حد من الوادي
08-20-2007, 01:46 AM
المتوكل : كل الأمور تعطلت وأسيئ الى الجنوبيين
حضرموت نيوز / مواجهات
6 أغسطس 2007 م
اجرت صحيفة الشارع اليمنية في عددها الصادر يوم السبت الماضي حواراً ضافياً وعميقاً مع الدكتور عبدالملك المتوكل .وهنا حضرموت نيوز تنشر نصه لأهميته :
(( يتحدث الدكتور محمد عبد الملك المتوكل بهدوء، لكنه يطرح أفكاراً بالغة العمق. إنه شجاع كمدرس جامعي وكقائد سياسي. وهو شجاع أيضاً كهاشمي لم يصبه رهاب التحريض الرسمي ضد سلالته، التي لا زال عليها أن تدفع ثمن حكم أجدادها لليمن قبل أكثر من نصف قرن.ظهر الخميس الفائت تحدث نائب أمين عام اتحاد القوى الشعبية للزميلين محمد عايش ونائف حسان من "الشارع" عن قضايا هامة وحساسة تضمنها هذا الحوار الذي نظنه استثنائياً ))
<و لنبدأ من الأوضاع المتأزمة في الجنوب، ما هي برأيك المقدمات المباشرة لهذه الأوضاع؟
د.محمد عبد الملك المتوكل
- في تصوري هي نتاج تراكمات لأخطاء كبيرة جداً. المحافظات الجنوبية كانت اهتماماتها الوحدوية أكثر من المحافظات الشمالية، حتى قبل الثورة على الاحتلال كان هناك في الجنوب تبنٍ للدعوة إلى الوحدة وجدل حول تسمية البلاد: اليمن المحتل أو الجنوب المحتل وكان الغالب اسم "جنوب اليمن المحتل".
للأسف الشديد لم تتعامل السلطة جيداً مع الوحدة، وأنا دائماً أقول إن الوحدة قضية حضارية لا يمكن أن تدوم إلا بأيد حضارية.
الوضع ناتج عن عدد من السلبيات والأخطاء، وهناك عوامل خارجية، غير أن العوامل الخارجية دائماً لا تحضر الا حين تجد عواملاً داخلية تهيء لها مناخ التدخل.
ما يجري الآن سيُستغل من قبل القوى الخارجية، وانا اعتقد أن الولايات المتحدة الامريكية اصبح لديها قناعة ان السلطة في اليمن قد فشلت وانها في طريقها الى الانهيار وان انهيارها سيكون لصالح القوى المتطرفة التي تتعارض مع السياسة الامريكية في المنطقة. أحست امريكا ان الوضع غير قادر على أن يصحح نفسه في الشمال الذي لديه وضع معقد، وبالتالي ربما بدأت تفكر بشكل جديد: بدلاً من ان تنشغل بالشمال، بعلاقاته المعقدة، بتكوينه الاجتماعي المختلط؛ تتعامل فقط مع الجنوب: الجنوب هو المنطقة الاستراتيجية المطلة على البحر الاحمر، الخليج العربي، وباب المندب، اضافة إلى أن سكانه تعودوا على النظام خلال مراحل الاحتلال البريطاني؛ وبالتالي فإمكانية التعامل معه لاقامة نموذج في هذه المنطقة ربما هو الافضل لتشكيل حماية للمصالح العالمية، فيما تعطى للسعودية الفرصة السابقة في الشمال لتتعامل مع القبائل المختلفة هناك وتمد الآخرين بـ "المساعدات المعتادة". للأسف الشديد ان النظام الحاكم هو الذي يعطي فرصة لهذه المشاريع.
< هل هناك مؤشرات على هذا البعد الخارجي أم أنها قراءة منك؟
- هي قراءة ولكن لا تنسى، ايضاً، ان المملكة العربية السعودية ظلت دائماً تحرص على أن لا يمر أحد الى دول الخليج الا عن طريقها، ولهذا كانت تسعى، بالاتفاق أو بغيره، الى أن تصل الى البحر العربي، والآن مع ظروف الصراع مع ايران واحتمال اغلاق خليج عمان إذا نشبت الحرب.. يبرز جنوب اليمن والبحر العربي بالنسبة للسعودية باعتباره المنفذ الاخير للنفط.
هذه مخاطر واحتمالات علينا وضعها في الحسبان وعدم اغفالها، والعامل الخارجي، كما أقول دائماً، يستغل مناخاً داخلياً: نحن الذين اوجدنا هذا المناخ، ونحن الذين لم نستطع التعامل مع قضية الوحدة بحس حضاري، واوصلنا الاحتقان داخل المحافظات الجنوبية الى ما وصل اليه.
