المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صوت اليمن الفني أكبر من امكاناته السياسية والاقتصادية


الحضرمي 2003
07-31-2006, 01:31 PM
قرأت هذا المقال في جريدة الوطن الكويتية للسفير عبدالله يعقوب بشاره الامين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي.


نداء القمة العربية.. فنون الدعوة وإخراجها
كتب:السفير عبدالله بشارة
خير ما فعل اليمن في سحب دعوته لعقد قمة عربية طارئة لبحث الاوضاع في المنطقة، فبعد انتظار طويل توصل اليمن الى حكمة التأجيل بعد ان تعرف اكثر على الواقع الذي يسيطر على المنطقة ووقف على عدم الرغبة لدى المؤثرين في الاندفاع الى لقاء عربي على مستوى عال لم تتضح امكانيات الانجاز فيه، ولم تبرز الارضية الجماعية المشتركة التي تؤدي الى توافق بناء، ويظل اليمن دائماً في صدارة الداعين الى دبلوماسية القمم العربية، ففي معظم الظروف التي يتصاعد فيها التوتر تخرج صنعاء بصوت اليمن المدفوع بالحماس لعقد قمة من اجل ان تنظر في قضايا التوتر.
اتابع برامج اليمن في قنواته الفضائية، وأشعر بالتقدير للفن التراثي اليمني المعبر عن عراقة وعن تميز في الارتقاء في مفاهيم الفن، واشعر بأن صوت اليمن الفني اكبر من امكاناته السياسية والاقتصادية وأجد فيه التعبير الراقي عن مخزون الطاقة اليمنية التي تفرزها الايقاعات المتميزة، واتذكر ايامي في البرازيل حينما كنت سفيراً محالاً فيها حيث يتسيد الفن كل البرازيل في طربها وفي صناعتها وفي رياضتها وفي الضوضاء التي تشتعل في مطاراتها وفي قطاراتها، هناك ورشة عمل تتحرك بصوت الفن، وهنا في اليمن نشوة الفن تصل الى الايقاع السياسي وتنسجم معه.
واشعر احياناً بأن الرئيس علي عبدالله صالح لم يلتزم بالايقاع اليمني السياسي حين تخلى عن اعتزاله الحكم وعاد مرة اخرى مرشحاً، وأشعر بأن مثل هذا القرار حالة غير يمنية ربما تأثرت بالأجواء العربية التقليدية، فقد اعطى الرئيس اليمني اكثر من ثلاثة عقود انجز فيها الكثير، وكان عليه الاعتزال والاستجابة لنداء الفن اليمني، الذي يتحكم فيه الاصرار على التميز.
وأشير الى طلب اليمن بعقد قمة طارئة لأنني من الذين يدعون دائماً الى وضع ضوابط للقاءات القمة، فليس من الحكمة ان ينفعل احد الرؤساء وأن يتحمس اخر فينطلق صوت الدعوة من قناة تلفزيونية او لقاء صحافي يخرج فيه المسؤول عن فروض التروي، واعتقد ان اطلاق الدعوة وعدم تلبيتها لا تؤدي الى كسب معنوي لأي طرف وقد تعود بالخسارة الادبية لمن سعى مخلصاً لجمع الشمل.
ونعرف بأن القمة العربية تعقد سنوياً، ولا يوجد مانع من عقدها عند الضرورة وفي اي وقت، لكن بعد التشاور الواسع والاتصالات الهادئة خاصة مع المؤثرين الذين يملكون القدرة على صوغ المواقف وعلى إدارة الازمات وفق المصالح العربية العامة مع الاستعداد الكامل لقبول التبعات والمساءلة، وتحمل مسؤولية نتائج قرارات مثل تلك القمة الطارئة.
