الدكتور أحمد باذيب
07-20-2006, 11:16 AM
((يمن من أجل الرئيس) إلى (رئيس من أجل اليمن).. د.عبد الله الفقيه
15/07/2006
خطت المعارضة اليمنية خطوة صعبة عندما قررت اختيار السياسي المستقل والبرلماني السابق ووزير النفط الذي استقال من منصبه في منتصف العقد الماضي احتجاجا على الطريقة التي تدار بها البلاد مرشحا للرئاسة. لقد أثبتت المعارضة اليمنية من جديد قدرتها على تجاوز آفاق الذات الضيقة وآفاق الأحزاب المحدودة وانحازت إلى أفق الوطن الذي ما زال كبيرا رغم الخيانات المتتابعة التي مورست ضده. لم يكن بعض اليمنيين الذين يعرفون جيدا ظروف بلادهم يتمنون أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة وان يخرج الناس للتنافس على كرسي الرئاسة في بلد ما زال الجوع والجهل والمرض هم رموزه وأعلامه ومنجزات نظامه لكن غرور السلطة وفسادها وصلفها قد أعمى بصيرتها وجعلها لا ترى في هذا الوطن سوى انعكاسا لذاتها المتضخمة ولغرورها الذي أذل اليمنيين وأبدل شبعهم جوعا وأمنهم خوفا.
عكست المعارضة اليمنية بترشيح بن شملان نضجاً سياسياً يفاخر به اليمنيون العالمبن شملان
يمثل المهندس فيصل بن شملان -من مواليد حضرموت في عام 1934-الخيار الأكثر قوة بالنسبة لأحزاب المعارضة اليمنية. والرهان على بن شملان هو رهان على التحول وعلى المستقبل وعلى الدولة الديمقراطية وعلى الثورة الخضراء وعلى النظام الجمهوري الذي يمثل ارث الآباء والأجداد. ويشبه بن شملان في فلسفته ورؤاه الزعيم الصيني دنج شوبنج الذي ولد في عام 1904 وتولى السلطة في بلاده في نهاية سبعينات القرن الماضي وكان حينئذ يوشك على الدخول في العقد الثامن من عمره. وقد تمكن دنج من أحداث تحولات جوهرية في بلاده جعلت الصين تقفز إلى المقدمة في معدلات النمو الاقتصادي وترعب العالم بأسره. كما يشبه في بعض جوانب شخصيته الرئيس الأمريكي رونالد ريجان الذي ولد في فبراير من عام 1911 وتوفي عام 2004، واستطاع تحقيق ما لم يحققه رئيس أمريكي قبله خلال القرن العشرين ليس لبلاده فقط ولكن للعالم اجمع. وقد سأل رونالد ريجان في 21 أكتوبر 1984 عن سنه وكان في مناظرة تلفزيونية مع والتر مونديل قبل انتخابات نوفمبر من ذلك العام فرد ريجان بقوله «لا أريد ان انظر إلى الكاميرا وأقول ان منافسي ما زال في سن يفتقر فيه إلى الخبرة والتجربة». وكان ريجان كثيرا ما يردد مقولة توماس جيفرسون «لا ينبغي الحكم على الرئيس من خلال عمره بل من خلال عمله».
تلقى بن شملان تعليمه في مدرسة غيل باوزير والتي كانت يومها من أفضل المدارس ليس في اليمن فقط ولكن في العالم العربي أيضا. كانت مدرسة غيل باوزير بمثابة الحضن الذي خرج منه جيل من المناضلين والقادة والمصلحين السياسيين الذين زاملهم بن شملان والذين كان لهم بعد ذلك تأثير كبير على تاريخ بلادهم وفي مقدمتهم المناضل الكبير الأستاذ علي سالم البيض والسياسي اللامع الأستاذ حيدر أبو بكر العطاس والدبلوماسي والسياسي القدير الدكتور فرج بن غانم الذي استقال من رئاسة الوزراء عندما رفض الرئيس السماح له بممارسة مهام وظيفته كرئيس للوزراء على أكمل وجه، والبرلماني القدير الدكتور عبد الرحمن بافضل وغيرهم من الشخصيات الوطنية البارزة التي يحق لحضرموت ان تفاخر بهم ليس فقط المحافظات اليمنية الأخرى ولكم العالم بأسره.
