سيئون والماء
10-12-2007, 10:56 PM
قطوف من ديمقراطية حضرموت في القرن الماضي ..في المكلا المطالبة بتوزيع عادل لأعمال ومقاولات شركة تنقيب النفط وفي تريم المطالبة بتوظيف الشباب لدى الشركة ..شماخ يطالب السلطات بإجراء إصلاحات لتوسيع الحريات المدنية
( منقول من صحيفة الايام اعداد الاسبوع الاول من شهر اكتبوبر 2007م )
«الأيام» علوي بن سميط:
حفار لشركة نفطية في حضرموت في الستينات
قطوف من ديمقراطية حضرموت مجرد إشارات لما اعتمل في ما كان يطلق عليه السلطنتين الكثيرية والقعيطية، مجرد نتف أو قصاصات جمعتها من هنا وهناك من مصادر متعددة من وثائق أصلية أو مصورة، من صحف حضرمية وعدنية، ومن نشرات أندية وجمعيات ومؤسسات مجتمع مدني، في محاولة للاقتراب من ديمقراطية بدأ صناعتها أفراد أو جماعات خلال قرن مضى. ديمقراطية بمختلف صورها: حرية تعبير وصحافة، آراء متعددة، مطالبات ببيانات أو مسيرات أو إضرابات، شفافية وعلنية الخطوات السياسية سواء ممن ينتقدون الحكم آنذاك أو حتى الإجراءات التي تتخذها السلطات.. أحداث قد نوردها ليس تسلسلياً لأننا لسنا بصدد كتابة تاريخية تحليلية عن ديمقراطية مجتمع حضرموت وهي ديمقراطية صنعها ولم تعط له هبة، بل فرضها وانتزع بها ما يطمح إليه ولو بالحد الأدنى آنذاك، ليست قراءة تاريخية وإن كانت السطور في هذه الحلقة وحلقات قادمة محتواها أضحى في ذمة التاريخ وهو تاريخ يعتبر حديثاً، إنها استعراض أو عرض صحفي لحراك ديمقراطي في زمن مضى مكانه باق، حراك قوبل بصورة أو بأخرى من المؤسسات الرسمية حينها بالامتعاض حيناً وردود فعل قاسية أو إيجابية حيناً آخر أو تجاوباً في بعض الأحايين. جمعت هذه الشذرات بعد ان بحثت في صحفة هنا واخرى هناك كي يقف القارئ الكريم على نزر يسير جداً مما كان يعتمل.
> عندما بدأت شركة (بان أميركان) النفطية بتجهيز نفسها بعد الاتفاق مع سلطات حضرموت تخوف العديد من مواطني حضرموت والتجار من أن تذهب أعمالها وبعض مقاولاتها لآخرين أو لمتنفذين مما حدى بهم أن يتقدموا بمذكرات لشركة الزيت تلك وإلى مسئولي السلطنتين القعيطية والكثيرية ليكون التوزيع عادلاً بين الناس في الأعمال النفطية ومثال على لك فقد بعث الشيخ عبدالله عبدالرحمن باهرمو وآخرون بمذكرة جاء فيها: «إن ما تعانيه الأمة من تأخر التجارة وضيق في المعيشية وعدم توفر الأعمال لمختلف الطبقات ذلك أشهر من نار على علم باستثناء أفراد قليلين جدا لايتجاوزن عدد الأصابع».
وأضاف باهرمز في هذه العريضة (أبريل 62م) ونسخها للمستشار البريطاني المقيم والمعتمد البريطاني وحاكم عدن ومدير شركة بان أميركان:«فمن هؤلاء من لهم أساليبهم الخاصة في اقتناص الأرباح الهائلة داخل الوطن الذي مواطنوه في أشد الاحتياج ومنهم من له علاقات بالخارج تدر عليه مثل ذلك وغير خاف أن أكثر المواطنين مشردون في أنحاء المعمورة جريا وراء لقمة العيش وستر الحال».
وتصنيف العريضة:«أشيع هذه الأيام أن أفراداً وجهات خاصة يسعون لكي يقوموا بجميع طلبات شركة بان أمريكان التي تم اتفاقها مع السلطنتين الكثيرية والقعيطية للتنقيب عن البترول في حضرموت وذلك لتكون جميع متطلبات الشركة وخاصة العمال بواسطتهم وعن طريقهم حكراً لهم أو لفترة من الزمن على الأقل، وعليه فنحن نهيب بالمسئولين في الدولة ومن لهم إدراك ورأي من رجالات الشعب ولهم قلوب يفقهون بها وعيون يبصرون وآذان يسمعون بها ونوايا حسنة نهيب بهم أن ينظروا نظرة ود ورحمة وحرص وإخلاص إلى أخوانهم وبخاصة العوام الذين يرزحون تحت نير الفقر والجهل والمرض من جهة وتخدير الأعصاب والتضليل من جهة أخرى».
واختتمت مذكرة المطالبة بإعطاء مواطني حضرموت نصيبهم من أعمال الشركات النفطية بالقول: «نحن نرفع أصواتنا مطالبين من حكومتنا الموقرة التفكير جدياً بأن تكون جميع طلبات الشركة المذكورة موزعة بين المواطنين توزيعاً عادلاً لكي يتسنى لهم النهوض والتقدم السريع بانتظام وبمساعدة الدولة وتحت إشراف هيئات يختارونها بأنفسهم».
> كما طالب أيضاً نادي الشباب في تريم الحكومة الكثيرية الحضرمية بإعداد الشباب لشغل الوظائف في شركة الزيت، وجاء في المطالبة التي بعثت للحكومة:«اطلعنا على ما أعلنته حكومتكم الموقرة في إعلانها رقم (37-16) المؤرخ في 2 رمضان 7 فبراير 1962م بأن شركة بان أمريكان بحاجة إلى موظفين محاسبين ومترجمين وكتبة على الآلة الكاتبة عربي وانجليزي وطباخين وسائقي سيارات وأنه يشترط فيهم أن يجيدوا اللغة الإنجليزية ماعدا الطباخين والسائقين وبهذا الصدد نود أن نلفت أنظاركم إلى نقطتين هامتين: إن اشتراط إحسان اللغة الإنجليزية في التوظيف سيفوت وسيضيع فرص العمل والتوظيف على السواد الأعظم من المواطنين الذين لا يحسنون هذه اللغة في حين أنهم يحسنون لغة بلادهم اللغة العربية والذين طالما ارتقبوا العمل والتوظيف ببلادهم وانتظروه بفارغ الصبر بعد أن كان من التسكع والتشرد». وطالب النادي «أن تهيأ إعداد المواطنين للعمل والتوظيف وأن تقدم الحكومة المساعدة المادية الكافية والمدرسين الأكفاء ليقوموا بإعداد الشباب والمواطنين وتهيئتهم للعمل والتوظيف».
