حد من الوادي
01-25-2007, 02:53 PM
من يدير لعبة خلط الأوراق في المنطقة؟
حسن نافعة:
حسن نافعة
تخطئ إيران إن هي تصورت أن بمقدورها الصمود منفردة أمام حملة التصعيد الأميركية - الإسرائيلية الراهنة والتي بات واضحا أنها تستهدف عزلها سياسيا تمهيدا لضربها عسكريا، كما تخطئ إيران إن هي اعتقدت أن ما تملكه من أوراق يكفي لردع كل من تسول له نفسه التحرش بها، وبالتالي ليست في حاجة إلى سياج إقليمي يحميها أو على الأقل يعرقل مخططات التحرش بها وضربها.
والواقع أن الفحص المدقق للسلوك الإيراني في الفترة الأخيرة يظهر أنه ينطلق في إدارته للأزمة الراهنة مع الولايات المتحدة من ثقة مطلقة في قدرة إيران على الرد على أي ضربة عسكرية تستهدفها إذا ما أحسنت استخدام الأوراق التي بحوزتها. ويبدو أن إيران تملك أوراقا عديدة منها: 1- إمكانية إغلاق مضيق هرمز والذي يتم عبره نقل كميات هائلة من النفط يوميا إلى كل أنحاء العالم، ما سيؤدي حتما إلى نقص الكميات المتاحة في الأسواق من هذه السلعة الاستراتيجية وبالتالي رفع سعرها إلى حدود قد تصل إلى 150 دولارا للبرميل.
2- إمكانية تحويل القوات الأميركية الموجودة في العراق، والمنهكة أصلاً، إلى رهينة في يد ميليشيات عراقية موالية لايران، أو في يد مقاتلين إيرانيين من المتوقع أن يتدفقوا على العراق بالآلاف لقتال الأميركيين فوق الأراضي العراقية الشاسعة. 3- القدرة على إلحاق أضرار كبيرة بالقواعد والقوات العسكرية الأميركية الموجودة في معظم دول الخليج والتي يمكن أن تطولها النيران الإيرانية مباشرة أو من خلال عمليات تخريب خاصة. 4- خيار فتح جبهة صراع أخرى بشن حرب عصابات على أفراد القوة الدولية المرابطة في جنوب لبنان واستئناف ضرب مناطق التجمعات السكانية في شمال إسرائيل بالصواريخ بمساعدة «حزب الله»، والذي سيكون مستهدفا مع إيران بالقدر ذاته. 5- احتمال اللجوء إلى ضرب مراكز استخراج وإنتاج وضخ النفط في منطقة الخليج برمتها، بما فيها المراكز السعودية، كخيار أخير إذا ما ساءت الأمور كثيرا ودخلت المواجهة مرحلة صعبة أو يائسة.
ومن الواضح أن إيران راحت تتصرف في الآونة الأخيرة وكأن هذه الأوراق المتنوعة كفيلة ليس فقط بردع الولايات المتحدة ودفعها للعدول في اللحظات الأخيرة عن خططها الرامية لشن هجوم عسكري واسع النطاق عليها، ولكن أيضا بتخويف الدول العربية المجاورة من عواقب التعاون مع الولايات المتحدة لتنفيذ خططها الرامية لضرب إيران، بل تحويلها إلى ورقة ضغط على الولايات المتحدة للحيلولة دون وقوع مثل هذا الهجوم، أي إلى ورقة ضغط لصالحها وليس ضدها.
ويبدو أن هذه الثقة المبالغ فيها بالنفس تحول دون انتباه إيران بالقدر الكافي إلى أمرين على جانب كبير من الأهمية والخطورة، أحدهما يتعلق بطبيعة الإدارة الأميركية والآخر يتعلق بطبيعة النظام الإيراني نفسه. وفي ما يتعلق بالإدارة الأميركية يراهن البعض على قدرة الكونغرس، خصوصاً عقب فوز الديموقراطيين بالأغلبية في مجلسيه، على عرقلة خططها الرامية للتحرش بإيران تمهيدا لضربها. غير أن هذه القدرة تبدو محدودة تجاه إدارة طليقة اليد ومتحررة كليا من الضغوط التقليدية للانتخابات الرئاسية، فالرئيس ونائبه لن يكونا مرشحين لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، وهو أمر نادر الحدوث في تاريخ هذه الانتخابات. فإذا أضفنا إلى هذه الحقيقة بُعدا آخر يتعلق بسيطرة الاعتبارات الأيديولوجية على نمط تفكير الإدارة الأميركية الحالية والتي تقودها شخصية مغامرة إلى درجة المقامرة، فلن يكون من المستبعد مطلقا إقدام بوش على عمل عسكري ضد إيران مهما بلغت درجة عدم عقلانيته. أما في ما يتعلق بالنظام الإيراني فإن طبيعته الخاصة دفعت به إلى تغليب الاعتبارات الدينية والعقائدية على الاعتبارات السياسية والعملية، ما حدّ من قدرته على رؤية الخطر الكامن في سلوك بعض التيارات والميليشيات العراقية المحسوبة عليه أو القريبة منه أو حتى في ردود فعله هو على التجاوزات التي ارتكبت أثناء عملية إعدام صدام حسين.