وفي شأن الوضع الذي يعيشه لبنان، نود إبداء الملاحظات التالية:
أولاً: تتحمل الدول العربية مسؤولية كبيرة تجاه لبنان في صمتها الطويل عن الوضع الشاذ وغير الطبيعي الذي يتسيد هذا البلد الصغير والضعيف، بتواجد جيش حزب الله الذي يسيطر على جنوب لبنان ويدير المنطقة وفق استراتيجية ترسمها ايران وتتعاطف معها سورية ويحصل هذا الحزب على امكانات مالية واسلحة وخدمات تفوق قدرة الدولة اللبنانية، والحزب هو الذراع المنفذة لاستراتيجية التفوق الاقليمي الذي تريده ايران، وفوجئنا بالترسانة الضخمة التي يملكها الحزب من صواريخ وتجهيزات عسكرية ومقاومة صامدة لم تتعود عليها اسرائيل.
من هو الزعيم العربي الذي يقبل ان يعطي لحزب الله الحرية التامة لإدارة نصف اراضيه لكي يسخرها لخدمة الاهداف الايرانية البحتة؟، وبدون انفعالات، لم تجرؤ بعض الدول العربية على تحميل حزب الله المسؤولية في تفجير الموقف القابل للاشتعال خلال اجتماعات وزراء الخارجية، بل ان سورية تشترط ان يقدم اي لقاء عربي على مستوى القمة الدعم لحزب الله الذي يعمل على اراضي لبنانية دون موافقة حكومتها.
لم تقصر وسائل الاعلام العربية في رعاية حزب الله في لبنان، فقد امطرته بالثناء دون تقييم موضوعي لأهدافه ودون الاهتمام بالاضرار التي ستصيب الدولة اللبنانية من جراء تلك الاهداف، ولم تساند الشرعية اللبنانية المسكينة التي لم تأخذ ما تستحق من الدعم، بل تتعرض الى التجاهل والتصغير والتهميش.
ثانياً: يتحمل السياسيون اللبنانيون - بكل طوائفهم - مسؤولية كبيرة في وصول لبنان الى الوضع المأساوي الذي نراه، وضعوا طائفتهم فوق وطنهم، واحزابهم فوق ترابهم، ومصالحهم فوق لبنان، استشرى الفساد السياسي والمالي الى حد صارت كل جماعة محسوبة على عاصمة، مازال بعضهم يدافع عن سورية، وآخر يتبنى حزب الله، ومازالوا ملتزمين مع ايران، يريدون الاخرين سواء الأمم المتحدة او العرب او اوروبا او واشنطن اخراجهم من مأساة شجعتها اساليبهم.
ينتقد رئيس مجلس النواب نبيه بري في كلمته امام ملتقى البرلمانيين العرب (النظام العربي المتردد الخائف والقلق الذي لا يحرك ساكناً تجاه ما يستهدف لبنان وفلسطين وهو يدرك ان كليهما يمثلان خط الدفاع الأول عن الأمة العربية).
ولا اجد ابلغ رداً على ذلك من تصريحات الرئيس حسني مبارك لرؤساء التحرير المصريين عقب عودته من اجتماعه مع الملك عبدالله في المملكة العربية السعودية ان مصر لن تدخل في حرب مع اسرائيل للدفاع عن لبنان او حزب الله وأن هذا السيناريو مستحيل لأن زمن المغامرات الخارجية قد انتهى وأن هناك 73 مليون مصري بحاجة الى التنمية والخدمات وفرص العمل.
والعدوان الاسرائيلي على لبنان والحرب بين اسرائيل وحزب الله على اراضيه، لها ابعاد دولية تتعدى الاهتمامات العربية وتمس الكثير من مصالح عالمية منها الاوروبية والامريكية، ولا يمكن علاجها بمعزل عن التدخل الدولي الذي نراه الآن سواء في مؤتمر روما ام في الاتصالات التي تتابع من اجل تحديد مسارات متفق عليها تضع حدا للوضع الشاذ الذي عاشه لبنان، وأبرز ما فيه تأكيد الشرعية اللبنانية على جميع اراضي لبنان وانتشار جيشه وإزالة الازدواجية في القرار السياسي اللبناني وتمركز قوى ضاربة ورادعة دولية للمراقبة ولضمان الاستقرار والهدوء، وهذا الشرط هو مفتاح اعادة الاستقرار في لبنان، فالحكم للسلطة لا يشاركها حزب الله فيه، وهو القرار الذي لا تستطيع القمة العربية تحقيقه، كما اقترح الرئيس سنيورة في نقاطه السبع امام مؤتمر روما.
