تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تحديد مدة رئيس الدولة


السكيني
09-04-2006, 07:25 PM
المسائل التفصيلية في الفقه السياسي الإسلامي من المتغيرات لا الثوابت والتعامل معها يعتمد على الموازنة بين المصالح والمفاسد وقد قال إمام الحرمين " ومعظم مسائل الإمام عريّة عن مسالك القطع خلية عن مدارك اليقين".

حتى المسائل التي يعدها الفقهاء من مسائل الإجماع ـ فإنها تخضع لفقه التنزيل وكل النصوص الواردة في القرآن والسنة مما له تعلق بالفقه السياسي ـ لا تحكي تفصيلا لشأن من الشئون السياسية وليس ذلك إهمالاً من الشارع وإنما رحمة بالعباد والشأن السياسي في الأمة من مسائل التوفيق لا التوقيف في الممارسة فقد أجمعوا على وجوب نصب الإمام ثم اختلوا في الموجب أهو الشرع أم العقل فذهب أهل السنة ـ ونحن معهم ـ أن الموجب الشرع وذهب بعض العقلاء أن الموجب هو العقل واجمعوا على وجوب الشورى ثم اختلفوا في الكيفية واجمعوا على البيعة واختلفوا على كيفية ممارستها واجمعوا على وجوب الطاعة ثم اختلفوا في الخروج المسلح على الحاكم ، والجمهور منهم على أن من يقوم بإختيار الخليفة هم أهل الحل والعقد واختلفوا في العدد ، واختلفوا في لقب رأس الدولة هل يسمى خليفة أو ملك أو أمير ثم قالوا العبرة بمالمقاصد والمعاني لا بالأشكال والمباني وإن كان الكثير يفضل لقب أمير المؤمنين اجمعوا على أن الإمامة العظمة تكون لكل المسلمين واختلفوا في جواز أن يكون للمسلمين خليفتان في آن واحد إذا تباعدت الأقطار ورجع الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني والإمام الشوكاني جواز ذلك.

وخلاصة القول ليس ثمة مسألة ذات تعلق بالشأن السياسي ـ سيما في الأمور التفصيلية محل اجماع لأن النصوص المذكورة ـ كما أسلفنا ـ ذات دلالة عامة فلا ألفَيَنّ رجلاً بوّال على عقبيه ينام ملئ جفنيه متبلد التفكير سقيم الفهم متنطع تلقن بعض النصوص واقفل عقله على ظواهرها يقول هذا واجب وهذا حرام ويستند إلى حجج واهية أوهى من بيت العنكبوت.

ومن المسائل المستجدة في الشؤون السياسية الصرفة قضية تحديده مدة معينة.

وليس في الكتاب ولا في السنة ما يدل لا تصريحا ولا تلميحا على المصير إلى القول إن الخليفة يبقى مدى الحياة وفعل الصحابة لبقاء رئيس الدولة في المنصب ـ وهي من المسائل التي لم يتعرض لها صراحة ـ بحسب علمنا أحد من سلفنا الصالح ليس إهمالاً منهم ولا جهلاً، وإنما لعدم توفر الدواعي ، شأنها شأن الآف المسائل التي لم تتوفر دواعيها في القرن الأول وتوفرت في القرن الثاني أو الثالث أو الرابع ... الخ والأمثلة على ذلك عصية على الحصر .

ومسألة التحديد لمدة زمنية لمنصب رئيس الدولة من المسائل السياسية الصرفة.

وقد تنامى إلى سمعي أن أحد الأحبة من طلبة العلم أفتى بعدم الجواز وأن الخليفة "رئيس الدولة" يبقى في منصبه حتى يموت وحجته أنه لم يرد لا في كتاب ولا في سنة ولا فعل الصحابة والتابعين ما يدل على ذلك.

ولا نختلف معه في أنه لم يرد لا في كتاب ولا في سنة ولا في قول أو فعل الصحابة أو التابعين ما يدل عليها صراحة وهذا يقودنا إلى عدد من الاسئلة وهي:


1- هل ورد في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو في أقوال الصحالة والتابعين ما يدل صراحة على أن الخليفة يبقى في منصبه مدى الحياة؟.


2- وهل المسكوت عنه في الكتاب والسنة يحكم عليه بالمنع أو عدم الجواز؟


ففي اجابة السؤال الأول لا متعلق له إلا فعل الصحابة والتابعين فقد استخلف أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم حتى توفوا وكذا الخلفاء من بني أمية وحدوث الأمر هكذا دون اعتراض لايجعل المصير إلى غيره محرماً ـ سيما في الشؤون السياسية ـ فقد مضى عهد ابي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم ولم يستخلف احد منهم ابنا له ، ثم جاء معاوية رضي الله عنه واستخلف ابنه ووجد معارضة من بعض الصحابة لكن الجمهور كان معه لا لأنه مستند إلى نص ، وانما لأنها من المسائل المسكوت عنها وبرر له كثيرون بأنه اجتهد.

أما الاجابة عن السؤال الثاني فحكم المسكوت عنه عند الاصوليين فيه ثلاثة مذاهب.

احدهما: الأصل في الاشياء الاباحة وهو مذهب الجمهور

الثاني: الاصل في الاشياء الحظر حتى يرد دليل وهذا مذهب بعض الحنابلة.

