عامر عبدالوهاب
05-24-2006, 07:52 PM
بمناسبة الاحتفال بمرور 16 عاما على توحيد اليمن السلمي في 22 مايو عام 1990 م .نعيد ماكتبناهفي شهر يناير من هذا العام عنها وهي دراسة شبه شاملة لعملية توحيد اليمن وكيف انهارت تلك الوحدة السلمية عام 94 ..وصراحة ليس هنالك شيئا نقوله اكثر من هذه الدراسة ..اذا لم تستطيع قراة الدراسة مباشرة يمكنك خزنها في جهازك وقرأتها في الوقت المناسب
وشكرا للجميع.
لماذا فشلت الوحدة السلمية اليمنية ؟؟؟!!!
دراسة لعوامل قيامها واسباب انهيارها
كتبها:عبدالرحمن صالح حيدرة، جُبَن الضالع اليمن يناير 2006
مقدمة
هذه الدراسة مساهمة متواضعة مني في سبيل معرفة ضاهرة توحيد اليمن والتي تحققت عام 1990 ، هذه الوحدة التي قامت سلمية على العواطف وحسن النيات من البعض ، وعلى النوايا المبيتة والسئية عند البعض الاخر .والتي لم تضهر في حينها ولكن لم تمر اشهر على الوحدة الا وضهر كل طرف بوجهه الحقيقي والذي كان يخفيه تحت اقنعة مختلفة قبل الوحدة .ودراسة هذا الحدث وماتبعه من مشاكل وحرب عام 1994 ، ومشاكل ناتجة عن تلك الوحدة ،فيها فوائد للبعض ،وخسائر ومصائب للبعض الاخر ، يستحق من المثقفين والباحثين والدارسين دراسة هذه الامور كل من جهة اختصاصه او معرفته ، وهنالك الكثير الكثير الذي يمكن بحثه حول هذا الموضوع وغيره في اليمن .
وهذه الدراسة التي نقدمها للقراء عن اسباب فشل الوحدة اليمنية ، قسمناها الى عدة اجزاء بداء من مرحلة الدعوة لها والتي قسمناها الى ثلاث مراحل حتى تحقيقها ، ويتبعها مرحلة مابعد الوحدة السلمية ، وهي الوحدة القائمة بالحرب والتي لازلنا نعيشها حتى الان . اما الجزء الاخير فيشمل الاسباب التي نعتقد جازمين انها وراء فشل الوحدة السلمية .بداء من الارتجال في عملية التوحيد ،الى الخلاف السياسي ، الى اختلاف الجغرافيا ، والدين ، والعادات والتقاليد ..الخ .وحسبنا هنا اننا اجتهدنا بقدر مانستطيع وحسب المعلومات المتوفرة لدينا ، والمراجع التي اشرنا اليها في مكانها .في تفسير هذا الحدث وتتبع اسبابه ، والعوامل التي ادت اليه واثرت فيه وتحليلها واعادتها الى اصولها وجذورها باسلوب علمي تحليلي تاريخي .ومن نافلة القول اننا لاندعي الكمال اواننا كتبنا كل عن كل شيء ..!!بل هنالك الكثير الذي يمكن الكتابة عنه وتحليله عن الوحدة اليمنية قديما وحديثا .وندعوا قرائنا الكرام ان ينقدوا مايرونه يستحق النقد ،وأن يضيفوا او يصححوا اية معلومات كانت ناقصة ، وأن يوضحوا مايرونه لم يأخذ حقه من الأيضاح ، وان يحللوا مايرون انه لم يتم تحليله بشكل كاف او لم يحلل اصلا .ولهم الشكر مقدما .والله من وراء القصد .شهر يناير 2006 جبن الضالع اليمن .
المرحلة الأولى
مرحلة الدعوة والشعارات
جأت الدعوة الى الوحدة اليمنية بتأثير من انقلاب 23 يوليو 1952 في مصر الذي اطاح بالملكية ، وما طرحه الأنقلابيون هناك من شعارات ثورية وتحررية و قومية .وقد بدأت تلك الدعوة في الجنوب العربي من قبل حزب الشعب الأشتراكي العمالي .برئاسة عبدالله الأصنج .وفيما بعد نادى بها البعثيين ، والناصريين ، وغيرهم .
وبعد قيام حركة 26 سبتمبر العسكرية وألاطاحة بحكم الائمة ، كان توحيد اليمن واحد من اهداف هذه الحركة ،اذ ذكرت في احد اهدافها (تحقيق الوحدة الوطنية في اطار تحقيق الوحدة العربية الشاملة .يقصد بالوطنية هنا اليمنية .!)والتي وضعت لها ستة اهداف لتحقيقها .وقد كانت العواطف لا العقل والمنطق والتاريخ هي الباعث لتلك الدعوات ..!!وقد بقي موضوع توحيد اليمن في الستينيات في اطار الشعارات وكسب الراي العام .
بعد انقلاب 5 نوفمبر على السلال 1967 تغير النظام في الشمال بنسبة 90 درجة..!!وأنتقلت السلطة من يد العسكر الفقراء والبسطاء ، الى يد العسكر الذين ينتمون الى القبائل والى يد مشائخ القبائل ورجال الدين .وقد ادى هذا الانقلاب الى زيادة الخلاف والتوتر بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي .على الرغم ان الجبهة القومية التي استولت على السلطة في الجنوب العربي بعد الاستقلال ، قد دعمت الجمهوريين في الشمال بأرسال المئات من رجالها الى هناك للقتال معهم ضد القوات الملكية التي كانت تحاصر صنعاء وكادت تستولي عليها .وقد قام النظام الجديد في صنعاء بعد فك الحصار بطرد وملاحقة وقتل كل قوى اليسار الذين يتواجدون في الجيش والأمن في العام 1968 ومابعد .وقد نزح بسبب ذلك العنف المئات من المعارضين الشماليين الى اليمن الجنوبي .الذي وفر لهم المأوى .
المرحلة الثانية
الحروب وتوقيعات الوحدة ..!!
بعد استقلال الجنوب العربي نزح الألاف من سكانه الى اليمن الشمالي والى دول الخليج العربي ، وهؤلاء النازحون البعض منهم من المعارضين للنظام الذين كانوا في جبهة التحرير ومن السلاطين والمؤيدين لهم ومن رجال الاعمال ، ومن الراغبين في الهجرة الى الخارج بعد رحيل البريطانيين.وقد ذكرنا سابقا ان العلاقة كانت متوترة بين الجانبين ، بسبب اختلاف النظامين سياسيا وفكريا واختلاف تحالفاتهما الداخلية والخارجية .ولهذا فقد قام الشمال بدعم المعارضين لليمن الجنوبي والذين لجاؤا اليه بعد الاستقلال .وزودهم بالمال والسلاح وبدعم اقليمي من السعودية بقصد القيام بعمليات عسكرية لاسقاط النظام هناك.وقد قامت تلك المجاميع بمهاجمة المناطق الحدودية في مكيراس محافضة لحج ، وشبوة عام 1972.ولكن النظام في الجنوب كان مستعدا ولديه جيشا ومليشيات مدربة تدريبا جيدا ومعنوياتها عالية وموالية للنظام القائم ، فتم له القضاء على هذه المجاميع واجبارها على الانسحاب الى الشمال ، ومنهم من بقي في معسكرات اللاجئين ومنهم من هاجر الى دول الخليج او استوطن اليمن الشمالي .اما المعارضين في الشمال فقد قاموا بعمليات فدائية ضد الدولة في المناطق الوسطى وكانت تلك المناطق تحت نفوذهم ونفوذ السلطة ..!وقد ادت تلك الأعمال العسكرية بين الجانبين الى قيام حرب بين اليمن الشمالي والجنوبي في سبتمبرمن عام 1972.وبعد وساطات من الدول العربية وغيرها اوقفت تلك الحرب بعد اسابيع من قيامها .وانسحبت القوات الجنوبية من ارض الشمال .لان الجنوب ربح الحرب وخسرها الشمال .بسبب حسن تنظيم الدولة في الجنوب وولاء الجيش والمليشيات لها .انضر حول هذا الموضوع (الوحدة اليمنية والحرب الاهلية 94 في موقع الامير خالد بن سلطان
http://212.100.198.18/default.asp?id...Study_Home.htm
)
وبعد الحرب اجتمع رئيس وزراء اليمن الجنوبي علي ناصر محمد ورئيس وزراء اليمن الشمالي محسن العيني في القاهرة ، وبواسطة الجامعة العربية ، وقد وقع اتفاق لقيام الوحدة في 13 سبتمبر 1972 سمي اتفاق القاهرة .(انضر نص الاتفاقية في المرجع السابق )وبعد اجتماع القاهرة اجتمع الرئيس اليمني الجنوبي سالم ربيع علي ، والشمالي عبدالرحمن الارياني في طرابلس ليبيا في شهر نوفبمر ، وبأشراف العقيد معمر القذافي واصدرا الرئيسين بيانا سمي فيما بعد بيان طرابلس ، وفي هذا البيان تحديد لشكل الدولة التي يزمع اليمنيون تحقيقها .(انضر نص الاتفاق في المرجع السابق )
بعد ذلك الأتفاق ضلت العلاقة بين الجانبين متوترة ،وبقي كل طرف يدعم المعارضين للطرف الثاني .وعندما استولى ابراهيم الحمدي على السلطة في 13 من يونيو عام 1974 حصل تقارب بين الجانبين ولكنه اغتيل في عام 1977 قبل ما يحصل تقارب اكبر ، ويقال ان من اسباب اغتياله هو تقاربه مع اليمن الجنوبي.وأتى بعده الرئيس الغشمي والذي اغتيل بعد ستة اشهر من توليه السلطة .وقد اتهم اليمن الشمالي ، اليمن الجنوبي انه وراء مقتله حيث يدعي الشماليين ان الرئيس سالم ربيع علي ارسل رسول اليه ، و لا يذكرون اسم هذا الرسول .!وانه تم استبدال هذا الرسول في مطار عدن ،برسول من المعارضين لسالم ربيع وزود بمواد متفجرة .وان رسول سالم ربيع وضع بالسجن من قبل المنافسين له .!وهناك تساؤلات عن كيف تم تغيير الرسول بدون مايكون للشمال علم ولا للرئيس ربيع .وتساؤلات اخرى كثيرة تأتي الى الذهن عن ذلك الحادث ولكن هذا ليس موضوعنا ونعود للحديث عن مسار الوحدة .
هذا الحادث ادى او اتخذ ذريعة لتوتير الاجواء بين اليمن الشمالي والجنوبي .وقد قامت بينهما حرب قصيرة في فبراير عام 1979 وهزم الشمال في تلك الحرب على الرغم انه كان البادئ فيها ،حيث استطاع الجنوبيين ان يستولو على عدة مناطق منها البيضاء وقعطبة والوازعية وغيرها.وتدخلت الجامعة العربية وبعض الدول العربية وتم ايقاف الحرب .وبعد ذلك ذهب الرئيس اليمني الشمالي على صالح والرئيس اليمني الجنوبي عبدالفتاح اسماعيل الى الكويت وهناك وقعوا اتفاقية وحدة اخرى في 28 مارس 1979..!! تلك الاتفاقية جأت حسب وساطة دولة الكويت وبأشراف اميرها الحالي الشيخ جابر الاحمد الصباح .ولم يتم تطبيق ما اتفق عليه في الكويت والمقرر بستة اشهر يتم بعده قيام الوحدة اليمنية .وقد كان التوقيع يعكس الواقع على الارض ..!لأن الجنوب وقع تلك الأتفاقية من موقع قوة والشمال وقعها من موقع هزيمة وضعف .ولكنها كانت ضرورية له لكسب الوقت وبناء الذات .(المرجع السابق )
بعد الأتفاقية سار كل بلد في حاله وبقيت العلاقات بين الجانبين متوترة وضلى الشمال يدعم المعارضين للجنوب والجنوب يدعم المعارضين للشمال .حتى تم الأنقلاب على عبدالفتاح اسماعيل وجماعته عام 1980 ومجئ الرئيس على ناصر محمد .
بعد سيطرة على ناصر على السلطة قام بأبعاد كل الاشخاص الذين لهم صلة بعبدالفتاح اسماعيل وعنتر والمجذوب وركز السلطة بيده ويد اهل منطقته ابين وشبوة .ومما عمله هو التقارب مع الشمال على حساب المعارضين هناك .حيث تم ايقاف المساعدات التي كانت تأتي للجبهة الوطنية الديمقراطيةالمعارضة المسلحة في الشمال من الدول الأشتراكية وبعض الدول العربية واليمن الجنوبي.وكان هذا الموقف من علي ناصر مقابل ان الشمال سيقوم بالوقوف الى جانبه ضد معارضيه من اهل لحج والضالع ويافع .
وقد ادى هذا الاتفاق بين علي ناصر وعلي صالح والذي تم من خلال اجتماع في صنعاء في 13 يونيو عام 1980 خدمة كبيرة للشمال .حيث بقي اعضاء الجبهة بدون نصير وقام جهاز الامن الوطني بقيادة محمد خميس مع اعوانه من الناقمين على الجبهة بقتل واعتقال المئات منهم .(المرجع السابق)
وكان من ضمن اما اتفق عليه هو صياغة دستور لدولة الوحدة حسب ماهو مقرر في اتفاقياتها الثلاث ..!وضلت العلاقات حسنة بين الجانبين حتى عام 1986 حين انفجر الصراع بين جناح على ناصر وجناح عبدالفتاح اسماعيل وعلي عنتر .وحينها وقف الشمال مع علي ناصر ولكنه لم يستطيع ارسال قوات الى الجنوب لمساعدة علي ناصر، لأن الموقف لم يكن واضحا ولم يكن الشمال متأكدا من النجاح .وسبب اخر هو تحذير الاتحاد السوفيتي للشمال من مغبة التدخل عسكريا في شئون الجنوب ، لأن بينه وبين الجنوب معاهدة صداقة وتعاون .تكفل للجنوب الدفاع عنه من اي اعتداء خارجي .وقد رحل اصحاب علي ناصر بأتجاه الشمال بسبب خسرانهم للحرب.
