المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محنه دراسيه 0 ومعاناه حقيقيه للطالب اليمني


حد من الوادي
12-28-2006, 02:12 PM
نبأ نيوز - بقلم:لؤي يحيى عبدالرحمن الارياني -
الطلبة هم جنود اليمن الصغار.. أبطالنا الشباب الذين يغتربون تاركين الوطن والأهل على وعد بلقاء جميل مع الوطن.. لقاء يكون شبابنا قادرين فيه على اهداء هذا الوطن ثمرة علمهم وكفاحهم لتكون لبنة اخرى في بناء بيتنا الجميل، في بناء اليمن.. من أعظم ماتفعله الدولة إرسال الطلبة للخارج للدراسة والتعلم.. إلا ان الكثيرين يسيئون لهذا المجهود الرائع ويحيلون رحلة الطالب في طلب العلم الى مأساة حقيقية وهي الرحلة التي تحمل في طياتها أصلا الكثير من المتاعب والمصاعب.
تبدأ الرحلة منذ ان تظهر النتيجة.. اثنين وتسعين علمي.. يقولها في فخر شديد عندما يسألونه عن درجتة في الثانوية العامة.. وله في ذلك كل الحق، فقد تعب كثيرا حتى حصل عليها.. وتعب أبوه كثيرا ايضا ليحصل على منحة دراسية حلم بها كثيرا للدراسة في الخارج.. أراد من كل قلبه ان يدرس صيدلة. أحب كثيرا هذا التخصص وظن ان اجتهاده مبرر كافٍ لكي يصبح صيدلانيا ويدرس الصيدلة في الخارج.
في المطار التف حوله اصدقاؤه الذين ودعوه بكثير من الحب والتأثر والحسد ايضا، التفت إلى أمه يودعها وشفتاه ترتجفان وتتقلصان.. اختلطت دموعه بدموعها..لم يميز أحد صوت بكائه المكتوم وسط دعوات أمه الملتاعة ونحيبها. كانت وبرغم كل شيء فخورة به فهو ذاهب ليدرس في "الخارج".. كانت دموع حزنٍ على فراق طفلها الصغير "الذي سيبقى صغيراً في نظرها مهما طال بهما الزمن" إلا أن دموعها هذه كانت أيضاً دموع سعادة وفخر، ودعواتها كانت دعوات أم سعيدة بمستقبل يتبسم لابنها.. تخلص بصعوبة من حضن أمه ليجد نفسه في حضن أبيه الذي ظل يردد في قوة عبارات من نوعية "اوقع رجال" و"ارفع راسنا".. ولم يفته وهو يمر من بوابة المغادرين ان يلحظ دمعه ماكرة عرفت كيف تهرب من عين أبيه وهو يرفع يده مودعا ملوحا بيده وهو يهزها بقوة محاولا أن يقول بيديه "اوقع رجال".
يصل إلى هناك مع مجموعة من الشباب كلهم موفدون جدد، يجدون عند الجوازات مساعد الملحق الثقافي.. ظن –كبقية الشباب- ان مساعد الملحق جاء ليستقبلهم كطلبة جدد.. لكنه فوجيء أنه جاء ليستقبل أحد الأخوة في "الوزارة" جاء في "عمل" وليخرج حقيبة قات أرسلوها له مع الأخ من "الوزارة" واكتفى ان قال لهم خليكم مع الشباب و"عتلاقوا خبرة" كثير يساعدوكم.
وبالفعل وجد الشباب "خبرتهم" وساعدوهم على السكن والترتيبات اللازمة وبدا له أن الأمور تسير بشكل جيد لولا ألم الأيام الأولى للغربة.. ألم البعد عن الأهل والأصحاب.. فزع هو نفس فزع الطفل عندما يؤخد غيلة وغدرا من حضن أمه.. وألم أن تصحى مبكرا ولا تجد وجه أمك وتخرج من البيت فلا تجد الشوارع التي تملأها الحفر وتتطاير السيارات على مطباتها ولكنها تظل شوارع عزيزة على القلب.. لا تجد تلك الوجوه الطيبة التي يتطاير رذاذ القات في وجهك كلما رحبت بك في مودة.. وتتناول طعامك فلا تجد الملوج والسلتة والعصيد، إنها آلام الغربة التي يعرفها اليمنييون جيدا.. لولا هذه الآلام لطابت نفسه واندمج مع الشباب الطيبيين الذين سكن معهم.