على الجانب الآخر، تخطئ الدول العربية إن هي تصورت أن لها مصلحة في التعاون مع الولايات المتحدة لتنفيذ خططها الرامية لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، كما تخطئ إن هي اعتقدت أن السير وراء الولايات المتحدة في هذا الاتجاه سيضمن لها تحجيم طموحات إيران الإقليمية. وبدت دول عربية بعينها، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، كما لو كانت مغلوبة على أمرها حين قامت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، باستدعاء وزراء خارجية هذه الدول للاجتماع بها في الكويت أثناء جولتها الاخيرة في الشرق الأوسط.
غير أن الفحص المدقق لسلوك هذه الدول يشير بوضوح إلى أن مواقفها من أزمة البرنامج النووي الإيراني تحددت في الفترة الاخيرة بالتوازي مع الترويج لتصورات أو افتراضات معينة، منها: 1- أن لدى إيران مشروعاً للهيمنة على المنطقة وإقامة «هلال» بقيادتها يضم الدول العربية ذات الأغلبية الشيعية أو التي يشكل شيعتها أغلبية نسبية. 2- أن هذا المشروع يقوم على أسس طائفية صرفة وموجه أساسا ضد السنة الذين تعتبرهم إيران عدوها الرئيسي في المنطقة. 3- أن موقف إيران، والذي يبدو في ظاهره مناهضاً للمشروع الصهيوني ومؤيداً للقضية الفلسطينية وللحقوق العربية المشروعة، ليس سوى وسيلة لاستغلال وتوظيف الصراع العربي الإسرائيلي لخدمة مشروع «صفوي - فارسي» للهيمنة على المنطقة، وأن الدعم السياسي والمادي الذي تقدمه إيران لدول «الممانعة» العربية ولحركات المقاومة المسلحة مصمم لعرقلة المشاريع الرامية إلى إيجاد تسوية بالوسائل السلمية كي تبقى المنطقة برمتها في حالة عدم استقرار تسمح لايران بتنفيذ مخططاتها في الهيمنة عليها 4- أن برنامج إيران النووي، سلميا كان أم غير سلمي، ليس له ما يبرره ويشكل خطورة على المنطقة.
يتبع
حسن نافعة:
حسن نافعة
تخطئ إيران إن هي تصورت أن بمقدورها الصمود منفردة أمام حملة التصعيد الأميركية - الإسرائيلية الراهنة والتي بات واضحا أنها تستهدف عزلها سياسيا تمهيدا لضربها عسكريا، كما تخطئ إيران إن هي اعتقدت أن ما تملكه من أوراق يكفي لردع كل من تسول له نفسه التحرش بها، وبالتالي ليست في حاجة إلى سياج إقليمي يحميها أو على الأقل يعرقل مخططات التحرش بها وضربها.
والواقع أن الفحص المدقق للسلوك الإيراني في الفترة الأخيرة يظهر أنه ينطلق في إدارته للأزمة الراهنة مع الولايات المتحدة من ثقة مطلقة في قدرة إيران على الرد على أي ضربة عسكرية تستهدفها إذا ما أحسنت استخدام الأوراق التي بحوزتها. ويبدو أن إيران تملك أوراقا عديدة منها: 1- إمكانية إغلاق مضيق هرمز والذي يتم عبره نقل كميات هائلة من النفط يوميا إلى كل أنحاء العالم، ما سيؤدي حتما إلى نقص الكميات المتاحة في الأسواق من هذه السلعة الاستراتيجية وبالتالي رفع سعرها إلى حدود قد تصل إلى 150 دولارا للبرميل.
2- إمكانية تحويل القوات الأميركية الموجودة في العراق، والمنهكة أصلاً، إلى رهينة في يد ميليشيات عراقية موالية لايران، أو في يد مقاتلين إيرانيين من المتوقع أن يتدفقوا على العراق بالآلاف لقتال الأميركيين فوق الأراضي العراقية الشاسعة. 3- القدرة على إلحاق أضرار كبيرة بالقواعد والقوات العسكرية الأميركية الموجودة في معظم دول الخليج والتي يمكن أن تطولها النيران الإيرانية مباشرة أو من خلال عمليات تخريب خاصة. 4- خيار فتح جبهة صراع أخرى بشن حرب عصابات على أفراد القوة الدولية المرابطة في جنوب لبنان واستئناف ضرب مناطق التجمعات السكانية في شمال إسرائيل بالصواريخ بمساعدة «حزب الله»، والذي سيكون مستهدفا مع إيران بالقدر ذاته. 5- احتمال اللجوء إلى ضرب مراكز استخراج وإنتاج وضخ النفط في منطقة الخليج برمتها، بما فيها المراكز السعودية، كخيار أخير إذا ما ساءت الأمور كثيرا ودخلت المواجهة مرحلة صعبة أو يائسة.
