقبل رأسه وأجلسه بين يديه ثم قال: من أنت؟ فقال: رجل من تهامة. فقال: من أي تهامة؟ فقال: من بني هاشم. فوثب العابد فقبل رأسه ثم قال: يا هذا إن العلي الأعلى ألهمني إلهاماً. قال أبو طالب: وما هو؟ قال: ولد يولد من ظهرك وهو ولي الله جل وعلى. فلما كان الليلة التي ولد فيها علي أشرقت الأرض، فخرج أبو طالب وهو يقول: أيها الناس ولد في الكعبة ولي الله، فلما أصبح دخل الكعبة وهو يقول:

يا رب هـــــذا الغـسق الدجي * والقمـــــر المنبلــج المضي

بيـــــن لنــا من أمرك الخفي * ماذا ترى في إسم ذا الصبي

قال: فسمع صوت هاتف يقول:

أهل بيت المصطفى النبي * خصـــــصتم بالـــوالد الزكي

إن اسمــه من شامخ العلي * عـــــلـــي اشتــق من العلي

أخرجه الحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب (1) (ص 260) وقال: تفرد به مسلم بن خالد الزنجي وهو شيخ الشافعي، وتفرد به عن الزنجي عبد العزيز بن عبد الصمد وهو معروف عندنا.

4 ـ بدء أمر النبي وأبو طالب

أخرج فقيه الحنابلة إبراهيم بن علي بن محمد الدينوري في كتابه نهاية الطلب وغاية السؤول في مناقب آل الرسول (2) بإسناده عن طاووس عن ابن عباس في حديث طويل: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للعباس رضى الله عنه إن الله قد أمرني بإظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني فما عندك؟ فقال له العباس رضي الله عنه: يا بن أخي تعلم أن قريشاً أشد الناس حسداً لولد أبيك، وإن كانت هذه الخصلة كانت الطامة الطماء والداهية العظيمة ورمينا عن قوس واحد وانتسفونا نسفاً، صلتا (3) ولكن قرب إلى عمك أبي طالب فإنه كان أكبر أعمامك إن لا ينصرك لا يخذلك ولا يسلمك، فأتياه، فلما رآهما أبو طالب قال: إن لكما لظنة وخبراً، ما جاء بكما في هذا الوقت؟ فعرفه العباس ما قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما أجابه به العباس، فنظر إليه أبو طالب وقال له: أخرج يا بن أخي فإنك الرفيع كعباً، والمنيع حزباً، والأعلى أباً، والله لا يسلقك لسان إلا سلقته ألسن حداد، واجتذبته سيوف حداد، والله لتذلن لك العرب ذل البهم لحاضنها، ولقد كان أبي يقرأ الكتاب جميعاً، ولقد قال: إن من صلبي لنبياً، لوددت أني أدركت ذلك


الزمان فآمنت به، فمن أدركه من ولدي فليؤمن به.

قال الأميني: أترى أن أبا طالب يروي ذلك عن أبيه مطمئناً به؟ وينشط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا التنشيط لأول يومه، ويأمره بإشهار أمره والإشادة بذكر الله، وهو مخبت بأنه هو ذلك النبي الموعود بلسان أبيه والكتب السالفة، ويتكهن بخضوع العرب له، أتراه سلام الله عليه يأتي بهذه كلها ثم لا يؤمن به؟ إن هذا إلا اختلاف.

