طارق باصديق
03-30-2007, 09:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
شبهات وردود عن حكم المولد النبوي
منقول عن ** الشيخ عادل بن علي بن أحمد الفريدان **
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))[آل عمران:102].
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا))[النساء:1].
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا))[الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد: فإن الله أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا، وأمرنا جل ثناؤه بالتمسك بهذا الحديث حتى الممات، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))[آل عمران:102].
وقال تعالى: ((وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))[البقرة:132].
وبين الله تعالى الحكمة من خلق الإنس والجن فقال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:56].
وفي ذلك شرف لهم وسعادة لهم في الدارين والفائدة من هذه العبادة إنما هو راجعة لهم، فمن أبى أن يعبد الله؛ فهو مستكبر، ومن عبد الله وعبد معه غيره؛ فهو مشرك، ومن عبد الله وحده بغير ما شرع؛ فهو مبتدع، ومن عبد الله وحده بما شرع؛ فهو المؤمن الموحد.
ولما كان العباد في ضرورة إلى العبادة ولا يمكن أن يعرفوا بأنفسهم حقيقتها التي ترضى الله سبحانه وتعالى وتوافق دينه؛ لم يكلهم إلى أنفسهم بل أرسل إليهم الرسل، وأنزل إليهم الكتب؛ لبيان حقيقة تلك العبادة كما قال تعالى: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ))[النحل:36].
وقال: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ))[الأنبياء:25].
فمن حاد عما بينته الرسل ونزلت به الكتب من عبادة الله، وعبد الله بما يملي عليه ذوقه، وما تهواه نفسه، وما زينته له الشياطين الأنس والجن؛ فقد ضل عن سبيل الله، ولم تكن عبادته في الحقيقة عبادة الله، بل هي عبادة هواه، كما قال تعالى: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ))[القصص:50].
وهذا الجنس كثير في البشر وفي طليعتهم النصارى، ومن ضل من فرق هذه الأمة كالصوفية، فإنهم اختطوا لأنفسهم خطة في العبادة مخالفة لما شرعه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.. ويتضح هذا ببيان حقيقة العبادة التي أمر الله بها وحقيقة ما عليه الصوفية اليوم من انحرافات عن حقيقة تلك العبادة.
فالعبادة التي شرعها الله سبحانه وتعالى تنبني على أصول وأسس ثابتة تتلخص في الآتي:
أولاً: أنها توقيفية -بمعنى أنه لا مجال للرأي فيها، بل لا بد أن يكون المشرع لها هو الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى لنبيه: ((فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا))[هود:112].
وقال تعالى: ((ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ))[الجاثية:18].
وقال عن نبيه: ((إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ))[الأحقاف:9].
ثانياً: لا بد أن تكون العبادة خالصة لله تعالى من شوائب الشرك كما قال تعالى: ((فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا))[الكهف:110].
فإن خالط العبادة شيء من الشرك أبطلها كما قال تعالى: ((وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))[الأنعام:88] وقال تعالى: ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ))[الزمر:65-66].
ثالثاً: لا بد أن يكون القدوة في العبادة والمبين لها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ))[الأحزاب:21] وقال تعالى: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا))[الحشر:7] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}، وفي رواية: {من أحدث في أرنا هذا ما ليس منه فهو رد} وقوله صلى الله عليه وسلم: {صلوا كما رأيتموني أصلي} وقوله صلى الله عليه وسلم: {خذوا عني مناسككم} إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.
رابعاً: أن العبادة محددة بمواقيت ومقادير لا يجوز تعديها وتجاوزها كالصلاة مثلاً، قال تعالى: ((إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا))[النساء:103].
وكالحج، قال تعالى: ((الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ))[البقرة:197] وكالصيام، قال تعالى: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)) [البقرة:185].
خامساً: لا بد أن تكون العبادة قائمة على محبة الله تعالى والذل له والخوف منه ورجائه، قال تعالى: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ))[الإسراء:57] وقال تعالى عن أنبيائه: ((إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ))[الأنبياء:90] وقال تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ))[آل عمران:31-32] فذكر سبحانه علامات محبة الله وثمراتها، أما أعلاها فاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وطاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأما ثمراتها فنيل محبة الله سبحانه ومغفرة الذنوب والرحمة منه سبحانه.
