المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غزة تحرقهم وتحرقنا


الدكتور أحمد باذيب
08-04-2006, 10:59 PM
تعودنا على الدوام، ومنذ سنين وعقود، أن تصاب هذه الجيوش العرمرمة من عازفي سيمفونية حقوق الإنسان، أن تصاب بالبكم والتخارس، كلما كان الدم الفلسطيني يسفك ويراق، بل كلما كانت أنهار الدماء الفلسطينية البريئة تجري وديانا على الأرض التي ولد فيها أنبياء بني الإنسان، وتنزلت فيها أديان بني الإنسان.
واليوم، وللمرة الألف في تاريخها، تحاصر وتحرق غزة من طرف قطعان الصهيونية برا وجوا وبحرا، بالدبابات والمدفعيات والمجنزرات والطائرات والبواخر الحربية، بجيوشها المدججة بالسلاح الفتاك الحديث، التي تلقي بحممها ونيرانها ومتفجراتها، على تجمع بشري من الولدان والنساء والشيوخ والمرضى، هو أكثف تجمعات البشرية المكدسة على الأرض في حيز ضيق، في عدوان بربري فظيع، تسميه "إسرائيل" الصهيونية بكل وقاحة، واستخفاف بالإنسان، واستهتار بقيم الإنسان: أمطار صيف.
وفيما تزكيه وتباركه وتحرض عليه أعظم قوة في الأرض، هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتولى القيادة الديكتاتورية لأمم العالم، بالغطرسة والاستكبار، فتسمي هذا العدوان الأرعن : دفاع إسرائيل عن نفسها
لا لشيء، سوى لأن بضع مئات من الرجال في غزة، يمتشقون بضع مئات من البنادق ، يطلقونها على مشارف حدود أرضهم " المحررة تثير بعض الخوف لما تحدثه من وقع الانفجار، كأقصى ما يملكون فعله، لرد عدوان قصف الصواريخ على بيوتهم، واغتيال قياداتهم.
ويقف العالم، وهو يتلهى ويتفرج، بعربه وعجمه، وبغربه وشرقه، وبكل قاراته الخمس، وبكل ألوانه وألسنه وإيديولوجياته، وهيأة أممه المتحدة، يقف متخاذلا واجما وهو يتفرج على تدمير المنشئات والمنازل فوق النساء والأطفال والشيوخ، وتخريب الجسور والمعابر والأسواق والمستشفيات فوق رؤوس المرضى، وعلى تقتيل شعب تعيس أعزل، لا يملك دبابة واحدة، ولا طائرة واحدة، ولا حتى شراعا واحدا لأن هذا العالم اللئيم، أراد هكذا أن يبقى هذا الشعب المستضعف، بلا سلاح ولا دفاع ولا حصون، في مواجهة جيش الصهاينة، من محترفي القتل الجبان، وعديمي الضمائر والذمم، وفاقدي الهوية، قد صنع على عين هذا العالم اللئيم وبيده، حين مده بكل أسباب القوة والمنعة والوجود.
هذه الانظمة التي القت بمبادرتها في لبنان ووصفتها بالمغامرة وردت عليها اسرائيل بالقنابل الذكية أمريكية الصنع هي نفسها التي كانت تتاجر في نقل اليهود العرب إلى فلسطين، ويجمع قادتها من هذه التجارة المربحة أكياس الذهب والدولار، فتحول الصهيونية هؤلاء اليهود إلى قتلة ومخربين وسفاكين للدم الفلسطيني بكل اطيافة .
أليست الانظمة هي التي تعقد مع هؤلاء الذين يسحقون الشعب الفلسطيني الآن بالتقتيل والتدمير في غزة، والضفة والقدس، يعقدون معهم العلاقات والصفقات والمعاهدات، نحن الآن في حالة فراغ سياسي لأننا لا نملك رئيس عربي يحمل مشروع, كانت تجربة عبد الناصر هي الوحيدة رغم بعض التحفظات ولم يكتمل مشروع العراق الذي بدأه صدام حسين.. ما نعيشه الآن تبعية قذرة ترسمها الانظمة وبعض شعوبها..

هل يعي هذا العالم، الذي أصبح قرية صغيرة في عصر الثورة الرقمية، أن السلام يبدأ من فلسطين، وأن الحرب تبدأ من فلسطين، وأن الإرهاب الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني، بتلك الوحشية والسادية ، والولوغ في الدم البريء، وأن هذا اللؤم العالمي في التفرج على المحرقة في فلسطين ولبنان بنشوة وبرودة أعصاب، وعدم التدخل للنجدة والحماية والإنقاذ لحياة مئات الآلاف من خطر ماحق.
صلب آلام حصار الجوع، ولو من تحت أنقاض الدمار، ولو من محنة يتمه أمام لؤم العالم وقطيعته وحصاره، وهو يتفرج ويتلهى ويتلذذ على مأساة واقع، أشبه بمأساة الأيتام في مأدبة اللئام، وليس لهم حينها إلا كما نادى طارق بن زياد في جنده: العدو من أمامكم والبحر من ورائكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر.

طلال جامل
04/08/2006