المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل هي بداية حديدة لصحوة العرب لمحاربة الاستعمار؟


الدكتور أحمد باذيب
07-25-2006, 06:22 AM
ما بعد معركة حزب الله: الطريق الي مواجهة الهجمة الاستعمارية
2006/07/25

د. عبدالوهاب الافندي
هناك اتفاق بين قادة اسرائيل وقادة حزب الله والزعماء الامريكيين علي ان المعركة الجارية في لبنان هي معركة سيتحدد فيها مصير المنطقة. وبالنسبة لاسرائيل وحلفائها (ومنهم بعض العرب) فان هذه آخر معارك الهيمنة علي المنطقة، وهي حرب لا تستطيع اسرائيل خسارتها، مما يفسر الشراسة التي تتعامل بها مع لبنان. هذه المعركة بدأت في عام 1990 بوصول القوات الامريكية الي الخليج وضرب العراق في اول عرض لنتائج ما سمي بـ ثورة الشؤون العسكرية ، وهي ثورة جعلت التكنولوجيا سيدة الميدان، بحيث لم يعد هناك مجال للعامل البشري العادي في الحرب. فالصواريخ الموجهة من بعد والآليات المدرعة ذات الكثافة النارية العالية، كلها تسحق الجندي العادي سحقاً بدون ان يتمكن حتي من توجيه طلقة الي العدو. وتصيب هذه القذائف اهدافها بدقة وقدرة تدميرية عالية، وتستطيع ان تحول بلدان بكاملها الي خرائب في ايام معدودات. وقد جربت هذه التقنيات في العراق مرتين ، وفي يوغسلافيا ثم في افغانستان. وها هي اليوم تفعل فعلها في لبنان. وقد اعاد هذا التفوق المنطقة الي ايام غزو الجزائر في ثلاثينات القرن التاسع عشر.
ولعله من علامات السقوط الكثيرة ان يقرر مصير مليار وربع المليار نسمة في معركة تقودها حفنة صغيرة من المتطوعين، وتقف خمس وخمسون دولة او تزيد منها موقف المتفرج علي لعبة كرة قدم، سوي ان كثيرين يتمنون ان يخسر الفريق الذي يرتدي زينا الوطني. ولا شك ان التعويل علي حركة شعبية لاقلية مهمشة في واحد من اصغر واضعف الدول العربية هو في حد ذاته دليل افلاس وسقوط، ويعني ان مصير الامة قد تقرر قبل بدء المعركة، وتأكد اقبالنا علي حقبة استعمارية تشبه تلك التي شهدتها منطقتنا في القرن التاسع عشر (ولا اقول القرن العشرين، لان الامة كان فيها في ايام سايكس ـ بيكو حراك اكثر مما هــو الآن).
تشبيه فريق كرة القدم في محله لسبب آخر، لان من طبيعة مباراة كرة القدم ان المتفرجين غير مسموح لهم بالمشاركة، والنتيجة تعتمد في النهاية علي لاعبي الفريق ومدربه وادارته الذي يقع عليهم وحدهم عبء الاعداد والتنظيم والتخطيط ثم ادارة المعركة. وفي عالمنا العربي اليوم اصبحنا كلنا متفرجين في دولنا، وكل دولنا متفرجة في العالم. وهناك لوم محق وجه لحزب الله بانه ابتدر هذه المعركة في غير زمانها وفرض علي الآخرين موقف المتفرج لانه كان وما زال يمسك بكل الخطوط بيده. نفس هذه الانتقادات وجهت من قبل لعبدالناصر وصدام حسين وعرابي. ولكن خيارات حزب الله كانت محدودة. ذلك ان الضغوط كانت ستفرض عليه ان عاجلاً او آجلاً نزع سلاحه، ولعل خيار افراغ السلاح في العدو بالنسبة له هو افضل طريقة لـ نزع هذا السلاح الذي كان سيصبح حاله مثل حال سلاح الدول العربية الاخري التي تكدسه للزينة فقط. ولن يختلف الامر كثيراً في حال اذا نزع سلاح حزب الله سلماً عبر الحوار الوطني او حرباً كما هو متوقع الآن.