لا ننس أن التاريخ أكد لنا أن المركزية في الحكم هي الطريق الى تفتيت اليمن: حين جاء الحكم السبأي، في ظل لا مركزية، توحدت اليمن، وحين جاء الحميريون وعسكروا الحكم وارادوا أن يحكموا بالقوة تمزقت اليمن، نفس المشهد تكرر بعد حكم المتوكل على الله اسماعيل، الذي وحد اليمن على أساس اللامركزية، وحين أراد الائمة في الشمال من بعده فرض ثقافة معينة على المناطق الاخرى فلم يتعاملوا بالعدل واخلوا باللامكزية.. فتفتت اليمن.
اليوم، كان المطلوب أن يكون هناك حكم محلي يعطي فرصة لابناء المحافظات في الجنوب وغيره ليختاروا قياداتهم المحلية ويديروا شؤونهم بأنفسهم. المجتمع لا تهمه قضية "الجيش" أو "السياسة الخارجية" أو "سلطة مركزية معينة" بقدر ما يهمه أن يسمح له بأن يدير قضاياه بنفسه. وثيقة العهد والاتفاق (تضمنت هذا) وكانت من أفضل الوثائق التي وصل اليها اليمنيون، لكن للأسف الشديد تم التنكر لها.
لم يعد الجنوب جنوباً ولا الشمال شمالاً
< في مقال أخير لك قلت إن الأوضاع في الجنوب الآن لم تعد لمصلحة الرئيس كما كانت في 94؟
- أنا قلت إن النظام في الشمال حارب عام 94 ثلث الجنوب فقط، أما اليوم فهو سيحارب كل الجنوب، لان حرب 94 جاءت بعد صراعات شهدتها المحافظات الجنوبية وبسببها وقف بعض الجنوبيين مع الرئيس علي عبدالله صالح، كما كانت هناك اخطاء كبيرة ارتكبها الحكم السابق هناك لهذا فرح الناس بالتخلص من هذا الحكم. ثم إن الوحدة كانت عام 94 لا تزال مشروعاً ثقافياً في حس الناس وضميرهم ولم تكن قد مرت بتجارب كبيرة. اليوم كل هذه الامور تعطلت وتمت الإساءة الى كل الجنوبيين: هل تتصور اليوم أن عبدربه منصور هادي راضي، فقط، لأن لديه بيتاً (في صنعاء) وهو لا "يحر الماء ولا يبرِّده".
< بالمعنى الآخر هل "الثلثان" الآخران في الجنوب، واللذان لم يحاربا الرئيس صالح آنذاك يتحملان مسؤولية الأوضاع اليوم؟
- خطورة الأوضاع أنه في 94 كانت المواجهة مع جيش فقد قناعته وعقيدته، وتمزق من داخله. اليوم السلطة ستواجه حرب عصابات، وهي الحرب التي هزمت الإمبراطورية البريطانية، كما أنها حرب ستمتد من المهرة إلى شوطئ عدن. وإن كانت السلطة خاضت حرباً لمدة 4 سنوات في منطقة لا تزيد عن 20 كليومتر في صعدة، فماذا بإمكانها مواجهته على امتداد المحافظات الجنوبية وبالأخص إذا وجدت القوى الخارجية التي لها مصالح في التدخل.
< هل ستصل الأمور إلى هذه المرحلة؟
- ما يجري الآن يسرع في الاحتقان ويزيد من وتيرة العنف والوصول إلى أن الحل هو السلاح. في 94 أيضاً الشمال كله حارب مع الرئيس، اليوم الأحزاب كلها (ليست معه)، وحتى حزب الإصلاح الذي كان شريكاً في الحرب، يقول الآن هذه أخطاء النظام وأنا "ما ليش دعوة".
والبعض يقول اليوم: "الوحدة لا يمكن أن نفرط فيها"! من الذي يفرط في الوحدة، الذين يصرخون من الظلم أم الذين يمارسون هذا الظلم؟ أخوك، داخل البيت، إذا كنت تظلمه وتضطهده فهو سيغادر البيت، أم أنك سترغمه أيضاً على البقاء.
أنا أقول لماذا نضطر الآخرين للوصول إلى المرحلة التي كانوا لا يريدونها ولا نريدها، وليست في مصلحة اليمن لأن التمزق سيقود إلى تمزق آخر: لن يعود الجنوب جنوباً ولا الشمال شمالاً وبالأخص في الجنوب.