ومن الواضح أن إيران راحت تتصرف في الآونة الأخيرة وكأن هذه الأوراق المتنوعة كفيلة ليس فقط بردع الولايات المتحدة ودفعها للعدول في اللحظات الأخيرة عن خططها الرامية لشن هجوم عسكري واسع النطاق عليها، ولكن أيضا بتخويف الدول العربية المجاورة من عواقب التعاون مع الولايات المتحدة لتنفيذ خططها الرامية لضرب إيران، بل تحويلها إلى ورقة ضغط على الولايات المتحدة للحيلولة دون وقوع مثل هذا الهجوم، أي إلى ورقة ضغط لصالحها وليس ضدها.
ويبدو أن هذه الثقة المبالغ فيها بالنفس تحول دون انتباه إيران بالقدر الكافي إلى أمرين على جانب كبير من الأهمية والخطورة، أحدهما يتعلق بطبيعة الإدارة الأميركية والآخر يتعلق بطبيعة النظام الإيراني نفسه. وفي ما يتعلق بالإدارة الأميركية يراهن البعض على قدرة الكونغرس، خصوصاً عقب فوز الديموقراطيين بالأغلبية في مجلسيه، على عرقلة خططها الرامية للتحرش بإيران تمهيدا لضربها. غير أن هذه القدرة تبدو محدودة تجاه إدارة طليقة اليد ومتحررة كليا من الضغوط التقليدية للانتخابات الرئاسية، فالرئيس ونائبه لن يكونا مرشحين لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، وهو أمر نادر الحدوث في تاريخ هذه الانتخابات. فإذا أضفنا إلى هذه الحقيقة بُعدا آخر يتعلق بسيطرة الاعتبارات الأيديولوجية على نمط تفكير الإدارة الأميركية الحالية والتي تقودها شخصية مغامرة إلى درجة المقامرة، فلن يكون من المستبعد مطلقا إقدام بوش على عمل عسكري ضد إيران مهما بلغت درجة عدم عقلانيته. أما في ما يتعلق بالنظام الإيراني فإن طبيعته الخاصة دفعت به إلى تغليب الاعتبارات الدينية والعقائدية على الاعتبارات السياسية والعملية، ما حدّ من قدرته على رؤية الخطر الكامن في سلوك بعض التيارات والميليشيات العراقية المحسوبة عليه أو القريبة منه أو حتى في ردود فعله هو على التجاوزات التي ارتكبت أثناء عملية إعدام صدام حسين.
على الجانب الآخر، تخطئ الدول العربية إن هي تصورت أن لها مصلحة في التعاون مع الولايات المتحدة لتنفيذ خططها الرامية لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، كما تخطئ إن هي اعتقدت أن السير وراء الولايات المتحدة في هذا الاتجاه سيضمن لها تحجيم طموحات إيران الإقليمية. وبدت دول عربية بعينها، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، كما لو كانت مغلوبة على أمرها حين قامت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، باستدعاء وزراء خارجية هذه الدول للاجتماع بها في الكويت أثناء جولتها الاخيرة في الشرق الأوسط.
غير أن الفحص المدقق لسلوك هذه الدول يشير بوضوح إلى أن مواقفها من أزمة البرنامج النووي الإيراني تحددت في الفترة الاخيرة بالتوازي مع الترويج لتصورات أو افتراضات معينة، منها: 1- أن لدى إيران مشروعاً للهيمنة على المنطقة وإقامة «هلال» بقيادتها يضم الدول العربية ذات الأغلبية الشيعية أو التي يشكل شيعتها أغلبية نسبية. 2- أن هذا المشروع يقوم على أسس طائفية صرفة وموجه أساسا ضد السنة الذين تعتبرهم إيران عدوها الرئيسي في المنطقة. 3- أن موقف إيران، والذي يبدو في ظاهره مناهضاً للمشروع الصهيوني ومؤيداً للقضية الفلسطينية وللحقوق العربية المشروعة، ليس سوى وسيلة لاستغلال وتوظيف الصراع العربي الإسرائيلي لخدمة مشروع «صفوي - فارسي» للهيمنة على المنطقة، وأن الدعم السياسي والمادي الذي تقدمه إيران لدول «الممانعة» العربية ولحركات المقاومة المسلحة مصمم لعرقلة المشاريع الرامية إلى إيجاد تسوية بالوسائل السلمية كي تبقى المنطقة برمتها في حالة عدم استقرار تسمح لايران بتنفيذ مخططاتها في الهيمنة عليها 4- أن برنامج إيران النووي، سلميا كان أم غير سلمي، ليس له ما يبرره ويشكل خطورة على المنطقة.
يتبع