التحق بن شملان خلال حرب تحرير الجنوب اليمني من الاحتلال البريطاني بتحالف موسع من الناشطين السياسيين الذين عملوا على الإطاحة بالنظام السلاطيني الوراثي في حضرموت في الـ17 من سبتمبر 1967م. وعمل بن شملان خلال الفترة الانتقالية التي فصلت بين سقوط النظام السلاطيني وتحرير الجنوب عضوا في اللجنة الشعبية العليا التي شكلها الثوار لتسيير أمور حضرموت وكان مسئولا عن تسيير الأمور اليومية للمحافظة.
ومع أن بن شملان لم يكن عضوا في جبهة التحرير الا انه أصبح أول وزير للأشغال العامة في أول مجلس وزراء يشكل بعد تحقيق الاستقلال وتوحيد جنوب اليمن. ونظرا لما اشتهر به من نزاهة فانه كلف هو وزميله محمد عبد القادر بافقيه الذي تولى حقيبة التعليم ولم يكن عضوا في جبهة التحرير شأنه شأن بن شملان، بحصر محتويات قصور سلاطين حضرموت. وفي عام 1969 عين بن شملان رئيسا تنفيذيا للهيئة العامة للقوى الكهربائية ثم مديرا تنفيذيا لمصفاة عدن عام 77م. ووفقا لسيرته الذاتية فانه قد خدم في مجلس الشعب الأعلى خلال الفترة 1971 وحتى قيام الوحدة اليمنية في عام 1990. وبحكم عضويته في مجلس الشعب الأعلى في الجنوب أصبح بن شملان عضوا في أول مجلس نواب للجمهورية اليمنية بعد قيامها. وقد حاول بن شملان خلال السنوات الأولى من عمر الجمهورية اليمنية وبالتعاون مع بعض رفاق دربه الطويل تأسيس حزب وسطي أطلق عليه المنبر الحر لكنه بعد ذلك تخلى عن الفكرة وفضل البقاء مستقلا.
انتخب بن شملان في عام 1993 (كمستقل) عضوا في مجلس النواب في أول انتخابات نيابية ديمقراطية تشهدها البلاد وذلك عن الدائرة رقم 157 في محافظة حضرموت. وتولى خلال فترة عضويته رئاسة كتلة المستقلين في المجلس والتي ضمت بالإضافة إلى بن شملان نخبة من ابرز رجالات اليمن وأكثرهم جرأة وشجاعة وصلابة وفي مقدمتهم الأستاذ عبد الرحمن نعمان والأستاذ عبد الحبيب سالم مقبل والأستاذ محمد الربادي الذي قال للرئيس يوما «اعطني دولة تقسمني نصفين» والمهندس عبد الرحمن محمد الحمدي (شقيق الشهيد ابرأهم الحمدي) والذي كان له موقفا مشرفا بإعلانه خلال الأيام القليلة الماضية عدم الترشح للرئاسة لصالح مرشح اللقاء المشترك، وغيرهم من رجال اليمن الذين لا تحضر الكاتب أسمائهم. وقد كانت رئاسة بن شملان لكتلة تضم أمثال أولئك الرجال الذين جاءوا من مختلف المحافظات اليمنية شهادة منهم له بالتميز والجدارة. وقد أعيد انتخاب بن شملان في عام 1997 حيث استمر ممثلا للشعب حتى عام 2003م.
يمثل بن شملان قاسما مشتركا لمختلف القوى السياسية والاجتماعية على الساحة وليس هناك من مرشح يستطيع أن يجذب أصوات مختلف الفئات مثله. فهو عن قناعة وعمق وليس عن مزايدة سياسية قادر على حصد الصوت الديني والصوت القومي والصوت الوطني وصوت القوى التقليدية وصوت القوى الحديثة وهو يعبر عن ما تحتاجه البلاد في هذه المرحلة من تاريخها من رئيس «لليمن» وليس رئيس لحزب الإصلاح أو اتحاد القوى الشعبية أو الناصري. وليس هناك في اليمن اليوم من يمكن أن يعرف بدقة معاناة اليمنيين مثل بن شملان الذي قضى ثلاثة عقود ونصف من عمره ممثلا للشعب اليمني في مجلس الشعب الأعلى قبل الوحدة ثم في مجلس النواب بعدها.