5 ـ أبو طالب وفقده النبي صلى الله عليه وآله وسلم

ذكر ابن سعد الواقدي في الطبقات الكبرى (1) (1 / 186) طبع مصر و (ص 135) طبع ليدن حديث ممشى قريش إلى أبي طالب في أمره صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن قال: فاشمأزوا ونفروا منها ـ يعني من مقالة محمد ـ وغضبوا وقاموا وهم يقولون: اصبروا على آلهتكم، إن هذا لشيء يراد، ويقال المتكلم بهذا عقبة بن أبي معيط. وقالوا: لا نعود إليه أبداً، وما خير من أن نغتال محمداً. فلما كان مساء تلك الليلة فقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجاء أبو طالب وعمومته إلى منزله فلم يجدوه، فجمع فتياناً من بني هاشم وبني المطلب ثم قال: ليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة، ثم ليتبعني إذا دخلت المسجد، فلينظر كل فتى منكم فليجلس إلى عظيم من عظمائهم فيهم ابن الحنظلية ـ يعني أبا جهل ـ فإنه لم يغب عن شر إن كان محمد قد قتل، فقال الفتيان: نفعل، فجاء زيد بن حارثة فوجد أبا طالب على تلك الحال؛ فقال: يا زيد أحسست ابن أخي؟ قال: نعم كنت معه آنفاً. فقال أبو طالب: لا أدخل بيتي أبداً حتى أراه ؛ فخرج زيد سريعاً حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بيت عند الصفا ومعه اصحابه يتحدثون فأخبر الخبر فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بي طالب، فقال: يا بن أخي أين كنت؟ أكنت في خير؟ قال: نعم. قال: ادخل بيتك، فدخل

____________

(1) الطبقات الكبرى: 1 / 202 ـ 203.


--------------------------------------------------------------------------------

( 28 )


رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فلما أصبح أبو طالب غدا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ بيده فوقف به على أندية قريش ومعه الفتيان الهاشميون والمطلبيون فقال: يا معشر قريش هل تدرون ما هممت به؟ قالوا: لا. فأخبرهم الخبر، وقال للفتيان: اكشفوا عما في أيديكم فكشفوا، فإذا كل رجل منهم معه حديدة صارمة فقال: والله لو قتلتموه ما بقيت منكم أحداً. حتى نتفانى نحو وأنتم، فانكسر القوم وكان أشدهم انكساراً أبو جهل.

لفظ آخر :

وأخرج الفقيه الحنبلي إبراهيم بن علي بن محمد الدينوري في كتابه نهاية الطلب (1) بإسناده عن عبد الله بن المغيرة بن معقب، قال: فقد أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فظن أن بعض قريش اغتاله فقتله، فبعث إلى بني هاشم فقال: يا بني هاشم أظن أن بعض قريش اغتال محمداً فقتله، فليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة وليجلس إلى جنب عظيم من عظماء قريش، فإذا قلت: أبغي محمداً. قتل كل منكم الرجل الذي إلى جانبه. وبلغ رسول الله جمع أبي طالب وهو في بيت عند الصفا، فأتى أبا طالب وهو في المسجد، فلما رآه أبو طالب أخذ بيده ثم قال: يا معشر قريش، فقدت محمداً فظننت أن بعظكم أغتاله فأمرت كل فتى شهد من بني هاشم أن يخذ حديدةً ويجلس كل واحد منهم إلى عظيم منكم، فإذا قلت: أبغي محمداً قتل كل واحد منهم الرجل الذي إلى جنبه، فاكشفوا عما في أيديكما يا بني هاشم فكشف بنو هاشم عما في أيديهم فنظرت قريش إلى ذلك فعندها هابت قريش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أنشأ أبو طالب:

ألا أبلغ قريشاً حيث حلت * وكـــل سرائر منها غرور

فإنـــــي والضــوابح عاديات (1) * وما تـــــتلو السفـاسرة الشهور

لآل محـــــمد راعٍ حـــــفـــــيـــــظ * وود الصـــــدر منــــي والضمير

فلســـــت بقاطـــع رحمي وولدي * ولـــــو جـــرت مظالمها الجزور

أيـــــأمر جـــــمعهم أبــــناء فهر * بقتـــــل محـــــمد والأمـــــر زور

فـــــلا وأبيك لا ظـــــفرت قريش * ولا أمـــــت رشـــــاداً إذ تشيـــــر

بنـــــي أخـــــي ونوط القلب مني * وأبـــــيض مـــــاؤه غـــــدق كثير

ويشـــــرب بعـــــده الــولدان رياً * وأحمـــــد قـــــد تضمنــــه القبور

أيا بن الأنف أنف بني قصي (3) * كأن جبـــــينك القـــــمر المنــــير

لفت نظر:

قال شيخنا العلامة المجلسي في البحار (4) (9 / 31): روى جامع الديوان ـ يعني ديوان أبي طالب ـ نحو هذا الخبر مرسلاً ثم ذكر الأشعار هكذا…

فذكر الأشعار وفيها زيادة عشرين بيتاً على ما ذكر، وهي لا توجد في الديوان المطبوع لسيدنا أبي طالب.