سادساً: أن العبادة لا تسقط عن المكلف من بلوغه عاقلاً إلى وفاته، قال تعالى: ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ))[الحجر:99] تلكم الأمور الستة هي ضوابط العبادة الصحيحة التي شرعها الله سبحانه وتعالى، وأمر بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يبلغها للناس أجمع، وأما حقيقة الصوفية وما هم عليه اليوم من انحرافات عن حقيقة العبادة الصحيحة... فذكر ذلك يطول جداً، وليس مكانه هنا، وإنما هو في تلك المؤلفات المطولة التي تصدت لها وكشفت زيغها.
وإنما نحن بصدد وقفات مع من يسمى: بالحبيب علي الجفري (الصوفي) الذي تكلم عن المولد النبوي في شريط مسموع في آخره بعنوان (مقاصد المؤمنة وقدوتها في الحياة) وقد ذكر عدة مسائل تتعلق بالمولد النبوي انتهى في آخره بأن عمل المولد النبوي وما يحصل فيه إنما هو سنة مؤكدة وليس ببدعة، واستدل على قوله هذا بأمور نذكرها إن شاء الله تعالى، وسأورد كلامه نصاً كما قال بألفاظه، وسأقف مع كل مسألة منها مبيناً بطلان ما ذهب إليه مستعيناً بالله وحده لا شريك له وبنصوص القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية الشريفة، وما أجمع عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان من الأئمة الأعلام، وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يرينا الحق حقاً وأن يرزقنا اجتنابه ولا يجعله ملتبساً علينا فنضل، وأن لا يجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا إنه رؤوف رحيم.
قال الجفري: [المولد سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو سنة مؤكدة، لا نقول: مباح بل سنة مؤكدة].
ونقول: السنة ما سنه الرسول صلى الله عليه وسلم أو سنه أحد الخلفاء الراشدين لقوله صلى الله عليه وسلم: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين... الحديث} المهديين هم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، أما ما سوى ذلك فهو من المحدثات التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبر أنها شر وضلاله. ومن ذلك المولد. فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ولم يفعله ولم يأمر به أحد من الخلفاء الراشدين، ولم يفعله أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا التابعين ولا تابعيهم بإحسان، وعلى هذا فهو بدعة وضلالة يجب ردها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} أي: مردود على صاحبه كائناً من كان. روى ابن حبيب عن ابن الماجشون قال: سمعت مالكاً رحمه الله يقول: (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة؛ فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ))[المائدة:3] فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً).
ويلزم على القول بأن الاحتفال بالمولد سنة مؤكدة ثلاثة لوازم سيئة:
أولاً: أن يكون الاحتفال بالمولد، هو الدين الذي أكمله الله لعباده ورضيه لهم. وهذا معلوم البطلان بالضرورة؛ لأن الله تعالى لم يأمر عباده بالاحتفال بالمولد، ولم يأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله، ولم يفعله أحد من الخلفاء الراشدين، ولا غيرهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، بل لم يكن معروفاً عند المسلمين إلى أن مضى عليهم نحو ستمائة سنة، فحينئذ ابتدعه سلطان إربل، وصار له ذكر عند الناس.وعلى هذا فمن زعم أن الاحتفال بالمولد من الدين فقد قال على الله وعلى كتابه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم، والله تعالى يقول: ((قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ))[الأعراف:33] وقال صلى الله عليه وسلم: {من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}.
ثانياً: من اللوازم السيئة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، قد تركوا العمل بسنة مؤكدة، وهذا مما ينزه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
ثالثاً: من اللوازم السيئة أن يكون المحتفلون بالمولد قد حصل لهم العمل بسنة مؤكدة لم تحصل للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا لأصحابه رضي الله عنهم، وهذا لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل ودين.
رابعاً: ظاهر جداً من كلام الجفري أنه لا يعرف مصطلحات أهل العلم، فهو يهرف بما لا يعرف، فقوله عن المولد: سنة مؤكدة فالسنة المؤكدة عند أهل العلم هي التي عملها الرسول صلى الله عليه وسلم وداوم عليها، فهل يقول الجفري وأمثاله أن الرسول صلى الله عليه وسلم عمل المولد وداوم عليه؟!
قال الجفري: [ما هو المولد؟ عبارة عن فرح لله ورسوله. ما حكم الفرح في الله ورسوله؟ قال تعالى: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)) [يونس:58] الله أمرنا بالفرح وذكر أهل التفسير فضل الله وفضل رسوله صلى الله عليه وسلم].