الاشتراكي كمفتاح للحل
< ما هي الحلول التي تراها للخروج من كل هذا؟
- لا يزال لدينا قدرة على تلافي الأمور لو كانت هناك إرادة سياسية ولهذا بصراحة طرحت "جاه" عند الرئيس لمعالجة هذه القضية قبل أن تصل إلى مرحلة لا عودة منها. أنا أقول لا زالت هناك قوى معتدلة داخل الجنوب، وعلى رأسها الحزب الاشتراكي وهو قوة مؤثرة، وهناك حزب الرابطة، وقوى المتعلمين والمثقفين الآخرين، وهم لا يزالون لا يريدون الانفصال ولا يحبذون الوصول إليه في النهاية، ولأنهم يخشون من أن الانفصال لن يكون انفصالاً كما كان عليه.
هؤلاء بالإمكان أن يتعامل الرئيس معهم من اليوم، حول إمكانية حل قضايا الحقوق وترسيخ المواطنة المتساوية، وإيجاد الحكم المحلي الذي يعطي الآخرين حقهم في المشاركة الحقيقية، والنظام الديمقراطي الذي يشارك الناس فيه بحرية وإرادة.
اليوم الخلاف لدينا خلاف بين المشترك والمؤتمر الشعبي، المشترك يقول إن الإصلاح السياسي أولاً، والمؤتمر يقول: الاقتصاد أولاً؛ طيب، تعالوا نتناقش، هل يمكن أن يوجد اقتصاد في ظل إدارة فاسدة، عاجزة، ضعيفة، ليس فيها محاسبة ولا سيادة للقانون ليس فيها قضاء عادل ومستقل.
اليوم لا تستطيع تطوير الاقتصاد دون الاستثمار الخارجي، أي استثمار سيأتي إلينا وليس هناك قضاء ولا سيادة قانون ولا أمن ولا استقرار.
وإذاً بدون الإصلاح السياسي لا يمكن أن يتم إصلاح اقتصادي ولن يتحقق أمن ولا استقرار، لا في الشمال ولا في الجنوب.
حين قال مهاجر يمني: مشكلة اليمن 5 أسر زيدية
< الاحتقانات بلغت حداً بات يهدد الوئام الاجتماعي في الجنوب ويتحول لأعمال عنف بين شماليين "دحابشة" وجنوبيين" انفصاليين"؟
أنا أذكر أنني عام 97 حضرت والشهيد جار الله عمر في لندن لقاءً مع عدد من اليمنيين المهاجرين، أحد هؤلاء قال: "مشكلتنا 5 أسر زيدية، لو تخلصنا منها لتخلصنا من المشكلة"، كتبت إثر ذلك مقالاً حول كيف أن اليمنيين يعممون القضايا:
مشكلة الجنوبيين، اليوم، هم الشماليون، ومشكلة شمال الشمال، هو الشمال، ومشكلة الشمال حاشد ومشكلة حاشد سنحان، ومشكلة سنحان الشرقية سنحان الغربية، ومشكلة سنحان الغربية هو علي عبدالله صالح ومشكلة علي عبدالله صالح هو الاشتراكي والهاشميين ووثيقة العهد والاتفاق.
دعاني الرئيس علي عبدالله صالح بعد ذاك وقال: أنا قرأت مقالك. قلت: "خططوا لك"، قال لا أنا قرأت ما كتبت من أن مشكلة علي عبدالله صالح هي الاشتراكي والهاشميين ووثيقة العهد والاتفاق، وأنا أقول هذا صدق، لكني أريد أن أسألك سؤال: كم عدد الهاشميين من آل المتوكل الذين كانوا موظفين في أيام الإمام؟
فأجبته: أذكر كانوا 5.
قال: فكم هم اليوم؟
قلت: بالعشرات، لكن المشكلة ليست هذه، أنا لا أريد أن توظفني لأنني هاشمي ولا أن تمنع حقي في الوظيفة لأنني هاشمي.
هذا قائم اليوم في الجنوب: يصرخ أحدهم من الظلم فيقولون" انفصالي"، ويصرخ آخر من المناطق الوسطى فيقولون "مخرب"، وإذا كان من تعز قالوا "طائفي"، ومن صعدة يقولون "ظلامي".
< نتطرق لموضوع اقتربت منه أنت، ما هي بالضبط أسباب كل هذا التوجس لدى الرئيس والحكومة تجاه الهاشميين؟
- أولاً هو نتاج تعبئة سابقة: أشخاص لهم علاقة كبيرة بالرئيس كانوا دائماً يطرحون موضوع "الهاشميين" وأنهم لا يزالون يتآمرون ولا زالوا يريدون السلطة.
ثانياً: لأن من كان على رأس السلطة في الماضي هاشميون، لذلك صار كل الهاشميين محل اتهام حتى المسكين الرعوي الهاشمي الذي "ما لوش دعوة". اليوم لأن علي عبدالله صالح من سحنان.. يتم اتهام كل "السناحنة" ويمكن فيهم أناس مظلومون و"ما لهمش دعوة"، هذه تجذرت كثقافة.. وجاء أيضاً الصراع الطائفي، وجاء الوهابيون ووجدوا أن المذهب الزيدي هو الذي يتصدى لهم، فدخلوا (لإضعافه) من خلال (ادعاء) أنه لا يزال ينادي بقضية البطنين "أو الظهرين أو النهدين" (يضحك).