لفظ ثالث:

وقال السيد فخار بن معد في كتابه الحجة (5) (ص 61): وأخبرني الشيخ الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد ابن الجوزي المحدث البغدادي ـ وكان ممن يرى كفر أبي طالب ويعتقده ـ بواسط العراق سنة إحدى وتسعين وخمسمائة بإسناد له إلى الواقدي،


قال: كان أبو طالب بن عبد المطلب لا يغيب صباح النبي ولا مساءه، ويحرسه من أعدائه ويخاف أن يغتالوه فلما كان ذات يوم فقده فلم يره وجاء المساء فلم يره وأصبح الصباح فطلبه في مظانه فلم يجده فلزم أحشاءه وقال: واولداه، وجمع عبيده ومن يلزمه في نفسه فقال لهم: إن محمداً قد فقدته في أمسنا ويومنا هذا ولا أظن إلا أن قريشاً قد اغتالته وكادته وقد بقي هذا الوجه ما جئته، وبعيد أن يكون فيه واختار من عبيده عشرين رجلاً، فقال: امضوا وأعدوا سكاكين وليمض كل رجل منكم وليجلس إلى جنب سيد من سادات قريش، فان أتيت ومحمد معي فلا تحدثن أمراً وكونوا على رسلكم حتى أقف عليكم، وإن جئت وما محمد معي فليضرب كل منكم الرجل الذي إلى جانبه من سادات قريش. فمضوا وشحذوا سكاكينهم حتى رضوها، ومضى أبو طالب في الوجه الذي أراده ومعه رهطه من قومه فوجده في أسفل مكة قائماً يصلى إلى جنب صخرة فوقع عليه وقبله وأخذ بيده وقال: يا بن أخ قد كدت أن تأتي على قومك، سر معي، فأخذ بيده وجاء إلى المسجد وقريش في ناديهم جلوس عند الكعبة، فلما رأوه قد جاء ويده في يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: هذا أبو طالب قد جاءكم بمحمد إن له لشأناً، فلما وقف عليهم والغضب في وجهه قال لعبيده: أبرزوا ما في أيديكم فأبرز كل واحد منهم ما في يده. فلما رأوا السكاكين قالوا: ما هذا يا أبا طالب؟ قال: ما ترون؛ إني طلبت محمداً فلم أره منذ يومين فخفت أن تكونوا كدتموه ببعض شأنكم، فأمرت هؤلاء أن يجلسوا حيث ترون وقلت لهم: إن جئت وليس محمد معي فليضرب كل منكم صاحبه الذي إلى جنبه ولا يستأذني فيه، ولو كان هاشمياً، فقالوا: وهل كنت فاعلاً؟ فقال: أي ورب هذه وأومى إلى الكعبة، فقال له المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وكان من أحلافه: لقد كدت تأتي على قومك؟ قال هو ذلك. ومضى به وهو يقول:

إذهب بني فما عليك غضاضة * إذهــــب وقر بذاك منك عيونا

والله لــن يصلوا إليك بجمعهم * حتـــــى أوسـد في التراب دفينا

ودعوتني وعملت أنك ناصحي * ولقـــــد صدقت وكنت قبل أمينا

وذكـــــرت ديـــناً لا محالة أنه * من خير أديان البرية دينا (1)

فرجعت قريش على أبي طالب بالعتب والاستعطاف وهو لا يحفل بهم ولا يلتفت إليهم.

قال الأميني: هذا شيخ الأبطح يروقه أن يضحي كل قومه دون نبي الإسلام وقد تأهب لأن يطأ القوميات كلها والأواصر المتشجة بينه وبين قريش بأخمص الدين، فحياها الله من عاطفة إلهية، وآصرة دينية هي فوق أواصر الرحم.