> بدأت في حضرموت حركات إصلاحية سياسية منها الفردية أو ضمن إطار مجموعات أو أندية اجتماعية وثقافية منذ ما قبل الخمسينات ونستعرض إحدى هذه الحالات للمطالبة بإصلاح حضرموت كالأوضاع السياسية ومسائل الضرائب الجمركية، فمن شبام حضرموت بدأ الشيخ سالم محمد شماخ بحركة إصلاحية بوضع لبناتها الأولى في أغسطس 1961م كما ذكر بنفسه رحمة الله عليه في لقاء مع «الأيام» 20 يونيو 1962م ومن ضمن المطالب توحيد الآراء بين المطالبات المتعددة على مستوى السلطنتين الكثيرية والقعيطية، وتحرك شماخ بدءاً من تريم وعقد لقاءات مع مجموعات الوجهاء والأعيان ومقادمة القبائل ثم اتصل بوجهاء تاربة بعدئذ في سيئون ثم الغرفة وكانت اللقاءات تبحث الهموم والمطالب تتوج بعقد مؤتمر لهذا الغرض وتحديد مندوبين لهذا المؤتمر من القسم الكثيري ويبدو أن النقاش لم يأت بجديد خصوصاً مع من اجتمع بهم في مدينة الغرفة، وعموماً تم الاتفاق على عقد المؤتمر ولكن لم يلب الطلب من الذين سبق أن وعدوا الشيخ شماخ بالحضور ولم ينعقد وظل التحرك في الألوية القعيطية آنذاك بدءاً بلواء شبام واللواء الغربي ولواء دوعن ثم الشحر والمكلا وبقي شماخ والمقتنعون بأطروحاته (حركته الإصلاحية) يعدون المطالب وترأس وفد ضم وجهاء وأعياناً من الألوية الستة القعيطية ضم في قوامه 38 شخصاً الذين قرروا فتح مكتب للحركة الإصلاحية بالمكلا عاصمة السلطنة القعيطية وفروع مكاتب في الألوية الأخرى لاستقطاب أكبر الأعداد لهذه الحركة وتشكيل ضغط لطرح المطالب على سلطات حكومة السلطنة. وفي بحثنا الأولي عن هذه الحركة هو عودة الشيخ سالم شماخ من الخارج وبوصوله ظهرت الأوضاع ليس كما يأمل فبادر في محاولة فردية نحو التغيير والإصلاح فبدأ بتوجيه الخطابات إلى السلطان ووزيره ونشر توجهاته في الصحف المحلية ثم بدأ بعقد اللقاءات مع النخب في المناطق باتجاه عقد مؤتمر موحد في حضرموت لإشهار حركته ومطالب التغيير من مختلف الفئات. وننقل هنا مقتطفات من أحد خطاباته الموجهة إلى وزير السلطنة القعيطية في يوليو 1961م ولعل خطابه تضمن جزءاً من أفكاره وهو المعروف عنه رحمه الله تجاربه ونجاحاته ليست التجارية في شبام حضرموت أو عدن أو الجزء الشمالي من اليمن بل نجاحه في تأسيس العديد من المؤسسات المدنية والشركات المساهمة لعلنا نأتي على ذكرها في حلقات أخرى، وجاء في خطاب شماخ:«عدت إلى مسقط رأسي بعد أن غبت فترة معظمها في عهد حكمكم الذي كان مأمولاً في المدة التي تربعتم فيها على كرسي الحكم ببلادنا رأينا وسمعنا شعوباً كثيرة قد نهضت بها حكوماتها ..هذه الحكومات منحت شعوبها ثقة ولم تتخذ لها بطانة من الخونة النفعيين، عدت إلى بلادي كنت أمنّي نفسي بالإصلاحات التي يمكن أن أراها وأسمع عنها. لقد أدهشني كل ما رأيت وكل ما سمعت ويؤسفني كما يؤسف كل حضرمي مخلص لبلاده أن يراها تعيش وظلمات العهود البائدة فيها الدكتاتورية بأقبح صفاتها فأقفلت مؤسسات الأحزاب وصودرت كما لقي رجالها كل عنف وذل وإهانة وبالوسائل الدكتاتورية حرم علينا إقامة الأحزاب كما كممت الصحافة وحرم عليها نشر النقد للأوضاع الفاسدة والتوجيه الصحيح السليم الديمقراطي حتى أصبح الشعب العربي بحضرموت يعيش خائفاً كأنه محكوم بالحديد والنار». وهكذا عرج سالم شماخ على توضيح العديد من الأوضاع في مختلف الجوانب إلى أن وصل في خطابه «مع تقديرنا واحترامنا لمعاليكم فإننا نحب أن تخلدوا لكم ذكريات حسنة في بلادنا وعفا الله عما سلف وكما يقول المثل (من عيال اليوم) وسنرى في القريب ما يقوي أملنا وثقوا ياصاحب المعالي بأنه لن يضيع حق بعده مطالب والله ولي التوفيق»
ظلت الحركة الإصلاحية كما أسميت تطرح مطالبها وتوسع نشاطها حتى بدأت السلطنة في التباحث معها وهو ما سنقترب منه في حلقات قادمة.
قطوف من ديمقراطية حضرموت في القرن الماضي (2)
«الأيام» علوي بن سميط:
أثارت تصريحات لوزير السلطنة المهرية للصحف الحضرمية، وتناقلتها الصحف العدنية والعربية، هيجاناً شعبياً وقبلياً بعد أن ذكر عددا من المناطق بأنها تتبع سلطنته - كثمود وسناو وغيرهما- مما أثار تداعيات في أشكال اجتماعات، مظاهرات، واحتجاجات مثقفين ومقادمة قبائل، ففي السلطنة القعيطية بالعاصمة المكلا وجه (16) شابا ومواطنا نداءً لعقد اجتماع لمناقشة هذا الوضع بعد أن وجهوا بياناً ودعوة إلى أبناء حضرموت جاء فيه: «نرى من الواجب دعوة جميع المواطنين لعقد مؤتمر شعبي لبحث قضايا الساعة وفي مقدمتها المؤامرة التي يراد بها اقتطاع أجزاء من حضرموت» وحدد الستة عشر شابا يوم 16 /12 /61م موعداً لعقد المؤتمر الشعبي بقاعة المكتبة السلطانية، وحضر كثير من الناس تجاوباً، فافتتح الجلسة السيد أحمد سعيد الحضرمي قائلاً: «إن عقد هذا المؤتمر في هذه الفترة هو عرض أحقية هذه البلاد في الجزء الذي يراد اقتطاعه منها، وخدمة هذه الناحية من الوجهة التأريخية وغيرها، إننا أيضاً نعقد المؤتمر الشعبي كرسالة للتعبير عن شجب هذه المؤامره التي تحاك» ثم انتخب الحضور السيد عوض عيسى بامطرف رئيساً لإدارة الجلسة والسيد حيدر العطاس سكرتيراً للجلسة، وفي سياق الطروحات والنقاشات (نستخلص بعد بحثنا وقراءتنا لهذا المؤتمر أو اللقاء) قرر الحضور إبلاغ الجهات المختصة (الحكومية) بأنها ناقشت ذلك الموضوع كثيراً ولكن يتوجب ترك ذلك للناس ومن خلال المؤتمر الذي سيضع حداً لأفكار الاقتطاع الذي قرره في 4 يناير 62م، وأن تطرح المطالب وتنوير المواطنين بالداخل والخارج لما يحاك ضد حضرموت وسلخ أجزاء منها، وقد أقر الحضور تشكيل لجان متعددة على أن تقدم تقاريرها وأبحاثها من وجهات علمية وتاريخية والإلمام بكل التفاصيل. وقال أحمد الحضرمي إن لجنة البحوث من أهم اللجان لأن المؤتمر الكامل القادم يرتكز على ما تقوم به هذه اللجنة بالذات، ويبدو أن التداعي الشعبي جاء على ما يظهر بعد أن لم يظهر رد فعل قوي من سلطات السلطنتين، لذلك فالتداعيات لمقاومة مشروع الاقتطاع سلمياً أخذت به كل المؤسسات المدنية واتفق حضور (المكلا) أنه إذا لم تسمح السلطات بإقامة المؤتمر المزمع في يناير 62م وما سيقدم من وثاق فإنهم سيعدون كتيباً يضم الوثائق سيوزع على الناس.
وفي الاجتماع التمهيدي يوم 16/ 12 /61م انتخبت لجان من الحضور، لجنة إعداد المطالب من السادة: عبدالرحمن عبدالله بكير، أحمد سعيد الحضرمي، وحسين البار. لجنة البحوث انتخبت من السادة: سالم يعقوب باوزير، عبدالله محمد باحويرث، أحمد عوض باوزير، سالم عبدالله بامطرف، علي سالم البيض، عبدالقادر محمد العماري، عوض عيسى بامطرف. لجنة الدعاية من السادة:علوي صالح المفلحي، سالم عوض باوزير، علي صالح الحضرمي، محمد محفوظ باحشوان، علي حسين بلفقيه، خالد أبوبكر بارحيم، حيدر أبوبكر العطاس، عبداللاه باعباد. ولجنة مالية من السادة: محسن محمد الناخبي، عبدالكريم محمد بارحيم، عبدالله علوي الصافي، أبوبكر محمد بامنصور، عوض محمد باصالح.