ونقول: تفسير الآية بما فسره به الجفري من قبيل تفسير كلام الله تعالى على ما لم يفسره به السلف الصالح، والذي ينبغي أن تفسر به الآية هو ما فسره الأئمة الأعلام، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: (أي بهذا جاءهم من الله من الهدى ودين الحق، فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به) ولا يوجد في كلام السلف تفسير الآية بما فسربه الجفري.
ثانياً: لم يأمر الله تعالى عباده أن يخصوا ليلة المولد بالفرح والاحتفال، وإنما أمرهم أن يفرحوا بما أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، ويدل على ذلك الآية التي قبلها قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)) [يونس:57] ثم قال تعالى: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)) [يونس:58].
وفضل الله هو الإسلام ورحمته القرآن، وقيل العكس، وكلاهما من فضل الله ورحمته، وبهذا فسرها ابن عباس وأبو سعيد الخدري وزيد بن أسلم والضحاك ومجاهد وقتادة.
ثالثاً: أن رحمة الناس لم تكن بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كانت ببعثه وإرساله إليهم قال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ))[الأنبياء:107] ولم تتعرض الآية لولادته صلى الله عليه وسلم.
ومن السنة ففي صحيح الإمام مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة}.
وروى الإمام أحمد وأبو داود بإسناد حسن عن سلمان رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: {أيما رجل من أمتي سببته سبة أو لعنته لعنة في غضبي؛ فإنما أنا من بني أدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة}.
قال الجفري: [الاحتفال بمناسبة النبي صلى الله عليه وسلم سنة، جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما سأل: ماذا تقول عن صوم فلان يوم الإثنين. قال: هو يوم ولدت فيه] اسمع. قبل أن يأتيك كلام المدللين الذين قالوا: إن الاحتفال بالصيام ما كان في المولد].
ونقول:
أولاً: لفظ الحديث كالآتي: عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الإثنين؟ فقال: {فيه ولدت. وفيه أنزل عليَّ}.
ثانياً: يقال: إذا كان المراد من إقامة المولد هو شكر الله تعالى على نعمة ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، فإن المعقول والمنقول يحتم أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول صلى الله عليه وسلم ربه به وهو الصوم، وعليه فلنصم كما صام صلى الله عليه وسلم. وإذا سئلنا، قلنا: إنه يوم ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فنحن نصومه شكراً لله تعالى، غير أن أرباب الموالد لا يصومونه، بل الصيام فيه مقاومة للنفس بحرمانها من لذة الطعام والشراب، وهم لا يريدون ذلك، فتعارض الغرضان فآثروا ما يحبون على ما يحب الله تعالى.
ثالثاً: من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول _ إن صح _ وإنما صام يوم الإثنين الذي يتكرر مجيئه كل شهر أربع مرات أو أكثر، وبناء على هذه فتخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول بعمل ما دون يوم الإثنين من كل أسبوع يعتبر استدراكاً على الشارع، وتصحيحاً لعمله، وما أقبح هذا -إن كان- والعياذ بالله تعالى.
رابعاً: هل النبي صلى الله عليه وسلم لما صام يوم الإثنين شكراً على نعمة الإيجاد والإمداد وهو تكريمه ببعثته للناس كافة بشيراً ونذيراً إضافة إلى الصيام احتفالاً، كاحتفال أرباب الموالد من تجمعات، ومدائح وأنغام، وطعام وشراب؟
والجواب: لا، وإنما اكتفى بالصيام فقط، إذا ألا يكفي الأمة ما كفى نبيها محمد صلى الله عليه وسلم ويسعها ما وسعه صلى الله عليه وسلم؟ وهل يقدر عاقل أن يقول: لا؟ وإذا فلم الأفتيات على الشارع والتقدم بالزيادة عليه، والله تعالى يقول: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا))[الحشر:7] ويقول جل ذكره: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))[الحجرات:1] ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة} ويقول عليه الصلاة والسلام: {إن الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وحد لكم حدوداً فلا تعتدوها، ونهاكم عن أشياء من غير نسيان فلا تتكلفوها رحمه من ربكم فاقبلوها} وهذا لفظ الدارقطني في سننه.