أنا أذكر، مثلاً، أن البعض طرحوا على الرئيس أن الهاشميين منتشرون ومتكاثرون في الوظائف العامة؛ سمعت أن الرئيس أجابهم بالقول: "إحنا القبايل نملي الجربة ماء إلى لمَّا تترسخ فنقلع الشجر على واحدة واحدة"، هذا ما سمعته، لا أدري ما صحته، ولكني سمعته من شخص ذي علاقة.
الرئيس من أقل الأشخاص تأثراً بالعنصرية لكنه، للأسف الشديد، لا يزال يشعر بأن شرعيته ضعيفة وأن مواجهة شرعيته هذه تأتي من الذين كانوا حكاماً سابقين، إنها عقدة، رغم أن الناس جميعاً قد تغيروا.
حرب صعدة، كانت أيضاً من هذا المنطلق، لو أن الرئيس ترك الحوثي يتحدث في الإذاعة عن "البطنين" ويشوف ردود فعل الناس، كان الجميع سيكونون ضد الحوثي.. نحن نطالب الآن بيهودي يكون رئيس دولة، ما دام مواطناً يمنياً، وقضية البطنين عفى عليها الزمن.
< ألا توجد أسباب أخرى للتوجس من الهاشميين؟
- هناك أمر آخر: لابد للسلطة من خلق عدو، مثلاً: بعض المتعلمين المتشبعين بالعنصرية كانوا لدى الرئيس علي عبدالله صالح في فترته الأولى، كانوا مشكلين حلقة معينة وكانوا يقولون "أي فئة تظهر وتفتح قرونها نضربها"، فمرة يتجهون نحو الشوافع ومرة الهاشميين.. وغيرهم.
أذكر مرة، في عهد الحمدي، أتى إلي محمد الحمدي، شقيق الرئيس، وقال لي: نحن قضينا على مراكز القوى، ولكن هناك الآن مراكز قوى جديدة، قلت له من هي هذه المراكز، قال: عبدالله بركات، فسألته كيف أصبح عبدالله بركات مركز قوى؟ قال: إنه بدأ يجمع أصحاب وأصدقاء،
قلت له هذا مفهوم خاطئ لمراكز القوى، ماذا تريدون؟ إنساناً مقطوعاً من شجرة؟
وفي جلسة لاحقة معه في "ثلا"، قلت له: مركز القوى هو من لديه حزب وقادر يتحرك، أو من لديه قبيلة وقادر على الحركة. ثم ضربت مثلاً، ولم أكن أدري ما سيحدث بعدها، قلت له: مركز القوى مثل "أحمد الغشمي" فهو عنده قبيلة وعنده قوات مسلحة وعنده دعم خارجي، فأجابني: "لكن هو أخبل" أي الغشمي، فقلت "ما ليش دعوة أخبل والا حاذق أنا بين أضرب لك مثل" (يضحك).
هؤلاء (في السلطة) الآن نفس الأمر، مثلاً المرحوم يحيى المتوكل مات ابنه فتوافد (لتعزيته) أناس كثيرون من كل مكان لأن علاقاته واسعة، فتم تحذير الرئيس منه، وبعدها مات في تلك الحادثة. لديك أيضاً الشهيد جار الله عمر، قال لي أحدهم أن السلطة ما تخافش من أحد مثل خوفها من جار الله، رغم أنه من أبعد الناس عن العنف.
مشكلة الرئيس
< ماذا عن الحساسية التي يظهرها إعلام الحكومة والمؤتمر، تجاه كل ما تكتبه أو تقوله؟
- مشكلة الرئيس أن لديه قناعة، أنني وراء كل شيء، أحد القيادات في الأحزاب السياسية قال لي إنه جلس مع جماعة (رسمية) وإذا هم يقولون إن محمد عبدالملك المتوكل وراء أحداث صعدة وحرب 94، ووراء "مش عارف أيش"، فقال لهم هذا القيادي إن المتوكل إذاً، وبكل هذه القدرات "سوبرمان".
ليس واضحاً لي لماذا بعض الأشخاص يبحثون عن تحقيق بعض الأشياء فيدخلون إلى رأس الرئيس أنني وراء كل شيء.
سألتني إحدى المشاهدات من أمريكا في برنامج الجزيرة "مباشر مع"، قالت: يقولون إنك تقف خلف المشترك؟ فقلت لها: نعم يقولون هذا لأنهم يبحثون عن كبش فداء، وإلا فالمشترك أحزاب لديها ثقافة ومثقفون ومتعلمون وقيادات.