> في اليوم نفسه الذي انعقد فيه لقاء الشباب والمواطنين وانتخاب لجان بشأن مشروع الاقتطاع (انعقد في المساء)، شهدت المكلا من الصباح إضراباً شاملاً توقفت فيه الحياة شجباً لدعوة ضم أجزاء من حضرموت إلى سلطنة أخرى، فأغلقت المتاجر والمطاعم والبسطات الصغيرة وفعلت ذلك أيضاً مدينة غيل باوزير وزادت على ذلك خروج أهاليها في مظاهرة صاخبة تندد بمشروع الاقتطاع.
وفي اليوم التالي توقفت الحركة الاعتيادية بمدينة الشحر جراء الإضراب العام احتجاجاً على ضم أراض من حضرموت إلى سلطنة أخرى، وشهدت مناطق حضرموت تجاوباً في شبام وسيئون فاندلعت المسيرات في كل مكان، كما وجه (40) من أعيان وشخصيات حضرموت من السلطنتين برقية إلى حاكم عدن العام والمستشار المقيم بحضرموت وإلى السلطان القعيطي والكثيري، ومما جاء فيها: «بهذا نعلن إصرارنا على حقوق وطننا بكل ما نملك من وسائل».
كما أدانت الجمعية الوطنية الحضرمية بعدن - التي أصبح اسمها فيما بعد الجمعية الخيرية الحضرمية بعدن - مثل هذه المشاريع وعبرت في بياناتها ولقاءاتها ونشراتها بالقول: «نستنكر الادعاءات من الذين يدعون بالمطالبة بضم أراض حضرمية، ونؤيد كل ما يقوم به إخواننا للدفاع عن هذه الأرض وسنكون صفاً واحداً لإحباط هذه المؤامرة».. وتواصلت الاحتجاجات في مظاهرات للشباب بالمكلا صامتة تتوقف كل مرة أمام دار المستشارية وأمام قصر السلطان، وكان المتظاهرون يستمعون إلى كلمات من شخصيات تقود هذه المظاهرات تؤكد «أن هذه المؤامرة التي أحيكت ضدنا وضد إخواننا في المهرة هي محاولة فاشلة ترمي لتعميق روح التجزئة بين الأخوة» فيما أدلت قبيلة بني ضنه (تضم قبائل كثيرة العدد على مساحات جغرافية شاسعة في أنحاء حضرموت) بدلوها في هذا الموضوع، إذ أصدر رئيس قبيلة بني ضنه المقدم العبد بن علي بن يماني التميمي رداً شافياًً قاطعاً نشر في صحيفة «الرائد» الحضرمية موضحاً أن الادعاءات التي تفوه بها وزير السلطنة المهرية تفتقد تاريخياً وسياسياً وجغرافياً للمنطق قائلاً: «إننا أقدم من ملك هذه الرقعة من الأرض - يقصد بها الأرض المدعى بها- وبحكم ولائنا لحكومتنا وبحكم المعاهدات التي بيننا وبين حكومتنا القعيطية وضعت يدها على أرض لنا ومنها هذه المناطق من كل جهاتها الطبيعية والجغرافية والاقتصادية تابعة لبني ضنه والتي هي بالتالي حسب الولاء من بني ضنه تابعة للسلطنة القعيطية».. تصاعد الاحتجاجات والتمسك بحق الأرض ورفض الضم والاقتطاع تصادف وزيارة السير تشارلس جونستون، حاكم عدن، إلى المكلا وسيئون في زيارة رسمية للسلطنتين الكثيرية والقعيطية.. التصريح الذي أثاره مسؤول سلطنة مجاورة للسلطنتين الحضرمية أثار الناس وشهد تصاعدا وانتهى بعد مدة ولم يقو أحد على سلخ جزء من حضرموت عندما تراصت الصفوف، ولعل تحرك الناس من قبل هذا الحدث وبعده - في حالات سياسية دعت لتوحيد السلطنتين عبر لقاءات عامة ومؤتمرات في الداخل وتحركات في الخارج - نادت به جمعيات وأندية ومثقفون وقبائل بل وحتى من أركان حكم السلطنتين ومنذ ما قبل الستينات، كل هذه التحركات في موضوع وحدة القعيطي والكثيري أوجدت مشاورات وتقاربا بين السلطنتين بضغط شعبي منذ ما قبل الستينات بالطبع.
> الدعوات الأهلية لوحدة حضرموت لم تكن في الستينات بل هي أقدم بكثير، ولكن التفعيل الرسمي والاقتراب الكبير بين السلطنتين جاء مع تشكيل الاتحاد الفيدرالي بين سلطنات ومشيخات جنوب اليمن، وبالتأكيد معروف لدى الكل أن حضرموت لن تنضم إليه، وشهدت السلطنتان في فبراير 61م تحركات لوفود رسمية بينهما يحمل كل منها مقترحات بقيام الوحدة بين البلدين (حتى قبل هذه الدعوات فإن هناك ملامح متعددة على الواقع لا يشعر بها الحضرمي إذا تواجد في سلطنة غير سلطنته سوى أنه في ارضه)، وللتعجيل بهذا المشروع عادت من جديد وبقوة الدعوات الشعبية لعقد المؤتمرات للدفاع والضغط على الرسميين تفاعل معها مغتربون من ابناء حضرموت، وكمثال من كمّ كثير استعرضت صحيفة «الطليعة» في صدر صفحتها الأولى عدد 16 شعبان 1380هـ برقية إلى الأستاذ أحمد عوض باوزير، رئيس التحرير من الافاضل حسين العطاس وعبدالعزيز بن وبر من المملكة العربية السعودية، وهي برقية تأييد جاء فيها: «نشاطر اقتراحكم ونؤيد عقد مؤتمر عام لبحث قضيتي الوحدة الحضرمية والبترول في موسم الحج القادم بالسعودية.. نضع أنفسنا تحت التصرف.. ارفعوا نداءنا لجميع الحضارم في كل مكان».
قطوف من ديمقراطية حضرموت في القرن الماضي ..عزل مدير مدرسة ومدرسين بحضرموت يثير مظاهرات طلابية تبدأ من غيل باوزير والمكلا ..من غيل باوزير بدأت شرارة الاحتجاجات وأمام تعسفات السلطة بدأت دائرة التضامن تتسع
«الأيام» علوي بن سميط:
احتفال لجمعية الاخوة بتريم
يصف بعض كتاب ومؤرخي الحركة الوطنية بحضرموت تنظيمات الشباب والطلبة أن بداياتها بتأسيس اتحاد الطلبة الحضارم (الفكرة 59م والتأسيس 60م) في وقت شهدت حضرموت أحداثا شارك فيها الطلبة منذ ما قبل الستينات، إلا أن تكويناتهم لم تكن على شكل مؤسسي بل تأتي ردود فعل وتفاعلا مع القضايا الداخلية أو ضمن صور التعبير الاخرى التي قادتها الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وجاء اتحاد الطلبة الحضارم بمثابة إطار عام للطلبة على مستوى السلطنتين آنذاك وافتتح له فروعاً بالخارج وضم طلبة مستقلين وقوميين ورابطيين وتيارات إسلامية .. وسنأتي على ذكر أنشطة ودور اتحاد الطلبة الحضارم في حلقة قادمة.