قال الجفري: [انتظر، فكرة المولد مسألة ذات شقين: الشق الأول: فكرة الاحتفال بمولد النبي هل يحتفى بها أو لا؟ هل هي محل استحسان في الشريعة أو لا؟ الشق الثاني: ما يدور داخل المولد.
أولاً: الاحتفال بالمولد: الفكرة لها مشروعيتها قال صلى الله عليه وسلم: {هو يوم ولدت فيه} ليس فقط نحن نحتفل به، الكائنات كلها تحتفل بالمولد]
ونقول: تقدم قريباً للرد على هذا الاستدلال وبينت ما فيه من الخطأ مما يغني عن إعادته مرة أخرى هنا.
ثم قال الجفري: (الجهلة مطموسي البصيرة يقولون أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه ميزة، لكن الميزة في بعثته، هؤلاء لم يفقهوا عن الله، فأقول لهم: بالله عليكم ملك كسرى سقط في ليلة الولادة أم البعثة، النار التي اطفأت وكانت تعبد من دون الله أطفأت يوم الولادة أو البعثة؟ الأصنام التي اكفأت على وجوهها ليلة البعثة أو الولادة؟ المظاهر في الكون التي اهتزت كلها بعد أن بزغ صلى الله عليه وسلم لم تحصل إلا لتكون لصالح يوم الولادة).
ونقول: ما ذكره الجفري قد ذكر بعض أهل العلم منهم ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية وذكره غيره. وحدوث هذه الأمور لا يدل إطلاقاً على مشروعية إقامة المولد فلا صلة بينهما، ويقال أيضاً: هل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا عالمين بما حدث عند مولده صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فإن كانوا عالمين _ ولا أظن الجفري _ يقول: غير عالمين -فلماذا لم يقيموا المولد المبدع الذي عليه الجفري وأتباعه، أترى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عالماً بالفضل المترتب على ذلك أم يقال: إن الصحابة لم يعرفوا قدر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقيموا له مولداً تكريماً له صلى الله عليه وسلم؟! إن ما دعاه الجفري من الربط بين المولد وتغير بعض الأحوال الكونية والحوادث الأرضية ثم الاستدلال بذلك بمشروعية إقامة المولد لا يصح الاستدلال به أبداً.
قال الجفري: (وبعد ذلك، هل بلغت هذه الأمة من التردي والجدوى من الإساءة في معاملتها للنبي صلى الله عليه وسلم أنها تتساءل هل يستحق أن نفرح بولادته صلى الله عليه وسلم أو لا نفرح؟ ما هذا التدين الذي وصلت إليه الأمة، هذه منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا حتى نرى هل يستحق أو لا يستحق أن نفرح بولادته؟ ماهذا الكلام؟).
ونقول: إن الجفري -هداه الله- يريد منا أن نشرع شرعاً لم يأمر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم عن طريق تحريك مشاعرنا تجاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقرر سابقاً أن المشرع هو الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لا بالذوق والعاطفة.
ثم إن كنا قد أسأنا كما زعم الجفري للنبي صلى الله عليه وسلم فإن الصحابة والتابعين وتابع التابعين قد أساءوا أيضا للنبي صلى الله عليه وسلم بعدم إقامة المولد، فهل يقول بذلك الجفري؟!
وكذلك نقول: إن الأمة لم تتدن بسبب تركها لإقامة الموالد وإنما تدنت عندما نشأ فيها من لا يعرف دين الإسلام بالأدلة أمثال الجفري وأتباع الصوفية الذين يشرعون للناس أموراً ما أنزل الله بها من سلطان، ويتركون هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وهدي الخلفاء الراشدين من بعده رضي الله عنهم وحقيقة الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم هو اتهامه صلى الله عليه وسلم بأنه لم يبلغ عن ربه عز وجل شيئاً أوحاه إليه، بل هذه هي حقيقة نسب الخيانة لجنابه صلى الله عليه وسلم -وينزه عنها- إن إحداث شيء في الدين ومنها إقامة الموالد لهو دليل واضح على اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هو لم يقم هذا المولد ولا صحابته من بعده... حتى جاء الجفري ومن قبله ومن بعده من يقول أن عدم إقامة الموالد إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، فأيهما أولى بالإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من شرع ديناً لم يشرعه الله ورسوله أم من اقتفى أثره واتبع سبيله فلم يحدث شيئاً في دين الله.