يتبع
حضرموت نيوز / مواجهات
6 أغسطس 2007 م
اجرت صحيفة الشارع اليمنية في عددها الصادر يوم السبت الماضي حواراً ضافياً وعميقاً مع الدكتور عبدالملك المتوكل .وهنا حضرموت نيوز تنشر نصه لأهميته :
(( يتحدث الدكتور محمد عبد الملك المتوكل بهدوء، لكنه يطرح أفكاراً بالغة العمق. إنه شجاع كمدرس جامعي وكقائد سياسي. وهو شجاع أيضاً كهاشمي لم يصبه رهاب التحريض الرسمي ضد سلالته، التي لا زال عليها أن تدفع ثمن حكم أجدادها لليمن قبل أكثر من نصف قرن.ظهر الخميس الفائت تحدث نائب أمين عام اتحاد القوى الشعبية للزميلين محمد عايش ونائف حسان من "الشارع" عن قضايا هامة وحساسة تضمنها هذا الحوار الذي نظنه استثنائياً ))
<و لنبدأ من الأوضاع المتأزمة في الجنوب، ما هي برأيك المقدمات المباشرة لهذه الأوضاع؟
د.محمد عبد الملك المتوكل
- في تصوري هي نتاج تراكمات لأخطاء كبيرة جداً. المحافظات الجنوبية كانت اهتماماتها الوحدوية أكثر من المحافظات الشمالية، حتى قبل الثورة على الاحتلال كان هناك في الجنوب تبنٍ للدعوة إلى الوحدة وجدل حول تسمية البلاد: اليمن المحتل أو الجنوب المحتل وكان الغالب اسم "جنوب اليمن المحتل".
للأسف الشديد لم تتعامل السلطة جيداً مع الوحدة، وأنا دائماً أقول إن الوحدة قضية حضارية لا يمكن أن تدوم إلا بأيد حضارية.
الوضع ناتج عن عدد من السلبيات والأخطاء، وهناك عوامل خارجية، غير أن العوامل الخارجية دائماً لا تحضر الا حين تجد عواملاً داخلية تهيء لها مناخ التدخل.
ما يجري الآن سيُستغل من قبل القوى الخارجية، وانا اعتقد أن الولايات المتحدة الامريكية اصبح لديها قناعة ان السلطة في اليمن قد فشلت وانها في طريقها الى الانهيار وان انهيارها سيكون لصالح القوى المتطرفة التي تتعارض مع السياسة الامريكية في المنطقة. أحست امريكا ان الوضع غير قادر على أن يصحح نفسه في الشمال الذي لديه وضع معقد، وبالتالي ربما بدأت تفكر بشكل جديد: بدلاً من ان تنشغل بالشمال، بعلاقاته المعقدة، بتكوينه الاجتماعي المختلط؛ تتعامل فقط مع الجنوب: الجنوب هو المنطقة الاستراتيجية المطلة على البحر الاحمر، الخليج العربي، وباب المندب، اضافة إلى أن سكانه تعودوا على النظام خلال مراحل الاحتلال البريطاني؛ وبالتالي فإمكانية التعامل معه لاقامة نموذج في هذه المنطقة ربما هو الافضل لتشكيل حماية للمصالح العالمية، فيما تعطى للسعودية الفرصة السابقة في الشمال لتتعامل مع القبائل المختلفة هناك وتمد الآخرين بـ "المساعدات المعتادة". للأسف الشديد ان النظام الحاكم هو الذي يعطي فرصة لهذه المشاريع.
< هل هناك مؤشرات على هذا البعد الخارجي أم أنها قراءة منك؟
- هي قراءة ولكن لا تنسى، ايضاً، ان المملكة العربية السعودية ظلت دائماً تحرص على أن لا يمر أحد الى دول الخليج الا عن طريقها، ولهذا كانت تسعى، بالاتفاق أو بغيره، الى أن تصل الى البحر العربي، والآن مع ظروف الصراع مع ايران واحتمال اغلاق خليج عمان إذا نشبت الحرب.. يبرز جنوب اليمن والبحر العربي بالنسبة للسعودية باعتباره المنفذ الاخير للنفط.
هذه مخاطر واحتمالات علينا وضعها في الحسبان وعدم اغفالها، والعامل الخارجي، كما أقول دائماً، يستغل مناخاً داخلياً: نحن الذين اوجدنا هذا المناخ، ونحن الذين لم نستطع التعامل مع قضية الوحدة بحس حضاري، واوصلنا الاحتقان داخل المحافظات الجنوبية الى ما وصل اليه.