في الحقبة الاستعمارية كانت الامة بكاملها في غفلة عما يدور حولها، ولم تكن تفهم مغزي التطورات التقنية او الجيوسياسية المحيطة بها. ولكن تلك الحقبة شابهت هذه في تمزق الامة وعدم تحرك اي دولة او شعب مجاور لنجدة الامير عبدالقادر في حربه مع الفرنسيين. بل ان الامراء في الدول المجاورة عقدوا معاهدات مع الفرنسيين لدعم عدوانهم، كما ان بعض قبائل الجزائر نفسها انحازت الي المستعمر بسبب خلافات مع الامير عبدالقادر (ما اشبه الليلة بالبارحة). وقد دفع هذا الامير عبدالقادر الي استفتاء علماء مصر وغيرها في حكم من يتعاون مع الاستعمار ضد الامة الاسلامية، وما اذا كان مثل هذا التعاون مما يخرج من الملة ويجيز معاقبة ومقاتلة مرتكبه. نفس التطورات تعاقبت علي مصر في ايام ثورة عرابي، حين جري التراشق بالفتاوي بين انصار عرابي وانصار الخديوي، واتهم عرابي ايضاً وقتها بانه استعدي الانكليز (وكان مغامراً ومتهوراً، وايضاً ما اشبه الليلة بالبارحة ايضا!) وقد فسر عرابي وانصاره استئساد الاجانب علي ديار المسلمين بتواطؤ وتعاون بعض المسلمين معهم، بينما كان الخديوي توفيق يدعو الله تعالي بان لا يعاقبنا بما فعل السفهاء منا ، ويتهم المتمردين باستعداء الاجانب بتهجمهم علي الذميين والمستأمنين ، وايضاً بالجهل باساليب الحرب الحديثة.
بعد انهيار المقاومة في الجزائر ومصر والسودان والهلال الخصيب واستسلام الجميع اسدل ستار مظلم علي الامة، ونشأت نخبة (ما تزال بقاياها وورثتها يحكمون الي اليوم في بعض بلاد العرب) تري ان التواطؤ مع المستعمر ليس فقط سبيل السلامة والمغنم، بل ايضاً مفتاح التقدم للامة. وقد مرت عقود علي اخماد المقاومة قبل ان تنشأ حركة المقاومة الوطنية الرافضة لهذه العقلية الاستسلامية، وتنجح في النهاية في تحقيق استقلال محدود. وقد اعقبت الاستقلال الاسمي حركات ترمي الي تصفية معاقل الاستعمار المتبقية المتمثلة في بقايا النخبة الموالية للاستعمار، وخاصة الانظمة الملكية التي نصبها الاستعمار في مصر والعراق وليبيا، وتصفية القواعد العسكرية الاجنبية في هذه البلدان. ولكن الانظمة الثورية بدورها فشلت في تحقيق الشروط الموضوعية للاستقلال المتمثلة في النهضة الاقتصادية ومستلزمات الدفاع والاستقرار السياسي. وقد مثلت هزيمة 1967 بداية انهيار المد الثوري، بينما شهدت السبعينات والثمانينات عودة الانظمة الثورية في مصر والعراق الي بيت الطاعة، بل المزايدة علي انصار الاستعمار السابقين في الولاء. ثم جاءت كارثة غزو الكويت فسقطت معها كل الاقنعة، وعاد الاستعمار غير المستتر مرة اخري. ويمكن اعتبار مخطط تصفية المقاومة في لبنان الجاري حالياً هو آخر مراحل اخضاع المنطقة.