يتبع................
شبهات وردود عن حكم المولد النبوي
منقول عن ** الشيخ عادل بن علي بن أحمد الفريدان **
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))[آل عمران:102].
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا))[النساء:1].
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا))[الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد: فإن الله أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا، وأمرنا جل ثناؤه بالتمسك بهذا الحديث حتى الممات، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))[آل عمران:102].
وقال تعالى: ((وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))[البقرة:132].
وبين الله تعالى الحكمة من خلق الإنس والجن فقال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:56].
وفي ذلك شرف لهم وسعادة لهم في الدارين والفائدة من هذه العبادة إنما هو راجعة لهم، فمن أبى أن يعبد الله؛ فهو مستكبر، ومن عبد الله وعبد معه غيره؛ فهو مشرك، ومن عبد الله وحده بغير ما شرع؛ فهو مبتدع، ومن عبد الله وحده بما شرع؛ فهو المؤمن الموحد.
ولما كان العباد في ضرورة إلى العبادة ولا يمكن أن يعرفوا بأنفسهم حقيقتها التي ترضى الله سبحانه وتعالى وتوافق دينه؛ لم يكلهم إلى أنفسهم بل أرسل إليهم الرسل، وأنزل إليهم الكتب؛ لبيان حقيقة تلك العبادة كما قال تعالى: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ))[النحل:36].
وقال: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ))[الأنبياء:25].
فمن حاد عما بينته الرسل ونزلت به الكتب من عبادة الله، وعبد الله بما يملي عليه ذوقه، وما تهواه نفسه، وما زينته له الشياطين الأنس والجن؛ فقد ضل عن سبيل الله، ولم تكن عبادته في الحقيقة عبادة الله، بل هي عبادة هواه، كما قال تعالى: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ))[القصص:50].
وهذا الجنس كثير في البشر وفي طليعتهم النصارى، ومن ضل من فرق هذه الأمة كالصوفية، فإنهم اختطوا لأنفسهم خطة في العبادة مخالفة لما شرعه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.. ويتضح هذا ببيان حقيقة العبادة التي أمر الله بها وحقيقة ما عليه الصوفية اليوم من انحرافات عن حقيقة تلك العبادة.
فالعبادة التي شرعها الله سبحانه وتعالى تنبني على أصول وأسس ثابتة تتلخص في الآتي:
أولاً: أنها توقيفية -بمعنى أنه لا مجال للرأي فيها، بل لا بد أن يكون المشرع لها هو الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى لنبيه: ((فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا))[هود:112].
وقال تعالى: ((ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ))[الجاثية:18].
وقال عن نبيه: ((إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ))[الأحقاف:9].
ثانياً: لا بد أن تكون العبادة خالصة لله تعالى من شوائب الشرك كما قال تعالى: ((فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا))[الكهف:110].
فإن خالط العبادة شيء من الشرك أبطلها كما قال تعالى: ((وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))[الأنعام:88] وقال تعالى: ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ))[الزمر:65-66].
ثالثاً: لا بد أن يكون القدوة في العبادة والمبين لها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ))[الأحزاب:21] وقال تعالى: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا))[الحشر:7] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}، وفي رواية: {من أحدث في أرنا هذا ما ليس منه فهو رد} وقوله صلى الله عليه وسلم: {صلوا كما رأيتموني أصلي} وقوله صلى الله عليه وسلم: {خذوا عني مناسككم} إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.
رابعاً: أن العبادة محددة بمواقيت ومقادير لا يجوز تعديها وتجاوزها كالصلاة مثلاً، قال تعالى: ((إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا))[النساء:103].
وكالحج، قال تعالى: ((الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ))[البقرة:197] وكالصيام، قال تعالى: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)) [البقرة:185].
خامساً: لا بد أن تكون العبادة قائمة على محبة الله تعالى والذل له والخوف منه ورجائه، قال تعالى: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ))[الإسراء:57] وقال تعالى عن أنبيائه: ((إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ))[الأنبياء:90] وقال تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ))[آل عمران:31-32] فذكر سبحانه علامات محبة الله وثمراتها، أما أعلاها فاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وطاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأما ثمراتها فنيل محبة الله سبحانه ومغفرة الذنوب والرحمة منه سبحانه.
