حد من الوادي
03-12-2007, 12:38 PM
تسوّل الحياة
عبدالقادر باراس:
أينما امتد بصرنا على اتساع اتجاهاته المترامية لأرضنا، لا نجد إشراقة أمل في الوقت القريب مهما حاولنا عبثاً العثور عليها، حيث سلبت ابتساماتنا وانتزع انتماؤنا لها، ونموت مرات ومرات ونحن أحياء لما نعانيه من جراء ما نتلقاه من جرعات موجعة وبواقع مرير، مراراته قاسية.
فمن التهميش وضياع أبسط مقومات نحتاجها إلى تفشي كافة صور الفساد الذي تحول إلى أسلوب إدارة منظم، أصبحت سحنات وجوهنا بائسة لا لون لها، ويومياتنا تمر بسلسلات درامية من نهب وسطو وتهريب وتزوير ورشاوى، وحسرة شباب متعثر وبطالة مستفحلة تنذر بمستقبل كارثي، وأناس يتسولون الحياة على أرصفة الفقر والعوز والفاقة بأيادٍ مستعطية رغم ما يكمن تحت أقدامهم من ثروات، نسمع من خلالها أنين الجياع واستغاثات وتظلمات.
كل ذلك لم نحرك له ساكنا لأن رمالنا باتت في مكانها دون أن نحركها، ولم نعد ننتج ونصدر سوى البؤس والقهر، فواقعنا يشعرنا بأن أحلامنا لم تعد مجرد كوابيس محلقة بدياجير الظلام، بل تنساق بأحلام يقظة مخيفة ومفزعة.
فكل ما لمسناه ونلمسه لم يتعد الأمر إلا في توزيع كلام نصفه للاستهلاك لدغدغة مشاعرنا في وقت أصم الجميع آذانهم حتى لا يسمعوا، لأن خطباءنا ومنظرينا قد غطوا أعينهم كي لا يروا حقائق الأرض المشحونة بحالة من التذمر الجماعي، ونصفه الآخر سخر للتصدير لطمأنة الرأسمال الاجنبي، وأقاويل تلقى في محافل الورش والندوات والمؤتمرات تدوي في أسماعنا عن دروس ومفاهيم حب الوطن الذي جعلوه كحبة «بندول» نبتلعها بلا ماء، فالوعود ببناء دولة النظام والقانون تلقى حتفها في بيئة العنجهية والتكابر وعدم إنصاف المظلوم وتكريس مظاهر «الكانتونات» لهيمنة القبلية والمناطقية، والكيل بمعيارين لتصبح قماماتنا زاخرة بثقافة الفساد وصور المفسدين القبيحة.
نتابع يومياً مشاهد واقعنا نفسها بالحركة البطيئة فنجد أن حالنا أشبه ما يكون بكرة ثلج.. نعم بكرة ثلج بدأت تلتهب وتتهيأ بالتدحرج لترتطم بأجسادنا المتهالكة. ماذا بقي لنا؟!.. طالما نحن في حاضرنا ومستقبلنا غير قادرين على إظهار نوايانا في إصلاح ما ينبغي إصلاحه، فهل تمسي لغة التسوّل عنواناً لحياتنا؟!
00000000000000000000000000000000000000000000000000 000000000000000000000000
المحطة الأخيـرة .. الطوابير والناس والدولة
علي عمر الهيج:
طوال تلك السنوات العجاف والناس واقفون في الطابور.. طوال ذلك الزمن والمواطن يحلم بتحقيق الأمنيات الجميلة.. فكانت تراوده طموحات البهجة والسرور في أن يحصل على منزل صغير يؤويه هو وعائلته ثم وظيفة محترمة تؤمن له مصدر دخل كريم يحقق له الأمان والستر.
سنوات طويلة خلت وهذا المواطن في طابور النظام يتحرق شوقا لمعانقة هذه الأحلام البسيطة لينعم بالاستقرار والطمأنينة وحماية أطفاله من العراء حيث الرياح والبرد القارس والحاجة والجوع.
ومع مرور الوقت وكهولة طوابير الزمن تجلى لهؤلاء الناس أن الأعشاش التي شيدوها وحلموا بالاستكانة فيها لم تعد قادرة على الصمود والثبات في ظل ذلك المد والسلوك الجارف والفيضانات والزوابع المتلاطمة التي تفتقت لتحاصر وتغلق كل منافذ الأمل والصبر الطويل الموعود.