ذهب إلى الملحقية الثقافية ليكمل معاملة ابتعاثه.. وفي ذهنه تجول جميع الافكار الطيبة عن الرعاية التي سيتلقاها.. حينما يجد يمنيا مثله في الملحقية وهو المسئول عنه كطالب هنا.. حاول الدخول إلى مبنى الملحقية لكنه اكتشف أن الدخول ممنوع على لطلبة! وأن عليه الانتظار في الفناء حتى وصول الاخ الملحق.. ثم اكتشف أيضا أن الأخ الملحق لا يداوم لأنه مشغول بفعاليات ثقافية!! وأنه يجيء نادرا ويجيء لربع أو نصف ساعة فقط وفي وقت لا يعرفه أحد.. إلا أنه جاء في ذلك اليوم فهو موسم بداية العام الدراسي، انتظر في وسط زحمة من الطلبة وبعد دقائق وجد فتاة تبكي في هستيريا وعندما سأل عما بها قيل له أنها ذات مجموع عالٍ وابتعثت من التعليم العالي على أساس أن تدرس طب في الجامعة الرئيسية ولكنها تفاجأت أن تسجيلها جاء في تخصص علم اجتماع في جامعة نائية على حدود البلد!! اندهش كثيرا ولم يعرف ما السبب.. كما أنه لم يعرف بعد فترة من الزمن لماذا وجد زميلا يمنيا يدرس الطب في الجامعة الرئيسية برغم انه يعلم ان مجموعه لم يتجاوز الستين!!..
لاحظ في انزعاج وخوف أن زملاء كثر يخرجون وهم في حالة تنم عن الهم والضيق إلى أن جاء دوره فدخل وهو في قلق شديد ووجد أمامه الملحق يقول له في اقتضاب وسرعة أنه سيدرس فعلا مثلما قيل له حين بشروه بالابتعاث، في الجامعة الرئيسية ولكنه سيدرس الاقتصاد بدلاً من الصيدلة.. خرجت من فمه كلمات غير مفهومه من هول الصدمة إلا أن الملحق طمأنه ضاحكاً من منظره المصدوم بأنه وضع مؤقت وسوف ينقله بعد سنة إلى الصيدل’ التي يحلم بها.. لم يعرف أيضا السبب وإن كان اندهش كثيرا لوجود زملاء يزهون بشراء مقاعد مخفضة مخصصة لليمن وعندما قال لاحدهم كيف يدرس صيدلة وهو لا يفهم في الكيمياء اصلا؟ رد عليه باستهتار "بزلطي".
مرت الأيام فهي تمر دائما، بحلوها ومرها، راجع الملحقية اكثر من مرة لكي يعود إلى كلية الصيدلة إلا أنه كان يمضي معظم الوقت وهو يذكر الملحق باسمه وما سبق له أن وعده به ثم تنتهي المكالمة بوعود أخرى كثيرة.. اقتنع أنه لن يفتح صيدلية في حياته وان أحدا لن يطلب منه رأيه في علاج معين فيجيبه في استفاضة وعلم، وبدأ يتخيل حياته على أنه خريج اقتصاد إلا أنه لم يعرف أصلا ما الذي يمكن أن يعمله في حياته كخريج اقتصاد.. كان اشد ما يضيق عليه هو وزملاءه صعوبة الحياة..
حياة الطالب دائما صعبة ولكن الطلبة اليمنيين حياتهم اصعب من غيرهم.. فرواتبهم ضئيلة للغاية والراتب الواحد أصلا يقسم على طالبين.. يستعينون على بؤس حالهم بشراء أرخص الأطعمة والتجمع بأعداد كبيرة للسكن في سكن واحد كي يقل عليهم الإيجار.. وسيلة الترفيه هي التجمع وتبادل الأحاديث التي أكثرها عن اليمن ولم يعد يدري هل هو ترفيه أم تعذيب فهذا الحديث يهيج آلام الغربة ويثير الشوق إلى الوطن، لم يفهم أبدا لماذا تزيد عليهم الجهة التي يفترض بها ان تهتم بهم من معاناتهم وذلك بتأخير تسليم الرواتب؟؟ إن مأساتهم تكمن في نهاية كل ثلاثة اشهر عندما يأتي موعد الراتب ويذهبون للملحقية فيخبرهم السكرتير أن الملحق –الذي لا يتحدث إلا من وراء حجاب- يقول لكم "الاسبوع الجاي"، إن النقود التي تكفيهم بالكاد لا تستطيع ان تتفاهم مع عبارة الاسبوع الجاي.. عبارة الاسبوع الجاي تعني لهم الجوع وعدم القدرة على الذهاب إلى الجامعة لأنه لا يمتلك نقود المواصلات، كما تعني تحمل إهانات صاحب الشقة الذي يريد الإيجار، كما تعني أحيانا الرسوب "فالملازم" والمراجع أيضا بنقود.