سادساً: أن العبادة لا تسقط عن المكلف من بلوغه عاقلاً إلى وفاته، قال تعالى: ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ))[الحجر:99] تلكم الأمور الستة هي ضوابط العبادة الصحيحة التي شرعها الله سبحانه وتعالى، وأمر بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يبلغها للناس أجمع، وأما حقيقة الصوفية وما هم عليه اليوم من انحرافات عن حقيقة العبادة الصحيحة... فذكر ذلك يطول جداً، وليس مكانه هنا، وإنما هو في تلك المؤلفات المطولة التي تصدت لها وكشفت زيغها.
وإنما نحن بصدد وقفات مع من يسمى: بالحبيب علي الجفري (الصوفي) الذي تكلم عن المولد النبوي في شريط مسموع في آخره بعنوان (مقاصد المؤمنة وقدوتها في الحياة) وقد ذكر عدة مسائل تتعلق بالمولد النبوي انتهى في آخره بأن عمل المولد النبوي وما يحصل فيه إنما هو سنة مؤكدة وليس ببدعة، واستدل على قوله هذا بأمور نذكرها إن شاء الله تعالى، وسأورد كلامه نصاً كما قال بألفاظه، وسأقف مع كل مسألة منها مبيناً بطلان ما ذهب إليه مستعيناً بالله وحده لا شريك له وبنصوص القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية الشريفة، وما أجمع عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان من الأئمة الأعلام، وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يرينا الحق حقاً وأن يرزقنا اجتنابه ولا يجعله ملتبساً علينا فنضل، وأن لا يجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا إنه رؤوف رحيم.
قال الجفري: [المولد سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو سنة مؤكدة، لا نقول: مباح بل سنة مؤكدة].
ونقول: السنة ما سنه الرسول صلى الله عليه وسلم أو سنه أحد الخلفاء الراشدين لقوله صلى الله عليه وسلم: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين... الحديث} المهديين هم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، أما ما سوى ذلك فهو من المحدثات التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبر أنها شر وضلاله. ومن ذلك المولد. فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ولم يفعله ولم يأمر به أحد من الخلفاء الراشدين، ولم يفعله أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا التابعين ولا تابعيهم بإحسان، وعلى هذا فهو بدعة وضلالة يجب ردها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} أي: مردود على صاحبه كائناً من كان. روى ابن حبيب عن ابن الماجشون قال: سمعت مالكاً رحمه الله يقول: (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة؛ فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ))[المائدة:3] فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً).
ويلزم على القول بأن الاحتفال بالمولد سنة مؤكدة ثلاثة لوازم سيئة:
أولاً: أن يكون الاحتفال بالمولد، هو الدين الذي أكمله الله لعباده ورضيه لهم. وهذا معلوم البطلان بالضرورة؛ لأن الله تعالى لم يأمر عباده بالاحتفال بالمولد، ولم يأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله، ولم يفعله أحد من الخلفاء الراشدين، ولا غيرهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، بل لم يكن معروفاً عند المسلمين إلى أن مضى عليهم نحو ستمائة سنة، فحينئذ ابتدعه سلطان إربل، وصار له ذكر عند الناس.وعلى هذا فمن زعم أن الاحتفال بالمولد من الدين فقد قال على الله وعلى كتابه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم، والله تعالى يقول: ((قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ))[الأعراف:33] وقال صلى الله عليه وسلم: {من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}.
ثانياً: من اللوازم السيئة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، قد تركوا العمل بسنة مؤكدة، وهذا مما ينزه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
ثالثاً: من اللوازم السيئة أن يكون المحتفلون بالمولد قد حصل لهم العمل بسنة مؤكدة لم تحصل للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا لأصحابه رضي الله عنهم، وهذا لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل ودين.
رابعاً: ظاهر جداً من كلام الجفري أنه لا يعرف مصطلحات أهل العلم، فهو يهرف بما لا يعرف، فقوله عن المولد: سنة مؤكدة فالسنة المؤكدة عند أهل العلم هي التي عملها الرسول صلى الله عليه وسلم وداوم عليها، فهل يقول الجفري وأمثاله أن الرسول صلى الله عليه وسلم عمل المولد وداوم عليه؟!
قال الجفري: [ما هو المولد؟ عبارة عن فرح لله ورسوله. ما حكم الفرح في الله ورسوله؟ قال تعالى: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)) [يونس:58] الله أمرنا بالفرح وذكر أهل التفسير فضل الله وفضل رسوله صلى الله عليه وسلم].
