المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاسلام يدعو الي مخاطبة العقل


جمال العطاس
06-20-2003, 12:48 AM
الاسلام يدعو الي مخاطبة العقل

لاشك ان الاسلام كدين يحث على مخاطبة العقل واستنهاض الفكر وينبذ الخرافة والاساطير والخزعبلات . وهذا يعني حث الامة على عدم الركون للخمول الفكري والاستسلام للافكار الضالة لأنه لايمكن لأمة أن تنهض وقد اتخذت الخرافة والاساطير منهجا وفكرا.
يقول الامام محمد عبده ( رحمه الله ) في رسالة التوحيد :
( جاء القرآن الكريم فأنتهج بالدين منهجا لم يقم عليه ماسبقه من الكتب المقدسة. منهجا يمكّن لأهل الزمن الذي أنزل فيه ولمن يأتي من بعدهم أن يقوموا عليه . فترك الاستدلال على نبوة النبي ( ص) . بماعهد الاستدلال به على النبوات السابقة . وحصر الدليل في حال النبي ( ص) مع نزول الكتاب عليه في شأن من البلاغة يعجز البلغاء عن محاكاته فيه. ولو في أقصر سورة منه . وتناول من مقام الالوهية ماأذن الله لنا وما أوجب علينا أن نعلم.
لكن لم يطلب التسليم به لمجرد أنه جاء بحكايته. إدعى وبرهن . وحكى مذاهب الاخرين . وكر عليهم بالحجة. وخاطب العقل . واستنهض الفكر وعرض نظام الاكوان ومافيها من الاحكام والاتقان على أنظار العقول . وطالبها بالامعان فيها لتصل بذلك الي اليقين بصحة ماقاله ودعا اليه. حتى أنه في سياق احوال الاخرين كان يقرر أن للخليقة سنّة لاتتغير وقاعدة لاتتبدل فقال :
( سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ) (الفتح:23)
وصرّح : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )(الرعد: من الآية11).
واعتضد بالدليل حتى في باب الأدب فقال :
( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)(فصلت: من الآية34) وقد تآخى العقل والدين ولأول مرة في كتاب مقدس. على لسان نبي مرسل بتصريح لايقبل التأويل وتقرر بين المسلمين كافة.
إلا من لاثقة بقله ولابدينه- أن من قضايا الدين مالايمكن الاعتقاد به الا عن طريق العقل . كالعلم بوجود الله وبقدرته على إرسال الرسل وعلمه بمايوحي به اليهم. وإرادته لاختصاصهم برسالته ومايتبع ذلك ممايتوقف عليه فهم معنى الرسالة. وكالتصديق بالرسالة نفسها. كما أجمعوا على أن الدين إن جاء بشئ قد يعلو على الفهم فلايمكن أن يأتي بمايستحيل عند العقل. وليس من شك في ان الاسلام هو الدين الوحيدالذي نادى بسلطان العقل. وجاهر بسيادة العلم. فسمع الناس ولأول مرة في تاريخ الاديان كلمات ( تفكير) ( نظر) (برهان) . وكان الناس قد اعتادوا بعد طول مقام على الاعتقاد بلا برهان. أهاب الاسلام بالناس الي تقدير العقل وسيادة العلم ودعا الي النظر والتفكر . وتطلب البرهان . واشتد في هذه الدعوة الي حد أنه لو أحصي ماجاء في القرآن الكريم من قوله تعالى :
( أفلاتعقلون) ( لعلهم يتفكرون) ( أفلا تذكرون) . . ألخ . لتعدت العشرات ولو أضيفت أليها الآيات التي تطالب الناس بتنبيه قواهم العقلية . ورفض مالايعززه برهان وترك مالا يؤيده علم فالقرآن كله قائم على هذه الاصول ويدعولها . حتى ليتجلى لمن يتلوه أنه إزاء دعوة للعقل والتفكير لاشبيه لها في تاريخ القرون الماضية. بقصد إحداث بناء جديد يوافق العقل والعلم.
يقول الشافعي في ( رسالة الاصول) :
( ليس لأحد أبداً أن يقول في شئ حل ولاحرم إلا من جهة العلم. وجهة العلم في الكتاب والسنة أو الاجماع أو القياس ) .
وفريضة التفكير في القرآن الكريم تشمل العقل الانساني بكل مااحتواه من هذه الوظائف بجميع خصائصها ومدلولاتها.
ولايذكر العقل عرضا مقتضبا بل يذكره مقصودا ومفصلا على نحو لانظير له في أي كتاب من كتب الاديان.
ان المزية الواضحة من مزايا القران الكثيرة - كمايقول العقاد- هي التنويه بالعقل والتعويل عليه في أمر العقيدة وأمر التبعة والتكليف.
ففي كتب الاديان الكبرى إشارات صريحة الي العقل والي التمييز
ولكنها تأتي عرضا وغير مقصودة وقد يلمح في بعض الاحايين شيئا من الزرية بالعقل لأنه مزلة العقائد وباب من أبواب الدعوى والانكار. ولكن في القرآن الكريم لايذكر العقل الا في مقام التعظيم والتنبيه الي وجوب العمل به والرجوع اليه ولاتأتي الاشارة اليه عارضة في سياق الاية. بل هي تأتي مؤكدة وجازمة في كل موضع باللفظ والدلالة.( انتهى كلام العقاد)
لذلك كان لابد على المسلم أن يهتم بتنمية مدارك هذا العقل وتزكيته وعدم الخلط بين ماهو مرتبط بمفاهيم محددة وبين مايمكن تقبله عقليا
فلربما ننكر احيانا امرا لاتقبله مفاهيمنا ولم تعتاده وندّعي ان ذلك لايستوعبه عقل فهنا يحصل الخلط بمعنى أنه ليس بالضرورة أن تكون مفاهيمنا تستوعب مايمكن أن يكون عقلانيا لأن الفهم لدى البعض يختلف عند الاخر وليس أن فهمك أوفهم غيرك هو نهاية استيعاب وإدراك العقل البشري .