المرحلة الثالثة
قيام الوحدة عام 1990
حرب يناير 1986 بين الفئات المتنافسة داخل الحزب الأشتراكي سببت ضعفا سياسيا واقتصاديا ومعنويا للحزب الاشتراكي ، واصبح الجنوبيين يشكون في قدراتهم على حكم انفسهم .!زائد انهيار الأتحاد السوفيتي الصديق والحليف الاستراتيجي لليمن الجنوبي.والذي كان يدعم الجنوب في كل المجالات .هذان الموقفان الصعبان الداخلي والخارجي كان يراقبهما الشمال عن كثب ، ويتحين الفرصة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية واستراتيجية على حساب الجنوب .وقد عرض الشمال على الجنوب قيام وحدة بينهما عام 1988 ، ,وذلك حين زار الرئيس الجنوبي على سالم البيض صنعاء في مايو من تلك السنة .وقد قبل البيض المقترح الشمالي بالوحدة .وفي العام الذي تلاه في ال 30 من نوفمبر 1989اجتمع الرئيس صالح والبيض في عدن ووقعوا اتفاقية الوحدة والتي يفترض ان تتم بعد عام من توقيعها اي في الثلاثين من نوفمبر عام 1990.!وخلال تلك المدة يتم استكمال صياغة الدستور والتصويت عليه من (برلمانات البلدين )وأستكمال باقي الاتفاقيات والاجرأت .وايضا دمج الامن والجيش .!!وقد كان الشعب في اليمن الجنوبي متحمس للوحدة اكثر من قادته ، حيث حصل تردد بعد التوقيع على الوحدة عام 89 من قبل قادة الحزب بعدما سمعوا بداية فتاوي التكفير والحملة الاعلامية ضد الحزب الاشتراكي والجنوب ، وانا اذكر حديث لي مع سائق سيارة اجرة اوصلني الى حيث اعمل عندما كنت في قطر ، وهذا السائق من يافع ، الزمان كان على ما اذكر في شهر 12 89 او 1 1990 .وقد تكلمتنا عن الوحدة وقلت لهذا اليافعي المتحمس جدا والذي كان يكلمني وهو في حالة هياج وطرب غير طبيعيان ، وكأنما هو ذاهب يتزوج لأول مرة .ان الوحدة ستضر الجنوبيين في الوقت الحاضر من كل النواحي ، وان الشماليين قبائل محافضون و لا يحبون ولا يقدرون القوانيين ،وان الفوضى هي ديدنهم ،على الاقل في الوقت الحاضر والمستقبل المنضور .وان التعاون مع الشمال اوالكونفدرالية او الفدرالية افضل من الوحدة معه ، لانه لايورط الجنوب ، بل يحفظ له كيانه ، وفي نفس الوقت يمكنه الاستفادة من اي شيء مشترك مع الشمال .وهذا الكلام قلته لكثير من الجنوبيين الذين كنت اعمل معهم ، وكان موقفهم مثل موقف صاحب التاكسي .اللهم انه كان في حالة طرب وحبور عجيب..!!افقدته ملكة التمييز وهو واحد من الوف كانوا يفكرون نفس التفكير وهذا ماجعلني اذكره هنا .والعامة احيانا قد يخطئون في توقعاتهم ، بسبب قلة خبرتهم ومعرفتهم .
الفترة الانتقالية
وقد تم اعلان الوحدة قبل موعدها بستة اشهر ،وقد قيل حينها انهم فعلوا ذلك لاستباق اية عراقيل او مشاكل قد تقع اذا تم الأنتضار حتى ال 30 من نوفمبر 1990.!واتفق الجانبان على فترة انتقالية مدتها سنتين ونصف ، وخلال هذه المدة تبقى السلطة مناصفة بين الجانبين وبعد هذه الفترة تقام انتخابات ، ومن فاز بالعدد الاكثر من مقاعد مجلس النواب ، يشكل الحكومة ، وقد اتضح ان كل واحد دخل الوحدة وله اهداف يريد تحقيقها ، ولم يمر على عرس الوحدة بضعة اسابيع حتى قام رجال الدين الشماليين بتجديد حملة التكفير ضد الحزب الاشتراكي والجنويين وهاجموا الدستور لانه علماني حسب قولهم وان الاشتراكي حزب خارج عن الملة الاسلامية .وأنهم ملاحدة ..الخ ..!!وقد كهربت هذه الحملة الجو السياسي وشحنته بالتوتر .ولم يكن ذلك ممكننا بدون بمباركة ودعم حكومة الشمال برئاسة علي عبدالله صالح .هذه الحرب النفسية كانت على مايبدو ضرورية ولابد منها ومقدمة لما سيأتي بعدها ولأختبار مدى قوة الحزب الاشتراكي واين نقاط الضعف والقوة فيه .ولجعله ينشغل بأمنه وبالرد عليهم ، وتخفيض سقف مطالبه .وقد وجدت القوى المعادية للحزب الاشتراكي ان الحزب في موقف دفاعي واضعف من ان يقوم بأي رد فعل لما سينال كوادره من اغتيالات ،وتصفيات جسدية وبطريقة علنية في وقت لاحق.وكان الغرض من حرب التكفير ومن بعدها الاغتيالات هو على مابداء فيما بعد تحقيق مكاسب سياسية للشماليين ،واجبار الحزب الاشتراكي الشريك الثاني في الوحدة ، والجنوبيين على الخضوع للسلطة في الشمال وقبول الأمر الواقع ، وان ليس من حقهم ان يطالبوا بدولة قانون او نظام او بالمساواة او العدالة.لأن معنى ذلك هو سقوط النظام القائم في الشمال ومجيئ دولة الجنوب والحزب الاشتراكي وهذا مالايمكن قبوله ..!!وقد كانت الفترة الانتقالية فرصة للشمال لاختبار ميزان القوى ، والتي وجدها لصالحه من ناحية عسكرية ، وامنية ، وقد تم تتويجها بفوزه بمعضم المقاعد في مجلس النواب ، واصبحت له شرعية انتخابية بجانب الشرعية العسكرية ، والامنية .فوزه في الانتخابات جعله يتصرف بثقة ويصور نفسه انه محقق الوحدة وعليه حمايتها ..!!وقد كانت الفترة الانتقالية والانتخابات ضرورية للشمال من اجل اختبار موقف الاشتراكي ، وتجهيز نفسه للمعركة الفاصلة معه .ولم يتم خلال الفترة الانتقالية عمل اي شيئا يدعم الوحدة او الاندماج او المصالحة بين اليمنيين ،او تطبيق القانون والاستقادة مما كان في اليمن الجنوبي ومن وجود للنظام والقانون ، بل كانت فترة للعنف المنظم الموجه ضد احد الشركاء في الوحدة وللتأمر والاستعداد للأجهاز عليه .
وحيث ان الاغتيالات وحملة التكفير ضد الجنوب والفوز في الانتخابات لم تحقق ماكان يريد حكام الشمال من اخضاع تام لهم ، حيث بقي الكثير من قادة الحزب واليمن الجنوبي ضد كل ماجرى ، بل واعلنوا انهم يرغبون في العودة الى ماقبل الوحدة ، او اقامة وحدة على اساس فدرالي .حينها لم يعد امام قادة الشمال الا شن حرب شاملة ضد الجنوب تحت مسمى انهم انفصاليون ومتمردين ..!!وقد كان الشمال مستعدا لتلك الحرب منذ ان وقع الوحدة مع الجنوب ..وبدأت الحرب بين معسكرين للشمال والجنوب في عمران بشهر ابريل 1994 وانتشرت بعد ذلك الى كل مكان، وبعد 70 يوما توقفت بعدما دخلت القوات الشمالية عدن واحتلتها وسيطرت على باقي المناطق .وهذه الحرب وفرض الوحدة بالقوة كانت نتيجة طبيعية لماذا سنذكره من اسباب وخلفيات وجذور لها وللخلاف الدائم بين الشمال والجنوب .وبهذا الفصل تنتهي المرحة الثالثة وتدخل المرحلة الرابعة وهي مرحلة الوحدة بالقوة المسلحة .
الان سنناقش الاخطاء التي وقع فيها الوحدويون والتي ادت الى الحرب وتحول الوحدة السلمية الى وحدة بالقوة العسكرية .
الأسباب التي ادت الى فشل الوحدة السلمية
الاسباب السياسية
1.لقد قامت الدعوة الى الوحدة اليمنية مجاراة لما كان يقال في مصر وغيرها من دعوة للوحدة العربية وتاثرا بذلك الجو .ولم تكن الدعوة اليها نابعة من قناعة بها ومعرفة بشروطها ومتطلباتها ومعرفة بتاريخ اليمن السابق ، والذي قامت فيه عدة توحيدات من قبل كان مصيرها الفشل الذريع .في تاريخه الطويل قبل الاسلام وبعده .والسبب ان تلك التوحيدات كانت تقوم على القوة المسلحة والمسيطر يحكم حكما استبداديا مركزيا ، بدون مراعاة لمصالح الاهالي والاقيال والمشائخ في كل المناطق ، ولم يصل اليمنيين في تفكيرهم السياسي للاسف الى صيغة تحفظ للمركز ببعض السلطات، وللمناطق ببعض السلطات ،اي ان يكون الحكم مشتركا وليس لملك او امام واحد ..!بل ان هذا التفكير لم يصل بعد الى ان يعتنقه عددا كافيا من الناس حتى الان !!ولكن الواقع ومشاكله ربما ادى الى ذلك في وقت لاحق .
2.عدم البدء بخطوات التوحيد باالتعاون المشترك حتى تبنى الثقة ثم بالكونفدارلية مثلا، ثم التدرج قليلا قليلا حتى الوصول الى الفدرالية وتقف عن هذا الحد ، ولكنهم اخذوا بالوحدة الاندماجية ، والوحدة الاندماجية لاتصلح لليمن لاسباب كثيرة ،لانها قفز على الواقع الموضوعي وتعسف له ،و لانها قد جربت من قبل ولم تنجح .وهنالك امر اخر مهم هو عدم وجود ضمانات لطرفي الوحدة تعطيهم الأطمئنان ان حقوقهم مصانة .ويفترض ان تكون هنالك مواد بالدستور تعطي اي طرف الحق في فسخ الوحدة والعودة الى وضعه السابق بطريقة سلمية اذا راى ان الوحدة لم تحقق له اهدافه وامانية .وذلك حتى لايحصل استبدادا وتحكما من قبل الطرف القوي على الطرف الاضعف ، بجانب ضمانات اخرى ، تحقق العدل والمساواة بين الطرفين المتعاقدين .وهذا هو اصل التعاقد بين البشر والجماعات والامم والشعوب .اذ ان العقود يجب ان تحافظ على مصالح الطرفين المادية والمعنوية بغض النظر عن قوة هذا الطرف اوضعف ذاك.ومما هو جدير بالذكر ان المرحوم صالح السيلي وزير الداخلية في اليمن الجنوبي وقليل بجانبه وقت محادثات الوحدة كان قد تقدم باقتراح ان تقام وحدة كونفدرالية او فدرالية بين البلدين ، ولكن كلامه قوبل بالاستهجان والاستخفاف حينها في الجنوب من قبل اكثر اعضاء الحزب ، واتهم انه من التيار اليساري المغامر والمتطرف !!.(التاريخ والمنطق يقول لنا ان كثرة المؤيدين لشيء لايعني انهم على صواب ، بل قد يكون القليل هم على الصواب ..وهذا ما اثبتته الايام بعد اربع سنوات من قيام الوحدة ، اذ لو استماعوا الى السيلي وجماعته القليل لكان جنبوا اليمن الحرب والمشاكل .)
3.كان العداء هو الحالة السائدة والشيء الطبيعي بين اليمن الجنوبي والشمالي ، منذ انسحاب الاتراك من اليمن عام 1045 هجرية =1635 ميلادية .وكان سبب هذا العداء هو الغزو الامامي الزيدي لليمن الجنوبي ،ومحاولة السيطرة عليه وحكمه .وقد انتهت السيطرة الزيدية على اليمن الجنوبي ابتداء من عام 1090 هجرية في معضم المناطق ، وبعضها تأخر استقلالها قليلا حتى عام 1145 هجرية 1728 ميلادية مثل لحج وعدن .ولابد ان نذكر ان الحرب ضلت مستعرة بين الائمة وسلاطين الجنوب العربي والمشرق لمدة تزيد عن 100عام .وكانت الغلبة في الاخير للأهالي والسلاطين حيث استقلوا بمناطقهم .وحكموها بأنفسهم ، وبقيت تلك الكيانات حتى مجئ دولة الأمام يحي عام 1918 وانهائها سلطنة ال الرصاص في البيضاء وماحولها .وانسحاب البريطانيين من الجنوب العربي عام 1967 .
هذا العداء كان موجودا ايام السلاطين منذ 1635 وبقي متواصلا حتى 1967 واستمر بعد قيام الجمهورية العربية اليمنية عام 1962 وجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية عام 1967 بعد الاستقلال .وقد قامت بين اليمن الشمالي والجنوبي حربين عام 1972 و1979 ،ولم يحصل قط ان قامت علاقة طبيعية ، وحسن جوار بين الطرفين لا ايام السلاطين ولا ايام الجمهوريين ..!!
وقد كان سبب هذا الوضع المتوتر والعدائي هو وجود سلطنات ضعيفة في الجنوب ، تعطي الخصم الخارجي الرغبة في السيطرة عليها ، بسبب اختلاف هذه السلطنات فيما بينها وعدم وجود قائد واحد لها يوجهها الى الطريق الصحيح للدفاع عن نفسها ، وتطوير احوالها .وهذا الخصم هم ائمة الشمال الذين كانوا يرغبون في السيطرة على تلك المناطق لاسباب سياسية ودينية ، ومن بعدهم اتى الجمهوريين خلفاء دولة الائمة في الشمال ، واغلبهم يفكر بعقلية الائمة نفسها .هذا العداء والاختلاف بين الشمال والجنوب له جذوره في الجغرافيا والتاريخ والدين والعادات والتقاليد وسنذكر ذلك في بحث خاص .حالة العداء بين دولتين قد تمنعهما من اقامة علاقة طبيعية بينهما الا بعد حل المشاكل التي كانت سببا لحالة العداء او اقتناع الطرفين ان الافضل لهما هو التعاون ، وتطبيع العلاقات بينهما بغض النظر عن خصوصياتهما ..!وهذا ما لم يحدث بين اليمن الشمالي والجنوبي اذ ضلت حالة العداء والشك المتبادل هي السائدة بين الطرفين ، وقد استخدم الصراع المسلح للتعبير عن الرفض لوحدة الضم والالحاق ،وهذا ماعبر عنه كل سلاطين الجنوب بدون استثناء .اذ ان الغزو الأمامي الزيدي للجنوب ادى الى توحدهم ضده حتى تم طرده من بلادهم .وهذا التوحيد الذي تم بينهم كان سببه هو تشابه احوالهم ، ووحدة خصمهم .اذ انه اتى للسيطرة على بلادهم ، وعاملهم جميعا بنفس الطريقة .ولم يفكر السلاطين قط في انهم يوما ما سيتوحدون مع الشمال ، والسبب حالة العداء المستحكم بينهم وبين الائمة.برغم ورود بعض الاشارات للوحدة في كتاب (هدية الزمن في اخبار ملوك لحج وعدن للعبدلي والذي توفى عام 1943)والحزب الاشتراكي بسبب انه اعتنق فكرة الماركسية والتي تعتبر متقدمة على الواقع في اروبا فما بالنا باليمن ..!!وهي طوباوية بالاساس وكثيرا من افكارها غير واقعية وعنيفة .المهم ان الاشتراكي اعتبر توحيد اليمن ممكن ان يكون عملية سهلة وفكرة يمكن تطبيقها ، وما المانع من المغامرة في هذه المسئلة ، مثلما غامروا في تطبيق الاشتراكية .!!وهذا ماحصل عام 90 اذ اندفع اصحاب الحزب بنيات حسنة الى الوحدة ، ثم لم يعيشوا في ضل الوحدة الا بضعة اسابيع حتى اكتشفوا تعقيدات الواقع وبؤسه وخطاء توقعاتهم ..!!وانهم تورطوا بالوحدة وانها ستجلب لهم المشاكل اكثر مما تجلب لهم من الخير .بينما الشمال كان مؤمن بطريقة الائمة في الوحدة وبالافكار القبلية والقديمة في ادارة شئون البلاد ، ولم يكونوا ميالين الى المغامرات الفكرية ، او استخدام او اعتناق الجديد حتى لو كان مفيدا .وقد بقي الشمال مثلما كان منذ قرون لم يطراء على حياة الناس فيه اي تغيير يذكر .من هنا فقد كان اكثر ثباتا واعتبر مجيء الجنوبيين الى الوحدة فرصة له للسيطرة على اليمن كلها ، ولن يفقد الكثير ان هو دخل معهم في مشاكل او صراع ، اذ ان الصراع والمشاكل جزاء من واقعه ، وهو ليس مهتما بالبناء للبلاد حتى يخاف من التدمير والخراب في حالة الصراع ..!! بل هو مهتما بالسيطرة والهيمنة على المعارضين لسياسته .ولو كلفه ذلك ان يهدم البلاد ، اوجعلها في اخر قائمة الدول .والسبب لهذه السياسة والثقافة هو العزلة التي يعيشها المجتمع في مناطق شمال الشمال في اليمن ، والذي تنتمي اليه النخبة الحاكمة .هذه العزلة عمرها مئات السنينن ان لم نقل الوف .وقد تعززت بأراء الائمة والتي اعطتها قداسة حتى انها اصبحت جزاء من ثقافتهم ودينهم ،واصبح كل بعيد عن جبالهم ومضاربهم عدوا ، يجب الحذر منه ولا ينبغي التعاون معه او الاستفاده مما عنده ، او التعايش معه .!!وهذا مارأيناه في تعاملهم مع الاتراك حين اتوا لفتح بلادهم ، وكان يمكنهم الاستفادة من وجودهم ، افضل من حكم الائمة .ومع المصريين عندما اتو لمساعدتهم للتخلص من الحكم الأمامي .وهذه هي ثقافة الجماعات المنعزلة والمتخلفة انها تعمل للحفاظ على كل ما من شئنه ان يجعلها تعيش على عاداتها وتقاليدها .حتى لو كان اكثر هذا العادات والتقاليد والناس الذين تدافع عنهم في غير صالحها .والجاهل مثلما يقال عدو ماجهل .!!