يتكلم بن شملان الذي درس الهندسة في بريطانيا بالإضافة إلى لغته الأم اللغتين الفرنسية والإنجليزية ويلقى ترشيحه من قبل المعارضة اليمنية ارتياحا (ولا أقول دعما) واسعا في مراكز صنع القرار الدولية. وبترشيح بن شملان تكون المعارضة اليمنية قد عكست نضجا سياسيا غير عادي سيجعل اليمنيين وبغض النظر عن شخصية الفائز بكرسي الرئاسة يفاخرون بتجربتهم العالم كله. هذا أذا مرت التجربة بسلام واحترم الحزب الحاكم إرادة الشعب اليمني قبل، إثناء، وبعد الانتخابات.
رجل مواجهة:
يحق لبن شملان ما لا يحق لغيره من السياسيين اليمنيين. وهو عندما يترشح اليوم لمنافسة صالح على أهم موقع سياسي وقيادي في الجمهورية اليمنية فانه لا يركب موجة التغيير مستغلا الظروف. ففي أول انتخابات لرئيس الجمهورية اليمنية بعد التعديل الذي تم إدخاله على الدستور في أكتوبر عام 1994 لم يتردد بن شملان في منافسة الرئيس صالح. وعندما عين وزيرا للنفط لم يتردد بن شملان في الاعتراض على الطريقة التي تدار بها البلاد. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد. فقد كان بن شملان يختار مواقفه بدقة في كل منعطف تاريخي. لا غرابة بعد ذلك إن وجد الناس في بن شملان وفي كل مرحلة جديدة الشخص الذي يبحثون عنه.
قدم بن شملان استقالته من مجلس النواب احتجاجا على قيام المجلس بالتمديد لنفسه ولرئيس الجمهورية سنتين آخرين ولما لم ينظر المجلس في الاستقالة اضطر إلى العودة وإكمال فترة عضويته لكنه لم يترشح لعضوية مجلس النواب من جديد عام 2003 لإدراكه التام بان المجلس لم يعد الصوت المعبر عن تطلعات الشعب اليمني.
وحين اضطر بن شملان مغادرة العاصمة صنعاء والعودة إلى حضرموت كتب قصيدة طويلة نشرتها صحيفة الناس في 4/8/2003 يودع فيها صنعاء ويندد بالتشوهات التي لحقت بالجسد اليمني. وفي تلك القصيدة التي تعبر بعاطفة جياشة وبشجاعة عز نظيرها عن مشاعره الصادقة تجاه نظام الحكم وتجاه البؤس الذي يعيش فيه الشعب اليمني في ظل فساد حكامه يقول:
وإن يكن الفساد نظام حكم
فما منجاك من ظلم وجور
وإن يكن الفساد نظام حكم
فكبر أربعاً وأنذر بشر
كما يقول في موضع آخر من القصيدة وفي إشارة واضحة وتشخيص دقيق للسياسات التي يتبعها نظام الحكم القائم:
وإن يكن الفساد نظام حكم
فويل للنزيه وللفقير
وبعداً للكفاءة حيث كانت
وأهلاً بالولاء لكل غر
لكل منافق أهلاً وسهلاً
وللخبراء بعداً (يا خبيري)
ومن وجهة نظره فان الفساد لا يحقق العدل ولا التنمية والنهوض الحضاري وجل ما يحققه هو زيادة عدد المتسولين من أبناء الشعب برجالهم ونسائهم وشيوخهم وشبابهم حيث يقول:
ولا تحلم بعدل أو نهوض
حري بالسعيد نهوض عصر
وعش فيها عذابا مستقراً
تطالع فيه كفا من عسير
يمد إليك من ذكر وأنثى
يمد من الكبير من الصغير
ويصف بن شملان حال الشعب اليمني في ظل الفساد الحاكم قائلا:
شباب لم يجد عملاً فيغني
وطفل لم يجد ثمن النضير
عيوناً غائرات في انكسار
وجوهاً شاحبات في فتور
وليس هناك ما يوضح صلابة بن شملان وأصالة معدنه مثل استمراره في القبض على جمرة النزاهة في زمن يباع فيه الرجال كما تباع الجواري في أسواق النخاسة. ولم يحدث أن فقد بن شملان حاسة التمييز بين الصواب والخطأ. ولم يعمه النعيم الذي يعيش فيه الفاسدون والملوثون عن رؤية القيم الأصيلة والعميقه لشعبه حيث يقول في إحدى أبيات قصيدته وفي إدانة واضحة للإثراء غير المشروع:
وكسب من نفاق كان خسراً
إذا ما جد جد للنفير
ويبدو أن الجد قد جد برغم أن الكثير من اليمنيين كانوا قد أصيبوا بالإحباط.