لذلك فإن تحفيز الدول العربية نحو القمة سواء من اليمن او غيرها لا يخدم لبنان في هذه الظروف، وانما الذي يحتاجه لبنان هو الهمة العربية الجماعية لدعم شرعيته ومساندته في القضاء على الازدواجية التي خلقتها اياد ايرانية تدعمها سورية من اجل ابقاء ملف جنوب لبنان مفتوحاً طالما ان الجولان بقي محتلاً.
ثالثاً: لا يمكن ان تذهب قمة عربية لتكرر بيانات سياسية اصدرها وزراء الخارجية، وخياراتها امام هذه الظروف محددة، اذا لم يتوفر اجماع كامل على دعم الشرعية اللبنانية وتقليص النفوذ الايراني في لبنان تمهيداً لإزالته، ولا توجد قرارات حاسمة تتخذها الدول العربية سوى دعم الشرعية اللبنانية والمشاركة في اعمار لبنان، والتعاون مع شرعية لبنان على إزالة الازدواجية، غير ذلك لا مجال للمزايدات ولا للعبارات المبهمة ولهذا فإن وقار القمة ومقامها المعنوي تفرض الحذر في عدم الاندفاع نحو لقاءات تضر الصدقية وتزيد الوضع تعقيداً.
وندعو بهذا الصدد الى تبني دبلوماسية الهدوء في الاتصالات والمشاورات ابعاداً للإحراج وتقديراً للمسؤولية لأن معظم الذين سيذهبون للقمة لن يتحملوا تبعات نتائجها، وانما يكتفون بالمصادقة على بيانات ليس الآن وقتها، ويبقى البعض القليل القادر على الدفاع عن وضع لبنان عبر التواصل السياسي والدبلوماسي كما نراه في جهود المملكة واتصالات مصر، وتحركات عربية اخرى تتسم بالتهدئة والعقلانية.
ونحن ندعو الجامعة العربية الى ابعاد حرمة القمة ووقارها عن عملية العد اليومي لمن يقبل ومن لم يجاوب ومن يدرس وابعاد الاعلام عن هذه الواقعة التي تضعف من المقام الكبير لشأن القمة.
ونؤيد استنتاج الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بأن الموقف العربي ضعيف ومنقسم مع وجود فوضى كبيرة في الحركة العربية، ولابد من لملمة الموقف العربي نحو موقف فعال تجاه المواقف الحساسة والخطيرة، هذا كلام مسؤول لابد ان يتحقق في دعم شريعة لبنان والمطالبة بانتهاء ازدواجيته، والمشاركة في اعادة بنائه.
وعلينا الاعتراف بأن الفوضى تأتي من الصخب الاعلامي اليوم الذي لا يتعامل مع جوهر القضايا وإنما يتطلع الى اشكالية من استجاب ومن لم يتجاوب مع دعوة القمة.
القمة العربية موضوع كبير يفرض التروي ودراسة الحسابات والنتائج والقدرة على احتمالها، بدلاً من تبرئة الذمم في بيانات انشائية تضر لبنان اكثر مما تنفعه.
نحن نؤيد المقترحات التي قدمها لبنان الرسمي لإنهاء الحرب، ونأمل ان تدعمها الدول العربية، ونأسف لمعارضة حزب الله هذه المقترحات التي لا ترتاح لها سورية ولا تهضمها ايران، رغم انها تنسجم مع الشرعية الدولية التي يتحداها حزب الله.

تاريخ النشر: الاثنين 31/7/2006