المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علي الصراري: أكذوبة الاستقرار في ظل يمن بلا دولة


حد من الوادي
03-10-2007, 10:12 AM
علي الصراري: أكذوبة الاستقرار في ظل يمن بلا دولة

9/3/2007

علي محمد الصراري

اليمن بلد غير مستقر، والسبب في ذلك، أنه لا يمتلك دولة، تكون الأداة التي يتم من خلالها تحقيق الاستقرار..
القائم في اليمن، هو سلطة تقبض على عناصر القوة المادية والمعنوية في هذا البلد، لكنها لم تنجح في تأكيد وجود الدولة، بل حولتها إلى وهم يتجه نحوه ذوو الحاجات والمطالب، كما يتجه العطاش نحو أنهار وبحيرات السراب..

وفي تقديري أن إثبات ذلك لا يحتاج إلى الخوض في عناء الجدل والمحاججة، فالإثباتات تتوالى كل يوم، وكل لحظة، ولا بأس من عرض واحد منها هنا..
ظهيرة يوم الأربعاء الماضي شهدت معركة حامية الوطيس، جرت وقائعها في منطقة حدة عند الطرف الجنوبي من العاصمة صنعاء، وقد أسفرت المعركة بين طرفين قبليين من آل عواض من جهة ومن سنحان من جهة ثانية عن قتلى وجرحى من الطرفين، ولم تتوقف المواجهة التي دارت في عقر دار السلطة بفعل تدخلها، وإنما بفعل تدخل ثلاث من القبائل اليمنية هي خولان ومراد والحدا، على أساس إعادة الطرفين المتحاربين إلى الاحتكام إلى الأعراف القبلية المتعارف عليها لحسم موضوع النزاع ومعالجة تداعياته..

وقد نشبت معركة يوم الأربعاء الماضي على خلفية خلاف على قطعة أرض بين شخص ينتمي إلى قبيلة آل عواض وآخر قيل بأنه ينتمي إلى قبيلة سنحان، وتطور الخلاف إلى قيام الطرف الثاني قبل أسبوعين تقريباً بمحاولة اختطاف إبن الطرف الأول، وهو في الحادية عشرة من عمره أثناء عودته من المدرسة، وأسفرت المحاولة عن مقتل الطفل وجرح أبيه، ولجوء القاتل ومن معه إلى قبيلة سنحان طلباً لحمايتها، ووفقاً للأعراف القبلية ذهب آل عواض إلى سنحان يطالبونها بتسليم القتلة، وعندما لم يستجب لمطلبهم، أصدروا منشوراً أمهلوا فيه سنحان أسبوعاً لتسليم القتلة، وتوعدوا بأخذ حقهم بعد انقضاء المهلة بالقانون السائد في البلاد، قاصدين بذلك قانون القوة، وليس قانون الدولة، وفعلاً حل يوم الأربعاء الماضي موعد انقضاء المهلة وحدثت المعركة، وسقط القتلى والجرحى، واجتاح الذعر سكان المنطقة التي جرت فيها المواجهة..

وتذكر رواية صادرة عن متتبعين للقضية، أن قوات عسكرية نظامية حاولت التدخل في بداية الأمر لإيقاف المعركة، لكنها ما لبثت أن انسحبت تفادياً لوصف تدخلها بأنه كان لصالح سنحان ضد آل عواض، مفسحة الطريق لتدخل وساطة قبلية محايدة من قبائل خولان ومراد والحدا، فتوقفت المعركة، لكن المشكلة لا تزال قائمة، واحتمال حدوث تداعيات خطيرة لا تزال محتملة، في حالة فشل الوساطة القبلية، وخاصة إذا لم يجر تسليم قتلة الطفل من آل عواض..

مثل هذه الحادثة، وقعت قبل عام تقريباً عندما قام جماعة من سنحان بقتل التاجر الحامدي أمام أطفاله وجمهرة من المواطنين، وما يتعارف الناس على تسميته بالدولة لم تتدخل لإلقاء القبض على القتلة، وتطبيق القانون بحقهم، بل قامت بدور الوسيط، ودفع دية القتيل، الذي رضخ أقاربه مضطرين لأنهم لا يتمتعون بعصبية قوية قادرة على تطبيق قانون القوة السائد، كما هو الحال مع آل عواض..

ترى ماذا سيقول الباحثون عن دور الدولة عندما يتأملون في هذه الوقائع.. إنها متهمة بالانحياز لصالح قبيلة في حالة التدخل، وعندما تنسحب من أداء واجبها فإنها تدلل على أنها ليست دولة، وفي الحالتين يتأكد عدم إلتزامها بتنفيذ القانون، الذي يشكل وظيفتها ومعنى وجودها، وبدونه يقتصر وجودها على مضي السلطة كمشروع خاص، بما هي أداة للغلبة الداخلية، وممارسة السطوة خارج القانون العام، وإنما بمقتضى قانون القوة، الذي يسود في مرحلة ما قبل قيام الدولة..

هذا هو الحال القائم في اليمن، ومعه يكون الحديث عن الاستقرار الداخلي –المشروط دائماً بقيام وقوة دولة القانون- أكذوبة كبرى يثير الضحك والبكاء في آن واحد..
وبمناسبة الحديث عن الإرتباط الشرطي بين الاستقرار وبين دولة القانون، لنا أن نعيد إلى الأذهان الشعار الرئيسي الذي نزل من الحزب الحاكم لخوض الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كما أن الحملة الانتخابية للحزب الحاكم ركزت على أن حصوله على أصوات الناخبين يعني اختيار الأمن والاستقرار..

والواقع، أن الذين اقتنعوا بهذا النوع من الدعاية، إنما أصابهم الذعر مما يمكن أن تفعله القوة جراء نزع غطاء الشرعية عنها، لكنهم في حقيقة الأمر لم يختاروا الأمن والاستقرار، بل وافقوا على استمرار الفوضى الدائمة التي تتخبط فيها البلاد، بفعل حلول المشروع الخاص الراهن للسلطة، محل المشروع الوطني العام للدولة، وشتان بين المشروعين، فالأول يعني تفعيل قانون القوة كوسيلة للغلبة والهيمنة الداخلية، وفي ظله لا أمل لليمنيين في تحقيق الأمن والاستقرار، والثاني يعني تفعيل قوة القانون كوسيلة لتحقيق المواطنة المتساوية وصيانة الحقوق، وفي هذه الحالة فقط يجد الأمل بتحقيق الأمن والاستقرار سبيله إلى أن يغدو واقعاً..

وبعيداً عن واجبات الدولة ووظائفها خرجت سلطة الغلبة الداخلية من الانتخابات الأخيرة لتبدأ مشوار التنصل عن الوعود والالتزامات التي تعهدت بها وعلى رأسها الوعد بتحقيق الأمن والاستقرار، وذهبت بدون مقدمات إلى تفجير حرب داخلية ظالمة، لا تزال تدور رحاها في محافظة صعدة، وتطحن يومياً ضحاياها من الأبرياء، جنوداً ومواطنين، وفي أتونها تدمر الممتلكات وتنتهك الحقوق، وفي المضمار السياسي خرجت السلطة من الانتخابات بمشاريع عديدة لتسميم الأجواء الوطنية وتفجير الأزمات والتوترات، بحثاً عن نصر سياسي ضد المعارضة، التي لا تزال تمثل مشروع الأمل الوحيد للشعب اليمني..
أما اليمن وأهلها، فإن السلطة أوقفتهما تحت طاحونة قانون القوة الغاشمة