وهنالك عامل مهم اخر وهو اختلاف الضروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية بين البلدين ، اذ ان الجنوب كان مختلفا عن الشمال ، وسنتناوله ذلك بالتفصيل ، ولكن بعد احتلال بريطانيا للجنوب ازداد هذا الاختلاف ، اذ ان الاستعمار جعل من عدن مدينة عصرية تقوم الحياة فيها على اساس القانون والنظام ، وانتهت فيها حياة العشائر والقبائل والقرية .ومن عاش في عدن كان يعتبر نفسه مواطنا وليس قبيليا ..!وقد تأثر اكثر سكان الجنوب العربي بذلك بسبب اقامة الكثير منهم في عدن ، وبسبب ان النظام بعد الاستقلال قد اخذ بذلك النظام وعممه على الارياف ، واصبح المواطن يعيش على قوانين ونظم حديثه برغم تخلف الواقع الاقتصادي والذي كان قائما على اساس الاشتراكية بعد الاستقلال وقبله على اساس الرأسمالية والاقتصاد البدائي .بينما الوضع في الشمال كانت تقوم فيه الحياة على اساس اعراف القبائل وعاداتها والقوانين حسب الشريعة الزيدية الاسلامية.والاقتصاد كان يقوم على اساس رأسمالي واقطاعي بدائي .وباالتأكيد الوضع كان مختلفا بنسبة 180 درجة تقريبا .!وهذا مما زاد الهوة والشقاق والنزاع بين البلدين .
اختلاف الجغرفيا .
للجغرافيا دور كبير في تكوين الافراد والجماعات والشعوب والامم والحضارات .والقصد بالجغرافيا هو الارض وتضاريسها سهول هضاب او جبال وخصوبتها ونسبة هطول الامطار فيها كثيرا ام قليلا .وهل الارض هذه زراعية ام رعوية ام صحرواية؟.وكيف يعيش الناس على الزراعة ام الرعي .؟ام صيد الاسماك ام كل ذلك.؟الجغرافيا بكل عواملها تؤثر تأثيرا مباشرا في سلوك الافراد وطريقة تعاملهم مع الضروف الطبيعية المحيطة بهم لان منها معاشهم وعصب حياتهم .ولهذا فساكن الجبال يكون مختلفا في بعض طباعه عن ساكن الهضاب والسهول والسواحل والعكس صحيح اي ان ساكن السهول يختلف عن ساكن الجبال الخ .هذا الاختلاف في المناخ يجعل ثقافة وحضارة ساكن الجبال تختلف عن ثقافة وحضارة صاحب السهول والسواحل بعض الشيئ .وهذا الاختلاف يتطور بحيث يؤدي الى الشقاقات والصراعات ..
ولهذا السبب فسكان الشمال الماسكين بالسلطة هم من سكان الجبال ، وهم يختلفون بالطبع عن سكان الجنوب والذين معضهم من سكان الهضاب والسهول والسواحل .وبسبب اختلاف الجغرافيا هنالك اختلاف في طبيعة النشاط الاقتصادي ، حيث سكان الجبال يعتمدون على الزراعة والرعي وتأجير انفسهم للحرب بجانب من يقدم لهم المال .بينما يعتمد سكان السواحل على صيد الاسماك والتجارة وقليلا منهم على الرعي .وهذا الاختلاف في طبيعة النشاط الاقتصادي والمناخ ادى بدوره الى اختلاف في منضومة القيم الفوقية مثل الاخلاق والجمال وقيم الخير والشر وماهو عملا وضيعا او سرقة في نضر اهل السواحل ، قد يكون عملا شريفا وشطارة عند الساكن في الجبال في مناطق شمال الشمال ..!!
اختلاف التاريخ
لاسباب جغرافية وسياسية لم تقم في تاريخ اليمن وحدة سياسية دائمة قط .بل ان تاريخ اليمن منذ 3000 عام هو تاريخ دول ودويلات تتعايش وتتصارع مع بعضها ،وقد قامت في اليمن الجنوبي قبل الاسلام عدة دول هي اوسان وقد بدأت في 700 قبل الميلاد وانتهت في القرن الأول الميلادي وكانت عاصمتها مرخة جنوب مأرب ، (المرجع الموسوعة اليمنية جزء 1 الطبعة الثانية ص 428 ).اما الدولة الثانية فكانت دولة قتبان وعاصمتها تمنع في بيحان وقد قامت في القرن الأول الميلادي وسقطت في القرن الثالث الميلادي.(المرجع السابق الجزء الثالث ص 2376 )اما دولة حضرموت فيقدر المؤرخون انها قامت في القرن الخامس قبل الميلاد وعاصمتها شبوة ، وقد سقطت عند غزو الحميريين لها بالقرن الرابع الميلادي .(المرجع السابق الجزء الثاني ص 1116)وقد كانت هذه الدول متواجدة مع ما يقابلها في الشمال من دولة معين وسباء ، وحمير ..الخ .!!
اما بعد الاسلام فقد كانت حضرموت تحكم بواسطة وال مستقل ويعين من دمشق او بغداد مباشرة وحضرموت تشمل المهرة وشبوة ، اما اليمن الجنوبي فكان يحكم بواسطة الوالي لمخلاف الجنَد (بلدة شمال تعز المدينة ب15 كيلو متر وفيه مسجد الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه ) وبعدما استقلت اليمن عن الخلافة العباسية في بغداد ، كان الشمال يحكم بواسطة ال يعفر الحواليين في كوكبان الى الغرب من صنعاء ،اما الجنوب فكان يحكمه بنو معن وهم من شبوة وكانو معينين من قبل بنو زياد والبعض يقول انهم معينين من قبل العباسيين ولكنه كان لهم شبه استقلال اما تهامة ومخلاف الجند فكان يحكمه بنو زياد من زبيد .
وفي التاريخ الذي تلاه توحدت اليمن تحت حكم بني الصليحي 444-569 لبعض الوقت .ثم عندما ضعفت تلك الوحدة .استقلت بعض المناطق مثل صعدة وما حولها كان يحكمها الائمة ، وبنو حاتم الهمدانيين حكموا صنعاء وماجاورها ، اما الجنوب فقد حكمه بنو زريع وحضرموت كانت تحكم من قبل حكام محليين من بني راشد .اما فترة حكم الائيوبيين والتي دامت من 569-626 فقد وحدوا الاجزاء الجنوبية منها وبقيت مناطق مثل صعدة وماجاورها تحت نفوذ الائمة ولم يسيطروا عليها الا بعض الأوقات .واتى بعدهم حكم بني رسول والذي دام 230 عاما من 626-858 هجرية ، وقد توحدت اليمن خلالها نسبيا حوالي مائة عام واكثر ثم من بعد عام 750 بدأت بعض المناطق تحكم بطريقة شبه كاملة من قبل المشائخ والائمة .واتت بعد بني رسول دولة بنو طاهر من عام 858-945 وقد توحدت اليمن في اول عهد الدولة الى حدود صنعاء ولم تصل صعدة ، وفي اخرها ايام الملك عامر عبدالوهاب .اما حضرموت فقد بدأت تستقل منذ 1500 ربما بالتوافق او التراضي الضمني مع بني طاهر .(انضر كتاب قرة العيون في اخبار اليمن الميمون تحقيق محمد بن علي الاكوع ط 1988 بيروت .وانضر حضرموت تاريخ الدولة الكثيرية ص 38 تأليف محمد بن هاشم تريم للدراسات والنشر )وجاء الاتراك عام 1538 واحتلوا اليمن وضلت الحرب بينهم وبين الائمة في الشمال مستعرة حتى انسحبوا من اليمن عام 1635م.
اما في الجنوب فقد بدأت سلطة المشائخ (السلاطين فيما بعد)تقوى وتتعاضم منذ سقوط الدولة الطاهرية ، حيث اعتمد عليهم الاتراك في جباية الزكاة والضرائب من الاهالي مقابل مرتبات منهم زائد مايحصلون عليه من العائدات نفسها كنسبة مئوية .وقد نمت سلطة المشائخ حتى اصبح لكل منطقة شيخها الذي يحكمها برضاء الاهالي .وبعد انسحاب الاتراك من اليمن خلع كل شيخ منطقة على نفسه لقب سلطان .!ويعتبر عام 1538 هو الانفصال شبه الكامل بين الشمال والجنوب .والسبب ان الشمال لم يعد يحكم من قبل اهل السنة بل الاتراك والزيود فيما بعد.
وعندما غزاء الزيود اليمن الجنوبي ابتداء من عام 1045 هجرية 1635 ميلادية قاومهم سلاطين الجنوب والمشرق مقاومة عنيفة وشرسة ادت هذه المقاومة بعد سنين الى انسحاب جيوش الائمة من الجنوب والمشرق (=البيضاء وماحولها حتى شرق رداع )(انضر تفاصيل الغزو الزيدي في تاريخ اليمن 1045-1090 هجرية المسمى طبق الحلوى وصحائف المن والسلوى تأليف عبدالله الوزير تحقيق محمد عبدالرحيم جازم طبعة 1985 اصدار مركز الدراسات والبحوث اليمني ، وكتاب تاريخ اليمن عصر الاستقلال عن الحكم العثماني تأليف ابو طالب ، تحقيق محمد عبدالله الحبشي مطابع المفضل صنعاء ط 1990م .وكتاب الأمام المتوكل على الله اسماعيل ودوره في توحيد اليمن تأليف سلوى الغالبي الطبعة الاولى 1991.وكتاب هدية الزمن في اخبار ملوك لحج وعدن ص 146-147 ومابعدها .تأليف احمد بن فضل العبدلي المتوفي سنة 1362(=1943م )مكتبة الجيل الجديد ط 2004)وقد بقي الجنوب مستقلا عن السيطرة الأمامية الى ان اتى الاحتلال البريطاني لعدن عام 1839 وعمل معاهدات حماية مع سلاطين الجنوب .اعترفت بموجبها بريطانيا بالسلاطين مقابل اعتراف السلاطين بسيادة بريطانيا عليهم فيما يتعلق بالسياسة الخارجية .ويمكن القول ان شمال الشمال كان تحت نفوذ وحكم الائمة روحيا واحيانا سياسيا .بينما الجنوب حكمه ملوك وسلاطين ولا يعرف نظام الائمة . الحلقة السادسة
الاختلاف الديني والمذهبي
كان اليمنيين في القرون الثلاثة الأولى على مذهب اهل السنة ، والمذهب الشافعي بشكل خاص لان الأمام الشافعي اتى الى اليمن عام 169 هجرية ومنذ ذلك الوقت انتشر مذهبه في اليمن .وفي اواخر القرن الثالث الهجري دخلا الى اليمن مذهبا الاسماعيلية والزيدية الشيعيان .الاول عن طريق منصور بن حسن الحوشبي وعلي بن الفضل الحميري ، والثاني عن طريق الأمام الهادي يحي بن الحسين .مجئ هذا العقائد السياسية المغلفة بأسم الدين الى اليمن ادى الى صراعات سياسية ومذهبية كثيرة ، وسنركز في دراستنا هذه على الصراع بين الزيدية والشافعية ، لأن الاسماعيلية كدولة قد انتهت منذ وفاة الملكة سيدة بنت احمد الصليحي عام 532هجرية.(انضر كتاب قرة العيون لأبن الديبع ، تحقيق الاكوع طبع بيروت 1988 ص 131 ومابعدها )وقد بقيت الاسماعيلية عقيدة لبعض الناس يوجدون الان في حراز ويريم وصعدة ،وبعضهم ارتدوا عن دينهم تحت العنف الذي مورس ضدهم من قبل الائمة مثل الاسماعيليين الذين في كتاب والحقل من منطقة يريم وغيرها .
اما الزيدية فقد قام مؤسسها الأمام الهادي منذ ان وصل الى صعدة وسيطر عليها بالقيام بشن الحروب على الأمارات التي كانت تجاورها الى حدود صنعاء جنوبا .مثل بني الضحاك وال يعفر وغيرهم .وعمله هذا هو حسب تعاليم مذهبه ورغبة منه في نشره الى كل المناطق التي يستطيع الوصول اليها ،والذي يختلف عن مذهب اهل السنة في الاصول وبعض الفروع .وقد بدأت الزيدية بالانتشار من صعدة شمالا حتى وصلت الى ذمار جنوبا ، في القرن الذي تلاه .وكان سبب انتشارها هو هجرة مايسمون السادة او الاشراف من الزيدية الى تلك المناطق ودعوتهم لهذا المذهب والترويج له .