لا ننس أن التاريخ أكد لنا أن المركزية في الحكم هي الطريق الى تفتيت اليمن: حين جاء الحكم السبأي، في ظل لا مركزية، توحدت اليمن، وحين جاء الحميريون وعسكروا الحكم وارادوا أن يحكموا بالقوة تمزقت اليمن، نفس المشهد تكرر بعد حكم المتوكل على الله اسماعيل، الذي وحد اليمن على أساس اللامركزية، وحين أراد الائمة في الشمال من بعده فرض ثقافة معينة على المناطق الاخرى فلم يتعاملوا بالعدل واخلوا باللامكزية.. فتفتت اليمن.
اليوم، كان المطلوب أن يكون هناك حكم محلي يعطي فرصة لابناء المحافظات في الجنوب وغيره ليختاروا قياداتهم المحلية ويديروا شؤونهم بأنفسهم. المجتمع لا تهمه قضية "الجيش" أو "السياسة الخارجية" أو "سلطة مركزية معينة" بقدر ما يهمه أن يسمح له بأن يدير قضاياه بنفسه. وثيقة العهد والاتفاق (تضمنت هذا) وكانت من أفضل الوثائق التي وصل اليها اليمنيون، لكن للأسف الشديد تم التنكر لها.
لم يعد الجنوب جنوباً ولا الشمال شمالاً
< في مقال أخير لك قلت إن الأوضاع في الجنوب الآن لم تعد لمصلحة الرئيس كما كانت في 94؟
- أنا قلت إن النظام في الشمال حارب عام 94 ثلث الجنوب فقط، أما اليوم فهو سيحارب كل الجنوب، لان حرب 94 جاءت بعد صراعات شهدتها المحافظات الجنوبية وبسببها وقف بعض الجنوبيين مع الرئيس علي عبدالله صالح، كما كانت هناك اخطاء كبيرة ارتكبها الحكم السابق هناك لهذا فرح الناس بالتخلص من هذا الحكم. ثم إن الوحدة كانت عام 94 لا تزال مشروعاً ثقافياً في حس الناس وضميرهم ولم تكن قد مرت بتجارب كبيرة. اليوم كل هذه الامور تعطلت وتمت الإساءة الى كل الجنوبيين: هل تتصور اليوم أن عبدربه منصور هادي راضي، فقط، لأن لديه بيتاً (في صنعاء) وهو لا "يحر الماء ولا يبرِّده".
< بالمعنى الآخر هل "الثلثان" الآخران في الجنوب، واللذان لم يحاربا الرئيس صالح آنذاك يتحملان مسؤولية الأوضاع اليوم؟
- خطورة الأوضاع أنه في 94 كانت المواجهة مع جيش فقد قناعته وعقيدته، وتمزق من داخله. اليوم السلطة ستواجه حرب عصابات، وهي الحرب التي هزمت الإمبراطورية البريطانية، كما أنها حرب ستمتد من المهرة إلى شوطئ عدن. وإن كانت السلطة خاضت حرباً لمدة 4 سنوات في منطقة لا تزيد عن 20 كليومتر في صعدة، فماذا بإمكانها مواجهته على امتداد المحافظات الجنوبية وبالأخص إذا وجدت القوى الخارجية التي لها مصالح في التدخل.
< هل ستصل الأمور إلى هذه المرحلة؟
- ما يجري الآن يسرع في الاحتقان ويزيد من وتيرة العنف والوصول إلى أن الحل هو السلاح. في 94 أيضاً الشمال كله حارب مع الرئيس، اليوم الأحزاب كلها (ليست معه)، وحتى حزب الإصلاح الذي كان شريكاً في الحرب، يقول الآن هذه أخطاء النظام وأنا "ما ليش دعوة".
والبعض يقول اليوم: "الوحدة لا يمكن أن نفرط فيها"! من الذي يفرط في الوحدة، الذين يصرخون من الظلم أم الذين يمارسون هذا الظلم؟ أخوك، داخل البيت، إذا كنت تظلمه وتضطهده فهو سيغادر البيت، أم أنك سترغمه أيضاً على البقاء.
أنا أقول لماذا نضطر الآخرين للوصول إلى المرحلة التي كانوا لا يريدونها ولا نريدها، وليست في مصلحة اليمن لأن التمزق سيقود إلى تمزق آخر: لن يعود الجنوب جنوباً ولا الشمال شمالاً وبالأخص في الجنوب.
الاشتراكي كمفتاح للحل
< ما هي الحلول التي تراها للخروج من كل هذا؟
- لا يزال لدينا قدرة على تلافي الأمور لو كانت هناك إرادة سياسية ولهذا بصراحة طرحت "جاه" عند الرئيس لمعالجة هذه القضية قبل أن تصل إلى مرحلة لا عودة منها. أنا أقول لا زالت هناك قوى معتدلة داخل الجنوب، وعلى رأسها الحزب الاشتراكي وهو قوة مؤثرة، وهناك حزب الرابطة، وقوى المتعلمين والمثقفين الآخرين، وهم لا يزالون لا يريدون الانفصال ولا يحبذون الوصول إليه في النهاية، ولأنهم يخشون من أن الانفصال لن يكون انفصالاً كما كان عليه.