الثالث: يشبه الاول من وجه ويشبه الثاني من وجه ومفاده الاصل في الاشياء النافعة الإباحة وفي الضارة الحظر ، وهو لا شك تفسير للمذهب الأول لأن اصحاب المذهب الاول لا يمكن ان يقولوا باباحة الضار البين ضرره ، ويبقى المسكوت عنه الذي لم يتبين ضرره أو نفعه فيكون الافتاء فيه بين المذهب الاول والثاني بحسب منهج المفتي من التحوط والتيسير.

فالقائل في مسألة تحديد مدة زمنية لبقاء الخليفة في المنصب بعدم الجواز ، فإننا نقول له أين دليل المنع؟

فإن قال أولا: لا نص على ذلك في كتاب أو في سنة ولا قول لأحد الصحابة أو التابعين .

ثانيا: فعل الصحابة يدل على ان الخليفة يبقى حتى الموت.

وهذا لعمري سقم في معرفة طرق الاستدلال فمن قال ان عدم النص من كتاب أو من سنة أو عدم الفعل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدل على المنع؟

أما ثانيا ففعل الصحابة رضي الله عنهم لا يدل إلا على الإباحة فلو قال قائل هل يجوز ان يبقى الخليفة في منصبه مدى الحياة؟ تكون الاجابة نعم بدليل فعل الصحابة.

وتأسيسا على ما سبق نقول انه لا يوجد ما يمنع من تحديد مدة زمنية معينة لبقاء الخليفة "رئيس الدولة في منصبه" لا من كتاب ولا من سنة ولا من اجماع ولا من قياس بل على العكس هناك ما يدل على الاباحة ومما يدل على الإباحة ما يأتي:


1- ان الفقهاء عندما كيفوا عقد البيعة للإمام "رئيس الدولة " قالوا أنه عقد وكالة فالإمام نائب عن الأمة يقوم بتنفيذ الاحكام الشرعية الجماعية نيابة عنها وليس من اركان أو شروط عقد الوكالة ان يبقى الوكيل مدى الحياة.


2- اجمع الفقهاء ان للأمة حق اختيار الأمام بصورة مباشرة أو غير مباشرة كما اجمعوا على حق الأمة في عزل الخليفة وذهب الجمهور إلى جواز حكومة المتغلب ولو كان قائلاً للإمام الذي قبله، وهو ما يعني جواز الانقلاب اذا تيقنت الأمة انه سيؤدي إلى الحسم ، فكيف لا يجوز للأمة ان تحدد مدة بقاء الخليفة بزمن معين؟ فهل البيعة في الفقه السياسي الاسلامي زواج كاثولوكي لا طلاق فيه؟

وأين المصلحة في مثل هكذا فتوى؟

3- ان رجحان المصلحة في التحديد اظهر منها في عدم التحديد لأن البقاء المطلق للخليفة مدى حياته في المنصب يجلب مفاسد كثيرة ليس أقلها ظهور مراكز قوى بجواره من أقاربه أو معاونيه كان لها وعلى مدى تاريخ الأمة الضرر الكبير في توهين عزم الأمة وضعفها.

4- ان مصلحة الأمة في إذكاء روح التنافس القيادي راجحة في التحديد مرجوحة في عدم التحديد لأن المؤسسة في النظام السياسي الاسلامي هرم يتساوى رأسه وقاعدته في المسئولية تجاه الاحكام الشرعية الجماعية والاصل فيه تغليب القاعدة على الرأس (1) والتحديد يؤكد هذا بينما عدم التحديد يغلب الرأس على القاعدة الامر الذي يؤدي إلى الانفصال بين الرأس والقاعدة وهو ما تعاني منه الامة اليوم.

5- ان التحديد بمدة زمنية محددة يتم تنفيذها بدقة وحسم يقضي على ظاهرة الانقلابات التي ارهقت الأمة عبر تاريخها الطويل، وعلى اعتبار ان التحديد لا يعطي فرصة لتكون مراكز قوى قد تتمكن من السيطرة ويتاح لها فرصة في الوثب على المنصب.


6- ان التحديد لا ينتج للمنصب الا الأقوى والاصلح للمنصب وبالتالي تبقى الأمة قوية راشدة على الدوام ، ولا يعتريها الضعف أو الانحراف.


وأخيرا :

ارجو وأنصح العلماء والفقهاء ممن لهم مصلحة أو من لا مصلحه لهم ان يتقوا الله في الأمة وان تتجه فتواهم وآرائهم بالاتجاه الذي يذكي الروح الجماعية في الأمة ، ويزرع في نفوس ابنائها العزة والكرامة والأمل وان يفرقوا وهم يرددون أقوال ومذاهب السلف بين زمانهم وزماننا وأئمتهم وأئمتنا اليوم فإن ذلك يساعد على تحرير الفتوى.

وهمسة اخيرة لطلبة العلم في المدرسة السلفية والمدرسة الصوفية في بلادنا وفي غيرها من بلاد العرب والمسلمين.

وأقول لهم: ايها الأحبة احترسوا من الاستغلال والاستغفال فهناك من يسعى لاستغلالكم لتحقيق مطامع سياسية معينه فإذا رأيتهم أهل الحكم يتقربون منكم فاعلموا انهم لم يتحولوا بين يوم وليلة إلى دعاة إلى الله وحماة للسنة أو احباب للمصطفى يسهروا على خدمة الدين.

بل يريدون ان يصنعوا منكم جداراً أو سلما يصعدون عليه ثم يركلونه، والتاريخ مليء بالشواهد.