وقد ضلى نفوذ الائمة السياسي محصور في صعدة وماحولها بشكل اساسي ، اما المناطق الباقية فلم يصل اليها نفوذ الائمة السياسي الا بعد انسحاب الاتراك وتولي الائمة السلطة بعدهم وسطوع نجم الزيدية السياسية .منذ 1045 هجرية 1635م .(المرجع السابق ص 157 ومابعد )
والاختلاف الديني يأتي من عدة امور سنذكرها بالترتيب .
1.الزيدية تدعي ان السلطة يجب ان تكون لاهل البيت .لمن توفر فيه شروط الامامة ، والسنة يرون ان الأمة لها الحق في انتخاب (مبايعة )الحاكم ولا يشترط ان يكون من اهل البيت بل من عنده الكفائة .وهذا الاختلاف هو من اشد الاختلافات بين الجانبين ، ولا يمكن التوفيق مطلقا بينهما بسبب اختلاف المنطلقات والمبادئ والاسس .والتاريخ يدلنا على ان الشوافع حكمهم ملوك حسب الشريعة ، والزيود حكمهم ائمة من ال البيت من نسل الامام الهادي .(انضر كتاب الزيدية للدكتور احمد محمود صبحي ص 71 وما بعدها طبعة 1984 الزهراء للاعلام العربي .
2.الزيدية كفروا اهل السنة الشوافع وأستباحوا ارضهم واعتبروها بلاد مفتوحة يجب على اهلها دفع الخراج ..!عندما غزوها ابتداء من عام 1045 هجرية ، وعلى هذا الأساس يفترض ان يدفعوا الجزية او الخراج للزيود ، وهنالك فتوى للأمام اسماعيل بن القاسم وعنوانها (ارشاد السامع في جواز اخذ مال الشوافع ..!!)ولهذا الأمام اقوال وافعال اخرى منها ان اليمن بلاد كفر هم من فتحوها بسيوفهم ..!وقد فرض الائمة عبارة حي ((حي على خير العمل )) ومنعوا قرأة راتب الحداد حين غزو اليمن الجنوبي بهدف نشر مذهبهم ..(انضر كتاب حضرموت تاريخ الدولة الكثيرية ص 100.تأليف محمد بن هاشم الطبعة الأولى 2002 الناشر تريم للدرسات والنشر )
3.يعتبر المذهب الشافعي مذهب روحي بالاساس ولا يتدخل في السلطة كثيرا او يكفر المخالفين له .ولم يحصل قط ان كفر علماء الدين الشوافع الزيدية او غيرهم مثل الاسماعيلية او اليهود او استباحوا دماء احد على اسس دينية ابدا ، لاحين كانو مسيطرين على السلطة السياسية في اليمن كلها وفي موقف قوي ، ولا حتى عندما غزاء الزيود بلادهم .!!والصوفية تيار اساسي عند الشافعية في اليمن .اما الزيدية فأول شيئا تهتم به هو السياسة والسلطة وهو اساس من اسسها وتقوم وتبقى عليه ،وترفض التصوف تماما .ونظام الأمامة او السلطة السياسية كان هو المحور الذي يدور حوله المذهب الزيدي .وبالتالي يمكن القول ان الزيدية مذهب سياسي بالاساس .
وتوجد اختلافات فقهية ودينية اخرى بين الزيدية والشافعية .ولكن الاهم هو ماذكرنا من ناحية الاختلاف السياسي والذي كان يؤدي الى الصراع.ويعتبر الاختلاف المذهبي ومايتبعه من الخلافات الاساسية بين الزيود والشوافع وقد ادى ذلك الخلاف الى صراعات كثيرة تناولنا بعضها في الحلقة الخامسة
الحلقة السابعة
اختلاف القيم والعادات والتقاليد والطباع والمزاج .
ماذكرناه سابقا من اختلاف في الجغرافيا ، والتاريخ ، والدين ، ضروري ان يتبعه اختلاف في العادات والتقاليد ،والطباع ، والمزاج ، ويمكن ذكر بعض الأختلافات في الاتي :.
1.الجنوبيين والشوافع عموما منفتحون واكثر قابلية للتفاعل مع المتغيرات والاستفادة منها وعندما يريدون عمل شيئا او يعتنقون فكرة او يتعاملون مع احد في الغالب لا يضهرون غير مايريدون .وقد رأينا كيف ان اعضاء الجبهة القومية اعتنقوا الفكر الأشتراكي والمختلف عن عادات ومعتقدات اليمنيين وجاهروا به لأنهم متفتحون ويرغبون في الاستفادة من افكار وعلوم العصر ، وليس عندهم عقدة من ذلك .اما الزيود فهم يتبعون عقيدة التقية الشيعية سواء كأفراد او دولة والتي تقضي ان يضهر الشخص عكس مايبطن اذا ما تطلب الامر ذلك ..!وهم محافضون كثيرا على ماوجدوا عليه ابائهم ، وهذا مارأيناه ونراه في سياساتهم وتعاملهم مع غيرهم .ولايحبون التغيير الا في القليل النادر ، وعندهم ارتياب وشك في الاخرين .وقلما تجد احد منهم يتعامل مع الاخرين بأنفتاح وثقة ، وهم ميالون الى العزلة والانطواء والتعصب والجمود .بل انها جزاء من عادتهم ومعتقداتهم .وهنالك اختلاف جوهري في طريقة الحكم بين الشمال والجنوب ومانشاهده من سياسات للنظام له علاقة بالقيم والتقاليد .ويقول الدكتور السيد مصطفى سالم في كتابه الفتح العثماني الاول لليمن الصفحة 29 الطبعة الخامسة طبع دار الامين للطباعة والنشر .(فالقبيلي يتصف بشدة حذره من كل ماهو اجنبي عن قبيلته ، وبتعصبه لجماعته ، وبتعلقه بعادات قبيلته وبتقاليدها وبعقائدها الخاصة وبخضوعه لرئيس قبيلته خضوعا شديدا .)ويضيف في نفس الصفحة ان (الجبلي عرف بالنحافة وكثرة الحركة وشدة الحيوية ، كما اتصف بالذكاء والحذر من الغرباء والشك فيهم .)
2.حدة المزاج والفضاضة نجدها عند سكان مناطق شمال الشمال ، بينما نجد الوداعة ولين الجانب عند سكان الجنوب .ولهذا نجد العنف القبلي والثأر والمشاكل والنزاعات منتشرة بين قبائل شمال وشرق اليمن اكثر بمرات عما هو موجود في حضرموت ومناطق الساحل وغيرها ،من مناطق الجنوب.الثأر والقيم القبلية التي تتبعها مثل الهجر والاعراف التي تحل محل القانون ،جزاء اساسيا من حياة الناس في الشمال ،بينما الناس في الجنوب في اكثر المحافضات ، ينبذون العنف ولايريدون الثأر ولا القيم القبلية الضارة .ويحبون الالتزام بالقانون والنظام .ويقول هارولد يعقوب مؤلف كتاب ملوك شبه الجزيرة العربية ترجمة احمد المضواحي نشر دار العودة بيروت الطبعة الثانية 1988
في الصفحة 97 عندما كان حاكما للضالع من 1903 -1907 انه قام بحل الكثير من قضايا الثأر بين القبائل وحسب طلبهم وقد كان يستعمل حسب قوله القرأن لاقناع الناس بما يراه صائبا.وهذا يدل على وعي الناس هناك ومرونتهم وقابليتهم للتحضر والتمدن ،وقبول الخير بغض النضر من اين اتى ومن هو فاعله .
3.اختلاف الازياء الناس في شمال الشمال يلبسون الزنان (=القمصان الطويلة او الثوب )ويحملون الجنابي والاسلحة النارية والعصي والفئوس ..الخ بينما الناس في الجنوب يلبسون القمصان القصيرة مع الفوط ، ولا احد يحمل السلاح لا الابيض ولا الناري الا في النادر.والنساء في الشمال يلبسن الشرشف الاسود ويغطين كامل اجسادهن في المدن .اما الارياف فيستخدمن النقاب او اللثام .ويقول الزيدية ان اللثام امر بأرتدائه امامهم الهادي عند مجيئه الى اليمن .بعكس الجنوب والتي كانت اغلب النسوة في المدن والارياف لا يغطين وجوههن .وقد يقول قائل هذه ازياء وما دخلها في الاختلاف بين الشمال والجنوب .؟؟!ونحن نقول له ان الازياء تعكس طريقة التفكير ونوع المعتقدات والحضارة وتأثيرها.
4.اختلاف اللهجة :هنالك اختلاف واسع في اللهجة وطريقة نطق الحروف بين اهل الجنوب واهل الشمال .وتعكس لهجة اهل الشمال طبائع سكانه .بينما تعكس لهجة اهل الجنوب طباعهم وتراثهم .واللهجة او اللغة يتبعها اختلاف في التفكير والنضرة الى الأمور ،ومن خلال حديث الانسان ولهجته تعرف تفكيره .لأن اللهجة لم تأت اعتباطا بل نتيجة تفاعل بين البيئة والتاريخ والانسان ناطقها.
خاتمة
لم يكن قصدنا من هذا الدراسة الا تبيان الحقائق للوضع في اليمن بموضوعية وبحياد ، حتى يعرف من يقراء هذه الدراسة بحقيقة الاوضاع فيه ، ومن كان عارفا فسيزيده ذلك معرفة ، والناس المثقفين في اليمن يفترض ان يكونوا على المام تام بتاريخهم وواقعهم ، وان يبحثوا بالطريقة العلمية الاستقرائية عن المشاكل التي تقع في واقعهم .وكل مشكلة لها اسباب ، ولا تأتي من فراغ .وأن لايعتمدوا على ماتقوله السلطة لان ماتقوله هو لخدمتها ولتبرير تسلطها .وليس بالضرورة ان يكون له علاقة بالواقع اصلا!
وماذكرناه من اختلافات السياسة والجغرافيا، والتاريخ ، والدين ،والعادات ، والتقاليد ، شيئا مؤكدا ان ينتج عنه اوضاعا مختلفة وثقافات متعددة ، وباالتالي مصالح ومتطلبات متناقضة ومضطربة .وكون الوحدة اليمنية في عام 1990 قامت على التسرع والارتجال والعشوائية ، وبحكم النزاع الدائم بين الشمال والجنوب ، وبين اليمن الاعلى والاسفل ، فقد فشلت هذه الوحدة ان تبقى بطريقة سلمية ، على الرغم انها تمت في القرن العشرين وبعددا من الاتفاقيات ومن خلال دستور ، واجراءت استمرت اكثر من 20 عاما .وقد عادت الوحدة الى نقطة الصفر عام 94 وذلك عندما قام الشمال القوي حينها بغزو الجنوب تحت مسمى الوحدة ، وقام الجنوب باعلان الاستقلال ، ووحدة 94 تعيدنا الى توحيدات مشابهة قامت في الماضي بالقوة المسلحة ..ولكنها فشلت بعد عدة سنين .مشكلة التوحيد بالقوة انه يقوم على غلبة طرف اقوى على طرف اضعف منه .وتكون المصالح والغنائم لصالح الطرف القوي .و هذه الوحدة تضل باقية ما بقيت الاوضاع التي اوجدتها قائمة!وعندما تتغير الاوضاع تنهار تلك الوحدة ، لأن الطرف المهزوم يضل يتحين الفرص المواتية للثأر والعودة الى وضعه السابق .!والطرف الاقوى لن يضل الى الابد قوي بل الظروف تتغير وتتبدل ولابد له من ضعف بعد قوة .وهنا مكمن الخطر على وحدة القوة ، انها لاتدوم الا بالقوة نفسها.وتاريخ اليمن وغيرها لا يدلنا على ان وحدة القوة هي التي يريدها اليمنيين لانها لن تدوم اولا .وثانيا لأنها لن تحقق لهم الخير الذي يريدونه .
مستقبل الوحدة واليمن .
ولا بد من كلمة عن المستقبل .الوحدة تمت بين اليمن الشمالي والجنوبي نتيجة لعددا من الاتفاقيات ومن خلال دستور وافق عليه البلدين .وبرغم ذلك فقد كان هنالك قصورا في الاتفاقيات ، واستعجالا في قيام الوحدة .وقد حصل ماهو معروف للجميع من اغتيالات لقادة الحزب الاشتراكي اليمني ، ومن ثم حرب شنت ضد الجنوب ، وتم على اثرها ابعاد الحزب الاشتراكي عن السلطة تماما ، مع ابعاد الالوف من الجنوبيين عن اعمالهم ، وقد تضرر اكثر الجنوبيين من الوحدة والحرب لان بلادهم كانت مسرحا لها ، وطرد قادة الحزب من بلادهم الى الخارج ، وبسبب اجرءات اتخذتها حكومة الشمال ولازالت ضد الحزب والجنوب .مثل مصادرة ممتلكات الحزب الاشتراكي ومقراته وامواله .وبسبب فقدان الجنوبيين للنظام والقانون ، والذي نتج عنه عودتهم الى عهود بائدة ،وبسبب ان الشمال قام بعمليات نهب وسلب للاموال العامة والخاصة .
لكل ماذكرنا سابقا من مشاكل جرت في الجنوب بسبب تلك الحرب ،فأنه يتوجب على السلطة في الشمال الأستجابة لدعوات المطالبين بتصحيح مسار الوحدة وتفعيل اتفاقياتها ، واعطاء كل ذي حق حقه بدون زيادة اونقصان .هذا اذا ارادت ان تستغل الفرصة التاريخية وتعود الى الصواب .ما لم فهذه الدعوة والفكرة النبيلة تحتاج الى اناس من الشعب يكونون على مستوى المسئولية من الشمال والجنوب ، ويطالبون بماذكرنا .ولكن عددهم الى الان في الجنوب قليلا وفي الشمال اقل من القليل والسبب الجهل وما يمكن تسميته بالعاطفة والغباء السياسي..!!وحتى يصير هذا العدد كثيرا حتى يسمع لهم ستضل مشكلة الجنوب قائمة وقد تؤدي اذا تجاهلت من قبل قادة الشمال وشعبه ، الى ان يصل اغلب الجنوبيين الى قناعة بعدم فائدة الوحدة تماما لا في الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل ،وبالتالي سيطلبون بالاستقلال ، وهذا مابداء يقوله البعض منهم ، وقد يتحقق الاستقال باسلوب الانتفاضة او حرب العصابات ، والذي قد يؤدي الى سقوط الدولة في الشمال اصلا وتشضيها .لهشاشتها وعدم احترامها من قبل الشعب ولأفتقادها الى الشرعية ، شرعية الانجاز واحترام القانون وتطبيقه ، والعمل على تنمية الاقتصاد .وقد تصبح اليمن الشمالي مثل الصومال ، اذ لو انهارت الدولة قد تحتاج الى سنين حتى تعود .اما الجنوبيين فسيعملون على استقلال بلادهم ، ويتركون الشمال وشأنه .وما هو مطلوب من اهل الشمال ان ينضرون الى ماحصل لسكان الجنوب وكأنه جرى لهم ويعملون بجانب الجنوبيين على انهائه تماما وبجدية ومسئولية وبسرعة قبل فوات الاوان .مالم يحدث ذلك وفي المستقبل القريب ،سيحصل ماقلناه في السطور السابقة والبيت الذي يبنى على اساس هش سينهار على ساكنيه جميعهم ..!!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وتحياتي للجميع .اخوكم عبدالرحمن صالح حيدرة جبن الضالع .