رهان القوتين
سيخوض المؤتمر الشعبي العام الانتخابات القادمة لتحقيق هدف واحد هو إلغاء المعارضة على الساحة اليمنية وتجريد الشعب اليمني من آخر الأدوات التي يدافع بها عن نفسه في مواجهة نظام يعمل من وجهة نظر النخبة المعارضة ليل نهار على الانقلاب على كل الثوابت الوطنية بما فيها النظام الجمهوري الذي ذهب في سبيل الحفاظ عليه الآلاف من خيرة أبناء اليمن. ورغم ان الحديث عن الانقلاب على الثورة اليمنية والنظام الجمهوري قد يبدو مبالغا فيه ومن قبيل الدعاية الإنتخابية الإ أن سلسلة المقالات التي نشرها القيادي المؤتمري الأستاذ احمد الشرعبي في صحيفة الوسط خلال الأسابيع الماضية وممارسات النظام خلال السنوات القليلة الماضية تدل على أن مخاوف النخبة السياسية اليمنية الحاكمة والمعارضة لم تأت من فراغ. ففي تلك المقالات يكشف الشرعبي عن خيوط الانقلاب على الثورة اليمنية والنظام الجمهوري من خلال قراءة بنيوية عميقة للوثائق التي تم إقرارها في المؤتمر السابع للمؤتمر الشعبي العام. كما أن تركيز السلطة والثروة والقوة في أسرة الرئيس وأقاربه وأبناء قريته والنظر إلى الأكفاء من أبناء الشعب اليمني كمواطنين من الدرجة العاشرة وتسليط السفهاء عليهم والإستقواء بالأجهزة الأمنية على أبناء الشعب اليمني العزل كلها أمور لا تدع مجالا للشك بان الانتخابات القادمة ستقرر أشياء كثيرة بما في ذلك مسألة تمسك الشعب اليمني بثورته ونظامه الجمهوري.
ويمكن القول بان المعارضة اليمنية ستخوض المنافسة القادمة دفاعا عن النظام الجمهوري وعن الثورة اليمنية وعن حقوق اليمنيين المعارضين للفساد والمناطقية والأسرية والتمييز في المواطنة المتساوية. وستخوض المعارضة المنافسة لتثبت للشاعر الشجاع والمرهف الإحساس أكرم عبدالفتاح خطأ نبوءته التي لخصها بقوله:
... ثم ماذا؟؟...
سيأتي الوريث.. يعيث كما شاء -مُنتَخباً-!!..
فالبلاد -وإن جمهرت-: سلطنه.
ستثبت المعارضة في الانتخابات القادمة بان البلاد جمهرت إلى غير رجعة وان الشعب اليمني الذي جوعه النظام القائم سيقدم التضحيات بعد التضحيات للحفاظ على مكتسبات الآباء ولبناء الدولة المدنية الحديثة التي لا تغبط احد حقه... دولة كل الأسر وكل القبائل وكل المناطق وكل الطوائف وكل الأحزاب...دولة كل الناس والدولة التي لا تغمط حق شيخ أو أستاذ جامعة أو أسرة شهيد حقه.