> يذكر أن جمعية الأخوة والمعاونة بتريم التي تأسست في 1929م عملت على تأسيس إطار يهتم بتلاميذ تريم نشاطه أدبي وثقافي، وفي الاربعينات تأسسات أندية طلابية كالإصلاح في المكلا، الإصلاح في القطن، نادي اليقظة العلمي الأدبي في شبام (وهذا الأخير حصلت على معلومات تأسيسة من خلال نشراته وصحيفته «اليقظة» التي تصدر مخطوطة باليد في شبام، وترأسه سالم أبوبكر التوي.. وتلك المعلومة لم يذكرها للأسف كتاب ومؤرخون من قبل كتبوا عن بدايات نهضة تأسيس الأندية العلمية والثقافية والتعليمية والصحفية) عموما فإن هذه الأندية أو الأطر الطلابية كانت ضمن دائرة تضم ايضاً المدرسين والمشايخ، ولم تكن برامجها مستقلة، ويذكر أن أول محاولة لتأسيس اتحاد للتلاميذ، باسم (اتحاد التلاميذ بالمكلا) عام 1940م بموجب وثائق تأسيس وجلسات ولقاءات ولوائح داخلية واستؤجرت غرفة بأحد منازل المكلا لممارسة الأنشطة، وتقدم طلبة من مختلف أنحاء المكلا للانضمام إليه، وفي كتابه (دراسات في تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر - ط أولى، 2001 ص 150) يذكر أ.د صالح علي باصرة أن مؤسسي جمعية اتحاد التلاميذ والموقعين على وثيقة التأسيس هم:
«محمد عبدالقادر بافقيه، علي محفوظ بامحفوظ، علي محفوظ حوره- باحشوان، سالم بادواد، عمر بن سهيلان، ناصر سيف بن علي البوعلي، عبدالقادر باحشوان، طاهر بازنبور) ومن بينهم تأسست أو شكلت لجنة رباعية كهيئة إدارية: محمد بافقيه رئيساً، ناصر سيف البوعلي سكرتيراً، عبدالقادر محمد باحشوان مساعداً، طاهر محمد بازنبور متحدثاً وناطقاً باسم الطلبة. إلا أن السلطات القعيطية أغلقت هذا التجمع بأمر كتابي من ناظر المعارف، ومع ازدياد افتتاح المدارس الأهلية والابتدائية والوسطى فالثانويات بعد ذلك ظهرت الكيانات الطلابية وتنامى شعور الطلبة الوطني والقومي، وبدأ التعبير بكل الصور، وجاء احتفال المدرسة الوسطى بغيل باوزير للعام الدراسي 1958م الذي تضمن في فقراته إبداعات للطلاب في المسرح، المقالات الصحفية، إلقاء مختارات شعرية جميعها باتجاه قومي وانعكاس لما يجري بداخل المنطقة حضرموت والوطن العربي متزامناً مع الوحدة المصرية - السورية وحضر الاحتفال آلاف من مواطني حضرموت إضافة إلى أعضاء مجلس السلطنة ووزيرها والمستشار البريطاني (بوستيد).
كلمة بالإنجليزية ينسحب
بعدها المستشار البريطاني
> بدأ الحفل بكلمة المدرسة ألقاها أحد المدرسين (فرج بن غانم رحمة الله عليه) تتابعت بعدها الفقرات من بينها (برنامج الاحتفالات ضم أيضاً ندوة عن حضرموت والبترول) وفي الحفل ألقى الطالب مصطفى عبود من جمعية الادب الانجليزي كلمة بالإنجليزية مما جاء فيها: «بغير ثقتنا في أنفسنا وتضحياتنا وإيماننا بقدرتنا في أن نحقق وحدتنا لا نستطيع أن نبني مستقبلنا الزاهر، لقد ذدنا عن حقوق الإنسان ونشرنا المعرفة وحمينا السلام». ويستطرد الطالب عبود- وهو ما أقتطفه من دراسة للدكتور باصرة نشرت في 88م عنوانها (انتفاضة تلاميذ وطلاب غيل باوزير بحضرموت) في كلمته أيضاً: «إننا نكافح قوى الشر ولكن مع كل شروق للشمس يشرق الأمل في قلوبنا المصممة.. إنها معركة النصر فيها أكيد.. ونحن على استعداد لأن نحارب لننتصر».. وانسحب بعد الكلمة المستشار البريطاني.
بدا أن مسؤولي السلطنة وأجهزتها المخابراتية وضعت هذا الحفل في إطار سياسي تحريضي، فانعقد بعد أيام في المكلا مجلسا (السلطان والدولة) وأقر في الاجتماع المنعقد بمستوى عال عزل مدير المدرسة الوسطى أ. سالم يعقوب باوزير وعدد من المدرسين.
السلطات توقف بن شملان
وبن غانم وآخرين
> بعد إيقاف مدير المدرسة سالم باوزير تضمن إيقاف السلطة أيضاً عددا من المدرسين هم: «فرج سعيد بن غانم، فيصل بن شملان، سالم عبدالعزيز، صالح لرضي» (كما ورد في كتاب حضرموت والاستعمار البريطاني، د. أحمد بن دغر، ط الأولى ص 214).
ثم أغلقت المدرسة الوسطى، ومن هنا توالت الأحداث متسارعة باحتجاجات واستنكارات الطلبة بالمدرسة ومدارس الغيل الأخرى، وخرجت مسيرات الأهالي بالغيل منددة بهذه القرارات وجابت الشوارع رافعة شعارات (نريد مديرنا)، (لا عودة إلا بالمدير)، (يسقط عملاء الاستعمار ) وحاولت السلطات آنذاك ممارسة التضليل بأن هذه الإجراءات اتخذت جراء قيام مجموعة من المدرسين بما أخل بالتعليم بحسب وجهة نظر الحكومة، وأن المدير لم يتشاور في هذا الحفل مع السلطات.
وأمام فعل الحكومة وتمسكها بقراراتها المجحفة ازدادت حركة التأييد لطلبة ومدرسي غيل باوزير، وارتفعت حدة التظاهرات من الناس والطلاب، وتصدت الشرطة بإطلاق النار على التلاميذ وجرح العديد منهمإ فما كان من الطلبة كرد فعل إلا إحراق عدد من السيارات والمباني والحكومية.. من غيل باوزير بدأت شرارة الاحتجاجات، وأمام تعسفات السلطات بدأت دائرة التضامن مع الغيل تتسع.. أهالي الغيل وجهوا رسالة إلى وزير السلطنة بإعادة المدير والمدرسين وافتتاح المدرسة، وتقدم (40) من مقادمة القبائل والمشايخ بمذكرة للسلطات طالبوا فيها بقوة بإعادة الأمور إلى مجاريها فيما اجتمعت قيادة النادي الثقافي بالمكلا ورفعت مذكرة للسلطات، وعمت المسيرات التضامنية ألوية السلطنة حينذاك وتحولت إلى مسيرات مناهضة للتدخل في الشؤون الداخلية واحتجاجاً على إسكات حرية التعبير والتعامل معها بعنف وإجراءات قاسية.
طلبة في مدرسة النهضة بسيئون
وشجب عدد من الكتاب الأحرار في عدن، ومنهم عبدالله باذيب، أحمد عوض باوزير، محمد علي الأكوع، في بيان لهم الإجراءات التعسفية وأعلنوا تضامنهم مع طلبة الغيل ومدرسيها، وتفاعل أيضاً وتضامن (طلاب كلية عدن) وأصدروا بيانا تضامنيا مع زملائهم الطلاب في حضرموت، ونشرت المقالات والأخبار وخصصت التغطيات لهذا الحدث بالصحف العدنية والعربية، واتخذت السلطات بعد تصاعد الأمور قرارا بفتح المدرسة في ابريل 1958م بغية تهدئة الأجواء.
وهكذا وبعد فترة هدأت الأمور وعادت الأوضاع إلى ما كانت عليه.. ويسجل المؤرخون أحداث الحركة الطلابية اليمنية عموماً في ثلاث حالات مثلت صورة حسنة وحركة طلابية في المجتمع، وهي انتفاضة طلاب غيل باوزير في 58م، انتفاضة طلاب عدن في فبراير 61م، مظاهرات طلاب تعز وصنعاء 62م.
من الغيل 58م إلى سيئون 64م
> في أغسطس 64م تظاهر طلاب سيئون ضد الأوضاع، ورفعت شعارات متعددة تندد بإجراءات كثيرة وجوبهت المسيرة الطلابية بقمع الأمن لها وجرح كثير من الطلبة واعتقل بعد جرحه الطالب علوي عبدالرحمن السقاف، وتم محاصرة مقر الطلبة (مركز اتحاد الطلاب) .
ولم تتوقف المظاهرات التي انضم إليها مواطنون مناصرون، وتصاعدت عقب اعتقال الطالب الجريح واعتقال متظاهرين في البوليس السياسي بسيئون (حصن الحوارث)- السجن العام في سيئون اليوم- وأصدر طلبة سيئون بيانا توضيحيا للرأي العام في حضرموت حول أحداث مظاهرتهم بختم وتوقيع (الطلاب الأحرار في سيئون) سوف ننشره في الحلقة القادمة بإذن الله، وساند وتضامن مع طلبة سيئون مدن حضرموت عموماً.