6 ـ أبو طالب في بدء الدعوة:

لما نزلت: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (2 ). خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصعد على الصفا فهتف: يا صباحاه. فاجتمعوا إليه، فقال: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح الجبل أكنتم مصدقي؟" قالوا: نعم ما جربنا عليك كذباً. قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". فقال أبو لهب: تباً لك، أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم أحضر قومه في داره، فبادره وقال: هؤلاء هم عمومتك وبنو عمك فتكلم ودع الصبأة (3) واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة، وأن أحق من أخذك فحبسك بنو أبيك، وإن أقمت ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن ينب لك بطون قريش، وتمدهم العرب، فما رأيت أحداً جاء على بني أبيه بشر مما جئتهم به. فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يتكلم.



ثم دعاهم ثانية وقال: «الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له. ثم قال: إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إل هو إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنما الجنة أبداً والنار أبداً».

فقال أبو طالب: ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقنا لحديثك، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون وإنما أنا أحدهم غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به، فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب( 1 ).

قال الأميني: لم يكن دين عبد المطلب سلام الله عليه إلا دين التوحيد والإيمان بالله ورسله وكتبه غير مشوب بشيء من الوثنية، وهو الذي كان يقول في وصياه: إنه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم منه وتصيبه عقوبة. إلى أن هلك ظلوم لم تصبه عقوبة. فقيل له في ذلك، ففكر في ذلك، فقال: والله إن وراء هذه الدار داراً يجزى فيها المحسن بإحسانه، ويعاقب المسيء باساته، وهو الذي قال لأبرهة: إن لهذ البيت رباً يدب عنه ويحفظه، وقال وقد صعد ابا قبيس:

لاهـــــم إن المــرء يمـ * ـنع حله فامنــع حلالك

لا يغـــــلبن صليـــــبهم * ومحالهم عـدوا محالك

فأنصر على آل الصليـ * ـب وعـابديـه اليوم آلك

إن كنــت تاركهم وكعـ * ـبتنا فمر ما بدا لك (2)


ويعرب عن تقدمه في الإيمان الخالص والتوحيد الصحيح انتماء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه ومباهاته به يوم حنين بقوله:

أنـــــا النـــــبي لا كــــذب * أنا ابن عبد المطلب (1)

وقد أجاد الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي في قوله:

تنقل أحمد نوراً عظيماً تلالا * في جـــــباه الساجـــــديـــــنا

تقـــــلب فيـــــهم قـرناً فقرناً * إلى أن جاء خير المرسلينا

وهذا هو الذي أراده أبو طالب ـ سلام الله عليه ـ بقوله: نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب. وهو صريح بقية كلامه، وقد أراد بهذا السياق التعمية عل الحضور لئلا يناصبوه العداء بمفارقتهم، وهذا السياق من الكلام من سنن العرب في محوراتهم، قد يريدون به التعمية، وقد يراد به التأكيد للمعنى المقصود كقول الشاعر:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهـــــن فلول من قراع الكتائب

ولو لم يكن لسيدنا أبي طلب إلا موقفه هذا لكفى بمفرده في إيمانه الثابت، وإسلامه القويم، وثباته في المبدأ.

قال ابن الثير (3 ): فقال أبو لهب: هذه والله السوء (4 )، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم، فقال أبو طالب: والله لنمنعنه ما بقينا. وفي السيرة الحلبية (5) (1 / 304): إن الدعوة كانت في دار أبي طالب.


حديث علي عليه السلام بطوله إلى أن قال: قال «فلما أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتكلم اعترضه أبو لهب، فتكلم بكلمات وقال: قوموا. فقاموا وانصرفوا. قال: فلما كان من الغد أمرني فصنعت مثل ذلك الطعام والشراب ودعوتهم فأقبلوا ودخلوا فأكلوا وشربوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتكلم فاعترضه أبو لهب فقال له ابو طالب: اسكت يا أعور ما أنت وهذا؟ ثم قال: لا يقومن أحد. قال: فجلسوا ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: قم يا سيدي فتكلم بما تحب وبلغ رسالة ربك فإنك الصادق المصدق».