15/07/2006
خطت المعارضة اليمنية خطوة صعبة عندما قررت اختيار السياسي المستقل والبرلماني السابق ووزير النفط الذي استقال من منصبه في منتصف العقد الماضي احتجاجا على الطريقة التي تدار بها البلاد مرشحا للرئاسة. لقد أثبتت المعارضة اليمنية من جديد قدرتها على تجاوز آفاق الذات الضيقة وآفاق الأحزاب المحدودة وانحازت إلى أفق الوطن الذي ما زال كبيرا رغم الخيانات المتتابعة التي مورست ضده. لم يكن بعض اليمنيين الذين يعرفون جيدا ظروف بلادهم يتمنون أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة وان يخرج الناس للتنافس على كرسي الرئاسة في بلد ما زال الجوع والجهل والمرض هم رموزه وأعلامه ومنجزات نظامه لكن غرور السلطة وفسادها وصلفها قد أعمى بصيرتها وجعلها لا ترى في هذا الوطن سوى انعكاسا لذاتها المتضخمة ولغرورها الذي أذل اليمنيين وأبدل شبعهم جوعا وأمنهم خوفا.
عكست المعارضة اليمنية بترشيح بن شملان نضجاً سياسياً يفاخر به اليمنيون العالمبن شملان
يمثل المهندس فيصل بن شملان -من مواليد حضرموت في عام 1934-الخيار الأكثر قوة بالنسبة لأحزاب المعارضة اليمنية. والرهان على بن شملان هو رهان على التحول وعلى المستقبل وعلى الدولة الديمقراطية وعلى الثورة الخضراء وعلى النظام الجمهوري الذي يمثل ارث الآباء والأجداد. ويشبه بن شملان في فلسفته ورؤاه الزعيم الصيني دنج شوبنج الذي ولد في عام 1904 وتولى السلطة في بلاده في نهاية سبعينات القرن الماضي وكان حينئذ يوشك على الدخول في العقد الثامن من عمره. وقد تمكن دنج من أحداث تحولات جوهرية في بلاده جعلت الصين تقفز إلى المقدمة في معدلات النمو الاقتصادي وترعب العالم بأسره. كما يشبه في بعض جوانب شخصيته الرئيس الأمريكي رونالد ريجان الذي ولد في فبراير من عام 1911 وتوفي عام 2004، واستطاع تحقيق ما لم يحققه رئيس أمريكي قبله خلال القرن العشرين ليس لبلاده فقط ولكن للعالم اجمع. وقد سأل رونالد ريجان في 21 أكتوبر 1984 عن سنه وكان في مناظرة تلفزيونية مع والتر مونديل قبل انتخابات نوفمبر من ذلك العام فرد ريجان بقوله «لا أريد ان انظر إلى الكاميرا وأقول ان منافسي ما زال في سن يفتقر فيه إلى الخبرة والتجربة». وكان ريجان كثيرا ما يردد مقولة توماس جيفرسون «لا ينبغي الحكم على الرئيس من خلال عمره بل من خلال عمله».
تلقى بن شملان تعليمه في مدرسة غيل باوزير والتي كانت يومها من أفضل المدارس ليس في اليمن فقط ولكن في العالم العربي أيضا. كانت مدرسة غيل باوزير بمثابة الحضن الذي خرج منه جيل من المناضلين والقادة والمصلحين السياسيين الذين زاملهم بن شملان والذين كان لهم بعد ذلك تأثير كبير على تاريخ بلادهم وفي مقدمتهم المناضل الكبير الأستاذ علي سالم البيض والسياسي اللامع الأستاذ حيدر أبو بكر العطاس والدبلوماسي والسياسي القدير الدكتور فرج بن غانم الذي استقال من رئاسة الوزراء عندما رفض الرئيس السماح له بممارسة مهام وظيفته كرئيس للوزراء على أكمل وجه، والبرلماني القدير الدكتور عبد الرحمن بافضل وغيرهم من الشخصيات الوطنية البارزة التي يحق لحضرموت ان تفاخر بهم ليس فقط المحافظات اليمنية الأخرى ولكم العالم بأسره.