08:26 ص 18/01/2006
وشكرا للجميع.
لماذا فشلت الوحدة السلمية اليمنية ؟؟؟!!!
دراسة لعوامل قيامها واسباب انهيارها
كتبها:عبدالرحمن صالح حيدرة، جُبَن الضالع اليمن يناير 2006
مقدمة
هذه الدراسة مساهمة متواضعة مني في سبيل معرفة ضاهرة توحيد اليمن والتي تحققت عام 1990 ، هذه الوحدة التي قامت سلمية على العواطف وحسن النيات من البعض ، وعلى النوايا المبيتة والسئية عند البعض الاخر .والتي لم تضهر في حينها ولكن لم تمر اشهر على الوحدة الا وضهر كل طرف بوجهه الحقيقي والذي كان يخفيه تحت اقنعة مختلفة قبل الوحدة .ودراسة هذا الحدث وماتبعه من مشاكل وحرب عام 1994 ، ومشاكل ناتجة عن تلك الوحدة ،فيها فوائد للبعض ،وخسائر ومصائب للبعض الاخر ، يستحق من المثقفين والباحثين والدارسين دراسة هذه الامور كل من جهة اختصاصه او معرفته ، وهنالك الكثير الكثير الذي يمكن بحثه حول هذا الموضوع وغيره في اليمن .
وهذه الدراسة التي نقدمها للقراء عن اسباب فشل الوحدة اليمنية ، قسمناها الى عدة اجزاء بداء من مرحلة الدعوة لها والتي قسمناها الى ثلاث مراحل حتى تحقيقها ، ويتبعها مرحلة مابعد الوحدة السلمية ، وهي الوحدة القائمة بالحرب والتي لازلنا نعيشها حتى الان . اما الجزء الاخير فيشمل الاسباب التي نعتقد جازمين انها وراء فشل الوحدة السلمية .بداء من الارتجال في عملية التوحيد ،الى الخلاف السياسي ، الى اختلاف الجغرافيا ، والدين ، والعادات والتقاليد ..الخ .وحسبنا هنا اننا اجتهدنا بقدر مانستطيع وحسب المعلومات المتوفرة لدينا ، والمراجع التي اشرنا اليها في مكانها .في تفسير هذا الحدث وتتبع اسبابه ، والعوامل التي ادت اليه واثرت فيه وتحليلها واعادتها الى اصولها وجذورها باسلوب علمي تحليلي تاريخي .ومن نافلة القول اننا لاندعي الكمال اواننا كتبنا كل عن كل شيء ..!!بل هنالك الكثير الذي يمكن الكتابة عنه وتحليله عن الوحدة اليمنية قديما وحديثا .وندعوا قرائنا الكرام ان ينقدوا مايرونه يستحق النقد ،وأن يضيفوا او يصححوا اية معلومات كانت ناقصة ، وأن يوضحوا مايرونه لم يأخذ حقه من الأيضاح ، وان يحللوا مايرون انه لم يتم تحليله بشكل كاف او لم يحلل اصلا .ولهم الشكر مقدما .والله من وراء القصد .شهر يناير 2006 جبن الضالع اليمن .
المرحلة الأولى
مرحلة الدعوة والشعارات
جأت الدعوة الى الوحدة اليمنية بتأثير من انقلاب 23 يوليو 1952 في مصر الذي اطاح بالملكية ، وما طرحه الأنقلابيون هناك من شعارات ثورية وتحررية و قومية .وقد بدأت تلك الدعوة في الجنوب العربي من قبل حزب الشعب الأشتراكي العمالي .برئاسة عبدالله الأصنج .وفيما بعد نادى بها البعثيين ، والناصريين ، وغيرهم .
وبعد قيام حركة 26 سبتمبر العسكرية وألاطاحة بحكم الائمة ، كان توحيد اليمن واحد من اهداف هذه الحركة ،اذ ذكرت في احد اهدافها (تحقيق الوحدة الوطنية في اطار تحقيق الوحدة العربية الشاملة .يقصد بالوطنية هنا اليمنية .!)والتي وضعت لها ستة اهداف لتحقيقها .وقد كانت العواطف لا العقل والمنطق والتاريخ هي الباعث لتلك الدعوات ..!!وقد بقي موضوع توحيد اليمن في الستينيات في اطار الشعارات وكسب الراي العام .
بعد انقلاب 5 نوفمبر على السلال 1967 تغير النظام في الشمال بنسبة 90 درجة..!!وأنتقلت السلطة من يد العسكر الفقراء والبسطاء ، الى يد العسكر الذين ينتمون الى القبائل والى يد مشائخ القبائل ورجال الدين .وقد ادى هذا الانقلاب الى زيادة الخلاف والتوتر بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي .على الرغم ان الجبهة القومية التي استولت على السلطة في الجنوب العربي بعد الاستقلال ، قد دعمت الجمهوريين في الشمال بأرسال المئات من رجالها الى هناك للقتال معهم ضد القوات الملكية التي كانت تحاصر صنعاء وكادت تستولي عليها .وقد قام النظام الجديد في صنعاء بعد فك الحصار بطرد وملاحقة وقتل كل قوى اليسار الذين يتواجدون في الجيش والأمن في العام 1968 ومابعد .وقد نزح بسبب ذلك العنف المئات من المعارضين الشماليين الى اليمن الجنوبي .الذي وفر لهم المأوى .
المرحلة الثانية
الحروب وتوقيعات الوحدة ..!!
بعد استقلال الجنوب العربي نزح الألاف من سكانه الى اليمن الشمالي والى دول الخليج العربي ، وهؤلاء النازحون البعض منهم من المعارضين للنظام الذين كانوا في جبهة التحرير ومن السلاطين والمؤيدين لهم ومن رجال الاعمال ، ومن الراغبين في الهجرة الى الخارج بعد رحيل البريطانيين.وقد ذكرنا سابقا ان العلاقة كانت متوترة بين الجانبين ، بسبب اختلاف النظامين سياسيا وفكريا واختلاف تحالفاتهما الداخلية والخارجية .ولهذا فقد قام الشمال بدعم المعارضين لليمن الجنوبي والذين لجاؤا اليه بعد الاستقلال .وزودهم بالمال والسلاح وبدعم اقليمي من السعودية بقصد القيام بعمليات عسكرية لاسقاط النظام هناك.وقد قامت تلك المجاميع بمهاجمة المناطق الحدودية في مكيراس محافضة لحج ، وشبوة عام 1972.ولكن النظام في الجنوب كان مستعدا ولديه جيشا ومليشيات مدربة تدريبا جيدا ومعنوياتها عالية وموالية للنظام القائم ، فتم له القضاء على هذه المجاميع واجبارها على الانسحاب الى الشمال ، ومنهم من بقي في معسكرات اللاجئين ومنهم من هاجر الى دول الخليج او استوطن اليمن الشمالي .اما المعارضين في الشمال فقد قاموا بعمليات فدائية ضد الدولة في المناطق الوسطى وكانت تلك المناطق تحت نفوذهم ونفوذ السلطة ..!وقد ادت تلك الأعمال العسكرية بين الجانبين الى قيام حرب بين اليمن الشمالي والجنوبي في سبتمبرمن عام 1972.وبعد وساطات من الدول العربية وغيرها اوقفت تلك الحرب بعد اسابيع من قيامها .وانسحبت القوات الجنوبية من ارض الشمال .لان الجنوب ربح الحرب وخسرها الشمال .بسبب حسن تنظيم الدولة في الجنوب وولاء الجيش والمليشيات لها .انضر حول هذا الموضوع (الوحدة اليمنية والحرب الاهلية 94 في موقع الامير خالد بن سلطان
http://212.100.198.18/default.asp?id...Study_Home.htm
)
وبعد الحرب اجتمع رئيس وزراء اليمن الجنوبي علي ناصر محمد ورئيس وزراء اليمن الشمالي محسن العيني في القاهرة ، وبواسطة الجامعة العربية ، وقد وقع اتفاق لقيام الوحدة في 13 سبتمبر 1972 سمي اتفاق القاهرة .(انضر نص الاتفاقية في المرجع السابق )وبعد اجتماع القاهرة اجتمع الرئيس اليمني الجنوبي سالم ربيع علي ، والشمالي عبدالرحمن الارياني في طرابلس ليبيا في شهر نوفبمر ، وبأشراف العقيد معمر القذافي واصدرا الرئيسين بيانا سمي فيما بعد بيان طرابلس ، وفي هذا البيان تحديد لشكل الدولة التي يزمع اليمنيون تحقيقها .(انضر نص الاتفاق في المرجع السابق )
بعد ذلك الأتفاق ضلت العلاقة بين الجانبين متوترة ،وبقي كل طرف يدعم المعارضين للطرف الثاني .وعندما استولى ابراهيم الحمدي على السلطة في 13 من يونيو عام 1974 حصل تقارب بين الجانبين ولكنه اغتيل في عام 1977 قبل ما يحصل تقارب اكبر ، ويقال ان من اسباب اغتياله هو تقاربه مع اليمن الجنوبي.وأتى بعده الرئيس الغشمي والذي اغتيل بعد ستة اشهر من توليه السلطة .وقد اتهم اليمن الشمالي ، اليمن الجنوبي انه وراء مقتله حيث يدعي الشماليين ان الرئيس سالم ربيع علي ارسل رسول اليه ، و لا يذكرون اسم هذا الرسول .!وانه تم استبدال هذا الرسول في مطار عدن ،برسول من المعارضين لسالم ربيع وزود بمواد متفجرة .وان رسول سالم ربيع وضع بالسجن من قبل المنافسين له .!وهناك تساؤلات عن كيف تم تغيير الرسول بدون مايكون للشمال علم ولا للرئيس ربيع .وتساؤلات اخرى كثيرة تأتي الى الذهن عن ذلك الحادث ولكن هذا ليس موضوعنا ونعود للحديث عن مسار الوحدة .
هذا الحادث ادى او اتخذ ذريعة لتوتير الاجواء بين اليمن الشمالي والجنوبي .وقد قامت بينهما حرب قصيرة في فبراير عام 1979 وهزم الشمال في تلك الحرب على الرغم انه كان البادئ فيها ،حيث استطاع الجنوبيين ان يستولو على عدة مناطق منها البيضاء وقعطبة والوازعية وغيرها.وتدخلت الجامعة العربية وبعض الدول العربية وتم ايقاف الحرب .وبعد ذلك ذهب الرئيس اليمني الشمالي على صالح والرئيس اليمني الجنوبي عبدالفتاح اسماعيل الى الكويت وهناك وقعوا اتفاقية وحدة اخرى في 28 مارس 1979..!! تلك الاتفاقية جأت حسب وساطة دولة الكويت وبأشراف اميرها الحالي الشيخ جابر الاحمد الصباح .ولم يتم تطبيق ما اتفق عليه في الكويت والمقرر بستة اشهر يتم بعده قيام الوحدة اليمنية .وقد كان التوقيع يعكس الواقع على الارض ..!لأن الجنوب وقع تلك الأتفاقية من موقع قوة والشمال وقعها من موقع هزيمة وضعف .ولكنها كانت ضرورية له لكسب الوقت وبناء الذات .(المرجع السابق )
بعد الأتفاقية سار كل بلد في حاله وبقيت العلاقات بين الجانبين متوترة وضلى الشمال يدعم المعارضين للجنوب والجنوب يدعم المعارضين للشمال .حتى تم الأنقلاب على عبدالفتاح اسماعيل وجماعته عام 1980 ومجئ الرئيس على ناصر محمد .
بعد سيطرة على ناصر على السلطة قام بأبعاد كل الاشخاص الذين لهم صلة بعبدالفتاح اسماعيل وعنتر والمجذوب وركز السلطة بيده ويد اهل منطقته ابين وشبوة .ومما عمله هو التقارب مع الشمال على حساب المعارضين هناك .حيث تم ايقاف المساعدات التي كانت تأتي للجبهة الوطنية الديمقراطيةالمعارضة المسلحة في الشمال من الدول الأشتراكية وبعض الدول العربية واليمن الجنوبي.وكان هذا الموقف من علي ناصر مقابل ان الشمال سيقوم بالوقوف الى جانبه ضد معارضيه من اهل لحج والضالع ويافع .
وقد ادى هذا الاتفاق بين علي ناصر وعلي صالح والذي تم من خلال اجتماع في صنعاء في 13 يونيو عام 1980 خدمة كبيرة للشمال .حيث بقي اعضاء الجبهة بدون نصير وقام جهاز الامن الوطني بقيادة محمد خميس مع اعوانه من الناقمين على الجبهة بقتل واعتقال المئات منهم .(المرجع السابق)
وكان من ضمن اما اتفق عليه هو صياغة دستور لدولة الوحدة حسب ماهو مقرر في اتفاقياتها الثلاث ..!وضلت العلاقات حسنة بين الجانبين حتى عام 1986 حين انفجر الصراع بين جناح على ناصر وجناح عبدالفتاح اسماعيل وعلي عنتر .وحينها وقف الشمال مع علي ناصر ولكنه لم يستطيع ارسال قوات الى الجنوب لمساعدة علي ناصر، لأن الموقف لم يكن واضحا ولم يكن الشمال متأكدا من النجاح .وسبب اخر هو تحذير الاتحاد السوفيتي للشمال من مغبة التدخل عسكريا في شئون الجنوب ، لأن بينه وبين الجنوب معاهدة صداقة وتعاون .تكفل للجنوب الدفاع عنه من اي اعتداء خارجي .وقد رحل اصحاب علي ناصر بأتجاه الشمال بسبب خسرانهم للحرب.