ورغم الالتزام بالطوابير ذات المرارات المتلاحقة إلا أننا رفعنا راية طوابير الأمل وتفاءلنا، ورغم الأحزان والانكسارات إلا أننا للوطن والخير أنشدنا، وبرغم الحاقدين الخارجين عن الطوابير إلا أننا في صناديق الوطن (طوبرنا) وغردنا وشاركنا.. ورغم الصعاب إلا أننا بالمستقبل الوضاء (طوبرنا) وكم طمحنا وكم تعشمنا. ومع ولائنا للأرض والوطن إلا أن أمنياتنا البسيطة تلك تكسرت وتطايرت أشلاؤها في العراء وراحت الساحة تشتعل مزاحمة وتنافسا بين رجال أشاوش أغرقوا الأرض فساداً وكساداً وحصاداً لكل خيرات الوطن.
تقطعت بنا السبل، فقد يثابر المرء فيهلك وقد يثابر فيتعثر وقد لا يثابر فينجح نجاحا ساحقا وقد يجتهد فيفشل فشلا ذريعا.. فتجلت للناس قوانين صريحة واختلت المعايير خاصة مع تفشي انقلاب فظيع في الفكر والسلوك وحجب الحقيقة ورفع راية الأباطيل. لماذا يحدث هذا؟ هناك فجوة كبيرة بين الدولة والناس، هذه الفجوة لا تسدها جبال الأرض وبحارها ومحيطاتها فالدولة هائمة هائمة، بقصد أو من دون قصد والقانون يذرف الدموع خجلا مهينا كما أنه يرفع الراية البيضاء وينحني إذلالا أمام الأشقياء وقراصنة الفوضى.
مسكين ذلك المواطن الذي تقرحت أقدامه وهو يقف في طابور طويل وطويل مؤمنا بالقانون ومنتظرا لسحابة الغيث التي حوصرت وسط «مربع الأشقياء» بينما المشرعون للسكينة يمرحون وسط التربة الخضراء ويحصدونها أوراقا نصرانية خضراء. مصلحون يشرعون «الاستتباب» فتراهم (يتعاصدون) على «حرف الواو» هل هو للعطف أم للمعية أم للجماعة فترفع الجلسة لاستشارة فقهاء النحو.. بينما الناس يقفون طوابير متزاحمة في الأرصفة والطرقات تتساقط منهم حبات العرق والقلق باحثين عن كوخ خشبي ورغيف قاسٍ وغطاء بليد.
عبدالقادر باراس:
أينما امتد بصرنا على اتساع اتجاهاته المترامية لأرضنا، لا نجد إشراقة أمل في الوقت القريب مهما حاولنا عبثاً العثور عليها، حيث سلبت ابتساماتنا وانتزع انتماؤنا لها، ونموت مرات ومرات ونحن أحياء لما نعانيه من جراء ما نتلقاه من جرعات موجعة وبواقع مرير، مراراته قاسية.
فمن التهميش وضياع أبسط مقومات نحتاجها إلى تفشي كافة صور الفساد الذي تحول إلى أسلوب إدارة منظم، أصبحت سحنات وجوهنا بائسة لا لون لها، ويومياتنا تمر بسلسلات درامية من نهب وسطو وتهريب وتزوير ورشاوى، وحسرة شباب متعثر وبطالة مستفحلة تنذر بمستقبل كارثي، وأناس يتسولون الحياة على أرصفة الفقر والعوز والفاقة بأيادٍ مستعطية رغم ما يكمن تحت أقدامهم من ثروات، نسمع من خلالها أنين الجياع واستغاثات وتظلمات.
كل ذلك لم نحرك له ساكنا لأن رمالنا باتت في مكانها دون أن نحركها، ولم نعد ننتج ونصدر سوى البؤس والقهر، فواقعنا يشعرنا بأن أحلامنا لم تعد مجرد كوابيس محلقة بدياجير الظلام، بل تنساق بأحلام يقظة مخيفة ومفزعة.
فكل ما لمسناه ونلمسه لم يتعد الأمر إلا في توزيع كلام نصفه للاستهلاك لدغدغة مشاعرنا في وقت أصم الجميع آذانهم حتى لا يسمعوا، لأن خطباءنا ومنظرينا قد غطوا أعينهم كي لا يروا حقائق الأرض المشحونة بحالة من التذمر الجماعي، ونصفه الآخر سخر للتصدير لطمأنة الرأسمال الاجنبي، وأقاويل تلقى في محافل الورش والندوات والمؤتمرات تدوي في أسماعنا عن دروس ومفاهيم حب الوطن الذي جعلوه كحبة «بندول» نبتلعها بلا ماء، فالوعود ببناء دولة النظام والقانون تلقى حتفها في بيئة العنجهية والتكابر وعدم إنصاف المظلوم وتكريس مظاهر «الكانتونات» لهيمنة القبلية والمناطقية، والكيل بمعيارين لتصبح قماماتنا زاخرة بثقافة الفساد وصور المفسدين القبيحة.