التحق بن شملان خلال حرب تحرير الجنوب اليمني من الاحتلال البريطاني بتحالف موسع من الناشطين السياسيين الذين عملوا على الإطاحة بالنظام السلاطيني الوراثي في حضرموت في الـ17 من سبتمبر 1967م. وعمل بن شملان خلال الفترة الانتقالية التي فصلت بين سقوط النظام السلاطيني وتحرير الجنوب عضوا في اللجنة الشعبية العليا التي شكلها الثوار لتسيير أمور حضرموت وكان مسئولا عن تسيير الأمور اليومية للمحافظة.
ومع أن بن شملان لم يكن عضوا في جبهة التحرير الا انه أصبح أول وزير للأشغال العامة في أول مجلس وزراء يشكل بعد تحقيق الاستقلال وتوحيد جنوب اليمن. ونظرا لما اشتهر به من نزاهة فانه كلف هو وزميله محمد عبد القادر بافقيه الذي تولى حقيبة التعليم ولم يكن عضوا في جبهة التحرير شأنه شأن بن شملان، بحصر محتويات قصور سلاطين حضرموت. وفي عام 1969 عين بن شملان رئيسا تنفيذيا للهيئة العامة للقوى الكهربائية ثم مديرا تنفيذيا لمصفاة عدن عام 77م. ووفقا لسيرته الذاتية فانه قد خدم في مجلس الشعب الأعلى خلال الفترة 1971 وحتى قيام الوحدة اليمنية في عام 1990. وبحكم عضويته في مجلس الشعب الأعلى في الجنوب أصبح بن شملان عضوا في أول مجلس نواب للجمهورية اليمنية بعد قيامها. وقد حاول بن شملان خلال السنوات الأولى من عمر الجمهورية اليمنية وبالتعاون مع بعض رفاق دربه الطويل تأسيس حزب وسطي أطلق عليه المنبر الحر لكنه بعد ذلك تخلى عن الفكرة وفضل البقاء مستقلا.
انتخب بن شملان في عام 1993 (كمستقل) عضوا في مجلس النواب في أول انتخابات نيابية ديمقراطية تشهدها البلاد وذلك عن الدائرة رقم 157 في محافظة حضرموت. وتولى خلال فترة عضويته رئاسة كتلة المستقلين في المجلس والتي ضمت بالإضافة إلى بن شملان نخبة من ابرز رجالات اليمن وأكثرهم جرأة وشجاعة وصلابة وفي مقدمتهم الأستاذ عبد الرحمن نعمان والأستاذ عبد الحبيب سالم مقبل والأستاذ محمد الربادي الذي قال للرئيس يوما «اعطني دولة تقسمني نصفين» والمهندس عبد الرحمن محمد الحمدي (شقيق الشهيد ابرأهم الحمدي) والذي كان له موقفا مشرفا بإعلانه خلال الأيام القليلة الماضية عدم الترشح للرئاسة لصالح مرشح اللقاء المشترك، وغيرهم من رجال اليمن الذين لا تحضر الكاتب أسمائهم. وقد كانت رئاسة بن شملان لكتلة تضم أمثال أولئك الرجال الذين جاءوا من مختلف المحافظات اليمنية شهادة منهم له بالتميز والجدارة. وقد أعيد انتخاب بن شملان في عام 1997 حيث استمر ممثلا للشعب حتى عام 2003م.
يمثل بن شملان قاسما مشتركا لمختلف القوى السياسية والاجتماعية على الساحة وليس هناك من مرشح يستطيع أن يجذب أصوات مختلف الفئات مثله. فهو عن قناعة وعمق وليس عن مزايدة سياسية قادر على حصد الصوت الديني والصوت القومي والصوت الوطني وصوت القوى التقليدية وصوت القوى الحديثة وهو يعبر عن ما تحتاجه البلاد في هذه المرحلة من تاريخها من رئيس «لليمن» وليس رئيس لحزب الإصلاح أو اتحاد القوى الشعبية أو الناصري. وليس هناك في اليمن اليوم من يمكن أن يعرف بدقة معاناة اليمنيين مثل بن شملان الذي قضى ثلاثة عقود ونصف من عمره ممثلا للشعب اليمني في مجلس الشعب الأعلى قبل الوحدة ثم في مجلس النواب بعدها.