هؤلاء بالإمكان أن يتعامل الرئيس معهم من اليوم، حول إمكانية حل قضايا الحقوق وترسيخ المواطنة المتساوية، وإيجاد الحكم المحلي الذي يعطي الآخرين حقهم في المشاركة الحقيقية، والنظام الديمقراطي الذي يشارك الناس فيه بحرية وإرادة.
اليوم الخلاف لدينا خلاف بين المشترك والمؤتمر الشعبي، المشترك يقول إن الإصلاح السياسي أولاً، والمؤتمر يقول: الاقتصاد أولاً؛ طيب، تعالوا نتناقش، هل يمكن أن يوجد اقتصاد في ظل إدارة فاسدة، عاجزة، ضعيفة، ليس فيها محاسبة ولا سيادة للقانون ليس فيها قضاء عادل ومستقل.
اليوم لا تستطيع تطوير الاقتصاد دون الاستثمار الخارجي، أي استثمار سيأتي إلينا وليس هناك قضاء ولا سيادة قانون ولا أمن ولا استقرار.
وإذاً بدون الإصلاح السياسي لا يمكن أن يتم إصلاح اقتصادي ولن يتحقق أمن ولا استقرار، لا في الشمال ولا في الجنوب.
حين قال مهاجر يمني: مشكلة اليمن 5 أسر زيدية
< الاحتقانات بلغت حداً بات يهدد الوئام الاجتماعي في الجنوب ويتحول لأعمال عنف بين شماليين "دحابشة" وجنوبيين" انفصاليين"؟
أنا أذكر أنني عام 97 حضرت والشهيد جار الله عمر في لندن لقاءً مع عدد من اليمنيين المهاجرين، أحد هؤلاء قال: "مشكلتنا 5 أسر زيدية، لو تخلصنا منها لتخلصنا من المشكلة"، كتبت إثر ذلك مقالاً حول كيف أن اليمنيين يعممون القضايا:
مشكلة الجنوبيين، اليوم، هم الشماليون، ومشكلة شمال الشمال، هو الشمال، ومشكلة الشمال حاشد ومشكلة حاشد سنحان، ومشكلة سنحان الشرقية سنحان الغربية، ومشكلة سنحان الغربية هو علي عبدالله صالح ومشكلة علي عبدالله صالح هو الاشتراكي والهاشميين ووثيقة العهد والاتفاق.
دعاني الرئيس علي عبدالله صالح بعد ذاك وقال: أنا قرأت مقالك. قلت: "خططوا لك"، قال لا أنا قرأت ما كتبت من أن مشكلة علي عبدالله صالح هي الاشتراكي والهاشميين ووثيقة العهد والاتفاق، وأنا أقول هذا صدق، لكني أريد أن أسألك سؤال: كم عدد الهاشميين من آل المتوكل الذين كانوا موظفين في أيام الإمام؟
فأجبته: أذكر كانوا 5.
قال: فكم هم اليوم؟
قلت: بالعشرات، لكن المشكلة ليست هذه، أنا لا أريد أن توظفني لأنني هاشمي ولا أن تمنع حقي في الوظيفة لأنني هاشمي.
هذا قائم اليوم في الجنوب: يصرخ أحدهم من الظلم فيقولون" انفصالي"، ويصرخ آخر من المناطق الوسطى فيقولون "مخرب"، وإذا كان من تعز قالوا "طائفي"، ومن صعدة يقولون "ظلامي".
< نتطرق لموضوع اقتربت منه أنت، ما هي بالضبط أسباب كل هذا التوجس لدى الرئيس والحكومة تجاه الهاشميين؟
- أولاً هو نتاج تعبئة سابقة: أشخاص لهم علاقة كبيرة بالرئيس كانوا دائماً يطرحون موضوع "الهاشميين" وأنهم لا يزالون يتآمرون ولا زالوا يريدون السلطة.
ثانياً: لأن من كان على رأس السلطة في الماضي هاشميون، لذلك صار كل الهاشميين محل اتهام حتى المسكين الرعوي الهاشمي الذي "ما لوش دعوة". اليوم لأن علي عبدالله صالح من سحنان.. يتم اتهام كل "السناحنة" ويمكن فيهم أناس مظلومون و"ما لهمش دعوة"، هذه تجذرت كثقافة.. وجاء أيضاً الصراع الطائفي، وجاء الوهابيون ووجدوا أن المذهب الزيدي هو الذي يتصدى لهم، فدخلوا (لإضعافه) من خلال (ادعاء) أنه لا يزال ينادي بقضية البطنين "أو الظهرين أو النهدين" (يضحك).