( منقول من صحيفة الايام اعداد الاسبوع الاول من شهر اكتبوبر 2007م )
«الأيام» علوي بن سميط:
حفار لشركة نفطية في حضرموت في الستينات
قطوف من ديمقراطية حضرموت مجرد إشارات لما اعتمل في ما كان يطلق عليه السلطنتين الكثيرية والقعيطية، مجرد نتف أو قصاصات جمعتها من هنا وهناك من مصادر متعددة من وثائق أصلية أو مصورة، من صحف حضرمية وعدنية، ومن نشرات أندية وجمعيات ومؤسسات مجتمع مدني، في محاولة للاقتراب من ديمقراطية بدأ صناعتها أفراد أو جماعات خلال قرن مضى. ديمقراطية بمختلف صورها: حرية تعبير وصحافة، آراء متعددة، مطالبات ببيانات أو مسيرات أو إضرابات، شفافية وعلنية الخطوات السياسية سواء ممن ينتقدون الحكم آنذاك أو حتى الإجراءات التي تتخذها السلطات.. أحداث قد نوردها ليس تسلسلياً لأننا لسنا بصدد كتابة تاريخية تحليلية عن ديمقراطية مجتمع حضرموت وهي ديمقراطية صنعها ولم تعط له هبة، بل فرضها وانتزع بها ما يطمح إليه ولو بالحد الأدنى آنذاك، ليست قراءة تاريخية وإن كانت السطور في هذه الحلقة وحلقات قادمة محتواها أضحى في ذمة التاريخ وهو تاريخ يعتبر حديثاً، إنها استعراض أو عرض صحفي لحراك ديمقراطي في زمن مضى مكانه باق، حراك قوبل بصورة أو بأخرى من المؤسسات الرسمية حينها بالامتعاض حيناً وردود فعل قاسية أو إيجابية حيناً آخر أو تجاوباً في بعض الأحايين. جمعت هذه الشذرات بعد ان بحثت في صحفة هنا واخرى هناك كي يقف القارئ الكريم على نزر يسير جداً مما كان يعتمل.
> عندما بدأت شركة (بان أميركان) النفطية بتجهيز نفسها بعد الاتفاق مع سلطات حضرموت تخوف العديد من مواطني حضرموت والتجار من أن تذهب أعمالها وبعض مقاولاتها لآخرين أو لمتنفذين مما حدى بهم أن يتقدموا بمذكرات لشركة الزيت تلك وإلى مسئولي السلطنتين القعيطية والكثيرية ليكون التوزيع عادلاً بين الناس في الأعمال النفطية ومثال على لك فقد بعث الشيخ عبدالله عبدالرحمن باهرمو وآخرون بمذكرة جاء فيها: «إن ما تعانيه الأمة من تأخر التجارة وضيق في المعيشية وعدم توفر الأعمال لمختلف الطبقات ذلك أشهر من نار على علم باستثناء أفراد قليلين جدا لايتجاوزن عدد الأصابع».
وأضاف باهرمز في هذه العريضة (أبريل 62م) ونسخها للمستشار البريطاني المقيم والمعتمد البريطاني وحاكم عدن ومدير شركة بان أميركان:«فمن هؤلاء من لهم أساليبهم الخاصة في اقتناص الأرباح الهائلة داخل الوطن الذي مواطنوه في أشد الاحتياج ومنهم من له علاقات بالخارج تدر عليه مثل ذلك وغير خاف أن أكثر المواطنين مشردون في أنحاء المعمورة جريا وراء لقمة العيش وستر الحال».
وتصنيف العريضة:«أشيع هذه الأيام أن أفراداً وجهات خاصة يسعون لكي يقوموا بجميع طلبات شركة بان أمريكان التي تم اتفاقها مع السلطنتين الكثيرية والقعيطية للتنقيب عن البترول في حضرموت وذلك لتكون جميع متطلبات الشركة وخاصة العمال بواسطتهم وعن طريقهم حكراً لهم أو لفترة من الزمن على الأقل، وعليه فنحن نهيب بالمسئولين في الدولة ومن لهم إدراك ورأي من رجالات الشعب ولهم قلوب يفقهون بها وعيون يبصرون وآذان يسمعون بها ونوايا حسنة نهيب بهم أن ينظروا نظرة ود ورحمة وحرص وإخلاص إلى أخوانهم وبخاصة العوام الذين يرزحون تحت نير الفقر والجهل والمرض من جهة وتخدير الأعصاب والتضليل من جهة أخرى».
واختتمت مذكرة المطالبة بإعطاء مواطني حضرموت نصيبهم من أعمال الشركات النفطية بالقول: «نحن نرفع أصواتنا مطالبين من حكومتنا الموقرة التفكير جدياً بأن تكون جميع طلبات الشركة المذكورة موزعة بين المواطنين توزيعاً عادلاً لكي يتسنى لهم النهوض والتقدم السريع بانتظام وبمساعدة الدولة وتحت إشراف هيئات يختارونها بأنفسهم».
> كما طالب أيضاً نادي الشباب في تريم الحكومة الكثيرية الحضرمية بإعداد الشباب لشغل الوظائف في شركة الزيت، وجاء في المطالبة التي بعثت للحكومة:«اطلعنا على ما أعلنته حكومتكم الموقرة في إعلانها رقم (37-16) المؤرخ في 2 رمضان 7 فبراير 1962م بأن شركة بان أمريكان بحاجة إلى موظفين محاسبين ومترجمين وكتبة على الآلة الكاتبة عربي وانجليزي وطباخين وسائقي سيارات وأنه يشترط فيهم أن يجيدوا اللغة الإنجليزية ماعدا الطباخين والسائقين وبهذا الصدد نود أن نلفت أنظاركم إلى نقطتين هامتين: إن اشتراط إحسان اللغة الإنجليزية في التوظيف سيفوت وسيضيع فرص العمل والتوظيف على السواد الأعظم من المواطنين الذين لا يحسنون هذه اللغة في حين أنهم يحسنون لغة بلادهم اللغة العربية والذين طالما ارتقبوا العمل والتوظيف ببلادهم وانتظروه بفارغ الصبر بعد أن كان من التسكع والتشرد». وطالب النادي «أن تهيأ إعداد المواطنين للعمل والتوظيف وأن تقدم الحكومة المساعدة المادية الكافية والمدرسين الأكفاء ليقوموا بإعداد الشباب والمواطنين وتهيئتهم للعمل والتوظيف».