وإلى هذا الحديث وكلمة أبي طالب ـ اسكت يا أعور ما أنت وهذا؟ ـ وقع الإيعاز في النهاية لابن الأثير( 1) (3 / 156), والفائق للزمخشري (2) (2 / 98) نقلاً عن ابن الأعرابي، وفي لسان العرب (3) (6 / 294)، تاج العروس (3 / 428).

قال الأميني: اي كافر طاهر هذا سلام الله عليه وهو يدافع عن الإسلام المقدس بكل حوله وطوله، ويسلق رجال قومه بلسان حديد، ويحض النبي الأعظم على الدعوة وتبليغ رسالته عن ربه، ويراه الصادق المصدق؟.

7 ـ قول أبي طالب لعلي: إلزم ابن عمك:

قال ابن إسحاق: ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفياً من أبيه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه، فيصليان الصلوات فيها، فاذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا، ثم إن با طالب عثر عليهما يوماً وهما يصليان، فقال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بن أخي ما هذا الدين الذي أراك تدين به؟ قال: «اي عم هذا


دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم».

وذكروا أنه قال لعلي: اي بني ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ فقال: «يا أبت آمنت بالله وبرسول الله وصدقته بما جاء به، وصليت معه لله واتبعته» فزعموا أنه قال له: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير، فالزمه. وفي لفظ عن علي: إنه لما أسلم قال له أبو طالب: إلزم ابن عمك. سيرة ابن هشام (1 / 265)، تاريخ الطبري (2 / 214)، تفسير الثعلبي، عيون الأثر (1 / 94) الإصابة (4 / 116)، أسنى المطالب (ص 10) (1 ).

وفي شرح ابن أبي الحديد (2) (3 / 314): روي عن علي قال: قال أبي: يا بني إلزم ابن عمك فإنك تسلم به من كل بأس عاجل وآجل. ثم قال لي:

إن الوثيقة في لزوم محمدٍ * فاشدد بصحبته على أيديكا

فقال: ومن شعره المناسب لهذا قوله:

إن عـــــليـــــاً وجعـفراً ثقتي * عـــــنـد ملم الزمان والنوب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخـــي لأمي من بينهم وأبي

والله لا أخـــــذل النــــبي ولا * يخـــــذله مـن بني ذو حسب

وهذه الأبيات الثلاثة توجد في ديوان أبي طالب (3) أيضاً (ص 36) وذكرها العسكري كتاب الأوائل (4) قال: إن أبا طالب مر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه جعفر فرأى


رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي وعلي معه، فقال لجعفر: يا بني صل جناح ابن عمك. فقام إلى جنب علي، فأحس النبي فتقدمهما، وأقبلوا على أمرهم حتى فرغوا، فانصرف أبو طالب مسروراً وأنشأ يقول:

إن عــــلياً وجعفراً ثقتي * عن ملم الزمان والنوب


وذكر أبياتاً يذكرها ابن أبي الحديد ومنها:

نحـــــن وهـــــذا النبي ننصره * نضرب عنه الأعداء كالشهب

وأخرج أبو بكر الشيرازي في تفسيره: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أنزل عليه الوحي أتى المسجد الحرام وقام يصلي فيه، فاجتاز به علي عليه السلام وكان ابن تسع سنين فناداه: يا علي إلي أقبل. فأقبل إليه ملبياً فقال له النبي: «إني رسول الله إليك خاصة وإلى الخلق عامة فقف عن يميني وصل معي». فقال: «يا رسول الله حتى أمضي وأستأذن أبا طالب والدي»؛ فقل له: «اذهب فإنه سيأذن لك»، فانطلق إليه يستأذنه في اتباعه، فقال: يا ولدي تعلم ان محمداً أمين الله منذ كان، إمض إليه وأتبعه ترشد وتفلح. فأتى علي عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يصلي في المسجد، فقام عن يمينه يصلي معه، فاجتاز أبو طالب بهما وهما يصليان فقال: يا محمد ما تصنع؟ قال: «أعبد إله السموات والأرض ومعي أخي علي يعبد ما أعبد وأنا ادعوك إلى عبادة الواحد القهار» فضحك أبو طالب حتى بدت نواجده وأنشأ يقول:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حـــتى أغيب في التراب دفينا