يتكلم بن شملان الذي درس الهندسة في بريطانيا بالإضافة إلى لغته الأم اللغتين الفرنسية والإنجليزية ويلقى ترشيحه من قبل المعارضة اليمنية ارتياحا (ولا أقول دعما) واسعا في مراكز صنع القرار الدولية. وبترشيح بن شملان تكون المعارضة اليمنية قد عكست نضجا سياسيا غير عادي سيجعل اليمنيين وبغض النظر عن شخصية الفائز بكرسي الرئاسة يفاخرون بتجربتهم العالم كله. هذا أذا مرت التجربة بسلام واحترم الحزب الحاكم إرادة الشعب اليمني قبل، إثناء، وبعد الانتخابات.
رجل مواجهة:
يحق لبن شملان ما لا يحق لغيره من السياسيين اليمنيين. وهو عندما يترشح اليوم لمنافسة صالح على أهم موقع سياسي وقيادي في الجمهورية اليمنية فانه لا يركب موجة التغيير مستغلا الظروف. ففي أول انتخابات لرئيس الجمهورية اليمنية بعد التعديل الذي تم إدخاله على الدستور في أكتوبر عام 1994 لم يتردد بن شملان في منافسة الرئيس صالح. وعندما عين وزيرا للنفط لم يتردد بن شملان في الاعتراض على الطريقة التي تدار بها البلاد. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد. فقد كان بن شملان يختار مواقفه بدقة في كل منعطف تاريخي. لا غرابة بعد ذلك إن وجد الناس في بن شملان وفي كل مرحلة جديدة الشخص الذي يبحثون عنه.
قدم بن شملان استقالته من مجلس النواب احتجاجا على قيام المجلس بالتمديد لنفسه ولرئيس الجمهورية سنتين آخرين ولما لم ينظر المجلس في الاستقالة اضطر إلى العودة وإكمال فترة عضويته لكنه لم يترشح لعضوية مجلس النواب من جديد عام 2003 لإدراكه التام بان المجلس لم يعد الصوت المعبر عن تطلعات الشعب اليمني.
وحين اضطر بن شملان مغادرة العاصمة صنعاء والعودة إلى حضرموت كتب قصيدة طويلة نشرتها صحيفة الناس في 4/8/2003 يودع فيها صنعاء ويندد بالتشوهات التي لحقت بالجسد اليمني. وفي تلك القصيدة التي تعبر بعاطفة جياشة وبشجاعة عز نظيرها عن مشاعره الصادقة تجاه نظام الحكم وتجاه البؤس الذي يعيش فيه الشعب اليمني في ظل فساد حكامه يقول:
وإن يكن الفساد نظام حكم
فما منجاك من ظلم وجور
وإن يكن الفساد نظام حكم
فكبر أربعاً وأنذر بشر
كما يقول في موضع آخر من القصيدة وفي إشارة واضحة وتشخيص دقيق للسياسات التي يتبعها نظام الحكم القائم:
وإن يكن الفساد نظام حكم
فويل للنزيه وللفقير
وبعداً للكفاءة حيث كانت
وأهلاً بالولاء لكل غر
لكل منافق أهلاً وسهلاً
وللخبراء بعداً (يا خبيري)
ومن وجهة نظره فان الفساد لا يحقق العدل ولا التنمية والنهوض الحضاري وجل ما يحققه هو زيادة عدد المتسولين من أبناء الشعب برجالهم ونسائهم وشيوخهم وشبابهم حيث يقول:
ولا تحلم بعدل أو نهوض
حري بالسعيد نهوض عصر
وعش فيها عذابا مستقراً
تطالع فيه كفا من عسير
يمد إليك من ذكر وأنثى
يمد من الكبير من الصغير
ويصف بن شملان حال الشعب اليمني في ظل الفساد الحاكم قائلا:
شباب لم يجد عملاً فيغني
وطفل لم يجد ثمن النضير
عيوناً غائرات في انكسار
وجوهاً شاحبات في فتور
وليس هناك ما يوضح صلابة بن شملان وأصالة معدنه مثل استمراره في القبض على جمرة النزاهة في زمن يباع فيه الرجال كما تباع الجواري في أسواق النخاسة. ولم يحدث أن فقد بن شملان حاسة التمييز بين الصواب والخطأ. ولم يعمه النعيم الذي يعيش فيه الفاسدون والملوثون عن رؤية القيم الأصيلة والعميقه لشعبه حيث يقول في إحدى أبيات قصيدته وفي إدانة واضحة للإثراء غير المشروع:
وكسب من نفاق كان خسراً
إذا ما جد جد للنفير
ويبدو أن الجد قد جد برغم أن الكثير من اليمنيين كانوا قد أصيبوا بالإحباط.