ونقول: تفسير الآية بما فسره به الجفري من قبيل تفسير كلام الله تعالى على ما لم يفسره به السلف الصالح، والذي ينبغي أن تفسر به الآية هو ما فسره الأئمة الأعلام، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: (أي بهذا جاءهم من الله من الهدى ودين الحق، فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به) ولا يوجد في كلام السلف تفسير الآية بما فسربه الجفري.
ثانياً: لم يأمر الله تعالى عباده أن يخصوا ليلة المولد بالفرح والاحتفال، وإنما أمرهم أن يفرحوا بما أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، ويدل على ذلك الآية التي قبلها قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)) [يونس:57] ثم قال تعالى: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)) [يونس:58].
وفضل الله هو الإسلام ورحمته القرآن، وقيل العكس، وكلاهما من فضل الله ورحمته، وبهذا فسرها ابن عباس وأبو سعيد الخدري وزيد بن أسلم والضحاك ومجاهد وقتادة.
ثالثاً: أن رحمة الناس لم تكن بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كانت ببعثه وإرساله إليهم قال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ))[الأنبياء:107] ولم تتعرض الآية لولادته صلى الله عليه وسلم.
ومن السنة ففي صحيح الإمام مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة}.
وروى الإمام أحمد وأبو داود بإسناد حسن عن سلمان رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: {أيما رجل من أمتي سببته سبة أو لعنته لعنة في غضبي؛ فإنما أنا من بني أدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة}.
قال الجفري: [الاحتفال بمناسبة النبي صلى الله عليه وسلم سنة، جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما سأل: ماذا تقول عن صوم فلان يوم الإثنين. قال: هو يوم ولدت فيه] اسمع. قبل أن يأتيك كلام المدللين الذين قالوا: إن الاحتفال بالصيام ما كان في المولد].
ونقول:
أولاً: لفظ الحديث كالآتي: عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الإثنين؟ فقال: {فيه ولدت. وفيه أنزل عليَّ}.
ثانياً: يقال: إذا كان المراد من إقامة المولد هو شكر الله تعالى على نعمة ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، فإن المعقول والمنقول يحتم أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول صلى الله عليه وسلم ربه به وهو الصوم، وعليه فلنصم كما صام صلى الله عليه وسلم. وإذا سئلنا، قلنا: إنه يوم ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فنحن نصومه شكراً لله تعالى، غير أن أرباب الموالد لا يصومونه، بل الصيام فيه مقاومة للنفس بحرمانها من لذة الطعام والشراب، وهم لا يريدون ذلك، فتعارض الغرضان فآثروا ما يحبون على ما يحب الله تعالى.
ثالثاً: من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول _ إن صح _ وإنما صام يوم الإثنين الذي يتكرر مجيئه كل شهر أربع مرات أو أكثر، وبناء على هذه فتخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول بعمل ما دون يوم الإثنين من كل أسبوع يعتبر استدراكاً على الشارع، وتصحيحاً لعمله، وما أقبح هذا -إن كان- والعياذ بالله تعالى.
رابعاً: هل النبي صلى الله عليه وسلم لما صام يوم الإثنين شكراً على نعمة الإيجاد والإمداد وهو تكريمه ببعثته للناس كافة بشيراً ونذيراً إضافة إلى الصيام احتفالاً، كاحتفال أرباب الموالد من تجمعات، ومدائح وأنغام، وطعام وشراب؟
والجواب: لا، وإنما اكتفى بالصيام فقط، إذا ألا يكفي الأمة ما كفى نبيها محمد صلى الله عليه وسلم ويسعها ما وسعه صلى الله عليه وسلم؟ وهل يقدر عاقل أن يقول: لا؟ وإذا فلم الأفتيات على الشارع والتقدم بالزيادة عليه، والله تعالى يقول: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا))[الحشر:7] ويقول جل ذكره: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))[الحجرات:1] ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة} ويقول عليه الصلاة والسلام: {إن الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وحد لكم حدوداً فلا تعتدوها، ونهاكم عن أشياء من غير نسيان فلا تتكلفوها رحمه من ربكم فاقبلوها} وهذا لفظ الدارقطني في سننه.