يتبع

حد من الوادي
12-28-2006, 02:17 PM
وعند الأسبوع القادم يقول لهم السكرتير أن هناك أسبوعا آخر قادما.. يضطر بعضهم لبيع الكمبيوتر والآخر للاستلاف من "اللي يعرفه واللي مايعرفاش"، يترك بعضهم البيت ويذهب ليسكن مع اصدقاء آخرين يستطيعون أن يتحملوا عبئه، وفي الموعد الثاني يذهبون ومعهم (أصحاب البيوت) و(أصحاب البقالات) التي يستدينون منها ليقول لهم السكرتير دون حتى أن ترتعش عيناه خجلا أنه تم تحديد الأسبوع القادم لتسليم الرواتب!!! ويحمد الطلبة الله على أنهم اصطحبوا الدائنين معهم لكي يسمعوا بأنفسهم ويصدقوا.. يذهبون وهم يضربون أخماسا في اسداس، كيف سيعيشون.. لا يجدون أي يد من الملحقية تربت على أكتافهم ولعجبهم لا يجدون إلا يد (صاحب البيت) و(صاحب البقالة) تربت على أكتافهم في تعاطف شديد بعد أن شهدوا مأساتهم.. لم يفهم يوما لماذا تحدث هذه المأساة في حياة الطلبة المأساوية أصلا كل ثلاث أشهر.. أخبروه أن السبب أن مبلغ الرواتب يستثمر في البنك بفوائد.. وأن هذا يمثل "للبعض" سببا مقنعا لبهدلة مئات من الطلبة اليمنيين!
مرت الأيام وهي كما قلنا تمر دائما سوداء او بيضاء لا يهم، فصاحبنا استمر في جهده وقرر أن ينهي مأساته بأن يتخرج بتفوق حتى ولو من الاقتصاد وكان دائما يفكر أن لا شيء يعوض عليه تعبه إلا فرحته وفرحة أبيه بالشهادة.. كم من أيام سهر حتى اسود أسفل عينيه وهو يذاكر.. كم من أيام مرت وهو يحاول أن يوفق بين مواعيد محاضراته ومواعيد مذاكرته وبين المشاوير التي يجب أن يقوم بها كي يستخرج كشف العلامات الذي طلبته الملحقية والتي توعدت أنها لن تسلم الراتب إلا به.. لم يفهم أيضا لماذا اختارت الملحقيه أيام الامتحانات لطلب هذه الكشوف وهذه الأوراق التي يتطلب استخراجها الكثير من الوقت والجهد..
مرت الأيام واقترب صاحبنا من حلمه وأصبح لا يفصله عن الشهادة والذهاب للبلاد إلا فصل دراسي واحد فقط. ذهب في أحد الأيام للملحقية لاستخراج ورقة اعتيادية تؤكد للجامعة أنه يدرس على حسابها ومن المقاعد المخصصة لها.. عند الباب صعق بوجود اسمه في قائمة الموقوفين من الدراسة.. أي ان راتبه أوقف وأيضا رسومه الجامعية، ذهل تماما عندما قرأ البيانات أمام اسمه وجد أن سنة الإيفاد تسبق سنة الإيفاد الفعلية بأربع سنوات وبأنه مازال في مستوى سنة ثانية!! هز رأسه وقال لنفسه أنه بالتأكيد هناك خطأ أو تشابه في الأسماء.. توجه إلى مكتب الملحق وقلبه يخفق في عنف فوجده أمام الباب يكلم سكرتيره وعندما شرح له ماحدث فكر الملحق قليلا وقال له أنه لا شك كان هناك خطأ في سنة الابتعاث، ثم أضاف ضاحكاً بأن شكله لا زال صغيرا ولا يمكن أن يكون قد ابتعث منذ ثمان سنوات، فقال له أن المستوى المدون أمام اسمه هو مستوى سنة ثانية بينما هو خريج! فكر قليلا وقال له وقد بدأ يتململ: لاشك ان البيانات كتبت قبل سنتين لكنها لم ترسل إلى صنعاء إلا هذه السنة، طلب منه أن يصلح مجموعة الأخطاء هذه، فرد عليه في ضيق أن وضعه سيعالج ضمن المجموعة الكبيرة "أكثر من مائة طالب" الذين أوقفوا وقطعت منحهم بسبب بيانات خاطئة.. حاول أن يقول شيئا ولكن الملحق رد الباب في وجهه وهو يكلم سكرتيره وكأنه فأر كاد أن يتسلل إلى المكتب.