المرحلة الثالثة
قيام الوحدة عام 1990
حرب يناير 1986 بين الفئات المتنافسة داخل الحزب الأشتراكي سببت ضعفا سياسيا واقتصاديا ومعنويا للحزب الاشتراكي ، واصبح الجنوبيين يشكون في قدراتهم على حكم انفسهم .!زائد انهيار الأتحاد السوفيتي الصديق والحليف الاستراتيجي لليمن الجنوبي.والذي كان يدعم الجنوب في كل المجالات .هذان الموقفان الصعبان الداخلي والخارجي كان يراقبهما الشمال عن كثب ، ويتحين الفرصة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية واستراتيجية على حساب الجنوب .وقد عرض الشمال على الجنوب قيام وحدة بينهما عام 1988 ، ,وذلك حين زار الرئيس الجنوبي على سالم البيض صنعاء في مايو من تلك السنة .وقد قبل البيض المقترح الشمالي بالوحدة .وفي العام الذي تلاه في ال 30 من نوفمبر 1989اجتمع الرئيس صالح والبيض في عدن ووقعوا اتفاقية الوحدة والتي يفترض ان تتم بعد عام من توقيعها اي في الثلاثين من نوفمبر عام 1990.!وخلال تلك المدة يتم استكمال صياغة الدستور والتصويت عليه من (برلمانات البلدين )وأستكمال باقي الاتفاقيات والاجرأت .وايضا دمج الامن والجيش .!!وقد كان الشعب في اليمن الجنوبي متحمس للوحدة اكثر من قادته ، حيث حصل تردد بعد التوقيع على الوحدة عام 89 من قبل قادة الحزب بعدما سمعوا بداية فتاوي التكفير والحملة الاعلامية ضد الحزب الاشتراكي والجنوب ، وانا اذكر حديث لي مع سائق سيارة اجرة اوصلني الى حيث اعمل عندما كنت في قطر ، وهذا السائق من يافع ، الزمان كان على ما اذكر في شهر 12 89 او 1 1990 .وقد تكلمتنا عن الوحدة وقلت لهذا اليافعي المتحمس جدا والذي كان يكلمني وهو في حالة هياج وطرب غير طبيعيان ، وكأنما هو ذاهب يتزوج لأول مرة .ان الوحدة ستضر الجنوبيين في الوقت الحاضر من كل النواحي ، وان الشماليين قبائل محافضون و لا يحبون ولا يقدرون القوانيين ،وان الفوضى هي ديدنهم ،على الاقل في الوقت الحاضر والمستقبل المنضور .وان التعاون مع الشمال اوالكونفدرالية او الفدرالية افضل من الوحدة معه ، لانه لايورط الجنوب ، بل يحفظ له كيانه ، وفي نفس الوقت يمكنه الاستفادة من اي شيء مشترك مع الشمال .وهذا الكلام قلته لكثير من الجنوبيين الذين كنت اعمل معهم ، وكان موقفهم مثل موقف صاحب التاكسي .اللهم انه كان في حالة طرب وحبور عجيب..!!افقدته ملكة التمييز وهو واحد من الوف كانوا يفكرون نفس التفكير وهذا ماجعلني اذكره هنا .والعامة احيانا قد يخطئون في توقعاتهم ، بسبب قلة خبرتهم ومعرفتهم .
الفترة الانتقالية
وقد تم اعلان الوحدة قبل موعدها بستة اشهر ،وقد قيل حينها انهم فعلوا ذلك لاستباق اية عراقيل او مشاكل قد تقع اذا تم الأنتضار حتى ال 30 من نوفمبر 1990.!واتفق الجانبان على فترة انتقالية مدتها سنتين ونصف ، وخلال هذه المدة تبقى السلطة مناصفة بين الجانبين وبعد هذه الفترة تقام انتخابات ، ومن فاز بالعدد الاكثر من مقاعد مجلس النواب ، يشكل الحكومة ، وقد اتضح ان كل واحد دخل الوحدة وله اهداف يريد تحقيقها ، ولم يمر على عرس الوحدة بضعة اسابيع حتى قام رجال الدين الشماليين بتجديد حملة التكفير ضد الحزب الاشتراكي والجنويين وهاجموا الدستور لانه علماني حسب قولهم وان الاشتراكي حزب خارج عن الملة الاسلامية .وأنهم ملاحدة ..الخ ..!!وقد كهربت هذه الحملة الجو السياسي وشحنته بالتوتر .ولم يكن ذلك ممكننا بدون بمباركة ودعم حكومة الشمال برئاسة علي عبدالله صالح .هذه الحرب النفسية كانت على مايبدو ضرورية ولابد منها ومقدمة لما سيأتي بعدها ولأختبار مدى قوة الحزب الاشتراكي واين نقاط الضعف والقوة فيه .ولجعله ينشغل بأمنه وبالرد عليهم ، وتخفيض سقف مطالبه .وقد وجدت القوى المعادية للحزب الاشتراكي ان الحزب في موقف دفاعي واضعف من ان يقوم بأي رد فعل لما سينال كوادره من اغتيالات ،وتصفيات جسدية وبطريقة علنية في وقت لاحق.وكان الغرض من حرب التكفير ومن بعدها الاغتيالات هو على مابداء فيما بعد تحقيق مكاسب سياسية للشماليين ،واجبار الحزب الاشتراكي الشريك الثاني في الوحدة ، والجنوبيين على الخضوع للسلطة في الشمال وقبول الأمر الواقع ، وان ليس من حقهم ان يطالبوا بدولة قانون او نظام او بالمساواة او العدالة.لأن معنى ذلك هو سقوط النظام القائم في الشمال ومجيئ دولة الجنوب والحزب الاشتراكي وهذا مالايمكن قبوله ..!!وقد كانت الفترة الانتقالية فرصة للشمال لاختبار ميزان القوى ، والتي وجدها لصالحه من ناحية عسكرية ، وامنية ، وقد تم تتويجها بفوزه بمعضم المقاعد في مجلس النواب ، واصبحت له شرعية انتخابية بجانب الشرعية العسكرية ، والامنية .فوزه في الانتخابات جعله يتصرف بثقة ويصور نفسه انه محقق الوحدة وعليه حمايتها ..!!وقد كانت الفترة الانتقالية والانتخابات ضرورية للشمال من اجل اختبار موقف الاشتراكي ، وتجهيز نفسه للمعركة الفاصلة معه .ولم يتم خلال الفترة الانتقالية عمل اي شيئا يدعم الوحدة او الاندماج او المصالحة بين اليمنيين ،او تطبيق القانون والاستقادة مما كان في اليمن الجنوبي ومن وجود للنظام والقانون ، بل كانت فترة للعنف المنظم الموجه ضد احد الشركاء في الوحدة وللتأمر والاستعداد للأجهاز عليه .
وحيث ان الاغتيالات وحملة التكفير ضد الجنوب والفوز في الانتخابات لم تحقق ماكان يريد حكام الشمال من اخضاع تام لهم ، حيث بقي الكثير من قادة الحزب واليمن الجنوبي ضد كل ماجرى ، بل واعلنوا انهم يرغبون في العودة الى ماقبل الوحدة ، او اقامة وحدة على اساس فدرالي .حينها لم يعد امام قادة الشمال الا شن حرب شاملة ضد الجنوب تحت مسمى انهم انفصاليون ومتمردين ..!!وقد كان الشمال مستعدا لتلك الحرب منذ ان وقع الوحدة مع الجنوب ..وبدأت الحرب بين معسكرين للشمال والجنوب في عمران بشهر ابريل 1994 وانتشرت بعد ذلك الى كل مكان، وبعد 70 يوما توقفت بعدما دخلت القوات الشمالية عدن واحتلتها وسيطرت على باقي المناطق .وهذه الحرب وفرض الوحدة بالقوة كانت نتيجة طبيعية لماذا سنذكره من اسباب وخلفيات وجذور لها وللخلاف الدائم بين الشمال والجنوب .وبهذا الفصل تنتهي المرحة الثالثة وتدخل المرحلة الرابعة وهي مرحلة الوحدة بالقوة المسلحة .
الان سنناقش الاخطاء التي وقع فيها الوحدويون والتي ادت الى الحرب وتحول الوحدة السلمية الى وحدة بالقوة العسكرية .
الأسباب التي ادت الى فشل الوحدة السلمية
الاسباب السياسية
1.لقد قامت الدعوة الى الوحدة اليمنية مجاراة لما كان يقال في مصر وغيرها من دعوة للوحدة العربية وتاثرا بذلك الجو .ولم تكن الدعوة اليها نابعة من قناعة بها ومعرفة بشروطها ومتطلباتها ومعرفة بتاريخ اليمن السابق ، والذي قامت فيه عدة توحيدات من قبل كان مصيرها الفشل الذريع .في تاريخه الطويل قبل الاسلام وبعده .والسبب ان تلك التوحيدات كانت تقوم على القوة المسلحة والمسيطر يحكم حكما استبداديا مركزيا ، بدون مراعاة لمصالح الاهالي والاقيال والمشائخ في كل المناطق ، ولم يصل اليمنيين في تفكيرهم السياسي للاسف الى صيغة تحفظ للمركز ببعض السلطات، وللمناطق ببعض السلطات ،اي ان يكون الحكم مشتركا وليس لملك او امام واحد ..!بل ان هذا التفكير لم يصل بعد الى ان يعتنقه عددا كافيا من الناس حتى الان !!ولكن الواقع ومشاكله ربما ادى الى ذلك في وقت لاحق .
2.عدم البدء بخطوات التوحيد باالتعاون المشترك حتى تبنى الثقة ثم بالكونفدارلية مثلا، ثم التدرج قليلا قليلا حتى الوصول الى الفدرالية وتقف عن هذا الحد ، ولكنهم اخذوا بالوحدة الاندماجية ، والوحدة الاندماجية لاتصلح لليمن لاسباب كثيرة ،لانها قفز على الواقع الموضوعي وتعسف له ،و لانها قد جربت من قبل ولم تنجح .وهنالك امر اخر مهم هو عدم وجود ضمانات لطرفي الوحدة تعطيهم الأطمئنان ان حقوقهم مصانة .ويفترض ان تكون هنالك مواد بالدستور تعطي اي طرف الحق في فسخ الوحدة والعودة الى وضعه السابق بطريقة سلمية اذا راى ان الوحدة لم تحقق له اهدافه وامانية .وذلك حتى لايحصل استبدادا وتحكما من قبل الطرف القوي على الطرف الاضعف ، بجانب ضمانات اخرى ، تحقق العدل والمساواة بين الطرفين المتعاقدين .وهذا هو اصل التعاقد بين البشر والجماعات والامم والشعوب .اذ ان العقود يجب ان تحافظ على مصالح الطرفين المادية والمعنوية بغض النظر عن قوة هذا الطرف اوضعف ذاك.ومما هو جدير بالذكر ان المرحوم صالح السيلي وزير الداخلية في اليمن الجنوبي وقليل بجانبه وقت محادثات الوحدة كان قد تقدم باقتراح ان تقام وحدة كونفدرالية او فدرالية بين البلدين ، ولكن كلامه قوبل بالاستهجان والاستخفاف حينها في الجنوب من قبل اكثر اعضاء الحزب ، واتهم انه من التيار اليساري المغامر والمتطرف !!.(التاريخ والمنطق يقول لنا ان كثرة المؤيدين لشيء لايعني انهم على صواب ، بل قد يكون القليل هم على الصواب ..وهذا ما اثبتته الايام بعد اربع سنوات من قيام الوحدة ، اذ لو استماعوا الى السيلي وجماعته القليل لكان جنبوا اليمن الحرب والمشاكل .)
3.كان العداء هو الحالة السائدة والشيء الطبيعي بين اليمن الجنوبي والشمالي ، منذ انسحاب الاتراك من اليمن عام 1045 هجرية =1635 ميلادية .وكان سبب هذا العداء هو الغزو الامامي الزيدي لليمن الجنوبي ،ومحاولة السيطرة عليه وحكمه .وقد انتهت السيطرة الزيدية على اليمن الجنوبي ابتداء من عام 1090 هجرية في معضم المناطق ، وبعضها تأخر استقلالها قليلا حتى عام 1145 هجرية 1728 ميلادية مثل لحج وعدن .ولابد ان نذكر ان الحرب ضلت مستعرة بين الائمة وسلاطين الجنوب العربي والمشرق لمدة تزيد عن 100عام .وكانت الغلبة في الاخير للأهالي والسلاطين حيث استقلوا بمناطقهم .وحكموها بأنفسهم ، وبقيت تلك الكيانات حتى مجئ دولة الأمام يحي عام 1918 وانهائها سلطنة ال الرصاص في البيضاء وماحولها .وانسحاب البريطانيين من الجنوب العربي عام 1967 .
هذا العداء كان موجودا ايام السلاطين منذ 1635 وبقي متواصلا حتى 1967 واستمر بعد قيام الجمهورية العربية اليمنية عام 1962 وجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية عام 1967 بعد الاستقلال .وقد قامت بين اليمن الشمالي والجنوبي حربين عام 1972 و1979 ،ولم يحصل قط ان قامت علاقة طبيعية ، وحسن جوار بين الطرفين لا ايام السلاطين ولا ايام الجمهوريين ..!!
وقد كان سبب هذا الوضع المتوتر والعدائي هو وجود سلطنات ضعيفة في الجنوب ، تعطي الخصم الخارجي الرغبة في السيطرة عليها ، بسبب اختلاف هذه السلطنات فيما بينها وعدم وجود قائد واحد لها يوجهها الى الطريق الصحيح للدفاع عن نفسها ، وتطوير احوالها .وهذا الخصم هم ائمة الشمال الذين كانوا يرغبون في السيطرة على تلك المناطق لاسباب سياسية ودينية ، ومن بعدهم اتى الجمهوريين خلفاء دولة الائمة في الشمال ، واغلبهم يفكر بعقلية الائمة نفسها .هذا العداء والاختلاف بين الشمال والجنوب له جذوره في الجغرافيا والتاريخ والدين والعادات والتقاليد وسنذكر ذلك في بحث خاص .حالة العداء بين دولتين قد تمنعهما من اقامة علاقة طبيعية بينهما الا بعد حل المشاكل التي كانت سببا لحالة العداء او اقتناع الطرفين ان الافضل لهما هو التعاون ، وتطبيع العلاقات بينهما بغض النظر عن خصوصياتهما ..!وهذا ما لم يحدث بين اليمن الشمالي والجنوبي اذ ضلت حالة العداء والشك المتبادل هي السائدة بين الطرفين ، وقد استخدم الصراع المسلح للتعبير عن الرفض لوحدة الضم والالحاق ،وهذا ماعبر عنه كل سلاطين الجنوب بدون استثناء .اذ ان الغزو الأمامي الزيدي للجنوب ادى الى توحدهم ضده حتى تم طرده من بلادهم .وهذا التوحيد الذي تم بينهم كان سببه هو تشابه احوالهم ، ووحدة خصمهم .اذ انه اتى للسيطرة على بلادهم ، وعاملهم جميعا بنفس الطريقة .ولم يفكر السلاطين قط في انهم يوما ما سيتوحدون مع الشمال ، والسبب حالة العداء المستحكم بينهم وبين الائمة.برغم ورود بعض الاشارات للوحدة في كتاب (هدية الزمن في اخبار ملوك لحج وعدن للعبدلي والذي توفى عام 1943)والحزب الاشتراكي بسبب انه اعتنق فكرة الماركسية والتي تعتبر متقدمة على الواقع في اروبا فما بالنا باليمن ..!!وهي طوباوية بالاساس وكثيرا من افكارها غير واقعية وعنيفة .المهم ان الاشتراكي اعتبر توحيد اليمن ممكن ان يكون عملية سهلة وفكرة يمكن تطبيقها ، وما المانع من المغامرة في هذه المسئلة ، مثلما غامروا في تطبيق الاشتراكية .!!وهذا ماحصل عام 90 اذ اندفع اصحاب الحزب بنيات حسنة الى الوحدة ، ثم لم يعيشوا في ضل الوحدة الا بضعة اسابيع حتى اكتشفوا تعقيدات الواقع وبؤسه وخطاء توقعاتهم ..!!وانهم تورطوا بالوحدة وانها ستجلب لهم المشاكل اكثر مما تجلب لهم من الخير .بينما الشمال كان مؤمن بطريقة الائمة في الوحدة وبالافكار القبلية والقديمة في ادارة شئون البلاد ، ولم يكونوا ميالين الى المغامرات الفكرية ، او استخدام او اعتناق الجديد حتى لو كان مفيدا .وقد بقي الشمال مثلما كان منذ قرون لم يطراء على حياة الناس فيه اي تغيير يذكر .من هنا فقد كان اكثر ثباتا واعتبر مجيء الجنوبيين الى الوحدة فرصة له للسيطرة على اليمن كلها ، ولن يفقد الكثير ان هو دخل معهم في مشاكل او صراع ، اذ ان الصراع والمشاكل جزاء من واقعه ، وهو ليس مهتما بالبناء للبلاد حتى يخاف من التدمير والخراب في حالة الصراع ..!! بل هو مهتما بالسيطرة والهيمنة على المعارضين لسياسته .ولو كلفه ذلك ان يهدم البلاد ، اوجعلها في اخر قائمة الدول .والسبب لهذه السياسة والثقافة هو العزلة التي يعيشها المجتمع في مناطق شمال الشمال في اليمن ، والذي تنتمي اليه النخبة الحاكمة .هذه العزلة عمرها مئات السنينن ان لم نقل الوف .وقد تعززت بأراء الائمة والتي اعطتها قداسة حتى انها اصبحت جزاء من ثقافتهم ودينهم ،واصبح كل بعيد عن جبالهم ومضاربهم عدوا ، يجب الحذر منه ولا ينبغي التعاون معه او الاستفاده مما عنده ، او التعايش معه .!!وهذا مارأيناه في تعاملهم مع الاتراك حين اتوا لفتح بلادهم ، وكان يمكنهم الاستفادة من وجودهم ، افضل من حكم الائمة .ومع المصريين عندما اتو لمساعدتهم للتخلص من الحكم الأمامي .وهذه هي ثقافة الجماعات المنعزلة والمتخلفة انها تعمل للحفاظ على كل ما من شئنه ان يجعلها تعيش على عاداتها وتقاليدها .حتى لو كان اكثر هذا العادات والتقاليد والناس الذين تدافع عنهم في غير صالحها .والجاهل مثلما يقال عدو ماجهل .!!