رهان القوتين
سيخوض المؤتمر الشعبي العام الانتخابات القادمة لتحقيق هدف واحد هو إلغاء المعارضة على الساحة اليمنية وتجريد الشعب اليمني من آخر الأدوات التي يدافع بها عن نفسه في مواجهة نظام يعمل من وجهة نظر النخبة المعارضة ليل نهار على الانقلاب على كل الثوابت الوطنية بما فيها النظام الجمهوري الذي ذهب في سبيل الحفاظ عليه الآلاف من خيرة أبناء اليمن. ورغم ان الحديث عن الانقلاب على الثورة اليمنية والنظام الجمهوري قد يبدو مبالغا فيه ومن قبيل الدعاية الإنتخابية الإ أن سلسلة المقالات التي نشرها القيادي المؤتمري الأستاذ احمد الشرعبي في صحيفة الوسط خلال الأسابيع الماضية وممارسات النظام خلال السنوات القليلة الماضية تدل على أن مخاوف النخبة السياسية اليمنية الحاكمة والمعارضة لم تأت من فراغ. ففي تلك المقالات يكشف الشرعبي عن خيوط الانقلاب على الثورة اليمنية والنظام الجمهوري من خلال قراءة بنيوية عميقة للوثائق التي تم إقرارها في المؤتمر السابع للمؤتمر الشعبي العام. كما أن تركيز السلطة والثروة والقوة في أسرة الرئيس وأقاربه وأبناء قريته والنظر إلى الأكفاء من أبناء الشعب اليمني كمواطنين من الدرجة العاشرة وتسليط السفهاء عليهم والإستقواء بالأجهزة الأمنية على أبناء الشعب اليمني العزل كلها أمور لا تدع مجالا للشك بان الانتخابات القادمة ستقرر أشياء كثيرة بما في ذلك مسألة تمسك الشعب اليمني بثورته ونظامه الجمهوري.
ويمكن القول بان المعارضة اليمنية ستخوض المنافسة القادمة دفاعا عن النظام الجمهوري وعن الثورة اليمنية وعن حقوق اليمنيين المعارضين للفساد والمناطقية والأسرية والتمييز في المواطنة المتساوية. وستخوض المعارضة المنافسة لتثبت للشاعر الشجاع والمرهف الإحساس أكرم عبدالفتاح خطأ نبوءته التي لخصها بقوله:
... ثم ماذا؟؟...
سيأتي الوريث.. يعيث كما شاء -مُنتَخباً-!!..
فالبلاد -وإن جمهرت-: سلطنه.
ستثبت المعارضة في الانتخابات القادمة بان البلاد جمهرت إلى غير رجعة وان الشعب اليمني الذي جوعه النظام القائم سيقدم التضحيات بعد التضحيات للحفاظ على مكتسبات الآباء ولبناء الدولة المدنية الحديثة التي لا تغبط احد حقه... دولة كل الأسر وكل القبائل وكل المناطق وكل الطوائف وكل الأحزاب...دولة كل الناس والدولة التي لا تغمط حق شيخ أو أستاذ جامعة أو أسرة شهيد حقه.