نتابع يومياً مشاهد واقعنا نفسها بالحركة البطيئة فنجد أن حالنا أشبه ما يكون بكرة ثلج.. نعم بكرة ثلج بدأت تلتهب وتتهيأ بالتدحرج لترتطم بأجسادنا المتهالكة. ماذا بقي لنا؟!.. طالما نحن في حاضرنا ومستقبلنا غير قادرين على إظهار نوايانا في إصلاح ما ينبغي إصلاحه، فهل تمسي لغة التسوّل عنواناً لحياتنا؟!
00000000000000000000000000000000000000000000000000 000000000000000000000000
المحطة الأخيـرة .. الطوابير والناس والدولة
علي عمر الهيج:
طوال تلك السنوات العجاف والناس واقفون في الطابور.. طوال ذلك الزمن والمواطن يحلم بتحقيق الأمنيات الجميلة.. فكانت تراوده طموحات البهجة والسرور في أن يحصل على منزل صغير يؤويه هو وعائلته ثم وظيفة محترمة تؤمن له مصدر دخل كريم يحقق له الأمان والستر.
سنوات طويلة خلت وهذا المواطن في طابور النظام يتحرق شوقا لمعانقة هذه الأحلام البسيطة لينعم بالاستقرار والطمأنينة وحماية أطفاله من العراء حيث الرياح والبرد القارس والحاجة والجوع.
ومع مرور الوقت وكهولة طوابير الزمن تجلى لهؤلاء الناس أن الأعشاش التي شيدوها وحلموا بالاستكانة فيها لم تعد قادرة على الصمود والثبات في ظل ذلك المد والسلوك الجارف والفيضانات والزوابع المتلاطمة التي تفتقت لتحاصر وتغلق كل منافذ الأمل والصبر الطويل الموعود.
ورغم الالتزام بالطوابير ذات المرارات المتلاحقة إلا أننا رفعنا راية طوابير الأمل وتفاءلنا، ورغم الأحزان والانكسارات إلا أننا للوطن والخير أنشدنا، وبرغم الحاقدين الخارجين عن الطوابير إلا أننا في صناديق الوطن (طوبرنا) وغردنا وشاركنا.. ورغم الصعاب إلا أننا بالمستقبل الوضاء (طوبرنا) وكم طمحنا وكم تعشمنا. ومع ولائنا للأرض والوطن إلا أن أمنياتنا البسيطة تلك تكسرت وتطايرت أشلاؤها في العراء وراحت الساحة تشتعل مزاحمة وتنافسا بين رجال أشاوش أغرقوا الأرض فساداً وكساداً وحصاداً لكل خيرات الوطن.
تقطعت بنا السبل، فقد يثابر المرء فيهلك وقد يثابر فيتعثر وقد لا يثابر فينجح نجاحا ساحقا وقد يجتهد فيفشل فشلا ذريعا.. فتجلت للناس قوانين صريحة واختلت المعايير خاصة مع تفشي انقلاب فظيع في الفكر والسلوك وحجب الحقيقة ورفع راية الأباطيل. لماذا يحدث هذا؟ هناك فجوة كبيرة بين الدولة والناس، هذه الفجوة لا تسدها جبال الأرض وبحارها ومحيطاتها فالدولة هائمة هائمة، بقصد أو من دون قصد والقانون يذرف الدموع خجلا مهينا كما أنه يرفع الراية البيضاء وينحني إذلالا أمام الأشقياء وقراصنة الفوضى.
مسكين ذلك المواطن الذي تقرحت أقدامه وهو يقف في طابور طويل وطويل مؤمنا بالقانون ومنتظرا لسحابة الغيث التي حوصرت وسط «مربع الأشقياء» بينما المشرعون للسكينة يمرحون وسط التربة الخضراء ويحصدونها أوراقا نصرانية خضراء. مصلحون يشرعون «الاستتباب» فتراهم (يتعاصدون) على «حرف الواو» هل هو للعطف أم للمعية أم للجماعة فترفع الجلسة لاستشارة فقهاء النحو.. بينما الناس يقفون طوابير متزاحمة في الأرصفة والطرقات تتساقط منهم حبات العرق والقلق باحثين عن كوخ خشبي ورغيف قاسٍ وغطاء بليد.