أنا أذكر، مثلاً، أن البعض طرحوا على الرئيس أن الهاشميين منتشرون ومتكاثرون في الوظائف العامة؛ سمعت أن الرئيس أجابهم بالقول: "إحنا القبايل نملي الجربة ماء إلى لمَّا تترسخ فنقلع الشجر على واحدة واحدة"، هذا ما سمعته، لا أدري ما صحته، ولكني سمعته من شخص ذي علاقة.
الرئيس من أقل الأشخاص تأثراً بالعنصرية لكنه، للأسف الشديد، لا يزال يشعر بأن شرعيته ضعيفة وأن مواجهة شرعيته هذه تأتي من الذين كانوا حكاماً سابقين، إنها عقدة، رغم أن الناس جميعاً قد تغيروا.
حرب صعدة، كانت أيضاً من هذا المنطلق، لو أن الرئيس ترك الحوثي يتحدث في الإذاعة عن "البطنين" ويشوف ردود فعل الناس، كان الجميع سيكونون ضد الحوثي.. نحن نطالب الآن بيهودي يكون رئيس دولة، ما دام مواطناً يمنياً، وقضية البطنين عفى عليها الزمن.
< ألا توجد أسباب أخرى للتوجس من الهاشميين؟
- هناك أمر آخر: لابد للسلطة من خلق عدو، مثلاً: بعض المتعلمين المتشبعين بالعنصرية كانوا لدى الرئيس علي عبدالله صالح في فترته الأولى، كانوا مشكلين حلقة معينة وكانوا يقولون "أي فئة تظهر وتفتح قرونها نضربها"، فمرة يتجهون نحو الشوافع ومرة الهاشميين.. وغيرهم.
أذكر مرة، في عهد الحمدي، أتى إلي محمد الحمدي، شقيق الرئيس، وقال لي: نحن قضينا على مراكز القوى، ولكن هناك الآن مراكز قوى جديدة، قلت له من هي هذه المراكز، قال: عبدالله بركات، فسألته كيف أصبح عبدالله بركات مركز قوى؟ قال: إنه بدأ يجمع أصحاب وأصدقاء،
قلت له هذا مفهوم خاطئ لمراكز القوى، ماذا تريدون؟ إنساناً مقطوعاً من شجرة؟
وفي جلسة لاحقة معه في "ثلا"، قلت له: مركز القوى هو من لديه حزب وقادر يتحرك، أو من لديه قبيلة وقادر على الحركة. ثم ضربت مثلاً، ولم أكن أدري ما سيحدث بعدها، قلت له: مركز القوى مثل "أحمد الغشمي" فهو عنده قبيلة وعنده قوات مسلحة وعنده دعم خارجي، فأجابني: "لكن هو أخبل" أي الغشمي، فقلت "ما ليش دعوة أخبل والا حاذق أنا بين أضرب لك مثل" (يضحك).
هؤلاء (في السلطة) الآن نفس الأمر، مثلاً المرحوم يحيى المتوكل مات ابنه فتوافد (لتعزيته) أناس كثيرون من كل مكان لأن علاقاته واسعة، فتم تحذير الرئيس منه، وبعدها مات في تلك الحادثة. لديك أيضاً الشهيد جار الله عمر، قال لي أحدهم أن السلطة ما تخافش من أحد مثل خوفها من جار الله، رغم أنه من أبعد الناس عن العنف.
مشكلة الرئيس
< ماذا عن الحساسية التي يظهرها إعلام الحكومة والمؤتمر، تجاه كل ما تكتبه أو تقوله؟
- مشكلة الرئيس أن لديه قناعة، أنني وراء كل شيء، أحد القيادات في الأحزاب السياسية قال لي إنه جلس مع جماعة (رسمية) وإذا هم يقولون إن محمد عبدالملك المتوكل وراء أحداث صعدة وحرب 94، ووراء "مش عارف أيش"، فقال لهم هذا القيادي إن المتوكل إذاً، وبكل هذه القدرات "سوبرمان".
ليس واضحاً لي لماذا بعض الأشخاص يبحثون عن تحقيق بعض الأشياء فيدخلون إلى رأس الرئيس أنني وراء كل شيء.
سألتني إحدى المشاهدات من أمريكا في برنامج الجزيرة "مباشر مع"، قالت: يقولون إنك تقف خلف المشترك؟ فقلت لها: نعم يقولون هذا لأنهم يبحثون عن كبش فداء، وإلا فالمشترك أحزاب لديها ثقافة ومثقفون ومتعلمون وقيادات.
يتبع