> بدأت في حضرموت حركات إصلاحية سياسية منها الفردية أو ضمن إطار مجموعات أو أندية اجتماعية وثقافية منذ ما قبل الخمسينات ونستعرض إحدى هذه الحالات للمطالبة بإصلاح حضرموت كالأوضاع السياسية ومسائل الضرائب الجمركية، فمن شبام حضرموت بدأ الشيخ سالم محمد شماخ بحركة إصلاحية بوضع لبناتها الأولى في أغسطس 1961م كما ذكر بنفسه رحمة الله عليه في لقاء مع «الأيام» 20 يونيو 1962م ومن ضمن المطالب توحيد الآراء بين المطالبات المتعددة على مستوى السلطنتين الكثيرية والقعيطية، وتحرك شماخ بدءاً من تريم وعقد لقاءات مع مجموعات الوجهاء والأعيان ومقادمة القبائل ثم اتصل بوجهاء تاربة بعدئذ في سيئون ثم الغرفة وكانت اللقاءات تبحث الهموم والمطالب تتوج بعقد مؤتمر لهذا الغرض وتحديد مندوبين لهذا المؤتمر من القسم الكثيري ويبدو أن النقاش لم يأت بجديد خصوصاً مع من اجتمع بهم في مدينة الغرفة، وعموماً تم الاتفاق على عقد المؤتمر ولكن لم يلب الطلب من الذين سبق أن وعدوا الشيخ شماخ بالحضور ولم ينعقد وظل التحرك في الألوية القعيطية آنذاك بدءاً بلواء شبام واللواء الغربي ولواء دوعن ثم الشحر والمكلا وبقي شماخ والمقتنعون بأطروحاته (حركته الإصلاحية) يعدون المطالب وترأس وفد ضم وجهاء وأعياناً من الألوية الستة القعيطية ضم في قوامه 38 شخصاً الذين قرروا فتح مكتب للحركة الإصلاحية بالمكلا عاصمة السلطنة القعيطية وفروع مكاتب في الألوية الأخرى لاستقطاب أكبر الأعداد لهذه الحركة وتشكيل ضغط لطرح المطالب على سلطات حكومة السلطنة. وفي بحثنا الأولي عن هذه الحركة هو عودة الشيخ سالم شماخ من الخارج وبوصوله ظهرت الأوضاع ليس كما يأمل فبادر في محاولة فردية نحو التغيير والإصلاح فبدأ بتوجيه الخطابات إلى السلطان ووزيره ونشر توجهاته في الصحف المحلية ثم بدأ بعقد اللقاءات مع النخب في المناطق باتجاه عقد مؤتمر موحد في حضرموت لإشهار حركته ومطالب التغيير من مختلف الفئات. وننقل هنا مقتطفات من أحد خطاباته الموجهة إلى وزير السلطنة القعيطية في يوليو 1961م ولعل خطابه تضمن جزءاً من أفكاره وهو المعروف عنه رحمه الله تجاربه ونجاحاته ليست التجارية في شبام حضرموت أو عدن أو الجزء الشمالي من اليمن بل نجاحه في تأسيس العديد من المؤسسات المدنية والشركات المساهمة لعلنا نأتي على ذكرها في حلقات أخرى، وجاء في خطاب شماخ:«عدت إلى مسقط رأسي بعد أن غبت فترة معظمها في عهد حكمكم الذي كان مأمولاً في المدة التي تربعتم فيها على كرسي الحكم ببلادنا رأينا وسمعنا شعوباً كثيرة قد نهضت بها حكوماتها ..هذه الحكومات منحت شعوبها ثقة ولم تتخذ لها بطانة من الخونة النفعيين، عدت إلى بلادي كنت أمنّي نفسي بالإصلاحات التي يمكن أن أراها وأسمع عنها. لقد أدهشني كل ما رأيت وكل ما سمعت ويؤسفني كما يؤسف كل حضرمي مخلص لبلاده أن يراها تعيش وظلمات العهود البائدة فيها الدكتاتورية بأقبح صفاتها فأقفلت مؤسسات الأحزاب وصودرت كما لقي رجالها كل عنف وذل وإهانة وبالوسائل الدكتاتورية حرم علينا إقامة الأحزاب كما كممت الصحافة وحرم عليها نشر النقد للأوضاع الفاسدة والتوجيه الصحيح السليم الديمقراطي حتى أصبح الشعب العربي بحضرموت يعيش خائفاً كأنه محكوم بالحديد والنار». وهكذا عرج سالم شماخ على توضيح العديد من الأوضاع في مختلف الجوانب إلى أن وصل في خطابه «مع تقديرنا واحترامنا لمعاليكم فإننا نحب أن تخلدوا لكم ذكريات حسنة في بلادنا وعفا الله عما سلف وكما يقول المثل (من عيال اليوم) وسنرى في القريب ما يقوي أملنا وثقوا ياصاحب المعالي بأنه لن يضيع حق بعده مطالب والله ولي التوفيق»
ظلت الحركة الإصلاحية كما أسميت تطرح مطالبها وتوسع نشاطها حتى بدأت السلطنة في التباحث معها وهو ما سنقترب منه في حلقات قادمة.
قطوف من ديمقراطية حضرموت في القرن الماضي (2)
«الأيام» علوي بن سميط:
أثارت تصريحات لوزير السلطنة المهرية للصحف الحضرمية، وتناقلتها الصحف العدنية والعربية، هيجاناً شعبياً وقبلياً بعد أن ذكر عددا من المناطق بأنها تتبع سلطنته - كثمود وسناو وغيرهما- مما أثار تداعيات في أشكال اجتماعات، مظاهرات، واحتجاجات مثقفين ومقادمة قبائل، ففي السلطنة القعيطية بالعاصمة المكلا وجه (16) شابا ومواطنا نداءً لعقد اجتماع لمناقشة هذا الوضع بعد أن وجهوا بياناً ودعوة إلى أبناء حضرموت جاء فيه: «نرى من الواجب دعوة جميع المواطنين لعقد مؤتمر شعبي لبحث قضايا الساعة وفي مقدمتها المؤامرة التي يراد بها اقتطاع أجزاء من حضرموت» وحدد الستة عشر شابا يوم 16 /12 /61م موعداً لعقد المؤتمر الشعبي بقاعة المكتبة السلطانية، وحضر كثير من الناس تجاوباً، فافتتح الجلسة السيد أحمد سعيد الحضرمي قائلاً: «إن عقد هذا المؤتمر في هذه الفترة هو عرض أحقية هذه البلاد في الجزء الذي يراد اقتطاعه منها، وخدمة هذه الناحية من الوجهة التأريخية وغيرها، إننا أيضاً نعقد المؤتمر الشعبي كرسالة للتعبير عن شجب هذه المؤامره التي تحاك» ثم انتخب الحضور السيد عوض عيسى بامطرف رئيساً لإدارة الجلسة والسيد حيدر العطاس سكرتيراً للجلسة، وفي سياق الطروحات والنقاشات (نستخلص بعد بحثنا وقراءتنا لهذا المؤتمر أو اللقاء) قرر الحضور إبلاغ الجهات المختصة (الحكومية) بأنها ناقشت ذلك الموضوع كثيراً ولكن يتوجب ترك ذلك للناس ومن خلال المؤتمر الذي سيضع حداً لأفكار الاقتطاع الذي قرره في 4 يناير 62م، وأن تطرح المطالب وتنوير المواطنين بالداخل والخارج لما يحاك ضد حضرموت وسلخ أجزاء منها، وقد أقر الحضور تشكيل لجان متعددة على أن تقدم تقاريرها وأبحاثها من وجهات علمية وتاريخية والإلمام بكل التفاصيل. وقال أحمد الحضرمي إن لجنة البحوث من أهم اللجان لأن المؤتمر الكامل القادم يرتكز على ما تقوم به هذه اللجنة بالذات، ويبدو أن التداعي الشعبي جاء على ما يظهر بعد أن لم يظهر رد فعل قوي من سلطات السلطنتين، لذلك فالتداعيات لمقاومة مشروع الاقتطاع سلمياً أخذت به كل المؤسسات المدنية واتفق حضور (المكلا) أنه إذا لم تسمح السلطات بإقامة المؤتمر المزمع في يناير 62م وما سيقدم من وثاق فإنهم سيعدون كتيباً يضم الوثائق سيوزع على الناس.
وفي الاجتماع التمهيدي يوم 16/ 12 /61م انتخبت لجان من الحضور، لجنة إعداد المطالب من السادة: عبدالرحمن عبدالله بكير، أحمد سعيد الحضرمي، وحسين البار. لجنة البحوث انتخبت من السادة: سالم يعقوب باوزير، عبدالله محمد باحويرث، أحمد عوض باوزير، سالم عبدالله بامطرف، علي سالم البيض، عبدالقادر محمد العماري، عوض عيسى بامطرف. لجنة الدعاية من السادة:علوي صالح المفلحي، سالم عوض باوزير، علي صالح الحضرمي، محمد محفوظ باحشوان، علي حسين بلفقيه، خالد أبوبكر بارحيم، حيدر أبوبكر العطاس، عبداللاه باعباد. ولجنة مالية من السادة: محسن محمد الناخبي، عبدالكريم محمد بارحيم، عبدالله علوي الصافي، أبوبكر محمد بامنصور، عوض محمد باصالح.
> في اليوم نفسه الذي انعقد فيه لقاء الشباب والمواطنين وانتخاب لجان بشأن مشروع الاقتطاع (انعقد في المساء)، شهدت المكلا من الصباح إضراباً شاملاً توقفت فيه الحياة شجباً لدعوة ضم أجزاء من حضرموت إلى سلطنة أخرى، فأغلقت المتاجر والمطاعم والبسطات الصغيرة وفعلت ذلك أيضاً مدينة غيل باوزير وزادت على ذلك خروج أهاليها في مظاهرة صاخبة تندد بمشروع الاقتطاع.