إلى آخر الأبيات التي أسلفناها (ص 334). 8 ـ قول أبي طالب: صل جناح ابن عمك:

أخرج ابن الأثير: أن أبا طالب رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلياً يصليان وعلي على

يمينه، فقال لجعفر رضي الله تعالى عنه: صل جناح ابن عمك، وصل عن يساره، وكان إسلام جعفر بعد إسلام أخيه علي بقليل. وقال أبو طالب:

فصــــبراً أبا يعلى على دين أحمد * وكـن مظهراً للدين وفقت صابرا

وحط من أتى بالحق من عند ربه * بصــدق وعزم لا تكن حمز كافرا

فقـــــد ســرني إذ قلت إنك مؤمن * فكـــن لرسول الله في الله ناصرا

وبـــــاد قـــــريشاً بالــذي قد أتيته * جـهاراً وقل ما كان أحمد ساحرا

أسد الغابة (1) (1 / 287)، شرح ابن أبي الحديد (2) (3 / 315)، الإصابة (4 / 116)، السيرة الحلبية (3) (1 / 286)، أسنى المطالب (4) (ص 6) وقال: قال البرزنجي: تواترت الأخبار أن أبا طالب كان يحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحوطه وينصره ويعينه على تبليغ دينه ويصدقه فيما يقوله؛ ويأمر أولاده كجعفر وعلى باتباعه ونصرته.

وقال في (ص10): قال البرزنجي: هذه الأخبار كلها صريحة في أن قلبه طافح وممتلئ بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم. 9 ـ أبو طالب وحنوه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

قال أبو جعفر محمد بن حبيب رحمه الله في أماليه: كان أبو طالب إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحيناً يبكي وبقول: إذا رأيته ذكرت أخي، وكان عبد الله أخاه لابويه، وكان شديد الحب والحنو عليه، وكذلك كان عبد المطلب شديد الحب له، وكان أبو طالب كثيراً ما يخاف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيات إذا عرف مضجعه، فكان يقيمه ليلاً من


منامه ويضجع ابنه علياً مكانه، فقال له علي ليلة: «يا أبت إني مقتول»، فقال له:

أصبـــــرن يا بــــني فالصبر أحجى * كـــــل حـــــي مصيـــــره لشعــــوب

قـــــد بذلنـــــاك والبلاء شـــــديــــد * لفـــــداء لحبـــــيب وأبــــن الحبيب

لفـــــداء الأغـــــر ذي الحـسب الثا * قـــــب والبـــــاع والكــريم النجيب

إن تصبك المنون فالنبل تبرى (1) * فمصيـــــب منـــــها وغــير مصيب

كـــــل حـــــي وإن تـملى بعمر (2) * آخـــــذ من مـــــذاقها بنــصــيـــــب

فأجاب علي بقوله:

أتأمرني بالصبــــر في نصر أحمد * ووالله ما قلـــت الذي قلت جازعا

ولكنــــني أحببت أن ترى نصرتي * وتعـــــلم أنـــــي لم أزل لك طائعا

سأسعى لوجه الله في نصر أحمد * نبي الهــدى المحمود طفلاً ويافعا

وذكره ابن أبي الحديد (3) نقلاً عن الأمالي (3 / 310) وهناك تصحيف في البيت الثاني والثالث من أبيات أبي طالب صححناه من طبقات السيد على خان الناقل عن شرح ابن أبي الحديد المخطوط، وذكر القصة أبو علي الموضح العمري العلوي كما في كتابه الحجة (4) (ص 69).

-------------- يكفينا مانقلناه لكم من الاثباتات -------------