وهنالك عامل مهم اخر وهو اختلاف الضروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية بين البلدين ، اذ ان الجنوب كان مختلفا عن الشمال ، وسنتناوله ذلك بالتفصيل ، ولكن بعد احتلال بريطانيا للجنوب ازداد هذا الاختلاف ، اذ ان الاستعمار جعل من عدن مدينة عصرية تقوم الحياة فيها على اساس القانون والنظام ، وانتهت فيها حياة العشائر والقبائل والقرية .ومن عاش في عدن كان يعتبر نفسه مواطنا وليس قبيليا ..!وقد تأثر اكثر سكان الجنوب العربي بذلك بسبب اقامة الكثير منهم في عدن ، وبسبب ان النظام بعد الاستقلال قد اخذ بذلك النظام وعممه على الارياف ، واصبح المواطن يعيش على قوانين ونظم حديثه برغم تخلف الواقع الاقتصادي والذي كان قائما على اساس الاشتراكية بعد الاستقلال وقبله على اساس الرأسمالية والاقتصاد البدائي .بينما الوضع في الشمال كانت تقوم فيه الحياة على اساس اعراف القبائل وعاداتها والقوانين حسب الشريعة الزيدية الاسلامية.والاقتصاد كان يقوم على اساس رأسمالي واقطاعي بدائي .وباالتأكيد الوضع كان مختلفا بنسبة 180 درجة تقريبا .!وهذا مما زاد الهوة والشقاق والنزاع بين البلدين .
اختلاف الجغرفيا .
للجغرافيا دور كبير في تكوين الافراد والجماعات والشعوب والامم والحضارات .والقصد بالجغرافيا هو الارض وتضاريسها سهول هضاب او جبال وخصوبتها ونسبة هطول الامطار فيها كثيرا ام قليلا .وهل الارض هذه زراعية ام رعوية ام صحرواية؟.وكيف يعيش الناس على الزراعة ام الرعي .؟ام صيد الاسماك ام كل ذلك.؟الجغرافيا بكل عواملها تؤثر تأثيرا مباشرا في سلوك الافراد وطريقة تعاملهم مع الضروف الطبيعية المحيطة بهم لان منها معاشهم وعصب حياتهم .ولهذا فساكن الجبال يكون مختلفا في بعض طباعه عن ساكن الهضاب والسهول والسواحل والعكس صحيح اي ان ساكن السهول يختلف عن ساكن الجبال الخ .هذا الاختلاف في المناخ يجعل ثقافة وحضارة ساكن الجبال تختلف عن ثقافة وحضارة صاحب السهول والسواحل بعض الشيئ .وهذا الاختلاف يتطور بحيث يؤدي الى الشقاقات والصراعات ..
ولهذا السبب فسكان الشمال الماسكين بالسلطة هم من سكان الجبال ، وهم يختلفون بالطبع عن سكان الجنوب والذين معضهم من سكان الهضاب والسهول والسواحل .وبسبب اختلاف الجغرافيا هنالك اختلاف في طبيعة النشاط الاقتصادي ، حيث سكان الجبال يعتمدون على الزراعة والرعي وتأجير انفسهم للحرب بجانب من يقدم لهم المال .بينما يعتمد سكان السواحل على صيد الاسماك والتجارة وقليلا منهم على الرعي .وهذا الاختلاف في طبيعة النشاط الاقتصادي والمناخ ادى بدوره الى اختلاف في منضومة القيم الفوقية مثل الاخلاق والجمال وقيم الخير والشر وماهو عملا وضيعا او سرقة في نضر اهل السواحل ، قد يكون عملا شريفا وشطارة عند الساكن في الجبال في مناطق شمال الشمال ..!!
اختلاف التاريخ
لاسباب جغرافية وسياسية لم تقم في تاريخ اليمن وحدة سياسية دائمة قط .بل ان تاريخ اليمن منذ 3000 عام هو تاريخ دول ودويلات تتعايش وتتصارع مع بعضها ،وقد قامت في اليمن الجنوبي قبل الاسلام عدة دول هي اوسان وقد بدأت في 700 قبل الميلاد وانتهت في القرن الأول الميلادي وكانت عاصمتها مرخة جنوب مأرب ، (المرجع الموسوعة اليمنية جزء 1 الطبعة الثانية ص 428 ).اما الدولة الثانية فكانت دولة قتبان وعاصمتها تمنع في بيحان وقد قامت في القرن الأول الميلادي وسقطت في القرن الثالث الميلادي.(المرجع السابق الجزء الثالث ص 2376 )اما دولة حضرموت فيقدر المؤرخون انها قامت في القرن الخامس قبل الميلاد وعاصمتها شبوة ، وقد سقطت عند غزو الحميريين لها بالقرن الرابع الميلادي .(المرجع السابق الجزء الثاني ص 1116)وقد كانت هذه الدول متواجدة مع ما يقابلها في الشمال من دولة معين وسباء ، وحمير ..الخ .!!
اما بعد الاسلام فقد كانت حضرموت تحكم بواسطة وال مستقل ويعين من دمشق او بغداد مباشرة وحضرموت تشمل المهرة وشبوة ، اما اليمن الجنوبي فكان يحكم بواسطة الوالي لمخلاف الجنَد (بلدة شمال تعز المدينة ب15 كيلو متر وفيه مسجد الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه ) وبعدما استقلت اليمن عن الخلافة العباسية في بغداد ، كان الشمال يحكم بواسطة ال يعفر الحواليين في كوكبان الى الغرب من صنعاء ،اما الجنوب فكان يحكمه بنو معن وهم من شبوة وكانو معينين من قبل بنو زياد والبعض يقول انهم معينين من قبل العباسيين ولكنه كان لهم شبه استقلال اما تهامة ومخلاف الجند فكان يحكمه بنو زياد من زبيد .
وفي التاريخ الذي تلاه توحدت اليمن تحت حكم بني الصليحي 444-569 لبعض الوقت .ثم عندما ضعفت تلك الوحدة .استقلت بعض المناطق مثل صعدة وما حولها كان يحكمها الائمة ، وبنو حاتم الهمدانيين حكموا صنعاء وماجاورها ، اما الجنوب فقد حكمه بنو زريع وحضرموت كانت تحكم من قبل حكام محليين من بني راشد .اما فترة حكم الائيوبيين والتي دامت من 569-626 فقد وحدوا الاجزاء الجنوبية منها وبقيت مناطق مثل صعدة وماجاورها تحت نفوذ الائمة ولم يسيطروا عليها الا بعض الأوقات .واتى بعدهم حكم بني رسول والذي دام 230 عاما من 626-858 هجرية ، وقد توحدت اليمن خلالها نسبيا حوالي مائة عام واكثر ثم من بعد عام 750 بدأت بعض المناطق تحكم بطريقة شبه كاملة من قبل المشائخ والائمة .واتت بعد بني رسول دولة بنو طاهر من عام 858-945 وقد توحدت اليمن في اول عهد الدولة الى حدود صنعاء ولم تصل صعدة ، وفي اخرها ايام الملك عامر عبدالوهاب .اما حضرموت فقد بدأت تستقل منذ 1500 ربما بالتوافق او التراضي الضمني مع بني طاهر .(انضر كتاب قرة العيون في اخبار اليمن الميمون تحقيق محمد بن علي الاكوع ط 1988 بيروت .وانضر حضرموت تاريخ الدولة الكثيرية ص 38 تأليف محمد بن هاشم تريم للدراسات والنشر )وجاء الاتراك عام 1538 واحتلوا اليمن وضلت الحرب بينهم وبين الائمة في الشمال مستعرة حتى انسحبوا من اليمن عام 1635م.
اما في الجنوب فقد بدأت سلطة المشائخ (السلاطين فيما بعد)تقوى وتتعاضم منذ سقوط الدولة الطاهرية ، حيث اعتمد عليهم الاتراك في جباية الزكاة والضرائب من الاهالي مقابل مرتبات منهم زائد مايحصلون عليه من العائدات نفسها كنسبة مئوية .وقد نمت سلطة المشائخ حتى اصبح لكل منطقة شيخها الذي يحكمها برضاء الاهالي .وبعد انسحاب الاتراك من اليمن خلع كل شيخ منطقة على نفسه لقب سلطان .!ويعتبر عام 1538 هو الانفصال شبه الكامل بين الشمال والجنوب .والسبب ان الشمال لم يعد يحكم من قبل اهل السنة بل الاتراك والزيود فيما بعد.
وعندما غزاء الزيود اليمن الجنوبي ابتداء من عام 1045 هجرية 1635 ميلادية قاومهم سلاطين الجنوب والمشرق مقاومة عنيفة وشرسة ادت هذه المقاومة بعد سنين الى انسحاب جيوش الائمة من الجنوب والمشرق (=البيضاء وماحولها حتى شرق رداع )(انضر تفاصيل الغزو الزيدي في تاريخ اليمن 1045-1090 هجرية المسمى طبق الحلوى وصحائف المن والسلوى تأليف عبدالله الوزير تحقيق محمد عبدالرحيم جازم طبعة 1985 اصدار مركز الدراسات والبحوث اليمني ، وكتاب تاريخ اليمن عصر الاستقلال عن الحكم العثماني تأليف ابو طالب ، تحقيق محمد عبدالله الحبشي مطابع المفضل صنعاء ط 1990م .وكتاب الأمام المتوكل على الله اسماعيل ودوره في توحيد اليمن تأليف سلوى الغالبي الطبعة الاولى 1991.وكتاب هدية الزمن في اخبار ملوك لحج وعدن ص 146-147 ومابعدها .تأليف احمد بن فضل العبدلي المتوفي سنة 1362(=1943م )مكتبة الجيل الجديد ط 2004)وقد بقي الجنوب مستقلا عن السيطرة الأمامية الى ان اتى الاحتلال البريطاني لعدن عام 1839 وعمل معاهدات حماية مع سلاطين الجنوب .اعترفت بموجبها بريطانيا بالسلاطين مقابل اعتراف السلاطين بسيادة بريطانيا عليهم فيما يتعلق بالسياسة الخارجية .ويمكن القول ان شمال الشمال كان تحت نفوذ وحكم الائمة روحيا واحيانا سياسيا .بينما الجنوب حكمه ملوك وسلاطين ولا يعرف نظام الائمة . الحلقة السادسة
الاختلاف الديني والمذهبي
كان اليمنيين في القرون الثلاثة الأولى على مذهب اهل السنة ، والمذهب الشافعي بشكل خاص لان الأمام الشافعي اتى الى اليمن عام 169 هجرية ومنذ ذلك الوقت انتشر مذهبه في اليمن .وفي اواخر القرن الثالث الهجري دخلا الى اليمن مذهبا الاسماعيلية والزيدية الشيعيان .الاول عن طريق منصور بن حسن الحوشبي وعلي بن الفضل الحميري ، والثاني عن طريق الأمام الهادي يحي بن الحسين .مجئ هذا العقائد السياسية المغلفة بأسم الدين الى اليمن ادى الى صراعات سياسية ومذهبية كثيرة ، وسنركز في دراستنا هذه على الصراع بين الزيدية والشافعية ، لأن الاسماعيلية كدولة قد انتهت منذ وفاة الملكة سيدة بنت احمد الصليحي عام 532هجرية.(انضر كتاب قرة العيون لأبن الديبع ، تحقيق الاكوع طبع بيروت 1988 ص 131 ومابعدها )وقد بقيت الاسماعيلية عقيدة لبعض الناس يوجدون الان في حراز ويريم وصعدة ،وبعضهم ارتدوا عن دينهم تحت العنف الذي مورس ضدهم من قبل الائمة مثل الاسماعيليين الذين في كتاب والحقل من منطقة يريم وغيرها .
اما الزيدية فقد قام مؤسسها الأمام الهادي منذ ان وصل الى صعدة وسيطر عليها بالقيام بشن الحروب على الأمارات التي كانت تجاورها الى حدود صنعاء جنوبا .مثل بني الضحاك وال يعفر وغيرهم .وعمله هذا هو حسب تعاليم مذهبه ورغبة منه في نشره الى كل المناطق التي يستطيع الوصول اليها ،والذي يختلف عن مذهب اهل السنة في الاصول وبعض الفروع .وقد بدأت الزيدية بالانتشار من صعدة شمالا حتى وصلت الى ذمار جنوبا ، في القرن الذي تلاه .وكان سبب انتشارها هو هجرة مايسمون السادة او الاشراف من الزيدية الى تلك المناطق ودعوتهم لهذا المذهب والترويج له .
وقد ضلى نفوذ الائمة السياسي محصور في صعدة وماحولها بشكل اساسي ، اما المناطق الباقية فلم يصل اليها نفوذ الائمة السياسي الا بعد انسحاب الاتراك وتولي الائمة السلطة بعدهم وسطوع نجم الزيدية السياسية .منذ 1045 هجرية 1635م .(المرجع السابق ص 157 ومابعد )
والاختلاف الديني يأتي من عدة امور سنذكرها بالترتيب .