وفي اليوم التالي توقفت الحركة الاعتيادية بمدينة الشحر جراء الإضراب العام احتجاجاً على ضم أراض من حضرموت إلى سلطنة أخرى، وشهدت مناطق حضرموت تجاوباً في شبام وسيئون فاندلعت المسيرات في كل مكان، كما وجه (40) من أعيان وشخصيات حضرموت من السلطنتين برقية إلى حاكم عدن العام والمستشار المقيم بحضرموت وإلى السلطان القعيطي والكثيري، ومما جاء فيها: «بهذا نعلن إصرارنا على حقوق وطننا بكل ما نملك من وسائل».
كما أدانت الجمعية الوطنية الحضرمية بعدن - التي أصبح اسمها فيما بعد الجمعية الخيرية الحضرمية بعدن - مثل هذه المشاريع وعبرت في بياناتها ولقاءاتها ونشراتها بالقول: «نستنكر الادعاءات من الذين يدعون بالمطالبة بضم أراض حضرمية، ونؤيد كل ما يقوم به إخواننا للدفاع عن هذه الأرض وسنكون صفاً واحداً لإحباط هذه المؤامرة».. وتواصلت الاحتجاجات في مظاهرات للشباب بالمكلا صامتة تتوقف كل مرة أمام دار المستشارية وأمام قصر السلطان، وكان المتظاهرون يستمعون إلى كلمات من شخصيات تقود هذه المظاهرات تؤكد «أن هذه المؤامرة التي أحيكت ضدنا وضد إخواننا في المهرة هي محاولة فاشلة ترمي لتعميق روح التجزئة بين الأخوة» فيما أدلت قبيلة بني ضنه (تضم قبائل كثيرة العدد على مساحات جغرافية شاسعة في أنحاء حضرموت) بدلوها في هذا الموضوع، إذ أصدر رئيس قبيلة بني ضنه المقدم العبد بن علي بن يماني التميمي رداً شافياًً قاطعاً نشر في صحيفة «الرائد» الحضرمية موضحاً أن الادعاءات التي تفوه بها وزير السلطنة المهرية تفتقد تاريخياً وسياسياً وجغرافياً للمنطق قائلاً: «إننا أقدم من ملك هذه الرقعة من الأرض - يقصد بها الأرض المدعى بها- وبحكم ولائنا لحكومتنا وبحكم المعاهدات التي بيننا وبين حكومتنا القعيطية وضعت يدها على أرض لنا ومنها هذه المناطق من كل جهاتها الطبيعية والجغرافية والاقتصادية تابعة لبني ضنه والتي هي بالتالي حسب الولاء من بني ضنه تابعة للسلطنة القعيطية».. تصاعد الاحتجاجات والتمسك بحق الأرض ورفض الضم والاقتطاع تصادف وزيارة السير تشارلس جونستون، حاكم عدن، إلى المكلا وسيئون في زيارة رسمية للسلطنتين الكثيرية والقعيطية.. التصريح الذي أثاره مسؤول سلطنة مجاورة للسلطنتين الحضرمية أثار الناس وشهد تصاعدا وانتهى بعد مدة ولم يقو أحد على سلخ جزء من حضرموت عندما تراصت الصفوف، ولعل تحرك الناس من قبل هذا الحدث وبعده - في حالات سياسية دعت لتوحيد السلطنتين عبر لقاءات عامة ومؤتمرات في الداخل وتحركات في الخارج - نادت به جمعيات وأندية ومثقفون وقبائل بل وحتى من أركان حكم السلطنتين ومنذ ما قبل الستينات، كل هذه التحركات في موضوع وحدة القعيطي والكثيري أوجدت مشاورات وتقاربا بين السلطنتين بضغط شعبي منذ ما قبل الستينات بالطبع.
> الدعوات الأهلية لوحدة حضرموت لم تكن في الستينات بل هي أقدم بكثير، ولكن التفعيل الرسمي والاقتراب الكبير بين السلطنتين جاء مع تشكيل الاتحاد الفيدرالي بين سلطنات ومشيخات جنوب اليمن، وبالتأكيد معروف لدى الكل أن حضرموت لن تنضم إليه، وشهدت السلطنتان في فبراير 61م تحركات لوفود رسمية بينهما يحمل كل منها مقترحات بقيام الوحدة بين البلدين (حتى قبل هذه الدعوات فإن هناك ملامح متعددة على الواقع لا يشعر بها الحضرمي إذا تواجد في سلطنة غير سلطنته سوى أنه في ارضه)، وللتعجيل بهذا المشروع عادت من جديد وبقوة الدعوات الشعبية لعقد المؤتمرات للدفاع والضغط على الرسميين تفاعل معها مغتربون من ابناء حضرموت، وكمثال من كمّ كثير استعرضت صحيفة «الطليعة» في صدر صفحتها الأولى عدد 16 شعبان 1380هـ برقية إلى الأستاذ أحمد عوض باوزير، رئيس التحرير من الافاضل حسين العطاس وعبدالعزيز بن وبر من المملكة العربية السعودية، وهي برقية تأييد جاء فيها: «نشاطر اقتراحكم ونؤيد عقد مؤتمر عام لبحث قضيتي الوحدة الحضرمية والبترول في موسم الحج القادم بالسعودية.. نضع أنفسنا تحت التصرف.. ارفعوا نداءنا لجميع الحضارم في كل مكان».
قطوف من ديمقراطية حضرموت في القرن الماضي ..عزل مدير مدرسة ومدرسين بحضرموت يثير مظاهرات طلابية تبدأ من غيل باوزير والمكلا ..من غيل باوزير بدأت شرارة الاحتجاجات وأمام تعسفات السلطة بدأت دائرة التضامن تتسع
«الأيام» علوي بن سميط:
احتفال لجمعية الاخوة بتريم
يصف بعض كتاب ومؤرخي الحركة الوطنية بحضرموت تنظيمات الشباب والطلبة أن بداياتها بتأسيس اتحاد الطلبة الحضارم (الفكرة 59م والتأسيس 60م) في وقت شهدت حضرموت أحداثا شارك فيها الطلبة منذ ما قبل الستينات، إلا أن تكويناتهم لم تكن على شكل مؤسسي بل تأتي ردود فعل وتفاعلا مع القضايا الداخلية أو ضمن صور التعبير الاخرى التي قادتها الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وجاء اتحاد الطلبة الحضارم بمثابة إطار عام للطلبة على مستوى السلطنتين آنذاك وافتتح له فروعاً بالخارج وضم طلبة مستقلين وقوميين ورابطيين وتيارات إسلامية .. وسنأتي على ذكر أنشطة ودور اتحاد الطلبة الحضارم في حلقة قادمة.