حاول أن يراجع هنا وهناك، وحاول ابوه ايضا أن يراجع في صنعاء باحثا عن كل "معروف" في وزارة التعليم العالي والمالية، عله يغيث ابنه إلا أن كل جهوده باءت بالفشل.. سيعالج وضع الطالب فلان في سياق معالجة وضع الطلبة الاخرين.. فشلت كل المحاولات.. قضى ليال طويلة في البكاء.. وأصبحت الحقيقة واضحة أمام عينيه حقيقة عارية كما يقولون قبيحة شامتة خبيثة تقول له وهي تلعب بحواجبها وتخرج لسانها.. (لن تكون يوما صيدليا ولا حتى اقتصاديا.. وسترجع بخفي حنين، هذا إن وجدت أصلا خفي حنين..) وكان أكثر ما أثر في نفسيته واعتبره سخرية قدر عميقة ومؤلمة أن موعد سفره كان في نفس موعد بدء الاختبار الأول في الموسم الدراسي الذي كاد أن يتخرج فيه.
في المطار وصل وهو لا يكاد يرى من الدموع.. ميز في ضباب دموعه هيئة أبيه، احتضنه ابوه بقوة، وشت بالغضب الذي يعصف به، نظر إليه بعينيين حمراوتين وشت بليالي البكاء التي قضاها على ولده، قال له في نفس المكان نفس العبارة التي قالها له قبل سنين لكي يسكت بكاءه المكتوم " اوقع رجال".. ارتمى في أحضان أمه وتعانقا بشوق شديد، سالت الدموع غزيرة، ومثلما حدث منذ سنين اختلطت دموعه بدموعها وارتفعت دعوات الأم تشق السماء.. إلا أنها في هذه المرة دموع قهر ودعوة مظلوم.
ليس في هذه القصة أي مبالغة بل هي نافذة صغير لبعض المشاكل التي يعاني منها الطالب وتحدث للكثير والكثير من الطلبة التي تتلاطم الأمواج قارب رحلتهم إلى أن يأتي "حوت" ضخم ليقلب القارب تماما ويعيد الطالب ليرقد في القاع دون أن يصل إلى الشاطيء الجميل الذي كان يحلم بالوصول إليه.
إن من أجمل ما تفعله بلادنا هو ابتعاث الطلبة للدراسة في الخارج والرجوع لليمن بجيل متعلم يستطيع أن يقود اليمن نحو المستقبل الجميل الذي لن يذهب إليه إلا بالشباب المتعلم.. إلا أن الطلبة اليمنيين أوضاعهم صعبة للغاية وهم يحتملونها بكل الصبر وكل الحب لبلادهم .. إلا أن مأساتهم هي في البعض من المسئولين عنهم الذين لا يراعون الله فيهم ويحيلون حياة الطلبة إلى جحيم.. وأقول البعض فهناك أيضا تربويون أجلاء وآباء حقيقيون يستلمون مهام رعاية الطلبة اليمنيين إلا أن البعض الذي يسيء للطلبة يسيء في الواقع لمستقبل اليمن ويتربح من معاناة شاب صغير يحلم بيوم أجمل.
وفي نفس الوقت يثير الأعجاب ذلك الاهتمام الكبير من فخامة الرئيس بأبنائه الطلبة اليمنيين وتوجيهاته الدائمة لحل مشاكلهم وتدخله في أكثر من مرة لصالحهم من أولئك الذين يستقوون عليهم.. وفي لفتة كريمة ومعبرة أخرى من فخامة الرئيس أمر مؤخرا بإضافة مائة دولار إلى راتب كل طالب.. وهذا مايشير إلى الإحساس العالي من فخامة الرئيس بأبنائه الطلبة اليمنيين في الخارج وحرصه عليهم .
أتمنى من كل مسئول عن الطلبة في اليمن في التعليم العالي أو غيره من الجهات.. أن يتحلى بقليل من إحساس الرئيس بالطالب اليمني وأن يتقوا الله في الطلبة وأن لا يحيلوا المنحة الدراسية الى محنة دراسية.



Loay0072001
هاذا حال الطلبه والدوله الضايعه والمفلوته اذالم يكن هناك نضام وعدل وهيبه للقانون والانسان فهي فوضى