قال الجفري: [انتظر، فكرة المولد مسألة ذات شقين: الشق الأول: فكرة الاحتفال بمولد النبي هل يحتفى بها أو لا؟ هل هي محل استحسان في الشريعة أو لا؟ الشق الثاني: ما يدور داخل المولد.
أولاً: الاحتفال بالمولد: الفكرة لها مشروعيتها قال صلى الله عليه وسلم: {هو يوم ولدت فيه} ليس فقط نحن نحتفل به، الكائنات كلها تحتفل بالمولد]
ونقول: تقدم قريباً للرد على هذا الاستدلال وبينت ما فيه من الخطأ مما يغني عن إعادته مرة أخرى هنا.
ثم قال الجفري: (الجهلة مطموسي البصيرة يقولون أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه ميزة، لكن الميزة في بعثته، هؤلاء لم يفقهوا عن الله، فأقول لهم: بالله عليكم ملك كسرى سقط في ليلة الولادة أم البعثة، النار التي اطفأت وكانت تعبد من دون الله أطفأت يوم الولادة أو البعثة؟ الأصنام التي اكفأت على وجوهها ليلة البعثة أو الولادة؟ المظاهر في الكون التي اهتزت كلها بعد أن بزغ صلى الله عليه وسلم لم تحصل إلا لتكون لصالح يوم الولادة).
ونقول: ما ذكره الجفري قد ذكر بعض أهل العلم منهم ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية وذكره غيره. وحدوث هذه الأمور لا يدل إطلاقاً على مشروعية إقامة المولد فلا صلة بينهما، ويقال أيضاً: هل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا عالمين بما حدث عند مولده صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فإن كانوا عالمين _ ولا أظن الجفري _ يقول: غير عالمين -فلماذا لم يقيموا المولد المبدع الذي عليه الجفري وأتباعه، أترى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عالماً بالفضل المترتب على ذلك أم يقال: إن الصحابة لم يعرفوا قدر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقيموا له مولداً تكريماً له صلى الله عليه وسلم؟! إن ما دعاه الجفري من الربط بين المولد وتغير بعض الأحوال الكونية والحوادث الأرضية ثم الاستدلال بذلك بمشروعية إقامة المولد لا يصح الاستدلال به أبداً.
قال الجفري: (وبعد ذلك، هل بلغت هذه الأمة من التردي والجدوى من الإساءة في معاملتها للنبي صلى الله عليه وسلم أنها تتساءل هل يستحق أن نفرح بولادته صلى الله عليه وسلم أو لا نفرح؟ ما هذا التدين الذي وصلت إليه الأمة، هذه منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا حتى نرى هل يستحق أو لا يستحق أن نفرح بولادته؟ ماهذا الكلام؟).
ونقول: إن الجفري -هداه الله- يريد منا أن نشرع شرعاً لم يأمر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم عن طريق تحريك مشاعرنا تجاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقرر سابقاً أن المشرع هو الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لا بالذوق والعاطفة.
ثم إن كنا قد أسأنا كما زعم الجفري للنبي صلى الله عليه وسلم فإن الصحابة والتابعين وتابع التابعين قد أساءوا أيضا للنبي صلى الله عليه وسلم بعدم إقامة المولد، فهل يقول بذلك الجفري؟!
وكذلك نقول: إن الأمة لم تتدن بسبب تركها لإقامة الموالد وإنما تدنت عندما نشأ فيها من لا يعرف دين الإسلام بالأدلة أمثال الجفري وأتباع الصوفية الذين يشرعون للناس أموراً ما أنزل الله بها من سلطان، ويتركون هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وهدي الخلفاء الراشدين من بعده رضي الله عنهم وحقيقة الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم هو اتهامه صلى الله عليه وسلم بأنه لم يبلغ عن ربه عز وجل شيئاً أوحاه إليه، بل هذه هي حقيقة نسب الخيانة لجنابه صلى الله عليه وسلم -وينزه عنها- إن إحداث شيء في الدين ومنها إقامة الموالد لهو دليل واضح على اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هو لم يقم هذا المولد ولا صحابته من بعده... حتى جاء الجفري ومن قبله ومن بعده من يقول أن عدم إقامة الموالد إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، فأيهما أولى بالإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من شرع ديناً لم يشرعه الله ورسوله أم من اقتفى أثره واتبع سبيله فلم يحدث شيئاً في دين الله.
يتبع................