الكارثة هي ان المقاومة تدار اليوم بنفس عقلية ايام الامير عبدالقادر، اي عبر جيوب معزولة (بل جيب واحد) للمقاومة في بحر من التواطؤ والاستسلام يشمل حتي الحكومة اللبنانية التي تتخذ نفس موقف الخديوي توفيق في المطالبة بتدخل اجنبي يساعدها علي تصفية المقاومة واعادة الامن والاستقرار وتسهيل دخول بيت الطاعة هذا مع التأكيد الي ان مطلع القرن الحادي العشرين ليس هو مطلع القرن التاسع عشر، وان الامة اليوم ليست في حالها ايام الامير عبدالقادر، لا من حيث العدد والامكانيات، ولا من حيث الوعي بتفاصيل الوضع الدولي وآلياته. ولكن الضعف هو الضعف، وهو ضعف في الارادة والالتزام والفكر.
المقاومة للهجمة الاستعمارية الجديدة لا يمكن ان تنحصر في النطاق العسكري، بل ان الجانب العسكري هو اضعف حلقاتها حالياً. فالعدو يستدرج القوي المناهضة له عمداً الي المجال العسكري الذي يملك فيه التفوق الكاسح. والهدف من ضرب العراق سابقاً ولبنان حالياً هو اظهار هذا التفوق عملياً، وتلقين المعارضين درساً عبر سياسة الصدمة والترويع حتي يتم تركيع المعارضين واقناع الراكعين اصلاً بالسجود او الانبطاح. ولا ينفي هذا ان المقاومة اللبنانية قد اثبتت في السابق وفي المعركة الحالية قدرة فائقة علي التصدي للآلة العسكرية الاسرائيلية، حيث صمدت حتي الآن اكثر مما صمدت الجيوش العربية في كل المعارك السابقة منذ 1948 والي اليوم. وهناك دلائل قوية علي انها اجبرت العدو مسبقاً علي التخلي عن بعض طموحاته، وقد تنجح اذا وجدت الدعم وهناك دلائل قوية علي انها اجبرت العدو مسبقاً علي التخلي عن بعض طموحاته، وقد تنجح اذا وجدت الدعم في افشال مخططه. ولكن القوي الدولية والاقليمية، وخاصة الدول العربية الرئيسية ومعظم اطراف الحكومة اللبنانية ستقاوم المقاومة لان انتصارها لن يعني انهيار اهم حلقات المخطط الرامي لاخضاع المنطقة، بل قد يؤدي الي انهيار آن اوانه لانظمة عربية انتهي عمرها الافتراضي منذ عقود.
لا نريد ان ننتظر قرناً كاملاً كما حدث في الجزائر، او نصف قرن كما في معظم المستعمرات الاخري حتي تنشأ مقاومة وطنية شاملة تدحر الاستعمار المستحدث. فحالة الوعي الحالية تتيح، بل تفرض التحرك فوراً للتصدي للغزو، ولكن ليس بعقلية التصفيق للاعب الواحد في الميدان، وانما بتحرك يقوده المفكرون واهل الرأي لصياغة برنامج طويل المدي يبدأ بتوحيد القوي السياسية الحية في كل بلد عربي علي برنامج مشترك للنهضة يكون الاساس لانتفاضة الديمقراطية تطيح الفساد والاستبداد، ثم التحرك لمشروع بناء القدرات وادخال العرب الي العصر. هذا التحرك هو الجهاد الحقيقي الذي اصبح فرض عين علي كل مفكر وصاحب رأي، وكل قادر علي التحرك السياسي. ذلك ان الهجمة الاستعمارية الحالية هي، كما كررنا مراراً، هي عرض لمرض، هو القابلية للاستعمار بحسب تعبير مالك بن نبي رحمه الله. فقبول الذل علي يد الحاكم المستبد ليس باهون شأناً من قبول العبودية للاجنبي، خاصة اذا كان المستبد هو نفسه عبداً للاجنبي في الاساس. فالشعوب التي ترضي ما ترضاه شعوبنا من ذل ليست قابلة للاستعمار، بل مستحقة له.