1.الزيدية تدعي ان السلطة يجب ان تكون لاهل البيت .لمن توفر فيه شروط الامامة ، والسنة يرون ان الأمة لها الحق في انتخاب (مبايعة )الحاكم ولا يشترط ان يكون من اهل البيت بل من عنده الكفائة .وهذا الاختلاف هو من اشد الاختلافات بين الجانبين ، ولا يمكن التوفيق مطلقا بينهما بسبب اختلاف المنطلقات والمبادئ والاسس .والتاريخ يدلنا على ان الشوافع حكمهم ملوك حسب الشريعة ، والزيود حكمهم ائمة من ال البيت من نسل الامام الهادي .(انضر كتاب الزيدية للدكتور احمد محمود صبحي ص 71 وما بعدها طبعة 1984 الزهراء للاعلام العربي .
2.الزيدية كفروا اهل السنة الشوافع وأستباحوا ارضهم واعتبروها بلاد مفتوحة يجب على اهلها دفع الخراج ..!عندما غزوها ابتداء من عام 1045 هجرية ، وعلى هذا الأساس يفترض ان يدفعوا الجزية او الخراج للزيود ، وهنالك فتوى للأمام اسماعيل بن القاسم وعنوانها (ارشاد السامع في جواز اخذ مال الشوافع ..!!)ولهذا الأمام اقوال وافعال اخرى منها ان اليمن بلاد كفر هم من فتحوها بسيوفهم ..!وقد فرض الائمة عبارة حي ((حي على خير العمل )) ومنعوا قرأة راتب الحداد حين غزو اليمن الجنوبي بهدف نشر مذهبهم ..(انضر كتاب حضرموت تاريخ الدولة الكثيرية ص 100.تأليف محمد بن هاشم الطبعة الأولى 2002 الناشر تريم للدرسات والنشر )
3.يعتبر المذهب الشافعي مذهب روحي بالاساس ولا يتدخل في السلطة كثيرا او يكفر المخالفين له .ولم يحصل قط ان كفر علماء الدين الشوافع الزيدية او غيرهم مثل الاسماعيلية او اليهود او استباحوا دماء احد على اسس دينية ابدا ، لاحين كانو مسيطرين على السلطة السياسية في اليمن كلها وفي موقف قوي ، ولا حتى عندما غزاء الزيود بلادهم .!!والصوفية تيار اساسي عند الشافعية في اليمن .اما الزيدية فأول شيئا تهتم به هو السياسة والسلطة وهو اساس من اسسها وتقوم وتبقى عليه ،وترفض التصوف تماما .ونظام الأمامة او السلطة السياسية كان هو المحور الذي يدور حوله المذهب الزيدي .وبالتالي يمكن القول ان الزيدية مذهب سياسي بالاساس .
وتوجد اختلافات فقهية ودينية اخرى بين الزيدية والشافعية .ولكن الاهم هو ماذكرنا من ناحية الاختلاف السياسي والذي كان يؤدي الى الصراع.ويعتبر الاختلاف المذهبي ومايتبعه من الخلافات الاساسية بين الزيود والشوافع وقد ادى ذلك الخلاف الى صراعات كثيرة تناولنا بعضها في الحلقة الخامسة
الحلقة السابعة
اختلاف القيم والعادات والتقاليد والطباع والمزاج .
ماذكرناه سابقا من اختلاف في الجغرافيا ، والتاريخ ، والدين ، ضروري ان يتبعه اختلاف في العادات والتقاليد ،والطباع ، والمزاج ، ويمكن ذكر بعض الأختلافات في الاتي :.
1.الجنوبيين والشوافع عموما منفتحون واكثر قابلية للتفاعل مع المتغيرات والاستفادة منها وعندما يريدون عمل شيئا او يعتنقون فكرة او يتعاملون مع احد في الغالب لا يضهرون غير مايريدون .وقد رأينا كيف ان اعضاء الجبهة القومية اعتنقوا الفكر الأشتراكي والمختلف عن عادات ومعتقدات اليمنيين وجاهروا به لأنهم متفتحون ويرغبون في الاستفادة من افكار وعلوم العصر ، وليس عندهم عقدة من ذلك .اما الزيود فهم يتبعون عقيدة التقية الشيعية سواء كأفراد او دولة والتي تقضي ان يضهر الشخص عكس مايبطن اذا ما تطلب الامر ذلك ..!وهم محافضون كثيرا على ماوجدوا عليه ابائهم ، وهذا مارأيناه ونراه في سياساتهم وتعاملهم مع غيرهم .ولايحبون التغيير الا في القليل النادر ، وعندهم ارتياب وشك في الاخرين .وقلما تجد احد منهم يتعامل مع الاخرين بأنفتاح وثقة ، وهم ميالون الى العزلة والانطواء والتعصب والجمود .بل انها جزاء من عادتهم ومعتقداتهم .وهنالك اختلاف جوهري في طريقة الحكم بين الشمال والجنوب ومانشاهده من سياسات للنظام له علاقة بالقيم والتقاليد .ويقول الدكتور السيد مصطفى سالم في كتابه الفتح العثماني الاول لليمن الصفحة 29 الطبعة الخامسة طبع دار الامين للطباعة والنشر .(فالقبيلي يتصف بشدة حذره من كل ماهو اجنبي عن قبيلته ، وبتعصبه لجماعته ، وبتعلقه بعادات قبيلته وبتقاليدها وبعقائدها الخاصة وبخضوعه لرئيس قبيلته خضوعا شديدا .)ويضيف في نفس الصفحة ان (الجبلي عرف بالنحافة وكثرة الحركة وشدة الحيوية ، كما اتصف بالذكاء والحذر من الغرباء والشك فيهم .)
2.حدة المزاج والفضاضة نجدها عند سكان مناطق شمال الشمال ، بينما نجد الوداعة ولين الجانب عند سكان الجنوب .ولهذا نجد العنف القبلي والثأر والمشاكل والنزاعات منتشرة بين قبائل شمال وشرق اليمن اكثر بمرات عما هو موجود في حضرموت ومناطق الساحل وغيرها ،من مناطق الجنوب.الثأر والقيم القبلية التي تتبعها مثل الهجر والاعراف التي تحل محل القانون ،جزاء اساسيا من حياة الناس في الشمال ،بينما الناس في الجنوب في اكثر المحافضات ، ينبذون العنف ولايريدون الثأر ولا القيم القبلية الضارة .ويحبون الالتزام بالقانون والنظام .ويقول هارولد يعقوب مؤلف كتاب ملوك شبه الجزيرة العربية ترجمة احمد المضواحي نشر دار العودة بيروت الطبعة الثانية 1988
في الصفحة 97 عندما كان حاكما للضالع من 1903 -1907 انه قام بحل الكثير من قضايا الثأر بين القبائل وحسب طلبهم وقد كان يستعمل حسب قوله القرأن لاقناع الناس بما يراه صائبا.وهذا يدل على وعي الناس هناك ومرونتهم وقابليتهم للتحضر والتمدن ،وقبول الخير بغض النضر من اين اتى ومن هو فاعله .
3.اختلاف الازياء الناس في شمال الشمال يلبسون الزنان (=القمصان الطويلة او الثوب )ويحملون الجنابي والاسلحة النارية والعصي والفئوس ..الخ بينما الناس في الجنوب يلبسون القمصان القصيرة مع الفوط ، ولا احد يحمل السلاح لا الابيض ولا الناري الا في النادر.والنساء في الشمال يلبسن الشرشف الاسود ويغطين كامل اجسادهن في المدن .اما الارياف فيستخدمن النقاب او اللثام .ويقول الزيدية ان اللثام امر بأرتدائه امامهم الهادي عند مجيئه الى اليمن .بعكس الجنوب والتي كانت اغلب النسوة في المدن والارياف لا يغطين وجوههن .وقد يقول قائل هذه ازياء وما دخلها في الاختلاف بين الشمال والجنوب .؟؟!ونحن نقول له ان الازياء تعكس طريقة التفكير ونوع المعتقدات والحضارة وتأثيرها.
4.اختلاف اللهجة :هنالك اختلاف واسع في اللهجة وطريقة نطق الحروف بين اهل الجنوب واهل الشمال .وتعكس لهجة اهل الشمال طبائع سكانه .بينما تعكس لهجة اهل الجنوب طباعهم وتراثهم .واللهجة او اللغة يتبعها اختلاف في التفكير والنضرة الى الأمور ،ومن خلال حديث الانسان ولهجته تعرف تفكيره .لأن اللهجة لم تأت اعتباطا بل نتيجة تفاعل بين البيئة والتاريخ والانسان ناطقها.
خاتمة
لم يكن قصدنا من هذا الدراسة الا تبيان الحقائق للوضع في اليمن بموضوعية وبحياد ، حتى يعرف من يقراء هذه الدراسة بحقيقة الاوضاع فيه ، ومن كان عارفا فسيزيده ذلك معرفة ، والناس المثقفين في اليمن يفترض ان يكونوا على المام تام بتاريخهم وواقعهم ، وان يبحثوا بالطريقة العلمية الاستقرائية عن المشاكل التي تقع في واقعهم .وكل مشكلة لها اسباب ، ولا تأتي من فراغ .وأن لايعتمدوا على ماتقوله السلطة لان ماتقوله هو لخدمتها ولتبرير تسلطها .وليس بالضرورة ان يكون له علاقة بالواقع اصلا!
وماذكرناه من اختلافات السياسة والجغرافيا، والتاريخ ، والدين ،والعادات ، والتقاليد ، شيئا مؤكدا ان ينتج عنه اوضاعا مختلفة وثقافات متعددة ، وباالتالي مصالح ومتطلبات متناقضة ومضطربة .وكون الوحدة اليمنية في عام 1990 قامت على التسرع والارتجال والعشوائية ، وبحكم النزاع الدائم بين الشمال والجنوب ، وبين اليمن الاعلى والاسفل ، فقد فشلت هذه الوحدة ان تبقى بطريقة سلمية ، على الرغم انها تمت في القرن العشرين وبعددا من الاتفاقيات ومن خلال دستور ، واجراءت استمرت اكثر من 20 عاما .وقد عادت الوحدة الى نقطة الصفر عام 94 وذلك عندما قام الشمال القوي حينها بغزو الجنوب تحت مسمى الوحدة ، وقام الجنوب باعلان الاستقلال ، ووحدة 94 تعيدنا الى توحيدات مشابهة قامت في الماضي بالقوة المسلحة ..ولكنها فشلت بعد عدة سنين .مشكلة التوحيد بالقوة انه يقوم على غلبة طرف اقوى على طرف اضعف منه .وتكون المصالح والغنائم لصالح الطرف القوي .و هذه الوحدة تضل باقية ما بقيت الاوضاع التي اوجدتها قائمة!وعندما تتغير الاوضاع تنهار تلك الوحدة ، لأن الطرف المهزوم يضل يتحين الفرص المواتية للثأر والعودة الى وضعه السابق .!والطرف الاقوى لن يضل الى الابد قوي بل الظروف تتغير وتتبدل ولابد له من ضعف بعد قوة .وهنا مكمن الخطر على وحدة القوة ، انها لاتدوم الا بالقوة نفسها.وتاريخ اليمن وغيرها لا يدلنا على ان وحدة القوة هي التي يريدها اليمنيين لانها لن تدوم اولا .وثانيا لأنها لن تحقق لهم الخير الذي يريدونه .
مستقبل الوحدة واليمن .
ولا بد من كلمة عن المستقبل .الوحدة تمت بين اليمن الشمالي والجنوبي نتيجة لعددا من الاتفاقيات ومن خلال دستور وافق عليه البلدين .وبرغم ذلك فقد كان هنالك قصورا في الاتفاقيات ، واستعجالا في قيام الوحدة .وقد حصل ماهو معروف للجميع من اغتيالات لقادة الحزب الاشتراكي اليمني ، ومن ثم حرب شنت ضد الجنوب ، وتم على اثرها ابعاد الحزب الاشتراكي عن السلطة تماما ، مع ابعاد الالوف من الجنوبيين عن اعمالهم ، وقد تضرر اكثر الجنوبيين من الوحدة والحرب لان بلادهم كانت مسرحا لها ، وطرد قادة الحزب من بلادهم الى الخارج ، وبسبب اجرءات اتخذتها حكومة الشمال ولازالت ضد الحزب والجنوب .مثل مصادرة ممتلكات الحزب الاشتراكي ومقراته وامواله .وبسبب فقدان الجنوبيين للنظام والقانون ، والذي نتج عنه عودتهم الى عهود بائدة ،وبسبب ان الشمال قام بعمليات نهب وسلب للاموال العامة والخاصة .
لكل ماذكرنا سابقا من مشاكل جرت في الجنوب بسبب تلك الحرب ،فأنه يتوجب على السلطة في الشمال الأستجابة لدعوات المطالبين بتصحيح مسار الوحدة وتفعيل اتفاقياتها ، واعطاء كل ذي حق حقه بدون زيادة اونقصان .هذا اذا ارادت ان تستغل الفرصة التاريخية وتعود الى الصواب .ما لم فهذه الدعوة والفكرة النبيلة تحتاج الى اناس من الشعب يكونون على مستوى المسئولية من الشمال والجنوب ، ويطالبون بماذكرنا .ولكن عددهم الى الان في الجنوب قليلا وفي الشمال اقل من القليل والسبب الجهل وما يمكن تسميته بالعاطفة والغباء السياسي..!!وحتى يصير هذا العدد كثيرا حتى يسمع لهم ستضل مشكلة الجنوب قائمة وقد تؤدي اذا تجاهلت من قبل قادة الشمال وشعبه ، الى ان يصل اغلب الجنوبيين الى قناعة بعدم فائدة الوحدة تماما لا في الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل ،وبالتالي سيطلبون بالاستقلال ، وهذا مابداء يقوله البعض منهم ، وقد يتحقق الاستقال باسلوب الانتفاضة او حرب العصابات ، والذي قد يؤدي الى سقوط الدولة في الشمال اصلا وتشضيها .لهشاشتها وعدم احترامها من قبل الشعب ولأفتقادها الى الشرعية ، شرعية الانجاز واحترام القانون وتطبيقه ، والعمل على تنمية الاقتصاد .وقد تصبح اليمن الشمالي مثل الصومال ، اذ لو انهارت الدولة قد تحتاج الى سنين حتى تعود .اما الجنوبيين فسيعملون على استقلال بلادهم ، ويتركون الشمال وشأنه .وما هو مطلوب من اهل الشمال ان ينضرون الى ماحصل لسكان الجنوب وكأنه جرى لهم ويعملون بجانب الجنوبيين على انهائه تماما وبجدية ومسئولية وبسرعة قبل فوات الاوان .مالم يحدث ذلك وفي المستقبل القريب ،سيحصل ماقلناه في السطور السابقة والبيت الذي يبنى على اساس هش سينهار على ساكنيه جميعهم ..!!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وتحياتي للجميع .اخوكم عبدالرحمن صالح حيدرة جبن الضالع .
08:26 ص 18/01/2006