> يذكر أن جمعية الأخوة والمعاونة بتريم التي تأسست في 1929م عملت على تأسيس إطار يهتم بتلاميذ تريم نشاطه أدبي وثقافي، وفي الاربعينات تأسسات أندية طلابية كالإصلاح في المكلا، الإصلاح في القطن، نادي اليقظة العلمي الأدبي في شبام (وهذا الأخير حصلت على معلومات تأسيسة من خلال نشراته وصحيفته «اليقظة» التي تصدر مخطوطة باليد في شبام، وترأسه سالم أبوبكر التوي.. وتلك المعلومة لم يذكرها للأسف كتاب ومؤرخون من قبل كتبوا عن بدايات نهضة تأسيس الأندية العلمية والثقافية والتعليمية والصحفية) عموما فإن هذه الأندية أو الأطر الطلابية كانت ضمن دائرة تضم ايضاً المدرسين والمشايخ، ولم تكن برامجها مستقلة، ويذكر أن أول محاولة لتأسيس اتحاد للتلاميذ، باسم (اتحاد التلاميذ بالمكلا) عام 1940م بموجب وثائق تأسيس وجلسات ولقاءات ولوائح داخلية واستؤجرت غرفة بأحد منازل المكلا لممارسة الأنشطة، وتقدم طلبة من مختلف أنحاء المكلا للانضمام إليه، وفي كتابه (دراسات في تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر - ط أولى، 2001 ص 150) يذكر أ.د صالح علي باصرة أن مؤسسي جمعية اتحاد التلاميذ والموقعين على وثيقة التأسيس هم:
«محمد عبدالقادر بافقيه، علي محفوظ بامحفوظ، علي محفوظ حوره- باحشوان، سالم بادواد، عمر بن سهيلان، ناصر سيف بن علي البوعلي، عبدالقادر باحشوان، طاهر بازنبور) ومن بينهم تأسست أو شكلت لجنة رباعية كهيئة إدارية: محمد بافقيه رئيساً، ناصر سيف البوعلي سكرتيراً، عبدالقادر محمد باحشوان مساعداً، طاهر محمد بازنبور متحدثاً وناطقاً باسم الطلبة. إلا أن السلطات القعيطية أغلقت هذا التجمع بأمر كتابي من ناظر المعارف، ومع ازدياد افتتاح المدارس الأهلية والابتدائية والوسطى فالثانويات بعد ذلك ظهرت الكيانات الطلابية وتنامى شعور الطلبة الوطني والقومي، وبدأ التعبير بكل الصور، وجاء احتفال المدرسة الوسطى بغيل باوزير للعام الدراسي 1958م الذي تضمن في فقراته إبداعات للطلاب في المسرح، المقالات الصحفية، إلقاء مختارات شعرية جميعها باتجاه قومي وانعكاس لما يجري بداخل المنطقة حضرموت والوطن العربي متزامناً مع الوحدة المصرية - السورية وحضر الاحتفال آلاف من مواطني حضرموت إضافة إلى أعضاء مجلس السلطنة ووزيرها والمستشار البريطاني (بوستيد).
كلمة بالإنجليزية ينسحب
بعدها المستشار البريطاني
> بدأ الحفل بكلمة المدرسة ألقاها أحد المدرسين (فرج بن غانم رحمة الله عليه) تتابعت بعدها الفقرات من بينها (برنامج الاحتفالات ضم أيضاً ندوة عن حضرموت والبترول) وفي الحفل ألقى الطالب مصطفى عبود من جمعية الادب الانجليزي كلمة بالإنجليزية مما جاء فيها: «بغير ثقتنا في أنفسنا وتضحياتنا وإيماننا بقدرتنا في أن نحقق وحدتنا لا نستطيع أن نبني مستقبلنا الزاهر، لقد ذدنا عن حقوق الإنسان ونشرنا المعرفة وحمينا السلام». ويستطرد الطالب عبود- وهو ما أقتطفه من دراسة للدكتور باصرة نشرت في 88م عنوانها (انتفاضة تلاميذ وطلاب غيل باوزير بحضرموت) في كلمته أيضاً: «إننا نكافح قوى الشر ولكن مع كل شروق للشمس يشرق الأمل في قلوبنا المصممة.. إنها معركة النصر فيها أكيد.. ونحن على استعداد لأن نحارب لننتصر».. وانسحب بعد الكلمة المستشار البريطاني.
بدا أن مسؤولي السلطنة وأجهزتها المخابراتية وضعت هذا الحفل في إطار سياسي تحريضي، فانعقد بعد أيام في المكلا مجلسا (السلطان والدولة) وأقر في الاجتماع المنعقد بمستوى عال عزل مدير المدرسة الوسطى أ. سالم يعقوب باوزير وعدد من المدرسين.
السلطات توقف بن شملان
وبن غانم وآخرين
> بعد إيقاف مدير المدرسة سالم باوزير تضمن إيقاف السلطة أيضاً عددا من المدرسين هم: «فرج سعيد بن غانم، فيصل بن شملان، سالم عبدالعزيز، صالح لرضي» (كما ورد في كتاب حضرموت والاستعمار البريطاني، د. أحمد بن دغر، ط الأولى ص 214).
ثم أغلقت المدرسة الوسطى، ومن هنا توالت الأحداث متسارعة باحتجاجات واستنكارات الطلبة بالمدرسة ومدارس الغيل الأخرى، وخرجت مسيرات الأهالي بالغيل منددة بهذه القرارات وجابت الشوارع رافعة شعارات (نريد مديرنا)، (لا عودة إلا بالمدير)، (يسقط عملاء الاستعمار ) وحاولت السلطات آنذاك ممارسة التضليل بأن هذه الإجراءات اتخذت جراء قيام مجموعة من المدرسين بما أخل بالتعليم بحسب وجهة نظر الحكومة، وأن المدير لم يتشاور في هذا الحفل مع السلطات.
وأمام فعل الحكومة وتمسكها بقراراتها المجحفة ازدادت حركة التأييد لطلبة ومدرسي غيل باوزير، وارتفعت حدة التظاهرات من الناس والطلاب، وتصدت الشرطة بإطلاق النار على التلاميذ وجرح العديد منهمإ فما كان من الطلبة كرد فعل إلا إحراق عدد من السيارات والمباني والحكومية.. من غيل باوزير بدأت شرارة الاحتجاجات، وأمام تعسفات السلطات بدأت دائرة التضامن مع الغيل تتسع.. أهالي الغيل وجهوا رسالة إلى وزير السلطنة بإعادة المدير والمدرسين وافتتاح المدرسة، وتقدم (40) من مقادمة القبائل والمشايخ بمذكرة للسلطات طالبوا فيها بقوة بإعادة الأمور إلى مجاريها فيما اجتمعت قيادة النادي الثقافي بالمكلا ورفعت مذكرة للسلطات، وعمت المسيرات التضامنية ألوية السلطنة حينذاك وتحولت إلى مسيرات مناهضة للتدخل في الشؤون الداخلية واحتجاجاً على إسكات حرية التعبير والتعامل معها بعنف وإجراءات قاسية.
طلبة في مدرسة النهضة بسيئون
وشجب عدد من الكتاب الأحرار في عدن، ومنهم عبدالله باذيب، أحمد عوض باوزير، محمد علي الأكوع، في بيان لهم الإجراءات التعسفية وأعلنوا تضامنهم مع طلبة الغيل ومدرسيها، وتفاعل أيضاً وتضامن (طلاب كلية عدن) وأصدروا بيانا تضامنيا مع زملائهم الطلاب في حضرموت، ونشرت المقالات والأخبار وخصصت التغطيات لهذا الحدث بالصحف العدنية والعربية، واتخذت السلطات بعد تصاعد الأمور قرارا بفتح المدرسة في ابريل 1958م بغية تهدئة الأجواء.
وهكذا وبعد فترة هدأت الأمور وعادت الأوضاع إلى ما كانت عليه.. ويسجل المؤرخون أحداث الحركة الطلابية اليمنية عموماً في ثلاث حالات مثلت صورة حسنة وحركة طلابية في المجتمع، وهي انتفاضة طلاب غيل باوزير في 58م، انتفاضة طلاب عدن في فبراير 61م، مظاهرات طلاب تعز وصنعاء 62م.
من الغيل 58م إلى سيئون 64م
> في أغسطس 64م تظاهر طلاب سيئون ضد الأوضاع، ورفعت شعارات متعددة تندد بإجراءات كثيرة وجوبهت المسيرة الطلابية بقمع الأمن لها وجرح كثير من الطلبة واعتقل بعد جرحه الطالب علوي عبدالرحمن السقاف، وتم محاصرة مقر الطلبة (مركز اتحاد الطلاب) .
ولم تتوقف المظاهرات التي انضم إليها مواطنون مناصرون، وتصاعدت عقب اعتقال الطالب الجريح واعتقال متظاهرين في البوليس السياسي بسيئون (حصن الحوارث)- السجن العام في سيئون اليوم- وأصدر طلبة سيئون بيانا توضيحيا للرأي العام في حضرموت حول أحداث مظاهرتهم بختم وتوقيع (الطلاب الأحرار في سيئون) سوف ننشره في الحلقة القادمة بإذن الله، وساند وتضامن مع طلبة سيئون مدن حضرموت عموماً.